موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

ما يشغل الدولة من وقائع يكون موضوع بحثها.

حوادث سنة ١١٠٧ ه‍ ١٦٩٥ م

الوزير علي باشا :

ولي بغداد. دخل متسلّمه في ٧ المحرم ثم ورد هو فحكم بغداد.

التأهب لاستخلاص البصرة :

بذل الوزير ما في وسعه لإنقاذ البصرة وجعل معه الوزير حسين باشا محافظ ديار بكر بعساكره. وكذا ولاة كركوك والموصل والرها فهؤلاء أمروا مع كتخدا الباشا بالذهاب إلى البصرة حتى أن الشريف سعد (شريف مكة) (١) عيّن مع هؤلاء وعهد بالقيادة (الإمارة) إلى الوزير فلم يتيسر له السفر وأن والي ديار بكر حسين باشا توفي في بغداد. رأى الجيش فقدان الارزاق وقلتها فلم يبد رغبة ، وعاد أكثره إلى مواطنه (٢).

عشيرة شمر :

اهتم الوالي بها وبذل جهوده ليلا ونهارا فصار يجمع من يستعين

__________________

(١) كان الشريف سعد بن زيد ولي سنة ١١٠٣ ه‍ وعزل الشريف محسن بن حسين وفي سنة ١١٠٥ ه‍ عزل سعد من الشرافة أيضا فهرب إلى اليمن في ذي الحجة وأقيم مكانه الشريف عبد الله بن هاشم وبعد انتهاء موسم الحج في سنة ١١٠٦ ه‍ عاد بمساعدة إمام اليمن فاستولى على المواقع المهمة فاضطر الشريف عبد الله ومعه أحمد بن غالب إلى الهرب إلى ينبع فاضطرت الدولة إلى إعادته وكان ابنه سعيد ذهب معه إلى اليمن وعاد معه. تاريخ راشد ج ٢ ص ٢٨٦ و٣٠٤ وتاريخ السلحدار ج ٢ ص ٦١٣.

(٢) كلشن خلفا ص ١١٦ ـ ١ وفي تاريخ راشد ج ٢ ص ٢٥٥ ، إن المصروفات في هذا السبيل بلغت (٤٥) ألف قرش منها (١٥) ألفا أعطيت إلى والي ديار بكر والمتبقي لوالي بغداد.

١٦١

بهم من الأنحاء الأخرى لدفع الغوائل ، وكان ورد إلى جهة نهر عيسى نحو ثلاثمائة من عشيرة شمر فعاثوا بالأمن. ظهروا هناك على حين غرة. وحينئذ آغار عليهم هذا الوزير بما لديه من خاصة فأعمل فيهم السيف والرمح وأورد الكثيرين منهم حتفهم وأسر نحو خمسين أو ستين وجاء بهم إلى بغداد ، فضربت أعناقهم (١).

غزية ـ أمير الموالي حسين العباس :

ثم حدثت غوائل أخرى فإن أعراب غزية في ناحية الشامية شوشوا الأمن وصاروا ينهبون القرى والبلاد. فلما علم ذلك منهم سير إليهم حسين العباس أمير الموالي وكان آنئذ مع الوزير. جهز معه ثلة من الجيش. أما هؤلاء الأعراب فلم يستطيعوا المقاومة ، فاستولى على نحو من ألف أو ألفين من ابلهم ...

ومن هذا نعلم أن الموالي لا يزالون إلى هذا الحين أصحاب السلطة العشائرية القوية ، وأن الحكومة تستعين بهم وتركن إلى قوّتهم في تأديب العشائر الأخرى وفي العراق لا تزال فرق منهم في أنحاء مختلفة (٢).

هذه من طيىء ، من أكبر عشائر العراق. واليوم استقل كل فرع من فروعها باسم خاص وربما عادت الصلة غير معروفة لو لا المدونات التاريخية (٣).

عشيرة بني جميل ـ زبيد :

عاثت عشيرة بني جميل في أطراف دجيل وكذا في مهروذ

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١١٦ ـ ١.

(٢) كلشن خلفا ص ١١٦ ـ ١.

(٣) عشائر العراق ج ٣. وكلشن خلفا ص ١١٦ ـ ١.

١٦٢

(مهروت) أعراب (زبيد) كانوا قد اعتادوا الغارة والنهب وعلى هذا ذهب الوزير نفسه إليهم فعاقبهم بما يستحقون. ويقصد بأعراب زبيد (عشائر العزة). وهم من زبيد الأصغر وفروعهم كثيرة.

وعشيرة بني جميل. من العشائر القيسية. ولها فروع عديدة.

عشائر بني لام :

ظهر من بني لام اعتداء على أطراف مندلي (بند نيجين). ولما اشتهر ذلك وتحقق ذهب الوزير نحوهم بما عنده من حاشية. ومن عشائر البيات وباجلان. وكان الأعراب نحو خمسة آلاف أو ستة فلم يبال بهم. وفي أثناء المعركة واشتدادها تزلزلت أقدام الأعراب ولم يقووا على العراك. ولم تمض إلا أربع ساعات أو خمس حتى فرق شملهم فقتل من قتل وجرح من جرح ، فأعادهم مقهورين. ورجع منتصرا (١) ...

