طلوع سعد السّعود - ج ٢

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ٢

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

الظفر لها بالعدو في كل حرب ، وحلّ بشارل ما لا يوصف من فرح وطرب وأطردت الانقليز من افرانسا قهرا ، وأبعدتهم منها قسرا ، ثم أصيبت بجرح في الميدان فتمكن منها الانقليز وذهبوا بها إلى رايسهم (كذا) السلطان ، ففرح الانقليز بأسرها وتزايدوا على رايتها ، وكيف بها حتى حصلت في بليتها ، فحكموا أولا بسجنها مدة عمرها حكموا ثانيا بحرقها فأحرقوها بالنار ، قائلين أنها ساحرة ومن الروافض الفجار ، وذلك سنة ثمان وأربعين من المذكور (١٤٠) وبقي شارل مع الانقليز في المحاربة والمقاتلة والمضاربة إلى أن نزع لهم ما عدا كالي وحصل الهناء والعافية في ملكه ورعيته بالأيام والليالي ، ورتب للخدمة العسكرية ، ولم يدعهم كما في السابق مهملين الأوامر ، بحيث صيّرهم لا يفارقون أمكنتهم ما داموا في الخدمة ومهمى أذن لهم تقدموا للزدمة ، وجعل على الرعية اللزمة التي يستعين بها على رواتب الجيوش ، ولا يدعهم كالعهن المنفوش ، واخترع في وقته جان كوتنبرك (١٤١) الألماني آلة الطباعة ، ثم اخترع النقش على النحاس والسلاح في غاية الصناعة ، ثم إدخال الزيت في ألوان التصوير وصناعة الورق المستعمل من القماش بالتحرير وذلك سنة سبع وستين من المذكور (١٤٢) ، وإلى الله عاقبة الأمور.

الملك لويس الحادي عشر

وخامس خمسينهم ابنه لويز الحادي عشر ، تولى سنة ثمان وسبعين وثمانمائة (١٤٣) فيما اشتهر ، ومات سنة تسعمائة مبينة ، بعد ما ملك اثنين وعشرين سنة ، ومن خبره أنه لما تولّى شرع في عزل أهل الخدمة وأصدقائه ، وصيّرها لذوي الأقدار الوضيعة بارتقائه ، فشقّ ذلك على الأعيان والأمراء وخلعوا الطاعة وراموا حرابته استطاعة ، واجتمعت جيوشهم بجيوش لويز بمولنيزي واشتد القتال وكثر

__________________

(١٤٠) الموافق ١٤٤٤ ـ ١٤٤٥ م.

(١٤١) يقصد جان قوتنبرق.

(١٤٢) الموافق ١٤٦٢ ـ ١٤٦٣ م.

(١٤٣) الموافق ١٤٧٣ ـ ١٤٧٤ م.

٦١

القتل / من الفريقين في الرجال وذلك سنة اثنين وثمانين من التاسع بالمعاينة ، وبعد ذلك حصل بين الفريقين المهادنة ، ثم تمكن منه شارل سنة خمس وثمانين من المذكور ، وسجنه ثم حصل الحرب بينهما سنة تسع وثمانين من المسطور ، وحصر (كذا) شارل مدينة بوفي ولم يستول عليها ، لشدة مقاتلة النساء عليها ، ثم حصلت المحاربة بينه وبين النامسة (١٤٤) وطالت أربعة أعوام ، وحصل الصلح بالمجانسة وقتل من رعيته ما يراهق أربعة آلاف فضلا عن الأمراء والأعيان الضراف ، وضم إلى افرانسا سبعة عشر وطنا ، وأزال عن افرانسا ما كان ضعفا ووهنا ، وجعل التأويل باختراعه لإرسال المكاتب مع البريد ، واخترع علامة الافتخار لذي الشجاعة وغيرها مما يحصل به الفوز بالمزيد ، وشرعت افرانسا في طبع الكتب سنة سبع وثمانين من التاسع بالتفريد (١٤٥).

الملك شارل الثامن

وسادس خمسينهم ابنه شارل الثامن ، تولى سنة تسعمائة (١٤٦) وهو ابن ثلاثة عشر عاما ، ومات سنة خمسة عشر وتسعمائة بعد ما ملك خمسة عشر عاما. ومن خبره أنه كان خميل الذكر جاهل العلم ، فتولت التصرف عليه أخته آن في الحكم ، فقام عليها الدوك دورليان وأراد التصرف عليه في السر والإعلان ، فأجمعت رؤساء المملكة ، واتفقوا على تصرفها للمسلكة وذلك سنة واحد من القرن العاشر المارّ واتفق دورليان ، مع أمير البرطانية (كذا) على مقاتلتها وجهّزا معا الجيوش لوجاهتها (كذا) وشرعا في الرحلة سنة خمس من العاشر المذكور كثير البضاعة ، وكان رايس (كذا) جيشها لا تريمواليو المشهور بالشجاعة ، فكان القتال الشديد بينهما بحسب الاستطاعة ، وهزم دورليان (كذا) ثم تقبّض عليه وبعثه لشارل. فسجنه وتركه مدة في السجن ثم خلّ سبيله بعد ما أوهنه فرجع إليه وصار من أحسن خدامه ، والقائم بأحواله بأحسن قيامه ، وتزوج شارل بابنة أمير

__________________

(١٤٤) يقصد النمسا.

(١٤٥) الموافق ١٤٨٢ ـ ١٤٨٣ م.

(١٤٦) الموافق ١٤٩٤ ـ ١٤٩٥ م.

٦٢

البورطانية (كذا). فكان مهرها وطن البورطانية. وفي سنة اثنا عشر من المارّ جهز الجيوش لوطن النابوليطان فحاربه أربعة أشهر واستولى عليها بالبيان ، ثم اتحد البابّ (كذا) وملك النامسة (كذا) والأندلس على ترحيله ، فرحل قاصدا مملكته في ثمانية / آلاف مقاتل بتمهيله ، والتقى بجيش المتحدين بفرنو وصفا وهم أربعون ألفا ، فاشتد بينه وبينهم القتال ، وتقابلت مع بعضها الرجال ، ودام ذلك إلى أن هزم المتحدين هزيمة شنيعة ، ودخل مملكته في حالة مرضية منيعة وبموته انقرض الفرع الثاني من الطبقة الثالثة ، وتولى الفرع الثالث منها بالماثلة.

