طلوع سعد السّعود - ج ٢

الآغا بن عودة المزاري

طلوع سعد السّعود - ج ٢

المؤلف:

الآغا بن عودة المزاري


المحقق: الدكتور يحيى بوعزيز
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٤
الجزء ١ الجزء ٢

رجع لتافنة محل الخوف ، ليزيل ما به من الرعب والخوف ، وفي سادس جوان من تلك السنة رسّ البابور بالجند القادم للنصرة وإزالة الشرور ، ففرح الناس بذلك بعد ما كانوا في أشد الجوع والتعب والألم ثلاثة من الشهور ، وكان رايس (كذا) المحلّة الواردة الجنرال بيج (٢١٨) فنزلت بتافنة لنيل الفرح والسرور ، وفي ثاني عشر جوان خرجت المحلّة من الحصار ، وزال ما بها من الضنك وفازت بقضاء الأوطار ، وبعد استراحة الجيش أياما رجعت المحلّة لوهران مع الطريق القديمة التي مرّت عليها محلّة الجنرال دارلانج المذكور ، وكان ذهابها ليلا على ولهاصة في المسطور ، فبنفس صدودها من تافنة بدأها العدوّ بالمقاتلة وكثر عليها بالواد العازر ، وفي صباح الغد تشجعت المحلّة وتجهدت للقتال ونيل الوطاير ، وبرز للعدّو الشجاع مصطفى بمخزنه وشفى بقتاله العليل وأبرد الغليل وقتل منه خلقا كثيرا بالمشاهر ، ومات (كذا) من المحلّة نحو العشرين ولا لحقها خوف ولا ضنين ، فلله درّ المخزن بأعيانهم سيما ما ولد إسماعيل ، فلقد كان العدّو بين أيديهم يتقلّب كالزروز خوفا أن يكون في العذاب الجليل ، قال ومن ذلك اليوم بدأ العدّو في النقص مما كان فيه من التزايود (كذا) ، وفي سادس عشر جوان دخلت المحلّة وهران في أمن وأمان ولم يتكلم فيها بعد ذلك وجه واحد من البارود.

ثمّ بعد يومين أمر / الجنرال بيج (بيجو) بإحضار خمس أو ستمائة دابة من المخزن لحمل الأثقال فأتته وحمل أثقاله وخرج بمحلته والمخزن أمامه من وهران ، فمرّ بالكرمة وتليلات وأولاد علي وما بعدهم من بلاد بني عامر إلى أن دخل تلمسان في اليوم الرابع والعشرين من جوان ، وألفى المحلّة التي تركها عسّة في غاية الراحة ولا يخصها إلا الزاد ، وقال مرطبلي : ألفى الثغر محصورا ولا علم لأحد بذلك في غاية المراد ، فذهب بمحلّته لتافنة ليأت (كذا) لها بالزاد ، قال مرطبلي ولا يظن أحد أن برّ الجزائر ليس به رجال ولا أبطال ، وإنما

__________________

(٢١٨) يقصد بيجو : Bugeaud. وكان من المفروض أن يكتب الواو بعد الجيم ولكنه يهمل ذلك كما في : بن يخّ ، وبني عدّ ، وحمّ. وأشرنا إلى هذا في مقدمة الكتاب ، وفي المقصد الرابع.

١٦١

به ما لا يحصى ولا يعد من الأبطال والرجال ، ولولاهم لم يفسد هذا الوطن على الأمير ولا يملكه أحد بالعنان والنصال ، قلت ومراده بذلك المخزن ، الذين بهم تعز الدولة أو تهن. وفي الغد أتت المحلّة إلى يسر ، وكان يوما شديد الحر ، وهجمت في ثلث الطريق فرسان الأمير على مؤخر الجيش ، وكثر الصياح بصواعق الطيش ، وهجمنا على العدّو ومعنا مصطفى بمخزنه ، وتزايد العدّو ولا زال عن وهنه ، ولا زال القتال متزايدا بين الفريقين بغاية ما كان إلى أن دخل الجنرال بجيشه مدينة تلمسان ، وكان صدود المحلّة من تافنة لتلمسان ، في رابع جليت (كذا) من السنة المذكورة ، وفي عشية ذلك اليوم خرج جيش الأمير على ثلاث بطيونات (٢١٩) الذين في رئاسة الكولونيل كومب وشدد عليهم بأحواله المشهورة ، فارتحل الكولونيل بجيشه في أول النهار خفية وسار إلى أن نزل بسبعة شيوخ ، على مسافة نحو العشرة كيل ميتر (كذا) من موضعه الأول المرسوخ ، ولم يخلص من ذلك الجيش إلا بالمحلّة التي كانت تأتي من تافنة بالزاد المرضوخ ، فإنها وصلتهم بعد ساعة من نزولهم بسبعة شيوخ ، ومن الغد بعث ألفي فارس ليمين الواد ، ونزل هو بجيشه أسفل المحلّة نحو الأربعة كيل ميتر بتحقيق المراد ، وحصلت المقاتلة الشديدة بين الفريقين فانجرح مصطفى بن إسماعيل برصاصة من خنصر يمناه إلى أن تكسرت بغير المين.

قال باش آغة ولد قادي في حكاياته ولم يتضعضع مصطفى من ذلك بل لا زال يقاتل على ذلك الحال ، ولما همّوا بمعالجته أبى وقال الدّماء حنّاء الرجال ، وزاد العدّو في هجومه وزاد جيش الدولة في ضربه بلطومه ، إلى أن مات وانجرح من جيش الدولة ثلاثين نفرا ، وأخذ من جيش الأمير مائة وخمسون أسرا (كذا) وبعد المقاتلة جمع الجنرال المحلّة وقام فيهم خطيبا ، فمدح مصطفى ومخزنه الذي قدره أربعمائة فارس ترتيبا / وذكر في خطبته إسماعيل ولد قادي الذي جرح في خامس عشرين إبريل المار ، وكان في خامس جليت (كذا) من المتقدمين في الصف الأول إلى إتمام القتال بالاشتهار ، وقد كان السرسور موجودا فهرب العدّو وترك مجاريحه وموتاه ، وبعد القتال بعث الجنرال بيج على

__________________

(٢١٩) يقصد كتائب من الكلمة الفرنسية : Bataillions بصيغة الجمع.

١٦٢

عشرة من علامة الافتخار لمكافات (كذا) المخزن على جميل فعله في أوله وأخراه ، وأتى الجنرال إلى حذو سيدي أبي الأنوار ومن الغد دخل تلمسان وهو سابع الشهر المذكور ، وأمر الجنرال في ثامن الشهر المقرّر بأخذ زرع وقمح مطامير بني ورنيد لتتزود به محلّة تلمسان في المسطور ، وفي ثاني عشر ذلك الشهر مرّ الجنرال بمحلّته وأمامها المخزن على يسّر وتالوت وسائر بلاد بني عامر الذين في طريقه والجمعة ومكدرة وتليلات ، والكرمة ودخل وهران في الثامن عشر منه بعد ما أخذ حبّ جميع الأماكين (كذا) التي مرّ عليها وأتى بعدة أسارى (كذا) فبعثهم للجزائر ثم لافرانسا بإثبات ، ثم ذهب الجنرال بيج للجزائر ومنها لافرانسا لتجهيز الجيوش لاسبانيا بغير التحاير.

