طلوع سعد السّعود - ج ٢

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ٢

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

٢٨١

قال وأحمد نجد ويقال له أحمد الصغير سمي على أبيه بحث فهو الباحث الثاني من جدود البحايثية. فإنه لما كبر وبلغ مبلغ الرجال صار من أهل النجدة في القولة الحايثية. فلقب بنجد لحصول النجدة منه في جلب خيرها ودفع شرها وضيرها وبانت شجاعته وظهرت رئاسته وعلت كلمته عند الأتراك بتلمسان وغيرها. تولى رئاسة قومه بمزاحمة أخيه مصطفى له فيها في بعض الأحيان ، وكثر غزوه على الإسبانيين بوهران. / وصار في رئاسته بغاية الارتفاع. وعدل في سيرته بأحسن ما يكون إلى أن صار في أعلا (كذا) درج الارتفاع. وتزوج بابنة خاله الكامل ابن أحمد بن حنظلة الزياني ، وهي الدرة الفائقة نساء وقتها أمة الله العالية ذات القدر والحسن والصيت المنتشر عند القاصي والداني. ولا زال يزيد في الفضل والنجابة ، وإصابة الرأي والتدبير وحصول البسالة في غاية الإصابة ، والعطاء المديد في الرخاء والشدة ، والذب عن قومه بغاية الدرء والعدة إلى أن جاء سلطان المغرب وهو مولاي إسماعيل بن علي العلاوي الشريف ، بجيشه العرمرم الذي جمعه من أقاصي سوس إلى بني يزناسن ، ووجدة غازيا على وهران لقتال الاسبانيين بها في اثنا عشر من القرن الثاني عشر بالتعريف. وحل بجبل هيدور ، وقد افتقر لزبد وتمر للفطور ، فأتاه به أحمد نجد مع الضيافة الجليلة. ودام بإتيانه له كل يوم مع الضيافة الجميلة. ثم أن الشريف لما اطمأن بذلك ونظره بالإحسان ، سأله عن اسمه ونسبه فعرفه به بأوضح البيان. فقال له الشريف لك النجدة والرئاسة المؤبدة لست بالباحث وإنما أنت الباخت بالبخت والرئاسة والفضل والنجدة والجمال وحب الفاخت يتوارثون فيك وفي ذريتك إلى قيام الساعة مهما غاب نجم من ذريتك طلع الآخر في غاية الضوء والشعاعة. فقال له أحمد نجد يا سيدي إني لا ذرية في هذا الوقت بلا تشكيك. فقال له الشريف أن زوجك حاملا وعن قريب يأتيك البشير بابن مطاع مهاب مترئس يكون في ذريته اسمي ويلقب بلقب أبيك.

وأخبرني بعض الطاعنين في السن ، من أهل الفضل والكمال والمن ، أنه لم يقع له ذلك مع الشريف حال الإقدام على وهران ، وإنما وقع له بعد الصدود عنها وحال رجوعه من التشريف وهو في جوعة وتعب من أعراب الأوطان ، فأتى له بالضيافة وفيها الزبد والتمر. فنال منه الدعاء الصالح المخلد في ذريته بطول

٢٨٢

الدهر. قال ولما رحل الشريف بقصد الجزائر فيما قد اشتهر ، حيث أيس من وهران وقال أنها أفعى (كذا) تحت حجر تضر ولا تضر ، ذهب معه أحمد نجد بأهله وكافة مخيس واستقر بابناء عمه أولاد المسعود ، إلى أن حدث عنده الابن فسماه البشير لما قال له الشريف سيأتيك البشير المسعود. ولما كبر البشير وبلغ مبلغ الرجال تنازع مع ابناء عمه ، فقتل منهم أشجعهم ميمون بن العباس ابن سعيد المسعودي وتركه ملقى بدمه. وبحث في الأرض فارا منهم فقالوا فيه قد بحث فيه البشير صحيحا. وقد أحسن في فراره ولم يفعل قبيحا ، فقدم لفليتة ، ثم زاد للمعسكر ، ثم لمستغانيم ، ثم زاد لضواحي وهران عند أخواله واستقر.

وقد مات أبوه بأولاد المسعود فلقب بالباحث أيضا ، فهو الباحث الثالث من جدود البحايثية محضا ، فقيل لأولاده البحايثية / وتوارث ذلك فيهم للآن ، بل النسبة باقية فيهم إلى آخر الزمان.

ولما مكث بضواحي وهران وبانت شجاعته وحاز الرئاسة عند الأتراك بغير الجحودي ، تزوج بابنة عمه عائشة بنت مصطفى أبي كاملة بن أحمد بحث الباحث الأول المسعودي. وزاد في علو الكلمة والرئاسة إلى أن صار في وقت مصطفى أبي الشلاغم المسراتي آغة المخزن بأسره في عمالة وهران. ولا زال في المنصب الكبير إلى أن مات بمزغران ، ثم حمل إلى مستغانيم فدفن بها بمدينة المطمر بالقبة التي فيها الباي مصطفى أبو الشلاغم المسراتي ، باي مازونة وتلمسان ، والجامع بين الإيالة الغربية لكونه لها هو المواتي. وتقدم تاريخ موته وسيرته وما قيل فيه من الأشعار ، في ترجمة أبي الشلاغم بغاية الاشتهار.

ولما مات خلف خمسة أولاد ذكور ، وهم بن عودة ، وإسماعيل ، وعدة ، ويوسف ، والموافق الصغير ، في المشهور. فأقام بعده ابنه بن عودة بالرئاسة الكبرى وهي آغة مخزن وهران بأسره في حياة والده لكونه تخلى له عنها باختياره فعلت كلمته عند العرب والأتراك ، لا سيما أتراك الجزائر أهل الرياسة وقاعدة الملك في غاية الاشتراك ، وكان في وقت المسارتية الثلاثة أهل التراجي ، وهم يوسف ، ومصطفى الأحمر ، ومحمد أبو طالب المجاجي. وانتشر صيته في المشارق والمغارب إلى أن تخوف منه المجاجي فقتله غدرا كما تقدم الكلام عليه لما خشي منه من المعاطب. ولم يخلف عقبا لا من الإناث ولا من الذكور ،

٢٨٣

ودفن مع أبيه بالمطر من مستغانيم المذكور ، وتقدم ما كان من سيرته وما قيل فيه من الشعر ، بما يغني عن إعادته في الذكر.

