مصباح الفقيه - ج ١٠

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٨

بحسب الممكن بحيث لا تبدو معه العورة ، وأن يجعل السجود أخفض ؛ محافظة على الفرق بينه وبين الركوع ، واحتمل وجوب وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرّجلين في السجود على الكيفيّة المعتبرة في السجود (١).

ومستنده في ذلك كلّه بحسب الظاهر قاعدة الميسور.

ولا يخفى عليك أنّه لا يرفع اليد بمثل هذه القواعد عمّا تقتضيه إطلاقات الأدلّة ، مضافا إلى ما تقدّمت الإشارة إليه من أنّ الوجوب قد انتقل إلى الإيماء ، فلا معنى للتكليف بالممكن من السجود.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ إيجاب الإيماء إنّما هو لكونه من المراتب الميسورة للركوع والسجود ، التي لا تسقط بمعسورها ، لا أنّه من حيث هو ماهيّة أخرى أجنبيّة عنهما قد جعله الشارع بدلا منهما تعبّدا ، فحينئذ تجب رعاية ما هو الأقرب إليهما فالأقرب ؛ رعاية للقاعدة لولا حكومة الإطلاقات عليها.

ولكن يتوجّه عليه : أنّه يعتبر في جريان قاعدة الميسور كون المأتيّ به بنظر العرف من مصاديق المأمور به بنحو من المسامحة العرفيّة بحيث لو قلنا بكون الألفاظ أسامي للأعمّ من الصحيحة ، لاندرج المأتيّ به في مسمّاه حقيقة ، ومن الواضح أنّه وإن أمكن دعوى تحقّق هذا المعنى في الركوع في الجملة ولكنّه لا يتحقّق بالنسبة إلى السجود ؛ ضرورة أنّ وضع الجبهة على الأرض من مقوّمات مفهومه عرفا ، فالانحناء الغير الموجب لوصول الجبهة إلى الأرض أجنبيّ عن ماهيّة السجود فضلا عن مطلق الإيماء.

__________________

(١) الذكرى ٣ : ٢٣ و ٢٤ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤٤.

٤٢١

نعم ، بينهما مناسبة عرفيّة مقتضية لجعله بدلا ، فليس أجنبيّا صرفا كي تكون بدليّته عنه تعبّدا محضا.

وكيف كان فلا مسرح للقاعدة بالنسبة إليه.

نعم ، لو قلنا بأنّ الانحناء في حدّ ذاته من أجزاء الصلاة ، أمكن التشبّث لإثبات ما تيسّر منه بقاعدة «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» لو لا ظهور الأخبار الآمرة بالإيماء في خلافه ، فليتأمّل.

وينبغي التنبيه على أمور :

الأوّل : أنّه لو وجد الساتر في أثناء الصلاة ،

ففي محكيّ التذكرة وغيره : إن أمكنه الستر من غير فعل المنافي ، استتر وأتمّ صلاته ، وإن توقّف على فعل المنافي ، بطلت صلاته إن كان الوقت متّسعا ولو بمقدار تحصيل الستر وأداء ركعة في الوقت ، وإلّا استمرّ (١).

واحتمل بعض (٢) الاستمرار مطلقا ؛ للأصل ، والنهي عن إبطال العمل (٣).

أقول : هذا الاحتمال في غاية الضعف ؛ إذ لا مسرح للأصل بعد شهادة النصوص والفتاوى باشتراط الستر في الصلاة لدى القدرة عليه ، وهي حاصلة بالنسبة إلى الأجزاء الباقية ولو باستئناف الصلاة.

وأمّا النهي عن إبطال العمل : فقد عرفت مرارا أنّه لا يصحّ الاستدلال به في

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٥٧ ، الفرع «د» من المسألة ١١٤ ، مدارك الأحكام ٣ : ١٩٧ ، وحكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٨ : ٢٠٢.

(٢) العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٩٧.

(٣) سورة محمّد ٤٧ : ٣٣.

٤٢٢

مثل المقام.

وأمّا ما ذكروه من وجوب الستر والمضيّ ما لم يتوقّف على فعل المنافي ، والاستئناف عند توقّفه عليه ما لم يتضيّق الوقت : فهو لا يخلو عن قوّة.

أمّا وجوب الاستئناف عند توقّفه على فعل المنافي : فلما أشرنا إليه من أنّه من مقتضيات شرطيّة الستر في الصلاة لدى القدرة عليه ، وهي ممّا لا مجال للارتياب فيه.

وأمّا المضيّ فيها بعد الستر ما لم يتوقّف على فعل المنافي : فربما يعلّل بأنّ الأجزاء السابقة الواقعة بلا ستر وقعت صحيحة ؛ لكونها موافقة لما هو تكليفه في ذلك الوقت ، والأجزاء الباقية يأتيها مع الستر ، وما بينهما ـ وهو زمان التشاغل بفعل الستر ـ عفو ؛ إذ لا يعقل أن يكون الستر في هذا الحين شرطا في الصلاة ؛ لكونه تكليفا بما لا يطاق.