هذا وأنّ الأمير بعد واقعة سكّاك ذهب لقاعدته واستقر ، وذهب الجنرال بيج لافرانسا كما مرّ وترك للجنرال دارلانج الأمر ، فبقى هذا الجنرال بوهران أياما ، وأتاه الأمر بالذهاب لافرانسا إلزاما ، فذهب وخلّف بموضعه الجنرال ليطان ، فمكث أياما لاستراحة الجيوش وخرج من وهران في أول أوت ، من سنة ست وثلاثين وثمانمائة وألف في قول ثابت ، والمخزن أمامه لأنه عليه الاعتماد ، وغرضه التوجّه إلى تاسالة فمرّ بتليلات والجرف الأحمر وجنين مسكين وأخذ ما في مطمر مكدرة من حب أولاد علي أحد بطون بني عامر وصار ذلك الحب للمحلّة من جملة ما لها من الزاد ، وفي الغد حصل الكلام مع أولاد سيدي غانم وغيرهم من المرابطين ، واشترت الدولة منهم مائة ثور وكان الوطن خرابا لا راحة فيه لمسكين ، وفي هذه الغيبة أخذ الغرابة من وهران غنم البايلك ، ووهران محصورة بغاية ما هنالك ، وفسد سوقها وحلت بأهلها المصائب والكروبة وصار الخبز والدقيق واللحم والقمح والشعير والحشيش وجميع الأشياء لا تأتيها إلا من أوروبة (كذا) ومع ذلك لا يصلهم هذا الزاد إلا بشق الأنفس بالمشقة الفادحة ، ومن خشية انقطاع الزاد صاروا يبدلون الخبز بالرّوز وهم في الأحوال القادحة.

ثم بعد انصراف حرّ الصيف خرج الجنرال ليطان بمحلّته والمخزن أمامه ، وعلامة النصر وراءه وقدّامه ، فمرّ بتليلات ومكدرة وثينة ماخوخ التي ببلاد أولاد علي فأخذ كلّ من وجده في طريقه ، وبقي يجول بها اثنا عشر يوما ورجع بما غنمه مع طريقه ، وقد خرج الدواير في ثالث الأيام في فج أولاد علي على فرسان

١٦٣

بني عامر ، فهربت تلك الفرسان كأنّ قلوبها في جناح الطاير / ولما وصل الجنرال لوهران جهز جيشا لنظر مرطبلي لجواس غابة المسلة ، فذهب ورجع من غير ملاقات شيء بغابة المسيلة ، وفي ثاني أكتبر (كذا) من السنة المذكورة ، خرج الجنرال من وهران في ستة آلاف من العسكر ، ومعه مصطفى في خمسمائة من مخزنه المعتبر ، فمرّ بتليلات وسيق وهبرة ، واجتمع بها مع الباي إبراهيم والمزاري في محلّة لاكنها (كذا) ضعيفة في صحة الخبرة فصار هو والمخزن يمشون أمام المحلة إلى أن وصلت لماسرة باشتهار ، فأخذوا مطمر أولاد سيدي عبد الله بن خطاب ثم زادوا لمعذار ، ولما كانت المحلة بين كلميت ومعذار من بلاد مهاجر ، أتاهم الأمير في ثلاثة أو أربعة آلاف فارس فقتل منهم عشرة فوارس وزاد لموضع آخر لكونه يريد الهجوم على أهل مينا وشلف التحتاني ، الذي أذعنوا للدولة وحصل لهم التهاني ، وفي ذلك اليوم جاء الأمر للجنرال ليطان وهو بماسرة بالقوة اليقينية ، ليبعث أربع بطايونات لعنابة للمريشال كلوزيل الذي قدم من افرانسا ليذهب بهم إلى قسمطينة (كذا) فبعث له ذلك ورجع لمستغانيم ثم دخل وهران في حادي عشرين أكتوبر من السنة المقررة ، وذهب بما عنده من الجيش لتلمسان في ثالث عشرين نوانبر (كذا) ووصلها في الثامن والعشرين منه في القولة المحررة ، وأمر مصطفى بمخزنه بالذهاب لأخذ الحب القريب ، فذهب وأخذ بتمامه وأتى مسرعا في أمر عجيب ، وفي ليلة التاسع والعشرين من ليلة نوانبر (كذا) المذكور ، دخل الجنرال وادي يسر من غير متعرض له بشيء من المشهور. وفي صبيحة تلك اليلة (كذا) ألقوا بعض العدو بناحية نخلة أبي غايط ، فأخبر ذلك البعض الأمير ومعه خليفته البوحميدي ومعهما الخلق الكثير المتعايط ، فكان مصطفى بن إسماعيل بمخزنه في الجهة اليسرى للعدو ، والكولونيل كومب في الجهة اليمنى والجنرال ليطاق دار بالعدو وحصل القتال الشديد بين الكرار في الجروب مصطفى بمخزنه وبين الأمير وظهر عليه مصطفى بمخزنه غاية الظهير ، وقد وقع محمد ولد قدور البحثاوي في يد العدو فأخلصه الجنرال بجيشه ، وأطرد العدو على نحو العشرة كيل ميتر (كذا) بغرب تموشنت ورجع العدو لإمرار عيشه وبطل من عنده البارود وذهب للموضع الذي كان به نازلا ، فجاء الجنرال بكبراء المحلة إلى فسطاط مصطفى بجيشه

١٦٤

عاجلا ، وأثنى عليه وعلى مخزنه بما صدر منهم من الفعل الجميل والقتال الوافر في ذلك اليوم ، وأنهم من أهل الشجاعة والبسالة والنجدة والكرم لا من أهل الجبن والخوف والبخل واللوم ، وفي أول دسانبر (كذا) من تلك السنة جاء الأمر بأن المريشال قدم من عنابة للجزائر بالبيان ، ورجع الجنرال لطان من سفره في رابع ذلك الشهر لوهران ، وذهب كل من المريشال والجنرال ليطان لباريز بالاشتهار ، وجاء جنرال آخر لوهران بدلا من ليطان يقال له ابروسار وذلك في ثالث عشر جانفي سنة سبع وثلاثين وثمانمئة وألف ، موافقة لسنة اثنين وخمسين ومئتين وألف ، ومعه يهودان (كذا) أخوان / من الجزائر أحدهما اسمه مسعود بن دران كانا عدوان للمخزن وصديقان بزعمهما للأمير بحسب البيان ، لكون المخزن ألفاهما المرة بعد الأخرى بالدار البيضاء بسوائج وهران ، ذاهبين بالقراريط المشحونة بالحديد والكبريت والذكير وملح البارود وكل ما فيه الضرر للدولة بالمشاهدة والعيان ، فأخبروا الجنرال بذلك وتغافل عنهم بالسريعة. لكونه له علم بذلك ومواقفهما في الخديعة ، وكان الغرابة في بعض تسلطهم على وهران أخذوا الغنم المعينة للمحلة كما مر فاختصت المحلة للحم المورث للغبن ، فاتفق الجنرال ابروسار مع ابن دران اليهودي على أن يأتيه من عند الأمير بما يخص المحلة من الغنم وبما يخص الذين بتلمسان من الحب وغيره ويعطيه في نظير ذلك جميع أسارى سكاك الذين بافرانسا أو يدفع له إن شاء الثمن ، فنشر الأمير الخبر قبل أخذه الثمن ، ولما سمع المخزن ذلك حصل لهم القلق والهول وشدة التعسير ، وصار من ذلك الحال في الانحصار الكثير ، ولما بلغ الخبر لافرانسا أخروه عن وهران وبعثوا بدله الجنرال بيج بالبيان ، فاستراح المخزن وزال ما به من الضيق والقلق وحصل في السرور والأمان ، وأتى الجنرال بيجو معه بالجيش والزاد والخيل وستمائة بغل لحمل الأثقال في النهار والليل (كذا).