ثم قام برئاسة المخزن بأجمعه أخوه إسماعيل وسكن المعسكر. كما سكن أخوه وأبوهما مستغانيم في القول الأشهر ، واختط بالمعسكر دارا بالعرقوب بأحسن التأويل ، فنسب ذلك إليه وقيل عرقوب إسماعيل. ومن خبره بالاختصار ، لكون الكلام تقدم عليه بغاية الاشتهار ، أنه لما مات أخوه آغة بن عودة قدم بأمه وإخوته إلى الغرابة بغاية المرام ، وسكن عند القايد أبي علام ابن الحبوشي فأحسن مثواه وبربه غاية البرور وأكرم مثواه ، وتزوج دموش بأمه فصار عنده من جملة الأولاد ، مقدما له على الأزواج والأفراد ، وبقي عنده في غاية الإكرام ، إلى أن تولى الخدمة عند الأتراك بالمعسكر بحسن المرام ، فتولى أولا خليفة على الشريف الكرطي التلاوي ، في زمان الحاج عصمان ، وحسن باي ، ثم ارتقى آغة المخزن بأجمعه لما بانت شجاعته في وقت الباي إبراهيم / الملياني فانتشر ذكر البحثاوي ، وصير أخاه عدة خليفة عليه ، كما صير أخاه الموفق الصغير قايدا على الدوائر وضم كل شيء إليه. وكان من أهل الفضل والإحسان ، محبا للعلماء ، والأولياء ، والفقراء ، والمساكين ، وضعفاء الزمان. ولا زال آغة إلى أن مات بالمعسكر فدفن بها على التحقيق وتقدم الكلام على توليته وحاله من أوله إلى آخره بالتدقيق.

وهذه صفة شجرة أولاد البشير بحسب الوصف الشهير :

٢٨٤

٢٨٥

طبقات أولاد البشير

واعلم أن الكلام على أولاد البشير ينحصر في أربع طبقات بالتحرير.

الطبقة الأولى

الطبقة الأولى أولاد إسماعيل وهم سبعة في القول الحري وهم : قدور الكبير ، وعثمان ، وقدور الصغير ، ومصطفى ، وعدة ، ومحمد ، والحاج بالحضري. وذكر فروعهم بشجراتهم / للآن. ونبتدىء بوضع شجرة إسماعيل في البيان.

وهذه صفتها بالتحقيق. والله الموفق لسواء الطّريق :

٢٨٦

الآغا قدور الكبير

ثم اعلم أن إسماعيل لما مات قام بعده بالرئاسة ابنه قدور الكبير ، وصار آغة المخزن بأسره في القول الشهير. فسار سيرة حسنة. وصارت أحواله مستحسنة. وعدل في سيره بغاية المراد. وأظهر العدل للحاضر والباد. وكان محبا للعلماء والأولياء وجميع أهل الصلاح ، وكافلا لليتامى والأرامل وسالكا سبل النجاح. ومشفقا بأحوال المساكين (كذا) والضعفاء ومعظما للطلبة والشرفاء ، وكان يميل مع الحق حيث مال ، ومدحضا للباطل ولا يتبع فيه قول من قال. وكم له من حملات على العدو وفي فتح وهران ، حتى دهش منه العدو في كل زمان ومكان. وكان بطلا شجاعا ، ومحبا للخير ومهابا مطاعا ، لا تأخذه في الله لومة لائم. حتى كانت عمامته فوق جميع العمائم. ولما أراد الباي محمد الكبير فاتح وهران إجلاء الطلبة من المدرسة لما تكررت بهم الشكاية من أهل البلد بادر إلى إطفاء ذلك وقال للباي لا تطرد الذاكرين الله المكلمين له بكلامه في كل وقت بهذه المحدسة. وإنما اجعل نظرك عليهم وعاقب من جاوز الحدود ، واكفف أهل البلد عن الشكاية بحاملين كلام الالاه (كذا) المعبود. فسر الباي بقوله وفرح ، واطمأن قلبه وانشرح ، وعمل برأيه السديد ، فكان الثناء الجميل عليه من كافة الناس على ذلك القول المفيد. وصارت الناس من فعله الجميل في غاية الهذيان إلى سارت (كذا) الركبان بجميل فعله لسائر النواحي في كل زمان ولقد كان محمود الأفعال والأقوال ، ومقبول الكلام ومطاع الأمر في سائر الأحوال. فلا تجد مثله في زمانه من علا صيته وانتشر ، وفرحت الناس بسيرته غاية الفرح وكل منهم / به قد استبشر. ولا زال في علّو الهمة ورفع الكلمة والارتفاع في الرئاسة وبذل الجهد في فعل المعروف مع الكبير والصغير ، إلى أن توفي فدفن بوهران بمقبرة سيدي البشير. وتقدم الكلام على سيرته وما قيل فيه من الأشعار في ترجمة الباي محمد الكبير بالزيادة ، بما يغني عن الإعادة. ولما مات خلف أربعة أولاد باشتهار ، وهم : الحاج محمد المزاري ، والحاج عبد القادر ، والموفق ، ومحمد الفار.

