طلوع سعد السّعود - ج ٢

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ٢

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

تلك الواقعة في اليوم الرابع عشر من أوت من السنة المسيحية المقررة الموافق للثاني والعشرين وقيل الرابع والعشرين من رمضان من السنة العربية المحررة (٢٥٦).

ثم بعد أيام غزت مراكب الدولة بالبحر على طنجة وأقادير بسوس وحصل القتال الشديد الذي لا يطيق وصفه بالمزيد ، وآل فيه الأمر إلى الصلح بين الفريقين وذلك في الخامس عشر من ستانبر (كذا) من السنة المذكورة. الموافق للرابع والعشرين من شوال من السنة المسطورة (٢٥٧).

وكان من شرط الدولة على أمير المغرب أن يطرد الأمير من طاعته ، وإلا فلا صلح ولا رواج لبضاعته. وقد حصل لعساكر الدولة على عساكر المغرب الفوز في البر والبحر ، وانتصرت عليهم بالانتصار المشتهر. ولم يحصل قتال من الأمير بجيشه في واقعة سلي ، لكون المرض بجيشه في غاية التعلي.

ثم في ثلاثين جانفي سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف الموافق للرابع عشر من ربيع الأول سنة إحدى وستين ومائتين وألف (٢٥٨) ، ثار درقاوة بمدينة بلعباس في يوم سوقها وهو الخميس ، وشرعوا في القتال فلم يفدهم شيء إلى أن قتل كبيرهم شيخهم عبد الرحمان الطوط البراهيمي وصاروا في الحال النحيس. وحصل للمخزن غيظ وتخميم شديد ، لكون من أذعن بالطاعة بعدهم صارت له الجامكة بحسب ما يريد. وهم منعوا من ذلك ، ودخلهم الريب فيما هنالك.

ثم استيقظت الدولة من غفلتها في شأنهم ، وصيرت منهم أغوات لإزالة خزنهم. فبعضهم بصدامة ، والبعض بفليتة ، والبعض بسعيدة ، والبعض بتيارت إزالة للفليتة.

قال : وكان الأمير نازلا بالموليحة ، ويستخبر في هذا المحل على القبيحة والمليحة ، ويعرف من هو للدولة في خدمته بالنصيحة وبالسيرة الصحيحة / وصار يبعث للذين أذعنوا للدولة ليرجعوا لطاعته ، لتعلو كلمته ، كما كانت أولا ،

__________________

(٢٥٦) ١٤ أوت ١٨٤٤ يوافق ٢٩ شعبان ١٢٦٠ ه‍.

(٢٥٧) ١٥ سبتمبر ١٨٤٤ يوافق ٢ رمضان ١٢٦٠ ه‍.

(٢٥٨) ٣٠ جانفي ١٨٤٥ يوافق ٢١ محرم ١٢٦١ ه‍.

٢٢١

ويصير الرواج لبضائعه ، ففر المنصح للدولة من مقالته ، ولم يلتفت لأمره ولم يعمل برسالته ومال إليه غير المنصح ظنا أنه أدركته الحيوة (كذا) بعد الموت. ولم يدر أنه لا رجوع لشيء إلى محله بعد الفوت. وخرجت محلة الدولة غازية على صحراء وهران في أول مارس سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف الموافقة لسنة إحدى وستين ومائتين وألف (٢٥٩) فجالت بها عدة أشهر إلى أن وصلت بها لكسال والغاسول ، وستين والبرزينة ، والمشرية ، وغيرها من تلك النواحي ، وهجم عليها العدو ليلا بالغاسول ، فلم تلتفت له إلى أن ظهرت بالمأمول ، ووقع القتال بينها وبين أولاد سيدي الشيخ في تلك الجولة في أوائل ماي من السنة المذكورة ، فانهزم العدو بالهزيمة الشنيعة المشهورة ولا زالت جايلة إلى أن دخلت لفرندة في شهر جوان ، راجعة بالغنيمة لناحية وهران.

وقد جاء الأمير بجيشه لطلبها بالصحراء فلم ينل شيئا ، ولم يأخذ فيئا ، ثم افترقت محال الدولة لنظر أمرائها بعمالة وهران للتدويخ والحراسة ، وسيرها فيها مع أهلها بغاية السياسة ، فذهبت محلة الكلونيل مرت لحدود سعيدة بأرض اليعقوبية ومرت محلة الكلونيل قشوت لوادي الشولي بنواحي بلعباس ، وذهبت محلة الجنرال كافنياك للغزو على بني أبي سعيد ، وبني سنوس ، وسائر الجهة الغربية في غاية الشدة للاحتراس. ومرت محلة الجنرال برجلي لناحية فليتة وشلف ، والظهرة ، وهؤلاء (كذا) المحال لنظر الجنرال الكبير أبي هراوة ، وشرعت في تدويخ الوطن وتمدينه ببناء القرى والمدن (كذا) والقناطير (كذا) وتنجيز الطرق وتحجيرها لمشي الدواب والكراريط والكراريس وغيرها وتفجير المياه وجلبها لمحل النفع من الأماكن البعيدة والقريبة من القرى وغيرها وغرس الأشجار الدالة على العمارة والأحياء وكثرة السراوة.

ظهور الثائر بومعزة

فبينما الناس في راحة وعافية ، ونعمة شاملة وافية ، إذا بأبي معزة ويقال له أبو يوسف ، وأبو غزالة ، رجل من أولاد خويدم ثار بنواحي الأصنام ، واشتهر ذكره عند الخاص والعام.

__________________

(٢٥٩) أول مارس ١٨٤٥ يوافق ١٢ صفر ١٢٦١ ه‍.

٢٢٢

ثم أتى على ما يحكى غفلة إلى المخزن الذي عليه العمدة في سائر الأمول النافعة والناكلة ، وهم الدوائر والزمالة في شهر جليت (كذا) من السنة المذكورة ، فألفاهم في مهرجان الشوفان وسأل منهم الإذعان والنصر له فأبوا ذلك ورجع فورا خفية إلى بلدته المسطورة فقتل الموسوس آغة صبيح غيلة ، وجمع جيشا للعثو وأظهر الحيلة. ثم ثار بفليتة رجل اسمه بالصافي ، وبصدامة رجلان لنيل الوافي أحدهما اسمه السي قدور بن جلول ، والآخر سي بن حليمة في القول المقبول ، وهؤلاء الثلاث خلفاء على أبي معزة ، وجعل آغة على بني نسلم اسمه بن رغيوة ورام فوزه.

وارتبط الأمير مع الجهة الغربية من بني يزناس وأولاد ملوك وبني واسين والأعشاش ، والترارة والسواحلية وندرومة والغسل وبني وارسوس وغيرهم من الأعراش فعند ذلك خرج عن الطاعة الغسل وترارة وولهاصة وسائر بني عامر ولما نزل بتافنة حرق قنطرتها وقنطرة يسر / وسدت الطرق عن مرور العابر وقتل أولاد ورياش كماندار (كذا) سبدو حاكم بير العرب وما معهما من الجيش وقتل جعافرة الضاية الكماندار شراس وقتل قايد سعيدة بعرشه الجيش الذي بسعيدة وأفسد البلد وحرق ديارها وأندرها وقطع سبل الاحتراس ، وقتل بنوا مديان حاكم تيارت بما معه من الجيش ، بعد تمكينه بيد الأمير على ما قيل. وانجلا (كذا) أولاد الشريف والأحرار وغيرهم عن أماكنهم وأذعنوا للأمير وكثر في العمالة الطيش ، وحرق بنوا مريانن ما بوزغت من الحشيش ونهب الفراقة الأمتعة الذاهبة من وهران للمعسكر ، وحرقوا القناطير (كذا) والقراريط إلى أن صارت تلك السنة تعرف بسنة القراريط ، وخرج عن الطاعة بنوا شقران وصار القتال بينهم وبين محلة المعسكر ثلاث أيام بغاية التحريش ، كما خرج البرجية الجبلية من مدينتهم للأماكن الموعرة ، ومن بالوطا منهم تحصن بالعريش ، وثار بالحشم الشراقة سي عبد القادر بو طالب المختاري ابن عم الأمير بأمر آغة الحشم قادة بالمختار.

