طلوع سعد السّعود - ج ٢

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ٢

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

ويرجع إلى محلته ليزول الشقاق ، ونحن نرجعوا (كذا) لوطننا ويكون الاجتماع بتلمسان ، وبها يكون الكلام على موجبات الخير وإزالة الشر وبالملامة يذهب ما في القلوب من الضغائن ويندمر الشيطان ، غير أن العرب تقول في وقت الصلح لا تكون ملاومة ، لتطمئن النفوس وتكون لها ألفة مع بعضها بعض (كذا) ومقاومة ، فعند / هذا ارتحل الأمير بمحلته في الحين ، ورجع المخزن بقومه لمكانهم في أمن رب العالمين.

ثم استبطى (كذا) الأمير إنجاز الوعد وما وقع به الاتفاق ، في ميدان الحرب وحصل عليه الافتراق ، فبعث صهره وخليفته الحاج مصطفى بن التهامي خليفة المعسكر وابن عمه سي أحمد أبا طالب إلى الناس الذين كان معهم الكلام ، لتنجيز الوعد وعدم إطالة المقام ، فتوجّه من المخزن عند الأمير أربعة من الأعيان ، وهم الحاج بالحضري ، آغته سابقا وابن عمّه محمد ولد قادي ، وعده ولد محمد كبير الزمالة ، والشيخ بالغماري كبير أنقاد بالاعلام ، فنصب فسطاطه وأدخلهم فيه وأجلس بعضهم عن يمينه والبعض عن اليسار ، واستخرج فورا صحيح البخاري ووضعه بين أيديهم في صحيح الأخبار ، فقال له الحاج بالحضري ألم تعلم أن العرب تقول في كلامها أن القوم إذا تحالفوا تخالفوا ، فقال له صدقت ولكن لا بد من التحالف الذي لا يكون بعده التخالف ، فتحالف الجميع على الطاعة والإذعان ، وعدم الإذاية منه للمخزن في السر والإعلان ، ووقع الصلح التام من الجانبين ، وتسامح الفريقان في الدماء التي اهرقت بين الفريقين ، واتفقوا على أن يكونوا إخوة في الدين ، ولا يعود أحدهم للفتنة ولا يتسبب فيها ولا يتفكر مامضى ومن خالف فهو المارق من الدين ، وتكرر القول بينهم وبينه بالمعاهدة ، وهم يقولون نحن طاعة وأنت أمير وهو يقول أنتم الذين اغتنم بكم مرادي وعليكم نعتمد في المصادر والمواردة فبعد هذه المعاهدة التي علا قدرها ولا ترى فيها بخسها ، نهض الدواير والزمالة وأنقاد ونزلوا على تلمسان نفسها ، وحين عاين الأمير ذلك تيقين بانبرام (كذا) الصلح بينه وبينهم وبعث من انتخبه من كبراء النجوع لتلمسان ، منهم خليفته بالمعسكر السيد الحاج مصطفى بن التهامي والحبيب بوعلام آغة المخزن والهواري آغة الحشم والزين بن عودة آغة بني عامر مراهين للمشور على يد القرغلان.

١٢١

اللقاء بين الأمير ومصطفى بن إسماعيل

ثم بعث لمصطفى بن إسماعيل يأتيه آمنا مطمئنّا ليجتمع به بمجلسه ويكون الكلام بينهما منفردين ، فجاءه واجتمع به وحده بغير مين ، ولما اجتمع به مصطفى وتأمّل في أحواله ألفاه لا زال من جملة الصبيان ، وأنه بعيد عن الملك ومرتبة السلطان ، فكان أوّل ما فاه (كذا) به مصطفى بأن قال له أيها الأمير إذا تصغى لكلامي بأذنيك وترسخه في قلبك وأردت الراحة لنا ولنفسك فانعم على الدواير بأرض غير ملاتة يعمرونها ، وأحسن إليهم بالإحسان التي يشكرونها ، أمّا أن تبقيهم بنواحي تلمسان ، وهم في قبضتك على كل ما كان ، وأمّا أن تنقلهم لنواحي تيارت ، فتجعلهم بين أولاد الشريف وأولاد الأكرد ولك الأجر الثابت ، فإن فعلت ذلك فأنا ضامن لك إن شاء الله تعالى / الطاعة والإذعان ، وإن خالفت فأنا بريء مما يؤدي إلى وقد النيران ، لأنهم مخزن وأعيانهم تولّعوا بلبس الملف والحرير والكتان ، وشرب الدخان وشمّه والأتاي والقهوة ، وإن رددتّهم إلى ملاتة وأنزلتهم بها كالعادة وهي قريبة من وهران فربما تحصل منهم بعض المخالطة مع بعض أعيان النصارى بذهابهم لها وتحصل لنا ولك الفهوة ، ولا يخفاك الحال أن النصارى أهل سياسة وفطانة وكياسة ، لا سيما الفرانسيس ، فإنهم أشد الأجناس في الفطانة والكياسة والرغبة في الخلفة وبذل المال والسياسة والمسامرة والتأنيس ، ومع طول المدة تنعقد بينهم وبينهم المحبّة والموّدة ، والمخالطة التامة في الرخاء والشدة ، وتحسب الظلم لنا جميعا ، وها أنا لك الآن مذعنا مطيعا ، لا نخالف لك أمرا ، ولا أركبك وزرا ، وربما بعض الوشاة يلقي بمسامعك ما يضرك به فيتغير خاطرك ممّا يستقر فيه ، فتغضب عليهم ونرجع معك للحال الذي كنّا فيه ، وأنا أعلم بك أنك مثل الصبي الصغير في عامه الأول ، كل من يبوّص لك ويقول لك أغ تضحك له ظنا منك أنه لك هو النصاح الأعدل ، فالأحسن أن تفعل ما ذكرته لك فإن أرضاك الرأي فنعما هي ، وإن بعثتهم لوطنهم فأنا أبقى هنا بتلمسان ولا أدخل في سوقك ولا سوقهم بشيء ، ولمّا سمع الحشم وبنوا عامر كلامه ، قالوا للأمير لا تثق به فقد سأل المواضع التي تكون بها كلمته مسموعة ويده قوية فيرسل عليه انتقامه ، وكان مراد الأمير يدخل الدواير والزمالة لبلادهم ولا يضف (كذا) أحدا إليهم ويبقى بني عامر دونهم مجاورين له كالعسة

١٢٢

عليهم وتخيل له ولأهل دائرته من الحشم وبني عامر ومن انخرط فيهم من كلام مصطفى بن إسماعيل أنه إذا أبقى المخزن بنواحي تلمسان يكون له الضرر الجزيل ، لكونهم لهم ارتباط مع سلطان المغرب وذويه ، فإذا أساءهم وجار عليهم في الحكم يصبحون في الحدود ويفسدون ملكه وينزعونه من يديه ، كما أنهم إذا نزلوا بالجهة الشرقية أو بتيارت يقوى عضدهم بأهل تلك الواحي للأخوة التي بينهم ويضرونه بالقول الثابت.