رأى هذا الوزير أنه من سنين طويلة قد تسلّط العربان سواء في أنحاء بغداد أو حوالي البصرة فاختل نظام الدولة وفقدت السيطرة عليها فصارت تشوش الحالة وتضر بالأمن ... فبذل خلال وزارته البالغة ثلاث سنوات أو أربعا مجهودات كبيرة. سعى سعيا حثيثا ليل نهار وتسلط على القاصي والداني. تولى تأديب هذه العشائر مرة بنفسه وأحيانا استعان برجاله.

وعلى كل كانت همته مصروفة إلى ضبط الأمور وصيانة الضعفاء (٢).

حوادث سنة ١١٠٩ ه‍ ـ ١٦٩٧ م

حالة البصرة :

إن الحوادث المارة تجعلنا نقطع بجلاء أن حكومة بغداد لم تتمكن

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١١٦ ـ ١. وعشائر العراق ج ٣.

(٢) كلشن خلفا ص ١١٦ ـ ٢.

١٦٣

من ضبط العشائر المجاورة فكيف تستطيع القضاء على إمارة المنتفق بالبصرة.

وجل ما عرف من تاريخ راشد أن أخا الشيخ مانع ومثله كتخداه جعفر لم يتمكن من الحويزة وعاد مخذولا في حربه ، وتوالى الوهن في القوة وأن العربان الذين معه تفرقوا منه تدريجيا ...

وأن الأهلين في البصرة وشيوخ العرب في انحائها أخبروا الوالي بهذه الحالة وطلبوا أن يجعل حسن باشا والي البصرة السابق واليا عليهم وأن ينقذهم قدموا محضرا بذلك. فلم يعتمد والي بغداد على هذه الأخبار فأرسل درويش آغا كتخدا الجيش الأهلي لاستطاع حقيقة الحالة. ولما عاد أبدى أن القرنة راغبة في التسليم وأن الشيخ ابن صبيح طلب قوة صغيرة فأرسل إليه ثلاثمائة من الجيش فسلم إليهم البلد وأخرج أعوان الشيخ مانع.

وأن أهل البصرة لا سيما سادات الرفاعية وردت الكتب منهم يلتمسون إرسال حسن باشا بألف جندي ليسلموا إليه المدينة.

أما الوالي فإنه ليس في استطاعته تجهيز ألف جندي ، فتهرب من كل مصرف أو بالتعبير الأولى لم يتمكن من اخضاع العشائر التي بجهته فكيف يستطيع أن يجهز جيشا لهذه المهمة ، فلم يهتم بكل هذا ، وأضاع الفرصة.

وفي هذه الحالة ورد سفير من أمير الحويزة فأبدى أنه يستطيع أن يستولي على البصرة ويقدمها إلى الدولة والظاهر أن الوالي أذن له. ومن ثم لم يستطع الشيخ مانع دفعه فترك المدينة واستولى عليها أمير الحويزة ، فصارت بيد المشعشعين (١).

__________________

(١) تاريخ راشد ج ٢ ص ٤٢٠.

١٦٤

مفاتيح البصرة :

وبعد ما مرّ من الحوادث من انتزاع أمير الحويزة المولى فرج الله البصرة من الشيخ مانع كان أخبر شاه ايران بذلك وحينما سمع لم يشأ أن يجدد حوادث الخصومة مع العثمانيين فأرسل رستم خان سفيرا إلى الترك فذهب إلى أدرنة. وبعد الاستراحة أياما معدودات واجه الصدر الأعظم وشيخ الإسلام ، وأبدى أنه جاء بمفاتيح البصرة والهدايا الوافرة. ثم تكرّم بمواجهة السلطان وعرض كتاب الشاه مع الهدايا وبلغ ما أرسل من أجله فأبدى السلطان اللطف لهذا السفير واستأنس به وكساه وأتباعه الخلع (١).

حوادث سنة ١١١٠ ه‍ ـ ١٦٩٨ م

حكومة الوزير إسماعيل باشا :

ولي بغداد في هذه السنة ، وأن متسلّمه ورد في ٢ ربيع الأول ثم جاء هو بعده بيوم أو يومين فقام بأعباء الادارة. وجاء في تاريخ راشد أن علي باشا عزل سنة ١١٠٩ ه‍ إثر عودة رسول الشاه. وكان غضب عليه من جراء إهماله وتكاسله بحيث ترك البصرة حتى استولى عليها أمير الحويزة ، وعهد إلى إسماعيل باشا بمنصب بغداد وكان والي مصر (٢).

تأهبات جديدة على البصرة :

وفي هذه الأيام كان كل من والي حلب الوزير حسن باشا ووالي ديار بكر الوزير يوسف باشا الچلبي في صحبة الوزير جاؤوا إلى حسن باشا والي البصرة السابق وكان آنئذ والي الموصل ودعوه لضبط حكومة

__________________

(١) تاريخ راشد ج ٢ ص ٤٢٩.

(٢) تاريخ راشد ج ٢ ص ٤٢٩.

