مصباح الفقيه - ج ١٠

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٨

فرق بين أن يكون بثوب واحد أو بثياب متعدّدة.

فالمهمّ في المقام إنّما هو تشخيص ما يجب ستره ، فقد اختلفت كلمات الأعلام في ذلك.

فعن الأكثر (١) ـ منهم : الشيخ في النهاية والمبسوط (٢) ـ أنّ الواجب ستر جسدها كلّه عدا الوجه والكفّين وظاهر القدمين.

وعن الاقتصاد أنّه قال : وأمّا المرأة الحرّة فإنّ جميعها عورة يجب عليها ستره في الصلاة ، ولا تكشف غير الوجه فقط (٣). وهذا يقتضي منع كشف اليدين والقدمين.

وعن ابن الجنيد أنّه قال : الذي يجب ستره من البدن العورتان ، وهما القبل والدّبر من الرجل والمرأة. ثمّ قال : ولا بأس أن تصلّي المرأة الحرّة وغيرها وهي مكشوفة الرأس حيث لا يراها غير ذي محرم لها (٤). انتهى.

أقول : الظاهر أنّ كلامه الأوّل مسوق لبيان ما يجب ستره عن الناظر المحترم ، فخلافه في المقام إنّما هو في جواز كشف الرأس ، ومستنده بحسب الظاهر بعض الأخبار الآتية.

احتجّ الشيخ في محكيّ الاقتصاد على وجوب ستر الجميع : بأنّ بدن المرأة كلّه عورة (٥).

__________________

(١) الحاكي عن الأكثر هو العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٨٨.

(٢) النهاية : ٩٨ ، المبسوط ١ : ٨٧.

(٣) الاقتصاد : ٢٥٨ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١١٤ ، المسألة ٥٥.

(٤) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١١٣ و ١١٤ ، المسألتان ٥٤ و ٥٥.

(٥) الحاكي عنه هو العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٨٩.

٣٨١

ونوقش (١) فيه : بأنّه إن أراد بكونه عورة وجوب ستره عن الناظر المحترم ـ يعني الرجال الأجانب ـ فمسلّم ، وإن أراد وجوب ستره في الصلاة ، فهو مطالب بدليله.

وقد يقال في تشييد الاحتجاج المزبور بصحّة إطلاق العورة عليها حقيقة لغة وعرفا وشرعا ، وقد ثبت نصّا وإجماعا وجوب ستر العورة في الصلاة ، فيتمّ المطلوب.

وفي مقدّمتيه ما لا يخفى ؛ فإنّ إطلاق العورة عليها عرفا أو شرعا ببعض الاعتبارات لا يصحّح كونها مصداقا حقيقيّا لاسمها على الإطلاق ، وعلى تقدير التسليم فلا شبهة في أنّ النصّ والإجماع الدالّين على وجوب ستر العورة منصرفان إلى العورة بالمعنى الأخصّ.

وكيف كان فعمدة ما يصحّ الاستناد إليه لوجوب ستر جميع جسدها ـ بعد الغضّ عن إمكان دعوى الإجماع عليه فيما عدا ما سيأتي الكلام فيه ـ هي الأخبار الكثيرة المتضمّنة للأمر بلبس ثوبين وما زاد ، حيث يفهم منها أنّه لا بدّ للمرأة الحرّة من ستر رأسها وسائر جسدها حال الصلاة.

فمنها : صحيحة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة؟ قال : «درع وملحفة فتنشرها على رأسها وتجلّل بها» (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال في حديث : «والمرأة

__________________

(١) المناقش هو العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٨٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٧ / ٨٥٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨٨ ـ ٣٨٩ / ١٤٧٨ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٩.

٣٨٢

تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفا» يعني إذا كان ستيرا (١).

وعن الفقيه نحوه ، إلّا أنّه قال : «إذا كان كثيفا» (٢) بإسقاط لفظ الدرع.