رأي مصطفى بن إسماعيل في الأمير

قال : وقال مصطفى بن إسماعيل أني لمّا اجتمعت به تيقنت أنه من الأمراء الغادرين ، والملوك الباغضين الماكرين ، فقيل له وبما عرفت ذلك ، حتى تحقّق الأمر عندك بما هناك ، فقال لأني لما جلست معه وصرت أكلّمه ألفاه لا يجتمع بصره ببصري قط وإنّما ينكس بصره إذا أنظرته وينظر بالأرض ، وإذا نكست رأسي ونظرت بالأرض ينظرني ببصره ويزنني بالطول والعرض ، وتلك عادة الغادر ، والباغض الماكر ، الذي لم يكن من أهل الأمن والأمان ، ومن كان هكذا لا تكون معه معاشرة ولا خدمة بطول الزمان.

ثم اتفق مصطفى مع أخيه الحاج بالحضري على بقاء ابن أخيهما الحاج محمد المزاري ومحمد ولد قادي عند الأمير بالعرش وهما ونحو الخمسين إنسانا وفي رواية عشرين ما بين الدواير والزمالة من أعيان العرش ، يسكنوا (كذا) تلمسان فبقوا بها مدة ثم رجعوا دون مصطفى لبلادهم ، وصاروا من جملة أخوتهم في كل / مرادهم.

الأمير يعين الحاج محمد المازي

آغا على المخزن

وحيث أذعن المخزن للطاعة ، جعل الأمير الحاج المزاري آغة المخزن ورايس الجماعة ، بدلا من عمّه الحاج بالحضري الذي كان عنده سابقا آغة المخزن وقبل الواقعتين سلّم في الوظيف ، وجلس ببيته تاركا من حينه لعدم

١٢٣

التصرّف والتصريف ، لمّا رأى الأمير مصيغا جدا لكلام الوشات (كذا) وأنه لا يريد اجتماع الكلمة بل يريد لها الشتات ، لكون الحاج بالحضري سجن نحو الثلاثين رجلا من الغرابة بالمعسكر لمّا سمع تسوّقوا خفية لوهران ، وكان الحبيب أبو علام خليفة عليه فذهب للأمير وأدخل في أذنيه ما لا يوافق من الكلام وسأل منه تسريح المساجين المتهومين بسوق وهران ، فقال له الأمير اذهب للسجن وانقدهم ، ولأهليهم فانفذهم ، ولما رأى آغة الحاج بالحضري تلك (كذا) المساجين قال لهم من أخرجكم من السجن ، فقالوا له خليفتك الحبيب أبو علام هو الذي أزال ما حلّ بنا من الغبن ، فذهب للأمير وقال له كان اللائق في إخراجهم من السجن أن يكون ذلك في علمي ، لأكون على بصيرة في خدمتك كي لا أكون معك في اللومي ، وأنا لا أردّ للخليفة قولا ولا فعلا ، ولا أبطل له عملا ولو عمله جهلا ، وحيث كان التخالف في الأمور بالتوصيف ، فها أنا سلّمت من حيني في الوظيف ، فاجعل فيه من شئت أيها الأمير ، فأنت أدرى بالأحوال وستعلم الأعمى من البصير ، وجعل الأمير قائدا على الدواير على يد آغة المزاري وهو محمد ولد قادي ، لكنه أبى وجعل بموضعه سي خمليشا ولد قادي ، ثم توفي محمد ولد قادي بعد ثلاثة أشهر وخلّف ابنه سي أحمد ولد قادي باش آغة فرندة ، الذي صار للدولة عليه في تلك الجهة القبلية العمدة.

فانتقل الحاج المزاري بأهله للمعسكر ، وسكنها بجيشه من المخزن بالعرقوب إلى أن حل به منها مع جملة من بها المفر ، ودخل المخزن بأسره في قبضة الأمير وتحت طاعته ، بعد واقعتي الدواير والزمالة ومقاتلته للبرجية وإجلائهم من أرضهم حينا وقتله لقاضي رزيو والحاج محمد بن عريبي والحاج المداح الخويدمي والشيخ بالغماري والنقادي وابن أخته والحاج عمّور الزمالي وغيرهم من الأعيان ولم يخرجوا عن حكم الجماعة لرواج بضاعته ، وإطاعة أهل المغرب الأوسط ما بين الرضى والجبر ، واستوسق له الملك بغاية الأمر ، وحصل بهذا الصلح بين الأمير والدولة المحبة العظيمة ، والمعرفة الجسيمة ، حتى أنّ روميا اسبنيوليا كان مسجونا بالمعسكر ، ففرّ منها لوهران وكتب الأمير برده فردّ من وهران مكبّلا من يديه ورجليه إلى المعسكر.

١٢٤

الأمير يحارب الحاج موسى الأغواطي في المدية

ثم غزى الأمير بجيشه ومعه المخزن بأجمعه مدة الصلح لناحية المدية ، لما سمع بالثائر أبي حمار موسى بن الحاج اللغواطي الدرقاوي قادما عليه بالجيوش القبلية ، وكان آغة الحاج المزاري متهيئا للقتال ، رائما للمكافحة معه والنزال ، ولمّا حلّ الأمير بجيشه ببلاد صبيح تعرّضوا له في الطريق ومنعوه من المرور ببلادهم وسألوا منه الزطاطة ، كما هي عادة العرب الذين لا حكم عليهم ودأبهم الخلاطة ، فتشاور مع آغة المزاري وقدور ابن المخفي وقدور بالصحراوي / لا غير ، هؤلاء الثلاثة فيما قال الراوي ، فقالوا له الزطاطة هي وضع السيف في رقابهم والرصاص في أجسادهم بالزيادة ، والانتقام منهم بكل وجه لينتهوا هم وغيرهم عن هذه العادة ، وبادر الثلاثة لقتالهم مع جيش المخزن وهم الأعراش الأربعة المتوالية ، فلم يكن غير ساعة إلا وصبيح ولّت الأدبار والتزمت الفرار بالهزيمة الشنيعة المتوالية وحلّ بهم الهوان ، وصاروا يقولون الأمان الأمان ، وقد أثخن فيهم المزاري برفيقيه المذكورين إثخانا عظيما ، وأوقعوا بهم إيقاعا جسيما ، وغنموا منهم غنيمة كبيرة ، وقتلوهم مقتلة عسيرة ، وكان من جملة المخزن باش آغة السيد أحمد ولد قادي ، تابعا لآغة فيما يأمره به من الأشياء التي يكون منه (كذا) له بها التنادي ، وتمادى الأمير بجيشه والنصر يلوح أمامه بسبب المخزن إلى أن وصل لجندل ، فحطّ به عند ذلك ونزل ، وتقدم جيش أبي حمار للقتال ، وسأل الطعن والنّزال ، وكان ذلك الجيش كالجراد المنتشر ، بحيث غطّ بكثرته السهل والوعر ، فوقع لجيش الأمير من غير المخزن عند ذلك الفزع ، ودخلهم الرعب والجزع ، لا سيّما الحشم وبني عامر فإنهم قد حلّ بهم شديد القلق ، واعتراهم الدهش والخفق ، وقالوا للأمير إنّ هذا السيد لا يتكلم فيه البارود ولا يضرّه الرصاص المزيد ، ولا يجرحه لا هو ولا جيشه ، الحديد ، فقال لهم الأمير إن كان هذا حقا فالأمر لله الحليم الكريم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فضحك المزاري من قولهم بعد ما تبسّم ، وتيقن جبنهم وما هم فيه من الوهن ، فتقدّم قدور بالمخفي للأمير وقال له يا سيدنا ما قاله لك الحشم وبنوا عامر فإنما هو قول الجبان ، الذي من شدة الخوف يبدل العزّة بالهوان ، فقلوبهم خائفة مخوّفة ، وألسنتهم راجفة مرجّفة ، فلا تخش من