١٦٥

البصرة وعين من جانب الحكومة مع هؤلاء مائة (بيرق) وأكثر من ألف ينگچري من نوع (سردن گيچدي) ونحو ألف من اللوند (اللاوند) (١). أرسل هذا الجيش إلى البصرة إلا أنه عاد مخذولا مقهورا فإن هذا الوزير جمّع الجيش وذهب للزيارة في كربلاء فحصلت منه اعتداءات كثيرة. مدّ الجند أيديهم إلى النهب وعادوا بتلك الحالة. وحينئذ وردت رسائل عتاب وتقريع من حكومة ايران من جراء هذه الأعمال.

والأغرب أن هذا الوزير حينما عزل عهد إليه بمنصب (وان) ولكنه استولى عليه الوهم من الدولة وخشي بطشها به ففر إلى أنحاء ايران وهناك أصابته أنواع النكبات فتوفي.

ومجمل القول إن خطة بغداد ومدينة البصرة قد مثلا أنواع الاعاجيب والغرائب من سنة ١١٠٢ ه‍ إلى ١١١١ ه‍ وأن أحوال الناس اضطربت. تسلط العشائر على الأنحاء استفادة من ضعف الدولة حتى أن الشيخ مانعا حينما استولى على البصرة لم يقدر على ضبطها وحسن إدارتها ومن ثم توصل أمير الحويزة (فرج الله) بطرائف الحيل وبلا حرب حتى استولى عليها.

ثم إن الدولة في هذه الأيام كانت مشغولة بمقارعات مع الحكومات الأجنبية المجاورة لها فكل ما قامت به من التجهيزات والمعدات للحرب لم تكن مجدية.

قال صاحب گلشن خلفا : فبقيت الأمور مرهونة بأوقاتها. ولما تم الصلح بين الدولة والأجانب عطفت الهمة إلى جهة استعادة البصرة. وقال إن العشر سنوات السابقة حدثت فيها حوادث مرّة لا تدعو للطمأنينة والرغبة وإن تفصيلها لا طائل تحته فأغفلت أمرها.

وفي ما ذكره كفاية لمعرفة الوضع ، وحقيقة الإدارة. وكان الأولى

__________________

(١) تاريخ العراق بين احتلالين ج ٤ ومباحث عراقية ج ١ ص ٣١.

١٦٦

به أن يدوّن ما جرى من أنهم لم يستطيعوا في هذه الحالة توليد النظام أو تسكين راحة الخلق بالسيطرة على الإدارة. وإنما قام المتغلبة من كل فج وهم لاهون (١).

المدرسة الإسماعيلية :

عرف جامع الخفافين أو (جامع الصاغة) قديما بمسجد الخظائر. وفي أيام سنان باشا جغاله زاده عمر مدرسة هذا الجامع. وفي أيام إسماعيل باشا (سنة ١١١٠ ه‍ ـ ١١١١ ه‍) أعيدت عمارتها ، وعرفت ب (الإسماعيلية). وما قيل من أن مدرسة الإسماعيلية في (سوق الكبابية) فغير صحيح. فهناك (مدرسة الوفائية) (٢). وهذه قديمة ذكرها الشيخ سلطان الجبوري. كان كتب رسالة سنة ١١١٨ ه‍ في المدرسة الإسماعيلية كما جاء في مخطوطات الموصل (٣).

ودامت هذه المدرسة إلى أيام علي باشا صاحب المدرسة العلية كما هو منطوق الأمر السامي المؤرخ سنة ١١٧٦ ه‍ ، بل بقيت معروفة بهذا الاسم إلى أن عمرها وجدد بناءها (آل الپاچه چي) (٤).

حوادث سنة ١١١١ ه‍ ١٦٩٩ م

الوزير مصطفى باشا :

عزل إسماعيل باشا من جراء أنه لم يستطع القيام بما هو مطلوب منه في حوادث بغداد والبصرة. وإنما قصّر في واجبه وبقيت الأمور على

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١١٧ ـ ١.

(٢) تاريخ مساجد بغداد ص ٧٧.

(٣) مخطوطات الموصل ص ٢٩.

(٤) المعاهد الخيرية.

١٦٧

ما كانت عليه قبله مما دعا إلى عزله (١) ، فولي مكانه مصطفى باشا المشهور ب (دال طبان) وكان تربّى في دائرة قره مصطفى باشا ثم نال مناصب عديدة منها أنه صار آغا الينگچرية ثم ولي مراتب أخرى حتى نقل من أدرنة إلى بغداد في ربيع الآخر ووصل متسلمه في غرة ذي القعدة ، وجاء هو في أواسط ذي الحجة (٢).

حوادث سنة ١١١٢ ه‍ ١٧٠٠ م

استخلاص البصرة والقرنة :

إن الدولة كانت مشغولة بحروب طاحنة مع دول عديدة من الغربيين الأمر الذي دعا أن تهمل أمر بغداد والبصرة ، ولم تلتفت إلى ما حدث من تغلب وتشوش ، فكانت قضية البصرة والقرنة في درجة تالية من الاهتمام بل تركت إلى الوقت المرهون.

وفي هذه الأيام زالت الغوائل فتوجهت أنظار الدولة إلى هذه المهمة من توطيد النظام والمهام الأخرى فيها. اتخذت التدابير لذلك كله (٣).