٢٨٧

الآغا الحاج محمد المزاري والد المؤلف

فالحاج المزاري تربى عند كافلته الغولية وكافلة العربي بن نعمة إلى قرب الاحتلام وزار ولي الله الضرير سيدي محمد أبي دية فدعا عليه بالخير ونيل علوّ المقام ، فرجع لأهله عند أعمامه وتدرب بالخيل إلى أن صار في غاية الفروسية والنيل لمرامه. وقد ولد بالمعسكر في عام واحد ومائتين وألف الموافق لسنة أربعة وسبعين وسبعمائة وألف ، ولما صار في عمره ستة عشر سنة دخل خدمة المخزن بالتحقيق ، وبانت شجاعته إلى أن بادت للعدوّ والصديق. وحين قام رايس (كذا) درقاوة وهو السيد عبد القادر بن الشريف ، على الباي مصطفى بن عبد الله في ولايته الأولى لينزع منه الملك ويدع الترك في صورة التحريف ، وهو عام تسعة عشر ومائتين وألف ، الموافق لسنة ثلاثة وثمانمائة وألف ، اجتهد هذا الشجاع المزاري وهو مع عسكر الأتراك في القتال البديع على لواء الباي ، واشتهرت شجاعته عند الغبي وبادي الرأي ، وما ذلك إلا لكونه من أبناء البيوت الكبار ذات النجم الناير ، وكبير القدر والجاه وقد ظهر منها آغوات عديدة في عرش الدواير. ولا زال ملازما للقتال إلى أن تعجب منه سائر الناس وهو لا يعبؤا (كذا) بالعدوّ وكثرة الحراس. ثم تولى الخدمة المخزنية في وقت الباي محمد المقلش في عام إحدى وعشرين ومائتين وألف ، الموافق لسنة خمس وثمانمائة وألف ، ولما رجع الباي مصطفى إلى منصبه مرة ثانية رجع المزاري لخدمته سيارا علانية ، أي مختصا بالسير من وهران للجزائر ، واسطة بينه وبين الباشا مالكا بر الجزائر. وهذا المنصب في ذلك الوقت كان من أعلا (كذا) المناصب ، المعتبرة عند الأجانب والأقارب. فابتدأ في خدمتها من عام ستة وثمانمائة وألف ، الموافق لعام اثنين وعشرين أو ثلاث وعشرين ومائتين وألف : ثم ارتقى قايدا على بني مطهر وذلك في أيام محمد أبي كابوس في عام ثمانية أو تسعة وثمانمائة وألف ، الموافق لعام أربعة وعشرين ومائتين وألف ، ومكث فيها إلى سنة سبعة عشر وثمانمائة وألف ، الموافقة لعام اثنين وثلاثين ومائتين وألف في وقت حسن باشا. فصار خليفة على عمه مصطفى بن إسماعيل آغة الدوائر ، وظهرت نجابته وعلت كلمته عند القاطن والزائر. فلم يك (كذا) إلّا أمد قليل وإذا به ارتقى لمنصب آغة الدوائر. وصار يأخذ نوبته مع عمه مصطفى بن

٢٨٨

إسماعيل ، ومضاهيا له في النواهي والأوامر ، فارتفع على أقرانه وفاز بالخصائل الحميدة. وظهرت صولته وانتشر صيته وطلعت نجومه بالسعادة / الجديدة. وحين جاء التجيني حاركا من عين ماض على الباي حسن آخر بايات الأتراك ، وحل بغريس ودخل بابا علي من المعسكر وخرج الباي حسن لقتاله بجيشه من وهران فكان المصاف بأسفل خصيبية من بلاد غريس ووقع الفريقين (كذا) في الاشتراك ، قاتل المزاري إلى أن انجرح (كذا) من ساقه الأيمن في عام اثنين وأربعين ومائتين وألف الموافق لسنة ستة وعشرين وثمانمائة وألف ثم انجرح ثانيا في واقعة السيد محي الدين بوهران. وثالثا في واقعة السيد قدور الدبي بتليلات وكليهما في الجهاد بالبيان. ورابعا في وقعة (كذا) عين تموشنت حال مقاتلة المخزن مع بني عامر. وخامسا بالمهراز من تحت سرته حال المقاتلة مع الأمير في الأمر الظاهر. وسادسا في الجهاد وهو مع الأمير في وطى سيف في واقعة الزبوج وسابعا في الجهاد مع الأمير في وقعة سيدي مبارك حاملا على العلوج وانجرح (كذا) تحته أربعة من الخيول في صحيح المقال ، ثلاثة في واقعة الزبوج اثنان منهم له ، والثالث للأمير ، والرابع له في واقعة السبت ببني زروال وقد مات له الجواد في واقعته مع بني عامر وقتل في تلك القضية أبا شويشة ولد العسري رايس (كذا) بنو عامر ولم يزل مضاهيا لعمه مصطفى وعضدا له في الحكم على الدواير ، من وقت حسن باشا إلى وقت استلاء (كذا) الدولة الفرانسوية على الجزائر. ولما تولى مولاي علي بن سليمان ، بأمر مولاي عبد الرحمان. حكم المغرب الأوسط واستقر بتلمسان ، تولى الحاج المزاري آغة المخزن وجد في العمل الصالح المزيل للمحن ولما دخل المخزن تحت طاعة الأمير سكن عمه مصطفى تلمسان وتولى المزاري آغة المخزن عند الأمير وسكن بأهله بالمعسكر إلى أن فتحها المريشال كلوزيل فحينئذ دخل هذا الشجاع تحت الدولة وأذعن بغاية الإذعان وسمي آغة بمستغانيم عند الباي إبراهيم أبي شناق فألزم نفسه الذب عن الدولة بغاية جهده وبقي بذلك المنصب إلى أن سلم إبراهيم في منصبه فانتقل هذا الشجاع لوهران ولم يفتح بابا للشقاق وحضر عند ذلك كل معركة وقعت هناك إلى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لعام ست وخمسين ومائتين وألف ، وفي تاسع غشت (كذا) من السنة المذكورة ،