وقتل من بحائطة المعسكر من الناس ولم يخشى من الواحد القهار ، وثار بالقلعة محمد بن حسن ، وبسجرارة الحاج محي الدين بن مخلوف وعمت البلوة من الأصنام إلى مغنية إلى أن فر الألف من المألوف ، ولم يبق على نصيحة

٢٢٣

الدولة إلا الأعراش الثلاثة المتوالية ، وهم الدوائر والزمالة والغرابة في القولة الجالية.

معركة سيدي إبراهيم ونتائجها

وتفصيل ذلك أن في الثالث عشر سبتمبر (كذا) سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة واحد وستين ومئتين وألف خرج الجنرال برجلي النائب عن الجنرال الكبير أبي هراوة من مستغانيم بحملته لتمهيد فليتة فلم يحصل على طائل ، ولا ظفر بنائل. وفي ثالث العشرين منه وقعت المقاتلة العظيمة بين الدولة وفليتة بسيدي الطيفور. ولما سمع الأمير حال ارتباطه بالنواحي الغربية بواقعة سيدي طيفور ، وبثوران من ذكر في القول المشهور. وكان بجيشه ذاهبا للناحية لأنقاد لنيل الاستدراك ، رام التوجة لنواحي الشرقية فبلغه الخبر أن محلة الفرنسيس خارجة من الغزوات لنظر الكلونيل الذي تسميه العرب القريني واسمه مونتانياك قاصدة لناحيته أو لناحية تلمسان ، فتوجه نحوها لغنيمتها ونيل الرضوان ، ومعه جيش عظيم فيه من طلابة (كذا) المشارقة المسافرين للقراءة بتلك النواحي ، نحو الثلاثمائة طالب في غاية الصحاحي. فريس على الأولى سي المولود الصبيحي ، وعلى الثانية سي المختار براهمي ، وعلى الثالثة سي محمد بن اعمارة التحلايتي المعروف بالسوسي كثير المراهمي ، فنزل من يومه بشراعة وبها بات. ومن الغد نزل بأغبال الغربي وبه بات. وفي اليوم الثالث نزل بمناصب كيس وبهم بات. ثم بعث أمامه خليفته البوحميدي الولهاصي لتجسس الأخبار بغاية الثبات. فبينما خليفته سائرا بجيشه وإذا به رأى محلة الدولة بنواحي سيدي إبراهيم من نواحي زاوية بن ميرة. فبعث رسولا للأمير ليخبره بذلك في القولة الشهيرة ولما بلغ الخبر للأمير وقد رأى الحشم السرسور ومعه الكولونيل رايس (كذا) المحلة متقدما بعيدا عن العسكر والثقلة غاروا عليه من غير إذن من الأمير إلى أن أدركوه بغتة وغفلة ، فوقع القتال / بينهم وبين السرسور. وكثر الازدحام وتباعدت الناس عن النفور ، إلى أن أتى الحشم على آخر السرسور في القتل. ولم يخلص منه إلا فسيان واحد فلقيه خيال فقتله في صحيح النقل ، وجز رأس الكلونيل وحمل على عمود للأمير. فتهيأ الأمير للقتال

٢٢٤

واجتمع بالبوحميدي وقسم جيشه على ثلاثة : مقدمة وميمنة وميسرة في القول الشهير ، فجعل في الميمنة خليفته الحاج مصطفى بالتهامي بجيشه. وفي الميسرة خليفته البوحميدي بجيشه ، وبقي هو في المقدمة بجيشه. وحصل القتال العظيم بين الفريقين ، مات فيه خلق عظيم من الجانبين. ولم يفلت من محلة الدولة إلا سبعون عسكريا دخلوا في قبة سيدي إبراهيم ، وجعلوا بها شارات ، وجعلوا دوابهم أمام القبة ترسا لهم وصاروا يدافعون عن أنفسهم بغاية المدافعات بحيث قتلوا بذلك من جيش الأمير وجرحوا كثيرا ، وقد جرح الأمير من أذنه اليسرى في ذلك اليوم جرحه فسيان في المعركة قولا شهيرا ، بحيث ضربه الفسيان برصاصة بشطولة ، فالتفت إليه الأمير وضربه بسكينه للجبهة ثم للخد الأيمن فجرحه من الموضعين وخلصه منه الخيالة وهو بدمه في هطوله.

قال ولما رأى الأمير لحوق الضرر بجيشه من الذين في القبة ، أمرهم بعدم التقدم لناحيتهم وجعل جيشا غزيرا عسة على القبة ، وأمرهم بعدم المقاتلة إلا إذا خرجوا منها وصاروا على بعيد ، وأن لا يبرح أحد من مكانه ولو بقوا مدة وذهب لولهاصة وبات بها في القول المفيد ، فمكث العسكر بالقبة ثلاثة أيام ، ولما لحقهم الجوع والعطش خرجوا ليلا وذهبوا لناحية الغزوات ، فظفرت بهم العسة وقتلتهم ولم ينجوا منهم إلا خمسة دخلوا لمدينة الغزوات. واتفق المحدثون على أن هذه الواقعة كانت في العشرين من رمضان ، وأن الأمير خرج بجيشه من دائرته في السادس عشر من رمضان (٢٦٠) ، وربكم أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب.

ثم أمر الأمير بإحضار العسل فطبخ على النار اللينة (كذا) إلى أن علا (كذا) زبده. وزفت به محل القطع من الرؤوس (كذا) المقطوعة ، وإنما فعل ذلك خشية تغييرهم وفساد رائحتهم في الحكاية المسموعة ، وجعلهم في الأخراج وحملهم على البغال وبعث بهم لدائرتهم مع الذين أسرهم والمجاريح بالتحقيق.

__________________

(٢٦٠) حصلت معركة جبل كركور قرب سيدي إبراهيم ليلة ٢٢ ـ ٢٣ سبتمبر ١٨٤٥ التي جرح فيها مونتانياك ومات. وحصل حصار قبة سيدي إبراهيم يومي ٢٤ ـ ٢٥ منه وتم أسر عدد من الجنود الفرنسيين.

٢٢٥

وكتب لنائب دائرته أن يذهب بهم إذا وصلوه ليلا لسوق الأحلاف ليشاهدهم كل عدو وصديق ، وكتب كتابا وضعه في جعبة نحاس وجعله مع رأس كبيرهم القريني (مونتانياك) في المنصوص ، مضمنه السلام على المغاربة ، عموما وعلى العلماء والأولياء والوزراء والأكابر خصوصا. وعلى مولانا السلطان خصوص الخصوص.