١٢٥

حليل وحقير ، ولا من قليل وكثير ، فإن مخزنك الباسل معك ولك مطيع وآغتك الشجاع الكامل رايسهم (كذا) لقولك سامع ولقتالهم سريع ، كيف تصغي لكلام من لا يعرف مكائد الحروب ، وإنما له المعرفة بطريق التخويف والهروب ، فآغتك الشجاع الفاضل بيمينك بجيشه واقفا ، ويريد منك الاذن للقتال ليؤمّن من كان من جيشك خائفا ، كيف يعتريك شيء من الفزع وتسمع لكلام الخائفين المخوّفين فيصيبك شيء من الجزع ، وأنت على أعدائك المنصور ، ما دام المخزن معك سيما البحايثية أولاد إسماعيل وأخوتهم النقايبية فأنت الأمير الآمر وآغتك بمخزنه هو المأمور ، فعليك سيدنا بالمخزن الذي عند تراكم الأهوال واشتداد القتال يقتحمون الصفوف ، ويرون الموت على الفروش من موت حتف الأنوف ، وهؤلاء خلط العرب ، عند التزاحم يحصل منهم الهرب ، والقول لا بد له من فعل والربط لا بد له من حل.

فعند ذلك قال آغة المزاري للأمير نعم القول ما قاله قدور ، والشجاعة والمعرفة والكرم والثبات إنما تكون في متّسعين الصدور وصح فيه بلا ريب قول الشاعر ، الحاذق اللبيب الماهر :

إذا قالت حذامي فصدقوها

فإن القول ما قالت حذامي

دور رجال المخزن في هزيمة

الثائر الحاج موسى الأغواطي

/ وحصل المصافّ بين الفريقين في وادي وامري بالتحقيق ، ولمّا جاء البعض من محلة أبي حمار لمحلة الأمير وضرب البارود والناس في جزع مما سمعوه بالتوفيق ، اغتاظ آغة المزاري ومعه قدور بالمخفي وقدور بالصحراوي كثير التدبير ، وقالوا للأمير كيف يأتوا (كذا) لمحلتنا ويضربوننا بالبارود حتى صرنا في التحبير ، فقال لهم الأمر لآغة المزاري وأنتم في أتباعه ، وما اقتضاه نظره يكون لنا ولأشياعه ، فقال بعض الحشم وبني عامر للأمير هم يقولون لا إله الا الله محمد رسول الله فما يكون قولنا أيها الأمير الأكبر ، فقال لهم المزاري نقول

١٢٦

لتذكيتهم كالببوش باسم الله والله أكبر ، فقال الأمير صدق المزاري معلنا ، فقولوها والنصر لنا.

وكان آغة المزاري راكبا على فرسه الأشهب الطويل الوافي ، وقدور بالمخفي على فرسه الأشقر الخلافي وقدور بالصحراوي على فرسه الأدهم الحلافي ، بهذا حدّثني بعض من حضر وهو البرادعي ابن عتّ الزمالي ، هو ممّن يوثق به في أفعاله والأقوالي (كذا) ، ثم أمر آغته بالإعلان ، على مخزنه وهم الدواير والزمالة والغرابة والبرجية واندرج فيهم بنوا شقران ، وهجم على محلة أبي حمار وساعده قدور بالمخفي في الهجوم واتبعهما المخزن إلى أن أثخنوا في تلك القوم إثخانا كبيرا ، وزادوا في الحملة بالهيجان زيدا (كذا) كثيرا ، فلم يك (كذا) غير ساعة إلّا وأبو حمار قد انهز بجيشه وولّى الأدبار ، وركب المخزن ظهورهم وهم في حالة الفرار ، وصار يقتل ويأسر (كذا) ويسبى ، ويأخذ ما شاءه فيهم من النهبى (كذا) إلى أن أخذهم أخذة جليلة ، وقتل منهم كثيرا قتلة جميلة ، فلا ترى إلّا رؤوس جيش أبي حمار أكواما عديدة بين يدي الأمير ، وهو فارح بالمخزن الفرح الكثير ، وغفل عن جيشه من العسكر والخيالة والمطاوعة ، ولا ترى إلا بصره شاخصا بنظر المودة البالغة نحو المخزن بنظر المساطعة ، وبعث سناجيقه ونواغره وغوائطه وطبوله زاعقة بالضرب وإطراب النّغم باللحن الوافر للقاء المزاري بمخزنه ، واشتد عضد الأمير من بعد وهنه ، وقال الآن صحت وصية والدي ، وتحققتها بقلبي وجوارحي وموالدي.

قال : وكان آغة المزاري في حالة القتال يقول لقدور بالمخفي لمّا رآه يجول في وسط جيش العدوّ وكأنه الأسد الهايج ، يا أخي وابن أخي ورفيقي هكذا نريد منك أن تكون سلعتنا هي الرايج ، فأنت لها أهلا ، ومرحبا بفعلك وسهلا ، فلقد أطلت لنا الرقاب ، في نطقك حضرة الأمير بالصواب وأعليت لنا الرؤوس بالعمايم ، بفعلك في العدو لقطع الجماجم ، فلا ريب أنّ الدرة من الجوهرة ، والورقة من الشجرة ، والتمر من النخلة ، والعسل من النحلة ، واقتحام الحروب حال التزاحف إنما يكون للشجعان ، والفرار من العدو وعند الملاقة أو الرؤية إنما يكون للجبان.

١٢٧

ومات في ذلك اليوم من المخزن محمد بالصحراوي ، ومات فرس محمد ولد قاسم الونزاري وانجرح فرس قدور بالمخفي من الرقبة فيما قاله الراوي ، وكانت الضربة به سالمة ، وجولته ناعمة ، فاستخرج قدور فوطة / وشدّ بها حلقوم فرسه ، وقال كلا منا لا بدّ من مآله إلى رمسه.

قال فالمخزن يحبّ الحروب والمكافحة ، ويفرح بالمبارزة والمناطحة ، ويريد الجولان بين الصفوف ، ويقتحم الحرب بالبنادق والرّماح والسيوف ويبتغي الكفاح والقتال ، وغيره يحب الراحة وجمع المال ، والمخزن ليوث الحرب ، ورجال الطعن والضرب ، وغيره حضائر الاصطبلات ، وعرائر الخصب والنبات ، فبين المخزن وغيره بون ، كما بين الضب والنّون ، فالمخزن في المثل كبني هاشم وبني مخزوم ، وغيره كبني أمية وأخلاط العرب في الفرار وعدم الهجوم ، وفي المخزن يصدق قول الشاعر بالبيت الواحد الفريدة ذات المفاخرة :

قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم

دون النساء وإن باتت باطهار

وكانت هذه الواقعة سنة تسع وأربعين ومائتين وألف ، الموافقة لسنة أربع وثلاثين وثمانمائة وألف (١٩٨).

