نفحات القرآن - ج ٤

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٤

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-98-9
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٤٠٠

كَمِثلِه شَيء» أليس محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : بلى. قال : فكيف يجي رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنّه جاء من عند الله وأنّه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول : «لَاتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُو يُدرِكُ الأَبصَارَ» «وَلَا يُحِيطُونَ بِه عِلمَاً» «وَلَيسَ كَمِثلِه شَئ» ثم يقول : أنا رأيته بعيني ، وأحطت به علماً وهو على صورة البشر ، أمّا تستحيون ، ماقدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون ياتي عن الله بشي ، ثم ياتي بخلافه من وجه آخر!».

قال أبو قرّة : فانّه يقول : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةَ أُخْرَى) فقال أبو الحسن عليه‌السلام : إنّ بعد هذه الآية ما يدل على ماراى ، حيث قال : «مَا كَذَبَ الفُؤادُ ما راى» يقول ما كذب فؤاد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما رأت عيناهُ ، ثم أخبر بما راى فقال : لقد راى من آيات ربه الكبرى ، فآيات الله عزوجل غير الله : وقد قال : (وَلَا يُحِيطُونَ بِه عِلْماً) ، فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العِلمَ ووقعت المعرفة» ، فقال ابو قرّة : فتكذِّبُ بالروايات؟ فقال أبو الحسن عليه‌السلام: إذا كانت الروايات مخالفةً للقران كذَّبتُ بها وما أجمع المسلمون عليه أنّه لا يحاط به علمٌ ولا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شيء) (١).

٣ ـ وفي هذا المحتوى ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «إنَّ اللهَ عَظيمٌ رَفيعٌ لايَقدِرُ العِبادُ عَلَى صِفَتِهِ وَلا يَبْلُغُونَ كُنهَ عَظَمَتِهِ ، لاتُدرِكُهُ الأبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصارَ وَهُو اللَّطيفُ الخَبيرُ» (٢).

* * *

٤ ـ هل إنَّ أسماء الله توقيفيّة؟

أشرنا سابقاً إلى أنّ أسماء الله سبحانه وتعالى تحكي عن صفاته ، وكما أنّ صفات الله لا متناهية فإنّ أسماءه غير متناهية أيضاً ، إلّاأنّه يُسْتَنْتَجُ من رواياتٍ كثيرة بأنّهُ لا يحق لاحدٍ أن يُسمّي ربّهُ ويصفه بشيٍ إلّاما ورد في الكتاب والسُّنّة (الأحاديث المعتبرة) ، وسبب ذلك

__________________

(١) التوحيد للصدوق ، ص ١١٠ عن اصول الكافي.

(٢) اصول الكافي ، ج ١ ، ص ١٠٣.

٢١

هو ماذكرناه في بحوثنا السابقة ، وهو أنّ الكثير من الأسماء والأوصاف ممزوجة بمفاهيم تحكي عن نقائص المخلوقات ومحدوديتهم ، واطلاق هذه الأسماء على الله يبعدنا عن معرفته ويُلقي بنا في هاوية الشرك.

لذا فقد اشتهر بين العلماء بأنّ (أسماء الله توقيفية) أي لا يجوز اطلاق اسم عليه دون إجازةٍ شرعيّة ، لذا فهم لا يجوّزون دعوته بأسماء من قبيل ، «العاقل» ، «الفقيه» ، «الطبيب» ، «السّخي» ، وذلك لأنّها لم ترِدْ في الآيات والروايات المعتبرة (١).

يقول المفسّر المرحوم العلّامة الطبرسي حول تفسير ذيل الآية ١٨٠ من سورة الأعراف : «تدل هذه الآية على أنّه لا يجوز لنا أن ندعو الله سوى بالأسماء التي انتخبها لنفسه فقط» (٢).

ولذلك أيضاً قال العلّامة المجلسي قدس‌سره : «لا يُسمّى الله بالسخي بل يُسمّى بالجواد ، وذلك لأنّ السخاوة في الأساس بمعنى الليونة ، وهذه الكلمة (السخاء) تُطلق على الأسخياء من حيث أنّهم يلينون ازاء عرض الحوائج عليهم (والليونة والخشونة لا معنى لهما بخصوص الله ، بل هي من صفات المخلوقات» (٣).

أمّا المرحوم العلّامة الطباطبائي في تفسير (الميزان) فإنّه لا يرى دليلاً في القرآن وفن التفسير على كون أسماء الله توقيفية ، والآية ١٨٠ من سورة الأعراف : (وَللهِ الأَسماءُ الحُسنى ...) لا تدلّ على هذا المعنى ، ولكنه قدس‌سره لم يُبد رأياً فقهّياً في هذا المجال وأرجعه إلى الفقه ، فأضاف قائلاً :

«الاحتياط يقتضي بالاقتصار على الأسماء التي وردت في الكتاب والسُنّة في مجال تسمية الله سبحانه ولكن إذا كان القصد مجرّد توصيف وإطلاق لفظي دون تسمية فلا بأس»(٤).

أمّا المرحوم الكليني في المجلّد الأول من أصول الكافي ، فقد نقل روايات عديدة في

__________________

(١) تفسير الكبير ، ج ١٥ ، ص ٧٠ ، لكن بعضاً من هذه الصفات قد ورد في بعض الأدعية ، وممنوعيتها غير ثابتة.

(٢) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٥٠٣.

(٣) بحار الأنوار ، ج ٤ ، ص ٢٠٦.

(٤) تفسير الميزان ، ج ٨ ص ، ٣٧٥ ذيل الآية ١٨٠ من سورة الأعراف.