وبعد أن كنتم خصصتم لنا الإسلام دونكم قبلناه ورضيناه والحمد لله على ذلك إذا العبد فارح بما منحه به مولاه. وإن كان دين الإسلام لنا ولكم ، ونحن فيه أخوة والجهاد فرض علينا وعليكم فكيف بكم لم تحصل منكم إعانة لنا لا بنفس ولا بمال ونحن ببلدكم. ه.

ولمّا جاء الناس للسوق رأوا تلك الرؤوس (كذا) تعجبوا كثيرا ولما رأوا تلك الجعبة فتحوها فألفوا بها ما ذكر تحريرا ، فبعثوا (كذا) بها للسلطان مولاي عبد الرحمان ، ولما وصلته وعلم مضمنها / جمع العلماء والأولياء والوزراء وأكابر التجار وقرأه عليهم بالإعلان. وقال لهم أن الحاج عبد القادر الحشمي قد لزمكم في كتابه بأكبر التلزيمات فبماذا تجاوبونه في هذا الأمر. فاتفقوا على جوابه بما سيذكر ، وهو أنكم يا أهل المغرب الأوسط حاضركم وباديكم ، وسائر من هو من أهل ناديكم ، قد رزقكم الله القوة بالإثبات ، فأنتم على حد السواء في الصبر والثبات عن الفرار ولكم القرار والطاقة على سائر النوائب والبلايات ، ولذلك عظمت شجاعتكم ، وظهرت براعتكم ، ونحن أهل المغرب الأقصى لا يطيق حاضرنا وبادينا ، وسائر أهل نادينا على شيء من غير المهادنة على أنفسنا وأولادنا ومالنا وبلادنا ، فلا نطيق على إعانتكم لا بنفس ولا مال ، لأن ذلك يؤدي بنا لنكال ، وإن كنا إخوة في دين الإسلام ، فعليكم بأنفسكم خاصة والسلام. ه.

وحدثني الفقيه الرباني السيد إبراهيم (كذا) بالبخاري الشقراني وكان من الحاضرين لواقعة سيدي إبراهيم (كذا) وجرح بها في الغزاية ، إن واقعة سيدي إبراهيم لا يماثلها إلا واقعة الزبوج والمقطع وسكاك ومزاية.

٢٢٦

الأمير يستولي على قافلة

تموين بعين تموشنت ورجالها

قال ثم ارتحل الأمير في تلك الغزوة من ولهاصة ونزل بتافنة وبها بات ثم ارتحل من الغد ونزل ببلاد أولاد الزاير ثم ارتحل ونزل ببلاد أولاد قانة من أولاد خالفة بالإثبات. فبينما هو بذلك المحل وإذا بالخبر بلغه أن محلة صغيرة قادمة من تلمسان إلى تموشنت بالزاد ، وعددها مئتان وخمسون نفرا في تحقيق المراد ، وأول من سمع الخبر وأشرف عليها وهي واقفة بسيدي موسى البريشي خليفته البوحميدي بجيشه ، فأراد جيشه المقاتلة فمنعه خشية لطيشه وبعث للأمير بذلك بالبيان ، فقدم وبعث لكبيرهم وهو قبطان واحد في غاية التبيان.

وقال له أيها الكبير لكم محلة صغيرة ، وجيشنا عدته كثيرة ، ولا محالة أنكم تقاتلون على أنفسكم كما هي عادتكم وذلك يؤدي إلى فنائكم بالكلية وفناء أكثر جيشنا في مقاتلتكم.

وكان المترجم شخصا من قرغلان ، قدم مع المحلة من تلمسان ، والذي أخبر بها عبد هرب من السخارة فظفر به الأمير. هذا هو القول الصحيح الشهير. ولكن الرأي الذي يليق بنا وبكم أن تقدم عندي لأتكلم معك مشافهة وعليك بالأمان. وها أنا أبعث لك صاحبي قادة بالهاشمي الحشمي آغة الخيالة ليمكث بمحلتك حتى يحصل بيننا الاتفاق على الأمر ويرجع كل منكما لمحله في أمان. ولما فهم القبطان ذلك ورأى قادة بالهاشمي وتيقن أنه من الأعيان ، استشار محلته على ذلك فأشاروا عليه بالقدوم عند السلطان ، فجاءه ومكث قادة بالهاشمي بالمحلة فيما انجلاء (كذا). ولما اجتمع الأمير بالقبطان وتكلم معه ألفاه من العقلاء النبلاء. فقال اختر لنفسك وجيشك أحد الأمرين الذهاب بجيشك معي لدائري (كذا) وتبقى على ما أنت عليه بجيشك من الاحترام. وأنت الكبير على جيشك إلى أن يحصل الفداء والصلح بيننا وبين الدولة بإذن المالك العلام أو القتال لكنه فيه الضرر للفريقين ، ولجيشك أكثر من جيشنا لقلتكم ولا محالة إني أعرفكم أهل شجاعة وضرب على لواء الدولة إلى أن يحصل الفناء بغير مين فأجابه بأنه اختار الذهاب على شرط رضاء الجيش بذلك. فتركه ذهب للمشورة إلى أن اتفق رأيهم على ذلك ولما / حصل الاتفاق جاء للأمير فقال له لا بد من

٢٢٧

وضع السلاح. فوضع في الحين حتى السكين الصغير في الأقوال الصحاح. فجعلها الأمير في الإخراج على الدواب. وقال للقبطان من كانت له حرفة من صناعتكم فليأتي بها كالعادة على الصواب. فضربت الطنابير وتكلمت بألحانها المزيقة (كذا). وصوتت بنغمها المورثة للشريقة. وأدخل الأمير ذلك الجيش في جيشه ، وبعثه لدائرته وهو في فيشة. وكان أخذه لتلك المحلة صباح اليوم السابع والعشرين من سبتمبر (كذا) سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف الموافق للثامن والعشرين من رمضان. على ما قيل سنة إحدى وستين ومائتين وألف (٢٦١) ، وكانت الدولة وقع بينها وبين عدوها في اليوم الرابع والعشرين من سبتمبر (كذا) المذكور قتال شديد فغنمت منه مائتي وخمسين أسيرا في المشهور وحاز المخزن في هذه الواقعة لغاية الثناء الجميل لكونه لا يخشى في المصادقة من شيء ولا يرى أن الفرار من الفعل الجميل. وفي هذا اليوم نفسه بعث الأمير وهو بالجانب الأيسر من يسّر الغربي بتافنة لأولاد خالفة وغيرهم من بني عامر ، صحبة خيالته بأنه هو الغالب لا محالة وأنه هو الضافر.