وفي أواسط المحرم ورد الفرمان بلزوم استخلاص البصرة والقرنة من أيدي المتغلبة وإعادتهما إلى حوزة الدولة وأن يعهد بانضمام ايالة البصرة إلى حلب الشهباء وإيداعهما إلى والي بغداد السابق علي باشا. وعيّن قائد الحملة وأن يكون معه محافظ آمد الوزير محمد باشا وأمراء الألوية وجيش الحرس ومحافظ شهرزور يوسف باشا ، ووالي سيواس

__________________

(١) تاريخ راشد ج ٢ ص ٤٨٤.

(٢) كلشن خلفا ص ١١٧ ـ ٢ وسجل عثماني.

(٣) تاريخ راشد ج ٢ ص ٥٠٩.

١٦٨

١٦٩

مصطفى باشا ووالي قره مان أيوب باشا ومتصرف پيره جك علي باشا ومتصرف أماسية محمد باشا مع من في ايالتهم من زعماء وأرباب تيمار وحرس ... وأمير العمادية ومن معه من فرسان ومشاة ، وأمراء عينتاب ومرعش ، وايالة حلب وكتخدا الجيش مع ثماني عشرة أورطة من ينگچرية الباب العالي مع كتخدائية السپاه والسلحدارية ونحو ألف من شجعان (سردنگچدي) من الترقية (١) وخمسمائة أو ستمائة من الجبه جية والمدفعية والعرباتية وكتخدائية الباب العالي. وكذا خمس الجيش الأهلي في بغداد ، وأمراء بدرة وباجلان والبيات وعشائر الكرد الفرسان ... عيّن هؤلاء. وأمدوا بذخائر وأرزاق من الرقة وديار بكر ومن الموصل وبالنقود من بعض البلاد الأخرى النائية.

وكانت الدولة قبل هذا قد عينت محمد باشا آشچي زاده للقيام بإعداد أسطول في (پيره جك) لمهمة الجيش ونقل أرزاقه فأكملت.

ثم إن والي حلب كان في محافظة بغداد منذ سنة ولا يزال في سفر طول هذه المدة. فعين لمحافظة الحلة وأبقي محافظ الموصل الوزير يوسف باشا الچلبي. وكان متصرف أماسية محمد باشا عين للقيام بهذه المهمة فظهر منه بعض التكاسل فتوقف بضعة أيام في الموصل. ولما علمت الدولة بذلك أنفذت فرمانا يقضي بإعدامه ودفن بمقبرة الإمام الأعظم.

إن حل هذه المشكلة أقصى ما كان يبتغيه السلطان. فأمر بسوق العساكر وتعيّن موعد القيام بالأمر والاستيلاء على الأعراب ممن تحصّن في الاهوار وضبط مقاطعات الجزائر وأما الفرات ودجلة فإن سفائن التجار وسائر أرباب المنافع والمصالح ظاهرة الاستفادة والحاجة إليها

__________________

(١) وردت في تاريخ راشد (ترقي) وهو الارجح وفي غيره (ترقلي) فقلنا (ترقية). وهؤلاء صنف من الجيش لهم كتخدا وآغوات. والسردنكجدية من السباه (نوع جند).

١٧٠

كثيرة أمر السلطان بإنشاء مقدار مائة وعشرين سفينة بين كبيرة وصغيرة في ميناء (پيره جك) وسير نحو ٤٢٠٠ من اللوندات وجهّزهم بنحو ٤٢٠ مدفعا من نوع (قوغوش) وب (٣٠٠) مدفع من نوع (يان صاچمه) وأربع قطع من مدافع هاون المسماة (خميره) فجدّدها وعيّنها وهناك مدافع أخرى منها ١٥ من نوع (باليمز) وأكثر من ٣٠ من نوع (شاهيّة). وأعد كل ما يقتضي من آلات وأدوات وهيأ اللوازم من صغيرة وكبيرة. حملها السفن واستخدم لها محمد باشا وكان ربانيا ماهرا وسيّر معه أرزاقا وافية فتوجه من طريق الفرات. وزود بالأوامر لمن يهمه (١).

صناديق اضرحة :

وفي هذه الأيام ورد كتاب من والي كرمنشاه (قرميسين) إلى الوزير مع قاصد منه يفيد أن حضرة الشاه بإذن من السلطان صنع صندوقين لضريحي الإمام علي الهادي والإمام حسن العسكري. وأن الجبه دار محمود آغا قد عيّن لإيصالهما ... وبعد مدة جاء كتاب آخر يتضمن أنه توجّه حاملا الفرمان والكتاب المرسل إلى الوزير ومعه آغا لتأمين راحته فوضع الصندوقين مع بابين نفيسين في محلّهما من الاضرحة (٢).

توارد الجيوش ـ الأمر بالسفر :

تواردت الجنود. فضربت خيامها في صحراء بغداد. وكان الجيش والأمراء مهيّأون للحرب. وبينا هم كذلك إذ ورد نديم السلطان (بلال آغا) حاملا الخط الهمايوني يؤكد فيه مهام القيادة (امارة الجيش) وأمر الوزراء وسائر الأمراء وجميع العساكر أن يسيروا إلى الحرب.