الملك لويس الثاني عشر

وسابع خمسينهم لويز الثاني عشر ، تولى سنة خمسة عشر وتسعمائة (١٤٧) ومات سنة اثنين وثلاثين من العاشر فيما اشتهر ، بعد ما ملك سبعة عشر سنة ، فتأسّفت عليه رعيته كأنه درة مثمنة. ومن خبره أنه كان شديد الحلم والرفق بالرعية فرأت منه ما لا يوصف من الخبرات السنية ، وكان متزوجا بابنة لويز الحادي عشر فطلّقها ، وتزوّج بحليلة شارل الثامن سنة ستة عشر من العاشر فاعتزم بها وحلّقها ، فضمّ لمملكته وطن البورطانية فصارت فرعان من فروع المملكة الفرانسانية (كذا) ثم جهّز جيوشا لنظر تريفلس بكل ما كان لفتح النبوليطانية والميلانيز أرض الطليان ، وذلك في السنة المارة فدخل أرض الطليان واستولى على جنوة والملانيز ، فرام الملك نظير ذلك ورحل من باريز ، فقام سفروص وأنشأ الحرب وأطردهم عن ملكه ، فسمع لويز وأرسل جيشا لقمعه وإدخاله في سلكه ، وريّس عليه لا تريموليو فرحل سنة سبعة عشر وتسعمائة ، وأنشأ الحرب ثم استولى على الميلانيز ، وتقبّض بسفورص فأرسله فورا إلى السلطان لويز ، فسحنه إلى أن مات به ثم استولى على النبوليطان سنة ثمانية عشر من العاشر بالبيان ، وحصل الحرب بينه وبين ملك الأندلس فكانت الدائرة عليه ، وهزمت جيوشه بما لديه ، ولما سمع لويز بذلك ازداد حزنه ، ولازمه ضعفه ووهنه وقال خدعني ملك الأندلس مرتين ، ولم نشعر مع نفسي بلا مين ، فسمع مقاله

__________________

(١٤٧) الموافق ١٥٠٩ ـ ١٥١٠ م.

٦٣

ملك الأندلس وقال بل خدعته أزيد من عشر مرات ولم يشعر بالخديعة وهو في جهله بغمرات ، ثم اتحد مع الباب وملك الأندلس والنامسة (كذا) وغيرهم من أمراء الطليان ، على حرب البنادقة وإزالة شوكتهم / مع الطغيان ، فذهب لهم بجيوشه وحاربهم فهزمهم بنواحي إيناديل ثم برافين وقامت الطليان على الفرانسيس للتغيير والتبديل ، فأطردوهم من الميلانيز ثم انعقد الصلح بين لويز والبنادقة واتحدا على الذهاب للملانيز ، فقصدهم بجيوشه واستولى عليها ثم اتحدت عليه الانقليز والبابّ (كذا) والنامسة (كذا) والملانيز وبجيوشهم أطردوه عليها ، وهزم جيشه بما لا يوصف ولا يعلم ولا يعرف ، وذلك سنة ثلاثين من القرن العاشر المحبوب ، ولمّا تراكمت عليها المصائب والكروب المفضية إلى الفرار ، والهروب ، عقد الصلح معهم سنة إحدى وثلاثين من المذكور ، على شرط أن يتزوج بماري أخت أنري الثامن من ملوك الانقليز فرضي بالمسطور. وبموته انقرض الفرع الثالث الشائع وتولى الملك من الطبقة الثالثة الفرع الرابع.

الملك فرانسوا الأول : FRANC ? OIS.I

وثامن خمسينهم صهره افرانصو الأول ، تولى سنة اثنين وثلاثين وتسعمائة (١٤٨) وهو ابن إحدى وعشرين سنة في المسطور ، وهو من نسل الدوك دورليان المذكور ، وتوفي سنة أربع وستين من القرن العاشر المشهور (١٤٩). ومن خبره أنه كانت له اليد في سائر الفنون لكنه يحب الفتن بلا قياس ، ولا يراعي مصالحه ولا مصالح الناس ، ففي سنة توليته جهز جيشا وأخذ في الرحلة لأرض الميلانيز ، ووقع المصاف بمارينيان محل التنجير ، واشتد الحرب يومين وظهر على أعدائه ، وقتل عشرة آلاف مقاتل وهو في التقدم بمن ورائه فجرح خمس جراحات ، ولم يلتفت لها بصراحات ، فارتحل أمير الميلانيز وأذعن بالطاعة ، وتوجّه لافرانسا واستقر بها لعدم الاستطاعة ، فرجع افرانصوا وأبقى بمحله دوبوربون الكنطابل أميرا على الميلانيز ومعه ستة عشر ألفا من عسكره للتناجيز ،

__________________

(١٤٨) الموافق ١٥٢٥ ـ ١٥٢٦ م.

(١٤٩) الموافق ١٥٥٦ ـ ١٥٥٧ م.

٦٤

ثم تحارب مع ملك الأندلس لما تملّك بالنامسة ، وكثرت بينه وبينهم الحروب ذات النحس الناحسة ، وقد أعد لقتالهم الكور وكان مجهولا وذلك وقت الظهور ، فكانت الحرب بينهما سجال ، ما دام الحرب والقتال وذلك سنتي ثمان وتسع وثلاثين من القرن المذكور ، وفي التي بعدهما اتحد البابّ (كذا) وملك الانقليز بالمسطور ، وملك النامسة وبعض أمراء الطليان ووزيره دوبوربون على مقاتلته ومكافحته / ومجاولته فاشتدّ الحرب في كل ناحية ، وكل جهة وضاحية ، وقدم للميلانيز فاستولى هذا الملك على ميلان وقدم سنة اثنين وأربعين من المذكور ليافا فحاصروها بما كان ، واشتدّ القتال إلى أن هزمت جيوشه ومات منها ثمانية آلاف مقاتل وحصل الملك افرانصوا في الأسر بعد هجومه الطائل ، وأرسل إلى مدريد قاعدة الأندلس فسجنه ملكها هنالك. ولمّا بلغ الخبر لافرانسا بايعوا والدته نائبة عن ابنها سريع المدارك ، ولم يخرج من سجنه إلّا بشروط شديدة مؤسسة سديدة ، منها أن يردّ كلّ مملكة أخذها لأهلها ، ويعط (كذا) اثنين من أولاده ثقة بكلها ، فوافق لكنه عاهد نفسه بعدم الوفاء ، وأخرج منه سنة ثلاث وأربعين من المذكور آنفا. وفي وقته سنة اثنين وستين من العاشر الهجري (١٥٠) استنبط شخص من بسيط ، البندقية الصغيرة المسمّة (كذا) بالكبوس (كذا) وبالبشطولة ، نسبة للبلدة المخترع فيها ذلك في صحيح المقولة.

الملك هنري الثاني

وتاسع خمسينهم ابنه أنري الثاني تولى يوم موت أبيه وهو عام تسع وستين وتسعمائة (١٥١) بالتبياني ، ومات سنة ست وسبعين من العاشر المذكور ، بعد ما ملك اثنا عشر سنة في المسطور ، وخلّف سبعة من الأولاد الذكور ، فثلاثة منهم ملكوا على التوالي في المشهور. ومن خبره أنه أورث العداوة من أبيه لشارلكين (كذا) بالمستبان. واتحد على محاربته مع أمراء الألمان. وجهّز الجيش العتيد وسار معه لوطن اللورين وهو في احتياز الأندلس وقت ذاك بما يريدون فأنشأ مع

__________________

(١٥٠) الموافق ١٥٥٤ ـ ١٥٥٥ م.