وفي السادس والعشرين من المذكور جاء البوحميدي بجيشه قبل الأمير لحصار تموشنت (كذا) وبها محلة قليلة فنزل بأغلال في المشهور وهدم ما ألفاه بطريقه من البنيان فبلغ الخبر لمخزن وهران فاجتمعوا بالسبخة وألزموا أنفسهم بالحراسة في كل مكان. وأتى الأمير بجيشه فنزل بحسيان أبي رشاش ، ورام الغنيمة والرفعة وكثرت الفتن وتوارد الكلام بالأخبار الذميمة. وكان أولاد الزاير وأولاد خالف هم وغيرهم متهيئين للذهاب عند الأمير لنيل الكريمة ، وذلك في الثامن والتاسع والعشرين من الشهر المذكور ، وكان للمخزن والدولة خبرة بذلك فلم يشعروا بأنفسهم إلا والمخزن أحاط بهم من كل جهة ولا وجدوا عند ذلك سبيلا للنفور ، وصارت مدينة تموشنت (كذا) في غاية الانحصار. وبعث الأمير لرائسها (كذا) بالإذعان وقد انقضى لهم البارود وتيقنوا بالايسار ، فذهب لهم المخزن في التاسع والعشرين والثلاثين من الشهر المار في مائة وخمسين فارسا

__________________

(٢٦١) كان يقود هذه القافلة الضابط مارين Marin ، واستسلمت إلى الأمير دون قتال يوم الثامن والعشرين من سبتمبر سنة ١٨٤٥ حسب رواية بول أزان ، وليس في اليوم الذي قبله ، ويوافق ذلك ٢٦ رمضان وليس ٢٨.

٢٢٨

من الأنجاد ، وفي صحبتهم بغلة حاملة لصناديق البارود إغاثة لهم وإزالة لهم من الأنكاد.

ولشدة شجاعة المخزن وثباته ونجدته ، تعرض لهم العدو في الطريق بجيشه الكثير من عدته وهم في ذلك العدد القليل فقاوموه وقاتلوه شديدا إلى أن أطردوه عنهم ووصلوا للقرية بتلك البغلة الحاملة للبارود ففرح بهم القبطان كثيرا وأثنا (كذا) عليهم جميلا ، ونال المخزن في تلك الواقعة شكرا جليلا.

قال ولما بعث الأمير تلك (كذا) الأسارى لدائرته ، كتب رسالة لنائب دائرته ، على أن يستوصي بهم خيرا ويجري عليهم اليازيف (كذا) في كل شهر ويكون القبطان هو الكبير عليهم ، والمتولي لأمورهم والكلام معه في كل شيء من غير متعرض إليه وإليهم.

كما بعث الفسيان (كذا) الذي جرحه مع أصحابه وكتب لأمه كتابا ، مضمنه إياك والحقر (كذا) للذي جرحني / أو تدعي أحد يتعرض له بسوء على التحقيق ، وناوليه الأكل والشرب والدواء واخدميه بنفسك على التوفيق. لأن شأن الملوك وأجواد العرب وشجعانها لا يتعرضوا لمن وقع منه شيء في حالة الحرب إذا أسروه. وإياك ثم إياك أن تغفلي عن جملة الأسارى والقبطان الكبير عليهم في أمورهم وتتكلي على نائبي في الدائرة بل ابذلي جهدك في كل ما حاوره (كذا) فإن هؤلاء في الحقيقة ليسوا بأسارى ، وابذلي جهدك في الفعل الجميل مع القبطان وخلفائه لأنهم أعيان يجب الاهتمام بهم حتى يجعل الله الفرج لنا ولهم جهارا.

ثم ارتحل الأمير من نواحي تموشنت (كذا) مغربا لدائرته وبات بسكاك من تافنة لنيل المسالك. ثم ارتحل ونزل بحمام أبي غرارة فأمر الجويدات بالضيافة فأبوا ولجئوا (كذا) إلى كهف هناك ، ولما رأى ذلك غزاهم وهم في ذلك الكهف فلم يستطع على ضررهم بشيء من الأضرار ، فأمر خيالته بالنزول واتيانه من الجانب الآخر لقضاء الأوطار ، ولما رأى الجويدات ذلك خرجوا من الكهف فكان القتال بينه وبينهم شديدا ، فدام عليهم إلى أن هزمهم وغنم أموالهم وذهب بها لدائرته سائلا مريدا.

٢٢٩

ولما وصل للعين الكبيرة من بلاد ترارة بالتبيين ، أحاطت به محال الدولة في الساعة والحين ، لكون الجنرال أبي هراوة قدم من الجزائر لوهران فألفى المخزن في غاية التعب وشدة النصح للدولة في السر والإعلان ، وكان ذلك في ثالث أكتبر و (كذا) من سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف الموافقة لسنة إحدى وستين ومائتين وألف ولم تحصل الراحة للمخزن من سادس العشرين ستانبر (كذا) إلى ثالث أكتبر (كذا) الذي قدم فيه أبو هراوة فزال التعب عنهم وحصلت لهم الراحة ذات الثراوة فكتب الجنرال المذكور في رابع أكتبر (كذا) لوزير الحرب بأن المخزن ازداد في صلاح حاله وحسن نيته وخلوص قوله وفعله ولولاهم لم تقم للدولة في هذه المرة وغيرها قائمة ولدخل العدو لوهران بالجيوش ، وصير من بها كالعهن المنفوش ، وحكى له الواقع بالتمام ، وأثنى على المخزن بثناء الكرام وأنه هو النافع للدولة في الليل والنهار وأنه هو الباذل جهده لحمايتها وجلب المنافع لها ودفع المضار عنها في السر والإجهار وأن الدولة بغير مخزن وهران تكون كالجسد بلا رأس في صحيح البيان ، وبعث بذلك لوزير الحرب وشكر المخزن بالشكر الجالب للنفع والدافع للوصب والكرب وأمر الجنرال المخزن بالمكث بوهران للاستراحة والاتيان له بدوابهم لحمل أثقال المحلة لإضاعة دوابها في القولة الصراحة ، فأتوه فورا بما طلب وسأله منهم وفيه رغب وخرج بجيوشه العديدة ذات الأعداد المديدة. وجد السير إلى أن نزل بالعين الكبيرة من بلاد ترارة. وحصل القتال الشديد بين الدولة والأمير وتلك القبائل إلى أن دخل (كذا) القبائل في خسارة وافترقت الأمحال على تلك الجبال ، ونزل الأمير بتاجراره ، ورأى ما حل بالقبائل من الويل والنكال / وصارت مقاتلة شديدة بالعين الكبيرة وأخرى بباب الحديد وأخرى بباب المسمار وذهب جل محلة الدولة لناحية الغزوات وجال الجنرال لناحية سيدي الخوان وصارت القبائل في الحالة العسيرة. ثم ذهب الأمير لدائرته ومكث بها أياما كثيرة وفي ثالث عاشر أكتبر (كذا) سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف الموافقة لسنة إحدى وستين ومائتين وألف ، قام سي عبد القادر بوطالب المختاري بن عم الأمير بالحشم الشراقة ، ومحمد ولد حسن بالقلعة ، والحاج محي الدين المخلوفي بسجرارة قاصدين للفتنة البراقة ، فأخذ الأول بعض دواوير الحشم النازلين بغرب

٢٣٠

المعسكر بالبيان وحصل القتال من الأخيرين مع الدولة في واقعة بني شقران.

وجاء المريشال بيجو من افرانسا بالجيوش العديدة لمّا بلغه خبر هذه الفتنة وعمومها بهذا الوطن بالبلوة والمحنة فقصد الجهة الغربية بالمخزن في خامس عاشر الشهر المذكور.

ولا زال المخزن يفترس في العدو ويغنم منه إلى أن أذعنت تلك الجهة الغربية بالإذعان الماحق للنفور كما أذعنت نواحي المعسكر بغاية الإذعان ، بعد المقاتلة الفادحة بالتمازنية وأولاد رياح والبرج والقلعة وتلوانت وبني شقران. وفي الثامن والعشرين من الشهر المذكور جمع أبو معزة بالجهة الشرقية جيشا فيه نحو الثلاث أو الاربعمائة فارس فضلا عن العسكر وهجم على حشم داروغ بقرب مستغانيم ، فخرج له الكمندار سبريور (٢٦٢) الذي بها بمحلته القليلة وقاتله إلى أن هزمه بغاية التهازيم.