٢٢

باب «النهي عن الصفة بغير ماوصف به نفسه تعالى» يُسْتَنْتَجُ منها بأنّ أسماء الله توقيفيّة.

من جملتها ماورد عن الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «إنَّ اللهَ أعلى وَأجَلُّ وَأعظَمُ مِنْ أن يُبلَغَ كُنهُ صِفَتِهِ ، فصِفُوهُ بِما وَصفَ بِهِ نَفسهُ وَكُفُّوا عمّا سِوى ذلكَ» (١).

وورد في حديث آخر عن الإمام أبي الحسن عليه‌السلام في جوابه للمفضل عندما سأله عن بعض صفات الله قال عليه‌السلام : «لا تجاوز ما في القرآن» (٢).

وكذلك في الحديث الذي كتبه الإمام الصادق عليه‌السلام لبعض اصحابه فاعلم رحمك الله ـ أنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزوجل فانفِ عن الله تعالى البطلان والتشبيه ، فلا نفي ولا تشبيه ، هو الله الثابت الموجود تعالى الله عمّا يصفه الواصفون ولا تعدوا القرآن فتضلوا بعد البيان (٣).

يُستنتج من هذه الروايات وأمثالها بأنّ تسمية الله بغير ماورد في الكتاب والسُنّة فيه اشكال ، واستعمال أصل البراءة لإثبات جواز تسمية الله بأسماء اخرى لا يخلو من الإشكال أيضاً ، فالأحوط عدم استعمال أوصاف وأسماء اخرى غير الأوصاف والأسماء الثابتة في الشريعة المقدّسة.

ويُستدل أحياناً ببعض الآيات القرآنية أيضاً وثبات كون أسماء الله توقيفيّة ، كما ورد في قصّة نوح عليه‌السلام عندما خاطب سبحانه وتعالى المشركين حيث قال : (أَتُجَادِلُونَنِى فِى أَسماءٍ سَمَّيتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَّا نَزَّلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلطانٍ). (الأعراف / ٧١)

وكذلك قال في سورة يوسف في قصّة نوح عليه‌السلام : (مَا تَعبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسمَاءً سَمَّيتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ). (يوسف / ٤٠)

ولكن دلالة هذه الآيات على المقصود لا تخلو من ضعف ، لأنّ المراد منها نفي الشرك وعبادة الأصنام وتسمية الأصنام بالآلهة ، فهي لا تدلّ على أنّ أسماء الله توقيفية ولا يجوز

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ١ ، ص ١٢ ، ح ٦.

(٢) المصدر السابق ، ح ٧.

(٣) المصدر السابق ، ص ٣٥٠ ، ح ٦.

٢٣

تعديها.

وقد استدلوا أيضاً بأنّ التسمية فرعُ من المعرفة ، والمعرفة فرعٌ من الإدراك. وبما أننا لا ندرك كنه ذاته وصفاته المقدّسة ، فإنّ الطريق الوحيد لتسمية ذاته المقدّسة هو الله سبحانه ، وخلفاؤه.

ونختم هذا البحث بمجموعة من الأبيات الشعريّة التي وردت على شكل أرجوزة في كتاب معارف الأئمّة في هذا المجال حيث تقول :

وَالوَقفُ مَشهورٌ لدى الأصحابِ

والعقل يَستَحسِنهُ في البابِ

فإنَّمَا التَّوصيفُ فرعُ المَعرِفة

وَالحقُّ في العِرفانِ ماقَد وَصَفَه

وَدُونهُ لا يصدقُ التَّنزِيهُ

بَلْ جُرئَةٌ لا يُومَنُ التَّشبيهُ

وَيَلزَمُ القُولُ بِغيرِ العِلمِ

مَعْ فَقدِ سُلطانٍ عَلَيهِ علمي (١)

* * *

__________________

(١) معرفة الأئمّة ، ص ٧٤٣.

٢٤

أسماء الله الحسنى

والاسم الأعظم

٢٥
٢٦

تمهيد :

يُلاحظ في الآيات القرآنيّة والروايات الإسلاميّة تعبير تحت عنوان «الأسماء الحسنى» ، وهذا العنوان جاء في القرآن بشكل مجمل لكنّه ورد في الروايات بشكل مفصّل ، وهذه الأسماء تدل بأجمعها على صفاته ، ونظراً لكون جميع أسمائه وصفاته حُسنى ، فإنّ انتخاب هذا العنوان يدلّ على امتياز هذه الأسماء.

ولكن من أين تنبع هذه الخصوصيّة؟ هذا ما سنوضحه بعد تفسير الآيات والروايات التي وردت في هذا المجال ، فلنتوجه الآن إلى القرآن ونتأمل خاشعين في الآيات القرآنية الكريمة :

١ ـ (وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلحِدُونَ فِى أَسْمَائِهِ). (الاعراف / ١٨٠)

٢ ـ (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحمنَ أَيّاً مَّا تَدعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى). (الاسراء / ١١٠)

٣ ـ (اللهُ لَاإِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى). (طه / ٨)

٤ ـ (هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسمَاءُ الحُسْنَى). (الحشر / ٢٤)

جمع الآيات وتفسيرها

أسماء الله الخاصّة :

لقد تقدم تفسير الآية الأولى في البحث السابق ، وخلاصته أنّها حذّرت الناس من تحريف أسماء الله حيث تقول : (وَللهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذينَ يُلحِدُونَ في أَسمَائِهِ).

