موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

٢١

وكانت وردت الأخبار من الحلة في حينها إلى السردار بأن الشاه عازم على محاربتنا ، ومتوجّه إلينا ، فطلبوا منه أن يمدّهم ، فصدر الفرمان إلى نوغاي باشا أمير أمراء الشام وإلى أمراء آخرين إلا أن ذلك لم يجد ، فحاصر الشاه الحلة ، فلم يتمكن المحصورون من الدفاع إلا لمدة قليلة ، فمضى خليل باشا إلى السردار ، وتمكن من العودة بمن معه.

ومن ثم طوي خبر (گنج عثمان) ، ولم يعد يعرف عنه شيء إلا أن صاحب السجل العثماني ذكر أنه كانت له خدمات في حروب بغداد وكان شجاعا غيورا. توفي شهيدا سنة ١٠٤٠ ه‍ (١).

وهذا البطل الشاب نقل نعشه إلى بغداد كما يظهر ، واتخذت له (سقاية) بقرب (سراي بغداد) كعمل خيري له. هذا ويعرف ب (قبر گنج عثمان) ، واتخذ مزارا.

صار يسكنه بعض الدراويش لتعليم الصغار من أولاد المسلمين القرآن ، ولعلّها كانت من تأسيس الدولة.

ونرى كتّابنا اضطربت كلمتهم في أمره. وأوسع من كتب الأستاذ عبد الحميد عبادة في كتابه (العقد اللامع) (٢) ، إلا أنه عدّه ممن توفي أثناء فتح السلطان مراد الرابع بغداد.

قال :

«من الرجال الذين استشهدوا في واقعة بغداد من قبل السلطان مراد خان (٣). كان قد بنى على مرقده قبة معقودة بالحجارة والجص وبجنبه ايوان للصلاة. وفي سنة ١١٣٣ ه‍ جدد ذلك البناء من قبل الوالي حسن

__________________

(١) سجل عثماني ج ٣ ص ٤١٨.

(٢) مخطوط في خزانتي.

(٣) هذا غير صواب لما عرف من نصوص.

٢٢

باشا وكتب على شباك مرقده المطلّ على الطريق بالحجر الكاشاني ما نصه :

«ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. رئيس الشهداء گنج عثمان. قد عمر هذا المكان صاحب الخيرات حسن باشا سنة ١١٣٣ ه‍.».

وفي المحرم سنة ١٣٢٤ ه‍ شبّت النار ليلا من أحد الدكاكين المجاورة لهذا المرقد وكان يشغله صالح البقال فاحترق الدكان واحترقت معه عشرة دكاكين وقهوة ، خمسة منها لدائرة البلدية وخمسة لدائرة الاوقاف ومات المرقوم صالح بسبب ذلك الحريق واحترق بعض هذا المسجد فأمرت دائرة الاوقاف بتعميره وذلك سنة ١٣٢٦ ه‍ ولما تولى خليل باشا بغداد سنة ١٣٣٣ ه‍ أمر بهدم رباط الجندرمة والمسجد المذكور وجعلهما أرضا بسيطة ، فرفعوا بناءهما وبقي قبره وحده في الطريق وعليه شبّاك من خشب. وفي يوم الخميس ٢٠ ربيع الأول سنة ١٣٣٦ ه‍ وبعد استحصال الفتوى من العلماء نقلت بقايا جثمانه إلى مقبرة الشهداء وقد قال المأمور الموظف على نقله إنه وجد في القبر عظاما بالية فوضعها في كيس ودفنها في المقبرة المذكورة وقد وضع الشباك عليها كما كان. وعلق الأستاذ عبد الحميد عبادة أنه بعد التحقيق من المأمور قال لي : جئنا قبره ليلا مع أحد البنائين وقد بنوا القبر داخلا واعتنوا بتحكيم بنائه وابقائه في محله ورفع الشباك الخشبي الذي كان فوقه ووضعه على قبر في مقبرة الشهداء وحلف بالله أن گنج عثمان في محله لم ننقل من جثمانه شيئا. «اه.» (١).

وجاء في لغة العرب ما ملخصه أن گنج عثمان كان حاملا لواء

__________________

(١) العقد اللامع ص ٥٥ ـ ٥٦ وهذه التفصيلات لم نجدها في غير هذا الكتاب.

٢٣

عند دخول السلطان مراد بغداد متقدما أمامه ، وأنه قطعت يداه وبقي العلم يمشي أمامه بلا حامل يحمله حتى رآه أحد الناس فدهش به وعند ذلك هوت الراية إلى الأرض وقتل گنج عثمان إلى آخر ما جاء مما لا يوزن بميزان الصحة (١) فجاء هذا النقل موافقا لما ذكر الأستاذ عبد الحميد عبادة. ولم يكن هذان القولان صحيحين وإنما نقلا من الأفواه.