قال ثم أن الأمير جمع جيشه بزاده وتوجه للمشرق غازيا غزوته الطويلة ، فارتحل ونزل بشراعة وبها بات ببنيته الجليلة ، ثم ارتحل ونزل بأغبال الغربي وبه بات ، ثم ارتحل من الغد ونزل بمناصب كيس وبهم قد بات ، ثم من الغد فنزل بتافنة وبات بها تحقيقا ، ومنها ارتحل قولا وثيقا ، فزاد لنواحي تموشنت (كذا) وبها بات ثم توجه لناحية الضاية فبدا (كذا) له في الرجوع من طريقه ورجع لعين لحجر وبها قد بات ثم من الغد توجه لناحية بلعباس فألفى جنود الدولة مشعرة به وهي في غاية الاحتراس ، ثم ارتحل ونزل بالمسيد ، وبه بلغه خبر التحقيق بقيام أبي معزة واجتماع الجيوش عليه للتبديد.

وأن بني شقران وسائر الجبلية قد خرجوا عن طاعة الدولة وتقاتلوا مع حاكم المعسكر ، وقد حرقوا القناطير (كذا) والقراريط وقطعوا الأشجار وخربوا الدور في المشتهر وأن ابن عمه سي عبد القادر بوطالب والحاج محي الدين السجراري ومحمد ولد حسن القلعي كلهم قد ثاروا فقال بعد تبسمه أما ابن عمي والقلعي والسجراري الثائرون فلم ينتج منهم شيء وهم في أمرهم قد حاروا ، وأما عصيان بني شقران فليس بصوان ، لأنهم في حلق الأسد ولا طاقة

__________________

(٢٦٢) يقصد الحاكم الأعلى من الكلمة الفرنسية : Le Commandant Superieur.

٢٣١

لهم على الفرار والذهاب ، وقطعهم للأشجار وهدمهم للديار ، وحرقهم للقناطير (كذا) فذلك من الفساد بالاعتبار ، لأن هذه الأشياء ، نفعها للمقيم بها هم أو غيرهم ، وأما أبو معزة فالله أعلم به / ، غير أن أهل الشر سيظهر شرهم وأهل الخير سيظهر خيرهم ، ثم ارتحل ونزل بوزغت إلى أن سار في الاستراح ، فزاد لذراع الرمل وبه قتل اثنا عشرة رجلا من أعيان بني مريانن بإغراء الغير بعد ما ضيفوه فصاروا في الاقتراح بعد الافتراح.

ثم ارتحل ونزل بأم الرخايل برأس عين سعيدة وبها كان المبات. ومن الغد غزى قائد أولاد خالد ليقتله فألفاه بالمعسكر فأخذ ماله وله الافتيات. ثم ارتحل فبات بعين الحجاج بقرسيف ، ثم رجع لصدامة فضيفوه ولم يتعرض لهم بسوء بالتعريف ، ثم ارتحل ونزل بقرب فرندة لحصرها وبات ، ومن الغد سار لعين لحديد فنزل بها وبات ، ثم ارتحل جازما وجد السير للناحية الجديدة وهو قبلة العمور وسار له من عين الحديد خمس ليال متتابعة إلى أن أصبح على عرش العبيد وهم الأجواد فلم يتعرض لهم بشر في المذكور ، وزاد إلى أن وصل لأولاد شعيب وهم عرش الجديد ، فألفاهم نازلين مع أولاد خليف في محل واحد فلم يفر منهم في القول المفيد ، فأخذهم أخذة رابية وقتل منهم خلقا كثير.

وفر الجديد في سبعين فارسا من قرابته وأعيان عرشه هاربين بالنساء والأولاد فرارا شهيرا ، فأتبعهم في ثلاثة عشرة فارسا من جيشه بالتحقيق ، وهم خليفته والطيب بن قرنية آغة القوم الحمرا (كذا) ومحي الدين ولد الحاج قدور السايس الحشمي وآغة الحشم الشراقة عدة ولد محمد ولد التفنشي مع ابني أخيه أبي خنونة في القول الحقيق ، وابني بختي الاثنان والشريف النايلي مع ابني عمه ومحمد ولد عبد الرحيم البرجي الخيال وقادة ولد عيسى الحشمي الغربي ثم الموساوي.

وحصل القتال بين الفريقين إلى أن قتل ابن عم الجديد الطيب بن قرنية لما رآه ضرب الجديد فيما قال الراوي ، وتلاقى الجديد مع الأمير في الحرب فضربه الأمير وكسره من ترقيته اليمنى ، ولم يسقط بها للأرض وهرب جريحا من غير اليمنى فضرب شخص من أبناء عم الجديد الأمير وجاءت غير صائبة ،

٢٣٢

فضربه عند ذلك قادة ولد عيسى الموساوي فكسره من ترقيته وخر ميتا لتلك الضربة الصائبة. ثم زاد الأمير للسواقي الحمر ونزل عند سيدي عيسى وأمر لفتح القبور لدفن الأموات. فدفن الطيب ابن قرنية بملبوسه وكذلك غيره من الأموات. وبه جاء الجديد مذعنا للأمير ، فباع له الغنيمة ، بالنقد المعجل من الثمن الكثير ، ثم ارتحل وزاد إلى أن وصل لطاقين ، وشهد بها محل الأخذ لدائرته وهو من الشاقين.

ثم غزى أولاد عياد وهم بالوانسريس ، فمر بالشلف وجد لهم السير ليلة كاملة بالتوارسريس ، ولما دنى منهم أخبر بأن محلة الدولة هي بوسطهم نازلة لأجل الشرايش ، فكر راجعا على عاقبيه للصحراء وصار يتابع المحلة وهي جائلة عليه إلى أن وصل للقطيفة فرجع للكرايش.

قال فسأل منه أهل الوانسريس أن يدع عندهم خليفته سي قدور بن علال وهم ضامنون فيه وفي جميع ما يقع من الأعلال ، فتركه عندهم وزاد إلى الجهة الشرقية / إلى أن وصل لجبل الصحاري ، فأقام به يومين للراحة وقدم أمامه أبا زيد بن أحمد آغة البويرة وغيره في القول الجاري. ثم سار ليلا ونهارا إلى أن وصل للحمام فنزل به وبات. ومن الغد ارتحل وسار ليلا ونهارا قاصدا للغزو متيجة إلى أن يذعن له كما قد فات ، ورايس (كذا) تلك الناحية سي محمد بن محي الدين.