٢٨٩

أرسل بمثل وظيفه لمستغانيم عند الحاج مصطفى ولد عصمان لما تسمى بها بايا في القولة المشهورة. ولما توفي المرحوم عمه مصطفى بن إسماعيل بفليتة في ثالث العشرين من ماي سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة للعام التاسع والخمسين ومائتين وألف ، تولى السيد الحاج المزاري بعد رجوعه من الحج في المرة الأولى حكم أعراش المخزن ولم يزل مع الدولة الفخيمة في سوق الطعن والضرب ، مع القبائل والعرب وهو في الغاية القصوى من أنواع الحرب ، وكان على يديه العسكر والقوم ، وجواده محزوما بالذهب وهو لا يخشى أحدا ولا يفعل ما يؤديه للوم ، وزناده مكحولا ، وسيفه للقتال مسلولا ، وصار شوكة في عين الأعداء ، كعمه وأسلافه إلى أن خففت على الدولة الألوية والبنود / ، وضربت الطبول ونغمت النغائر من الجزائر إلى أقصا (كذا) عجرود ، وقام مقام ليث الحروب الأوفى ، وهو عمه المرحوم مصطفى وبقي على ذلك في العز والإقبال ، والهزم للعدو يضرب النضال ، إلى أن سلم في وظيفه في شهر دسامبر (كذا) من السنة المذكورة ، لدى المريشال بيجو وهو بوهران فقبل منه ذلك واستعفاه لما سأله في المقالة المشهورة ومن كثرة فواعله الذاتية الباهرة ، والتي كشمس الآفاق الظاهرة أنه قد تشرف من عند الدولة بالحاشية الوردية الزاهرة ، ثم رجع ثانيا إلى مكة المشرفة ومكث بها إلى سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لعام أربعة وستين ومائتين وألف رجع إلى بلده فسكن أولا بالجزائر ، وبقي بها نحو السنة مجاورا للباي أحمد باي قمسطينة (كذا) في القول الناير (٦) ، ثم قدم إلى ملاتة وسكن بها أمدا ثم ظهر له أن البادية لا توافقه ، ولا تجانسه ولا ترافقه ، فانتقل لوهران وبنا (كذا) بيتا برأس العين باليقين وسكن بها إلى أن أتاه اليقين وقد جعلت له الدولة ستة آلاف فرنك سنوية ويأخذها مشاهرة واشتغل بالعبادة ولازم قراءة المصحف إلى أن ختم فيه عدة ختمات وترك المفاخرة ، ولا زال يأخذ شهريته إلى أن توفي بداره برأس العين من وهران ، في يوم الأربعاء الموفي عشرين من شعبان ، عام ثمانية وسبعين ومائتين وألف ، الموافق لتاسع عشر فبري (كذا) سنة اثنين وستين وثمانمائة وألف ، وله من العمر ثمان وثمانون سنة ، في الرواية الصحيحة المبينة ودفن يوم الجمعة ثاني عشرون

__________________

(٦) الذي كان في إقامة جبرية. بمدينة الجزائر.

٢٩٠

شعبان ، الموافق للحادي والعشرين فبري (كذا) بالبيان من السنتين المذكورتين ، بمقبرة سيدي البشير بن يحيى بوهران بغير المين وقد وافقه صاحبه قدور بن المخفي في يوم الموت والدفن أيضا فلشدة محبتهما كانت الموافقة بينهما محضا وشيع جنازته عدد لا ينحصر وحضر لمواراته بقبره أمة لا تحصى تعديدا ، ما بين المسلمين والنصارى واليهود رجالا ونساء كبارا وصغارا أحرارا وعبيدا ، فكان التأسّف عليه كثيرا والثناء جميلا والتفجع جليلا وحضر لجنازته جميع المخزن وأرباب الدولة الذين بوهران ما بين عمومها وخصوصها وفعلت به ما فعلت بعمه مصطفى وقام الجنرال رايس (كذا) القسمة الوهرانية خطيبا بنفسه على قبره فبالغ في الثناء عليه في خطبته وذكر جميع سيرته من حين ولد إلى أن توفي والناس واقفة تسمع من المخزن وجميع أعيان الدولة ومن نالوا للرئاسة والصولة ولما طار خبر موته للولي العام وهو والي الولات (كذا) بالجزائر ، تأسف كثيرا وعزى أولاده وقرابته بما يسليهم وأدرج أخباره كلها بسيرته المحمودة من حين ولد إلى أن مات في الرسم الخبري المعبر عنه بالمبشر المستعمل بالجزائر (٧) وذلك الرسم لا يستعمل إلا على يد الدولة بمكتب واليها العام بالجزائر ، مكتوبا في ورقتين أحدهما (كذا) بالخط العربي ولغته ، وثانيهما بالخط الفرانسوي ولغته ، في سابع عشر مارس سنة اثنين وستين / وثمانمائة وألف الموافق لحادي عشر رمضان عام ثمانية وسبعين ومائتين وألف وقد نسيت رقم عدده لطول العهد بالوصف ، ونصه بالحرف :

هذه سيرة المرحوم السيد الحاج محمد المزاري ولد قدور بن إسماعيل آغا عرش المخزن كان : إن السيد الحاج محمد المزاري ازداد في المعسكر سنة أربعة وسبعين وسبعمائة وألف مسيحية وأنه ابن خيمة كبيرة ذات قدرة وجاه ظهر منها أغوات في أعراش الدواير فهذا الرجل دخل في خدمة مخزن وهران وهو ابن ستة عشر سنة ، وفي سنة ثلاثة وثمانمائة وألف حيث قام ابن الشريف على الباي مصطفى ليفك له منصبه اجتهد الحاج محمد المزاري في قتال ابن الشريف مع عسكر الباي واشتهرت شجاعته. وفي سنة خمس وثمانمائة وألف كان في

__________________

(٧) يقصد جريدة المبشر.

٢٩١

الخدمة المخزنية تحت أمر الباي محمد المقلش. ثم في سنة ست وثمانمائة وألف وسنة ثمان وثمانمائة وألف حين رجع الباي مصطفى إلى منصبه عاد المزاري إلى خدمته وكان وقتئذ سيارا مختصا بالمسير إلى الباشا وهذا المنصب كان في ذلك الوقت من المراتب المعتبرة فخدمها نحو السنة.

