طلوع سعد السّعود - ج ٢

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ٢

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

الديور للمكث به للمهنة ، واستخلص الملك هذا الأمير الثاني ، وجعلوا له وزيرين هما فولفولد وليجي السّبلاني ، وكان هذا السلطان شديد البغض وشرّير الأخلاق ، فكرهته الدولة وحلّ بها الاستقلاق ، حيث رأوه سجن وزيره ليجي وربط مع عمود أباديون وهو من الأعيان ، ثم جلده وخلّ سبيله للذل والأهوان فدبّر أبوديون الحيلة إلى أن وجد الفرصة في هذا السلطان فرآه ذات يوم خرج بأهله وولديه للتنزه والمهرجان ، وتركه إلى أن وصل إلى غابة بنواحي شيل فأدركه فورا بأصحابه وقبضه وقتله ولم ينج إلا ابنه الصغير وهو دنيال فنفاه لدير إلى سنة مائة وأربعة وثلاثين (١١) لما أراد الله صيرورة الملك له بالتحصيل ومات شيلديريك الثاني سنة تسعين (١٢) كما حققه أهل المعاني ، بعد ما ملك أربعة أعوام ومن تياري الأول إلى آخر الطبقة الأولى قوي تصرف الوزراء وأدام ، حتى أتبعهم من أمتهم الخاص والعام ، وفاز بطول مدة الوزارة منهم ثلاثة ، وهم بيبان وابنه شارل مرتيل وحفيده بيبان لوبريف إلى أن قصدهم الناس للإغاثة ، وتصرف بيبان ديرستال من عام إحدى وتسعين إلى عام مائة وإحدى وثلاثين (١٣) وجلس ، على كرسي المملكة في أيام وزارته أربعة ملوك ، وهم تياري الأول وكلوفيس الثالث وشيلديريك الثاني وداكوبير الثاني ذو السلوك.

الملك تييري الأول : THIE ? RRY.I

وخامس عاشرهم أخوه تياري الأول الذي هو عندهم من ملوكهم التي عليها الاتكال والمعوّل. تولى سنة تسعين وهو العام الذي مات فيه أخوه بالتمرين ، فأخرج الوزيرين أليجي وابيروين من السجن ، فأطاعه أبيروين وأذعن وخرج من فوره بالجيوش لحرب النستري إلى أن أثخن فيهم وأخذ الأموال ومن لم يذعن منهم أذاقه العذاب والنكال ، وعصاه أليجي وقدم بجيوشه وهم لاتون للقتال ، ولما رأى كثرة الجيوش سلّم نفسه للوبال ، فتمكّن منه ابيروين وقلع عينيه

__________________

(١١) الموافق ٧٥١ م.

(١٢) الموافق ٧٠٩ م.

(١٣) الموافق ٧١٠ إلى ٧٤٨ م.

٢١

وحلق رأسه وسجنه. وتوزّر لما قوت شوكته على تياري رغما بما عيّنه وتصرف في النستري والبوكوكنيو بما أراد ، وتقبّض على أمير الاسترازي وهو مرطان بالأمان فقتله وأباد وتمادى بجيوشه للاسترازي فاغتاله في طريقه شخص من النستري سنة ثمان وتسعين (١٤) وتولى مكانه بيرتير فقمع الأعيان ولم يراع لهم حرمة بعد ما كان التوفير ، ولمّا رأوا ذلك فروا من عند بيبان رايس الاستراز ، فجاء الرايس بالجيوش إلى تياري بقصد المقاتلة والبراز ، وتصافّا بمدينة تسترى فانهزم تياري وتمكن منه بيبان وأصحابه حيارى ، واستولى على الملك فقامت عليه الفريسون فقصدهم بجنوده إلى أن أذعنوا وأدوا المطالب والمحصون ، ومات تياري سنة مائة وسبعة (١٥) مبينة بعد ما ملك سبعة عشر سنة.

الملك كلوفيس الثالث

وسادس عاشرهم كلوفيس الثالث تولى سنة مائة وسبعة وهو ابن عشرة أعوام في الحال الحالث وبقي التصرف بيد الوزير بيبان لقصور هؤلاء الملوك ومكثهم بقصورهم بحيث لا يأتوا لقصر الإمارة إلّا وقت اجتماع الأعيان لتدبير أمورهم ، لتحصل منهم الموافقة على القوانين ، ولا شيء لهم غير هذا بالتبيين ، ولو شاء بيبان الاستقلال بالملك لفعل بالجهارة ، لكنه لم ير الفضل له في ذلك وإنما رآه في الوزارة ، وأيضا توقيرا لنسل ميروفي فإنه كان عندهم من ذوي الفضل المظروفي ، وغزى الألمان مرارا ثلاثا ، وعاقب الفريسون لما امتنعوا من المطلب حلاثا ، ومات كلوفيس الثالث سنة اثنا عشر ومائة (١٦) بأقوام ، بعد ما ملك خمسة أعوام.

الملك شيلدبير الثاني

وسابع عاشرهم أخوه شيلديبير الثاني تولى يوم موت أخيه كلوفيس ، وهو ابن اثنا عشر سنة بغاية التنفيس ، ولقصوره عن التصرف بقي التصرف لبيبان كمن قبله

__________________

(١٤) الموافق ٧١٦ م.

(١٥) الموافق ٧٢٥ م.

(١٦) الموافق ٧٣٠ م.

٢٢

من الملوك كان إلى أن مات سنة ثمانية وعشرين ومائة (١٧) وافية / ، بعد ما ملك ستة عشر سنة عافية.