وموثّقة ابن أبي يعفور ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب : إزار ودرع وخمار ، ولا يضرّها أن تقنّع بالخمار ، فإن لم تجد فثوبين تتّرز بأحدهما وتقنّع بالآخر» قلت : فإن كان درع وملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال : «لا بأس إذا تقنّعت بالملحفة [فإن لم تكفها] (٣) فلتلبسها (٤) طولا» (٥).

وخبر المعلّى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة تصلّي في درع وملحفة ليس عليها إزار ولا مقنعة؟ قال : «لا بأس إذا التفّت بها ، وإن لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا» (٦).

وعن الفقيه مرسلا ، قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة» منهم : «المرأة المدركة تصلّي بغير خمار» (٧).

وعن محاسن البرقي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله (٨).

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٣٧٣ ، الهامش (٥).

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٣ / ١٠٨١ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

(٣) ما بين المعقوفين من المصادر.

(٤) في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة : «فتلبسها». والمثبت من المصادر.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٥ ـ ٣٩٦ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٢١٧ ـ ٢١٨ / ٨٥٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٩ / ١٤٨٠ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٨.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٤ / ١٠٨٤ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٥.

(٧) الفقيه ١ : ٣٦ / ١٣١ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٦.

(٨) المحاسن ١٢ / ٣٦ ، وفيه : «الجارية المدركة» الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ذيل ح ٦.

٣٨٣

وصحيحة عليّ بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن المرأة ليس لها إلّا ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال : «تلتفّ فيها وتغطّي رأسها وتصلّي ، فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس» (١).

وصحيحة جميل بن درّاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تصلّي في درع وخمار ، فقال : «يكون عليها ملحفة تضمّها عليها» (٢).

أقول : هذا محمول على الاستحباب أو شدّة الاستظهار ، أو على ما إذا لم يحصل بالدرع والخمار ستر جميع ما يجب ستره ، كما هو الغالب بالنسبة إلى صدرها لو لم تضرب بخمارها على جيبها ، بل وكذا لو لم تتحفّظ على سترها عند القنوت ونحوه ، فيحتمل قويّا أن يكون المقصود بالأمر بأن يكون عليها ملحفة تضمّها عليها رعاية استتار (٣) مثل هذه المواضع.

وكذا يحمل على الفضل أو غيره من المحامل ما في الموثّقة المتقدّمة (٤) وغيرها من الأخبار الآتية من الأمر بثلاثة أثواب ؛ جمعا بينها وبين غيرها من الأدلّة.

هذا ، مع أنّ ما في ذيل الموثّقة يشهد ببعض هذه المحامل.

ونحوها ما عن كتاب عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : وسألته عن المرأة هل يصلح لها أن تصلّي في إزار وملحفة ومقنعة ولها درع؟ قال : «إذا وجدت فلا يصلح لها الصلاة إلّا وعليها درع» قال : وسألته عن المرأة هل يصلح

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٤ / ١٠٨٣ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٨ ـ ٢١٩ / ٨٦٠ ، الاستبصار ١ : ٣٩٠ / ١٤٨٤ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١١.

(٣) في «ض ١٢» والطبعة الحجريّة : «لاستتار». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) في ص ٣٨٣.

٣٨٤

لها أن تصلّي في إزار وملحفة تقنّع بها ولها درع؟ قال : «لا يصلح أن تصلّي حتى تلبس درعها» (١).

وعن قرب الإسناد بإسناده عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن المرأة [الحرّة] هل يصلح لها أن تصلّي في درع ومقنعة؟ قال : «لا يصلح لها إلّا في ملحفة ، إلّا أن لا تجد بدّا» (٢).

وعن أبي البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن عليّ عليهم‌السلام ، قال : «إذا حاضت الجارية فلا تصلّي إلّا بخمار» (٣).

وخبر الفضيل عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «صلّت فاطمة عليها‌السلام في درع وخمار (٤) ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها وأذنيها» (٥).

وظاهر جلّ هذه الروايات إن لم يكن كلّها أنّه يجب على المرأة ستر رأسها وسائر جسدها في الجملة.