وفي دولة الباي محمد أبي كابوس سنة ثمان وثمانمائة وألف وتسعة وثمانمائة وألف تولى قيادة بني مطهر فمكث بها إلى أن تولى حسن باشا المملكة سنة سبعة عشر وثمانمائة وألف فعند ذلك ارتقى إلى منصب خليفة عند عمه مصطفى بن إسماعيل آغة الواير ، ثم ما كان إلا قليلا وإذا به نال منصب عمه في العرش المذكور وفاز بالخصايل الحميدة وانتشرت صولته ولما ظهر النفاق من التجيني وأراد معاندة الباي ووقع قتال بينهم انجرح فيه السيد الحاج محمد المزاري كما انجرح أيضا في وقعة (كذا) عين تموشنت حين وقع القتال مع بني عامر ومات جواد تحته هذا ولم يزل واقفا مع عمه مصطفى بن إسماعيل في الحكم على الدواير من زمان حسين باشا إلى وقت استيلاء الدولة الفرانسوية على الجزائر ولما دخل مخزن الدواير تحت طاعة الحاج عبد القادر وكان وقتئذ عمه مقيما في مشور تلمسان تولى المزاري آغا الدواير على يد الأمير الجديد ثم لم يزل مقيما بداره في المعسكر إلى أن فتحها المريشال كروزيل (كذا) فحينئذ دخل تحت طاعة الدولة الفرانسوية وسماه آغة عند الباي إبراهيم أبي شناق في مستغانيم فمكث في ذلك المنصب إلى أن سلم إبراهيم المذكور في منصبه فعند ذلك دخل وهران وحضر في كل حركة كانت هناك إلى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وألف وفي اليوم التاسع من غشت (كذا) هذه السنة أرسل في مثل وظيفه إلى الحاج مصطفى والد عصمان باي ، ولما توفي المرحوم السيد مصطفى بن إسماعيل في اليوم الثالث والعشرين من ماي سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وألف تولى السيد الحاج المزاري بعد رجوعه من الحج حكم أعراش / المخزن لاكن (كذا) في شهر ديسمبر (كذا) من هذه السنة سلم وظيفة لدى المريشال بيجوا الذي كان وقتئذ في وهران فقبل منه ذلك ثم رجع ثانيا إلى مكة ومكث فيها إلى سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وألف وفي تلك السنة رجع إلى إقليم الجزائر وسكن في داره التي بناها برأس العين في ناحية وهران وكانت الدولة تتفضل عليه بستة

٢٩٢

آلاف فرنك سنوية إلى أن توفي رحمة الله عليه في اليوم التاسع عشر من فبري (كذا) سنة اثنين وستين وثمانمائة وألف وهو في سن ثمان وثمانين سنة فمات وهو ثابت العقل وقد كانوا يشهدونه (كذا) مرارا يركب جواده إلى وهران لقضاء مشاربه (كذا) فخلف خمسة ذكور وثلاث بنات أكبرهم السيد إسماعيل والسيد الحاج مصطفى فأما الأول فإنه آغا بتيارت والثاني آغا ببني مسلم من دائرة عمّ (كذا) موسى. ه.

وقال في ظهور سعود الدراري ، في أخبار المرحومين قدور بالمخفي والحاج محمد المزاري ، ما نصّه : تنبيه وافق هذا المرحوم الإمام أحمد بن حنبل صاحب المذهب رضي‌الله‌عنه في شيئين : أحدهما أن الإمام رضي‌الله‌عنه دفن يوم الجمعة بعد الصلاة وكذلك هذا المرحوم دفن يوم الجمعة ، ثانيهما في كثرة حضور الناس للجنازة فقد روي أن الإمام أحمد بن حنبل رضي‌الله‌عنه حضر جنازته ثمانمائة ألف رجل وستون ألف امرأة وأسلم يوم موته ودفنه نيف وعشرون ألفا من (كذا) النصارى واليهود والمجوس ، وكذلك هذا المرحوم حضر جنازته العدد الكثير الذي لا ينضبط حصره ما بين النصارى والمسلمين واليهود رجالا ونساء كبارا وصغارا أحرارا وعبيد.

واعلم أن كثرة العدد في حضور الجنائز مما يدل على صلاح حال الميت لأن الجنائز هي الفرق بين أهل السنة وغيرهم فقد روي أن الإمام أحمد بن حنبل رضي‌الله‌عنه كان يناظره المعتزلة قبّحهم الله وأقلّ عددهم وأخلا منهم الأرض ولما يفحهم (كذا) يسدلون لقولهم بكثرة أتباعهم وقلّة أتباعهم فيقول لهم رضي‌الله‌عنه الفرق بيننا وبينكم الجنائز. ولمّا مات حضر جنازته وأسلم ما مرّ ، ولا ريب أنّ الثناء على الميت والشهادة له بالخير مما يدل على صلاحه ، ونجاته ونجاحه ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حق أمته أنتم شهداء الله في أرضه من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار. رواه الإمام أحمد والبخاري والنّسائي ، وروى مسلم من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بجنازة فأثنى عليها خيرا فقال نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجبت وجبت وجبت ومرّ بجنازة فأثني عليها شرا فقال وجبت وجبت وجبت. فقال عمر فداك أبي وأمّي مررت بجنازة فأثني عليها خيرا فقلت وجبت وجبت وجبت. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أثنيتم

٢٩٣

عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في أرضه. وقوله شرا وخيرا بالنصب كذا في كثير الروايات وهو منصوب على نزع الخافض وفي رواية بالرفع قاله النووي.