٢٧

وأشارت الآية الثانية أيضاً إلى تعلل المشركين الذين كانوا يشكلون على رسول الله في تسميته لله تعالى بأسماء متعددة وخاصة اسم الرحمن الذي كان غير مألوف عند العرب المشركين آنذاك ، مع أنّه كان يدعوهم للتوحيد فالآية تقول : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحمنَ أَيّاً مَّا تَدعُوا فَلَهُ الأَسمَاءُ الحُسْنَى).

* * *

وصفت الآية الثالثة الباري بالخالقية والمالكيّة وتدبير عالم الوجود والعلم والاطلاع على الظاهر والباطن ، حيث قالت : (اللهُ لَاإِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسمَاءُ الحُسنَى).

أجَلْ فهو سبحانه بامتلاكه هذه الأسماء والصفات الحسنى التي لا نظير لها يليق لمقام الألوهيّة والربوبية ولا أحد يليق لهذا المقام سواه.

* * *

وأخيراً فقد وصفت الآية الرابعة والأخيرة ـ من بحثنا ـ ربّ العالمين بأوصاف متعدّدة ، بعد أن وصفته الآيات التي سبقتها بأكثر من عشرة أوصاف ، فقال : (هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسمَاءُ الحُسنَى).

وبعد ذلك وصفته بأوصاف مهمّة اخرى بلغ مجموعها ثمان عشرة صفة.

ونستنتج من مجموع هذه الآيات أنّ الأسماء الحسنى كناية عن صفات الجمال والجلال الخاصّة به سبحانه ، والذي يعبر كل واحد منها عن كمالٍ متميز أو تنفي عنه سبحانه نقصاً معيّناً ، وهي ليست تسمية بسيطة وعاديّة ، وقد انعكست هذه الأسماء والصفات في مختلف الآيات القرآنيّة وصارت محل اعتماد.

ولننطلق الآن لبحث هذا الموضوع ونرى ما هي الأسماء الحسنى؟ هل هي محدودة عددّياً؟ وإن كانت كذلك فكم عددها؟

* * *

٢٨

توضيحات

١ ـ ماهي حقيقة الأسماء الحسنى؟

وكما أشرنا سابقاًإلى أنّ جميع أسماء الله حسنى ، لذا فإنّ هذا التعبير يشمل جميع الأسماء الإلهيّة ، وكما ورد في سبب نزول الآية الثانية من بحثنا هذا (الآية ١١٠ من سورة الإسراء) ، فقد نُقِلَ بأنّها نزلت عندما سمع المشركون رسول الله يقول : يا الله يارحمن! فقالوا باستهزاء : إنّه ينهانا عن عبادة معبودين لكنّه انتخب لنفسه معبوداً آخر ... فنزلت هذه الآية في تلك اللحظة ودحضت ظن التعدد هذا ، وقالت : بأنّ هذه أسماءٌ حسنى مختلفة تُشير بأجمعها إلى الذات الإلهيّة المقدّسة الواحدة.

لذا فإنّ هذه الأسماء بأجمعها تعبيرات مختلفة تحكي عن الكمالات اللامتناهية لتلك الذات المقدّسة الواحدة وقد عبّر عنها الشاعر بقوله :

عِبَاراتُنَا شَتّى وَحُسنُكَ وَاحِدٌ

وَكُلٌّ إلى ذَاكَ الجَمالِ يُشيرُ

ويُستنتج من العبارات التي وردت في آيات القرآن الكريم أنّ جميع أسمائه هي مفردات من أسمائه الحسنى : (وَللهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا) ، (الآية الأولى من بحثنا).

والدليل على ذلك واضحٌ أيضاً ، لأنّ أسماءه «عزوجل» إمّا تعبّر عن كمال ذاته (كالعالم والقادر) أو عن نزاهة تلك الذات الأحديّة عن أي لونٍ من النقص (كالقدّوس) أو تحكي عن أفعاله التي تعكس فيض الوجود من جهاتٍ مختلفة (كالرحمن والرحيم والخالق والمدبّر والرازق).

وتعبير الآيات أعلاه ، الذي يدلّ على الحصر ، يُبيّن بأنّ الأسماء الحسنى خاصّة به تعالى ، لأنّ أسماءَه تُعبرّ عن كمالاته ، وكما نعلم فإنّ واجب الوجود هو عين الكمال والكمال المطلق ، لذا فالكمال الحقيقي من شأنه وخاص به وكلُّ ما سواه ممكن الوجود ومحض الحاجة والفقر.

وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي ، وهو : أنَّ الروايات الشريفة ذكرت ـ كما سنشير إليه في البحث القادم ـ عدداً معيناً للأسماء الحسنى ، ممّا يشير إلى أن تعبير الأسماء

٢٩

الحسنى لا يشمل جميع الأسماء الإلهيّة ، بل يشمل قسماً منها ، فما معنى ذلك؟

في الإجابة عن هذا السؤال نستطيع القول : إنّ السبب في ذكر عدد معيّن من الأسماء والصفات قد يكون لبيان أهميّتها لا انحصارها ، مضافاً إلى أنّ الكثير من الأسماء الإلهيّة كما سيتضح في البحوث المقبلة تشبه الأغصان الأصليّة الرئيسة ، والبقية تتشعبُ منها ، فمثلاً نُلاحظ أن (الرازق) فرعٌ من صفة الربّ (أيّ المالك والمدبّر).

وهكذا حال بقيّةِ الأوصاف من قبيل (المحيي والمميت).

وبعيدٌ جدّاً أن تكون الأسماء الحسنى ذات مفهوم خاص في الشرع (أي لها حقيقة شرعيّة) ، بل هي اصطلاح لغوي يشمل جميع الأسماء والأوصاف الإلهيّة.