ولا يعارضها ما رواه عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا بأس بالمرأة المسلمة الحرّة أن تصلّي وهي مكشوفة الرأس» (٦) لقصورها عن المكافئة ، ولو لا إعراض المشهور عن ظاهر هذه الرواية ، لأمكن الجمع بينها وبين أكثر

__________________

(١) مسائل عليّ بن جعفر : ١١٣ / ٣٤ و ٣٥ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١٦ و ١٧.

(٢) قرب الإسناد : ٢٢٤ / ٨٧٥ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١٤ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) قرب الإسناد : ١٤١ / ٥٠٦ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١٣.

(٤) في المصدر : «وخمارها على رأسها».

(٥) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٥ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٢١٨ / ٨٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣٨٩ / ١٤٨١ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٥.

٣٨٥

الأخبار المتقدّمة بالحمل على الاستحباب وأمّا بالنسبة إلى بعضها ممّا ورد فيه النهي عن أن تصلّي بغير خمار ونحوه ممّا ظاهره التنافي في بادى‌ء الرأي فيشكل ارتكاب مثل هذا التأويل فيه بحمل النهي على الكراهة ، وتنزيل البأس المنفي في هذه الرواية على الحرمة من غير شاهد خارجي ؛ لأنّ فتح باب هذا النحو من التأويل في الأخبار المتنافية في الظاهر موجب لسدّ باب الترجيح الذي ورد الأمر به في غير واحد من الأخبار.

وقد حكي عن الشيخ حمل رواية ابن بكير على الصغيرة ، أو على صورة الضرورة (١). وهو بعيد.

وأبعد منه ما استقر به في الحدائق من حملها على أنّ المراد بكونها مكشوفة الرأس يعني عن القناع زيادة على ستر الرأس الواجب (٢).

نعم ، لا يبعد هذا التوجيه في روايته الأخرى ، قال : «لا بأس أن تصلّي المرأة المسلمة وليس على رأسها قناع» (٣) لو لا احتمال اتّحادها مع الأولى التي هي كالنصّ في إرادة كونها مكشوفة الرأس ، فالأولى ردّ علمها إلى أهله.

ثمّ إنّا قد أشرنا في صدر المبحث إلى أنّ الذي يشترط في صحّة صلاة المرأة إنّما هو ستر ما يجب ستره من جسدها من غير فرق بين أن يكون ذلك بثوب واحد أو بثوبين فما زاد ، وما في الأخبار المتقدّمة من الأمر بلبس ثوبين و

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١٨ ، ذيل ح ٨٥٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٩ ، ذيل ح ١٤٨٢ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٨٩ ، وكذا البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ١٢.

(٢) الحدائق الناضرة ٧ : ١٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢١٨ / ٨٥٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٩ / ١٤٨٢ ، الوسائل ، الباب ٢٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٦.

٣٨٦

التصريح بأنّ أدنى ما تصلّي المرأة فيه درع وملحفة جار مجرى العادة ، فلا يفهم منها اشتراط التعدّد ، ولذا لم يفهم الأصحاب منها ذلك.

نعم ، الظاهر ممّا ورد فيه الأمر بلبس ما زاد عن الثوبين اللّذين يتحقّق بهما الستر المعتبر في الصلاة إرادته من باب التعبّد ، فيحمل على الفضل بقرينة غيره من الأخبار ، مع احتمال أن لم يكن المقصود بذلك أيضا إلّا الاستظهار وحصول الستر الواجب ، كما تقدّم التنبيه عليه فيما سبق.

بقي الكلام في تمييز ما يجب عليها ستره مفصّلا.

فنقول : أمّا رأسها : فقد عرفت دلالة جلّ الأخبار المتقدّمة على وجوب ستره.