(١٥١) الموافق ١٥٦١ ـ ١٥٦٢ م.

٦٥

أهله الحرب إلى أن استولى على مدائن ميس وطول وفيردون. ثم قدم شارل الخامس إلى مدينة مين ، بقصد الحرب في الحين ، وذلك سنة سبعين من المذكور فحاصرها ولم يطق على الاستلاء (كذا) عليها بالتبيان ، فارتحل عنها واستولى على مدينة طيروان وقتل كل من بها بالعدوان ، فجاءه أنري الثاني بجنوده العديدة الشانطي (كذا) واشتدّ القتال بينهما بنواحي مدينة رانطي ودام إلى أن هزمه أنري في المروى ، واحتوى على بعض / ذخائره بغاية المحتوى ، وذلك سنة إحدى وسبعين من العاشر ، وجهز جيشا لنظر دوكيز العابر ، فذهب وحاصر مدينة كالي وأخذها في ثمانية أيام ، بعد ما بقيت بيد الانقليز ما ينيف على المائتين من أعوام ، وأنري هذا هو أول من جعل صورته في النقدين ، وكذا الفلوس بغير مين.

الملك افرانسوا الثاني

وستينهم ابنه افرانصوا الثاني ، تولى يوم موت أبيه وهو عام ست وسبعين وتسعمائة (١٥٢) بالبياني ومات سنة سبع وسبعين من المذكور ، بعد ما ملك عاما واحدا في المسطور. ومن خبره أنه كان ضعيف البدن ناقص العقل ، لا طاقة له على منع شيء من الفساد والوحل ، وافترقت عليه أرباب دولته أحزابا ، فكان ذلك لاختلاف دينهم أسبابا ، وشرعت الناس في أيامه في فلاحة الدخان ، بعد ما كان مجهولا في تلك الأوطان.

الملك شارل التاسع

وحادي ستينهم أخوه شارل التاسع ، تولى يوم موت أخيه في المسامع ، وهو عام سبع وسبعين من العاشر المذكور ومات عام إحدى وتسعين منه في المشهور (١٥٣) بعد ما ملك أربعة عشر عاما ، فأتته منيته التزاما. ومن خبره أنه كان صغيرا فقامت أمه بالتصرف عليه ، لكونه ابن عشرة أعوام وترد الأمور إليه ،

__________________

(١٥٢) الموافق ١٥٦٨ ـ ١٥٦٩.

(١٥٣) الموافق ١٥٦٩ ـ ١٥٨٣ م.

٦٦

وكانت من الدهاء والمكر والغدر في الغاية ، فأظهرت المصالحة مع المتبعين لدين المسيح بالنهاية ، وغرضها الفساد لهم والتقوية لشوكتها وتدريب أمورها بحوكتها ، وكثر القتال بين الروافض ومن هو للطاعة ودين المسيح رافض ، ثم قوت شوكته وقتل ما ظفر به من الروافض ، وابتلي بمرض ليس له فيه علاج ، ولازم الفراش إلى أن قضى نحبه بالمعلاج ، وظهر في أيامه أمران : مبدأ العام العجمي الأول من ينيّر (كذا) قصارى ، بعد ما كان ابتداء العام من عشية العيد الكبير عند النصارى (١٥٤) وأتى دارك بالبطاطة من المريكة (كذا) وشرعت الناس في فلاحتها بالشريكة (١٥٥).

الملك هنري الثالث

وثاني ستينهم أخوه أنري الثالث تولى يوم موت أخيه وهو عام إحدى وتسعين من العاشر (١٥٦) ، ومات قتيلا سنة ستة من الحادي عشر (كذا) ، بعد ما ملك خمسة عشر سنة ، ولم يترك نسلا مبينة / ومن خبره أنه كان مستقرا بأرض البولونيز فبلغه خبر موت أخيه وجاء بالعزم لباريز فألفى المملكة في غاية الفساد ، من الوقائع الدينية وظهور العناد ، فعقد الصلح على إظهار الروافض لدينهم ، لكونه كان قليل الحزم مختل المزاج والناس غير مشتغلة بما يعنيهم ، ونشأ الحرب مع النّفار وأظهر من شجاعته ما فيه المقدار ، وصار يتحيل على الانتقام من الأخوين الدوك والكردينال دوكيز إلى أن قتلهما غدرا بالتجويز ، ثم اصطلح مع ملك النفار وجهز جيوشا لمحاربة الباريز فقتله راهب قبل إتمام المراد ، وقتل القاتل فورا لتسكن الفتنة بين العباد ، وبموته انقرض الفرع الرابع بعد ما ملك أربعا وسبعين عاما. وانتقل الملك للفرع الخامس من الطبقة الثالثة احتكاما.

__________________

(١٥٤) يقصد جعل بداية السنة أول شهر يناير وكانت قبل ذلك تبدأ بعيد ميلاد المسيح وهو يوم ٢٥ ديسمبر.

(١٥٥) يقصد إحضار نبتة البطاطا من أمريكا.

(١٥٦) الموافق ١٥٨٣ م.

٦٧

الملك هنري الرابع

وثالث ستينهم أنري الرابع ، بالتعميم الملقب لوقران ، ومعناه عندهم العظيم. تولى سنة ستة وألف ومات قتيلا سنة سبع وعشرين من الحادي عشر (١٥٧) بعد ما ملك ثمانا وعشرين فيما اشتهر. ومن خبره أنه لما تولّى جهّز جيوشا لدفع الفساد ، حين وقف المتحدون بباب العناد. وكان يكره قتل قومه ، لحسن عهده واطراد لومه ، ثم أنشأ الحرب أيضا مع المعاندين سنة سبع من الحادي عشر بالتبيين ، وكانت جنوده أقل من جنود الدوك دومايين ولما اشتدّ القتال ظهر عليهم وهزمهم في الساعة والحين ، ثم تجددت بينه وبينهم الفتنة ونصر عليهم ، وأظهر من شجاعته ما كان التحدّث به لديهم ، ثم اتّحد مع مملكة الانقليز ، وجاء من حينه لباريز ، وحاصرهم بما يزيد على شهرين بالجنود الطامّة ، الكثيرة الوافرة العامة ، وأحاط بهم القحط العظيم ، الذي مات به ما يزيد على الثلاثين ألفا بالتتميم ، ولم تسكن الفتنة إلى أن دخل بدين المسيح ، بكنيسة سانداني في الصحيح فتوجّه لباريز واشتهر قدومه ، وتسابقت الناس بملاقاته بما يدومه ، وذلك سنة إحدى عشر من الحادي عشر بالسراعة ، وفي التي تاليها (كذا) حاربهم وهزمهم وعفا عن دومايين لما أذعن للطاعة ، بالاستطاعة / ، فاستراحت الناس وحلت بهم العافية وطاب لهم العيش بالنّعم الوافية ، وأدّى ما عليه من الديون ، وحطّ عن الرعية حصة من المغارم واستراح كل مغبون ، وبنا (كذا) المدون (كذا) وسد الثغور ، وزاد في السفن كثرة بالقدر والمشكور ، ثم أسس باريزا وبنا (كذا) بالوادي الذي يشقه قنطرة المرور.