وتعبير القرآن الكريم بـ : (وَللهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا) هو دعوة ـ في الحقيقة ـ إلى ترك الإلحاد وتحريف هذه الأسماء كتسمية الاصنام بأسماء الله ، أو دعوة إلى اجتناب تسمية الله بالأسماء ذات المفاهيم الممزوجة بالنقائص والخاصّة بالمخلوقات. أو هو إشارة إلى عدم تنافي تعدد الأسماء الحسنى مع وحدانية ذاته المقدّسة أبداً ، لأنّ تعدُّد الأسماء ناجمٌ عن قصر نظرتنا لإدراك ذلك الكمال المطلق ، فأحياناً ننظر من زاوية اطلاعه على كُلّ شيء فنسميه (بالعالم) وأحياناً اخرى ننظر من زاوية قدرته على كلّ شيء فنسميّه (بالقادر).

وعلى أيّة حال فإنّ جميع القرائن تدل على أنّ جميع الأسماء الالهيّة المقدّسة حسنى بالرغم من أنّ بعضها ذات أهميّة خاصّة.

* * *

٢ ـ عدد الأسماء الحسنى وتفسيرها

ذكرت روايات عديدة منقولة عن مصادر الشيعة وأهل السُّنّة أنّ عدد الأسماء الحسنى تسع وتسعون اسماً ، ومن جملة هذه الروايات رواية مشهورة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «إنّ له

٣٠

تسعاً وتسعين اسماً .. مِائة إلّاواحداً ـ من أحصاها دخل الجنّة ، إنّه وترٌ يُحبُّ الوتر» (١).

وفي رواية اخرى منقولة في توحيد الصدوق بنفس هذا المضمون (مع اختلاف طفيف) ، عن علي عليه‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «وَهيَ اللهُ ، الألهُ ، الواحِدُ ، الأحدُ ، الصَّمَدُ ، الأَوَّلُ ، الآخرُ ، السَّميعُ ، القَديرُ ، القَاهِرُ ، العَليُّ ، الأَعلى ، البَاقي ، البَديعُ ، البَارئُ ، الأكرَمُ ، الظَاهِرُ ، البَاطِنُ ، الحَيُّ ، الحَكيمُ ، العَليمُ ، الحَليمُ ، الحَفيظُ ، الحَقُّ ، الحَسيبُ ، الحَميدُ ، الحَفيُّ ، الرَّبُ ، الرحمنُ ، الرَّحيمُ ، الذَارئُ ، الرَّزاقُ ، الرّقيبُ ، الرؤوفُ ، الرّائي ، السَّلامُ ، المُؤمِنُ ، المُهيمنُ ، العَزيزُ ، الجَبَّارُ ، المُتكبِرُ ، السَّيِدُ ، السُّبُّوحُ ، الشَّهيدُ ، الصَّادِقُ ، الصَّانِعُ ، الطَّاهِرُ ، العَدلُ ، العَفوُّ ، الغفورُ ، الغَنيُّ ، الغِيَاثُ ، الفَاطِرُ ، الفَردُ ، الفَتاحُ ، الفَالِقُ ، القَدِيمُ ، المَلِكُ ، القُدُوسُ ، القَويُّ ، القَريبُ ، القَويمُ ، القَابضُ ، البَاسِطُ ، قَاضي الحَاجَاتِ ، المَجيدُ ، المَولى ، المنَّانُ ، المُحيطُ ، المُبينُ ، المُقيتُ ، المُصوِّرُ ، الكَريمُ ، الكَبيرُ ، الكَافي ، كَاشف الضُّرِّ ، الوِترُ ، النُّورُ ، الوهَّابُ ، النَّاصرُ ، الواسعُ ، الودُودُ ، الهَادِي ، الواقي ، الوكيلُ ، الوارثُ ، البَّرُّ ، البَاعثُ ، التوابُ ، الجَليلُ ، الجَوادُ ، الخبيرُ ، الخَالقُ ، خَيرُ النَّاصِرينَ ، الدّيانُ ، الشَّكُورُ ، العَظيمُ ، اللَّطيفُ ، الشَّافي» (٢).

والجدير بالذكر هو أنّ إحصاء وعدِّ الأسماء الحسنى وتلفظها باللسان لايعني أن يكون سبباً في دخول الجنّة بدون حساب ، بل بمعنى معرفة محتوى هذه الأسماء والإيمان بها فلابدّ أن يعرف الإنسان الله بهذه الصفات الإلهيّة ، فضلاً عن التخلق بها ، أي أن يشُّع في وجوده شعاع من علم الله وقدرته ورحمته ورأفته وغيرها من الصفات ، لأنّ التخلق بهذه الصفات الكمالية يلازم الإيمان بها.

وفي رواية اخرى في توحيد الصدوق عن الامام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لله عزوجل تسعٌ وتسعون اسماً ، من دعا الله بها استجاب له ، ومن أحصاها دخل الجنّة».

__________________

(١) تفسير الدر المنثور (ج ٣ ، ص ١٤٧) عن صحيح البخاري ومسلم ومسند أحمد وسنن الترمذي وكتب اخرى.

(٢) توحيد الصدوق ، ص ١٩٤ ، (باب أسماء الله تعالى) ، ح ٨ ، ونلفتُ الانتباه إلى أنّ عدد الأسماء المذكورة في الحديث أعلاه مِائة أسم ولكون لفظ الجلالة (الله) جامعٌ لجميع هذه الصفات فإنّه لم يُحسب وصار عدد الأسماء الحسنى تسعاً وتسعين اسماً ، وقد وضع البعض اسم الرائي بدل الرؤوف.

٣١

يقول المرحوم الصدوق بعد ذكر هذه الرواية : «المقصود من احصائها هو الاحاطة بها ومعرفة معانيها لا عدّها (١).