ولما تأكد لزوم السفر عقد أهل الرأي مجلسا قرروا فيه الذهاب من طريق دجلة بالنظر لقرب حلول الشتاء. وفي ٢ رجب ضرب كتخدا

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١١٨ ـ ١.

(٢) كلشن خلفا ص ١١٨ ـ ١.

١٧١

الجيش الأهلي وينگچرية الباب العالي خيامهم في صحراء الباب الشرقي. وفي ٧ منه نهض السردار الأكرم والي بغداد وسائر الوزراء والأمراء. تجمعوا في ذلك المحل (١).

وكان السردار قد صنع في بغداد جملة من السفن من نوع (فرقته) تربو على الأربعين ونحو ٣٠٠ سفينة عادية مكشوفة. وضعت فيها المهمات والأرزاق (٢).

والملحوظ أن الينگچرية كانوا خرجوا مع من خرج للتأهب إلى الحرب ولكنهم بلا موجب طلبوا الأرزاق والعلوفة بلا سبب فتجاوزوا الحد ، فأغلقت بغداد ثلاثة أيام من جراء ما أثاروا من فتنة ، وأطلقوا نيران المدافع على سراي الوالي فأهلكوا الكثيرين وسلبوا الأمن وشوشوا الحالة. وبتوسط المصلحين أرضوهم بحسن تدبير. وهكذا طلب لوندات السردار أرزاقهم وعلوفاتهم فحاول الوزير ارضاءهم وتطبيب خواطرهم فلم يصغوا فاضطر على حربهم فبعث عليهم لوندات المشاة فحاربوهم وفرقوهم بتدمير.

هذه أوضاع الجيش ومنها يدرك ما آلت إليه الحالة من سوء.

تفصيل حادث البصرة :

إن الشيخ مانعا كان استولى على البصرة وإن أمير الحويزة أخرجه وانتزع منه المدينة. أعلم بذلك الشاه وعرض ما وقع ثم إن الشاه فكر في الأمر كثيرا وبعد تلوم ثلاثة أشهر أو أربعة وتأمل في القضية قطع بأن لا طريق سوى مراعاة الصلح القديم فأكد بكتاب منه روابط الاخلاص وقدم مفاتيح المدينة مصنوعة من الذهب من العيار الكامل مع أحد الأمراء المعتبرين وهو (أبو المعصوم خان) فعرضها على السلطان. جاء

__________________

(١) تاريخ راشد ج ٢ ص ٥١١.

(٢) كلشن خلفا ص ١١٨ ـ ١.

١٧٢

هذا الخان بمهمّة السفارة ورجا أن تجدد الصناديق لحضرات الأئمة المشار إليهم من جانب الشاه. فوافق السلطان وصدر الإذن بذلك ، وإن ولاة بغداد أيضا ساروا طبق الفرمان وسارعوا في الأمر.

ورود السفن الحربية :

وفي ٤ شعبان ورد الخبر بوصول السفن الحربية من طريق الفرات إلى جبّة. وكان عهد بذلك إلى محافظ البصرة الوزير علي باشا والدفتري الجديد. فهؤلاء التحقوا بالجيش ...

وأما والي شهرزور الوزير يوسف باشا ، ومتصرف سيواس مصطفى باشا فقد عيّنا في مقدمة الجيش ووالي قرمان أيوب باشا في مؤخرة الجيش كما أنه قد نبّه كتخدا الجيش الأهلي وينگچرية الباب العالي أن يمضوا سوية.

وفي ٨ شعبان وصلت السفن الحربية إلى شاطىء الرضوانية فرست هناك. وقد كتب إلى محمد باشا القبودان فدعي إلى بغداد.

ولما تمت التأهبات الحربية وحملت المؤونة والمعدات الحربية في السفن نهض الجيش يوم السبت ١٩ شعبان وعبر جسر ديالى ونزلت العساكر في الجانب الآخرمنه (الشرقي).

وفي هذه الأثناء ورد محمد باشا القبطان (قپودان) مع ثلاثة أو أربعة من أعوانه. وبعد المواجهة عهد إليه بالحلة فذهب إليها توا.

وإن (الجبه دار) أنهى أمره وعاد إلى بغداد فحرر له الجواب على كتاب الشاه وسلم إليه وأوعز إلى متسلّم بغداد بالقيام بما اقتضى.

وأيضا عاد بلال آغا مصاحب السلطان بعد أن حصل على مراده.

وفي طريق العساكر كانت الأرض خصبة وفيها من الزروع ما يكفي لاقتيات الخيل ... فالأسباب كانت مهيأة. ولذا لم تر الجنود كلفة ، بل ساروا في طريقهم بكمال الراحة والطمأنينة فلم يصب أحدا ملل.

وفي أثناء سيرهم ووصولهم إلى شط زكية في محل بقرب من

١٧٣

القرنة نحو مرحلتين ورد كتاب وقاصد من داود خان أمير البصرة ففتح واجتمع الأمراء وقرىء علنا بمحضرهم فوجد مطولا خرج به كثيرا عن الصدد فأجابه الوزير بكتاب حرر صاحب گلشن خلفا مسودته ، مؤدّاه أن قوتنا كافية لضبط البصرة وأن الدولة إنما تأخرت لاسباب حربية كانت مع الأعداء ولما كان كتابكم مبهما فالمطلوب أن توضحوا غرضكم وتفيدونا على عجل لنقوم بما أمرنا.