هنا يوجد بتر ثماني صفحات من المخطوط : ٥٣٨ ـ ٥٤٥

/ عليك بتقوى الله العظيم في الحركة والسكون ، والأداء لما فرضه الله عليك من قواعد الإسلام الخمسة التي هي نقطة الظل والحركة والسكون ، وملازمة الطهارة مائية أو ترابية ، لبدل الثانية عن الأولى في حالة الأعذار المصابية ، وعليك بالمداومة لذكر الله حتى يكون لسانك رطبا بذكر الله ، وإياك والتراخي أو الغفلة عن أداء فرض الله ودع الظلم فإنه ظلمة يوم القيامة ، والزم العدل فإنه يكون صاحبه في أعلا (كذا) الدرج في الجنان ولا يخشى في مواقف القيامة ، وكن محبا للعلماء والأولياء وسائر الطلبة والشرفاء ، وراحما بالفقراء والمساكين والأرامل واليتامى والضعفاء وكن كافلا لليتامى والأرامل ، ومرفقا برعيتك ومشفقا من حالهم في سائر المسائل ، فإنك راع لهم وكل راع مسئول عن رعايته ، والزمهم الصدق تخلص من رذائل الشيطان في بديانه (كذا) ووسطه ونهايته ، ومل مع الحق حيث مال واجتنب الباطل ولا تلتفت فيه لقول من قال ، واخفض جناحك لجملة العباد ، وإياك الكبر والتجبّر فإنه هو عين المضرة والفساد ، وعليك بزيارة ذوي الفضل أحياء وأمواتا ، وادع لنفسك ونسلك وقرابتك وكافة المومنين عندهم بما فيه النجاة يوم تصير الناس عظاما رفاتا ، ولا تملل (كذا) من مطالعة الكتب سيما كتب الفقه والتفسير والحديث ، فإنّ فيها النجاة من البلاء القديم والحديث ، فهذا ما أوصيك به وإذا عملت بهذه الوصية الباهرة ، نجوت من سائر الأضرار والمهلكات في الدنيا والآخرة. وكتب محمد بن يوسف الزياني ، رحمه‌الله ورحم أبويه وكافة المؤمنين وأسكن الجميع دار التهاني ، ولي في هذا الوقت ولدان بلا مين ، أكبرهما إسماعيل والآخر الحسين.

٢٩٤

وخامسهم عبد الدايم أمّه أم ولد مكية تسمى بالزعفران ، واسمها دال على المسمى الدال على الصدق والإيقان وقد ولد بوهران ، ولمّا شبّ أعجبته الخدمة الجندية فصار جنديا ، ثم انتقل للاصبايحية (كذا) فصار إصباحيا ، ثم تولى قايدا بالدواير ، ثم انتقل قائدا بأهل الواد من عمالة تلمسان في القول الناير ، ثم تولى قايدا أيضا بتلك الناحية بعين إفزاء وهم بنوا أصميل فازّ عدوّه من حينه ازّاء ، وسار في جميع ذلك بالسيرة الحسنة ، وراضهم بالرياضة المستحسنة ، إلى أن فرحت به رعيته والدولة ، وغنم السياسة وبانت له الصولة ، ولا زال قائدا للآن بالحالة المرضية المصابة ، وله معرفة باللسان الفرانسوي تكلّما وقراءة وكتابة في غاية الانتخابة ، وله من الأولاد اثنان في صحيح تحقيق وإعلام وهما الشابان المكرّمان الحبيب وشقيقه أبو علام.

والحاج عبد القادر ولد قدور الكبير بن إسماعيل ، كان سيارا ثم صار رائس (كذا) السيارة ثم خليفة آغة ثم قايدا بالدواير بأحسن التأويل ، وكان من أهل العدل والسياسة والعقل الوافر والمعرفة والكياسة ، وكان نصوحا في الخدمة / بغاية النصيحة ، وصدوق القول وحسن الفعل في القولة الصحيحة ، ولمّا مات خلّف ثلاثة أولاد ذكور ، وهم : الحبيب ولم يتولّ ، ولم يعقب شيئا في المشهور ، ومحمد ولم يتولّ أيضا ، وخلف ولدين : علي ، وعبد القادر ، هما في الحياة محضا ، والحاج قادي ولم يتولّ وخلّف خمسة أولاد ، وهم : بن عودة هو رائس (كذا) الدوار والأخضر ، ومحمد ، وأبو مدين كان شاوشا (كذا) بمحكمة تموشنت ثم تقهقر بأخياره إلى حراسة ضاحية الصباح لنيل المراد ، والحبيب كان شاوشا (كذا) بمحكمة تموشنت ثم انتقل بمثل وظيفه لسعيدة ، ثم انتقل بذلك الوظيف لفرندة وبها مات وكانت خدمته جيدة سعيدة ، وله ثلاثة أولاد في القول الباهر ، وهم : بن عودة ، ومحمد ، وعبد القادر.

والموفق ولد قدور الكبير ، فكان قايدا بالدواير وكانت سيرته جيدة مستحسنة بغاية التدبير ، وخلّف بعد موته ولده عبد القادر ، تولى قيادة عرش الدواير في الأمر الظاهر ، وكانت سيرته مقبولة ، وأحواله بالإحسان مجبولة ، وخلّف بعد موته ثلاثة أولاد وهم بالحضري لم يتول ولم يعقب شيئا ، ومحمد ولم يتول أيضا وخلّف بعد موته ابنه عبد القادر هو حي الآن ويطلب من مولاه

٢٩٥

فيئا ، ومصطفى وهو قايد بالبرجية ، وله سيرة حسنة وأحوال مستحسنة بالغاية المرضية ، وهو حي للآن في غاية الحالة المستحسنة المحكية.

ومحمد الفار ولد قدور الكبير بن إسماعيل ، ولم يتولّ ومات ولم يعقب شيئا في تحقيق المقيل.