ثم في أوائل إبريل من سنة سبع وثلاثين وثمانمئة وألف ، الموافقة لعام اثنين وخمسين ومئتين وألف ذهب المريشال كلوزيل وجاء بمحله الجنرال دمريم (٢٢٠) بغاية التبديل وفي أول ماي توجه الجنرال بيج بجيشه لتلمسان ، ووعظ

__________________

(٢٢٠) يقصد دامرمون الذي سيقتل في قسنطينة في أكتوبر ١٨٣٧ م.

١٦٥

العرب كثيرا على التقصير في الخدمة فلبوه بالقبول والإحسان وسار نحوها من غير رعب ولا خوف ولا هول ، بل اعتمد على جيشه ومخزنه وما رزق الله من القوة والصول ، فضاع له في اليوم الثالث من البغال خمس وسبعون بغلا لصغر سنهم ، فأفزعته تلك الخسارة الفادحة الواقعة في كنهم ، ولما حل بقرب البريج هجمت على المحلة فرسان من أولاد الزاير ، لكن هجومهم كان كهجوم الرجل الخائف الحائر ووصلت المحلة لتلمسان وواد تافنة في أمن وأمان ، وقد حصل من كبراء المحلة بعض التراخي في الطريق حال هجوم أولاد الزاير فاستوجبوا عقوبة لتقصيرهم في العمل وتفريطهم في الخدمة في صحيح المخاير ، ولما حل الجنرال بيجو بتافنة ألفى بالتحقيق قيمة ما بنيت به تلك المدينة ، وهو ستمئة ألف فرنك في القولة الصحيحة المبينة. وفي أثناء ذلك الحال بعث الجنرال الكبير / من وهران للجنرال بيجو ليقدم عنده من النواحي الغربية فقدم لديه لوهران بمحلته التي فيها ثمانية آلاف إنسان ، ولما وصله تشاورا بينهما على الصلح مع الأمير بواسطة ولدي بن دران ، الذين كانا في التجارة بين الفريقين التي ليس لليهود فيها خسران ، فبعثا معا بن دران الكبير للمعسكر فذهب وأتى معه بالمولود بن عراش آغة الشرق وسفير الأمير بكل ناحية على شان الصلح فوصلا لوهران وتكلم معه الجنرال على الصلح فأجابه بأني نائب الأمير ولا يكون الصلح إلا بالشروط التي تبان ، منها أن يكون الدواير والزمالة كغيرهم على حكم الأمير ، فعظم هذا الشرط على الدولة لكونهم من صدقائهم (كذا) وحضروا معهم للمعارك كلها قلت أم جلت وتقدموا قبلهم للموت للدفع على أنفسهم وعليهم وجاءهم من الأمر الشديد العسير ، ومنها أن الأمير لا يدع لهم يبقى على أيديهم من البلاد في عمالة وهران والجزائر إلا ما كان بسواحل البحر بالتحرير ، ففي وهران من البريدية للمقطع لمستغانيم ، وألحّ عليه في سائر الأمور.

ولما رأى الجنرال طول الأمد وأن الخبر بينهما ذاهب وآت وانتشر الخبر بأن الصلح سينعقد بين الدولة والأمير ، وسيصير المخزن تحت حكمه فيخلف منه الثأر تقلق المخزن بالتقلق الكثير ، وصار مصطفى يضحك من ذلك ويسلي مخزنه ويخاصمهم على الجزع ، وينهيهم على ما حل بهم بلا فائدة من الفزع ، خرج من وهران في الخامس عشر ماي من السنة السابقة ، ومعه مصطفى بمخزنه

١٦٦

بالمصاحبة ، الموافقة اللاحقة ، فنزلت المحلة بالبريدية بالتحرير ، وفي تلك الليلة (كذا) هجم الأمير على دواوير المخزن النازلين بالهايج الكبير ، فسبا (كذا) أربعة دواوير أحدهم دوار قدور بن إسماعيل محفون وكان الجنرال قد ذهب معه في تلك السفرة يهودي من وهران لتلمسان يقال له مخلوف خلفون وقد كتب هذا اليهودي للجنرال لما كان بافرانسا بأنه ألفى للصلح بابا مفتوحا أسهل من الأول بغاية الاقتدار ، ولما وصل الجنرال لتلمسان سأل منه اليهودي خلفون تسريح السي حمادي السقال قايد الحضر في أيام الأمير وقد سجنه لما ظفر به الكوماندار ، فأخرجه الجنرال من السجن وتكلم معه بواسطة خلفون على الصلح وبعثه فورا للأمير ، وهو نازل بتالوت القصبات من بلاد أولاد الميمون في القول الشهير ، فذهب الصقال فورا ورجع من الغد للجنرال برضاء الأمير بالصلح على شروط أسهل من الشروط التي حضرها اليهودي بن دران ، قال فبنفس ما وصل الخبر للجنرال بيجو ذهب للمحلة التي هي بتافنة بعد ما أرسل مرة ثانية سي حمادي الصقال للأمير بالعيان.

إبرام معاهدة تافنة وشروطها

ثم جاء الأمير ونزل بمحلته في سيدي علي الزناقي غربي تموشنت / بالتقرير ، وبعث سي حمادي السقال وخليفته البوحمدي وحبيبه الحاج محمد بلخروبي القلعي مصاحبين للوكالة عند الجنرال إلى تافنة لإبرام الصلح بغاية التشهير ، وحين تفاوضوا رضوا بالشروط التي صدرت من الجنرال إلا شرط واحد أنكره أصحاب الأمير يكون في حماية الدولة وقالوا له أن شريعة الإسلام تنهى عن هذا من غير التخيير ، وكانت الشروط المقبولة من الجانبين ثمانية ، وهي : أن تفرغ الدولة للأمير تلمسان ، وأن تفرغ له تافنة علانية ، وأن تسرح له فورا جميع أسارى سكاك. وأن يدع الأمير بيد الدولة وهران ونواحيها من طريق صلاد إلى سبخة وهران إلى المرجة إلى سيدي سعيد ومنه للبحر بغير اشتراك وأما ملاتة دايرية وزمالية فهي للأمير ، وأن يدع لها بنواحي مستغانيم ما فعله بوهران ولا حد في ذلك إلا بإذن الأمير ، وأن يدع لها ما بيدها من نواحي الجزائر وأن يكون البيع والشراء بين الفريقين في غاية التسريح ، وأن يدفع الأمير للدولة الحبوب والدواب

١٦٧

المباحة الأكل التي تفتقر إليه موصلة إلى محل الاحتياج بغاية التبريح ، وكانت هذه الشروط قد عزم عليها الجنرال أبروسار حال قدومه ، فذهب قبل إتمامها وصار في عدومه.