وجاء في لغة العرب أيضا أن السقاية أمر الأتراك بهدمها سنة ١٩١٥ م لتوسيع الطريق لتصلح أن تكون جادة. وأبقو القبر وحوطوه ... وفي الاحتلال أزيل القبر وسوّي ، فدخل قارعة الطريق في أيلول سنة ١٩١٧ م (٢).

وقد تبين من النصوص المنقولة أنه توفي قبل مجيء السلطان مراد الرابع بسنين. اتخذ في هذا المحل كتّاب ، وبقي مستمرا يدرس فيه شيخ يعلم القرآن ، وقد شاهدته.

الوالي درويش باشا

في ٢ المحرم سنة ١٠٤٩ ه‍ ولي بغداد. وكان الصدر الأعظم في منزل (خانقاه الصغير). وجاءته براءة الوزارة في ٢٤ ربيع الأول.

وبعد أن فارق الصدر وجاء إلى بغداد قبض على إدارتها بيد من حديد. راعى الشدة. قال صاحب گلشن خلفا إن العراق كان مضطرب الجوانب ، مختلف الأجناس ، ومختل الأحوال. فجاء هذا الوزير بقصد إظهار السطوة والقوة. والمنقول أنه كانت أيام حكومته خالية من العدل والإنصاف. أقام في سراي (بكتاش خان) (٣).

__________________

(١) لغة العرب ج ٣ ص ٤١٣ ـ ٤١٤.

(٢) لغة العرب ج ٤ ص ٣٣٢.

(٣) كلشن خلفا ص ٧٩ ـ ٢.

٢٤

الموصل :

إن الصدر الأعظم قبل ذهابه إلى استنبول بقليل اختار أحمد باشا والي ديار بكر قائدا للجيش وجعله محافظا على الموصل.

قتلة السيد دراج :

سبق أن ذكرناها (١) ، ومن احفاده المرحوم السيد حسن نقيب كربلاء المتوفى سنة ١٩٥٢ م.

قبيلة الخزاعل :

القبائل انضم بعضها إلى بعض وتناصرت فيما بينها فلم تتمكن الحكومة من الاستيلاء عليها وكانت رئاسة الخزاعل معروفة. قالوا إنها في حالة اضطراب وإن شيخ الخزاعل (مهنا) في أطراف السماوة أظهر العصيان كخالد العجاج أبي ريشة. كانوا ممن يلحظهم شاه العجم ، وصار الشيخ مهنا يضر بالمارة وأبناء السبيل فطغى سيل شرّه وأعلن طريق الغواية ... فاقتضى إيقافه عند حدّه وكسر شوكته. فأمر الوزير بتجهيز الجيوش وجعل كتخداه علي آغا قائدا فسار إليهم فلم يثبت شيخ الخزاعل أكثر من ساعة أو ساعتين في الحرب فهلك أكثر أشياعه وفرّ هو وشر ذمة قليلة إلى بلاد العجم ومن ثم دخل ما كان تحت سطوته في حوزة الحكومة (٢) ... قال في تاريخ نعيما : «إن الكتخدا ضرب العصاة من العربان وجاء إلى بغداد بغنائم عظيمة (٣) ...».

ولعل التجاءه إلى ايران كان من جرّاء ما أصابه من إحراج حتى

__________________

(١) تاريخ العراق بين احتلالين ج ٤.

(٢) كلشن خلفا ص ٨٠ ـ ١.

(٣) نعيما ج ٤ ص ١١.

٢٥

اضطر إلى ما قام به (١) ... وفي مثل هذه الأحوال يعرف أن الحكومة التزمت رئيسا آخر ونكّلت بالأول وإلا فالقبيلة لا تزال في مكانها وفي مواطن مجاورة أو قريبة منها ... والولاية في كافة العصور عدوة كل من نال مكانة ونفوذا سواء كان شخصا أو قبيلة ...

وهذه القبيلة أصلها خزاعة كما هو المعروف ، في حين أن خزاعل جمع خزعل والتسمية به شائعة. ولم يعرف موطن لخزاعة في هذه الأنحاء. ولا نزال في ريب من القول بأنها من خزاعة. ولنقل ما قالوا حتى نهتدي إلى وجه الصواب. وتتفرع إلى فروع عديدة لا محل لذكرها هنا (٢) (٣).

__________________

(١) في السنة الأولى أظهر أمير الخزاعل مهنا بن علي العصيان وقطع الطرقات وفي السنة التالية ولي الوزير درويش محمد باشا بغداد فبلغه خبر شيخ الخزاعل فبعث كتخداه علي أغا بالعساكر إلى حربه. وأول ما ملك هيت ، ثم توجه إلى سماوة (كذا) وحارب الخزاعل وقتل أكثرهم وهرب مهنا وملك علي أغا سماوة ثم العرجة وعاد إلى بغداد «١». والملحوظ أننا ذكرناها في حوادث سنة ١٠٤٩ ه‍. وهي الصواب وأن درويش محمد باشا ولي سنة ١٠٤٩ ه‍ لا كما ذكرها صاحب الدر المكنون.