ثم إن الوزير أرسل هذا الكتاب مع من اعتمد عليه من الآغوات وذهب بصحبة الخان الذي أتى بالكتاب.

وفي هذه الأيام جاء من القرنة الضابط عبد الرحيم ودخل الفيلق فواجه القائد وطلب أن يرسل معتمده ليسلم إليه البلدة فعهد إلى أحد آغواته بذلك وأرسل معه المقدار الكافي من الأفراد لضبطها فتم له وأمن جند العجم الذين كانوا فيها. ومن هناك ركبوا السفن دون أن يحصل أي تعرض وساروا. وكذا أهل القرنة لم يتعرض لهم بسوء ولم يقع اعتداء على واحد منهم قام بهذه المهمة (محمد آغا الخاصكي) من ينگچرية الباب العالي ومعه ثلاث أورطات فشكر الأهلون صنيع الآغا بهم.

أما أهل البصرة فإنهم حينما سمعوا بذلك أنسوا وأبدوا الطاعة قبل أن يأتي إليهم أحد. وكان استيلاء الجيش على القرنة في ١٩ شهر رمضان سنة ١١١٢ ه‍ فنزل الفيلق بلا حرب ولا جدال وحينئذ عيّن محمد آغا الخاصكي لمحافظتها وجعل معه ست اورطات من ينگچرية الباب العالي للحراسة.

ثم إن الآغا المرسل إلى البصرة أخبر (داود خان) بحقيقة الحال كما أن الخان المرسل منه اطلع على الأمر. وحينئذ أرسل داود خان كتابا أول فيه الكلمات وقرر لزوم تسليم المدينة فطلب المهلة للخروج منها. ولما كان في ثغر الحدود قرية يقال لها (الدورق) علم أن فيها جماعة من العجم يبلغون نحو أربعين ألفا لم يمهلوا طويلا فعبر العسكر (شط العرب) وعرفوا بأن يتداركوا أمورهم وليخلوا المدينة. وكتب إليهم

١٧٤

كتابا بذلك. وعهد إلى متسلم البصرة من جانب محافظها علي باشا ليقوم بالأمر.

ثم عبروا شط العرب وتوجه الوزير علي باشا إلى جهة البصرة. وحينئذ سمع أميرها (داود خان) وكان في محل (مقام علي) (١) تجاه قرية

__________________

(١) مقام علي هذا هو (مشهد العشار) شاع غلطا بهذا الاسم ، وهو قريب من فم نهر العشار المعروف قديما ب (نهر الابلة) «١». وفي عجائب البلدان ودائرة معارف البستاني ما يوضح.

__________________

(١) ورد في الخارطة المذكورة تحت كلمة (العشار لفظ احتساب ميري) يدل على أن التسمية حديثة كانت في أيام الترك وأنها ترجمة لاحتساب ميري. قال الدكتور ذلك وطعن في كتاب (بلدان الخلافة الشرقية) تأليف لسترنج فظن أنه الذي أوقع الناس في الوهم. وبين أن العشار الحالي لم يكن هو العشار العتيق الذي كان في الأبلة. وقول لسترنج : ان البصرة الحديثة قائمة على موضع الأبلة في فوهة القناة (يريد نهر الأبلة العتيق) مع أن كتب البلدان القديمة مجمعة على أن الأبلة كانت في جنوب موضع البصرة الحديثة بما يقرب من نهر أبي الخصيب. وأقول : كنت كتبت في جريدة (البلاد) بحثا في (الأبلة أو العشار) بتاريخ ٦ و٩ و١١ آذار سنة ١٩٣٨ م ولم أطلع على ما كتبه لسترنج وأوردت النصوص ، وفي مجلة غرفة التجارة أوضحت عن العشار. والأبلة هي العشار ، وأن مقام علي قبر العشار ، وأن الكتب القديمة لا يعرف لها هذا الإجماع. وإنما نشأت فكرة مغلوطة من بعض المتأخرين ، ولا تصلح أن تكون سندا. وإن الخارطة فسرت العشار (باحتساب ميري) غلطا. وإنما أرادت أن تقول العشر هو الاحتساب الميري فأرادت تقريب اللفظ وبيان المراد منه فوقعت في غلط أكبر. ولكن الدكتور بنى على ذلك التفسير المغلوط ما حاول به هدم ما قلناه من الاستمرار من القرن السابع بعد اندثار مدينة الأبلة إلى يومنا هذا. ومشهد العشار معروف قبل القرن السابع ثم عرف باسم مقام علي وورد ذكره في حوادث سنة ١١١٢ ه‍ في المجلد الخامس. وأما العشار النهر فبقي اسمه مستمرا ولا يزال إلى يومنا هذا ولم ينس بل حل محل الأبلة بعد اندثارها من القرن السابع ولكن مشهد العشار تبدل ب (مقام علي). ولا نمض بعيدا فإن موقع مشهد العشار في المحل الذي وصفه القزويني في عجائب البلدان.