والجدير بالذكر أنّ بعض الروايات ذكرت الأسماء الحسنى بأكثر من هذا العدد ، حتى أنّ في بعض الأدعية كدعاء الجوشن الكبير قد بلغت الأسماء المقدّسة المذكورة فيها الألف ، ولا تنافي بين هذه الروايات ، لأنّه كما ذكرنا بأنّ التسع والتسعين المذكورة تُشير إلى الأسماء والصفات الأكثر أهميّة وخصوصية ، وذكر المرحوم الصدوق «ره» في كتاب «التوحيد» شرحاً مفصلاً حول تفسير هذه الأسماء التسعة والتسعين ، نذكرها هنا بصورة مختصرة لتكملة هذا البحث وزيادة المعرفة بحقيقة هذه الأسماء والصفات :

١ ـ ٢ ـ «الله واله» : أي (الجامع لجميع الكمالات) ، وهو المستحق للعبادة ، والذي لا يستحق العبادة إلّاهو.

٣ ـ ٤ ـ «الواحد الأحد» : أنّه واحد في ذاته ليس له أجزاء ولا شبيه ولا نظير ولا مثيل.

٥ ـ «الصمد» : السيد والمصمود إليه أي المقصود في الحوائج ، الغني عن كل موجود.

٦ ـ ٧ ـ «الأول والآخر» : أنّه الأول بغير ابتداء والآخر بغير انتهاء ، وبعبارة اخرى : الذات الازلية والأبدية.

٨ ـ «السميع» : المحيط بجميع المسموعات.

٩ ـ «البصير» : المحيط بجميع المبصرات.

١٠ ـ «القدير» : القادر على كل شيء.

١١ ـ «القاهر» : الذي انقاد له كل شيء وخضع لأوامره.

١٢ ـ «العلي» : ذو المنزلة والمقام العالي الرفيع.

١٣ ـ «الأعلى» : الغالب المنتصر ، أو المتسلط على كل شيء.

١٤ ـ «الباقي» : الذات الباقية التي لا تفنى.

١٥ ـ «البديع» : أي مبدع ومحدث كل شيء في عالم الوجود من غير مثال واحتذاء.

__________________

(١) توحيد الصدوق ، ص ١٩٥ ، ح ٩.

٣٢

١٦ ـ «الباريء» : باريء البرايا أي خالق الخلائق.

١٧ ـ «الاكرم» : بمعنى أكرم الكرماء.

١٨ ـ «الظاهر» : وهو الظاهر بذاته وبآياته التي هي شواهد على قدرته وآثار حكمته وبينات حجته.

١٩ ـ «الباطن» : الذي لا تحيط بكنه ذاته الأفكار والعقول.

٢٠ ـ «الحي» : الفعال المدبر. (ذي العلم والقدرة).

٢١ ـ «الحكيم» : الذي تكون كافة أفعاله صحيحة وثابتة ومنزهة من الفساد.

٢٢ ـ «العليم» : العليمٌ بنفسه ، العالم بالسرائر المطلعٌ على الضمائر الذي لا تخفى عليه خافية ولايعزب عنه مثقال ذرة في السماء والأرض.

٢٣ ـ «الحليم» : المُمهِل الصبور عمن عصاه ، الذي لايعجل عليهم بعقوبته.

٢٤ ـ «الحفيظ» : الذي يحفظ المخلوقات ويصرف عنها البلاء.

٢٥ ـ «الحق» : معناه الصامد الدائم الثابت والمستحكم ذو الحقيقة والواقع.

«فهو الحقيقة المطلقة وماعداه مجازي».

٢٦ ـ «الحسيب» : المحصي لكل شيء العالم به الذي لا يخفى عليه شيء من أفعال عباده ، والمحاسب والمكافيء لهم على أعمالهم.

والكافي «والله حسبي وحسبك ، أي كافينا».

٢٧ ـ «الحميد» : وهو المحمود المستحق لكل حمد وثناء.

٢٨ ـ «الحفيّ» : العالم المُطلع أو أنّه اللطيف بالآخرين والمُحسن إليهم.

٢٩ ـ «الرب» : أي المالك والمدبر والمصلح.

٣٠ ـ «الرحمن» : معناه الواسع الرحمة الذي شُمِلَ عباده بالرزق والانعام والرحمة.

٣١ ـ «الرحيم» : الذي خصت رحمته المؤمنين وشملتهم.

٣٢ ـ «الذاريءُ» : الخالق ، يُقال : ذرأ الله الخلق وبرأهم أي خلقهم.

٣٣ ـ «الرازق» : الشامل بالرزق كافة العباد ، محسنهم ومسيئهم.

٣٣

٣٤ ـ «الرقيب» : أي الحافظ ، ورقيب القوم ، حارسهم.

٣٥ ـ «الرؤوف» : أي الرحيم العطوف ، «وقد يرى البعض أنّ هناك اختلاف بين الرأفة والرحمة ، فالرأفة شاملة للمطيعين ، والرحمة شاملة للمذنبين».

٣٦ ـ «الرائي» : بمعنى المبصر والمطلع العالم.

٣٧ ـ «السّلام» : مصدر السلامة وينبوع فيض كل سلامة.

٣٨ ـ «المؤمن» : المحقق والمصدق وعده ، والذي آياته وعلاماته وعجائب تدبيره ولطائف تقديره سبباً لإيمان القلوب والأفئدة بذاته المقدّسة ، والذي آمن عباده من الظلم والجور ، وأجار المؤمنين من العذاب.

٣٩ ـ «المهيمن» : الشاهد الناظر أو الأمين والحافظ لكل شيء.