(٢) عشائر العراق لا يزال مخطوطا.

(٣) من رسالة للشيخ وداي العطية يقول معلقا : كان شيخ الخزاعل ممن يلحظهم الشاه وذكرت ما مستنده النص والوقائع التاريخية. ومطالعتي في أنه أحرج فاضطر إلى الالتجاء ، وإذا لم يوجد نص في أن الحكومة التزمت رئيسا آخر فالوقائع تؤيد ولم يحكم شيخ الخزاعل من هيت إلى السماوة حتى العرجاء. وإنما كانت وقعة هيت مع آخرين وكان الأولى أن يذكر نصوصا أصلية. وخزاعل لم تكن تحريف خزاعة كما أن الحميدات ليست تحريف آل حميد ومثلها السعيدات والجنابات وإذا كان أصل الخزاعل من خزاعة فإن خزاعل جمع خزعل والتسمية به مشهودة وهو في اللغة الضبع وتحريف اللفظ غير معروف. ولم نجد نصا قديما يعين موقع

__________________

(١) الدر المكنون مخطوطة باريس رقم ٤٩٤٩.

٢٦

أمير المنتفق ـ آل افراسياب :

إن العرجة كانت تحت إدارة أمير من أمراء العرب وحياتها مطمئنة استفادت ذلك من الفترة بين العجم والروم فلما توفي أميرها سار إليها أمير الأمراء علي باشا أمير البصرة من آل أفراسياب. اغتنم الفرصة للاستيلاء عليها وعزم على اكتساحها ... فلما سمع أهلوها التجأوا إلى والى بغداد وأنهوا إليه ما جرى. طلبوا أن يتولى أمرهم دون علي باشا أفراسياب وعلى هذا أرسل الوزير قائدا وجيشا كافيا وموظفين مع دزدار (محافظ) (١) وأمير لواء. سيّرهم إليها فاستولت عليها حكومة بغداد (٢) ... والظاهر أن الأمير كان من أمراء المنتفق ... ومن هذا تعرف سلطة ولاة بغداد ومنطقة حدود نفوذهم ...

وفاة السلطان مراد الرابع :

في ١٦ شوال سنة ١٠٤٩ ه‍ يوم الخميس توفي السلطان مراد الرابع. وقال عنه كاتب چلبي إنه أعظم الملوك الذين جاؤوا بعد الألف

__________________

وجودهم ، ولا سابق عهدهم. وإذا كانت خزاعة تسكن في العراق قديما ، فقد انقطع ذكرها بميلها إلى إيران والمرجح أن أحد رؤسائها خزعل سميت القبيلة به.

ولذا قلت : «ولنقل ما قالوا حتى نهتدي إلى وجه الصواب.» اه. هذا ، والنصوص التي ذكرها الشيخ متأخرة عن تاريخ أول شيوع ذكرهم بخزاعل. وليس في هذا طعن بنسب. وإنما هو فتح طريق للتحري التاريخي. ومحفوظ القبيلة معتبر حتى يتبين خلافه ...

أما حوادث سنة ١١٠٦ ه‍ فقد ذكرتها في حوادث سنة ١١٠٥ ه‍ لأن مرتضى آل نظمي ذكرها في هذه السنة. وكان كاتب الديوان. فهو أقرب لضبط الوقائع ، فلا يحتاج هذا إلى العجب. ولو رجع الشيخ إلى (كتاب أربعة عصور) لرأى الشيء الكثير من التنديد بمهنا.

(١) الدزدار كلمة فارسية استعملها الترك أيضا وتعني ضابط الحصن أو محافظه. فإن (دز) بمعنى حصن و(دار) قابض. وهو القابض على البلد. ويطلق عليه أحيانا لفظ (ضابط).

(٢) كلشن خلفا ص ٨٠ ـ ١.

٢٧

من العثمانيين وكان في بادىء أمره إلى سنة ١٠٤٢ ه‍ كسائر الملوك قبله إلا أنه انتبه للأمر بعد ذلك وباشر الشؤون الخارجية والداخلية بنفسه وقد مرّ عنه في حادث بغداد ما يغني عن اعادة القول ... ترجمه كثيرون وأطنبوا في بيان حياته وأعماله ... وإن صاحب روضة الابرار أفرد له رسالة في (فتح بغداد). رأيت عرشه في متحف سراي طوپقپو باستنبول ، وأفرد في المتحف محل خاص يحتوي على لباسه وسلاحه حين فتح بغداد وضعت في خزانة خاصة وكذلك رأيت قصره المسمى (بغداد كشكي) أي قصر بغداد بناه لذكرى هذا الفتح ويحق له أن يفخر به ويباهي بعد أن استعصى أمر بغداد على عدة صدور عظام ... وأكثر الغوائل إنما تحصل من التهاون لما هناك من الضعف.