١٧٥

كردلان من جانب البصرة. ركب سفينة وأخذ معه باقي الايرانيين وذهب إلى مملكته سوى أن هذا الخان كان مريضا ، فلم يصل إلى منتصف شط العرب حتى توفي. وجاء تاريخه (موت داود خان) سنة ١١١٢ ه‍.

والبصرة كان استولى عليها الشيخ مانع أمير المنتفق في أواخر سنة ١١٠٦ ه‍. وفي شهر رمضان من سنة ١١٠٨ ه‍ استولى عليها أمير الحويزة المولى فرج الله ولما أخبر الشاه لم يرض بعمله ، وضبط المدينة وعيّن لها داود خان واليا إلى أن تتسلمها الدولة العثمانية منه. وفي شهر رمضان سنة ١١١٢ ه‍ عادت إلى الدولة ودخلت في حوزتها.

وكان قد بنى العجم في الجانب الشرقي من البصرة قلعة جديدة في محل يقال له (كردلان) فعين للمحافظة عليها نحو مائة نفر من جيش القرنة ووضع فيها مدفعان وهذه لا تزال قرية معمورة من قرى ناحية (شط العرب) ومركز هذه الناحية (تنومة). وكردلان معناها (مأوى التل) فسميت كذلك.

هذا ولوحظ انضباط البصرة وانتظامها فتمكن واليها وحصل له ما يريد فعاد الوزير إلى القرنة ...

وكان نصب محمد آغا الخاصكي لمحافظة القرنة كما تقدم. وضع هناك ١٤٠٠ من الجند من ينگچرية الباب العالي وهم ست أورطات فأعطي لهم قسط من المواجب والأرزاق عن ثمانية أشهر وأبقوا في خدمة المحافظة. ومن الينگچرية الجيش الأهلي والمتطوعون والعزب والمستحفظون والجبه جية والمدفعية والكتاب وعرفاء الديوان والكل جمعا ١٧٦٧ نفرا وقد أبقى فيها من حرس الوزراء والأمراء حسب الرغبة والطلب فسجّلوا وعمرت القلعة ووفرت المؤونة من المعدات وأكمل جميع ما تحتاجه القلعة.

ولما كانت ايالة البصرة من البلاد الحارة اقتضت العودة نظرا

١٧٦

لإقبال موسم الصيف. وفي ١٤ شوال يوم الخميس رحلت العساكر من القرنة. وعلى هذا عبروا أنهارا متعددة وطووا صحاري وقطعوا براري حتى نزلوا قصبة مندلي (بندنيجين) وفيها توفي أيوب باشا ودفن قرب قبر (نبي توران) وبعد عدة مراحل نزل الفيلق في الجانب الآخر من ديالى. نصب جسرا فتوالى عليه عبور العساكر.

وبينا الجيش يعبر إذ ورد في تلك الليلة حسن آغا من حجاب الباب العالي بفرمان في قتل محمد باشا والي ديار بكر. فقضي عليه ودفن في مقبرة حضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني. ولم يعلم السبب. والمعلوم أنه لم تكن له معاملة حسنة مع القائد ولا مع بعض متولي الأمور وبناء على شكاية هؤلاء وإنهائهم أمر السلطان كما طلب.

ثم إن الوزير القائد دخل بغداد في ١٥ ذي القعدة ومن ثم عاد الأمراء والوزراء إلى مواطنهم رويدا رويدا (١).

عشائر بني لام :

إن شيخها (عبد الشاه) أبدى الطاعة للدولة ، وبين أنه حاضر للخدمة ، وأن عشائره تبلغ نحو (٢٠) الفا. أدرك القائد خدعته وأنه يحاول معرفة القوة فلما علم أنها فائقة أذعن بالطاعة وقدم نفسه للمعاونة فقال له القائد لا حاجة لنا إلا أن تخلص للدولة وتكف عن سابق أفعالك وإلا دمرناك. ولما أظهر الاخلاص استخدمته الدولة للتعريف بالطرق وألبس الخلعة وتعهد بالانقياد والطاعة. ومن ثم أعلم العشائر الأخرى فجاء شيوخها وطلبوا الأمان والعفو وأخذت رهائن منهم فكتبت لهم خطوط الأمان (٢).

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٢٠ ـ ١ وتاريخ راشد ج ٢ ص ٥١٩.

(٢) تاريخ راشد ج ٢ ص ٥١٥.

١٧٧

نهر ذياب :

نهر الفرات يمضي من شمال الحلة فيتوجه نحو الشرق فيمر بالرماحية وب (خالد كبشة) وحسكة والسماوة. يجتاز هذه النواحي فيصل إلى الجزائر ثم يختلط بدجلة في شط العرب. وكان من زمن بعيد يجري كذلك بهذه الصورة ... وفي سنة (١١٠٠ ه‍) فما بعدها صار يقوى جريانه في النهر المتشعب من الفرات المسمى ب (نهر ذياب) الواقع في غربي قصبة الرماحية ببعد أربع ساعات وفي المثل العامي (طلعة نهر ذياب). وهذا يقوى جريانه عند نهر حسكة. وقبل هذا التاريخ لم يكن بهذه السعة وكان من السهل اتخاذ سد له وإيقافه عند حده ولكن أهمل فلم يهتم أحد به وإن الذين يرغبون في سده لم يقدروا عليه فلم تتيسر الاستفادة منه. وما زال هذا النهر يتوسع يوما فيوما حتى اكتسب سعة فائقة فمال شط الفرات إليه فتعذر سدّه فصار مضرب المثل. وهناك حدثت أنواع الاهوار والجزائر حتى أن بعض النواحي صارت معرضة لخطر الغرق كما أن البعض الآخر منها بقي غير مزروع بسبب انقطاع المياه (١).