الملك لويس الثالث عشر

ورابع ستينهم ابنه لويز الثالث عشر السديد الملقب لوجوست ، ومعناه عندهم الرشيد تولى يوم موت أخيه وهو عام سبعة وعشرين وألف وهو ابن تسعة أعوام ، ومات سنة ستين منه (١٥٨) بعد ما ملك ثلاثا وثلاثين من الأعوام ، ومن خبره

__________________

(١٥٧) الموافق ١٥٩٧ ـ ١٦١٨ م.

(١٥٨) الموافق ١٦١٨ ـ ١٦٥٠ م.

٦٨

أنه الذي كان يتصرف عليه في الملك بالنيابة عنه لصغره بالعياني ، أمه ووزيره كونجيبني الطلياني ، فامتنعت الأمة من الإذعان له وخلعوا الطاعة ، وراموا العناد والفضاعة ولما بلغ الملك في السن ستة عشر سنة وهو وقت الصولة ، خلع أمه والوزير وذلك بأشلاء الدولة ، فسجنها وقتل الوزير خفية ، فصار الناس جهتين أحدهما له والأخرى لوالدته خفية ، واشتغل باللعب واللهو ، وأدّاه ذلك إلى أمور الهزل والسهو ، فخلعت الأمة الطاعة ، وأوقدوا الحرب وخرجوا عن الجماعة ، ولم يذعنوا إلّا بعد الفتن الشديدة ، والمصائب الوافرة العديدة ، ثم حاصر مدينة روشيل وبها الروافض وفعل بها ما يليق بكل باغ ورافض ثم جهز الجيوش وأخذ في الرحلة لروشيل أيضا فحاصرها ، إحدى عشر شهرا معدودة لحظة لحظة ، وقتل منهم نحو الخمسة وعشرين ألفا ، فأذعنوا للطاعة وبها اتصفوا وصفا ، فهدم أسوار المدينة وأمنهم وارتحل عنهم وتركهم في غاية الضنك وبلغ مصروف تلك الواقعة أربعين ألف ألف افرنك ، ثم توجه لنصرة والي عمالته بأرض الطليان بعد ما اتفق على منعه من الجواز له ملك الأندلس ووالي عمالة السّفوا ، وملك الألمان ، فهزم الأعداء واستولى على سوز ، ثم زاد لنصرة كزال بلا مانع ولا محوز ، فسأل والي السّفوا المهادنة فوافقه عليها وهو بسوز ، ثم نقضها فصرف إليه وزيره دوريشليو المبروز فحاصره / واستولى على بينيورول عنوة ، وأذعنت له بالطاعة سائر عمالة السفوة ، ثم استولى لويز على وطن اللورين وارتفع قدر دولته عند كافة الملوك بالتمرين.

الملك لويس الرابع عشر

وخامس ستينهم ابنه لويز الرابع عشر الحميم الملقب لوقران ، ومعناه بلغتهم العظيم تولى يوم موت أبيه وهو عام ستين وألف وهو ابن خمسة أعوام ، وتوفي في أول ستنبر (كذا) سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف (١٥٩) بعد ما ملك اثنين وسبعين من الأعوام. ومن خبره أنه كانت دولته وأيامه من أفخر الدول والأيام ، ووقعت فيها الوقائع العظام ، وصارت افرانسا زاهية ، وعلى غيرها من دول جنسها

__________________

(١٥٩) الموافق ١٦٥٠ ـ ١٧٢٠ م.

٦٩

باهية ، واتفقت الأمة على نيابة زوجته عنه ، ما دام صغيرا وعن التصرف بعيدا عنه وحصل الحرب بينه وبين الأندلسيين ، لحصارهم روكرو في الحين ، وهزمهم شنيعا ، وأوقع بهم موقعا بضيعا ، وذلك سنة توليته وتكرر الحرب بين الفريقين ، مرارا عديدة بلا مين ، إلى أن حصل الصلح في سنة خمس وستين من المذكور بالتبريز ثم وقعت الحروب بينه وبين الروافض بباريز وانتشرت كثيرا بالتحريز ، إلى أن انعقد الصلح سنة ستة وسبعين (كذا) من المذكور ، ثم جهز جيوشا قدرها مائة ألف مقاتل ، لحروب الهولاندة (كذا) وريس عليهم من أعيانه كل باسل ، وذلك سنة تسع وثمانين من المذكور فاستولى على عدة مدنها ، وقراها وحصنها ، ولا زال في المحاربة والمقاتلة والمضاربة مع الأجناس إلى انعقاد الصلح في سنة ست وتسعين من المذكور.

الحملة الفرنسية على الجزائر

في عهد لويس الرابع عشر

ثم جهز عمارة الجيوش لمحاربة الجزائر في المشهور ، وذلك سنة تسع وتسعين من المسطور (١٦٠) وفي عجائب الأسفار للحافظ أبي راس أن ذلك سنة سبع وتسعين من المذكور وكان قدومهم للجزائر في خمسة وعشرين مركبا عظيمة ، فرموها بالبونية (كذا) رمية جسيمة إلى أن هدّموا أكثر دورها وبعض مساجدها ، وكذلك رموا على شرشال بموائدها ، واقتنص المسلمون لهم مركبا فيه جملة من الأكابر ، فحصل الفرج بغير المفاخر ، وسعى الناس في الصلح على شرط ردّ / الأسارى النصارى من عند المسلمين ، فلم يرض حسن باشا بالموافقة لما يرومه العدو بالتبيين ، واستمرت الفتنة إلى أن هاج البحر هيجانا عظيما ، فارتحل النصارى لمحلهم ارتحالا عميما ، من غير حصول طائل ، ولا وقع نايل ، وغزوها في السنة التي بعدها في أيام الباشا المذكور ، في زهاء ثمانين مركبا بالهزّ للحصور ، فرموها في اليوم الثالث من قدومهم بالبونبة فأصابت واحدة

__________________

(١٦٠) الموافق ١٦٨٤ م ويقصد بها حملة الضابط ديستري وفي الحقيقة هذه الحملة تمت عام ١٦٨٢ ، وتجددت في العام الموالي ١٦٨٣ م.