تريزيل وقضية الدواير والزمالة

ولمّا تولّى الجنرال ترزيل (TREZEL) رئاسة وهران بدلا من الجنرال دسمشال في ثامن فبري سنة خمس وثلاثين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة خمسين ومائتين وألف أبقى الصلح لأجله على حاله ، واستقبحه من دسمشال الذي أوقعه ونسبه لفساد حاله ، لا سيما رده للصبنيولي (كذا) الفار من الأمير لوهران لحضرة الأمير ، وجاءه ذلك من الأمر المضرّ العسير ، وكان الجنرال دسمشال جزم بإبطال فعل الجنرال ترزيل وصار يروم نقض الصلح ويتسبب في

__________________

(١٩٨) حصلت هذه الأحداث بين الأمير والحاج موسى الأغواطي في ربيع عام ١٨٣٤ م. انظر :

Walsin Esterhazy : Notice Historique Sur Le Maghzen D\'ORAN) Oran ـ ٩٤٨١ (. PP. ٣٠٣ ـ ٥٠٣

١٢٨

صيرورته من الجزيل ليظفر بمراده الجزيل وحصلت المخالطة بين أعيان الدوائر والزمالة والفسيانات (١٩٩) وصاروا يجتمعون معهم في بعض الأحيان في الصيد ، ويظهر بعضهم لبعض المودة بإزالة الكيد ، فكتب بن يخّ للأمير من وهران كتابا يخبره فيه بكل ما كان ، قائلا له فيه أن إسماعيل ولد قادي وعدة ولد عثمان والحاج الوزاع بن عبد الهادي الزمالي هؤلاء الثلاثة الأعيان ، ترى بعض النصارى من وهران يترددون عليهم بالشدة والحرص ، فيرافقونهم للصيد والقنص ، وإن كبراء الدوائر والزمالة مالوا إلى النصارى بغاية الإثبات ، وخالطوهم واصطحبوا شديدا مع بعض الفسيانات ، وقالوا لهم نحن نحبكم ولكن نخاف من الأمير إذا سمع بنا ، فإنه يغزو علينا (كذا) ويهلكنا ، ولما سمع الجنرال تريزيل قال لهم لا خوف على المخزن من أحد وأنتم الأصل في التنزيل ، فصار الناس تارة يدخلون وهران باطنا وتارة ظاهرا وباطنا ، وتلاقوا بالجنرال لتصحيح المقالة ، فقال لهم لا تخشوا أحدا وإن مسكم غيركم بسوء ، فقاتلوه وأنا معين لكم على تلك الحالة ، ولما ثبت عند الأمير الخبر ، أمر كبراء المخزن بأن يأتونه برؤوس من يأتيهم من الفسيانات فأجابوه بأنهم لا يطيقون على فعل ذلك لأنه ينشأ منه له وبهم الضرر ، ولما وصله مكتوب الدوائر والزمالة ، اغتاظ شديدا ونسبهم لقبح الحالة ، وجعل ديوان المشورة بالمعسكر ، فاتفقوا على رفع البحايثية من بلادهم وتنزيلهم / بالمعسكر ، لأنهم رؤساء العرب ، وإذا بقت بلا رؤساء حل بها الوصب ، لا سيما إذا افترقوا بكل ناحية ، ولكل جهة وضاحية.

الأمير يأمر باعتقال كبراء المخزن

ثم بعد الاتفاق كلّف الأمير آغة المخزن الحاج المزاري وقال له اذهب في حفظ الباري ، واقبض إسماعيل ولد قادي ، وعدة ولد عثمان ، والحاج الوزاع ابن عبد الهادي ، وايتيني (كذا) بهم مقيدين ، ولك الأجر من الله المبين ، وأعطاه كتابا يتضمّن ذلك ، كما كتب له بترحيل البحايثية للمعسكر من جملة ذلك ، فجاءهم

__________________

(١٩٩) يقصد : الضابط من الكلمة الفرنسية : Les Officiers.

١٢٩

آغة المزاري في رفقه من الحشم الأعيان ، ولما حل بوسط الدواير مكنهم من كتاب الأمير بغير توان ، وقال لهم بفيه (كذا) أن الأمير يسلم عليكم سلام الرضى والأمن والرضوان ، ويقول لكم أمّا أنتم يالدوائر ، فاشتغلوا بخدمتكم من الفلاحة وكسب المال والدواب التي تناسبكم وأعظمها الإبل والخيل والبغال وبالخيل تكون الغواير ، وأمّا أنتم يالبحايثية أهل المفخرة فنحبكم تقدموا عندي بأهلكم وتسكنوا بالمعسكر ، لأنكم المخزن الذي عليه الاعتماد ، فيولي منكم الآغاوات والقياد ، وقد أمرني أن نأتيه بإسماعيل ولد قادي ، وعدة ولد عثمان ، والحاج الوزاع ابن عبد الهادي ، كل واحد منهم مكبولا ، وعلى بغلة محمولا مغلولا ، فإن كنتم طاعة فأجيبوا بالإذعان ، وارضوا بالأمر الذي أحبّه السلطان ، فإنّي كبيركم ورسول أميرنا وأميركم ، وهؤلاء الأعيان من الحشم ، شهداء على من يصدر منه المدح أو الذم ، والمطلوب منكم أن لا تميلوا للنصارى ، واجتنبوهم فإنهم أعداء ، وما الميل لهم إلا خسارا ، وهؤلاء الرجال الذين أمرت بالذهاب بهم على الحالة الموصوفة ، المبينة لكم المعروفة ، ليس من غرضه معاقبتهم بالقتل ، وإنما غرضه توبيخهم لينتهوا عما هم عليه من فعل الوحل ، فإنه سمع بهم أنهم تمازجوا مع بعض أعيان النصارى ، وأنهم لا يفارقونهم في الصيد وغيره ليلا ولا نهارا ، وهذا يا معشر المخزن ليس من شأنكم ، وأنتم يالبحايثية هذا الفعل لا يناسبكم وليس من شأنكم ، فاتقوا الله في السر والإعلان ، فإن فعلكم هذا يؤدي إلى غضب السلطان ، وفي غضب السلطان يكون غضب الرحمان ، ومن غضب عليه الرحمان كان في الهوان ، ألم تنظروا إلى فعل أسلافكم كيف ازدادوا به فخرا ، لما فعلوا المليح واجتنبوا القبيح وأطاعوا الملك سرا وجهرا ، فعند ذلك أجابه الأعيان من الدوائر ، وقالوا له قولك نعم القول وهذا شأن النصيحة في الخدمة مع الملوك أهل السراير ، ولكن أنت ضامن علينا هناك ونحن في قبضتك بعد قبضة الأمير بالقولة اليقينية ، فنبقوا (كذا) في وسط العرب كعادتنا بالسكنى ولا طاقة لنا على سكنى المدينة أيرضيك ويرضي الأمير أن تكون حرفتنا بيع القهوة والسكر والكتان والعطرية ، واشتغالنا بالحرفة التي عند غيرنا من الأمور الجيدة وعندنا من الردية ، ثم استخرج كتاب الأمير ، وقرأه عليهم علانية بالقول الجدير فقالوا / له أرح نفسك اليوم فلقد أتعبتها بالمزيد ، وغدا إن

١٣٠

شاء الله يفعل الله ما يريد ، ثم افترقوا وبات كل منهم بمحل ، وهم من كلام الحاج المزاري في خجل.