فقال ذلك الرايس لمن كان بقربه إذا رأيتم الدخان بمتيجة فلتأتوني في الحين. ولما وصل الأمير لموضع يقال له تمضيقت بلغه الخبر بأن محلة الدولة نازلة بثنية بني عائشة قادمة إليه فرجع إلى بني سالم وأهل يسر الشرقي ونهبهم نهبا شنيعا من غير وقوع دائرة عليه ، ورجع من يسّر الشرقي إلى شمذر وبه بات وارتحل من الغد ونزل بموضع يقال له بغّال بإثبات ، فغزته محلة الدولة وأخذته أخذا عظيما ، وفرقت جمعه بذلك المكان تفريقا جسيما ، وهذه الواقعة تعرف عند أصحابه بواقعة واد سباو ، وبها مات باش سائسه محمد ولد مصطفى ولد عون الله العداني الغربي وكاتب إنشائه سي محمد بن عبد الرحمان التيجيني الحشمي الغربي من بني مقضاو ، وصار النهب في محلته في تلك اليلة (كذا) من جيشه لبعضهم بعض وهم في قلق ووجل في نفلهم والفرض. ثم ارتحل من

٢٣٣

بغّال ونزل بواد الروافع وأقام به يومين ، وأمر برد ما نهبه كل واحد لصاحبه فرد بغير مين ، وبه أتاه نجع الدروع بفرس من عتاق الخيل قادة للإذعان ولما سمعوا بأخذ محلة الدولة له نكثوا في الإذعان ، فغزاهم وأخذهم أخذا وبيلا ، إلى أن ترك عزيزهم ذليلا ، ثم ارتحل ونزل بثلاثاء الطايد في أمليل من بلاد فليسة ، وهو جبل جرجرة من بلاد زواوة وأقام بها ثلاثة أيام وذهب لضريح سيدي محمد بن عبد الرحمان الجرجري فزاره لإزالة ما به من التفليسة.

ولما سمع بمحال المريشال وهو رايس الجزائر نزلت بتمضيقت ورامت فوزة ، رحل من ثلاثاء الطايد ونزل على بني أبي معزة ، وتهيأ للحرب وسأل من المريشال الخروج معه للبراز ، فأبى المريشال ذلك وقال هذا الفعل انقطع منذ أمد جاز ، فلم يقع قتال في تلك المرة ولا حصل لفريق منهم شيء من المعرة. وفي هذا المنهل جاءه الخبر من عند خليفته البوحميدي بأن دائرته انتقلت من صبرا ونزلت بعين زورا ، وأن الحشم وبني عامر والجعافرة ذهبوا بأهلهم للمغرب وجعلوا أمرهم بينهم شورى. وأن ابني عمه أحمد بوطالب والمولود بوطالب وآغته المولود بن عراش ، ذهبوا بأهلهم إلى فاس وتركوا المكث معه سائلين للاقتراش وأن المكاتب تكررت من عند الدولة لسلطان الغرب مولاي عبد الرحمان على أخذ الأسارى الذين بالدائرة رغما عليها واطراد الدائرة من طاعته لأن أميرها قد أكثر الفساد بالمشرق وإن أبى لا بد من حربه بالإعلان ، وأن أهل الدائرة لما تحققوا بذلك جزموا بقتل هؤلاء الأسرى لينفصم الحبل وتحصل الراحة من النفقة وذلك صحبة المكاتب التي بعثتها الدولة للغرب ولما اتصلت بيد الوزير سي محمد بن إدريس / بعثها لخليفة الأمير للشفقة ، ولما قرأها الأمير تأسف وقال يا عجبا من الدولة كيف تكاتب أهل المغرب بذلك ، وهو لا طاقة له على شيء من ذلك فكان المراد منها تكاتبا على ما تحبه. وأما سلطان المغرب فهو جالس على كرسيه سائلا للنجاة من المهالك. ثم كتب لخليفته البوحميدي كتابا ، مضمنه أما الذين ذهبوا من عندنا لغيرنا فلا نفع في بقائهم ولا ضرر في ذهابهم ولا نزيدك على هذا جوابا. وأما كون سلطان المغرب يأخذ من أيدينا الأسارى قهرا ، ويطردنا من بلاده وطاعته جهرا ، فلا طاقة له على شيء من ذلك وإنما أمره وأمر الأسارى وسائر الخلق بيد الله تعالى الواحد المالك.

٢٣٤

وأما كون أهل الدائرة قد اتفقوا في غيبتنا على قتل العسكر الأسير ، فإن اتفاقهم كالعدم بقدرة الله القدير ، وأن هؤلاء الأسارى ليسوا عندهم وإنما هم عندنا بالبيان. وهم في الحقيقة ليسوا بأسارى وإنما هم أهل أمان. وأن مؤنتهم (كذا) ليست من عندهم حتى يتضرروا بها وإنما هي من عندنا من بيت مال المسلمين ، الذي يجمع في الغزو وغيره بالتعيين ، فمؤنتهم (كذا) ومؤنتنا (كذا) وأهل الدايرة كلها من عند الله. ونؤكد عليك أن تكف أعيان الدائرة المجتمعين على هذا الرأي الفاسد المتكلمين به الشائع في الأفواه. وإن هم قتلوا شخصا واحدا فإن من ظفرت به منهم ننتقم منه بإذن الله انتقاما جامدا. واحذر نفسك من خديعتهم لك بقتلهم ليلا وإن راموا ذلك فبادرهم بالقتل قبلا ومكن الأسارى من سلاحهم ليكونوا لك عونا ودعهم في محلهم حتى يفتح الله علينا وعليهم ويجعل لنا ولهم صونا وأني سأقدم نحوكم بإذن الله والأمر كله بيد الله.

قال ثم ارتحل إلى بني مدوّر بوادي تاسالة الشرقية وأقام به يومين ، ثم انتقل إلى مطمر الخرابشة فنزل به وبات وقلبه متعلق بالأسارى بالدائرة بغير مين. ثم ارتحل من الغد وجدّ السير ليلا ونهارا لنجع آغة شورار. وكان بناحية المسيلة بالصحراء في القول المختار. ولا زال سائرا إلى أن بلغه فأرسل جيشه عليه وأخذه أخذة رابية. ولما رأى شورار ذلك سأل الإذعان وأذعن قولة وافية وكانت خيول جيش الأمير قد كلّت من السير المترادف وعجز نحو الثلث من السير ، وتخلف الأمير بمخزنه عن سرعة السير فبينما هم في تلك الحالة وإذا بمحلة الدولة قد ظهرت وله قاصدة فنكث شورار في فعله وأذعن للدولة وصار بعرشه معها وهي على الأمير وافدة وحصل القتال الشديد بين الفريقين في صحيح الأخبار فانهزم الأمير بجيشه وكانت الدائرة عليه واتبعته تلك المحلة إلى وادي أبي حمار وقد ظفرت بالعاجز منه وبنصف الغنيمة التي أخذها من عرش شورار ونجا في فل جيشه فبات بوادي أبي حمار ، ثم ارتحل من الغد مغربا بما معه من الجيش رحلة الإياس من المشرق ولا يزال يتنقل من محل لآخر في الأشهر إلى أن اجتمع بخليفته سي قدور بن علال والثائر أبي معزة بأصحابهما في الخضر لكون أبي معزة فرّ من الظهرة لما تكاثرت عليه محال الدولة ، كما فرّ / سي قدور بن علال المذكور من وانسريس لما تكاثرت عليه محال الدولة وقد عجز