٧٠

منها قصر الإمارة ، فضاقت مذاهب الباشا وجلّت به الخسارة ، وتقلق كثيرا ، واهتم اهتماما عسيرا ، وصالحهم بلا مشورة من ساعته ، على أن يسرح لهم النصارى من طاعته ، ويبدل لهم المائة وخمسين ألف فرنك التي صرفوها في تلك الغزوات ، مع إعطاء ميزومورتي حاكم عمارته والرايس علي ثقة بالإثبات ، ويدفع العدد نقدا فاعترف بالعجز عن الدفع فقال لهم ميزومورتي إن الباشا لا معرفة له بالصنع ، وأني أفعل في الساعة الواحدة ما لم يفعله الباشا في نصف الشهر ، فلم يفهم آل رايسهم (كذا) معنى الكلام لتوجّهه في الأمر ، فتركه وذهب للجزائر وبوصوله قتل الباشا وتقلّد الولاية ، ونصب المدافع ونشر الأولية الجلاية ، وجدّد الحرب واشتدّ القتال ، ودام إلى أن فنت خزنة الفرانسيس ، واحتاجوا للبارود في حال القتال ، فلم يجدوه وارتحلوا عنها ، وتصرف هذا الباشا فيها وأصلح ما فسد منها. وحارب لويز سنة سبع من الثاني عشر الجنوس المتحدين لملاحمته ، ومقاتلته ومزاحمته ، فهزمهم وعليهم انتصر ، إلى أن انعقد الصلح سنة أربعة عشر من القرن الثاني عشر ، وابتدعت الكينة لمعالجة المرضى في أيامه ، أوتي بها من المريكة (كذا) (١٦١) بالتزامه.

الملك لويس الخامس عشر

وسادس ستينهم ابن حفيده لويز الخامس عشر ، تولى وهو ابن خمسة أعوام ونصف في سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف فيما اشتهر ، وتوفي سنة إحدى وتسعين من القرن الثاني عشر إحكاما (١٦٢) ، بعد ما ملك تسعا وخمسين عاما. ومن خبره أنه كان قليل المروءة ، صاغ للوشاة ذا تعدى وجروءة ، محبا للغانجات مشتغلا باللهو والطرب ، والفرجة والنزاهة والعجب / وتصرّف عنه بالنيابة الدوك دورليان فجلب إليه الناس وأحبّه لشجاعته وسياسته الرجال والنسوان واخترع السفاتيج وصيّرها سكة فكانت سببا لضعف الناس وحلول الديون والإفلاس ، واتحد مع الألمان والانقليز والهولاند على محاربة أهل الأندلوس (كذا) فحصل

__________________

(١٦١) يقصد دواء الكينة وهي أقراص لمداواة أوجاع الرأس.

(١٦٢) ١٧٢٠ ـ ١٧٧٨ م.

٧١

الصلح ما باهله من النقوس وذلك سنة سبع وثلاثين من القرن الثاني عشر المذكور. ولما صار ابن أربعة عشر سنة توجّه لمدينة رانس ولبس التاج بها وذلك سنة أربعين من المسطور. وتزوّج سنة خمسين من القرن المار بابنة اسمطانيصلاص ملك بلد الله ونشأ (كذا) الحرب باتحاده مع الأندلس لنصرة صهره مع من رام تأخيره عن الملك وهم الموسكوا والألمان بلا اشتباه ، واشتد بين الفريقين القتال فاستولى لويز على كيل وفيلسبور واستولى أهل الأندلس على يافا وميلان وبارم وصقلية وهم في حبور ، وانعقد الصلح بينه وبين الألمان بمدينة فيان قاعدة النامسة (كذا) سنة خمس وخمسين ومائة وألف في غاية الحامسة ثم تجدّد الحرب بحسب الظنون ، وانعقد الصلح بينهما سنة خمس وستين من المار الصريح ، ثم تحارب مع الانقليز ودام الحرب سبع سنين بالصحيح ، وهزمهم سنتي أربع وخمس وسبعين من القرن السابق وصالحهم سنة ثمانين منه بالحقائق.

الملك لويس السادس عشر

وسابع ستينهم لويز السادس عشر ، تولى سنة إحدى وتسعين ومائة وألف وهو ابن عشرين عاما في المشتهر ، ومات بحكم أهل الديوان عليه بالقتل في الحادي والعشرين من ينيّر (كذا) سنة عشر ومائتين وألف (١٦٣) وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ، بعد ما ملك تسعة عشر سنة ، ومن خبره أنه كان ذا أخلاق حسنة ، وطبائع مستحسنة ، فحط قدرا من المغارم على الرعية ، وأبطل العذاب في المسائل الشرعية ، وخرج عن طاعة ملكهم المريكة (كذا) وسألوا منه ومن الأندلس النصرة وقامت الحريكة ، فأجابهم لويز لذلك / ، فاغتاض الانقليز وأشهر الحرب معه لأجل ذلك ، فجهز لهم جيشا للقتال ، ودام بينهما أعواما بالاتصال إلى أن حصل الصلح سنة مائتين وألف مستبن. ولا زال ملكه في تشتيت وفتن ، وقتال وضعف ووهن إلى أن قتل وصار الأمر لغيره ، وعوض بالشر عن خيره. وبقيت الأمة الفرانسوية بعد موته في هرج كبير ، وهمّ شديد غزير ،

__________________

(١٦٣) الموافق ١٧٧٨ ـ ١٧٩٦ م.

٧٢

مدة عشرة أعوام ، وهم في جمع وافتراق لا يلام. فقام أخوه بعد موته وأخبر الدول النصرانية بموت أخيه. وكان للهالك ابن فطلب عمه النصرة لابن أخيه فوافقوه لما أراد ، واتحد الانقليز والطليان والأندلس والألمان على محاربة الفرانسيس بكل ما يراد ، لأجل أن يجعلوا لويز السابع عشر بن لويز السادس عشر سلطانا ، والحالة أنه في السجن على يد الفرانسيس ظلما وعدوانا ، فقام أهل الديوان للمدافعة والمناضلة والمواقعة ، وأرسلوا جندا لنظر الجنرال دوك ميه لطلون (١٦٤) التي استولى عليها الانقليز فانتزعها منهم بالقهر والتنبيز وكان ذلك سنة موت لويز المذكور ، بعد فتن شديدة العبور. وكان السبب لنصرة الجيش الفرنساوي ، نابليون بنبارت كما قال الراوي ، فجعلته الدولة جنرالا مكافأة لما منه وقع وجالا. ومات لويز السابع عشر ابن الملك لويز السادس عشر في سجنه سنة اثنا عشر من القرن الثالث عشر.

الملك لويس الثامن عشر

وثامن ستينهم عمه لويز الثامن عشر ، تولى يوم موت ابن أخيه وهو عام اثنا عشر من الثالث عشر (١٦٥) ومن خبره أنه لما مات ابن أخيه بالسجن قام وتصدّر لمملكتي افرانسا والنفار وسمي بلويز الثامن عشر بالاشتهار.