قال ومن الاتفاق العجيب ، الذي لا يعلم به إلّا السميع القريب ، إن إسماعيل ولد قادي صاحب الحالة الفريدة ، كان تخلّف عن الدواير وجاء إلى الحاج المزاري من غير علم بالمكيدة ، فبمجرد دخوله عليه تقبّض به وأوثقه في الحديد ، وصيّره في حالة الذل الجديد ، وأركبه على بغلة بالتحرير وانتقل به إلى ملاتة بكرة كأنّه الأسير ، فاتفق إذ ذاك البحايثية على التعصّب وأنف من الدواير والزمالة جميع الأعيان ، وجدّوا في السير في أثر الحاج المزاري لتخليص صاحبهم من يده بغير توان ، فتعرّضوا له بالتعرّض المنيف ، وبعثوا له فارسا شجاعا من عندهم يقال له الحبيب بالشريف ، وهذا الرجل من الكراطة أهل الرياسة ، الذين لهم نوبة مع البحايثية أهل السياسة ، فقال له على لسانهم ما فيه تسبيله ، يا آغة لا بد لك أن تطلق إسماعيل من قيده وتترك سبيله ، فإننا لا نتركه يذهب معك لا على هذه الحالة ولا غيرها لدى الأمير ، إلّا إذا أتى الفناء لنا على الكبير والصغير ، فأجابهم الحاج المزاري بقوله ، يا هؤلاء القوم اتقوا الله في الأمر وارجعوا لقوّته وحوله ، أتحسبون أنكم لا زلتم قائمين على أذرعتكم وكل منكم في استطاعته ، أفلا تعلمون أنكم في حكم السلطان وتحت طاعته ، ثم بعث للعرب أعيان الدوائر يحرضهم بقوله في الإعلان ، أنّ البحايثية والكراطة أرادوا أن يستخلصوا من يدي مربوط الأمير وأظهروا العصيان ، فإن كنتم على الطاعة الواجبة عليكم فاحملوا أسلحتكم وانصروني على البحايثية وقاتلوهم معي وأنا أولكم فإني لا أقدر عليهم وحدي للفراغ ، وإن كنتم عصاة مثلهم فأخبروني فأنا رسول الأمير إليكم وكبيركم وما على الرسول إلّا البلاغ ، وهؤلاء الحشم السادات ، يشهدون عليّ وعليكم في الحياة وبعد الممات ، فقالوا له أكتب للسلطان أو اذهب إليه وأخبره بأننا لا نعطوه إسماعيل ولد قادي ولا غيره حتى تبقى لنا سولة وأسوة ، وإن شاء الله الفداء فنزنه له ذهبا فنحن مع البحايثية يد واحدة وكلنا أخوة ، وقد عرفنا أن الأمير يحوم علينا دائما حومة الأطيار ، ومراده أن يخلف منا بانتقامه الثار ، فلا نتخلص منه نحن ولا أنتم ، وهو يترقب أحوالكم ليطلع على ما أسررتم وما أعلنتم ، وقد سلّطه الله تعالى بغير ريبي ، على الدواير

١٣١

والزمالة وأنقاد والبرجية وبطيوة والقرغلان وأولاد سيدي عريبي ، وأراح منه غيرهم من القرى والمدون (كذا) والنواجع ، فالأمر لله وحده المرجو حلمه في المفازع ، ولمّا أيّس الحاج المزاري منهم وتحقق لديه عصيانهم ، وخشى على نفسه ومن معه الهلاك قال لهم أنتم أعرف بصلاحكم وصرتم كمن ذهب رضوانهم ، وانصرف مغاضبا راجعا للمعسكر لدى الأمير ، وهو في الغيظ الكبير ، ورفقاؤه يصبرونه ويقولون له ليس هذا من شأن الوزير ، وترك لهم إسماعيل في قيده على ظهر بغلته ، فما مشى إلّا قليل وإذا باسماعيل تبعه على بغلته ، وقال لإخوانه إن كنت / أنا سبب الفتنة وجر البلاء إليكم بهذا الجرسي ، ها أنا نلحق (كذا) بآغة الحاج المزاري ونذهب معه لدى الأمير كي أفديكم بنفسي ، ولا يكون بينكم وبينه فتنة ولا هول ، ولا يحصل بغض ولا نصب ولا صول ، فتعرّضوا له وأنزلوه رغما عليه من فوق بغلته وكسّروا من رجليه الحديد ، غير أنّ أحد الحجالتين تعسّر عليهم كسرها فتركوها في رجله بالتحديد ، وتوّجهوا به في الحين إلى الجنرال ترزيل بوهران ، وأثر الحديد برجله وحكوا له القضية برمتها وقالوا له مخزن الدواير والزمالة قد خرج عن طاعة السلطان ، ففرح بذلك وذهب ما به من الحصر في وهران ، وكان ذلك في اليوم الخامس عشر من جوان ، سنة خمس وثلاثين وثمانمائة وألف الموافق لثامن عشر صفر سنة إحدى وخمسين ومائتين وألف ، وقد كان الجنرال خرج في اليوم الرابع عشر من جوان من السنة المذكورة وهو اليوم الذي كان به الحاج المزاري هناك ، لمسرقين ، لتوقيع تعيين الجيش رغبة في دخول الحاج المزاري عند الدولة وتحصينا لمسرقين.

تريزيل يوقع معاهدة مع الدواير والزمالة

ثم دخل الدواير والزمالة في طاعة الدولة ، بعد خلعهم لطاعة الأمير بما له من الصولة ، في تاسع عشر صفر سنة إحدى وخمسين ومائتين وألف الموافق لسادس عشر جوان سنة خمس وثلاثين وثمانمائة وألف ، وذلك أن الجنرال خرج في جيش قدره ألفان وأربعمائة وأربعون مقاتلا بالتحقيق ، فمن مسرقين ألف وثمانمائة وأربعون مقاتلا صحبتهم خمسة مدافع لها اثنان وثلاثون عمارة للتمزيق ، ومن وهران ستمائة مقاتل من عدد ست وستين ، صحبتهم ثمانية مدافع

١٣٢

نصفها كبير لها مائة عمارة وعمارة كل مكحلة من الأربعين إلى الثمانين ، ونزل عشية بالكرمة على مسافة اثنا عشر كيل ميتر (كذا) من وهران فاجتمع بها بكبراء الدواير والزمالة وأذعنوا له بالطاعة ، واتفقوا معه على اثنا عشر شرطا بالاستطاعة ، وهي : أن يرضوا بعمل الدولة في جميع أحكامها. وأنّها تعيّن عليهم رائسا (كذا) منهم لإبرامها. وأن يدفعوا لها ما كانوا يدفعونه للترك بغير الزيادة. وأن تكون المودة بين الجانبين بغاية الزيادة. وأنّ من أراد التجارة في حاجة لا يحجّر عليه ، إلّا أنها في البحر لا تحمل الا من المحل المعيّن إليه. وأن لا تجارة لهم في السّلاح والبارود وسائر آلة الحرب ، وإنمّا ذلك من أمر الدولة خشية من العطب ، وأن الدولة متى افتقرت لشيء ببرّ الجزائر تأخذه منهم بغير امتناع. وأنّ من ذهب من المخزن مع الدولة راكبا وماشيا سائقا أو قائدا لا يفارقها بشبر واحد بباع ، ولكل فارس فرنكان في اليوم ، وللراجل فرنك واحد بغير اللوم ، وأن لا ينشي أحد منهم الفتنة من الجار. وإذا تعدّى عليهم الجار فالدولة تزيل العار ، وأنّ أمراءهم وقضاتهم هم الذين يفصلون دعاويهم كل منهم فيما يليه. وأنّ الدولة إذا مرّت بعرش وافتقرت للدواب وغيرها فإنها تأخذ ذلك بالثمن بالفعل لا بالتقوية ، على أن يكون الأخذ والعطاء من الجانبيين ، بالصدق والنية الخالصة بغير المين. وأن يكون على كل عرش كبير منتخب منهم للدولة ، ويسكن بأهله بوهران إلزاما لدفع الصولة (٢٠٠).