حوادث سنة ١٠٥٠ ه‍ ـ ١٦٤٠ م

من ذيول حادث بغداد :

لم نعثر على حوادث في هذه السنة. وإنما أغفلها المؤرخون فيما يتعلق بالعراق ويعدّ من (ذيول حادث بغداد) أن (ابن مير فتاح) كان أخذ أسيرا أثناء الفتح ، وسجن في استنبول ففي ذي الحجة من هذه السنة أمر بقتله فقتل (١). وكأن ايران قائمة على أكتافه فإذا مات ماتت!!

حوادث سنة ١٠٥١ ه‍ ـ ١٦٤١ م

في هذه السنة توفي محمود باشا جغاله زاده بن سنان باشا كان قد ولي بغداد. وآخر مهمة قام بها أن صار وزير الديوان فتقاعد وتوفي في شوال سنة ١٠٥١ ه‍ وهو الذي سميت مقاطعة المحمودية باسمه. كما أن خان جغان (خان جغاله) عرف باسم والده (٢). مرّ بنا ذكرها في المجلد السابق.

__________________

(١) فذلكة كاتب جلبي ج ٢ ص ٢٢٣.

(٢) فذلكة كاتب جلبي ج ٢ ص ٢٢٧.

٢٨

حوادث سنة ١٠٥٢ ه‍ ـ ١٦٤٢ م

عزل الوزير درويش محمد باشا :

في ١٨ المحرم انتهت أيام حكم هذا الوالي وكانت ابتدأت في ٥ المحرم سنة ١٠٤٩ ه‍ (١).

وهو چركسي. كان أولا في خدمة مصطفى آغا ضابط الحرم السلطاني في عهد السلطان أحمد ثم خدم الوزير الأعظم محمد باشا المعروف ب (دال طبان). وكان السلطان عثمان يحبّه لفروسيته وشجاعته. ذهب في خدمة الوزير إلى مصر حينما صار محافظها وكان يقدمه على جميع أعوانه ، ولي الخدمات السامية حتى صيره كتخدا له. ولما ولي الوزارة العظمى عهد إليه بولاية الشام في أواسط سنة ١٠٤٥ ه‍. وكان ظالما جبارا فتك بأهليها وتجاوز في ظلمه الحد. وتنقل في الايالات (٢).

ولما ورد السلطان مراد بغداد كان أمير أمراء الشام فلحق به. وفي ٢٥ ربيع الآخر عند ما كان السلطان في ديار بكر عهد إليه بإيالة ديار بكر وألحق به كثيرا من أمراء الولاية وانضم إليه (حاكم البر) أو (أمير الصحراء) ابن أبو ريش (٣) (من أمراء طيىء) مع باشوات طرابلس وحلب وعدة امراء ألوية جعله قائد المقدمة. وكان درويش محمد باشا مشتهرا بالشجاعة وقوة المراس وشدة البطش والفتك والظلم (٤).

توفي في أوائل شهر ربيع الأول سنة ١٠٦٤ ه‍ (٥). وكان ولي الصدارة العظمى ، فعزل عنها لما اعتراه من الفالج.

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٨٠ ـ ٢.

(٢) خلاصة الأثر ج ٢ ص ١٥٦.

(٣) صوابه أبي ريشة.

(٤) نعيما ج ٣ ص ٤٤٢.

(٥) فذلكة كاتب جلبي ج ٢ ص ٣٩٧.

٢٩

الوالي كوجك حسن باشا (للمرة الثانية)

كان هذا الوزير أول وال على بغداد أيام فتحها ، أخلاقه حميدة وأوصافه مقبولة ، استجمع السجايا المرضية ، فكان هذا من دواعي إعادته في ١٩ المحرم من هذه السنة (١).

وفي أيام وزارته هذه صرف جهوده لإعالة المحتاجين وإعانتهم بما استطاع ، فكانت أعماله جليلة جميلة مشحونة بالثناء. واسمه موصوف بالخير والحلم. جلّ آماله مصروفة إلى راحة الأهلين وحراسة المملكة وطمأنينتها. أزال الخوف والاضطراب ولحظ عمارة المدينة وترصين حصونها. بنى ثلاثة أبراج قرب باب الأعظمية في المحل المسمى (طابية ذي الفقار) قبالة برج العجم فكانت محكمة البناء لتكون سدا منيعا في وجه الأعداء وحارسا للمدينة.

قال في گلشن خلفا : ولا يزال هذا البناء معلنا عن آثاره الحسنة. وهو الآن (مرقد أمير الاوزبك) التركستاني (امام قولي خان). كان جاء في طريقه للحج. ورد بغداد ومات فيها فدفن في هذا المحل (٢).