ظهور نابليون بونابرت

وحصلت في وقته فتنة شديدة في الباريز (كذا) فأرسل الديوان جند التخميد لتخميدها لنظر الجنرال بنبارت. فانتصر الجند وسكنت الفتنة بالتباريز ، ثم بعث رؤساء الدولة جيشا لنظر بونابرت قدره ثلاثون ألفا ، إلى أرض الطليان زحفا ، وذلك سنة ثلاثة عشر ومائتين (١٦٦) وألف فدخل بجيشه أرض الطليان وجال

__________________

(١٦٤) يقصد مدينة طولون.

(١٦٥) الموافق ١٧٩٧ ـ ١٧٩٨ م.

(١٦٦) الموافق ١٧٩٨ ، ويقصد بها حملة نابليون الأول على إيطاليا. وقد حصلت عام ١٧٩٦ م وليس ١٧٩٨ م.

٧٣

فيها ، وهزم أعداءه وصال عليهم بما فيها / وفتح فيها فتوحات بالطبول ، كلودي وريفولي وأركول إلى أن انعقد الصلح بين الفريقين ، سنة أربعة عشر وألف ومائتين.

حملة بونابرت على مصر وبلاد الشام

ثم زحف بنبارت بجند غزير لمصر سنة خمسة عشر من القرن الثالث عشر. وقال الحافظ أبو راس في كتبه كان ذلك في ثلاثة عشر من المذكور (١٦٧) ونصّه ، ثم غزى بعصرنا هذا هؤلاء الفرانسيس مصر في المسطور ، فدخلوا الاسكندرية عنوة ثامن يوم من المحرم فاتح سنة ثلاثة عشر ومائتين وألف ، بعد ما أخذوا مالطة من يد الفرائلة بالحتف (١٦٨) وتخطوا إلى مصر فلقيهم باشتها مراد بالريف مع النيل بعساكر الغزّ في نحو تسعين ألفا ، فانهزم الغزّ بعد ساعة وصاروا لهفا ، وقد حلّ بهم القتل الذريع والغرق في النيل الشنيع ، ودخلوا مصر مع طاغيتهم بنبارت أول ربيع النبوي من العام المذكور ، فقتلوا من وجدوا بها من الغز واستباحوا ديارهم في المشهور ، وامّنوا من سواهم على المغرم ونزعوا منهم السلاح وهدموا من المدينة كل ما يتوقع منه السوء للإصلاح ، وقتلوا كل من توجّهت عليه الظنة في شأن الغز ، مثل كريم الاسكندري وغيره بالّلغز ، وفرّ الباشا مراد وأهل دولته إلى أقاصي الصعيد ، وتركوا حريمهم في أيدي النصارى لمّا عجلوا عن التشريد ، وقتلوا كل من أثار فتنة أو توهموا منه استنكافا ، ولقد ثار بينهم وبين المغاربة الذين بمصر فقتلوا كل من وجدوه استنضافا ، ودخلوا جامعها الأعظم وهو الأزهر ، وشتتوا خزائن كتبه بما استظهر ، ونهبوا بعض علمائها لاتهامهم بودائع الغز ومظاهرتهم وأخذوا أموالا كثيرة من نساء الغز فضلا عن النهب لمبارتهم وشن بنبارت الغارات خلف فلّ الغزّ وبعث عسكرا كثيفا صعد مع النيل ، فملك إلى اقنا فضلا عن أسيوط وبنفلوط وجرجا وغيرهم بالترتيل ، وتخطّ إلى القصير من مراسي سويس وبنوا فيه قلعة وحصنوها بالمدافع

__________________

(١٦٧) الصحيح رواية أبي راس وهو عام ١٧٩٨ م.

(١٦٨) يقصد فرسان مالطة المسيحيون.

٧٤

والمتاريس وزحف إليهم جيش من الطلبة والعلماء من أرض الحجاز / للمنازع ، وأميرهم العالم الشيخ الجيلاني السباعي ، وصحبتهم المدافع ، ولما نزلوا بالقصير أعان أهل تلك الأرض النصارى عليهم فقتلوهم عن آخرهم ، إلّا من نجّاه الله بالانخفاء عنهم بمآخرهم ، وبنا (كذا) بنبارت حول مصر قلاعا كثيرة ، لتحصينه شديدة عسيرة ، وبعث جيشا إلى جهة الصالحية ففتحوا تلك القرى على كثرتها ، وتخطّوا إلى العريش وخان يونس بقلّتها وكثرتها ، وفرّ منهم أهل غزة من الشام وفلسطين والرملة إلى القدس وفتح دمياط وعسقلان وما حولهما من القرى بغير الحدس ، فملك من الاسكندرية ورشيد إلى اقنا بلا احتياط ، إلى القصير إلى خلف العريش إلى دمياط ، إلّا أن الانقليز سدوا عليه فرصة المجاز فأرسلوا سفنهم حول أبي قير حيث مصب النيل في البحر الرومي للاحتياز ، فأخذوا بمخنقه وحالوا بينه وبين بلاده ولولاهم لامتلأت افرانسا من سبي مصر بأزواجه وأفراحه وهدموا كثيرا من قلعة مصر التي هي كرسي مملكتها بالمقادس ، وأول من اختّطها يوسف بن أيوب الكردي في القرن السادس.

بونابرت يغزو بلاد الشام

ولما خلا له الجو من المنازع ، وأيقن بأنه ليس له عن إقليم مصر المدافع ، وقد ذهب الصارخ والنادي بحيث صار لا حياة لمن تنادي ، سولت له نفسه بالاحتكام ، غزو عكّا التي هي أحد قواعد الشام العظام ، استخلف بعض وزرائه على مصر وسار إليها بالجنود العظام ، ورعيتهم من فلاحه مصر وأريافها أكثر وأكثر إلى سواحل الشام ، ففر منه أهل يافا وصيدا وغيرهما ، ودخلهما جنده ونهب ما وجد وعاث بضيرهما ، وارتجت الشام منه وخافه أهل دمشق وغيرهم على بعدهم ، وقوتهم وغزارة جندهم ، حتى همّ أهل القدس وعمراش ونابلس وغيرهم بالانجاء عن ديارهم وأوطانهم وترك خبرهم.