رسالة الدوك دورليان إلى آغا الدواير وكبراء الزمالة

ثم بعد دخولهم في الطاعة ، ورضاهم بالشروط المطاعة ، صيّرت / الدولة على الدواير آغة عدة ولد عثمان البحثاوي ، وعلى الزمالة الحاج الوزاع بن عبد الهادي كما حكى الراوي ، ودليل كون آغة هو عدة ولد عثمان ، ما كتبه له في رسالته من الجزائر ولد الرّي وهو ولد السلطان ، ونصّها : الحمد لله وحده وكفى من سعادة الكلّي الشرف والاحترام سيادة مولانا وسيدنا المعظم موسينيور الديك

__________________

(٢٠٠) انظر نص هذه المعاهدة في كتاب والسن استيرازي المشار إليه سابقا. ص ٣١ ـ ٣٥.

١٣٣

دورلينا (٢٠١) وليد سعادة الجزيل المعظمة والرفعة سلطان الفرانسيس أدام الله نصره وعزه ، آمين إلى حضرة السيد الحاج عدة ولد عثمان آغة الدواير وكافة كبرائهم وكبراء الزمالة أمنهم الله تعالى ، آمين يليه إعلامكم خيرا على شأن أنّه قد وصلني كتابكم ، وسرّني لذيذ خطابكم ، وساغ لي نثني عليكم مديحا على شأن المصادقة والخدمة والنصوحة اللتين (كذا) عندكم لجانبنا الرفيع وها أنني قريبا نقدم لعندكم ونشاهدكم ونفاوضكم فيما وجب وحينئذ نظهر لكم الفرح الذي يكون لي حين مشاهدتي بينكم واعلموا أن أخيكم (كذا) سي قدور بن داوود حصل قدومه أمامي وقبلته نظر رجل مرسل من عندكم هذا ولا زائد والسلام بتاريخ الخامس والعشرين من رجب الأصم الذي هو من عام إحدى وخمسين ومائتين وألف كتب عن إذن وسعادة المذكور أعلاه (٢٠٢).

فدلت هذه البطاقة ذات التعظيم والتبجيل ، على أن الدولة لها اعتناء بأمر المخزن الوهراني وهو الدوائر والزمالة ولذلك تراهم في البطاقة يعظمونه ويثنون عليه بالثناء الجميل.

نفاق الحشم وبني عامر

قال : ولما ذهب الحاج المزاري للمعسكر لدى الأمير وصحبته الأعيان من الحشم وهو في غضب شديد وكثرة الغم والهم ، من الأمر الصادر من الدوائر والزمالة ، واستخلاصهم من يده المربوط بالقهر الدال على ضعف الحالة والنحالة ، وحكى جميع الواقع للأمير ، قال له أهل مشورته من الحشم وبني عامر وغيرهم كل شيء من تحت رأسه ويظنك كالصبي الصغير ، فقال له من كان مع الحاج المزاري حاضرا من الرفقاء الأعيان ، قد كذب هؤلاء القوم فيما قالوه لك وإن كان كلامهم معك في سائر الأمور هكذا فإنّ ذلك لمن البهتان ، والله ما هم

__________________

(٢٠١) يقصد : الدوق دورليان : Le Duc D\'orlean ، وعبر عن أبيه بالراي من الكلمة الفرنسية : Le Roi وهو السلطان.

(٢٠٢) لقد استعمل دورليان التاريخ الهجري في رسالته ويوافق ١٧ نوفمبر ١٨٣٥ م. وقد يكون المترجم هو الذي أخطأ في ذلك.

١٣٤

لك بنصحاء ، وإنما هم لزوال ملكك لفرحاء وأنه ليس لك مثل المزاري نصوحا ، ولا عمادا تعتمد عليه شروحا ، وأنّ المزاري لمّا شاهدناه في هذه المرّة لمن السادات الذين يحبون للأمير المكرمة ويفرّون من المعرّة ، ولو حضرت أنت بنفسك لم تعمل عمله ، ولا طاقة لك على ما أراد عمله ، ولو وجد معه الجيش لقتالهم لقاتلهم القتال الشديد ، ولفعل بهم الفعل العتيد ، فقال له تلك الوشاة يا سيدنا لا تصغي لكلامهم ، ولا تعتقد فيهم صحة كلامهم ، فإنهم لا محالة أرشاهم بماله ، ولا جرم أنهم عاشوا في نواله ، فقال لهم تلك الرفعة يا أيها الفساق ، أهل المكر والخديعة والوشي والنفاق ، ألم تخشوا الله في المزاري وأضرابه فكل ما يصدر منكم من القول / للأمير في المزاري فذلك من الاختلاق ، ألم تنهوا عن هذا الشقاق ، وتجنبوا أنفسكم من الشيطنة والنفاق ، ومع هذا لمّا قلنا الحق والصواب ، اتهمتمونا بالارتشاء ، وأنتم فعلكم باطل وكذبكم محض وليس فيكم من يقول الحق والصواب ، وأنت أيّها الأمير إن بعثتنا لقتالهم فنحن وإياه لشرذمة قليلة ، ولا يخفاك بأسهم ولهم قوة جليلة ، وإن بعثتنا شهداء على الواقع ، فما قاله لك المزاري هو عين الصدق والواقع ، ونحن من الآن نكونوا (كذا) من جلسائك ببال ، لما سمعناه ورأيناه منهم قالوه وفعلوه في عظيم النوال ، وأنت يالحبيب بوعلام ومن معك من الغرابة ، ناشدناكم الله أن تقولوا القولة التي ليست بالاستغرابة هل غزاكم الدواير والزمالة والبرجية حتى مرّة ، وأنتم كم غزوتمونهم من مرّة ، وهل غزاكم الحشم تعديا أو غزوتمونهم فقال الحبيب ومن معه أمّا الثلاثة أعراش المخزن ، فقد غزوناهم تعديا ونحن منهم في الأمن (كذا) ، وأمّا الحشم فغزونا تعديا مرّة بعد المرة وكان الزمالة لنا من النعرة ، ونحن لم نغزهم أصلا ، ولا يخطر ببالنا ذلك كلا ، ثم قالوا له ونناشدك الله أيضا ، هل الأمان والثبات في الأعراش الثلاثة أو في الحشم وبني عامر محضا ، وهل أنتم من جملة أعراش المخزن أو من أعراش النائبة ، وهل الحشم وبني عامر من المخزن أو من جملة النائبة ، فقال إن الأمان والثبات وعلو الكلمة في الأعراش الثلاثة ، وأن الحشم وبني عامر لمن الحلاثة ، وأن عرشنا الذي هو الغرابة لمن المخزن فهو رابعهم ، وسبب التفريقة (كذا) وانشاء العداوة بيننا هو الشاذلي بن جبور الحسناوي الشقراني والزين بن عودة العلياوي العامري ومن هو تابعهم ،

١٣٥

وأنّ الحشم وبني عامر لمن النائبة ، وهذا من المعلوم لا ينكره ذو الراية الصائبة والله لا يستحيي من الحق ، ويحب من هو من أهل الصدق ، وإني لتابع لخالي الزين في جميع الأحوال من الجملة والتفصيل ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ، فأصغى الأمير لكلام هؤلاء الشهداء الأعيان ، وأسرّ ذلك في نفسه ولم يظهره للإعلان.