الملك داكوبير الثاني

وثامن عاشرهم ابنه داكوبير الثاني تولى يوم موت أبيه وهو ابن أحد عشر عاما ، فقام الوزير بيبان بإدارة الملك كالذين قبله التزاما ، وسار هذا الوزير سيرة حسنة ، وحاز بعقله أمورا مستحسنة ، ومات سنة أربع وثلاثين ومائة (١٨) معينة بعد توزّره أربعين سنة ، ولم يمت حتى عيّن حفيده للوزارة وهو تيودولد ابن ستة أعوام ، والتصرف لزوجة جدته بليكترود ، باحتكام وقد كانت في بلاد الاستراز ، فقدمت لبريز بجيوشها لتجعل حفيدها في مكان جده بالإبراز فغضب النستري من ذلك وأراد القتال ، فوقع بنواحي كومبيانيو وثمّ كبر النزال فهزمت وريّسوا عليهم رنيفورة وكانت أحواله مشكورة ، ولما نال هذا المقام سمى عليه دنيال سلطانا لنيل المرام ، وسماه شبلبيريك الثاني فجمع من ذكر الجيوش وقصد لمحاربة الاستراز في السرّ والعلاني ، وكان الجيش المبعوث للقتال ، جندي الفريسون والسكسون في الانقال فخلعت الألمانية لذلك الطاعة وأكثرت الفساد والوقاعة ، وكان لبيبان ابن من الزنى شديد البأس والعنى ، يقال له شارل قد سجنه أبوه رضاء لزوجه ، وفرارا من إيقاعه به بلوجه وحين بلغه ذلك هرب من سجنه ، وقصد الاستراز ، ربما الوصول للملك بالقتل والبراز ، وكانت الاسترازى شديدة الشوكة لكن خمدت نارها لما قلّ عزمها وبار جارها ، ولما جاءهم شارل فرحوا واستبشروا ، وريسوه عليهم بعد ما استنفروا ، وراموا العناد والشتات فبلغهم الخبر بأن داكوبير الثاني قد مات سنة مائة وثلاث وثلاثين (١٩) بعد ما ملك خمسة أعوام بالتعيين ، وخلّف ابنا يقال له تياري الثاني باحتكام فمنعه من المبايعة الخاص والعام وتولى شارل مرتيل الوزارة ، وتصرّف في الملك تصرّف من له الربح في

__________________

(١٧) الموافق ٧٤٥ ـ ٧٤٦ م.

(١٨) الموافق ٧٥١ م.

(١٩) الموافق ٧٥٠ م.

٢٣

التجارة ، من عام أربعة وثلاثين بعد المائة إلى عام ثمانية وخمسين بعد المائة (٢٠) وجلس في وقته على كرسي المملكة ثلاثة سلاطين وهم كلوتير الرابع وشيلبيريك الثاني وتياري الثاني بالتبيين.

الملك كلوتير الرابع

وتاسع / عاشرهم كلوتير الرابع تولى سنة مائة وثلاث وثلاثين في القول الشائع وهو ليس من نسل ميروفي فبادر شارل مرتيل لمحاربة الفريسون والسكسون ، لما حركا للاسترازي كما مرّ وقاتلهما فهزمهما وتوجه للنستري بجيشه الهتون ، فاجتمع به بامبلي وهزمه وفر سلطانه ووزيره فزاد شارل للوطن واعتزمه فالتقى به بفنسا وحاربه بأشد القتال إلى أن أذاقه الغاية من النكال ، وذلك عام أربعة وثلاثين والمائة فضعف النستري وأجاب للطاعة ثم دخل شارل بريزا وبايعه بالوزارة كافة الجماعة ، وتوجه بجنوده لكولونيو قاعدة الاستراز لكون زوجة أبيه وهي بليكيرود بها لنيل الإنجاز ، فسلمت له البلد وما تركه أبوه من الذخائر والأموال رغما عليها خشية من العذاب والنكال ، ولا زال كلوتير الرابع ملكا إلى أن مات سنة أربع وثلاثين بعد المائة وهي السنة المارة بعد ما ملك سبعة عشر شهرا فكانت مدته في النلد القصارة.

الملك شلبيريك الثاني

والموفي لعشرينهم شلبيريك الثاني تولى يوم موت كلوتير الرابع بالتعيين ، ومات سنة المائة والسبع والثلاثين (٢١) بعد ما ملك أربعة أعوام ، ولا زيادة بعد هذا في الكلام.

__________________

(٢٠) الموافق ٧٥١ م.

(٢١) الموافق ٧٥٤ ـ ٧٥٥ م.

٢٤

الملك تياري الثاني

وحادي عشرينهم تياري الثاني تولى يوم موت شلبيريك وهو ابن خمسة أعوام ، فدبر أحواله وأدار ملكه شارل مرتيل بأقوام وعظمت شوكة شارل في الوزارة ، وعلا صيته في السرّ والجهارة وشرع في تمهيد من خرج عن الطاعة ، ولم يرد الدخول في الصناعة فطرّد السكسون من النواحي الجوفية ، والمسلمين الذين بالأندلس من النواحي القبلية ، لكون الإسلام دخل بر الأندلس سنة اثنين وتسعين من الهجرة (٢٢) في القولة الصحيحة المعتبرة. ثم استولى شارل على أملاك القسيسين ووزّعها على عساكره ، فقوت همّته وعظمت دولته وأطاعته الناس في نواهيه وأوامره ، ثم حارب السكسون وما انضم إليهم من الألمان واليافورة والفريسون وغيرهم إلى أن هزمهم ولم يستخدمهم لكثرة الغيظ وتوعر بلاد السكسون ، وزادت قوته في الارتفاع للسماء ، وانتشر صيته وأمره سما ، خصوصا وقت محاربة المسلمين لما يكابده من الأمور الشاقة / فيظهر قوته بين النصارى والمسلمين لكون المسلمين غزوا سنة مائة وخمس وثلاثين (٢٣) مملكة الفرانسيس فاستولوا منها على الّلنكدوك ونريون (٢٤) وصار لهم فيها التجسيس ثم قدموا سنة سبع وثلاثين من المذكور (٢٥) إلى الأكيتين وحاصروا مدينة تولوز واسم أميرها أودّو فبرز للقتال فهزم بعد الحرب الشديد المبروز ، ولما خرج عن طاعتهم اللنكدوك ، قطعوا البريني ورجعوا لبر الاسبانيين بالشّدوك ، وبقوا هناك إلى سنة اثنين وأربعين والمائة (٢٦) رجعوا واستولوا على ما كان بأيديهم من التراب وأزالوا منه الشرك والارتياب ، وهجموا على الناحية القبلية كثيرة المدن والقرى والحصن والاخصاص والدوفانص ، التي يقال لها البروفانص (٢٧) ونشب أميرها أودو المذكور الحرب فهزمهم ، ودخلوا بر السبنيول بما جزمهم. ثم قدم عبد الرحمان

__________________

(٢٢) الموافق ٧١١ م.

(٢٣) الموافق ٧٥٢ ـ ٧٥٣ م.

(٢٤) لعلها ناربون.

(٢٥) الموافق ٧٥٤ ـ ٧٥٥ م.

(٢٦) الموافق ٧٥٩ ـ ٧٦٠ م.

(٢٧) يقصد البروفانس.