ثم اجتمع الجنرال بالأمير بفج العطش في أول جوان ، وكان الأمير معه كبراء عسكره وخلفائه الاثناعشر وجيوشه الخمسة عشر ألف بالبيان ، وهو راكب على فرسه الأدهم لابسا برنوسا أبيض جاعلا قلمونته على رأسه وعليها خيط من الوبر ، وكان فارسا شجاعا بطلا مطاعا وله أربعة عبيد تابعة له بالأثر ، فجلسا معا على الأرض وحذاءهما الترجمان أراهمشة في المضمون واليهودي مخلوف خلفون ، فذكر الجنرال ما أراده وبه فاه ، وأجابه الأمير بقوله إن شاء الله. فوقف الجنرال وقال له قد سؤت الأدب (كذا) لما لم تجاوبني وأنا وكيل الدولة ، وجذبه من يده وأوقفه بسرعة للجولة ، فاستغاظ الأمير وركب فرسه ودخل جيشه وذهب إلى سبيله ، وترك الجنرال واقفا بسبيله ففطن الجنرال لفعله وذهب لمحله بتافنة باعتبار البيان ، وفي رابع جوان المذكور رجع الجنرال بجيشه لوهران وكان هذا الصلح في ثالث عشر صفر من السنة العربية المذكورة ، ويعرف بصلح سكاك وبتافنة المشهورة ، وقد كان مصطفى بن إسماعيل لا خبرة له بهذا الصلح ولم تشاوره عليه الدولة إلا بعد إبرامه فقال لهم أنتم أعلم بما ينفعكم ويليق بكم غير أن الذي يظهر لي أنكم غلطتم كثيرا وستندموا على رأيكم والصدوق يظهر صدقه من كلامه.

ثم بعد انبرام الصلح بتافنة بعث الجنرال بيج للجنرال دمريم بوهران ، وقال له لا تبعث للمعسكر اليهودي بن دران ، لأنه في فعله يخلط ويزيد الهوان ، ولما وصلت المكاتب للجنرال الكبير بوهران ، ألفى اليهودي بن دران قد ذهب للمعسكر ، وبفور وصوله للمعسكر ، كتب للمولود بن عراش والأمير أن ينكر الصلح الذي فعله خليفته / بمن معه في المستبن لأنهم تركوا من الشروط ما شرطه الأمير على الدولة من أمر المخزن ، وكان الجنرال قال مرة أخرى للأمير انزل بمحلتك في مقطع أم الربيع نيشان العنصر بالتحرير ، لأني نازل بفم تافنة فقبل منه ذلك الأمير ولما سمع اليهودي بن دران بذلك بعث مكتوبا للمولود بن عراش يقول له فيه بالقوة والجهد ، احذر نفسك من النزول في الموضع المعين

١٦٨

ولا تأمن في أحد ، وحين سمع الأمير ذلك لم يرد النزول به في المشتهر ، ولما سمع الجنرال أتى بنفسه ليتحقق بالخبر ، ولما أراد الانصراف أتى المولود بن عراش بينهما ومكن للأمير بطاقة وهو مكنها من الجنرال ، وأمره أن لا يطلع ما فيها إلا إذا وصل لمحله وكان فارغا من الأشغال ، وكان الأمير شرط في تلك البطاقة على الجنرال أن ينفي اثنا عشر رجلا من المخزن ويبعدهم عن الوطن ، منهم رايسهم (كذا) بالجهة الغربية مصطفى ابن سماعيل ورايسهم (كذا) بالجهة الشرقية المزاري بغير الوهن ، واسماعيل ولد قادي ، ومحمد ولد قدور البحثاوي ، وعدة ولد عثمان ، والحاج الوزاع بن عبد الهادي ، وغيرهم ليحصل للجميع الراحة مع الأمن ، وينفي من مستغانيم إبراهيم أبا شناق ، ليكون الارتباط بينه وبين الدولة بغاية ارتفاق ، ولما أطلع الجنرال على ما في البطاقة ترك الجواب عنها وصير نفسه كأنه غفل عن حلها.

ثم بعد أيام جاء الأمر لمصطفى بأنه تسمى جنرالا ومعناه رايس (كذا) الجيوش المخزنية وكبير قسمة وهران بكلها ، ولما سمع الأمير بارتقائه لذلك المنصب ومكافأت الدولة للمخزن بإعطاء الجوامك أيس من ذلك وأمره تلف ، ولم تنقطع تلك المكافآت على خيالة المخزن إلا في المعركة الواقعة في عام خمس وأربعين وثمانمئة وألف ، وكان انبرام الصلح بالنسبة للشهور المسيحية في ثلاثين ماي المتقدم الذكر ، وفي رابع جوان من تلك السنة في القول الشهير خرج الجنرال بجيشه من تلمسان وتافنة ودخل وهران في تاسعه ودخلت تلمسان في طاعة الأمير.

الأمير ينظم دولته بعد صلح تافنة

قال مرطبلي في تاريخه وفاز الجنرال بيجو بافتخاره وهمته على سائر الأقران ، كما فاز الأمير بدين الإسلام وناربه المكان ، قال واشتد الأمير في شراء السلاح والخيل وكل ما يفتقر إليه من الآلة ، وكتب كثيرا من العسكر والخيالة ، وضبط أمره بحسب استطاعته ، فهو شجاع لكن (كذا) الخديعة في جماعته ، مع شدة رأيه العسير ، وعدم إنصاته لأهل الرأي والتدبير ، بل كان رأيه في يد بني عامر والحشم ، فهو مصغ لهم إلى أن أورثه ذلك للتلاشي والفصام ، ولو مشى

١٦٩

برأي السيد الحاج عبد القادر أبي كليخة والسيد الحاج محمد بن الخروبي والمولود بن عراش ، لكان مستقيم الأمر ومستديم الملك لكنه (كذا) كان مصغيا للأندال والأوباش.

وصير رعيته على تسعة أقسام ، وجعل على كل قسم خليفة عليه لتدبير الأمور والأحكام ، ونقل كرسي مملكته لمدينة تاقدمت وصيرها قاعدة ملكه لكونها بلد أسلافه بالاحتكام / وضرب بها السكة والسلاح ودام الصلح بين الفريقين أربعة أعوام وصار سلطان الفرانسيس يهاديه بأتحف الهدايا التي لديه ، وهو يبعثها لمولاي عبد الرحمن سلطان المغرب الأقصى (كذا) وصير نفسه كأنه الخليفة عليه.