وأمّا سائر جسدها : فالظاهر عدم الخلاف في وجوب ستره فيما عدا الوجه والكفّين والقدمين ، وكفى بذلك كاشفا عمّا أزيد من الأخبار لو كان فيها إجمال ، مع إمكان دعوى عدم قصورها في حدّ ذاتها عن إفادته ، لا لما فيها من التصريح بأنّ أدنى ما تصلّي المرأة فيه درع وملحفة ، وهما تستران غالبا ما عدا المواضع المزبورة ، فإنّ استفادة وجوب ستر كلّ ما يتحقّق ستره بهما بالأصالة من مثل هذه الرواية لا تخلو عن تأمّل ، بل لما في بعضها من الإشارة إلى وجوب ستر ذلك كلّه ، كصحيحة (١) جميل ، التي ورد فيها الأمر بأن يكون عليها زائدا على درع وخمار ملحفة تضمّها عليها ، فإنّ فيها إيماء إلى أنّ المقصود بالثياب استتارها وعدم استبانة شي‌ء من جسدها.

__________________

(١) تقدّمت الصحيحة في ص ٣٨٤.

٣٨٧

وأوضح منها دلالة عليه : قوله عليه‌السلام في ذيل صحيحة (١) عليّ بن جعفر : «فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس» فإنّ ظاهرها عدم جواز ذلك على تقدير القدرة على غير ذلك ، ومن الواضح أنّه لا خصوصيّة للرّجل في هذا الحكم بحسب ما هو المغروس في أذهان المتشرّعة ، فليس رعاية الستر فيها شرعا أولى من رعايته بالنسبة إلى الصدر والبطن ونحوهما ، فيفهم من ذلك أنّه يجب عليها ستر سائر جسدها.

والحاصل : أنّ من تأمّل في النصوص والفتاوى لا يكاد يرتاب في أنّه يجب عليها ستر جميع جسدها ممّا عدا المواضع المزبورة ، أي (عدا الوجه والكفّين وظاهر القدمين) وباطنهما.

وأمّا هذه المواضع :

فأمّا الوجه فممّا لا شبهة في عدم وجوب ستره ، بل لا خلاف فيه يعتدّ به ، وقد استفيض نقل الإجماع عليه ، بل عن بعض (٢) دعوى إجماع علماء الإسلام عليه.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ جملة من الأخبار المتقدّمة الدالّة على جواز الصلاة في درع وخمار ؛ ضرورة خروج الوجه عمّا يتحقّق عادة ستره بلبس درع وخمار.

ويشهد له أيضا مضمرة سماعة ، قال : سألته عن المرأة تصلّي متنقّبة ، قال :

__________________

(١) تقدّمت الصحيحة في ص ٣٨٤.

(٢) المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ١٠١ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٦٨.

٣٨٨

«إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس [به] ، وإن أسفرت فهو أفضل» (١).

فما عن ابن حمزة في وسيلته (٢) ـ من أنّه يجب عليها ستر جميع بدنها إلّا موضع السجود ـ بظاهره في غاية الضعف.

وهل المدار في معرفة حدود الوجه على ما دارت عليه الإبهام والوسطى كما في باب الوضوء ، أو أعمّ من ذلك فيدخل فيه الصدغان ونحوهما؟ فيه وجهان بل قولان : من أنّ المتبادر من كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم وكذا المضمرة السابقة (٣) إرادة الوجه العرفي ، وهو أعمّ من وجه الوضوء ، ومن أنّه بعد أن ورد تحديد شرعي للوجه ينزّل الأحكام الشرعيّة الثابتة له على إرادته ، مع أنّ المنساق من الخبر الوارد لتحديد الوجه كونه كاشفا عن معناه العرفي ومبيّنا لما في حدوده من الإجمال لدى العرف ، فدعوى كونه عرفا أعمّ من ذلك قابلة للمنع. وهذا الوجه مع أنّه أحوط لا يخلو من قوّة.

نعم ، لو ثبت خروج الصدغين ونحوهما عمّا هو المتعارف ستره بالخمار ، اتّجه القول الأوّل ؛ نظرا إلى ظهور الأخبار الدالّة على كفاية الدرع والخمار في إرادة التستّر بهما على حسب ما هو المتعارف في لبسهما.