٢٥

الأول الأموي سنة تسع وأربعين ومائة (٢٨) بجنود لا تحصى ولا تعد ، ولا يطيق لإحصائها بالعد أحد ، وتوجّه لمدينة بوردو الأفرد ، واشتد القتال بينه وبين أميرها أودو فهزم أودو ومات منه خلق كثير فاستولى عبد الرحمان على بوردو ونهب جميع أموالها وغيّر لرونقها وأحوالها ، ودخل المسلمون وطن الاكيتين فأحرقوا الكنائس وسبوا ونهبوا وأسّروا وقتلوا كثيرا بالتبيين ، وتوجهوا لناحية الجوف بقصد الاستلاء (كذا) والتخريب والإجلاء وكان أودو بعد انهزامه ، قدم إلى شارل يقصد استنصاره واحتزامه ، فلبّاه لمطلوبه وجهّز الجيوش لقتال عبد الرحمان وحروبه ، فاجتمع به بين مدينتي بواطي وتور فتقابل الفريقان ، واشتدّ القتال فمات وزير عبد الرحمان ، وكان مديرا لجيشه بغاية ما كان ، وهزمت جيوشه واستولى شارل على محلته ، فألفاها موسوقة بالأموال التي سلبت من الاكيتين برمته ، ومات من المسلمين خلق كثير ، وحاز النصارى المحلة بما فيها من قليل أو كثير ، وبهذه الواقعة لقّب شارك بمرتيل لشدة ضربه في النزال بلا تحويل ، لأن مرتيل بلغتهم المطلقة معناه المطرقة ، ورجع المسلمون للّنكدوك والبورفانص بغير الشك ، لكون سكان تلك العمالتين يميلون للإسلام ويفضلون أهله على الفرنك ، فذهب إليهم شارك مارتيل واستولى على ليون وأفينيون /. وغيرهما من سائر المدون (كذا) وجعل في كل مدينة من قبله حاكما ، ورجع لمحلّه عازما ، فقام أناس الوطنين ، وأدخلوا المسلمين عندهم بلامين ، واطردوا أتباع شارل مرتيل ولما بلغه الخبر رجع يرادف الترحيل إلى أن وصل فاستولى على البروفانص وتمكن من أفنيون بعد الهجوم ، وقتل من بها من المسلمين قتل الحاقد الظلوم ، وتوجه للنكدوك فحاصر نربون ثم جاءته المسلمون بجيوشهم لإعانة إخوانهم وصار القتال في أشد ما يكون وحصلت الدائرة له لكنه لم يستول على نربون وذلك سنة مائة وأربع وخمسين (٢٩) في القول المحرر المبين ، وجال في الوطن المذكور فخرق مدينة نيم المشهورة ، وأرل ، وبيزيا وهدم مدينة ماكولون الموفورة ، ونهب أموالا جسيمة وأسّر أناسا عظيمة ، ورجع مقيدا للأسارى اثنين اثنين ومات تياري

__________________

(٢٨) الموافق ٧٦٦ ـ ٧٦٧ م.

(٢٩) الموافق ٧٧١ م.

٢٦

الثاني بغير مين ، سنة أربع وخمسين والمائة المارة الذكر ، بعد ما جلس على الكرسي سبعة عشر سنة بغير النهي والأمر ، وبموته وقعت الفترة من الملوك خمسة أعوام ولم يبق التصرف فيها إلا لشارل منفردا ، ولو شاء الاستلاء (كذا) لفعل لكنه اختار الوزارة وبقي منجردا وطال وصال وهاج وجال وقدم في سنة خمس وخمسين من القرن (٣٠) المذكور لمحاربة السكسون فبادر أمير البورفانص وهو مورونت بجنوده إلى أفينيون واطرد منها عساكر شارل مرتيل فتوجه له شارل واستولى عليها بالتحصيل وتمكّن من أرل ومرسيلية وغيرها عدا نربون وشيئا قليلا من الناحية القبلية ، وأطرد المسلمين من غير المستثنى وأذعنت له الرعية ونال ما تمنى ، وقدم لقصره سنة سبع وخمسين من القرن الثاني للاستراحة (٣١) وهو فارح بنيل المراد وفاه لسانه بالفصاحة فأتاه كتاب من عند الباب (٣٢) وهو شيخ دين المسيح طالبا منه الإعانة على اللمبار لهجومهم عليه فعزم على إجابته فأحزته منيته بالصحيح وذلك سنة ثمان وخمسين ومائة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، بعد ما تصرف في الملك خمسا وعشرين سنة ، وكان له جملة أولاد منهم اثنان شقيقان ، وهما كارلومان (٣٣) وبيبان فقسم التصرف بينهما بحسب إشارة رؤساء الدولة من أهل العيانة ، والصولة ، فناب الأول الاسترازي والألمان وناب الثاني النستري / والبوروكونيو والبورفانص بالبيان ، وبقي الاكيتين والبافير والفسكونيو والبورطانيو مخالفين ، لكنهم يدفعون شيئا من مطالب السلاطين ، فأهمل كارلومان الملك وترهب ببعض الديور ، واختص بيبان بالملك بتمامه الموفور.

الملك شيلديريك الثالث

وثاني عشرينهم شيلديريك الثالث الذي تولى الملك بالأمر الحالث ، سنة تسع وخمسين من القرن الثاني (٣٤) كما هو المقرر بالتعول ذات المعاني ، وبقي

__________________

(٣٠) الموافق ٧٧٢ م.

(٣١) الموافق ٧٧٤ م.

(٣٢) يقصد البابا في روما رئيس المسيحيين الكاثورليك.

(٣٣) يقصد شارلمان.

(٣٤) الموافق ٧٧٥ ـ ٧٧٦ م.

٢٧

بيبان لويريف بن شارل مرتيل يتصرف بالوزارة نائبا عن السلطان إلى أن ظهر له الاستلاء على الملك ورأى أنه لا يتم له ذلك إلا بموافقة الباب زكرياء فبعث له بعض خواصّه العيان ، وأخبره بما في ضميره فوافقه على ذلك الخطاب ، ولما رجع الرسول كتب الوزير للباب بما نصه : أيها الخليفة أخبرني هل الملك للمتصرف أو للمسمّى سلطانا ولكنه لا يفارق بقصره للباب فأجابه الباب زكريا بأن الملك للمتصرف ، لا للذي في قصره جالس وبه معترف ، فاجتمعت عليه الرؤساء وعقدوا له بيعة السلطان ، وذلك سنة تسع وستين ومائة (٣٥) فصار بيبان هو السلطان فأخذ شيلديريك الثالث وحلق رأسه وبعثه إلى دير فبقي به إلى أن مات سنة إحدى وثمانين من القرن المذكور (٣٦) وبموته تعرضت الطبقة الأولى في المشطور بعد ما ملكت تلك الطبقة ثلاثمائة واثنين وثلاثين سنة. وانتقل الملك للطبقة الثانية مبينة.