قال في جوهرة الرضى :

وبدا له في نقل أهله دخره

لتاقدمت الغد أحل بها واستقر

لكونها كانت مسكنا لأسلافه

فصيرها دارا للتعش بها أجدر

وعاد بها الإيوان للخير والرضى

وأنواره تلوح بالعز والنصر

وأهل التلول والصحاري بنصره

تنادي جهارا رائمة نيل الوطر

وعدد الخلفاء لضبط أموره

في سائر ملكه فحق له الوقر

كما عدد الآغات ثم قياده

ورتب ملكه ترتيب من انتصر

وقال فيها أيضا :

ورتب جيوشا لدفع عدوه

من ركاب والمشاة يضبطها الدفتر

فركابها سيافة وخيالة

ومشاتها هم المسمون بالعسكر

وكل فريق اسم رايسه آغا

فحبذا من جيش وحبذا من أمر

قال ولنرجع بالكلام إلى اليهودي بن دران الذي كان سببا في الصلح لدخوله تحت رأس الجنرال والمكلف بتبليغ الهدايا للأمير ، فإنه قال للجنرال مرة كان اللائق بك أن تهادي أعيان دولة الأمير وأهل دائرته وحزبه كما تهادي الأمير ، لتكون كلمتك عنده وعندهم مسموعة وعالية ، وبذلك يدوم الصلح في قولة جالية ، فوافقه الجنرال على ذلك وبعث هدية من الدراهم لأم الأمير وزوجته

١٧٠

والحاج الجيلالي بن هاوية صاحب الأمير والحاج البخاري أبي زيد قائد المعسكر وغيرهم من أهل صحبته ، وكان هذا اليهودي انتقم الله منه سمسارا عظيما ، وجعل بين الدولة والمخزن وبين الأمير خلاطا جسيما ، من جملته أنه أتى ذات يوم إلى مصطفى والمزاري ، وصار يعطيهما في الرأي الذي نظرهما فيه أحسن ويقول لهما لو ذهبتما لبيت الله الحرام لأداء الفريضة لكان لكما أحسن من كل شيء بغير التماري ، فأجابه مصطفى بقوله أيها اليهودي قد على شأنك إلى أن صرت مدبرا لنا (كذا) اذهب في حالك عنا فإن الدولة إذا أرادت نقلنا لمحل آخر فلها ذلك ، وإني بحمد الله لمتهيء لذلك ، وأما الحج فهو من ديننا إذا يسره الله علينا / فلا أشاور فيه أحدا سوى رأسي ولا مدخل لأحد في ما هو اختياري ، ووافقه على ذلك ابن أخيه المزاري ولما لم يجد حيلة لتفريقة (كذا) بين مصطفى والمزاري والمخزن في جميع ما قد انتخب ، ذهب للحاج الوزاع بن عبد الهادي الزمالي وقال له أني وجدت لك منصبا في عمالة الجزائر إذا أردته وتستريح من مصطفى فخذه فأجابه لذلك وذهب ، وأما الباي إبراهيم أبو شناق ذو الرأي الجاير ، فإنه لما رأى ذلك سلم في الوظيف ودخل للجزائر ، ولما رأى الأمير جيشه قد زاد في القوة والكثرة واستراح ، وقع منه الاعوجاج على ما كان عليه لكونه كان لا يأخذ المكس المعبر عنه بالقمرث من الذاهبين لوهران بالمبيع والآتيين (كذا) منها به حال الصلح بانشراح ، وكل ذلك بسبب بن دران ، ليحصل له الربح بكل ما كان.

ولما رأى الجنرال بيجو كثرة الخلاط الذي سببه الجنرال بروسار رفع أمره لشريعتهم بافرانسا بالتحقيق وكان بروسار ذهب لاسبانيا ومنها رجع لافرانسا فأدخل في السجن لغاية التحقيق ، وحين سمع اليهودي بن دران بأن صاحبه في الشرع خشي أن يقر بفعله الأمير ، ويكون فيه من أهل الصدق الكثير آجر فورا رجلا من الزمالة بمائة دور وأمره أن يذهب عجلا ، للمعسكر ببطاقتين أحدهما للأمير والأخرى لبني عراش فأخذهما وذهب ليلا ، ولما سمع اليهودي عقّ أمسلم المطلع على أسرار الأمير بفعل بن دران ، وكان بينهما التنافس أخبر الدولة بالبطاقتين وما فيها قد كان.

١٧١

الفرنسيون يحتلون قسنطينة

ولما شرعت الدولة في البحث على هذا الأمر في بلد بربينيا ، حصل القتال بقسمطينة (كذا) بين الدولة والباي أحمد حتمينيا ، وبها مات المرشال دمريم بالكورة في الحادي والعشرين من اكتوبر (٢٢١) من سنة سبع وثلاثين وثمانمئة وألف الموافقة لعام اثنين وخمسين ومئتين وألف وتولى بموضعه فالي مريشالا وذهب الجنرال بيج لافرانسا في السابع من ديسمبر من العام المار ، وتولى بموضعه الجنرال أوفري الذي كان بموضع الجنرال أبروسار إلا أنه لم يطل لكونه ذهب للجزائر عند المرشال في الخامس والعشرين من جانفي سنة ثمان وثلاثين من القرن المسيحي المذكور ، وتولى بموضعه ليتنة جنرال (٢٢٢) وهو رفتيل الذي كان يروم إبطال الصلح إلا أنه مرض وذهب لافرانسا في أوت من تلك السنة في المشهور.

المولود بن عراش يسافر إلى فرنسا

وكان المولود بن عراش ذهب سفيرا لافرانسا في الخامس والعشرين من جويلية من تلك السنة وصحبته هدايا عظام من عند الأمير لسلطان افرانسا باشتهار ، وقد ذهب مصطفى بن إسماعيل قبله إلى مدينة بربينيا في افرانسا في الثاني والعشرين من جوان شاهدا في قضية الجنرال أبروسار ولما ذهب الجنرال رافتيل لافرانسا مريضا تولى بموضعه الجنرال فينوي / في أول ستانبر (كذا) من السنة المحاصلة ، وحين رأى الأمير غشامة الجنرال وغيبة مصطفى أخذ في الاستعداد لإبطال الصلح والشروع في المقاتلة.

تقرير ابن عراش للأمير عن حالة فرنسا

ولما رأى بن عراش افرانسا وأحوالها وجيشها وما هي عليه من القوة والتنظيم ، قال للأمير حال رجوعه أنك لا تطيق على محاربة هذا الجنس لقوته

__________________

(٢٢١) استولى الجيش الفرنسي على مدينة قسنطينة يومي ١٣ و ١٤ أكتوبر ١٨٣٧ ودامرون قتل خلال هذين اليومين ، وليس يوم عشرين كما ذكر المؤلف.

(٢٢٢) يقصد الليطنان جنرال رافتال : Raptel.

١٧٢

وما عليه من التحتيم ، وإذا أردت ذلك فينبغي لك أن لا تشرع معه في العداوة والقتال وجميع ما الأمر يؤل (كذا) إليه ، حتى تعين لنفسك وتابعك مكانا بعيدا محصلا لتمتنع به إذا غلبت وفررت إليه.

الأمير يهاجم حصن عين ماضي ويخربه

فاختار الأمير عند ذلك عين ماضي بالصحراء التي غزتها الأتراك المرة بعد الأخرى (ذا) ظنا منه أنها لبعدها من وهران وحصنها محل المنع ، فذهب لها بجيشه وحصرها ثمانية أشهر وعشرين يوما إلى أن قل ما بيده من الزاد وامتنع من النفع ، ولم يطق عليها ولا وجد سبيلا لكبيرها التيجيني ، وهو السيد محمد الصغير بن القطب المكتوم العلامة السيد الحاج أحمد بن سالم التيجيني وكان نزوله عليها في اليوم الرابع من ربيع الأول سنة أربعة وخمسين ومئتين وألف ، الموافق لسنة ثمان وثلاثين وثمان مئة ألف.