جامع الاوزبك :

أصله مرقد (امام قولي خان) أمير الاوزبك. مات ببغداد. جاء بنية الحج فتوفي سنة ١٠٦٠ ه‍ ثم جاء ابن أخيه عبد العزيز خان ذاهبا إلى الحج. مر ببغداد سنة ١٠٩٢ ه‍. ولي مكانه أخوه سبحان قلي خان سنة ١٠٩١ ه‍ ولا شك أن هذا الجامع من بناء عبد العزيز خان حين وروده. ثم جدّده داود باشا في صفر سنة ١٢٤٣ ه‍ جاء تاريخه (مليك لذكر الله جدد جامعا) (٣) وهذا التاريخ لا يأتلف وأيامه وتوالت عليه تعميرات. وفيه مدرسة أيضا.

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٨٠ ـ ٢ وسجل عثماني ص ١٣٤.

(٢) كلشن خلفا ص ٨٠ ـ ٢.

(٣) تاريخ مساجد بغداد ص ٢٨ والتاريخ من أبيات للشيخ صالح التميمي.

٣٠

ذكر صاحب گلشن خلفا مرقد امام قلي خان بمناسبة بيان الطوابي أو الابراج. والتفصيل في (المعاهد الخيرية).

دولة الاوزبك :

هذه الدولة سماها صاحب گلشن خلفا بهذا الاسم مرة وبدولة ما وراء النهر أخرى. ذكرت في كتاب (دول إسلامية) (دولة جابيان) أو (دولة استراخان) أو (الزدر خان) ويقال لها (حاجي ترخان). خلفت الشيبانيين وهي مغولية من آل جوجي بن جنگيز خان. وأول أمرائها باقي محمد بن جان خان من زوجته زهرا خانم وهو مغولي. ولي باقي محمد سنة ١٠٠٧ ه‍ وخلفه أخوه ولي محمد سنة ١٠١٤ ه‍ ثم إمام قلي ابنه سنة ١٠٢٠ ه‍. وتوفي ببغداد حين مجيئه للحج سنة ١٠٦٠ ه‍ ثم صار أخوه نذر محمد سنة ١٠٥١ ه‍ وفي سنة ١٠٥٥ ه‍ خلفه عبد العزيز بن نذر محمد (ابنه) وهذا مرّ ببغداد في طريقه إلى الحج ثم صار أخوه سبحان قلي خان سنة ١٠٩١ ه‍. وهكذا توالوا فكان آخرهم أبو الغازي دام حكمه إلى سنة ١٢٠٠ (١).

ولا يهمّنا منها إلا تلك العلاقة بجامع الاوزبك. ورد عبد العزيز خان بغداد سنة ١٠٩٢ ه‍.

حوادث سنة ١٠٥٣ ه‍ ـ ١٦٤٣ م

بقية أحوال الوالي :

دامت الحالة في بغداد هذه السنة وأوائل التالية بهدوء وسكينة والناس في راحة وطمأنينة ...

__________________

(١) دول إسلامية ص ٤٣٥ ـ ٤٣٧.

٣١

حوادث سنة ١٠٥٤ ه‍ ـ ١٦٤٤ م

في هذه السنة في ٢٤ المحرم عزل الوالي (١).

والملحوظ أنه ولي بعدها مرعش. وفي سنة ١٠٥٥ ه‍ صار واليا على روم ايلي وأمر بالذهاب للحرب في گريد. وفي سنة ١٠٥٨ ه‍ أصابته رمية أودت بحياته.

الوزير دلي حسين باشا

كان من مرافقي السلطان مراد الرابع. ولما ولي ادارة بغداد سعى لتمكين السلطة واستقرارها فأوقع الهيبة في قلوب الناس وأبدى قسوة وكان ضيّق الصدر.

وفي كل هذا كان مطمح أنظاره أن يعدل بين الناس وأن لا يميز بين واحد وآخر تحقيقا لهذا الغرض فكان يتجوّل ويستطلع أحوال الناس ليل نهار ويصرف أكثر أوقاته بتبديل زيّه فتراه في المحلات ومنعرجات الطرق ... ليقف على أحوال الاشرار وأن ينالوا منه ما يستحقون فسعى لإزالة المظالم.

ومع كل هذا كان قاسيا ، لا يقبل عذرا ويخشى الناس بطشه ... ولكنه لم يحد عن طريق الحكمة. يصلي الجمعة والجماعات ويثابر عليهما.

جامع قمرية ـ تعميره :

من مآثر هذا الوزير تعمير جامع قمرية. وهذا الجامع كان أصابه الدمار أيام حروب العجم ولم يكن له من يقوم بخدمته. وأن أبنيته تضعضعت وتهدم قسم منها فعمر أركانه وقبابه فأتمّها وعين له خطيبا

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٨١ ـ ٢.

٣٢

حسن القراءة وإماما وعيّن وظائف أخرى لخدمته. ولا تزال آثاره الخيرية باقية لحد الآن (١).

هو اليوم من الجوامع المعروفة في جانب الكرخ ونسب بناءه صاحب منتخب المختار إلى الخليفة الناصر إلا أن الكازروني عين أنه من بناء الخليفة المستنصر فتمت عمارته في سنة ٦٢٦ ه‍. وتوالت عليه التعميرات. ومنها ما وقع في هذه السنة. والتفصيل في كتاب (المعاهد الخيرية) (٢).