الملك بيبان لوبريف : PE ? PIN LE BREF

وثالث عشرينهم بيبان لوبريف الذي هو في ملك له مطلق التصريف تولى سنة تسع وستين كما سبق فأذعنت له الرعية لكونه هو أول الطبقة الثانية في المحقق ، وكان ذا عقل رشيد ، ورأي سديد ، واشتهرت أيامه بالفخر والمجد فجرّ فيها لأذياله ، لما ناله من النجاح في سائر أحواله. ولقب بلوبرف لقصر قامته وشدة قوته ولامته ، وغزى اللمبار لما تعدّا على أرض الباب فحاصره بمدينة يافا وكرّر عليه القتال أضعافا فأضعافا ، إلى أن استلبه من خزائن الأموال ، ونزع منه جميع الأراضي فأعطاها هدية للباب وأعطى الأمان لاستولف ملك اللمبار الجوال ، ورحل راجعا لمحله سنة اثنين وسبعين ومائة في صحيح الأقوال (٣٧) ثم رجع اللمبار لرومية وحاصرها ، وضيّق عليها وقاهرها ، فاستنصره الباب أيضا فنصره ، / وقدم بالجنود للمبار وقهره ، وألزمه برد ما أخذ فامتثل لأمره ، وأذعن بعد القسم

__________________

(٣٥) الموافق ٧٨٥ ـ ٧٨٦ م.

(٣٦) الموافق ٧٩٧ ـ ٧٩٨ م.

(٣٧) الموافق ٧٨٨ ـ ٧٨٩ م.

٢٨

أنه لا يرجع لرومية ورحل من فوره ، والتزم بدفع المغارم ، وآل على نفسه أن لا يعود للظلم ولا يكون هو الظالم ، وارتحل بيبان راجعا لوطنه صائلا صولا عتيدا ثم ذهب للسكسون وقاتلهم قتالا شديدا ، إلى أن أذعنوا له بالطاعة الكلية ، فارتحل عنهم وتوجه للجهة القبلية. لمحاربة المسلمين فحاصر نربون التي هي قاعدة المسلمين بافرانسا واستولى عليها بما يكون وذلك سنة ست وسبعين ومائة (٣٨) بعد القتال الشديد وخلصت اللنكدوك له بالمريد ثم زحف لقتال الاكيتين وطال الحرب بينه وبينهم ثمانية من السنين إلى أن أذعنوا له بعد موت أميرهم مع أكثر الأعيان. وكان لبيبان ولدان وهما شارلمانيو وكارلمان ولما خشي الموت جمع الرؤساء وقسم الملك عليهما ، وحقق الأمر إليهما وكانت له قوة شديدة وعناية مديدة ، حتى أنه لما اجتمع مع قومه ينظرون المبارزة بين الثور والأسد ، وقد اشتدّ الكفاح بينهما قال لقومه أيكم يحجز بينهما فلم يجاوبه أحد ، فنهض فورا ودخل الميدان بينهما وطعن الثور فقتله ، والتفت للأسد فضربه بسيفه وقطع رأسه وبالموت أعجله ، ثم التفت لقومه وقال لهم هل أصلح أن أكون عليكم سلطانا أم لا فاستعجبوا من قوته وقالوا له أهلا أهلا ، ومات سنة خمس وثمانين ومائة (٣٩) بعد ما ملك سبعة عشر من الأعوام ، والبقاء لله المالك العلّام.

الملك شارلمانيو : CHARLEMAGNE

ورابع عشرينهم ابنه شارلمانيو تولى يوم موت أبيه بارتباط ، ثم وقع بينه وبين أخيه تنافر فانصرف عنه أخوه ومات باحتياط ، فاشتغل شارلمانيو بإقامة المصالح ، وجلب المنافع للأمة ودفع المقابح ، ثم خرج للاكيتين لما خلعوا الطاعة سنة ست وثمانين من المار بالاستطاعة وهم بأثقل ما يكون بالسلاح ، فهزمهم واستولى على جميع ما بأيديهم (كذا) سيما الرماح وبنا (كذا) بأرضهم وعمر ما بناه بالعساكر ثم رحل عنهم وتوجه للسكسون فبلغ أرضهم واستقبله

__________________

(٣٨) الموافق ٧٩٢ ـ ٧٩٣ م.

(٣٩) الموافق ٨٠١ ـ ٨٠٢ م.

٢٩

العدوّ بالعساكر ، وحصل بينه وبينهم الحرب الذي شاب له رأس الغراب ، ومهمى حلّ بموضع عمّره بالبناء بلا ارتياب ودام الحرب ثلاثا وثلاثين سنة إلى أن أذعنوا وتنصروا متعينة ، ولقوة هذا / الملك شارلمانيو ونجدته ، استنصر به غيره وطلب لنجدته ففي سنة مائة وتسعين (٤٠) استنصر به الباب على اللمبار ، فنصره بجنوده إلى أن سلب ما لهم ورأوا ما حلّ بهم منه من الأدمار ، ونقضوا العهد ورجع لهم سنة ثلاث وتسعين من المذكور ، فأذاقهم النكال وجعل الحكام عليهم من طائفته فلم يقع منهم بعد ذلك النفور ، وجعل أحد أولاده سلطانا على الطليان ، وقدم إليه في سنة أربع وتسعين من المار بالبيان (٤١) بعض أمراء المسلمين من الأندلس للاستنصار به على الحاكم الأموي حفيد عبد الرحمان لما ترك اسم آل العباس من الخطبة بالقبول ، واستقل بالأمر بوطن السبنيول فأجابهم لمطلوبهم وجهز محلتين كبيرتين وحرك على جهتين وجدّ السير إلى أن ضرب محلته تحت ساركوس (٤٢) واجتمعت جيوشه فحاصر تلك المدينة إلى أن استخدمها مع غيرها وعلت كلمته فيها بضرب الناقوس ، ورحل في السنة التي بعدها راجعا لمملكته ، فاتّفق القسكون مع المسلمين على محاربته مع قوته ، وقصدوا الجبل البريني وكمنوا به بشعب شديد الوعر ، كثير الغيظ والأخاديد والحجر ، إلى أن جاوز الشعب نصف الجيش ، وهجموا على المتأخرين ووقع القتل فيهم بتمامهم وكثر الطيش ، فلقد مات في هذه الواقعة أكثر الأبطال ، منهم قريب الملك شارلمانيو وهو رولون واشتد الكرب والوبال ، فهجم عليهم وكثر القتال إلى أن هزمهم ، وتمكن من أمير القسكون فقتله ، وبالغرائم لزمهم وجعل الاكيتين والقسكون واللنكدوك مملكة وحدها. وسلطن عليهم ابنه القاصر عن التصرف وهو لونرو عن افرانسا أفردها ففرحوا بذلك ونزلت العافية وكثرت التجارة ، والتمدن الكثير وذهبت الخسارة ، وحرك للتورنج لما خلعوا طاعته في المشهور ، سنة ثلاث ومائتين بالمذكور (٤٣) فحاربهم وظفر بأميرهم فقلع عينيه ،

__________________

(٤٠) الموافق ٨٠٦ م.