ولما لم يطق على الدخول إليها ، استعمل الحيلة التي توصله لدخولها والاحتواء عليها فبعث جماعة من العلماء والمرابطين ومعهم صهره خليفته الحاج مصطفى بن التهامي وهو الخليفة بالمعسكر ذات الانتظامي فدخلوها بالإذن من صاحبها وقالوا له أن الأمير المجاهد في سبيل الله لم يرد مقاتلتك ولا العتو عليك ، وإنما أنت أبيت من دخوله عليك ، لأن النصارى إذا سمعوا بمقاتلتكما يضحكون عليه وعليك ، وإنما أراد الملاقاة (كذا) معك للتبرك بك والاقتباس مما لديك ، لما سمع بك أنك شريف النسب ناسك متعبد وأنك موصوف بالفضل والخير وقد ستر الله عليك وعلى من معك في بلدك مما أنظم إليك ، فلذك أراد الدخول لمدينتك بجيشه ويمكث بها أياما بالتعبد والصلاة بمساجدها ، ويسأل الله (كذا) فيها أن يعينه على النصارى مع مشاركتك له في الدعاء بذلك وتأمين جيشك وجيشه عليكما بأورادها ، ثم يذهب لمقاتلة العدو ، الذي بغى عليه وشرع في العتو ، فرضي التجيني بذلك وأذن له في الدخول وذهب لموضع آخر من الصحراء وتركه دخلها في السابع والعشرين من شوال من السنة المذكورة ، الموافق للثاني عشر من شهر جانفي فاتح سنة تسع وثلاثين من المسيحية المشهورة ، وبمجرد دخولها شرع في هدم صورها وتخريبها ، فلم يطل بها بل

١٧٣

أخرج منها جبرا بقيام أهل الصحراء عليه مع ولد التجيني في تخريبها ، ورجع لبلده تاقدمت واستقر فيها بحسب الإمكان ، ورامى نقض الصلح بينه وبين الدولة والدخول في حالة الميدان ، فأمر خليفته البوحميدي بالذهاب للدواير والزمالة يتكلم معهم على نقض الصلح في السر والإعلان ، وذهب هو لناحية بجاية في تلك السنة في شهر جوان ، واشتغل بجمع الجيش بقصد المحلابة والافتان :

ولما رجع من الجهة الشرقية استيقض من نومه وفطن من غفلته التي بها قد كان ، واطلع يقينا على أن الخلاط الواقع إنما هو بأسره من اليهودي بن دران ، فسقاه / كأس سم بمليانة واستراح من هم اليهودي كثير البهتان ، فيا ليته لو تمادى على الصلح وتعضد بالمخزن بأجمعه من أول حاله لكان من أهل الإحسان.

نقض معاهدة تافنة

قال ولنرجع بالكلام على البوحميدي فإنه لما وصل إلى الدواير والزمالة سأل منهم الإذعان للأمير ، فلم يقبل كلامه منهم إلا من كان نازل بقرب طاعة الأمير لما واعدهم بتبليغ مرادهم لدى الأمير فممن أذعن له من الدواير الحاج قادة بالغول ويحيى بن رحو والحاج بختي ولد الحشمية ، وممن أذعن له من الزمالة السي أحمد بن مختار وبن يحيى ولد يوسف وقدور بن شايلة قولة مروية.

ثم قدم الدوك دورليان ابن سلطان فرانسا لوهران في نصف ستانبر (كذا) من سنة تسع وثلاثين وثمانمئة وألف وذهب للجزائر ، واستولت الدولة على البيبان ومزاية في ثامن عشرين أكتبر (كذا) من تلك السنة بالتصاير. وفي العيد الكبير من تلك السنة نادى منادي الأمير بالجهاد ، فاجتمعت عليه خلفاؤه وأغواته وقياده بمليانة من سائر البلاد ، ثم هجم على متيجة فقتل كل ما فيها من عسكر الدولة وأضرمها نارا ، ولم يراع لها حرمة ولم يخش عارا ، وجاء البوحميدي ثانيا بمحلته لقرب وهران ، فتقاتل المخزن معه في ناحية وفي الناحية الأخرى مع الغرابة في صحيح البيان.

وفي الثاني والعشرين من شهر جانفي سنة أربعين وثمانمئة وألف الموافقة للعام السادس والخمسين ومئتين وألف ، حصل القتال الشديد بين المخزن

١٧٤

وخليفة الأمير بالمعسكر وهو الحاج مصطفى بن التهامي في أبي التشيش ، فانتصر المخزن عليه وهزمه إلى أن فرد في حالة تفيش ومن ثاني فابري (كذا) إلى سادسه من السنة المتقدمة البيان ، ذهب هذا الخليفة بجيشه إلى مدينة مزغران ، فحاصرها أولا وانصرف عنها بإلزام ، ثم رجع لها في تلك المدة فحاصرها ثلاثة أيام ، ثم أقلع عنها بعد ما ضاع له الكثير من محلته على ما قيل باحتكام ، ومات من المخزن قدور بورقيبة وسي التامي ، وبلفراق دواير ، وسي محمد بالصحراوي النقايبي البرجي في قول من كان حاضرا وليس بحاير ، ومن القرغلان خمسة وعشرون نفرا منهم بن عودة ولد المازوني ومحمد بن دواجي والزواوي ولد الحاج أحمد تريكي إلى غيرهم جهرا ، ورومي فرانساوي (كذا) وعبد يقال له القرم.

وسبب قتله أنهم دخلوا دارا واشتغلوا بالقتال والذب عن أنفسهم وغيرهم إلى أن انقضى لهم البارود في القول غير المرم ، ثم رجع لها مرة ثالثة ففتك بها كثيرا ، وقتل أهلها قتلا عسيرا وذلك أن العسكر الفرانساوي دخل جامعها وصيره حصنا للقتال ، وشرع في الدفع بغاية الأحوال فمن التجأ له نجى ومن عجز أو لم يلتجأ (كذا) له قتله بتمامه ، وفاز بنيل غرضه ومرامه وكان رجل من رزيو يقال له الزبيب راميا ، فجعل بشارا إلى أن قتل من جيش الخليفة أربعة عشر نفرا قولا حافيا ولما انقضى له البرود قتل مع أمه وهو كالطود ، وقد قتل العدو امزابيا بقبر العود ، وكان العدو هجم على مستغانيم / في الخامس عشر ديسمبر من سنة تسع وثلاثين التي قبل هذه السنة ، وحصل القتال بينه وبين أهلها ولذلك جعلت الحماية بمزغران في القولة البينة ، وكانت الحماية بها في السادس عشر منه بتحقيق ، وفيها من الشجعان المزري وقدور بالمخفي وغيرهما من ذوي البأس والتوفيق ، ولولاهما لنال جيش الأمير مراده ، لكنه ذهب خائبا عن جميع ما أراده.

قال القبرنور مرطبلي (٢٢٣) في تاريخه ولما رجعت من مستغانيم لوهران أتيت برجل معي من أشجع العرب وأبغضهم للأمير في غاية ما كان ، وهو الشجاع قدور بالمخفي البالغ النهاية في قتل الفرسان ، وبقينا بوهران في حصار شديد ،

__________________

(٢٢٣) يقصد الحاكم من الكلمة الفرنسية : Gouverneur. ومرطبلي هذا هو مارتيمبري : Martimprey.