وهذه صفة شجرتهم كل فرع ملحق بأصله اتجد الفرع أو تعدد فافهم حقيقة ذلك ، وميز جميع ما هنالك ، تنل صوابا ، وتحسن خطابا وجوابا :

٢٩٦

/ ثم بعد موت قدور الكبير ، تولى أخوه عثمان آغة المخزن في القول الشهير ، ومن خبره أنه كان خليفة على أخيه الكبير بن إسماعيل ، ثم ارتقى قايدا على الدواير ثم ارتقى آغة بدولة الترك بتحقيق التفاصيل ، وكانت سيرته محمودة ، وأحواله مرفودة ، وأوقاته مسعودة ، فكان ذا رأي وتدبير ، ونجاحة وتيسير ، مقبول القول عند القريب والبعيد ، مطاعا في الأمر والنهي بغاية المزيد ، ولمّا مات خلّف ابنه عدة فكان خليفة على ابن عمّه آغة المزاري في إيالة الترك ، وحاله في الأقبال دون التّرك ، ثم صار آغة في وقت الدولة ، وهو أوّل من صار آغة في أيام الدولة ، لما أذعن المخزن للدولة ونشر لعرشه ومن في معناه العدل والعز والأمان ، ونال علامة الافتخار الفضية المسمّة (كذا) بالشيعة والنيشان ، وحين توفي خلّف سبعة من الأولاد ، وهم : قدور الملقب الأقرع ، ومحمد ، والحبيب ، وعلي ، وعبد القادر ، وإسماعيل بغير الازدياد (٨).

فقدور الأقرع كان في غاية الشجاعة ، والزعامة والبراعة ، فتولّى أوّلا خليفة على إسماعيل ولد المزاري لما غاب والده المزاري للحج وأداء الفريضة ، ثم ارتقى قايدا بالدواير ثم ارتقى آغة تاسالة على بني مطهر في القولة العريضة ، ثم انتقل بمثل منصبه لتيارت ثم للضاية في القولة المفيدة ، ثم انتقل بمثل منصبه لسعيدة ، وكان مقبول القول محبوبا عند الناس ، لا يخشى بأسا وليس من أهل الإياس ، بارعا في الشجاعة والبسالة ، قاصما في خدمته للأمور البطّالة.

وحدّثني محمد بن الشيخ الدايري أنه كان حاضرا معه في المقاتلة بين الدولة وجيش الأمير بفليتة ، أنّ آغة قدور بن المخفي لما تلاقا (كذا) مع الطيب بن قرنية آغة القوم الحمراء وصار القتال بينهما حصلت الضربة من الطيب لفرس قدور بن المخفي فكسرت رجله الأولى اليسرى ورام التفليتة ، ووقع الانهزام بسبب مجاهر ، جاء قدور الأقرع إلى بالمخفي وقال له ما صيّرك لأمر الحاير ، فقال له أنت ترى المقاتلة ، والهزيمة بعد المقاتلة إياك أن تدعني وحدي وأنا في هذه الحالة ، فقال له يا بن عمّي كيف ندعك وحدك وأنت على هذه

__________________

(٨) ذكر سبعة ولكنه لم يعدد منهم إلا ستة ، وأهمل عثمان.

٢٩٧

الحالة ، ثم أنه من فوره أمر الجيش بالرجوع للقتال ، وكان هو السابق للنّزال ، فردّ من حينه الهزيمة ، وخلّص بالمخفي من حالته الذميمة.

قال المحدّث ، وقلت يوما لقدور بالمخفي حال رئاسته بفليتة وأنا عنده خيال ، يا سيدي لم أر شجاعا مثلك في وقتنا هذا من الرجال ، فقال لي يا محمد لست بشجاع في صحيح المقال ، وإنما الشجاع الذي خلّصني من العدو ولما كان فرسي على ثلاثة وأنا خائف وداوي ، وهو الباسل الكامل قدور ولد عدة البحثاوي ، ولا زال آغة بالمخفي يراعي له تلك المزية إلى أن مات هذا الشجاع بالمعسكر في القولة الموقانية ، فحمل لوهران ودفن بها بالمقبرة الوازانية.

ولما سمع بموته والي الولات (كذا) بالجزائر ، أدرج سيرته المحمودة في الورقة الخبرية المسمة (كذا) بالمبشر المستعملة على يد الدولة بالجزائر ، المؤرخة بيوم السبت / أول ذي القعدة الحرام عام واحد وثلاثمائة وألف ، الموافق للثالث والعشرين من أوت سنة أربعة وثمانين وثمانمائة وألف ، المعلّمة في القول الوثيق ، بعدد أربعة وستين وخمسمائة وألفين بالتحقيق ، فقال ما نصّه.

مرثية في حق المرحوم آغة قدور ولد عدة المتوفى في السابع والعشرين من جليت (كذا) سنة أربعة وثمانين وثمانمائة وألف أنّ هذا المرحوم كان من بيت البحايثية التي كبيرها وعمدتها الآن ابن عمّه السيد أحمد ولد قادي ولا يخفى أنّ هذا البيت هي (كذا) من منابع الأبطال في الإيالة الوهرانية فكم أبرزت من فوارس مشتهرة بالبأس والإقدام والنصيحة لافرانسا الفخيمة فبمجرد دخولنا بإيالة وهران كان المرحوم فارسا يحوم حول كتائبنا الجرارة وهو من جملة الستين فارسا الذين ثبتوا في الرباط حماية لمستغانيم حين عاد آغة المزاري إلى وهران فيا له من فتى وارثا لشجاعة عمّه مصطفى بن إسماعيل وشهامته حتى امتاز بشدة البأس في سائر الغزو المتجدد نهارا بعد نهار في نواحي مستغانيم ، ولاشتهاره بالحزم والعزم انتخب قائدا على الدواير بعد واقعة اسلى كما أنه لنصيحته وبذل نفسه مع الدولة أوقف أخاه عن الافتتان ، وعابه عن العصيان ، حين وقائع سنة خمس وأربعين وثمانمائة وألف فتولّى آغة على تاسالة ثم الضاية ثم تيارت وسعيدة مكافأة له لحسن عمله وكرم سجيته ومن تمام فضائله أنه كان لا يقع حرب إلا