أيام الوالي في بغداد :

وكانت أيام حكومته في بغداد من ٢٥ المحرم سنة ١٠٥٤ ه‍ ودامت إلى ٩ رجب من هذه السنة.

ولما وصل إلى استنبول صار مرافقا للسلطان. وكان يتكلم بلا تحاش من أحد وينطق بحضور السلطان بلا مبالاة يجرؤ في القول ولا يبالي. هذا ما دعا أن يكرهه أعوان الملك وحاشيته. أبدوا أنه يجب الاستفادة منه لمحافظة الثغور فعيّن واليا لبوسنة. ثم ولي بودين ومنها عين لمحافظة حانية في جزيرة گريد. ثم عهد إليه بقيادة گريد (٣).

وفي تاريخ السلحدار أنه لما أن عاد الصدر الأعظم قره مصطفى باشا من بغداد كان قائما مقامه (قائممقام) ثم صار في مناصب عديدة وفي سنة ١٠٥٣ ه‍ عزل عن منصب بوسنة وورد استنبول فوجهت إليه ايالة بغداد. وفي سنة ١٠٥٤ ه‍ عزل فعاد إلى استنبول فصار نديم السلطان. ثم

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٨١ ـ ٢.

(٢) الكازروني. ظهير الدين صاحب كتاب مختصر التاريخ حتى منتهى الدولة العباسية. مخطوط في خزانتي ، ومنتخب المختار ص ١٤٥.

(٣) نعيما ج ٤ ص ١١٦ و١٦٧ و٢٠٥.

٣٣

ولي مناصب عديدة وزاول حروب گريد وكان ولي منصب السلطان. ثم ولي منصب (روم ايلي) فلفق عليه الصدر الأعظم شكاية فعزل وفي شهر ربيع الآخر سنة ١٠٦٩ ه‍ ورد العاصمة فحبس في (يدي قله) ثم قتل وقد نعت بخير الأوصاف والنعوت (١).

الوالي محمد باشا :

وهو المعروف ب (محمد باشا آل حيدر آغا). وكان صاحب رأي رزين ، وفكر متين ولم يكن في أيامه غير المألوف من العدل والإدارة ولم تحصل حوادث تستحق الذكر والتدوين (٢).

أمير أمراء البصرة :

في جمادى الآخرة صار مصطفى باشا أمير أمراء بودين. وكان قد عزل من البصرة قبل هذا وصودرت أمواله ثم عين إلى ولاية ديار بكر ومن هناك عزل فصار أمير أمراء بودين. ولا يعلم متى كان في البصرة وهي في أيدي آل أفراسياب ...!!

خالد العجاج رئيس طيء :

هذه القبيلة كان يرأسها أمير العشائر خالد العجاج من آل أبي ريشة. كان في انحاء عانة وهيت. وهو موصوف بالشجاعة ، ينهب الطرق ويقطع السبل ...

وكان انقاد إلى بكتاش خان (حاكم بغداد) من جانب الايرانيين وصار يهاجم بمن معه الاطراف فنال احتراما من هذا الوالي. كان يأتي

__________________

(١) تاريخ السلحدار ج ١ ص ١٤٣ و١٧٨.

(٢) كلشن خلفا ص ٨١ ـ ٢.

٣٤

بالرؤوس المقطوعة والألسنة من أماكن بعيدة فيحصل على اكراميات منه.

وبأمر من حاكم بغداد هاجم مرة أطراف حلب فأتى إلى الخان برؤوس وبمواش كثيرة. باع فرسه المعروف ب (ابن العرب) إلى هذا الوالي بخمسة آلاف قرش ليسد بها عوزه. احتفظ به الوالي لنفسه واتخذ له سلسلة أمراس من ذهب وعليه العدة و(الرخت). جعله أمام عينه في أكثر الأحيان.

ولما كان يركبه بكتاش خان يصعب عليه قياده فلم يسلس له. يرى منه ضروبا من الشموس والجموح. فدعي خالد العجاج فقال له : إن ابن العرب قد ساءت أخلاقه.

أما خالد فإنه ركبه وخرج هو وبكتاش خان إلى جهة مرقد الشيخ شهاب الدين السهروردي فقال له :

لم تحسنوا قياده ومسك بيده أربعة أقداح ماء فصار كلما رأى منه تصلبا وشموسا ضربه على رأسه بواحد منها. وبذلك أصلحه.

وهذا الفارس شجاع لا يدع أحدا يمضي من جهة عانة وهيت دون أمره. ومن الاتفاقات الغريبة أنه في هذه السنة سارت قافلة من بغداد إلى حلب. فمشى بين أفرادها وحده.

وحينئذ تقدم مملوك چركسي لأحد التجار يجيد الرمي بالبنادق فصوّب عليه بندقيته وضربه فأرداه قتيلا. ولما رأى أتباعه ذلك تفرقوا.