١٧٥

وضيق مساحة بما ليس من مزيد ومواشي الدواير والزمالة قد ضاعت لهم بغاية النفاذ ، لقلة الخصب والكلأ وهي تحت حيطان البلاد ، وهم معنا في الضيق الشديد ، والحصار الذي بلغ الغاية في المزيد ، وفرسانهم مع سيدهم مصطفى مكابدين على القتال ، وقد ظهرت شجاعته حال المبارزة والنزال وكان مسندنا عليه في غالب الأحوال ، فلقد شاهدناه بأنفسنا بجيشه في الغاية الصغيرة مبارزا للجيوش الكثيرة ذات الوبال ، وأعانته خيالتنا من السرسور الثاني ، وقد كان العسكر قريبا منهم ولو أحاطت بهم تلك الجيوش لهدمت لهم ساس (كذا) المباني.

وفي الثالث مارس من العام المذكور ، هجم البوحميدي خليفة الأمير بتلمسان على المشور على الدواوير وهم بقرب المرسى الكبيرة ، فلم يلحقه منه ضرر ودفعوا (كذا) عن أنفسهم بغاية التحرير وفي خامسه هجم عليهم غفلة وهم بمسرقين فلم يخلصوا منه إلا بالتعب الشديد والعذاب المهين ، وكان الكورينيل (٢٢٤) يوسف العنابي بناحية تنسانمت ، فأتاهم للإغاثة واشتد القتال إلى أن مات من السبايسي خمسين ورجع الأمر للفايت.

وفي سابعه جاء البوحميدي بجيشه من الألفين إلى الأربعة آلاف حاركا لأخذ غنم الدواير والزمالة وهم بين مسرقين والمرسى الكبيرة ، وقد جمع هذا الجيش بالوادي المالح في القول الشهير ، فخرج له مصطفى بمخزنه المؤيد بالنصر وقاتله إلى أن رجعه لورائه هاربا ، وللنجاة من فتك المخزن به طالبا.

وفي عاشره جمع البوحميدي أيضا جيشا كبيرا ما بين أولاد سيدي يحيى وغيرهم ونزل به في سيدي عبد الله بن ابركان من أولاد الزاير وصار يختلس به كأنه السامت (كذا) ولم يشعر المخزن به إلى أن صبحهم في الثاني عشر من ذلك الشهر وهم بتنسانمت ، فقاتلهم شديدا واجتز منهم سبعا وأربعين رأسا ، وذهب مسرورا وترك المخزن تعسا.

وفي الرابع عشر منه جاء البوحميدي أيضا بجيوشه فاجتمع بالمحلة ومعها

__________________

(٢٢٤) يقصد : الكولونيل من الكلمة الفرنسية : Colonel.

١٧٦

المخزن ما بين البريدية ومسرقين وكان القتال شديدا ، آل فيه الأمر إلى انهزام البوحميدي بجيشه بعد موت الكثير منه وذهب في هم وتخزين.

قال ولنرجع بالكلام إلى الجهة الجزائرية ، فإن في سابع العشرين من إبريل سنة أربعين وثمانمائة وألف أيضا الموافقة للسنة السادسة والخمسين ومائتين وألف محضا ، وقع القتال الذارع (كذا) بين الدولة والأمير بعفرون / ودخلت المدينة في يديها في سابع ماي وقيل في السابع عشر منه فيما يروون.

وفي السابع عشر منه وقع القتال الشديد بين محلة الدولة ومحلة البوحميدي بالبريدية آل فيها الأمر إلى انهزام محلة العدو بالكلية ، وفي ثامن جوان أخذت الدولة مليانة عنوة وفازت بها على الأمير وذهب هو حنوة (كذا) وفي الثامن والعشرين منه قدم البوحميدي لناحية الحفرة فمر بطريق سيدي حمادي وخرج لعين خديجة بغرب المرسى الكبير ، فلقيه في تلك الواقعة المخزن خاصة ووقع القتال الشديد من الصبح إلى نصف النهار بالتحرير بعد ما أدخلوا خيامتهم وأموالهم للبلد ، وقتلوا منه خلقا كثير لا يحصى في العدد.

قال وكان البوحميدي جاء في الرابع ماي الذي قبل هذا الشهر من سنة أربعين وثمانمائة وألف الموافقة لسنة ست وخمسين ومائتين وألف ، وهم بخنق البريدية بواسطة المسيلة ، ما بين البريدية والجبل في القولة الجليلة ، وكانت الدولة بلغها الخبر على ذلك فذهبت له في ثلاثة آلاف فارس ومعها المخزن تحت رئاسة الشجاع الكرار المزاري كثير المدارك ، فهجم على العدو في ذلك اليوم بلا أمر من الحكام ، لما هم فيه من الغيظ من تسلطه عليهم بهؤلاء الأقوام وقتلوا منه كثيرا لا يحصى في الكلام ولا ترى في القتال إلا المزاري كأنه الأسد الهصور ، أمام جيشه متقدما للطعن والضرب وفي أثره جيشه المنصور ، ففتكوا به فتكا شديدا قد خلفوا به الثأر ، وأزالوا عن أنفسهم اللوم والعار ، واشتغل المخزن بجمع السبي والخيول المتروكة من جيش العدو الغريقة في السبخة غائشة في الوحل عدة أيام بالعز والنفخة ، وأثنى حكام الدولة على المزاري ومخزنه في تلك الواقعة بالثناء الجميل ، وشكروا فعلهم بالشكر الجزيل.

ثم جاء البوحميدي إلى الدواير والزمالة وسأل منهم الإذعان للأمير وقال

١٧٧

لهم أنتم مؤمنون وأبناء المؤمنين ورجوعكم للأمير أفضل وأنا أعطيكم بلاد أولاد الزاير وما حاذها بالتحرير ، فوافقه على ذلك عدة أناس وذهبوا معه بخيامهم ، وجميع ما في ملكهم كدوابهم وأغنامهم ، وهم دوار أولاد بو علي والمغان رائمين بزعمهم لخيرهم ، والفراطسة ، وأولاد البهيليل ، والوشاشنة ، والكرادسة ، وغيرهم ، وكلهم دواير بالقولة التي ليست ذات الاستغرابة ، ولما رأى الزمالة ذلك سألوا من خليفة الأمير بالمعسكر أن يدعهم ينزلون بسيق بوسط الغرابة ، وهم قيزة والشوايلية والطوايلية والقدادرة والشماليل والرواونة وغيرهم بالمشتهر ، وكثر الخلاط بين الدواير والزمالة وبين الفرانسيس فغضوا عنهم البصر ، وبعد خدمتهم بالنية والصدق اتهموهم بالكثير ، وصار المخزن يذهب كل يوم فوجا فوجا عند الأمير ، ولما زال ذلك الضرر وأبطلوا عنهم الشك ألفوهم ذهب منهم عند الأمير ستة عشر دوارا من الدواير وسبعة عشر دوارا من الزمالة في قولة الخاير ومن بقي منهم بقي في الرزية الكبيرة الحالة بهم في شدة الأمور وباعوا كسبهم للمعيشة وطال بهم الحصار جملة من الشهور ، وصار المخزن من شدة / الضيق معيشتهم في طبخ الدقيق بالزيت وأكل ما لا يوافقه من أرذل العيش في قصر الصيت ، ولا زالوا على ذلك إلى أن قدم الجنرال لمرسير الذي تسميه العرب أبا هراوة لوهران ، فاستراح المخزن من ضيقه وزال ما به من الضيم والهم والأحزان.