وحكي عن بعض أنّه احتمل دخول الأذنين أيضا في الوجه (٤). وهو كما ترى.

وأمّا الكفّان والقدمان : فالمشهور عدم وجوب سترهما أيضا كالوجه.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣٠ / ٩٠٤ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) الوسيلة : ٨٩ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٦٨.

(٣) آنفا.

(٤) العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٧٠ ، ونقله صاحب الجواهر فيها ٧ : ١٧٠ بعنوان «قيل».

٣٨٩

وحكي عن بعض (١) القول بالوجوب.

وبالغ في الحدائق (٢) في تشييده.

وربما يظهر من قول المصنّف : (على تردّد في القدمين) وجود القول بالتفصيل بين القدمين والكفّين ، وهو ممّا لم نعرف قائله ، بل في الجواهر : يمكن أن يقال : إنّ القول بالوجوب فيهما مع القول بعدمه في الكفّين خرق للإجماع المركّب (٣).

وكيف كان فقد استدلّ للمشهور : بما دلّ على أنّ المرأة تصلّي في درع وخمار ؛ حيث إنّ الدرع لا يسترهما عادة.

واستشكله في الحدائق : بأنّ من الجائز كون دروعهنّ في تلك الأزمنة واسعة الأكمام طويلة الذيل ، كما هو المشاهد الآن في نساء أهل الحجاز بل أكثر بلدان العرب ، فإنّهم يجعلون القميص واسعة الأكمام مع طول زائد بحيث يجرّ على الأرض ، ففي مثله يحصل ستر الكفّين والقدمين (٤).

وفيه نظر ؛ فإنّ دروعهنّ وإن كانت واسعة الأكمام طويلة الذيل لكن طول ذيلها غالبا من خلفها لا من قدّامها أمام الساق ، فلا يستر بها ظاهر القدم غالبا ، وكذا سعة الكمّ ليست بحيث توجب ستر الكفّين على الإطلاق ولا أقلّ من عدم كون ما لم يصل إلى هذا الحدّ خلاف المتعارف كي ينصرف عنه الإطلاق ، مع أنّ الشكّ

__________________

(١) الشيخ الطوسي في الاقتصاد : ٢٥٨ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١١٤ ، المسألة ٥٥.

(٢) الحدائق الناضرة ٧ : ٨ ـ ٩.

(٣) جواهر الكلام ٨ : ١٧٣.

(٤) الحدائق الناضرة ٧ : ٩.

٣٩٠

يكفي في الالتزام بعدم لزومه ، بناء على ما هو التحقيق من أنّ المرجع لدى الشكّ أصالة البراءة ، لا قاعدة الاشتغال ، فالقول بعدم الوجوب هو الأقوى.

ولا ينافي ذلك مفهوم قوله عليه‌السلام في صحيحة عليّ بن جعفر ، المتقدّمة (١) : «فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس» فإنّه منصرف عمّا لو خرج خصوص القدمين ، ولا أقلّ من عدم ظهوره في إرادته من الإطلاق.

وربما يظهر ممّن قيّد القدمين ـ في مقام الاستثناء ـ بظاهرهما : التفصيل بين الظاهر والباطن ، فكأنّهم زعموا أنّ المرأة كلّها عورة يجب ستر جميع جسدها في الصلاة ، ولكن ثبتت الرخصة في ظاهر القدمين بما دلّ على جواز الصلاة في قميص ، ولم يثبت ذلك بالنسبة إلى باطنهما ؛ لاستتاره حال القيام بالوقوف عليهما وعدم ظهورهما ، وفي حال التشهّد ونحوه بالدرع.

وفيه : ما تقدّمت الإشارة إليه فيما سبق من الخدشة في صغرى هذا الدليل وكبراه ، فلا نعقل من كون المرأة عورة إلّا وجوب ستر جسدها في الصلاة عن الناظر المحترم الذي ليس بمماثل ولا محرم ، والقدر المتيقّن الذي ثبت وجوب ستره في الصلاة ما عدا محلّ الكلام ، ففي المقام ونظائره يرجع إلى قاعدة البراءة.