ولمّا سمع الحاج المزاري جميع ذلك الكلام نبذه كله من وراء ظهره واشتغل عنه اشتغالا كليا ، وأخرجه من قلبه وصيّره نسيا منسيا ، وبقي جادا في خدمة الأمير بالنصيحة الوافية ، والنية الصادقة الكاملة الشافية ، إلى أن حصل الافتراق ، وقال عند الله يكون التلاق.

حملة تريزيل ومعركة المقطع

في جوان ١٨٣٤

ثم أنّ الدولة لمّا أذعن لها المخزن بالطاعة ، تيقنت أنها تستولي على الوطن بغاية الاستطاعة ، فشمرت عن ساق الجد لغزو الوطن ، وزال ما بها من الضعف والوهن ، وجهز الجنرال تريزيل جيشا محتويا على نحو الألفي وخمسمائة مقاتل وأربعين كروسة لحمل الآلة فضلا عن قراريط التجارة ذات المحافل ، وكان المخزن نازلا من السبخة ناحية مسرقين إلى البريدية ، فأكثرهم جلس لحراسة وهران وأقلهم جاء مع المحلة لنفعها النفعة الكلية ، فالذي جاء من أعيان الدوائر عدة ولد عثمان ، وإسماعيل ولد قادي صاحب الميدان ، والصحراوي ولد علي ، والحاج الناصر بالطاوي والعربي ولد يوسف ، وقادة ولد شقلال ، وعبد القادر البوعلاوي / والحاج محمد ولد قاره ، وأبو مدين ولد بلوط فاهم كل إشارة ، ومن الزمالة الحاج الوزاع بن عبد الهادي ، والحاج مخلوف ولد امعمر الشجاع المعدود ، والحاج الشيخ ولد عدة ، والعربي ولد أحمد ، وليتنه (٢٠٣) قدور بالمولود.

__________________

(٢٠٣) يقصد اليوطنان ، وهو الضابط : Lieutenant.

١٣٦

وكان خروج المحلة من وهران في اليوم الثامن عشر من جوان سنة خمس وثلاثين وثمانمائة وألف ، الموافق للحادي والعشرين من صفر سنة إحدى وخمسين ومائتين وألف ، ولما نزلت بتليلات بعد جولانها خيّمت للمبات (كذا) وشرعت في حفر المتاريز الحائطة بها من كل جهة لتطمئن النفوس في حال المبات (كذا) وفي الحادي والعشرين من جوان رأت المحلة خيالة العدوّ لقصد الحمام ، وفي الرابع والعشرين منه سمعت بأن الأمير خرج من المعسكر بمحلته وهو نازل بوادي الحمّام ، وفي الخامس والعشرين منه انقطع عن المحلة ماء وادي تليلات ، فذهبت شرذمة لعنصره لإرساله فأحاطت بها توارق المقاتلة من كل الجهات ، إلى أن قتل فرس كبير محلة الجنرال ترزيل وهو القيطان لقندي (٢٠٤) بغاية التعجيل ، وفي صبيحة اليوم المذكور قدم بن يخّ (كذا) الذي هو قونصل (كذا) وكيل الأمير بوهران للمحلة ليتبدل مع عبد الله الكماندار ، فيذهب كل لمحله من غير خديعة ولا إنكار ، وفي اليوم السادس والعشرين ارتحلت المحلّة صباحا ومالت في مشيها نحو أجمة مولاي إسماعيل ، الغابة الكبيرة التي هي مأوى الأسد والأشابيل.

مقدمات معركة المقطع في غاية الزبوج المقيتلة

ولمّا حلّ الأمير بوادي الحمّام سمع بخروجها فجد السير إلى أن بات بسيق ، ولا زال لم يظهر له خبرها على التحقيق ، وصار يتجسس خروجها ، ويستشعر خيالتها ومروجها.

قال العلامة ، القدوة الفهامة ، السيد الحاج أحمد بن عبد الرحمان المداحي البوشيخي الصديقي الذي من بني شقران ، في كتابه وكان حاضرا للواقعة ، ذات الأحوال الناصعة ، فوجّه جيشا من صناديد القبائل وأبطالهم ، وأهل الحزم في أقوالهم وأفعالهم ، أهل الخيول الجياد ، والرّكاب الوقّاد ، وأمّر عليهم وزيره وآغة مخزنه ذا النجدة والشجاعة ، والبسالة والبراعة ، والجزم والحزم

__________________

(٢٠٤) لا ندري بالضبط من هو لأن ترجمة اسمه غير سليمة حتى يمكن التعرف عليه. وكذلك الأمر بالنسبة لعدد آخر من أسماء الضباط الفرنسيين قبل وبعد هذا.

١٣٧

الشهير ، والفراسة والنصيحة والمعرفة والرأي والتدبير ، الذي ليس له بوقته الشبيه ولا المساوي ، محمد المزاري ولد قدور بن إسماعيل الدايري البحثاوي ، ليفتشوا سواحل البحر وأرباض المدينة ، هل خرج جيش العدوّ أو لم يخرج من تلك المدينة ، وواعدهم بالملاقات في الكرمة ، وبها يحصل الفوز بالنعمة والحرمة ، وكان هذا الموضع قريبا من وهران ، على نحو الاثني عشر ميلا وغالب مجيء النصارى معه في السر والإعلان ، فذهبوا من سيق عشية وأخذوا مع طريق الجيرة ، وبات هو في تلك اليلة (كذا) بالوادي المذكور بالمجيرة ، بعساكره وبقية جيشه الخيالة ، ثم ارتحل من الغد بكرة يريد الجرف الأحمر بوادي تليلات بغير الحيّالة ، ومنه يذهب لملاقة وزيره المذكور ، وكان عنده من العسكر نحو الستمائة وذلك مبلغ ما كتبه ومن المطاوعة ما ليس بالمحصور ، فبينما هو ذاهب والعدوّ قابل ، ولا علم لواحد بالآخر للاستعداد حيث يقاتل ، وإذا بالفريقين / التقيا غفلة بالزبوج بموضع يقال له المقيتلة ، من بلاد الغرابة فبانت به المصائب ذات الحوقلة ، واجتمع البعض بالبعض من أهل البلاد ما بين الراجلة والفرسان ، لا سيما الليوث منهم والشجعان وأداروا بالمحلة إدارة السوار بالساعد ، أو الخاتم بالخنصر للصادر والوارد ، وأرادوا أخذها واشتعلت فورا نار الحروب ، وترادفت على الناس من الجانبين الفتن بالصعوبة والكروب ، وصار من الفريقين السيف بالضرب يلمع ، والبندق بباروده يفرقع ، والتقت الرجال بالرجال ، والأبطال بالأبطال ، والفرسان بالفرسان ، والشجعان بالشجعان ، واشتبك الناس البعض بالبعض ، وأراد كل فريق القضاء لما فاته من النفل والفرض ، واشتد الزحام وكثر الاشتباك ، وغاب الحاجز بينهما والفكّاك ، وحين دخلت المحلّة في المواضيع المشعرة ، أقبلت إليها الفرسان من الفجوج المسهلة والموعرة ، وتشجعت وصالت صولا ، واتكبتها (كذا) بالضرب الدائم فعلا وقولا ، ووقعت من الفرقين العين في العين ، وحان فراق الأرواح بالبين ، خشيت من الفرار اللوم بغير المين ، وجدّ عسكر النصارى في المقاومة بالالتزام والمدافعة عن نفسه ومن معه بغاية الاحترام وهو مع ذلك في التعب الشديد ، والعطب الذي ما له من المزيد ، وكمن العرب في الأماكن المغيظة التي تؤذي منها ولا توذا ، ولا يجد العدو لها فيها بضربه نفوذا ، وأهلك الخلق الكثير من الفريقين وحصل العطب الشديد من الجانبين ،