(٤١) الموافق ٨٠٩ ـ ٨١٠ م.

(٤٢) يقصد مدينة سرقسطة.

(٤٣) الموافق ٨١٨ ـ ٨١٩ م.

٣٠

وصيّر رعيته من دويه ، وفي التي بعدها حرك للبروتون لما امتنعوا من أداء الضريبة ، وطال الحرب بينه وبينهم إلى أن أطاعوه وصاروا له من جملة الرعية ، وخرج في سنة خمس من القرن الثالث (٤٤) في ثلاث محال للبافورة والهنش فأطاعه أمير البافورة ومكنه للتوثق من أولاده ، وأنشأ الحرب مع الهنش إلى أن هزمهم ونال / لمراده ، وحصل القتال بينه وبين المسلمين مدة ثمان سنين ، وقد جال المسلمون في اللنكدوك ورحلوا منه مختارين ، سنة مائتين وعشرة شهيرة (٤٥) وبأيديهم أسارى كثيرة فقام الأكيتون على المسلمين بعد ذلك وحاصروا نربون إلى أن استولوا عليها ، وانجلا (كذا) المسلمون منها ولم يرجعوا إليها ، ثم حصل الصلح بين المسلمين والفرانسيس وتصرّف كل فيما بيده من الأراضي بالتمدّن والتأسيس ، وقد غزى شارلمانيو ثلاثا وخمسين غزوة ، وكلها مشهورة عندهم ومعزوة ، وحصلت المراسلات والهدايا بينه وبين الخليفة العباسي ببغداد هارون الرشيد ، فأتحفه الرشيد بهدية فيها المقانة لمعرفة الأوقات وكانت إذ ذاك بافرانسا مجهولة التقييد ، وهذا القول يخالفه ما في الخبر المعرب بغير حميّة ، من أنّ أول من اخترع المقانة ليعرف بها الأوقات أبو القاسم عباس بن قرناس (٤٦) البربري الفلسوفي المنجم حكيم الأندلس مولى بني أميّة ، وتوفي كما في الدياربكري ، سنة أربع وسبعين ومائتين في القول المحرى (٤٧). ومات شارلومانيو في الرابع والعشرين من ينيّر (كذا) سنة إحدى وثلاثين ومائتين (٤٨) بعد ما ملك ستا وأربعين عاما ، ولا تجد لغير الله تعالى (كذا) بقاء ولا دواما.

__________________

(٤٤) الموافق ٨٢٠ ـ ٨٢١ م.

(٤٥) الموافق ٨٢٥ ـ ٨٢٦ م.

(٤٦) لعله فرناس بالفاء.

(٤٧) الموافق ٨٨٧ ـ ٨٨٨ م.

(٤٨) الموافق ٨٤٥ ـ ٨٤٦ ، وقد أرخ بالشهر الفرنجي يناير للسنة الهجرية ويوافق ذلك شهر ربيع الثاني.

٣١

الملك لويس الأول : LOUIS.I

وخامس عشرينهم ابنه لويز الأول تولى يوم موت أبيه في القول الذي عليه المعوّل ، وقسم ملكه بين أولاده سنة أربع وثلاثين ومائتين (٤٩) بالاعتبار ، وفي التي بعدها قام عليه ابن أخيه بريزنار فظفر به وقلع عينيه وبقي كذلك إلى أن مات بعد ثلاثة أيام ، وسجن زوجته سنة سبع وأربعين ومائتين باحتكام ، ثم قام عليه أولاده في عام تسع وأربعين من المذكور وخلعوه من الملك وهو في حالة المغلوب المقهور المحبور ، ومات في عشرين ينيه سنة سبع وخمسين ومائتين (٥٠) بسبب ما أحاط به من أولاده من الهم وقد رأى منهم كل محنة بعد ما ملك ستا وعشرين سنة.

الملك شارل الأول الأصلع

وسادس عشرينهم ابنه شارل الأول ولقبه الأصلع ، تولى الملك يوم موت أبيه في الأصلح واختصّ بافرانسا عن أخويه ، وعظم أمر أجوادهم في وقته إلى أن خرجوا عن الطاعة وانفرد كل بما لديه وتميزوا فيما بينهم بالألقاب الدالة على الرفعة ، وهي مراتب بحسب الأعلا والأوسط والوضعية ، ومات مسموما من بعض أطبّائه سنة أربع وتسعين ومائتين (٥١) بيّنة / بعد ما ملك سبعا وثلاثين سنة.

الملك لويس الثاني

وسابع عشرينهم ابنه لويز الثاني الملقب لوبيك ومعناه الألكن بلا تشريك ، تولى يوم موت أبيه بالتحريك. فهو أول من سمّي بسلطان الفرانسيس ، وعليه فسلاطينهم على الحقيقة ست وأربعون بالتجريس ، وقامت عليه النورماندي

__________________

(٤٩) الموافق ٨٤٨ ـ ٨٤٩ م.

(٥٠) سنة ٢٥٧ ه‍ يقابلها ٨٧٠ م. وشهر يونيو من هذه السنة يقابلها شهر رجب وشعبان من تلك السنة الهجرية.

(٥١) الموافق ٩٠٧ ـ ٩٠٩ م.

٣٢

والأكيتين بالجيوش ، التي مع عدتها كأنها العهن المنفوش فتوجه لقتالهم ومات بمدينة طروة سنة ست وتسعين ومائتين بعد ما ملك عامين (٥٢).

الملك لويس الثالث

وثامن عشرينهم ابنه لويز الثالث وكارلومان وتوليا يوم موت أبيهما بالبيان فناب للأول النورمان وهي الجهة الجوفية وناب للثاني البورفانص وهي الجهة القبلية ، وحصل الحرب بينهما وبين أميري البورفانص والنورمان مدة من عامين إلى أن انهزم النورمان ومات منهم نحو التسعة آلاف مقاتل ، وتوفي لويز الثالث في تلك المراحل سنة تسع وتسعين من الثالث (٥٣) وسببه أنه سقط من فوق فرسه فمات وسير به فورا إلى رمسه ، وحاز أخوه كارلومان الملك بأجمعه وهو في ضعف من المال وجمعه ، ومات سنة واحد من القرن الرابع بعد ما ملك خمسة أعوام ، وسببه أن بعض خواصه ضرب خنزيرا فحصل له من ذلك ما مات به من الأسقام.