سمع (جفته لرلي عثمان باشا) بذلك فأنعم على المملوك بخلعة وأكرمه وأعطاه رتبة الشجاعة فنال مكانة عنده (١) ...

__________________

(١) نعيما ج ٤ ص ٩٢.

٣٥

الأمير عساف أمير طيء :

لم تمض مدة على قتلة خالد العجاج من آل أبي ريشة بل في أواخر هذه السنة طمعت الحكومة في الوقيعة بأمير الصحراء الأمير عساف خلف سابقه. وكانت الدولة قد فوضت ايالة حلب إلى إبراهيم باشا سلحدار الخاصة برتبة الوزارة. وهذا شرع في شؤون الحكومة وضبطها.

وكان آنئذ أمير العشائر عساف في حلب يتقاضى راتبا من الحكومة ، ومن عادته أن لا يمر بالبلد ولا يتقرب للأمراء والوزراء. وإنما كان يأخذ من القرى بعض العوائد الباهظة أو الاتاوة (الخاوة أو الخوة) بلا انصاف. في أيامه جارت العشائر وصارت تقطع الطرق.

دبّر هذا الوالي اغتيال أمير طيىء هذا واتخذ الوسائل للوقيعة به فشعر بالحيلة فأحبطت. كان عمل له دعوة فلم ينجح التدبر ، فعاد وبالا على الوالي ومن دعاهم للوليمة. ونجا الأمير عساف. فنرى وقائع طيىء لا تزال مهمة وتخشاهم الدولة. وكانت هذه الواقعة بتدبير الدولة ففشلت ولكنها نسبت الحادث إلى خرق الوزير ، وكتبت كتاب استمالة وأرضت أمير طيىء وهو الأمير عساف (١).

وفيات :

١ ـ توفي عبد علي الحويزي. وله شعر سمّى به نفسه كلب علي. وبشعره ثبت وقائع مهمة تخص العراق.

__________________

(١) التفصيل في تاريخ نعيما ج ٤ ص ١١٠.

٣٦

حوادث سنة ١٠٥٥ ه‍ ـ ١٦٤٥ م

عزل الوزير :

كانت الحالة في هدوء وسكينة. لم يحدث ما يدعو للتدوين. وفي ٢٣ رجب هذه السنة عزل الوزير وكان ولي في ١٠ رجب سنة ١٠٥٤ ه‍ وبعد العزل صار من وزراء الديوان ثم وجهت إليه ايالة مصر (١).

الوزير موسى باشا

يعرف ب (كوچك موسى باشا) أي موسى باشا الصغير. عرف بالشجاعة. فلما ولي بغداد أبدى السطوة فأوقع في القلوب رهبة فتمكن من تأمين الراحة والهدوء.

أحوال البصرة :

رأى هذا الوزير أن والي البصرة (علي باشا افراسياب) مال عن جادة الصواب. فلم يكتف بما لديه وبإغراء من ابنه حسين بك مدّ يده إلى (قلعة دكه) التابعة لبغداد وتغلب عليها ...

فلما سمع الوزير جمّع العساكر وعين لها قائدا وشحن سفنا وبعث بالمدافع. وفي مدة يسيرة وافوا إلى ذلك المحل فتولدت الخشية في قلوب عساكر البصرة فلم يتمكنوا من المقاومة. فروا إلى قلعة (قصر) التابعة للبصرة فاكتسحوها أيضا. وكانت قلعة حصينة فضموها إلى ايالة بغداد وعينوا لها محافظين.

والظاهر أن الحكومة نسيت مساعدات علي باشا أفراسياب فاستفادت من ركود الحالة فسارت للاستيلاء على مواقعه للتحرش به بأعذار اختلقتها نظرا إلى أنها شعرت بقوة لديها ... هذا في حين أن

__________________

(١) نعيما ج ٤ ص ٢١٩. وكلشن خلفا ص ٨١ ـ ١.

٣٧

الحكومة الأصلية كانت مشغولة بحروب ومقارعات عظيمة في گريد وفي هذا الحين تم لها الاستيلاء وأعلنت الافراح في بغداد لورود الاخبار السارة بالاستيلاء على مدينة (حانية) في أواخر سنة ١٠٥٥ ه‍ (١) ...

غبار وظلمة :

في أواخر هذه السنة ظهر في السماء غبار متراكم فولّد ظلمة مدة أربع ساعات ثم انكشف فرفعت هذه الغمة (٢).

حوادث سنة ١٠٥٦ ه‍ ـ ١٦٤٦ م

عزل الوالي :

انتهت أيام هذا الوالي في ١٥ شعبان سنة ١٠٥٦ ه‍ وكانت ابتدأت في ٢٤ رجب سنة ١٠٥٥ ه‍ (٣).