٤٠ ـ «الجبار» : أي القاهر الذي لايُنال ، الذي تعجز الافكار عن بلوغ عظمته ، والذي يصلح الامور بإرادته النافذة.

٤١ ـ «المتكبر» : مأخوذ من الكبرياء ، وهو اسم للتكبر والتعظم ، فلا شيء أكبر منه ، ولا تليق الكبرياء إلّابه.

٤٢ ـ «السيد» : معناه العظيم الأعظم وهو الملك الواجب الطاعة.

٤٣ ـ «السبوح» : معناه المنزه له عن كل عيب ونقص ومالا ينبغي أن يوصف به (١).

٤٤ ـ «الشهيد» : أي الشاهد والحاضر في كل مكان صانعاً ومدبراً.

٤٥ ـ «الصادق» : معناه أنّه صادق في وعده لا يبخس ثواب من يفي بعهده.

٤٦ ـ «الصانع» : معناه أنّه صانع كل مصنوع وخالق كل مخلوق ومبدع كل بديع.

٤٧ ـ «الطاهر» : وهو المنزه عن الأشباه والأنداد والأضداد والأمثال والحدود لأنّ كل ما عداه حادث ومخلوق وعاجز من جميع الجهات.

٤٨ ـ «العدل» : القاضي وهو الحاكم بالعدل والحق المطلق.

٤٩ ـ «العفوّ» : مشتق من العفو ، والعفو المحو كقوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنَتْ لَهُمْ)

__________________

(١) لا يخفى أنّه ليس في كلام العرب لفظ على وزن فُعُّولٌ إلّاسُبُّوحٌ وقدوس ، ومعناهما واحد.

٣٤

أي محا الله عنك إذنك لهم ، فهو تعالى يمحو ذنوب عباده.

٥٠ ـ «الغفور» : أي الغافر والغفار وأصله في اللغة التغطية والستر.

٥١ ـ «الغني» : الغني بنفسه غير محتاج لسواه والغني عن الاستعانة بالآلات والأدوات.

٥٢ ـ «الغياث» : معناه المغيث والمُنجد ، سمي به توسعاً لأنّه مصدر.

٥٣ ـ «الفاطر» : الخالق ، فطر الخلق أي خلقهم وابتدأ صنعة الأشياء وابتدعها فهو فاطرها أي خالقها ومبدعها من العدم.

٥٤ ـ «الفرد» : المتفرد بالربوبية والأمر دون خلقه ومعنى ثانٍ : أنّه الموجود المطلق لا موجود سواه.

٥٥ ـ «الفتّاح» : الحاكم ومنه قوله عزوجل في الآية ٨٩ من سورة الأعراف : (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) ، الذي يحل عُقد المكاره والمشاكل.

٥٦ ـ «الفالق» : مشتق من الفلق وهو الشق ، فلق الحبّ والنوى فخرج النبات من أعماق الأرض ، وأخرج الأجنة من بطون الامهات ، وفلق الظلام فانبلج عنه الصبح المنير وخرق حُجب العدم بخلقه للموجودات.

٥٧ ـ «القديم» : وهو المتقدم للأشياء كلها بلا أول ولا نهاية.

٥٨ ـ «الَملِك» : أي مالك الملك قد مَلَكَ كل شيء ، الحاكم على الكون.

٥٩ ـ «القدّوس» : الطاهر ، والتقديس ، التطهير والتنزيه عن كل عيب أو نقص.

٦٠ ـ «القوي» : وهو المقتدر بلا معاناة ولا استعانة الذي لايحتاج إلى معين في أفعاله.

٦١ ـ «القريب» : معناه المجيب فهو أقرب إلينا من كل شيء ، يسمع كلامنا ويجيب دعاءنا.

٦٢ ـ «القيّوم» : أي القائم بذاته الذي يقوم به غيره.

٦٣ ـ «القابض» : الذي يتوفى الأنفس يقال للميت : قبضه الله إليه ومنه قوله عزوجل في الآيتان ٤٥ و ٤٦ من سورة الفرقان : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمسَ عَلَيهِ دَلِيلاً* ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبضاً يَسِيراً) ، فالشمس لا تقبض بالبراجم والله تبارك وتعالى قابضها ومطلقها ، وهو تعالى الذي يقبض رزق شخص ويوسع رزق آخر حسب ما تقتضيه المصلحة.

٣٥

٦٤ ـ «الباسط» : يقابل القابض فهو المنعم المتفضّل الذي غمر الوجود بفيض رحمته ، وقد بسط على عباده فضله واحسانه واسبغ عليهم نعمه.

٦٥ ـ «قاضي الحاجات» : معناه مشتق من القضاء ، ومعنى القضاء من الله عزوجل على ثلاثة أوجه : فوجه منها الحكم والإلزام ، والثاني الإخبار والثالث الاتمام كقولك قضى الله حاجتي أي أتمّ حاجتي على ما سألته ، وهنا يعني قضاء حاجات الخلق.

٦٦ ـ «المجيد» : أي الكريم العزيز ، وصاحب المجد والعظمة.

٦٧ ـ «المولى» : الناصر والمشرف.

٦٨ ـ «المنّان» : وهو المعطي المنعم ، وواهب النعم.

٦٩ ـ «المحيط» : المحيط بالأشياء والعالم بها كلها.

٧٠ ـ «المبين» : البادية آثار قدرته في كل مكان ، والظاهر حكمه في عالم «التشريع» و «التكوين».

٧١ ـ «المقيت» : أي الحافظ والحارس والحامي.