ثم أناخ على عكا وحطّ بكلكله ، وخيّم بذويه وأهله ، وكان بها الجزار أحمد باشا فوقع بينهما قتال شديد ، وحروب متكررة بشيب لها الوليد ، وهجم عليه بنبارت ذات يوم حتى دخل جنده المدينة ، وأخرجوه قهرا من تلك المدينة ، ثم أقلع عنها لما أحاط بقوسه الوباء ورجع لمصر ثانيا بالبيان ، وفي خلل ذلك

٧٥

أخذ الانقليز / من يده مالطة فهي بيده للآن وقد اقتصر بعد ذلك على مصر وعمالتها ؛ وأقصر من الطموح إلى غيرها لجلالتها ، وغشيته عساكر السلطان سليم بن مصطفى العثماني الخاقاني بعد ذلك ، فزحف لها وكان المصافّ بالعريش الذي هو آخر عمالة مصر مما يلي الشام بما هنالك ، فجرت بينهما حروب سجال كان له الظفر في أكثرها فيما يقال.

بونابرت يعود إلى فرنسا

ثم أنه حمل القناطير المقنطرة من المال ، كاد أن يفرغ منه مصر بغير احتمال ، وركب البحر سرا من الانقليز ، وتخلّص إلى بلاده الباريز (كذا) بعد ما خلّف على مصر وزيره الجنرال كلبير المعبر عنه بصارى عسكر ، فبقي الجيش العثماني آخذا لمخنقه وسدّ عليه مع الانقليز كل الطريق ، حتى كاد أن يغص من ذلك بالريف. ثم وقعت المراودة على إسلام البلد وعمالتها وينصرف لبلده ، ففعل على أن يأخذ كل ما هو بيده ، فانحدر في النيل إلى الاسكندرية وقد أفرج عنه الانقليز للتجرية ومنها ركب لبلده أول سنة ستة عشر أو ثمانية عشر من القرن المار وما من امرأة لا زوج لها من المومسات ورضيتهم إلّا ذهبت معهم في الحين ، فكان جملة ما مكثوا بمصر ثلاثا من السنين.

إقامة حكومة القنصلية الثلاثية

ولما حل بنبارت بافرانسا ألفى بها الهول الطائل ، والهرج الكثير الهائل ، فنزع التصرف من أرباب الدولة وصيره لثلاثة رؤساء أولهم هو والثاني سريس والثالث لوبرون فأحسن في فعله وما أساء. وكان الموسك (كذا) والنامسة (كذا) اتفقا على محاربة افرانسا ، فحاربهم واستولى على ما بأيديهم ولديارهم جاسا. وأعظم فتوحاته بها مرانقوا الواقعة سنة سبع أو ثمان عشرة بعد الألف والمائتين. وحصلت المهادنة بعد ذلك بين الفريقين. وفي التي بعدها وقع الاتفاق بين الفرانسيس والباب (كذا) على القيام بأمر الدين الذي منعهم منه بغير الارتياب. وفي التي تليها تولى رئاسة جمهور الطليانيين ، وانعقد الصلح بين الأجناس وحلت العافية في الحين وأذن بالرجوع لمن هاجر من افرانسا فرجع الجمّ

٧٦

الغفير. وجعل في تاسع ميب (١٦٩) علامة الافتخار بأدنى التيسير. وفي ثاني غشت جعله أهل الدين رائسا (كذا) على الفرانسيس مدة حياته ، وأباحوا له أن يجعل من شاء في مرتبته وولايته.

الأمبراطور نابليون بونابرت الأول

وتاسع ستينهم نابليون بنبارت المذكور في المرام. تولى سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف في الثامن عشر من ميب (كذا) بالالزام. وتوفي بالسجن سنة ثمان وثلاثين من المذكور (١٧٠) بعد ما ملك عشرة من الأعوام. ومن خبره ما مر ومن كونه هو أول الطبقة الرابعة ، والمؤسس لها بالمراجعة ، فقدم إليه البابّ (كذا) من رومية في ثاني دسانبر (كذا) من العام المار بالتبريز ، وألبسه التاج بمدينة البريز (كذا)/. وبويع سلطان على الطليان ولبس التاج بمدينة ميلان ، وذلك في سادس العشرين من ميب (كذا) سنة اثنين وعشرين من المذكور في البيان. وفي ثالث عاشر نونبر (كذا) تلك السنة زحف بمائتين ألف مقاتل للنامسة واستولى على قاعدتهم فيان ، وحاربهم في ثاني دسانبر (كذا) فهزمهم وقتل منهم نحو الأربعين ألفا وأسّر ثلاثين ألفا وفرّ ملكهم أمامه بالبيان ، وفي الخامس والعشرين من ذلك الشهر اصطلح معهم وثبت له افرانسا مع الطليان ، وفي ينيّر (كذا) سنة ثلاث وعشرين من القرن المذكور وقع النزاع بينه وبين الانقليز ، فزحف إليهم واستولى على مملكة نابلس (١٧١) وولّى عليها أخاه يوسف بالتحييز. ثم حارب البروسية وهزمهم بقرب قاعدتهم بيرلان (كذا) ، وفي سادس نونبر (كذا) تلك السنة جدد الحرب معهم فانتصر عليهم وانكسرت شوكتهم بالعيان ، وصيّر أخاه جيرون ، سلطانا عليها ، وانتصر أيضا على المتحدين في سابع فبراير سنة أربع وعشرين من القرن المذكور مع ما انضمّ إليها ، وانعقد الصلح بينهما.

__________________

(١٦٩) هذا اسم شهر للشهور التي ابتدعها رجال الثورة الفرنسية.

(١٧٠) الموافق ١٨٠٠ ـ ١٨٢٣ م.

(١٧١) يقصد نابولي.

٧٧

ثم زحف للأندلس وخلع ملكه وألبس التاج لأخيه يوسف بنبارت ، فورا ، فدام بذلك القتال سجالا إلى أن سلّم يوسف وهو ززاف بلغتهم في الملك جهرا ، وذلك سنة ثلاثين ومائتين وألف ، وقد اشتدّ القتال بينه وبين النامسة في السابق بغير الخلف ، وانتصر عليهم في جميعه بالبيان ، وانعقد الصلح بينهما بقاعدة فيان. وكان من ثمرته أن بنبارط (كذا) تزوّج بماري لويز ، بنت ملك النامسة بالعيان ، وذهب في سنة تسع وعشرين من الثالث عشر المار (١٧٢) بجيش فيه أربعمائة ألف مقاتل ، بقصد الاستلاء (كذا) على الموسك ما بين الراكب منهم والراجل ولما التقى الجمعان هزمهم وأحرق قاعدتهم بالنار ، ورجع لبلده من شدة الثلج والبرد والصرصار. ثم في سادس عشر اكتبر (كذا) من السنة التي بعدها تقاتل مع البروسية والنامسة وانتصر عليهم ثم اتحد الملوك على مقاتلته بكل ما انضم إليهم ، وذلك سنة إحدى وثلاثين من الثالث عشر بالقاطعة ، وكان النصر له عليهم في سائر الواقعة ، وهم مع ذلك بالجنود الزاعقة ، ثم أرسلوا مائة ألف إلى البريز (كذا) وحاصروها بما لها من الطويل والوجيز ، إلى أن دخلوها في ثلاثين مارس تلك السنة ، وجعلوا بنبارط بالخلعة الميقنة. وجعلوا بدله لويز الثامن عشر المجيز ، وقد كان بأهله ملتجئا ببلد الانقليز ، وحين خلع نفسه بنبارط جعل العهد لولده وسلّم له التاج ، فلم ترض الملوك وجعلوه سلطانا على مدينة إياب بالإزعاج ، وذلك في الحاديث عشر من إبريل تلك السنة المقرّرة المعيّنة.