٢٣٥

عن الصولة ووقت اجتماعه مع من ذكر بالخضر بلغه الخبر القطعي من المغرب بقتل الأسارى وهو بالسواقي الحمر فتأسف كثيرا وجد السير مرادفا للمراحل إلى أن وصل إلى دائرته في حالة الهوان والخسر. قال ولنرجع إلى وقائع عمالة وهران مع الدولة ، وكيفية جولانها بها وإظهارها الصولة ، ففي جانفي من سنة ستة وأربعين وثمانمائة وألف مسيحية جاءت الحوادث طائعة بعد انهزام أبي معزة والمقاتلة مع خيالة الأمير بحافة مدغوسة قولة ساطعة ، ثم سأل صدامة الإذعان لما نهبت مطاميرهم الدولة ولحقهم الجوع الفادح فلم يقبل منهم الجنرال ذلك إلا بعد إعطاء خطية كبيرة في القول الواضح ، وهدم سور فرندة وجعل بها حامية للدولة ، وأخذت أربعة دواوير من مرابطي الأحرار وهم في حالة المذلة. ورجعت محلة الدولة لسعيدة وكان الفصل شاتيا ، فأخذت من بطريقها وأذعنت الحساسنة للدولة بمشتت مايه وصار حالها وافيا ، ثم غزت المحلة على بني مريانن في شهر فبري من تلك السنة فأخذتهم بغتة أخذة معينة وفي شهر مارس من تلك السنة رجع أبو معزة من مدغوسة لناحية الظهرة. وهجم على الكثير من دواويرها (كذا) وأعراشها إلى أن هجم على أولاد سيدي عريبي في بالعسل في القولة ذات الشهرة فتلقاه ليتنان كلونيل (كذا) مليني بجيشه من مستغانيم وقاتله شديدا إلى أن هزمه أبو معزة ورجع في تسليمه فريدا. ثم جدد جيشا لقتاله فكان الفوز للكلونيل وخلف ما ضاع له وكثرت عليه المقاتلة ، ولم يبقى صدوق للدولة إلا أصحاب الشط الشمالي من أهل الشلف صدوقة المباتلة. وفي شهر أبريل من تلك السنة غزت الدولة على الشلافة والهرارسة وهجمت على مجاهر والأمير بشرق قبلة العمالة في القول الظاهر. فأخذت الهرارسة ومن كان عدميا بقربها أخذة رابية ، وأشفت غليلها منها شفوة شافية ، ونزلت بسور كلميت فألفت به مطمرا كان لها فيه كافية من الشعير ، ثم جعلت قنطرة على شلف وعبرت عليها فأخذت الشرفة أخذة أورثتهم للتدمير ، ثم اتبعت فورا أثر الأمير بالأماكن التي فيها ، فلم تشعر به إلا أن مربوطاء مينا وعرجة القطف وصدامة وتوجه للناحية الشرقية وقد خفا (كذا) سيره عليها فحارت في أمره للسطارة التي هو فيها ، فاتبعت أخباره وتوجهت لناحية قجيلة إلى أن وصلت للوسخ وإلى غاي ولم تجد لذلك حيلة ، وتمادت في سيرها إلى أن لحقت بالأحرار وأولاد خليف فغنمت

٢٣٦

منهم نحو تسعة آلاف من الغنم وأذعنوا للطاعة ، وجعلت عليهم خطية عظيمة تودى بالاستطاعة.

وفي شهر ماي من السنة المذكور / الموافقة لسنة اثنين وستين ومائتين وألف من الهجرة المبرورة ، صارت الكلون (كذا) متفرقة بالسكنى في الاقليم الجزائري لاحيائها ، وإزالة مشعراتها وتمدينها وتفجير مائها.

وفي شهر جوان من السنة نفسها اطمأنت نفوس الكلون بالسكنى وقسمت عليهم الأراضي للتمدين ، ورأوا الاقليم يوافقهم للمكث وزال ما بنفوسهم من الحدس والتخمين ، ورتبت الدولة قوانينها على أن تجعل الأحكام سبيلا ومنتيرا ، وحكاما جنرالات وابريفيات (١) للتصرف بالإقليم تصرف جميلا شهيرا. وجهز الكلونيل رنول (RENAULT) محلة ذهب بها للشلالة لكونه سمع بأن الأمير مدّ يده عليها في تحقيق القوالة ، وكان المريشال لم يرضى بنزع الأرض من يد العرب وإعطائها للأوروبيين ولا ما استعمل فيها من القوانين ، لكونه رأى العرب قد تضرروا من ذلك وأعطاهم الحق في الضرر وقال اللائق بالدولة الرفق بالعرب في الحركة والسواكين لكن الدولة أبرمت أمرها وصار فعلها قانونا مؤرخا بتاسع ديسانبر سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف بالتحقيق ، وأبرز العمل به بهذا الاقليم بعناية التوفيق ، وأن العرب تؤخذ منهم البلاد للمعمرين لها بالثمن بلا ريب. وقد كان آغة مصطفى عين للدولة أرض البايلك التي كانت في حيازة الأتراك فدخلت في يد الدمين (٢٦٣) بلا ريب وذلك في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وألف باشتهار ، فجرى ذلك العمل في سائر الأقطار.

ثم فر بنو عامر عن بلادهم وبقي جبل تاسالة وجبل القعدة بما فيها من الوطاء إلى رأس الماء خاليا من أهله ، وأما وطاء ملاتة فهو عامر بأهله لكون كل واحد ملاحظ بشكله.

__________________

(٢٦٢ م) الكولون هم المستوطنون الأوروبيين من الكلمة الفرنسية : Les Colons.

ومنتيرا هم العسكريون من الكلمة الفرنسية : Les Militaires.

وبريفيات هم حكام المقاطعات من الكلمة الفرنسية : Les PrefetS.

وسفيلا هم المدنيون من الكلمة الفرنسية : Les Civiles.

(٢٦٣) يعني ملك الدولة من الكلمة الفرنسية : Domaine.

٢٣٧

وبعد أمد قدم أولاد بالغ وبنو مطهر ونزلوا بالتل مع الأغواط ، وانضاف إليهم أولاد عبد الله الذين لم يفروا لمجاورتهم للدواوير وهم معهم في الاختلاط. وفي ديسانبر من سنة ستة وأربعين وثمانمائة وألف جعلت الدولة قدور ولد عدة البحثاوي الذي هو قريب النسب لآغة مصطفى وابن أخيه الحاج المزاري آغة على بني مطهر وأولاد بالغ بتاسالة ، وكان رجلا شجاعا له نجدة كثيرة وشدة وحزم موصوفا بالبسالة فرضوا به وفرحوا ، وسيسهم بسيرته الحميدة إلى أن نجحوا.

وفي مدة ستة أشهر من توليته اجتمعت عليه منهم أربعمائة خيمة ، وركب منهم مائتا فارس وأزال عن كل منهم ما كان به ضيمة وحل بملاتة وأهلها العافية والراحة وحصل ببني مطهر وأولاد بالغ السرور والفراحة وشرعت الدولة في غزو أعراش الصحراء وبانت نجاحة آغة قدور ولد عدة فأمن أهل التل وصار يغزو بجيشه أمام جيش الدولة وتارة وحده على أهل الصحراء وصار الأمير بالمغرب في الزيادة إلى أن امتدت دايرته لملوية وأهلها في الانقيادة ثم أنه غاب بالمشرق غيبته الطويلة فقتل أهل دائرته ما عندهم من عسكر النصارى الذي / أخذ في واقعة سيدي إبراهيم وتموشنت (كذا) ولم يخلص من القتل إلا الفسيانات والكماندار (٢٦٤) وكان ذلك فعلا ذميما من الدائرة عند العبيد والأحرار. وقد مر الكلام على قتل هؤلاء الأسارى وتأسف الأمير عليهم سرا وجهارا. ولما سمع الجنرال كافنياك بقتل جيشه الأسير وهو بتلمسان أراد الذهاب بجيشه لأخذ الثأر من أهل الدائرة ويدخل في حدود المغرب في السر والإعلان ، لكون سلطان المغرب ليست له طاقة ولا يستطيع للأمور الشاقة لأنه تأخر لما نظر لأمر الصلح الواقع بطنجة بين سلطان المغرب والدولة وأنه يطرد الأمير من بلاده ويزيل ما له من الصولة.