٧٢ ـ «المصوّر» : اسم مشتق من التصوير يصور الصور في الأرحام كيف يشاء ، الذي يهب للخلق صورهم.

٧٣ ـ «الكريم» : العزيز ومعنى ثانٍ أنّه الجواد المتفضّل.

٧٤ ـ «الكبير» : معناه السيد العظيم ويقال لسيد القوم كبيرهم والكبرياء اسم التكبر والعظمة.

٧٥ ـ «الكافي» : اسم مشتق من الكفاية ، الكافي عباده وكل من توكل عليه كفاه ولا يلجئه إلى غيره.

٧٦ ـ «كاشف الضر» : المفرّج ، دافع البلاء والهم والغم يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.

٧٧ ـ «الوتر» : معناه الفرد وليس له نظير أو مماثل.

٧٨ ـ «النّور» : معناه المنير ، كقوله تعالى في الآية ٣٥ من سورة النور : (اللهُ نُورُ السَّماوَاتِ والْأَرْضِ) أي منير لهم وآمرهم وهاديهم.

٣٦

٧٩ ـ «الوهاب» : من الهبة ، يهب لعباده ما يشاء ويمن عليهم بما يشاء.

٨٠ ـ «الناصر» : النصير ، والنصرة حسن المعونة.

٨١ ـ «الواسع» : أي الغني ، والسعة الغنى ، فهو الواسع الغني عن كل شيء.

٨٢ ـ «الودود» : معناه أنّه مودود ومحبوب ، ويُقال : بل فعول بمعنى فاعل كقولك : غفور بمعنى غافر أي يود عباده الصالحين ويحبّهم والود والوداد مصدر المودة.

٨٣ ـ «الهادي» : ومعناه ، المرشد عباده للحق والعدل ، بل الهادي لكل موجود في عالم الخليقة وكل ذي عقل في عالم التشريع.

٨٤ ـ «الوفي» : معناه الذي يفى بعهده وميثاقه.

٨٥ ـ «الوكيل» : المتولي أي القائم بحفظنا ومعنى ثانٍ أنّه المعتمد والملجأ.

٨٦ ـ «الوارث» : معناه أنّ كل من ملّكه الله شيئاً يموت ويبقى ما كان في ملكه ولا يملكه إلّا الله تبارك وتعالى.

٨٧ ـ «البرّ» : الصادق ، يقال : بربّ يمين فلان إذا صدقت وأبرها الله أي أمضاها على الصدق ، كما يعني المحسن الواهب.

٨٨ ـ «الباعث» : أي أنّه يبعث من في القبور ويحييهم يوم القيامة وينشرهم للجزاء ومنهم الأنبياء.

٨٩ ـ «التوّاب» : معناه أنّه يقبل التوبة ويعفو عن الحوبة إذا تاب منها العبد ، يقال : تاب العبد إلى الله عزوجل فهو تائب إليه وتاب الله عليه أي قبل توبته فهو تواب عليه.

٩٠ ـ «الجليل» : السيّد ، يقال لسيد القوم جليلهم وعظيمهم وجلّ جلال الله فهو الجليل ذو الجلال والإكرام.

٩١ ـ «الجواد» : المحسن المنعم الكثير الإنعام والاحسان.

٩٢ ـ «الخبير» : العالم المُطلع ، يقال لي به خبر أي علم ، فهو المطلع على بواطن الأمور والأسرار والاعلان.

٩٣ ـ «الخالق» : الخلّاق ، والخلق في اللغة تقدير الشيء ، خلق الخلائق خلقاً ؛ وخليقةً : الخلق ، والجمع الخلائق.

٣٧

٩٤ ـ «خير الناصرين» : معناه أنّه فاعل الخير إذا كثُر منه سميّ خيراً توسُّعاً ، فنصرته خالية عن العيب والنقص ولا حد لها.

٩٥ ـ «الديّان» : وهو الذي يدين العباد ويجزيهم بأعمالهم ، والدين الجزاء.

٩٦ ـ «الشكور» : معناه أنّه يشكر للعبد عمله وهو المحسن إلى عباده المنعم عليهم بأفضل النعم.

٩٧ ـ «العظيم» : السيّد ومعنى ثانٍ : أنّه يوصف بالعظمة لغلبته على الأشياء وقدرته عليها ومعنى ثالث : أنّه عظيم لأنّ ما سواه كلّه له ذليل خاضع فهو عظيم السلطان.

٩٨ ـ «اللطيف» : أي أنّه لطيف بعباده ، بارٌ بهم منعمٌ عليهم ومعنى آخر أنّه لطيف في تدبيره وفعله.

٩٩ ـ «الشافي» : معناه معروف وهو من الشفاء الشافي من الأمراض والآلام والأوجاع (١).

* * *

كان هذا مجموع الأسماء التسعة والتسعين المُعبرُ عنها في الروايات الإسلاميّة بالأسماء الحسنى ، لكنّه وكما أشرنا سابقاً فإنّ تعبير الروايات حول هذا الموضوع ليس واحداً.

ونذكّر مرّة اخرى بأنّ قسماً من هذه الصفات تعبرّ عن كمالات الذات الإلهيّة المقدّسة (صفات الجمال) ، وقسماً آخر ينزّهُ ذاته المقدّسة عن أي نقص أو عيب (صفات الجلال) وقسمٌ كبير منها مشتقة من أفعاله (صفات الأفعال).

نضيف إلى ذلك أنّ قسماً من هذه الصفات متقاربة مع بعضها من حيث المعنى ، على الرغم من التفاوت الظريف والدقيق الموجود بينها في الغالب.