الوزير إبراهيم باشا :

كان حسن المنظر ، جميل الهندام ، ولما ولي بغداد مال بمقتضى شبابه إلى الكبرياء. ولم يجرب الحوادث وليس له نصيب من السياسة العسكرية ولا خبرة في ادارة الرعية ولا وقوف على أحوال الأهلين فمضت غالب أيامه بالفتن والاضطرابات (٤). وأصل ذلك سوء الإدارة.

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٨١ ـ ١.

(٢) كلشن خلفا ص ٨١ ـ ٢.

(٣) كلشن خلفا ص ٨١ ـ ٢.

(٤) كلشن خلفا ص ٨١ ـ ٢.

٣٨

حوادث سنة ١٠٥٧ ه‍ ـ ١٦٤٧ م

فتنة واضطراب ـ قتلة الوالي :

وهذا الوالي تولد بينه وبين الينگچرية العداء بسبب ما اتخذه في ادارتهم من طريقة صاروا يتربصون به الوقيعة ، فاشتعلت نيران الفتن بينهما.

وذلك أن هذا الوالي كان خازنا للوزير الأعظم صالح باشا ومن رجاله فعينه لولاية بغداد. ولما قتل عينت الدولة أخاه مرتضى باشا لمنصب بغداد. وفي طريقه إليها سيرت الدولة مراد آغا الخاصكي لقتله فوافى إليه في تكريت فقطع عليه طريقه وأخبره ببشرى ترفيعه إلى القيودانية ومن ذلك المنزل رجع فوجّه عزمه نحو دار السلطنة فوصل إلى ديار بكر ، وهناك قتل.

فلما سمع والي بغداد إبراهيم باشا بذلك ارتاب من سعاية بعض أعدائه وغدرهم به نظرا لمنسوبيته إلى الوزير الأعظم المقتول إذ كان سيده فخاف أن يلحق به ما أصابه. فصار يتوقع ما تأتي به الأيام. وهذه الحالة دعته أن يجتذب لهجته بعض أهل الحل والعقد من رجال الجيش في بغداد ممن هم من أصحاب الكلمة النافذة. وشاورهم في هذا الأمر المهم. فحاول الاستقلال بالبلاد ليأسه من حكومته فوافقوه ... فقبض على أمور بغداد وسيطر على إدارتها ...

وبينا هو غافل مطمئن من وضعه وتدبيره إذ ظهر متسلم بغداد (عن الوزير موسى باشا) فأنهى ما وقع. وحينئذ أعرض بعض رجال الجيش البغدادي عن المتسلم ولم يبدوا له رضى وبينوا أن لا معنى لعزل والينا؟ ورجوه أن يطلب من دولته ابقاءه وقالوا : إننا لا نستبدل غيره به!

أرجعوه من حيث أتى لتنفيذ هذا المتسلم. ولكن قبل أن يشتعل لهيب الفتنة قام بعض الينگچرية من عسكر السلطان المعهود إليهم

٣٩

بمحافظة بغداد. وكذا من كان مجربا للأمور فسعوا سعيهم لتسكين الفتنة واطفائها فاجتمعوا في الميدان وفي القلعة الداخلية وكونوا صفا واحدا. وقدموا بعض النصائح حفظا للسلام والراحة وأرسلوا بعض رجالهم إلى الوالي وكان غافلا عن مجرى الأمور فأبدى أنه لا يعلم عن المتسلم شيئا فوافى لدعوتهم وجاء إلى القلعة الداخلية للمذاكرة. وحينئذ أحاط به الينگچرية. قالوا له ليس لك أن تتحرك ، وألقوا القبض عليه. ولم يكتفوا بذلك بل أعادوا المتسلم الذي كان قد سيّر من حيث أتى وأبقوه في الحكومة. وحينئذ أنهوا إلى الدولة ما وقع.

أما (جيش بغداد) فإن أكابر رجاله تجمعوا في محل وكانت نيّاتهم مصروفة إلى الخصام والشروع في حرب الينگچرية بداعي أنه لم يصدر من الوالي جرم يستدعي اهانته لهذا الحد : فما كان ذنبه لينال هذه العقوبة القاسية أو تصيبه هذه الإهانة؟!

وعلى هذا كادت تلتهب نيران الفتن بين الفريقين. ولما كان هذا الوالي خائفا من حكومته أن تبطش به توسل بهذا القيام ، فصار جيش بغداد يعتذر عنه ويتخذ ذلك وسيلة للقيام مبديا أنه لم تصدر منه جريرة ما.

وفي هذه الأثناء ورد بغداد (الميراخور) (١) الصغير للسلطان وهذا قضى على الوالي فدفن في مقبرة الإمام الأعظم (٢).

وجاء في تاريخ نعيما :

«قبل هذا كان الوزير الأعظم قد عين خازنه إبراهيم باشا واليا على بغداد. وفي شوال تلك السنة جاء موسى باشا القبودان إلى استانبول

__________________

(١) الميراخور أمير الاصطبل.

(٢) كلشن خلفا ص ٨٢ ـ ١.

٤٠