٢٩٨

وحضر ميدانه فكلما وقعت معركة إلّا ونهض إليها مغضبا كالليث في الساعة معزّة لافرانسا وقد حضر حروب المقطع والبرج ومعركتنا الأولى بالمعسكر وهو إذ ذاك ابن سبعة عشر سنة كما شاهد قتال مزغران ورشقون سنة أربعين وثمانمائة وألف وكذا تاقدمت وأصيب بجراحة (كذا) حالة استلائنا (كذا) على المعسكر ثانيا ولمّا فكّ راية من يد العدوّ في يوم تاخمارت سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وألف امتاز بنيشان الحرمة من رتبة شوفايلي (٩) يعني الركاب على الخيل. وكما حضر سنة اثنين وأربعين وثمانمائة وألف في معركة سعيدة. وسنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وألف في معركة مستغانيم وأصيب فيها بجراحات ثلاثة. ثم يوم اسلى سنة أربع وأربعين وثمانمائة وألف لما غنم حصان ولد السلطان وأسلحته استحق الرئاسة بشجاعته المستوجبة الالتفات إليه فنال باليوم المذكور في ميدان الحرب نفسه منصب القيادة على الدواير ، ثم بعد ارتقائه إلى رتبة آغة بتيارت عارك الأحرار مرارا حين تعصّبوا مع الأرباع وفاز بنيشان الحرمة من الرتبة الوردية المنعم بها عليه بعد معركة مزاب ومتليلي كما بدت لنا منه المزايا الجميلة المعتبرة بأخذه حظا وافرا تحت إمارة السيد أبي بكر بن حمزة في تشتيت جموع الشريف محمد بن عبد الله قرب ورقلة. وكما أنه قاتل حميان المتعصبين مع فرق من المغاربة عندما انتقل بمثل / وظيفة آغة على الضاية وهزم حشودهم هزيمة شنيعة قرب الجبل الأخضر ، ثم أنّ في يوم الثالث والعشرين من ديسمبر (كذا) وأربعة وعشرين منه سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وألف جدّ في الأرداف مع خيالته على حشود قدور بن حمزة ولم يزل متبعا أثرهم إلى أن بلغ منه ما بلغ في ردّ جلّ البيوت المفتنة في الفتنة الآخرة للطاعة نذكر منها زاوية السيد قدور بن حمزة الذي صيّره مكسور الشوكة إلى اليوم ولذا نعم عليه بنيشان الحرمة من رتبة التطويق ولاكن (كذا) في سنة إحدى وثمانين وثمانمائة وألف لمّا أدركه الهرم واعترته الأسقام ، خانه الدهر وولّت عليه الأيام ، فهجم على الطرافي بين الخضرا والصفيصيفة بشجاعته المعتادة كما هو دأبه إلا أنه لم يبلغ المراد فيا حسرتى على هذا الأنجب السيد قدور ولد عدة ويا أسفى على فقده ضاع لافرانسا بوفاته أحد

__________________

(٩) يقصد الفارس من الكلمة الفرنسية : Chevalier.

٢٩٩

نصحاء خدامها ، وأحد مشاهير فتيانها ، الذين عضّدونا وثبتوا لنا الاستيلاء على إيالة وهران بمقاتلة الأعداء في مقدمات جيوشنا ، وأيّدونا بالانتصار النافع لنا ، هذا ولكرم سجيته وتهذيب أخلاقه أحبّه رؤساء جيوشنا وولّات (كذا) بلادنا محبّة بالغة فأبقوا معه زمانا بالمخالطة الحسناء والمعاشرة الطيبة ولا ريب أن اسم هذا المرحوم وأصحابه يبقى (كذا) على الألسنة بالخير مذكورا ، وفي الدفاتر المحفوظة بالقلم مسطورا ، لأنهم كانوا أبطالا يعتمد عليهم في النوائب لم يشاهد مثلهم قبل ولا بعد رحم الله من مات منهم عزيزا ولم يمت اسمه ، وأسعد من بقي في قيد الحيوة (كذا) تحت ظل الدولة متصاعدا نجمه ، فلله درّ أولائك الأعلام ، الذين سطّرت الأقلام محاسنهم في طروس الأيام ، رجال وما أدريك من رجال ، أنشد فيهم لسان الحال وقال :

إنّ الفتى من يقول ها أنا ذا

ليس الفتى من يقول كان أبي

وقد قال من قال :

رحلت فضائلهم وسارت بسيرهم

ومضت بهم أيام تلك الوقائع

أيامهم وحروبهم لالها ثنا

ولدوا وما ولدوا بتلك المواضع

فازوا على أقرانهم وتمتعوا

بمحاسن ومحامد ومنافع

ولمّا مات خلّف ستة أولاد بالبيان ، وهم : محمد ، وعبد القادر ، والحبيب ، وإسماعيل ، وأبو مدين ، وأبو زيان ، فتولى محمد القيادة بسعيدة في حيات (كذا) أبيه إلى أن مات بالمعسكر وحمل لوهران فدفن بالمقبرة التي بها والده ، وخلّف ابنه عثمان بل خلّف عثمان ، وعبد السلام ، ومحمد ، وكلهم في قيد الحياة لا من يجاحده (كذا) وتولى بعهد القيادة بمحلّه أخوه الحبيب وهو في قيد الحياة كباقي إخوته هم في الحيوة (كذا).

ومحمد ولد عدّة كان رجلا موصوفا بالزعامة ، والقوة والدعامة ، مشهورا بالفضل عند الناس ، مقصودا في النوائب لإزالة الباس ، وكان قائدا على الدواير ، محمود السيرة بغاية البوادر ، ولمّا مات خلّف ثلاثة أولادهم في قيد الحيوة (كذا) بالتقريب ، وهم مصطفى / وعثمان والحبيب.

٣٠٠