* * *

__________________

(١) توحيد الصدوق ، ص ١٩٥ ـ ٢١٧ (بالاضافة إلى تفاسير اخرى مستفادة من كتب اللغويين والمفسرين).

٣٨

٣ ـ أي واحد منها اسم الله الأعظم؟

تناسباً مع بحثنا حول الأسماء الحسنى نتكلم حول الاسم الأعظم أيضاً.

لقد ورد التأكيد في روايات كثيرة على موضوع «اسم الله الأعظم» ، ويستنتج منها أنّ من دعا الله باسمه الأعظم استجاب له ولبّى حاجته ، لذا فقد ورد في ذيل بعض هذه الروايات : والذي نفسي بيده لقد سئل الله باسمه الأعظم الذي إذا سُئل به أعطاه وإذا دُعي به أجاب» (١). وتعابير اخرى من هذا القبيل ، وكذلك فقد ورد في الروايات بأنّ (آصف بن برخيا) ـ وزير سليمان عليه‌السلام ، الذي جاء بعرش بلقيس من اليمن إلى الشام بلمحة بصر ، كان يعرف الاسم الأعظم (٢) ، وكذلك (بلعم بن باعورا) عالم وزاهد بني اسرائيل ـ الذي كان مستجاب الدعوة ـ كان يعرف الاسم الأعظم أيضاً (٣).

وقد نقل العلّامة المجلسي روايات كثيرة حول الاسم الأعظم وأيّ الأسماء هو من بين أسماء الله الحسنى لا مجال لذكرها هنا ، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «اسم الله الأعظم مقطّع في أمِّ الكتاب» (٤).

وكذلك مانقل في بعض الروايات : عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها» (٥).

وقد ذكرت الروايات وآيات قرآنية أسماء مقدّسة اخرى من أسماء الله ، والأسماء الحسنى يفوق بعضها البعض الآخر من حيث المعنى ، (ولزيادة الاطلاع راجع الجزء الثالث والتسعين من كتاب بحار الأنوار).

لكن محور البحث هنا يكمن في أنّ الاسم الأعظم هل هو كلمة ، أم جملة ، أم آية قرآنية معينة؟ وهل هذه التأثيرات والقدرة كامنة في الألفاظ والحروف بدون قيد أو شرط؟ أم أنّ

__________________

(١) بحار الانوار ، ج ٩٣ ، ص ٢٢٥.

(٢) سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٢٣ ؛ وبحار الأنوار ، ج ١٤ ، ص ١١٣.

(٣) بحار الانوار ، ج ١٣ ، ص ٣٧٧.

(٤) بحار الانوار ، ج ٩٠ ، ص ٢٢٣.

(٥) بحار الأنوار ، ج ٧٥ ، ص ٣٧١.

٣٩

تأثيرها ينبع من صياغتها اللفظّية إضافة إلى حالات وشروط خاصّة بالشخص الذي يرفع يديه بالدعاء من حيث التقوى والطهارة ، وحضور القلب ، والتوجه الخالص لله ، وقطع الأمل عمّن سواه ، والتوكل الكامل على ذاته المقدّسة؟

أم أنّ الاسم الأعظم ليس من سنخ اللفظ؟ وما استعمال الألفاظ إلّاللإشارة إلى حقيقتها ومحتواها ، وبتعبير آخر فإنّ مفاهيم هذه الألفاظ. يجب أن تنفذ إلى روح الإنسان فيتخلق بمعناها حتى يصل إلى مرحلة من الكمال بحيث يصير مستجاب الدعوة بل يمكنه ـ بالإضافة إلى ذلك ـ أن يتصرف في الموجودات التكوينية بإذن الله.

من هذه الاحتمالات الثلاثة ، يستبعد جدّاً أن يكون لهذه الحروف والألفاظ أثر بدون أن يكون لمحتواها ولأوصاف وحالات الشخص دخلٌ في الموضوع ، ومع أنّه ورد في بعض القصص الخرافية التي نقلت شعراً ونثراً في بعض الكتب من أنّ عفريت الجن كان يستطيع الاستيلاء على عرش سليمان وأداء أعماله عن طريق معرفته بالاسم الأعظم!! فإنّ مثل هذا التصُّور عن اسم الله الأعظم بعيد جدّاً عن روح التعليمات الإسلامية ، علاوة على هذا فإنّ نفس قصة (بلعم بن باعورا) ، التي أخبرت عن أنّه فقد الاسم الأعظم بعد أن انحرف عن التقوى والطريق الصحيح ، تدل على أنّ لهذا الاسم علاقة وثيقة جدّاً بأوصاف وحالات الداعي ، لذا فالاحتمال الصحيح هو أحد التفسيرين الأخيرين أو كلاهما.

يقول العلّامة الطباطبائي رحمه‌الله في تفسير الميزان ، بعد أن أشار إلى مسألة الاسم الأعظم : «مع أنّ أسماء الله عموماً واسمه الأعظم خصوصا مؤثرة في عالم الوجود وتعد وسائطاً وأسباباً لنزول الفيوضات في هذا العالم ، إلّاأنّ تأثيرها منوط بحقائقها لا بنفس ألفاظها التي تدلّ عليها ولا بمعانيها المرسومة في الذهن» (١). وهذا الكلام يؤيد أيضاً صحة ما ذكرنا.

وتوجد نقطة جديرة بالالتفات أيضاً وهي أنّ هناك تعابير مختلفة للإسم الأعظم في روايات هذا الباب ، وكل واحد منها حصر الاسم الأعظم بمعنى معيَّن.

فبعضها عدّت البسملة أقرب شيء إلى الاسم الأعظم وبعضها حددت اسم الله الأعظم

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٨ ، ص ٣٧٢.

٤٠