وفيه : أنّ الستر في هذا الحين وإن لا يعقل جعله شرطا في الصلاة لكنّ الجزء الواقع في هذا الحين يعقل أن يكون مشروطا بالستر ، فيجب عليه على هذا التقدير إعادة الصلاة مقدّمة لوقوع هذا الجزء مع الشرط ، ولكنّ الشأن في إثبات شرطيّة الستر على الإطلاق حتى يقتضي إطلاق شرطيّة الاستئناف في مثل الفرض ، فإنّ غاية ما يمكن استفادته من الأدلّة إنّما هو شرطيّته في حال العمد والاختيار ، فلا يعمّ مثل الفرض ، كما تقدّمت الإشارة إليه في مسألة ما لو انكشفت العورة في الأثناء ، فالأولى الاستدلال له بقصور الأدلّة عن إفادة شرطيّته بالنسبة إلى ما يقع منها في هذا الحين ، فليتأمّل.

هذا كلّه في سعة الوقت ، وأمّا مع الضيق فلا مجال للارتياب في أنّه يمضي

٤٢٣

في صلاته ، فإنّ مراعاة الوقت أهمّ من مراعاة الستر بلا شبهة.

هذا إذا ضاق الوقت عن تحصيل الستر واستئناف الصلاة في الوقت ولو بمقدار أداء ركعة ، وأمّا إذا تمكّن من إدراك ركعة ، فهل يمضي في صلاته رعاية للوقت الاختياري ، أو يستأنف رعاية للستر ، كما في محكيّ التذكرة وغيره (١)؟ فيه تردّد ، منشؤه ما تقدّمت الإشارة إليه من أنّ القدر المتيقّن الذي يمكن استفادته من الأدلّة إنّما هو شرطيّة الستر مع العمد والاختيار ، فكما أنّ الوقت الاختياري لأجل تقييده بالاختيار لا يصلح أن يزاحم تكليفا ، فكذلك الستر ، فهما بنفسهما يتزاحمان في مثل الفرض ، نظير ما لو دار الأمر بين إدراك جميع الصلاة في الوقت مع الطهارة الترابيّة ، أو ركعة منها مع المائيّة ، فلا بدّ في مثل هذه الموارد من مراعاة الأهمّيّة ، وهي ممّا لم تثبت في شي‌ء منهما.

اللهمّ إلّا أن يدّعى استفادتها بالنسبة إلى الستر ممّا ورد في كيفيّة صلاة العاري من الإيماء للركوع والسجود حيث يفهم منها أهمّيّة الستر من الركوع والسجود اللّذين لا يصلح لمزاحمتهما رعاية الوقت الاضطراري ، فليتأمّل.

وحكي عن بعض (٢) الأساطين القول بوجوب الاستئناف في سعة الوقت مطلقا ، سواء توقّف على فعل المنافي أم لا ، فكأنّه نظر إلى أنّ الصلاة بلا ستر كلّا أو بعضا تكليف عذريّ تتوقّف صحّته على استيعاب العذر للوقت ، كما هو الشأن في جميع التكاليف العذريّة التي لم يرد فيها نصّ خاصّ على كفاية الضرورة حال الفعل في شرعيّته.

__________________

(١) راجع : الهامش (١) من ص ٤٢٢.

(٢) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح على ما حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٨ : ٢٠٢.

٤٢٤

ولا ينافيه الالتزام بجواز البدار في سعة الوقت مع اليأس عن زوال العذر أو مطلقا ؛ إذ غاية ما يلزمه وقوع صحّة الفعل الاضطراري عند الإتيان به في سعة الوقت مراعاة بعدم انكشاف الخلاف ، ولا محذور فيه ، عدا أنّه مع رجاء زوال العذر والتمكّن من الفعل الاختياري قد لا يتأتّى منه الجزم في النيّة حال الفعل ، لكنّ القائل بجواز البدار في مثل الفرض قد لا يعتبر الجزم في النيّة في المقام.

وكيف كان فلا يتوجّه على القائل بوجوب الاستئناف لو استند في قوله إلى الوجه المزبور الاعتراض بأنّ الأمر الظاهريّ يقتضي الإجزاء ؛ إذ في كلتا مقدّمتيه نظر بل منع ؛ حيث تقرّر في محلّه أنّ امتثال الأمر الظاهريّ غير مجزئ عن الواقع عند انكشاف المخالفة ، مع أنّه ليس في المقام أمر ظاهريّ ، فإنّ من صلّى في سعة الوقت بظنّ الضيق أو لزعمه عدم زوال العذر ثمّ تجدّدت القدرة لم يمتثل إلّا أمرا وهميّا لا واقعيّة له ، بناء على أنّ استيعاب العذر وعدم التمكّن من الخروج عن عهدة التكليف الاختياري في مجموع الوقت المضروب له شرط في صحّة الاضطراريّ.

ثمّ إنّ مقتضى هذا البناء وجوب الإعادة فيما لو تجدّدت القدرة بعد الصلاة أيضا ، ولعلّ البعض المتقدّم إليه الإشارة (١) ملتزم بالإعادة في هذه الصورة أيضا ، ولا يلزمه الالتزام بالإعادة فيما لوبدت عورته حال الصلاة ولم يعلم به حتى فرغ ، بل ولا الالتزام بالاستئناف فيما لو علم به في الأثناء وتمكّن من سترها بلا فعل المنافي ؛ لجواز التزامه بكون الستر ـ كالطهارة الخبثيّة ـ من الشرائط المخصوصة

__________________

(١) في ص ٤٢٤.