العشائر في هذه الأنحاء :

قالوا : جبل العربان على العصيان فصاروا يتحصنون في تلك الأهوار والجزائر ويمتنعون عن اداء الميري. وبعض الضرائب تزايدت

__________________

(١) علق الشيخ ودّاي العطية في رسالته : النص الذي نقلته هو من گلشن خلفا. وراجعت النسخة المخطوطة منه فلم أجد فيها اختلافا عن المطبوعة. وقد حدثت تبديلات في هذا النهر كما تدل حوادث سد الفرات فمن الضروري الاحتفاظ بالنص. وإن المؤلفات الأخيرة لا تصلح أن تعد مرجعا صحيحا والأولى مناقشة النصوص القديمة. ومع هذا كانت بيانات الشيخ مهمة ومفيدة في توضيح ما ذكرت.

١٧٨

فعادت لا تطاق فاضطر بعض العشائر إلى الانضواء إلى تلك. اغتنموا الفرصة ، فخرجوا عن الطاعة. لا يرضخون للحكومة في تأدية التكاليف.

نرى العشائر والحكومة بين الافراط والتفريط.

سلمان بن عباس الخزعلي :

ومن هؤلاء الشيخ سلمان بن عبّاس الخزعلي لم يذعن بل ضبط مقاطعات (الرماحية) ، و(خالد كبشة) ، و(حسكة) ، و(بني مالك) ، و(نهر الشاه) حتى أنه لم يكتف بكل ذلك بل استولى على (النجف الأشرف). جهز ولاة بغداد عليه مرتين أو ثلاثا فلم يتمكنوا من اخضاعه. خسروا أموالا طائلة. فعادوا بالخيبة.

أما الشيخ سلمان فإنه اكتسب ثروة ، وقدرة. وبهذا صار كل واحد من رؤساء العشائر يدعي الاستقلال ويتطاول على القرى والنواحي. فأصاب أبناء السبيل أنواع الأضرار. وصاروا يأخذون ضريبة يسمونها (التسيار) أي مبالغ معينة يفرضونها ، يسلمها المارة لرئيس العشيرة صاحب النفوذ ، أو أن قوة من الجيش تدرب هؤلاء وتمضي بهم للمحافظة. وإلا فلا يمكن اجتياز خطر هؤلاء.

الخزاعل والحلة :

لم يكتف الشيخ سلمان الخزعلي بكل ذلك بل جمع جيوشا من الاعراب وحشد أصنافا حاصروا الحلة بقصد الاستيلاء عليها. ولذا تدارك الوزير جيشا من بغداد أرسله إليها يتألف من ينگچرية الباب العالي ، ومن الجنود الجدد (سردن كچدي) فأزيح المذكور. وكان الأهلون احتاطوا للأمر فبنوا في أطراف الحلة سورا وتأهبوا للطوارىء

١٧٩

فلم يفلح الخزعلي في هجومه على البلدة ولم يتمكن من ضبطها (١).

حوادث سنة ١١١٣ ه‍ ١٧٠١ م

تأهبات جديدة :

إن عمل الشيخ سلمان واستيلاء العربان على الأطراف كل هذا مما شل يد الحكومة وقلل من الضرائب فأدى إلى قلة (العلوفة) ومرتبات الكتاب. فعرض الأمر على الدولة مرارا. فكان جل ما فعلته أن أصدرت أمرها في أوائل ربيع الأول يقضي بلزوم سد (نهر ذياب) وأن يؤسس النظام في تلك الأنحاء وأن يضرب على أيدي البغاة. أمدت الدولة بغداد بمقدار من المبالغ وعنيت بأمر السفن ووجهت محافظ كوتاهية الوزير عبدي باشا ومحافظ ديار بكر الوزير يوسف باشا ومحافظ الموصل الوزير ابراهيم باشا ووالي شهرزور الوزير يوسف باشا ومتصرف لواء كوي (كويسنجق) التابع لولاية شهرزور (علي باشا) وكتخدا جيش بغداد وينگچرية الباب العالي وعساكر البلاد المذكورة قياما بهذا الأمر وجمعت اللوازم من بغداد والحلة لسد هذا النهر فأعدت للعمل. وكذا توارد الأمراء والعساكر تدريجا.

ثم إن الوزير دعا والد سلمان الخزعلي (عباسا) للطاعة ، نصحه بكتاب بعثه إليه وحذره من نتائج الاصرار وما تجر إليه الحالة كما رغبه من أخرى فلم يجب وإنما أجاب ابنه سلمان بكلمات يشم منها الغرور والتعند.

ولما تم جمع العساكر ورد الفرمان بلزوم السفر وحرض الأمراء على القضاء على هذه الغائلة. فنهض الجيش من الكرخ في ٦ رجب يوم

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٢٠ ـ ٢.

١٨٠