١٣٨

فكم وكم مات منهم بالتصبّر والثبات ، وكم وكم من حصل منهم بعد الهلاك في النجات (كذا) ودام القتال إلى أن قرب ذهاب النهار ، وإقبال اليل (كذا) بما فيه من الاعتكار ، وثبت كل فريق لصاحبه واستقر بمركزه ، إلى أن فنا (كذا) الجلّ من الجيشين بمحرزه ، وتعاظم القتل وعدمت النجات (كذا) ، واختلط من كثرة القتلى الأموات بالأموات ، وكان للخليفة الأعظم ، والوزير الأنجم ، صاحب الإيالة الشرقية للتناجي ، السيد محمد بن أبي شاقور المجاجي ، حملات على العدو ميمنة وميسرة وقلبا وجناحين ، لا يأتي أحد من غيره بمثلها من غير مين ، ودام على ذلك إلى أن استشهد بالتحقيق ، كما استشهد الفارس الشجاع رايس (كذا) شواش الأمير السيد مصطفى ولد سعيد المعروف بولد حمروش الدنوني ثم النقايبي بالتوفيق.

قال ثم رجع الأمير والجيش الفرانسوي في أثره تابعا له وكل فريق ، يريد منهما النزول بوادي سيق فجاوزه الأمير ونزل ، وقابله العدو بجيشه ونزل ، وصار الوادي بينهما هو الحاجز ، وكل شجاع لقرنه مبارز.

ثم قبل النزول أتى الجيش الذي بعثه الأمير ، لما سمع رعد المدافع وفرقعة البارود خلعهم وهم في غاية التشمير ، فألفى النصارى بقرب وادي سيق ، الذي كاد أن يغص فيه الإنسان بالريق ، وصار القتال بينه وبينهم في فضا سيرات بقية النهار ، إلى أن غشيهم ظلام اليل (كذا) بالاشتهار ، فكم للمزاري في ذلك الوقت من الحملات ، وكم له من الضرب الكثير والجولات ، وهو تارة يغيب في وسط العدو وتارة يظهر ، ومديما على الكرّ ولا يظهر منه المفر ، والعدو بين يديه كأنّه الزرزور ، يقلبه حيث شاء ، ولا يخشى من الرصاص والكور ، وساعده على ذلك رفيقه في الجولان قدور بالمخفي ، فكم له أيضا من ظهور وتخفّي ، ولا زال المزاري على ذلك إلى / أن انجرح به فرسه الأشهب ، فأوتي له بفرس آخر وبقي في ميدان الحرب يكافح إلى أن انجرح به فرسه الثاني الأنجب ، فبعث له الأمير فرسه الأدهم المسمى بباش طبلة ، فجال عليه في الميدان ، جولان عظيما وتمادى على الجولة وهو ملازم للكر ، ومجانب للفر إلى أن انجرح تحته فرس الأمير من الظهر ، كما انجرح هو أيضا عليه من رجله اليمنى ذات الفخر ، فأمر الأمير فورا بقدومه ، وتحيّر منه كثيرا خشية على عدومه ، لاطلاعه يقينا على

١٣٩

صدقه ، وخلاص نيته وقلبه فيه بحدقه ، ثم أرسله فورا لبيته بالمعسكر وبقي الأمير بمكانه في المقر وبعد رجوعه للمعسكر صار يتعاهده (كذا) بالوقوف عليه ، مرتين في اليوم ماشيا على رجليه ، بهذا حدثني الفقيه السيد الحاج محمد بن الشريف ناظم جوهرة الرضا ، وكان حاضرا للواقعة وساكنا بالمعسكر أيضا.

قال ، ويحكى أن الأمير كان يبعث للمزاري وقدور بالمخفي حال القتال لما رأى ما وقع منهما من شدة النّزال ، أن يتركا الحرب ويقدما إليه فيقول الذاهب لهما من الحشم أن الأمير يقول لكما تقدما للعدو وعليكما بالإقبال عليه ، فليست هذه عادتكما في الحروب ، وإنما عادتكما الاقتحام على العدوّ إلى أن يصير في الهروب ، ومراد الحشم بذلك الراحة منهما بالقتل ، والتهنئة من رفعتهما وصولهما بالختل إلى أن سمع الشجاع النصوح خليفة ولد محمود ، مقالة الأمير ومقالة الرّسل من الحشم لهاذين الشجاعين الفارسين حال الوفود ، فتعجّب كثيرا وأخبر الأمير بكل ما رأى وسمع ، وقال لا ريب أنّ ما وقع من الحشم لهاذين البطلين فلنا معهم تحقيقا سيقع ، فعند ذلك جزم الأمير بإخراجهما من المعركة ، وقال قبّح الله من لا يستحيي ويريد أن يلقى أخاه في المشركة ، وما فعله هذان الشجعان (كذا) في ذلك الوقت من اقتحام الصفوف ، لا يحصى ولا يقع إلّا من أجاويد العرب الذين يرون الموت على الفراش إنما هو من حتف الأنوف ، وما ذاك إلا من شدة الخدمة وقوة النصيحة ، والإذعان التام لمن هما في خدمته والتجنّب عن الفضيحة ، وشأن أجاويد العرب وشجعانها الإذعان ، وبذل الجهد والنصيحة في الخدمة لكل دولة كانوا في حكمها وتحت أمرها ونهيها في السر والإعلان.

ضحايا معركة المقيتلة في غابة الزبوج

وقد مات من جيش الدولة خمسة وعشرون نفرا ومائة وثمانون مجروحة ، ومن جيش الأمير ما لا يحصى قولة مشروحة ، ومن جملة أموات الدولة بمولاي إسماعيل ، رايس الرجيمة الثانية من سرسور لفريق أدينوا الكرنيل (٢٠٥).

__________________

(٢٠٥) يقصد : الكولونيل أدوينو : Le Colonel Oudinot

١٤٠