٤٢٥

بحال الذكر ، كما يشهد له ـ مضافا إلى الأصل ـ الخبر (١) الذي سمعته في تلك المسألة ، فيكون حال جاهل الانكشاف حال جاهل النجاسة ، الذي لا يجب عليه الإعادة لا في الوقت ولا في خارجه ، كما عرفته في أحكام النجاسات.

وأمّا غير المتمكّن من الستر فكغير المتمكّن من إزالة النجاسة حاله حال غيره من أولي الأعذار التي قد يتّجه فيها الكلام المتقدّم.

نعم ، لو كان مستند هذا القول الخدشة في العفو عمّا يقع من الصلاة في حال التشاغل بالستر : بما تقدّم التنبيه عليه عند التكلّم فيما لو علم بانكشاف عورته في الأثناء ، اتّجه التفصيل بين زوال العذر في الأثناء أو بعد الفراغ من الصلاة ، فليتأمّل.

وكيف كان فيتوجّه على هذا القول إن كان مستنده الوجه الأخير ـ أي الخدشة في العفو عمّا يقع في حال التشاغل ـ ما عرفته فيما تقدّم من قصور الأدلّة عن إفادة الشرطيّة على الإطلاق بحيث يقتضي إطلاقه بالنسبة إلى حال التشاغل بالستر استئناف الصلاة مقدّمة لعدم تخلّل تلك الحالة ـ التي يمتنع فيها الستر ـ بين ما عداها من أكوان الصلاة ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وإن كان مستنده الوجه الأوّل ، فيتوجّه عليه أنّ مقتضى ظاهر صحيحة (٢) عليّ بن جعفر ومرسلة (٣) ابن مسكان ، الواردتين في كيفيّة صلاة العاري : جواز الإتيان بها في سعة الوقت عند حضور وقتها ، فإنّهما وإن كانتا مسوقتين لبيان

__________________

(١) أي : صحيحة عليّ بن جعفر ، المتقدّمة في ص ٣٩٧.

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٤٠٦ ، الهامش (٥).

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٤١٥ ، الهامش (٥).

٤٢٦

الكيفيّة لكن ظاهرهما المفروغيّة عن جواز فعلها بعد حضور وقتها ، فيفهم من ذلك أنّ العبرة بالضرورة حال الفعل لا مطلقا ، وإلّا لنبّه عليه الإمام عليه‌السلام في مثل هذه الأخبار.

نعم ، لمّا كان التكليف عذريّا ، لا ينسبق من مثل هذه الأخبار إرادته مع العلم بزوال العذر ، بل وكذا مع غلبة الظنّ ، وهذا بخلاف مجرّد الاحتمال الذي يتحقّق كثيرا مّا في موارد الضرورة.

وممّا يؤيّد المدّعى بل يمكن أن يدّعى استفادته أيضا منه سائر الأخبار الواردة في كيفيّة صلاة العاري جماعة وفرادى ، فإنّه لو كان الأمر فيها مبنيّا على المضايقة ووجوب التأخير إلى آخر الوقت ، أو الإعادة على تقدير تجدّد القدرة عند الإتيان به في سعة الوقت ، لبيّنه الإمام عليه‌السلام في مثل هذه الأخبار ، فليتأمّل.

والإنصاف أنّ ما ذكرناه وإن لا يخلو عن قوّة ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإتمام الصلاة بعد الستر ثمّ إعادتها ، كما أنّ الأحوط إعادتها فيما لو تجدّدت القدرة بعد الصلاة ، والله العالم.

الثاني : لا شبهة بل لا خلاف في أنّه لا يجب الستر للصلاة والطواف من جهة التحت ،كما يشهد له الأخبار الدالّة على جواز الصلاة في القميص ونحوه ، ولكن هذا في غير الواقف على طرف سطح بحيث ترى عورته لو نظر إليها ، وأمّا فيه فقد جزم غير واحد بالوجوب وبطلان الصلاة بدونه. وعن بعضهم (١) ذلك مع وجود الناظر.

__________________

(١) الشيخ جعفر في كشف الغطاء ٣ : ١٤ ، والحاكي عنه صاحب الجواهر فيها ٨ : ٢٠٤.

٤٢٧

وعن الشهيد في الذكرى التردّد فيه : من أنّ الستر إنّما يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها ، ومن أنّه (١) من تحت إنّما لا يراعى (٢) إذا كان على وجه الأرض ؛ لعسر التطلّع حينئذ ، لا مطلقا. قال : ولو قام على مخرم لا يتوقّع ناظر تحته ، فالأقرب أنّه كالأرض ؛ لعدم ابتدار الأعين (٣). انتهى.

وفي الجواهر ـ بعد أن نقل ذلك منه ـ قال : قد يشكل عليه الفرق بين السطح والمخرم كالشّبّاك ونحوه ، ولا مدخليّة لعدم توقّع الناظر ؛ إذ المدار في عورة الصلاة على الستر على تقديره (٤). انتهى.