ولما تسمى الجنرال لمرسيار بوهران في عشرين أوت سنة أربعين وثمانمائة وألف ، الموافقة لسنة ست وخمسين ومأتين وألف أمر (كذا) بإبطال محلة البريدية واعتنى بأمر المخزن غاية الاعتناء وأحبه كثيرا وألفاه العمدة في كل شيء ، وصار يمونه بالمقح والشعير والحشيش للدواب وكل ما يفتقر إليه وبالزاد للسّفر ، وأمر العسكر أن يجعل عليه خندقا يمنعه من العدو فكم من مرة دخل عليهم العدوّ في الخندق المحتفر.

ولما رأى المخزن ذلك الاعتناء بهم وحصونهم في العز امتنعوا بعد ذلك من الفرار عند العدوّ ورجع الجنرال يبعث الجواسيس كل ليلة للإتيان بالخبر من كل جهة عل العدو ، والأمير محاصر لوهران بجيوشه من ناحية الغرب والقبلة ، فالبوحميدي بمحلته من جهة الغرب والحاج مصطفى بمحلته من جهة القبلة ، والغرابة في غاية ما يكون من التسلط على وهران ، ولا فرق عندهم بين النصارى

١٧٨

والمخزن في إرسال الذل والهوان ، وكان المخزن تحت رئاسة مصطفى وابن أخيه المزاري الذين لهما أصل جيد ولهما الحكم من أول الحال إلى آخره بغير التداوي. قال مرطبلي في تاريخه وكان مصطفى في حكمه في شد وحزم ، وضبط وعزم له تحليلات في القتال عظيمة ولم يبلغها إلا قليل من الرجال وله كلمة مسموعة جسيمة ، وكان بطلا معاندا شديد الثبات في القلب ولا يرجع على عدوه إلا بحصول الغلب ، وله توفير وشجاعة كبيرة ولا يفرق بين الموت والحياة وله معرفة كبيرة ، وكان لا يحب الانحصار في دائرة الحفير ، ويقول الفوز والعز يحصل (كذا) بالتقدم للعدو ولا بالتأخير وكذلك ابن أخيه المزاري فإنه مرادفه في الأمور ، ومضاهيه في الأحوال وربما فاقه في بعض الأمور.

قال ولما سمع الجنرال بأن البوحميدي بجيشه ومنه بني عامر ، جاء وكمن بالعين البيضاء بإزاء السبخة الكبيرة في قولة كل عامر ، يقصد ، نهب المواشي ، ولم يعلم أنه سيكون في التلاشي حاله في الرضخة ، وقد كان مصطفى توجه بمخزنه في ذلك اليوم بكرة لناحية الكرمة ورجع على ديخة ، فاجتمع بقوم الغرابة فظهر بهم وقتل منهم واجتز كثيرا من رؤوسهم ويعرف ذلك اليوم بيوم القرناع وأزال لهم ما كان بهم من الطيسة والنفخة ، وكان ذلك في ثالث اكتبر (كذا) من السنة المذكورة بالتحقيق وصار المخزن يمنع العدوّ من المجىء إليه ويدافع عن نفسه وملازم للتصديق ، وفي الثاني والعشرين من الشهر المذكور ، الموافق للخامس والعشرين من شعبان في المسطور ، خرج الجنرال بجيشه ومخزنه غفلة قبل أن يكون الخبر عند خلفاء الأمير وغزى (كذا) على دوار بن يعقوب بن سهيلة الغربي آغة الأمير وهو بجبل المحقن بنواحي جنين مسكين بغرب / مكدرة فوق تليلات ، فأخذ كل ما وجده عنده من السلاح والحلي والقش والدواب وغيرها بغاية الثبات ، وألفى بخيمته مال الأمير وهي اللزمة قدرها اثنا عشر ألف ريال بوجهه وسبا (كذا) المخزن نساءه وحلائل أولاده وكان آغة (كذا) غائبا بالمعسكر لنيل أوراده ولم يشعر العدوّ بالمحلة إلى أن دخلت وهران ، فانتشر الخبر وللناس ظهر وبان وبهذه الواقعة تشجعت (كذا) العساكر وصار للجنرال فسحة في خدمته ودخل الخوف قلوب الأعراش المجاورين لوهران وجلس كل واحد بخيمته. وفي ثامن نوانبر (كذا) من سنة أربعين وثمانمائة وألف الموافق لثالث عشر رمضان من

١٧٩

عام ست وخمسين ومائتين وألف ، خرج الجنرال ليلا بجيشه وأمامه مصطفى بمخزنه الأسود وهم في سيرهم كأنهم الفهود إلى أن وصل ليلا لمطمر أولاد علي الذي هو يمين وادي تليلات ، فأخذه في نصف اليل (كذا) ورجع لناحية مدينة تليلات ، فبينما الجيش سائر وإذا بالعدوّ غشى المحلة من كل جهة رائما للافتيات وكانت هناك شعبة فصلت بين عساكر المحلة فصلا كبيرا ، وأبعدتها عن بعضها بعض إبعاد كثيرا وحصل القتال الذريع والناس في القتال ما بين خائف وسجيع ، ودام القتال إلى أن صارت الناس في الهلاك ، ورجع كل واحد يطلب لنفسه النجاة. والسلاك (كذا) إلى أن مات من المحلة الكرنيل (كذا) مسيون مع ستة من أعيان السرسور ومات من المخزن إسماعيل ولد بالمختار ولد أعمر البحثاوي في المسطور ، وعدة ولد بلاحة الزمالي فيما للراوي ومات فرس محمد بالبشير البحثاوي. وتعرف هذه الواقعة بواقعة الجرف الأحمر وكدية الغندول وباتت المحلة تلك اليل (كذا) بتليلات وذلك في تاسع الشهر المذكور وفي عاشره وقع القتال الشديد بين المحلة وجيش البوحميدي في المشهور ، وذلك بموضع يقال له ديخة وذهب العدوّ مفلولا ودخلت المحلة لوهران بمخزنها في نفخة.

ثم خرجت المحلة وصحبتها المخزن بالتبيين ، إلى أن لحقت البعض من بني عامر نازلين بشعاب تمزوعة في غاية التعيين بأعلا (كذا) وطاء ملاتة في المنقول فأخذت لهم حب مطمر أبي شويشة الذي أخذوه سابقا من الدواير والزمالة ، وبهذا صار الانحصار يزول عن الدولة ومخزنها من الدواير والزمالة وظهر بيع الأشياء من العرب بسوق وهران واشتغلت الناس بالبناء في كل زمان ومكان وكان ذلك في الشهر المذكور.

ثم غزى بجيشه ومخزنه المشكور أولاد جبارة وأولاد خالفة في ثامن العشرين من نوانبر (كذا) المذكور فأخدهم ، أخدة رابية وغنمهم غنيمة جابية وكل ما ظفر به من السبي قسمه على مخزنه إلى أن خلفوا ما ضاع لهم ولم يبقى واحد منهم في مخزنه. قال ولنرجع بالكلام إلى جهة الجزائر بالقولة المبينة ، فإنها في الحادي والثلاثين من دسانبر من السنة المعينة ، حصل بينها وبين العدو قتال شديد بما لا مزيد عليه ، بين الشفة والبليدة فكان النصر لها عليه.

١٨٠