الملك لويس الثامن عشر

وسبعونهم لويز الثامن عشر تولى في ثلاثين مارس سنة إحدى وثلاثين من القرن المقرر (١٧٣). ومن خبره أنه كان غائبا وقت المبايعة في المشتهر. فنصب أخوه للنيابة عنه للحضور ، فشرع في التصرّف / بمحل أخيه وأبرم الصلح مع الملوك في المسطور ، ولما قدم أخوه السلطان لملكه مع أهله ببريز في ثاني ميب

__________________

(١٧٢) الموافق ١٨١٣ م ، والحقيقة أن حملة نابليون على روسيا تمت قبلها عام ١٨١٢ م.

(١٧٣) الموافق ١٨١٦ م.

٧٨

تلك السنة وافق على ذلك. وجعل قانونا لحفظ حقوق أمته. وكان من جملة الشروط بقاء افرانسا على حدّها الأصلي برمته. وبينما الناس في غفلة إذ بنبارط خرج من جزيرته للوجلة ، ومعه إحدى عشر مائة مقاتل ، مع شجاعته التي ليست لصائل ، وذلك في أول مارس سنة اثنين وثلاثين من المذكور وقد انضم إليه جمع فدخل بريزا وبايعته به الناس تنجيزا ، ففرّ لويز الثامن عشر ، والتجأ بمدينة قان فرام الملوك خلعه عند ذلك في السرّ والإعلان ، وجهّز جيوشا عظيمة وزحف بها للعديان ، وقاتلهم شديدا إلى أن هزمهم في سادس عشر ينيه (كذا) من تلك السنة المعنية ، ثم انتصر عليه أعداؤه في الثامن عشر من ذلك الشهر من تلك السنة المبينة. وسلّم تاجه لولده ببريز ، فلم توافقه الملوك ورجع الملك للويز في يليه (كذا) سنته. وعقد الصلح مع المتحدين وأمته وسلّم بنبارط نفسه للانقليز ، ظنا منه الإواية لا التحويز ، فسجنوه بإيليف (كذا) من بحر الظلمات ، وبقي بها سجينا إلى أن مات. ولم تنقل جثته لمقبرة الملوك إلا في سنة سبع وخمسين من المذكور بالبيان. وفي وقت لويز الثامن عشر مدّت طريق الحديد بأرضه وابتدع عجلة الدخان ، وذلك سنة أربعين من الثالث عشر الظاهر البيان. ومات لويز في سادس عشر شتنبر (كذا) سنة إحدى وأربعين والمائتين وألف وهو ابن ثمان وستين سنة بغير الخلف.

الملك شارل العاشر واحتلال الجزائر

وحادي سبعينهم أخوه شارل العاشر ، المستولي بلا ريب على مدينة الجزائر ، المقصودة للقاطن والزائر. تولى يوم موت أخيه وهو عام إحدى وأربعين من الثالث عشر في المشاهر (١٧٤) ومن خبره أنه لمّا تولى جعل ألف ألف ألف فرنك لحزب السلطان الذين اطردوه من افرانسا لمّا اجتمعوا لأخيه. واتحد مع الانقليز والموسك واستولوا على مدينة نافرين من الديار القريقية (كذا) بتصريخه. وفرّق عمارة السلطان العثماني الخاقاني وباشا مصر في العشرين من اكتبر (كذا) سنة خمس وأربعين من الثالث عشر بغاية الوصف. وجهّز جيشا عرمرما

__________________

(١٧٤) الموافق سبتمبر ١٨٢٥ م.

٧٩

فأرسله لأخذ الجزائر في الخامس والعشرين من ميب سنة خمس وأربعين ومائتين وألف. ولما بلغ الجزائر خيّم بمرسى سيدي أفرج في اليوم الرابع عشر من ينيه وهو جوان بالتحريز. ودخل المدينة في خامس يليز وهو جليت وهو اليوم الرابع عشر وقيل الثالث عشر من المحرم الحرام فاتح سنة ست وأربعين ومائتين وألف بالتحويز. وسبب ذلك أن حسن باشة / الجزائر ، حصل الكلام بينه وبين القونصل الفرنسي ووقعا في التحاير ، على بعض المطالب بينهما فلم يشعر الباشا بنفسه ، إلى أن لطم وجه القونصل في حال لبسه ، فاغتاض السفير من ذلك شديدا ، واشتكى لجنسه بذلك لما رأى فعلا عتيدا فاشتغلوا بتجهيز الجيوش أربعة أعوام ، ثم أرسلوا سفنا مشحونة بثمانين ألف مقاتل حزام ، فانفصلوا عن البريز (كذا) قاصدين قبر الرومية ، تجنبا عن مرسى الجزائر لما بها من الصواعق الردمية فنزلوا بقبر الرومية قرب الجزائر وهي مرسى سيدي أفرج الولي المشتهر ، وخرجوا منها للبر ونزلوا به كأنهم الجراد المنتشر. وصار كبيرهم الجنرال دوبرمنت المعبّر عنه باللغة التركية بصارى عسكر يكتب الرسائل لأهل الجزائر ويضعها بالطرق ويعلقها بالأشجار ، ليجدها المسلمون فيأخذونها ليعلموا ما فيها بالاشتهار. ونصها بالعرف والتحقيق ، من غير إخلال ببعضها ولا نقلها بالمعنى ليلا يكون الخروج عن الطريق والعهدة فيها على الناقل الأول ، لأنه الحارس لأمانته دون المتمول.

نص المنشور الذي وزّعه الفرنسيون على سكان

الجزائر غداة الاحتلال

هذه منادات (كذا) من صارى عسكر الجايل ، أمير الجيوش الفرانسوية إلى سكان الجزائر والقبائل. بسم الله المبدي المعيد وبه نستعين في الإسرار والإجهار ، يأيّها (كذا) ساداتي القضات (كذا) والأشراف والعلماء وأكابر المشايخ والأخيار ، اقبلوا مني أكمل السلام ، وأشمل أشواق قلبي بمزيد العز والإكرام ، أما بعد اعلموا هداكم الله إلى الرشد والصواب فقد حلّ أمره ، إن سعادة سلطان افرانسا مخدومي (كذا) وعزة جنابه الأعلا نصره قد أنعم علي بتوليته إياي منصب

٨٠