أقول : تقدير الناظر لا يجعله بمنزلة ناظر محقّق في كونه منافيا لحصول الستر عرفا ، ألا ترى أنّه يجوز تقدير وجود ناظر تحت درع المصلّي ، ولا ينافي ذلك حصول الستر ـ المعتبر في الصلاة ـ به ، وهذا بخلاف ما لو كان المقدّر محقّقا ، فإنّه قد ينافيه ؛ حيث لا يصدق معه كونه مستور العورة على الإطلاق ، فلو وقف المصلّي على شبّاك موضوع على بئر ونحوها ممّا لا يتوقّع معه الناظر ولو شأنا ، فليس حاله لدى العرف في صدق كونه مستور العورة إلّا كحال من صلّى على الأرض ، إلّا أن يكون في البئر من يتوقّع نظره ، فيكون وجوده بالفعل مانعا عن حصول الصدق في العرف ، كما في المثال.

نعم ، لو كان الشّبّاك ونحوه في مكان من شأنه التطلّع على عورته من جهة

__________________

(١) أي الستر.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «لا ترى» بدل «لا يراعى». وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الذكرى ٣ : ٢٠ ـ ٢١ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٨ : ٢٠٤.

(٤) جواهر الكلام ٨ : ٢٠٤.

٤٢٨

التحت ، اتّجه الالتزام بوجوب الستر من جهة التحت أيضا ، فإنّه لا يصدق بدونه حينئذ ستر العورة على الإطلاق في العرف.

وكذلك الكلام فيما لو صلّى على سرير مخرم معمول من جرائد النخل ونحوها ، فإنّ الصلاة عليه ليس إلّا كالصلاة على الأرض في أنّه لا يفهم أحد من وجوب ستر العورة في الصلاة الستر من جهة التحت عند صلاته عليه ، إلّا أن يكون تحت السرير من يتوقّع نظره ، أو يكون في حدّ ذاته صالحا لذلك بأن كان ـ مثلا ـ معبرا للناس أو محلّا لجلوسهم ونومهم أو غير ذلك بحيث تكون جهة التحت أيضا لدى العرف كسائر الجهات التي جرت العادة بالنظر منها ، فليتأمّل.

الثالث : لو كان في ثوبه خرق ، فإن لم يحاذ العورة ، فلا إشكال ،وإن حاذاها ، بطلت صلاته ؛ للإخلال بشرطها.

ولو جمعه بيده بحيث تحقّق الستر بالثوب بإعانة اليد ، فلا إشكال أيضا.

وأمّا لو وضع يده عليه بحيث حصل ستر العورة كلّا أو بعضا بواسطة اليد ، ففيه إشكال منشؤه ما عرفت فيما سبق من أنّه لا اعتداد بالستر باليد وأشباهها في حصول الستر المعتبر في الصلاة ، ومن أنّ هذا فيما إذا استقلّت اليد وشبهها بالساتريّة ، لا في مثل المقام الذي يكون وضع اليد بمنزلة الشرط المصحّح لساتريّة الثوب ، حيث إنّ اللابس للثوب المشتمل على الخرق قد ستر عورته بذلك الثوب من سائر الجهات عدا الجهة المحاذية للخرق ، وهي من هذه الجهة عند وضع يده على الخرق لا تحتاج إلى الستر ، كما لا يحتاج ذكره في الستر عند جلوسه وضمّ فخذيه إلى أزيد ممّا يلقى على ظاهره ، وبه يحصل الستر المعتبر في الصلاة ، مع أنّ ستره من سائر الجهات قد حصل بضمّ الفخذين ، الذي لا اعتداد

٤٢٩

به عند استقلاله بالساتريّة في باب الصلاة ، فهذا الوجه لعلّه أقوى ، ولكنّه لا اطّراد له ، كما لا يخفى.

وقد ظهر بما ذكر حال الصلاة في قميص واسع الجيب الغير المانع عن ظهور العورة حال الركوع والسجود لمن كان له لحية طويلة مانعة عن ظهورها ، فإنّ اندراجه بلبس هذا القميص في موضوع الساتر عورته بما لبسه لدى العرف أوضح منه في الصورة المزبورة ، فالأظهر صحّة صلاته فيه ، وسببيّة طول لحيته لكفاية مثل هذا القميص ساترا لعورته ، والله العالم.

الرابع : المشهور بين الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ استحباب الجماعة للعراة كغيرهم ،بل عن بعض دعوى الإجماع عليه (١) ؛ لعموم أدلّة الجماعة.

وخصوص صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن قوم صلّوا جماعة وهم عراة ، قال : «يتقدّمهم الإمام بركبتيه ويصلّي بهم جلوسا وهو جالس» (٢).

وموثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قوم قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم ، فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ قال : «يتقدّمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيومئ إيماء بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم» (٣).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٦٠ ، المسألة ١١٦ ، مختلف الشيعة ٢ : ١١٨ ، المسألة ٦٠ ، منتهى المطلب ٤ : ٢٩٣ ، الذكرى ٣ : ٢٥ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٧٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٥ / ١٥١٣ ، و ٣ : ١٧٨ / ٤٠٤ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٥ / ١٥١٤ ، الوسائل ، الباب ٥١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

٤٣٠

فما في خبر أبي البختري ـ المتقدّم (١) في صدر المبحث ، المرويّ عن قرب الإسناد عن الصادق عليه‌السلام : «فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمّ صلّوا كذلك فرادى» ـ محمول على عدم إرادة الجماعة ، أو التقيّة ، أو غيرهما من المحامل.