ثم أن الأمير ظهر له في التوجه بجيشه لناحية الصحراء بعد ما أيس من الجهة الشرقية في واقعة شورار جهرا ، فغزى حميان في وقت الربيع سنة ستة وأربعين وثمانمائة وألف الموافق لسنة ثلاث وستين ومائتين وألف وقد جد لهم

__________________

(٢٦٤) يعني الضباط والحكام من الكلمتين الفرنسيتين : Commandants ,Officiers.

٢٣٨

السير فلم يحصل على طائل ورجع لدائرته في غاية الطائل.

ثم أخذ الفسيانات (كذا) والكماندار (كذا) ، وبعثهم لمليلية ليبعثوا لافرانسا بالعز والافتخار وفي رواية أنه ذهب بهم بنفسه لمليلية في خمسمائة فارس من الجيش ، ومعه خلفاؤه وهو على فرسه الأصفر المزيل للطيش. وحصل بينه وبين الاسبانيين مداخلة ومخالطة ، ورجع لدائرته وهي بعين زورا من بلاد المطالسة بغير خلاف ، ثم رحل منها ونزل بحمار العرعار المعروف بواد زلاف ، فأقام به أيام ثم ارتحل ونزل ببلاد بطيوة بالبيان. وأقام أمدا ثم ارتحل ونزل بسيدي وردان ، فمكث به أمدا وفي وقت الربيع بعث خيالته وأهل الدائرة بخيولهم وجميع دوابهم إلى واد قارت ، لكثرة خصبه وبقيت الدائرة بما فيها من الأعيان والعسكر مفترقة حللا مطمئنة وفي أمر المغرب حارت ، فبينما الأمير غافلا وإذا بسلطان المغرب مولاي عبد الرحمان جهز جيشا لقتاله ونفيه من بلاده تحت رئاسة باشته هشام الأحمر مشتملا على تسعة آلاف مقاتل فنزل بمدشر تفرسيت من مداشر الريف ومكث أياما بالبيان فتنافس الكلام بأنه جاء لأخذ الدائرة ونفيها وقبض الأمير وقتله ، فسمع بذلك طالبان من الغرابة أحدهما يقال له الحاج محمد بن أبي خالفة من دوار أهل العيد بتصحيح نقله والآخر يقال له سي الأخضر بالقاضي من دوار العمايمية كانا متزوجين هنالك. وكان سي الأخضر شجاعا والحاج محمد ذا رأي وتدبير فجاءا للأمير وأخبراه بذلك. ولما تيقن الأمير لكلامهما خزنه في سويداء قلبه وسكت. ولما سمع الأحمر بانتشار الخبر نهى الناس عن ذلك ودس الخديعة ومقت ، وصارت المكاتبة بينه وبين الأمير متداولة على التوافق وكل منهما من صاحب على حذر والخيالة لا زالوا بقارت في القول الأشهر.

ثم إن الأحمر انتخب من جيشه كتيبة تشتمل على خمس مائة فارس مقاتل من الأنجاد ، وبعثهم ليلا للدائرة وأمرهم بأن يجعلوا أنفسهم زائرين إذا وصلوا لخيمة الأمير فإذا ظفروا به حيا يأتونه به وإلا قتلوه وأتوه برأسه لأن الحرب خدعة وبه يبلغ للمراد ولكم عنده الاحترام والتوقير ، فجاءوا بقصد ذلك وهم في الطمع بالظفر في الفرح الكثير ولما / وصلوا للدائرة كان وقوفهم نهارا على خيمة الجيلاني ولد السايح القصيري في حلته ، لأنهم رأوها بيتا من الشعر كبيرة

٢٣٩

محترمة وهي في بطحاء وادي فظنوا أنها للأمير وهو في حلته. ولما سمع ابن السايح حس المهاميز وحوافر الخيل خرج مسرعا فألفاهم قرب بيته فقال من هؤلاء فقالوا جيش الأحمر جئنا للتبرك بالأمير ونيل حرمته وبيدينا مكاتب الباشا الأحمر بعثها له فقال لهم هو أمامكم وتلك بيته وأراهم إياهم فظنوا أن ذلك خديعة لهم وتكلم البارود من عندهم بالقوة في قولة من رواها. فبعث ابن السايح للأمير وأمر من معه بالضرب وركب فرسه. وكان من الشجعان فجال بأصحابه في وسط حومة الميدان إلى أن فرقهم وساروا في فلولهم ولما سمع أهل الدائرة تراكم البارود اجتمعوا على خيولهم وكان الأمير معهم فقاتلوهم شديدا سريعة وهزموهم هزيمة شنيعة وركبوا أكتافهم وهم منهزمون من غير التفات ، فلم يرجعوا عنهم إلى أن أوصلوهم لقرب محلتهم فرجعوا معهم بعدما أتوا منهم لثمانين فرسا غنيمة قتلوا أهلها بالإثبات ، ولما حل هذا الأمر بعث الأمير لخيالته بأن يأتوه ويدعوا بقارت الرعاة بدوا بالدائرة ، ولما اجتمع بخيالته بعث للطالبين المذكورين بالإتيان ليجعل جيش الأحمر بباشته في شبكة الدائرة ولما جاآه أمرهما بالذهاب ليلا مع العسكر لمحلة الأحمر لمعرفتهما بالطريق وهو بخلفائه وخيالاته وقوم الدائرة في أثرهم بالتحقيق ، وأمر رايس (كذا) كبراء العسكر. والعسكر وهو سي الحبيب بن التراري الحشمي بأن يأمر كل كبير يأمر عسكره بأخذ السلاح والذهاب مع الطالبين لمحلة الأحمر ومن أعانه من القبائل لمقاتلهم (كذا) مقاتلة الفلاح فامتثل الكل أمره وذهبوا مع الطالبين ليلا ، وجد الطالبان بالعسكر السير سيرا عجلا ثم ركب الأمير في إثرهم بخيالاته وخلفائه وأغواته والمطاوعة وسار وكانت ليلة ممطرة لا يطيق فيها أحد على المنازعة فسبق الطالبان بالعسكر وتربص الأمير بمن معه لما حل به من المطر والظلام بحيث صارت قوائم الخيل تسوخ بالأرض من شدة المطر وهم في الظلام ثم سأل الأمير رايس (كذا) العسكر المذكور عن العسكر فقال له أنه لمعنا والحال أنه لا علم له بشيء من سرعة سيره مع الطالبين لشدة المطر والظلام في المشتهر ولا زال الأمير متربصا في سيره بجيشه يترقب ظهور الضوء لكون الفجر قريبا من الطلوع فبينما هو في المكالمة مع الجيش وإذا به رأى شفق البارود وتعدد ضربه بناحية الأمير فقال الرايس (كذا) العسكر غررتني إلى أن هلك جيشي وانقطع عسكري وصرت في

٢٤٠