الملك شارل لوقران الأكبر

وتاسع عشرينهم شارلوقر بن الألكن ، ومعنى لوقر الضخيم الأبدن ، تولى سنة واحد من الرابع (٥٤) فقام عليه النورمان في السنة الثانية ، من توليته ، وأفسدوا افرانسا شديدا بكليته واشتد الحرب بينه وبينهم عامين ، ووقع الحصار للناس بغير مين ، ودفع لهم الأموال للرحلة وسلّم في وطن البورفونية وهو في وجلة ، فخلعته الأمة سنة أربعة من الرابع ومات بعد خلعه في الخامس من الرابع.

__________________

(٥٢) الموافق ٩٠٨ ـ ٩٠٩ م.

(٥٣) الموافق ٩١١ ـ ٩١٢ م.

(٥٤) الموافق ٩١٣ ـ ٩١٤ م.

٣٣

الملك أودو : OTTON

وثلاثينهم أودو تولى سنة خمس من القرن الرابع (٥٥) بلا نقد وكان ذا شجاعة عجيبة وأخبار غريبة ، ومات سنة خمسة عشر من الرابع مسطورة ، بعد ما ملك عشرة أعوام مشهورة ، ومن وقائعه أنه أنشأ الحرب مع النورمان وقاتلهم بمدينة مونفوكون فقتل منهم تسعة عشر / ألف مقاتل وهزمهم وأذعن للطاعة وبذل الأموال بغاية ما يكون ، ونشأ (كذا) الحرب مع الجهة القبلية لما خلعت الطاعة. فبينما هو في قتالهم إذا بالجهة الجوفية بايعت شارل الثالث في الحين والساعة ، فقدم إليهم وحاربهم ، وفاتنهم وضاربهم ، ثم حصل الصلح بينه وبين شارل على تسليم الجهة الجوفية ، ويريح الأمة من المحاربة القاوية ، ومات سنة خمسة عشر من الرابع المذكور بعد ما ملك عشرة أعوام في المسطور.

الملك شارل الثالث البسيط

وحادي ثلاثينهم شارل الثالث الملقب لوسينبل ومعناه الغشيم ، تولى سنة خمسة عشر وثلاثمائة بالتقويم (٥٦) وسجن سنة أربعين من الرابع بإثبات وبقي في السجن سبعة أعوام ومات. ومن وقائعه الدالة له على الثبات أن النورماندي المسمة (كذا) في السابق بالتستري لما استقرت بافرانسا وكان اسم ملكهم رولون ، وظهر منها العبث والفساد ورأى ذلك تزوج بابنت ملكها ليحصل الهناء بغاية ما يكون ، وصيّره أميرا على جهته فكان الأمر كذلك برمته ، وعلّق سوارا ذهبا بشجرة ليختبر رعيته في الأمان والطاعة ، فبقي السوار بمحله عامين من غير أخذ ولا ضياعة وغضبت عليه الأمة فخلعت ما له من الطاعة وبايعوا روبير سلطانا ستة تسع وثلاثين وثلاثمائة (٥٧) فخرج له وقاتله إلى أن قتله وضاع دمه هدرا بما حمله ، فجاء ابنه هوق لأخذ ثأر أبيه ، وتقاتل مع شارل إلى أن ظفر به فسجنه في السنة التي تقدم عليها التنبيه ، وخلف شارل ابنا قاصر التمييز ، فهربت به أمه إلى برّ الانقليز ، إلى أن بويع كما سيأتي عليه الكلام في غاية ما به المرام.

__________________

(٥٥) الموافق ٩١٧ ـ ٩١٨ م.

(٥٦) الموافق ٩٢٧ ـ ٩٢٨ م.

(٥٧) الموافق ٩٥٠ ـ ٩٥١ م.

٣٤

الملك راؤل : RAOUL

وثاني ثلاثينهم راول تولى في شهر جليت سنة أربعين وثلاثمائة (٥٨) ومات سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة بعد ما ملك ثلاثة عشر عاما ، وكان له الموت ملتزما إلزاما ، ومن أموره أنه وهب لأعيان الدولة الأوطان ، حتى لم يبق بيده إلّا لان ، وأقبلت النورمان من الدير لافرانسا بعضها فوق بعض يموج ، فقاتلهم شديدا ، وأذاقهم الوبال بنواحي ليموج وخرجت الجهة القبلية عن الطاعة / فلم يجد لها للنهوض الاستطاعة.

الملك لويس الرابع

وثالث ثلاثينهم لويز الرابع تولى على الصحيح سنة أربعين وثلاثمائة بالتصريح (٥٩) وكان الذي بايعه هوق لوفران ولو شاء الاستقلال لفعل ما كان. وكان في عمره وقت المبايعة ستة عشر سنة بالمشايعة ، ومات بمدينة برانس ساقطا عن فرسه سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة مبينة (٦٠) بعد ما ملك ثمانية عشر سنة. ومن أخباره أنه بادر لمحاربة الخارج عن الطاعة ، فبقي ولم ترج له البضاعة ولو لا الباب نهى الخارج لزلت قدم لويز ولنزع من الكرسي وبقي في الحيز واستولى سنة ثمان وأربعين من المذكور على النورماندي ، ثم سجنه هوق إلى أن ترك له وطن لان وصار عليه متمادى.

الملك لوثر : LOTHAIRE

ورابع ثلاثينهم لوتير تولى سنة إحدى وسبعين من الرابع (٦١) المذكور ومات مسموما من زوجته سنة سنة (كذا) ثلاث وأربعمائة بعد ما ملك اثنين وثلاثين سنة في المشهور (٦٢). وفي وقته مات الوزير هوق وخلّف ولدين أحدهما كابي والآتي

__________________

(٥٨) الموافق ٩٥١ م. وهو ما يوافق شهر صفر بالنسبة لشهر جوليت.

(٥٩) الموافق ٩٥٠ ـ ٩٥١ م. وهذا التاريخ يتعارض مع تاريخ تولى سلفه.

(٦٠) الموافق ٩٨١ ـ ٩٨٢ م.

(٦١) الموافق ٩٨١ ـ ٩٨٢ م.

(٦٢) الموافق ١٠١٢ ـ ١٠١٣ م.

٣٥

الذكر بحقوق ومن خبر هذا السلطان أنه استولى على وطن أوطون الثاني ملك الألمان ، سنة خمس وتسعين من المتقدم البيان وبطل في وقته قسمة الملك بين الأخوة ، وجعل قانونا بأن الكبير من الأولاد هو الذي يختص به من بين الأخوة.