وقد حكي عن ظاهر الصدوق في المقنع (٢) والشيخ في آخر باب صلاة الخوف والمطاردة العمل بظاهره (٣).

وهذا لا يخرجه عن الشذوذ فضلا عن صلاحيّة معارضته لما عرفت ، فهذا إجمالا ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الإشكال والخلاف في كيفيّة صلاتهم جماعة.

وقضيّة إطلاق الخبرين السابقين (٤) كظواهر الفتاوي : إطلاق الجلوس فيها ولو مع أمن المطّلع.

ولكن لا يبعد دعوى جري الإطلاق مجرى الغالب من عدم حصول الأمن في مفروض كلماتهم إلّا على بعض الفروض التي ينصرف عنها الإطلاقات ، ولعلّه لذا جزم في محكيّ البيان بمراعاة الأمن وعدمه (٥).

وكيف كان فقد حكي عن المفيد والسيّد في كيفيّة صلاة العراة جماعة التصريح بأنّهم يجلسون جميعا صفّا واحدا ، ويتقدّمهم الإمام بركبتيه ، ويصلّون

__________________

(١) في ص ٤١٤.

(٢) المقنع : ١٢٢ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٧٨.

(٣) كما في جواهر الكلام ٨ : ٢٠٧ ناسبا ذلك إلى كتاب الخلاف ، ولم نجده فيه ، وفي الحدائق الناضرة ٧ : ٤٩ ، وكذا في رياض المسائل ٢ : ٣٩٧ حكاه عن الصدوق في الفقيه ١ : ٢٩٦ ، ذيل ح ١٣٥٢ في باب صلاة الخوف والمطاردة ، فلاحظ.

(٤) في ص ٤٣٠.

(٥) البيان : ١٢٥ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٨ : ٢٠٨.

٤٣١

جميعا بالإيماء (١).

وربما نسب هذا القول إلى الأكثر بل المشهور (٢) ، بل عن الحلّي دعوى الإجماع عليه (٣).

واستدلّ له بصحيحة ابن سنان ، المتقدّمة (٤) ، وسائر الأخبار المطلقة المصرّحة بالإيماء للركوع والسجود ، وبعموم التعليل في حسنة زرارة ، المتقدّمة (٥) ؛ لقوله عليه‌السلام : «فيبدو ما خلفهما».

وعن الشيخ في النهاية وجملة ممّن تأخّر عنه أنّ الإمام يومئ ومن خلفه يركعون ويسجدون (٦).

ومستندهم موثّقة إسحاق بن عمّار ، المتقدّمة (٧) ، التي هي نصّ في ذلك.

وما عن بعض (٨) ـ من احتمال أن يكون المراد بقوله : «وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم» الإيماء بوجوههم ـ ممّا لا ينبغي الالتفات إليه خصوصا بعد الالتفات إلى ما في الرواية من التفصيل بين الإمام والمأموم.

__________________

(١) المقنعة : ٢١٦ ، جمل العلم والعمل : ٨٥ ، وحكاه عنهما البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤٧.

(٢) نسبه إلى الأكثر النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٢٣٢ ، وإلى المشهور البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤٧.

(٣) السرائر ١ : ٣٥٥ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤٨.

(٤) في ص ٤٣٠.

(٥) في ص ٤١٤.

(٦) النهاية : ١٣٠ ، الوسيلة : ١٠٧ ، منتهى المطلب ٤ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥ ، الدروس ١ : ١٤٩ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٧٨.

(٧) في ص ٤٣٠.

(٨) الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٢٤٩ ، والحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٨ : ٢٠٩.

٤٣٢

وعن المصنّف رحمه‌الله في المعتبر الميل إلى العمل بهذه الرواية حيث قال ـ بعد نقل الخلاف في المسألة ، والاستدلال للشيخ بالرواية المذكورة ـ : إنّ هذه الرواية حسنة ، ولا يلتفت إلى من يدّعي الإجماع على خلافها (١).

وكيف كان فهذا هو الأقوى ؛ لعدم صلاحيّة شي‌ء ممّا ذكر دليلا للخصم لمعارضة الموثّقة التي هي أخصّ من المطلقات الآمرة بالإيماء ، فلا يعارضها تلك المطلقات ، وكذا عموم التعليل الواقع في الحسنة (٢) ؛ ضرورة عدم كونه علّة عقليّة غير قابلة للتخصيص كي يعارض النصّ الخاصّ ، فمن الجائز أن يكون ستر العورة الحاصل بالجلوس وعدم كشفها وحصول الهيئة المستنكرة لدى الشارع أهمّ رعايته من حفظ صورة الصلاة التي من مقوّماتها الركوع والسجود ، وأن يكون الأمر في الجماعة التي هي من الشعائر بعكس ذلك.

هذا ، مع إمكان أن يكون المقصود بقوله عليه‌السلام : «فيبدو ما خلفهما» (٣) ظهوره للناظر الذي لا يؤمن من اطّلاعه عليه الذي لأجله وجب عليه الصلاة جالسا ، كما هو محمل هذه الحسنة على ما عرفته آنفا ، فإنّ هذا ـ أي الحفظ عن الناظر ـ أيضا في حدّ ذاته علّة أخرى لانتقال الفرض إلى الإيماء ، كما سنشير إليه.

والحاصل : أنّ عموم التعليل لا يصلح معارضا للنصّ الخاصّ ، كما هو واضح.

وأمّا صحيحة ابن سنان : فلا إشعار فيها بالإيماء لا للإمام ولا للمأموم ، و

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٠٧ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٤٨.

(٢) أي : حسنة زرارة ، المتقدّمة في ص ٤١٤.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٤١٤ ، الهامش (٣).

٤٣٣

إنّما مفادها نفي شرطيّة القيام وكون صلاتهم عن جلوس ، لا أنّه يجب عليهم الإتيان بجميع أجزاء الصلاة عن جلوس بحيث ينافيه الركوع والسجود ، فوجوب الإيماء على الإمام أو مطلقا إن قلنا به إنّما يستفاد من سائر الأخبار ، لا من هذه الرواية.

فتلخّص ممّا ذكر أنّه لا يصلح شي‌ء من المذكورات لمعارضة الموثّقة ، فيجب الأخذ بمفادها بناء على حجّيّة الخبر الموثّقي كما هو التحقيق.

ولا يشكل ذلك بظهور الموثّقة ـ بواسطة ما فيها من التفصيل بين الإمام والمأموم في الإيماء ـ في دوران شرعيّة الإيماء مدار عدم الأمن ، فحيث إنّ الإمام بواسطة تقدّمه في المكان والأفعال لا يأمن من اطّلاع المأمومين على عورته ، وجب عليه الإيماء ، والمأمومون بواسطة اعتدال صفّهم والتصاق بعضهم ببعض ومقارنتهم في الأفعال مأمونون من ذلك ، فوجب عليهم الركوع والسجود ، مع مخالفته لظواهر أخبار الباب ، التي هي متّفقة الدلالة ـ كما عرفته سابقا ـ على أنّ العاري فرضه الإيماء ، سواء أمن من المطّلع أم لا ؛ لما أشرنا إليه من أنّ دوران الحكم مدار الأمن وعدمه مخصوص بالجماعة ؛ لاختصاص دليله به ، ولا بعد فيه.

هذا ، مع أنّه لا ظهور للموثّقة في ذلك ، بل هو شي‌ء مستنبط منها بواسطة المناسبات المغروسة في الأذهان ، الناشئة من وجوب حفظ الفرج عن النظر.

وكذا لا يشكل بما قد يقال من أنّ المأموم إن أمن من المطّلع ، وجب عليه القيام ، وإلّا لم يجز له الركوع والسجود ؛ لأنّه اجتهاد في مقابلة النصّ ، مع إمكان أن يقال : إنّ للجلوس دخلا في حصول الأمن ولا أقلّ من مدخليّته في كماله ، فلعلّ الشارع اعتبره لذلك.

٤٣٤

ثمّ لا يخفى عليك أنّ ما قوّيناه من وجوب الركوع والسجود على المأموم إنّما هو فيما إذا لم يكن هناك ناظر محترم ، وإلّا فرعاية حفظ الفرج أهمّ لدى الشارع من الركوع والسجود ، كما لا يخفى على المتأمّل في نصوص الباب وفتاوى الأصحاب.

ومن هنا يتّجه التفصيل فيما إذا تعدّدت الصفوف بين الصفّ الأخير وغيره ، فيختصّ الركوع والسجود بأهل الصفّ الأخير دون أهل سائر الصفوف الذين حالهم بالنسبة إلى الصفّ المتأخّر عنهم حال الإمام بالنسبة إلى المأمومين ، ولكن مقتضى إطلاق الأمر بالركوع والسجود في الموثّقة ووضوح كون الإيماء بدلا اضطراريّا عنهما : عدم جواز الوقوف في الصفّ المتقدّم اختيارا ، ومقتضاه أن يقف المأمومون جميعا في صفّ واحد ، كما هو ظاهر كثير من الفتاوى ، بل مع إمامهم ، وأن لا يتقدّمهم الإمام إلّا بركبتيه ، كما ربما يستشعر ذلك بل يستظهر من صحيحة ابن سنان ، المتقدّمة (١).

(والأمة والصبيّة تصلّيان بغير خمار) بلا خلاف فيهما على الظاهر ، بل عن الفاضلين والشهيد دعوى الإجماع عليه من علماء الإسلام (٢) ، إلّا الحسن البصري ؛ فإنّه أوجب على الأمة الخمار إذا تزوّجت أو اتّخذها الرجل لنفسه (٣).

ويدلّ عليه في الأمة ـ مضافا إلى ذلك ـ جملة من الأخبار :

__________________

(١) في ص ٤٣٠.

(٢) المعتبر ٢ : ١٠٣ ، منتهى المطلب ٤ : ٢٧٤ ، الذكرى ٣ : ٩ ، وحكاه عنهم البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٥.

(٣) بداية المجتهد ١ : ١١٦ ، المجموع ٣ : ١٦٩ ، المغني ١ : ٦٧٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٢.

٤٣٥

منها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : «ليس على الإماء أن يتقنّعن في الصلاة ، ولا ينبغي للمرأة أن تصلّي إلّا في ثوبين» (١).

وخبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الأمة هل يصلح لها أن تصلّي في قميص واحد؟ قال : «لا بأس» (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ـ المرويّة عن الكافي والفقيه ـ قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «ليس على الأمة قناع في الصلاة ولا [على] المدبّرة ولا على المكاتبة إذا اشترطت عليها قناع في الصلاة وهي مملوكة حتّى تؤدّي جميع مكاتبتها ، ويجري عليها ما يجري على المملوك في الحدود كلّها» وزاد في الفقيه :قال : وسألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار؟ قال : «لو كان عليها لكان عليها إذا هي حاضت ، وليس عليها التقنّع في الصلاة» (٣).

ويدلّ عليه أيضا بعض الأخبار الآتية.

واستدلّ له أيضا بخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «على الصبي إذا احتلم الصيام ، وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار إلّا أن تكون مملوكة فإنّه ليس عليها خمار إلّا أن تحبّ أن تختمر وعليها الصيام» (٤).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١٧ / ٨٥٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨٩ / ١٤٧٩ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١٠.

(٢) قرب الإسناد : ٢٢٤ ـ ٢٢٥ / ٨٧٦ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١٠.

(٣) الكافي ٥ : ٥٢٥ (باب قناع الإماء وأمّهات الأولاد) ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٤٤ / ١٠٨٥ و ١٠٨٦ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٧ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨١ / ٨٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٣ / ٣٩٨ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

٤٣٦

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : الأمة تغطّي رأسها؟ فقال : «لا ولا على أمّ الولد أن تغطّي رأسها إذا لم يكن لها ولد» (١).

وفيه : أنّه ليس في هذين الخبرين تصريح بإرادته حال الصلاة ، فلعلّه أريد بهما عدم وجوب الستر عن الناظر ، فمن هنا يتوجّه النظر على ما في المدارك حيث قال : وإطلاق النصّ وكلام الأصحاب يقتضي أنّه لا فرق في الأمة بين القنّ والمدبّرة وأمّ الولد والمكاتبة المشروطة أو المطلقة التي لم تؤدّ شيئا. ويحتمل إلحاق أمّ الولد مع حياة ولدها بالحرّة ؛ لما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن محمّد ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : الأمة تغطّي رأسها؟ فقال : «لا ولا على أمّ الولد أن تغطّي رأسها إذا لم يكن لها ولد» (٢) وهو يدلّ بمفهومه على وجوب تغطية الرأس مع الولد ، ومفهوم الشرط حجّة كما حقّق في محلّه. ويمكن حمله على الاستحباب ، إلّا أنّه يتوقّف على وجود المعارض (٣). انتهى.

ويتوجّه عليه أيضا : معارضة هذا المفهوم بمنطوق صحيحته الأولى على رواية الفقيه ؛ فإنّ ظهور قوله عليه‌السلام : «وليس عليها التقنّع في الصلاة» (٤) ـ بعد وقوعه جوابا عن السؤال عن أنّ الأمة إذا ولدت هل عليها الخمار؟ ـ في الإطلاق أقوى من ظهور المفهوم في الوجوب.

قال في الحدائق في تفسير الرواية : الظاهر أنّ المعنى فيها هو أنّ السائل ظنّ

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١٨ / ٨٥٩ ، الاستبصار ١ : ٣٩٠ / ١٤٨٣ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٨ / ٨٥٩ ، الاستبصار ١ : ٣٩٠ / ١٤٨٣ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٤.

(٣) مدارك الأحكام ٣ : ١٩٩.

(٤) راجع : الهامش (٣) من ص ٤٣٦.

٤٣٧

أنّ وجوب الخمار على المرأة أمة كانت أم حرّة دائر مدار الولادة المؤذنة بالبلوغ ، فأجاب عليه‌السلام بأنّه لو كان كذلك فإنّه لا اختصاص له بالولادة ، بل يجري في الحيض الذي هو أحد أسباب البلوغ أيضا ، مع أنّه ليس على الأمة التقنّع في الصلاة مطلقا.

ثمّ نقل عن الوافي أنّه قال في ذيل هذا الخبر : كأنّ الراوي ظنّ أنّ حدّ وجوب التقنّع على النساء إذا ولدن ، فنبّهه عليه‌السلام أنّ حدّه إذا حضن ، وأنّه ساقط عن الإماء في جميع الأحوال (١). انتهى.

أقول : يحتمل قويّا أن يكون المراد بقوله : «الأمة إذا ولدت» أنّها إذا صارت أمّ ولد ، لا مطلق الولادة ولو من غير مولاها ، فكأنّ السائل حيث سمع الإمام عليه‌السلام يقول : «ليس على الأمة قناع» احتمل اختصاص هذا الحكم بما عدا أمّ الولد إمّا لما فيها من التشبّه بالحرّيّة ، أو لوقوع الخلاف فيها عن بعض أهل الخلاف ـ كما هو محكيّ عن ابن سيرين وأحمد في إحدى الروايتين (٢) ـ فسأل عنها بالخصوص ، فأجابه الإمام عليه‌السلام بأنّه لو كان عليها الخمار لكان عليها إذا هي حاضت ، يعني لا مدخليّة للولادة في هذا الحكم ، فإنّها لا تخرجها عن الرقّيّة ، فلو كان عليها لكان من حين حيضها ، يعني من أوّل بلوغها ، وحيث لا يجب عليها إذا هي حاضت فلا يجب عليها بعد أن ولدت ، فقوله : «وليس عليها التقنّع في الصلاة» بمنزلة التأكيد لما كان يفهم من التعليق.