الملك لويس الخامس

وخامس ثلاثينهم لويز الخامس ، تولى سنة أربعمائة وثلاث بالخامس وهو ابن تسعة عشر عاما إلزاما ولم يجلس على الكرسي إلّا عاما ، ومات كأبيه مسموما ، ولم يخلف عقبا معلوما وذلك سنة أربع من الخامس المذكور ، وبه انقرضت الطبقة الثانية بعد ما ملكت مائتين وست وثلاثين سنة في المسطور. وانتقل الملك للطبقة الثالثة ذات الستة الفروع ، التي هي المرامة الآن بالشروع.

الملك هيو كابي الأول : HUGUES CAPET.I

وسادس ثلاثينهم هوق كابي أول الفروع ، تولى سنة أربع وأربعمائة بالشيوع (٦٣) ومات ببريز سنة ثلاثة عشر من المذكور ، بعد ما ملك تسعة أعوام في المشهور. ومن / خبره أنه سجن شارل أمير اللورين لمّا تعرّض لمحاربته ، وأجلب الأعيان لمبايعته وردّ عدة من الديور لجلب القسيسين واشتدت شوكة الأجواد عليه إلى أن وقعت منهم الوقاحة بدليل أنه لمّا كتب لأمير الأكيتين وقال له أعرف من جعلك أميرا فقال وأنت من جعلك سلطانا فتناسبك الفلاحة وكان من أهل المودة العجيبة للرعية ، والمشاورة لهم في الأمور النافعة لهم وله المرضية.

الملك روبير الثاني : ROBERT

وسابع ثلاثينهم ابنه روبير الذي له مزية تولى سنة إحدى عشر وأربعمائة (٦٤) وتوفي سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ومن خبره أنه تزوج امرأة من أقاربه المخالف تزويجها للقوانين فغضب عليه الباب ومنعه من موجبات الدين ، وبقي على ذلك

__________________

(٦٣) الموافق ١٠١٣ ـ ١٠١٤ م.

(٦٤) الموافق ١٠٢٠ ـ ١٠٢١ م.

٣٦

ثلاث سنين ، ثم طلقها وتزوج بابنت أرل التي تسمى كونسطانس فلم توافقه في الطبيعة ولم تجانس فحصل له معها الطيش ، ونقصت له لذة الحيوة وطيب العيش ، ونشأ الحرب مع البورفونية بقصد إدخالهم تحت حكم الجماعة ، فدام الحرب بينهما اثنا عشر سنة ثم أذعنوا للطاعة ، ولسيرته الحسنة مع الرعية استوجب المدح ولرفقه بالضعفاء ومودته للمساكين أطردت عنه القدح وكان قانعا بملكه لا يحب الزيادة عليه وعفا عن من تجاسر على قتله من الأشرار وكان الحلم منه وإليه. وهو عندهم في دينهم أعلم زمانه وأوحد فصاحة لأوانه ، فقد أنشد جملة من القصائد هي عندهم كالعرائس ، ولا زالت تذكر عندهم وتقرأ في الكنائس.

الملك هنري الأول : HENRI.I

وثامن ثلاثينهم ابنه أنري الأول تولى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة بالأكمل (٦٥) وهو ابن ست وعشرين سنة في المشهور ، ومات سنة سبع وخمسين من القرن المذكور بعد ما ملك تسعة أعوام في المسطور. ومن خبره أن زوجة أبيه كونسطانس أرادت أن تجلس ابنها روبير على كرسي المملكة وتجعله هو الموافق المجانس فحاربها مع إبنها إلى أن صار له من جملة الرعية ، ثم خصص أخاه بالبورفونية وتزوج آن ابنة / سلطان الموسكوا ووقع الخلل فجعل رؤساء الدين قانونا ينهى عن الفساد سمّوه بزعمهم مهادنة الرب فنوسكوا ، وجعلوا لعبا شبه الحروب والقتال وما فيه من المكافحة والنزل ، وزالت العداوة والمنافسة بين الأجواد ، بسبب الاجتماع لذلك اللعب وراجت السّلع وكثرت التجارة وفرح العباد وافتتح النورمان برّ الطليان ، فكان ذلك سببا لتأسيس الصقلية والنابوليطان.

الملك فيليب الأول وأحداث الحروب الصليبية

وتاسع ثلاثينهم ابنه فليب الأول الذي كان لهم عليه الاعتماد والمعول ، تولى سنة سبع وخمسين من القرن الخامس (٦٦) وقد عاهد له أبوه بالسلطنة في

__________________

(٦٥) الموافق ١٠٥٦ ـ ١٠٥٧ م.

(٦٦) الموافق ١٠٦٥ م.

٣٧

حياته وهو ابن ثمان سنين بالخامس ، وأناب عنه أمير الفلاندرين بودوان ومات سنة خمس وعشرين من السادس بالبيان (٦٧). ومن خبره أنه لما طالت مدّته حدث بها حوادث عظام. بقي ذكرها على مرور الليالي والأيام فقاتل قيليوم ثم اصطلح معه ثم تجدد الحرب بين الفريقين يروم كل منهما لصاحبه أن يقمعه فجاء قيليوم حاركا ، ولقتاله عازما لا تاركا ، وحلّ بمدينة مانط ، فحرقها ، واحتطبها وخرقها ، وذلك سنة أربع من القرن السادس بالعيان ، وزاد لباريز فمرض بقربها وتوجّه إلى روان ، وبها مات في صحيح البيان ، وكان المسلمون استولوا في القرن العاشر المسيحي ، وقاعدته القدس المطهر من القبيحي وانتشر الإسلام ، وظهر دين الله تعالى على يد سيد الأنام ، ثم أصحابه من بعده وأمته وهلمّ جرّا إلى يوم القيامة ، فرأى قسيس يقال له بيّار أحكام المسلمين ، فتخيّل له في عقله لمخالفتها لقوانين النصارى أنها ظلم وجور بالتبيين فامتلأ قلبه غيضا وغضبا ، وكثر همه ونوى لهم عطبا ، فعاهد نفسه أن يخبر الدول النصرانية بذلك ، ونام ليلة فرأى بزعمه أن عيسى بن مريم عليه‌السلام أمره أن يبادر بذلك ، ولم يدر أن ذلك من أضغاث الأحلام ومعاذ الله أن يأمره بذلك نبي الله عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وإنما ذلك من عمل الشيطان الملعون ما دام الزمان ، فرحل فورا ولمّا وصل / أخبر أجناس النصارى جنسا بعد جنس ، وعيّن لهم الاجتماع باصطنبول وقال لهم هي ذات الخنس ، وكان ذلك سنة تسعين من القرن الخامس (٦٨) فعبروا خليج قسنطنطينية وهم في أشد المحامس ، ووصلوا إلى خليج أرسلان بن سليمان بن قطلمش وهي قونيّة وغيرها بالتدليج وجرى الحرب بينهم وبين قليح أرسلان. فانهزم قليح ثم ساروا إلى ليون الأرمني بغاية الظهور وخرجوا لأنطاكية فحاصروها تسعة من الشهور (٦٩) ، وظهر لباغي سيان في ذلك شجاعة عظيمة ، ثم هجموا أنطاكية ودخلوا عنوة وقوتهم جسيمة ، وكان بها ثلاثمائة وخمسون كنيسة ، وأكثر أهلها نصارى لهم حالة دنيسة ، وخرج أميرها باغي سيان باليل (كذا) هاربا مرعوبا ، وخائفا مدحوضا في نفسه مطلوبا ، فلما أصبح ورجع وعيه أخذ يتلهّف

__________________

(٦٧) الموافق ١١٣١ م.