ويحتمل كونه تأسيسا بأن يكون المقصود بالسؤال وجوب الخمار عليها للحفظ عن النظر ، فأجابه بما أجابه ، ثمّ قال : «وليس عليها» إلى آخره.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٧ : ١٦ ـ ١٧ ، وراجع : الوافي ٧ : ٣٧٧.

(٢) المجموع ٣ : ١٦٩ ، المغني ١ : ٦٧٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٩٣.

٤٣٨

وكيف كان فعلى تقدير أن يكون السؤال عن خصوص أمّ الولد تكون الرواية كالنصّ في المدّعى ، وعلى التقدير الأوّل أيضا أقوى دلالة عليه من سائر المطلقات حيث وقع فيها السؤال عن الجارية إذا ولدت سواء كان من المولى أم من غيره ، فإطلاق الجواب في مثل الفرض خصوصا مع شيوع كونه من المولى يؤكّد ظهوره في العموم ، فيشكل رفع اليد عنه بمجرّد ظهور المفهوم في الوجوب.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ إطلاق الولادة غير مقصود بالسؤال على هذا التقدير ؛ لأنّ قوله : «إذا ولدت» إمّا كناية عن كبرها وبلوغها حدّا يطلق عليها اسم المرأة ، أو أريد به علامة البلوغ ، كما احتمله في الحدائق (١) ، فلا يكون الجواب حينئذ إلّا كسائر المطلقات ، بل أضعف منها دلالة على الإطلاق ؛ لإمكان الخدشة فيه : بعدم كونه مسوقا إلّا لدفع ما توهّمه السائل وبيان حكمها على سبيل الإجمال ، فليتأمّل.

ثمّ إنّ المنساق إلى الذهن من النصّ والفتوى ـ كما صرّح به غير واحد (٢) ـ إلحاق الرقبة بالرأس في عدم وجوب سترها حيث إنّ سترها ـ كالرأس ـ غالبا ليس إلّا بالخمار ، فما دلّ على جواز أن تصلّي بغير خمار كما يدلّ على عدم وجوب ستر رأسها يدلّ على عدم وجوب ستر رقبتها أيضا ، مضافا إلى شهادة خبر (٣) عليّ ابن جعفر ـ الدالّ على جواز أن تصلّي في قميص واحد ـ بذلك.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٧ : ١٦.

(٢) كالشهيد في الذكرى ٣ : ١٢ ، والشهيد الثاني في روض الجنان ٢ : ٥٨٣ ، والروضة البهيّة ١ : ٢٠٧ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ٩٨ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٩٩ ، والسبزواري في ذخيرة المعاد : ٢٣٧.

(٣) تقدّم الخبر في ص ٤٣٦.

٤٣٩

فما عن الروض ـ من احتمال الوجوب (١) ـ في غاية الضعف.

نعم ، يجب عليها ستر ما عدا ذلك ممّا سمعته في الحرّة بلا خلاف فيه على الظاهر ؛ لإطلاق الأدلّة المقتصر في تخصيصها بالنسبة إلى الأمة بما عرفت.

وربما استظهر من عبارة الشيخ ـ حيث قال على ما حكي عنه : وأمّا ما عدا الرأس فإنّه يجب عليها تغطيته من جميع جسدها ، لأنّ الأخبار وردت بأنّه لا يجب عليها ستر الرأس ، ولم ترد بجواز كشف ما عداه (٢). انتهى ـ أنّه يوجب ستر ما عدا الرأس مطلقا حتى الكفّين والقدمين.

وعن بعض (٣) نسبة هذا القول إلى ظاهر غيره (٤) أيضا بل إلى صريح بعض (٥).

وهو بعيد ، إلّا على تقدير الالتزام به في الحرّة أيضا ؛ ضرورة أنّه ليس في خصوص الأمة نصّ يقتضيه ، فهي أولى من الحرّة بعدم وجوب ستر الكفّين والقدمين.

والذي يغلب على الظنّ أنّ مراد الشيخ ومن عبّر كعبارته ليس إلّا بيان مساواتها فيما عدا الرأس مع الحرّة في ستر سائر جسدها ، لا أنّ لها مزيّة في ذلك.

وكيف كان فإن أريد بها ما ذكر فهو ، وإلّا فواضح الضعف.

__________________

(١) روض الجنان ٢ : ٥٨٣ ، وحكاه عنه النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٢٤٨ ـ ٢٤٩.

(٢) المبسوط ١ : ٨٨ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٨ : ٢٢٣.

(٣) هو العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٧١ كما عبّر عنه تلميذه صاحب الجواهر فيها ٨ : ٢٢٣ بـ «بعض مشايخنا».

(٤) كابن إدريس في السرائر ١ : ٢٦١ ، والعلّامة الحلّي في تبصرة المتعلّمين : ٢٣ ، والشهيد في البيان : ١٢٤.

(٥) كالصيمري في كشف الالتباس (مخطوط) والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٩٩ مع تأمّل فيه.

٤٤٠