(٦٨) الموافق ١٠٩٧ م.

(٦٩) يشير بذلك إلى الحملة الصليبية الأولى على المشرق الإسلامي.

٣٨

على أهله وأولاده والمسلمين فلشدّة ما لحقه سقط مغشيا عليه في الحين ، فأراد من معه أن يركبه فلم يكن فيه من المسكة ما يثبت به على الفرس ، فتركوه مرميا وأبدل سعده بالمنتحس ، واجتاز به إنسان أرمني كان يقطع الخشب وهو بآخر رمق فقطع رأسه وحمله للفرنج ففاز به وبالظفر سبق ، وملكوها في جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وأربعمائة (٧٠) بالتحقيق ، ووضعوا السيف في المسلمين الذين بها وسلبوا أموالهم بتمامها في القول الحقيق. ثم بعد ثلاثة أيام من الواقعة ، قدم أمراء الموصل وحلب ودمشق ومعهم ثمانية وعشرون أميرا بالواقعة ، وجيشهم فيه ثلاثمائة ألف مقاتل وحاصروا انطاكية وقطعوا منها وعنها المراحل ، وصارت النصارى في الضيق العظيم من قلّة الزاد ، ولما أراد الله بالمسلمين بأمر فيه النفاذ ، صار حاكم الموصل كربوع يتكبّر على الجيوش والأمراء ، ويستهين بالقواد والوزراء ، فخبثت نية الناس عليه ، ونووا جر المكر إليه ، ولما ضاق الأمر بالفرنج ثبّتوا نفوسهم ، وألقوا للقتال رؤوسهم ، وخرج منهم نحو المائة ألف مقاتل فانهزم المسلمون ، وكثر القتل فيهم للذاهب والقابل ، ونهبت الفرنج خيامهم ، وتقوّوا بالأقوات التي أخذوها والسلاح / فلم يقف أحد أمامهم ، ثم تقدم الفرنج للمعرة فاستولوا عليها ووضعوا السيف في أهلها فقتلوا فيها بالتحرير ، ما يزيد على ألف إنسان وسبوا السبي الكثير ، وأقاموا بها أربعين يوما. ومنها مختارين ارتحلوا وساروا إلى حمص ولمّا لها وصلوا صالحهم أهلها واستراحوا ستة أشهر وفيها أصابهم وحلها من القحط والسقم العسير ، إلى أن مات منهم به الخلق الكثير. ثم جهّز أمراؤهم جيشا فيه نحو الأربعين ألف مقاتل وقصدوا للقدس فحاصروها نيفا وأربعين يوما بحصر هائل ، وقيل حصروها سبعا وثلاثين يوما ، ثم اقتحموها واستولوا عليها حوما ، وذلك يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان سنة اثنين وتسعين وأربعمائة بالبيان (٧١) وبقوا يقتلون في المسلمين أسبوعا فرادى وأزواجا يوعا ، حتى قتلوا في المسجد الأقصا ما يزيد على سبعين ألف نفس بالتعريف ، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن جاور في ذلك الموضع الشريف ، وغنموا لما لا يقع

__________________

(٧٠) الموافق أبريل وماي ١٠٩٨ م.

(٧١) الموافق ١٤ جويلية ١٠٩٩ م.

٣٩

عليه الإحصاء ، ولا يضبطه الحصر والاستقصاء ووصل المستنفرون إلى بغداد في رمضان فاشتكوا واجتمع أهل بغداد في الجوامع واستغاثوا وبكوا إلى أن أفطروا من عظم ما جرى لهم بالاجتهاد ووقع الخلف بين السلاطين السلجوقية فلذلك تمكن الفرنج من البلاد ، وقال في ذلك المظفر الأبيوردي أبياتا من الطويل منها هذه الأبيات بالتحصيل :

مزجنا دماء بالدموع السّواجم

فلم يبق منّا عرصة للمراجم

وشر سلاح المرء دمع يفيضه

إذا الحرب شبّت نارها بالصوارم

وكيف تنام العين ملء جفونها

على هفوات أيقظت كل نائم

وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم

ظهور المذاكي أو بطون القعاشم

يسومهم الروم الهوان وأنتم

تجرون ذيل الخفض فعل المسالم

وكم من دماء قد أبيحت ومن دمي

تواري حياء حسنها بالمعاصم

أترضى صناديد الأعاريب بالأذى

وتقضي على ذل كماة الأعاجم

/ فليتهم إذ لم يذودوا حيّة

عن الدين ظنوا غيرة بالمحارم

ومات من النصارى ما بين حتف ومعركة نحو الخمسمائة ألف ، ثم تركوا بالقدس أميرا يقال له قود فرد بويون ومعه خمسمائة من أجوادهم باتباعهم بالكلف ، ورجعوا لبلادهم عازمين ، وبتمهيد أوطانهم جازمين ، وملكوا القدس تسعين سنة وحصل التخالف بين أجوادهم فذلك سبب خروجهم من المشرق وهلاكهم بأحفادهم ، وفي مدة إقامتهم بالمشرق كان لهم التسلط العظيم على المسلمين ، وغزوهم لهم في كل الوقت والحين. فغزوا في سنة أربع وتسعين وأربعمائة (٧٢) أرسوف ، بساحل عكّا وقيسارية وملكوها ، وفي التي بعدها سار صنجيل الفرنجي بجمع قليل وحصر ابن عمار بطرابلس الشرق إلى أن صالحه بمال أخذه وسار يهوم هيوما ، فحط كلكله على أهل انطرطوش إلى أن فتحها ، وقتل من بها من المسلمين وربحها ثم صار الأكراد فحصر (كذا) حصنه فأتاه جناح الدولة صاحب حمص بجيوشه فوثب عليه باطني وهو بالجامع فقتله فارتحل صنجيل وسار إلى حمص فنازلها وملك أعمالها وأحلّ بأهله وبله ، ثم أغاروا في

__________________

(٧٢) الموافق ١١٠٠ ـ ١١٠١ م.

٤٠