نعم ، لو قلنا بقاعدة الاشتغال عند الشكّ في الشرطيّة ، اتّجه الالتزام بوجوبه لو لم نقل بدلالة ما دلّ على جواز الصلاة في درع وخمار على عدم وجوب ستر ما دون الساق ، حيث إنّ الدرع قد لا يتعدّاه ، فليتأمّل.

وربما يقال في إبطال هذا التفصيل بأنّه لو وجب ستر باطن القدمين ،

__________________

(١) في ص ٣٨٤.

٣٩١

لوجب كونه بثوب ؛ لما ستعرف من أنّه لا عبرة بساتريّة الأرض ونحوها ، ولا يجب ستره بثوب بالضرورة ، فلا يجب ستره رأسا.

وفيه نظر ؛ إذ لا عبرة بساتريّة الأرض وشبهها على سبيل الاستقلال ، لا في مثل الفرض ، ألا ترى أنّ مباشرة بعض جسد المرأة للأرض حال جلوسها عليها للتشهّد لا تنافي صدق كونها بجملتها مستورة بالثوب ، ولا يقدح ذلك في صحّة صلاتها ، بل وكذا لو استلقت على الأرض وتغطّت بثوب وصلّت مومئة ، فقد حصل ستر جسدها وصحّت صلاتها لو كان فرضها الصلاة مستلقية ، وهذا بخلاف ما لو استقلّت الأرض بالساتريّة ، كما لو وارت تحت الأرض ، أو وقفت في بئر محيطة بجسدها ، فإنّه لا اعتداد بسترها حينئذ.

وكيف كان فالعمدة ما عرفت.

بقي الكلام في الشعر ، وهو خارج عن مسمّى الجسد ، فلا يعمّه قولهم : «إنّه يجب على المرأة ستر جميع جسدها عدا ما استثني» ولذا صرّح بعض (١) بخلوّ كلام أكثر الأصحاب عن التعرّض له ، بل في الحدائق : قلّ من تعرّض للكلام فيه من أصحابنا (٢).

وفي المدارك قال في هذا المقام : واعلم أنّه ليس في العبارة كغيرها من عبارات الأصحاب تعرّض لوجوب ستر الشعر ، بل ربما يظهر منها أنّه غير واجب ؛ لعدم دخوله في مسمّى الجسد ، ويدلّ عليه إطلاق الأمر بالصلاة ، فلا يتقيّد إلّا

__________________

(١) العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٨٩ ، والمجلسي في بحار الأنوار ٨٣ : ١٨٠ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٦٨.

(٢) الحدائق الناضرة ٧ : ١٢.

٣٩٢

بدليل ولم يثبت ؛ إذ الأخبار لا تعطي ذلك. واستقرب الشهيد في الذكرى (١) الوجوب ؛ لما رواه ابن بابويه عن الفضيل عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «صلّت فاطمة عليها‌السلام في درع وخمار ، ليس (٢) عليها أكثر ممّا وارت به شعرها وأذنيها» (٣) وهي مع تسليم السند لا تدلّ على الوجوب. نعم ، يمكن الاستدلال بها على عدم وجوب ستر العنق ، وفي رواية زرارة ، المتقدّمة إشعار به أيضا (٤). انتهى.

أقول : وربما يغلب على الظنّ أنّ من لم يتعرّض لوجوب ستر الشعر زعم أنّه من توابع الجسد ، فألحقه به حكما ، وإلّا لنبّه على عدم وجوب ستره دفعا لتوهّم التبعيّة.

وكيف كان فما أورده على الاستدلال بالرواية من عدم دلالتها على الوجوب يمكن دفعه بأنّ المنساق من الرواية كونها مسوقة لبيان أدنى ما تصلّي المرأة فيه ، لحكاية فعل فاطمة صلوات الله عليها ، فالمراد بها بحسب الظاهر بيان أنّه لا يعتبر في صلاة المرأة أزيد من ذلك ، وظاهرها حصول مواراة الشعر والأذنين عن عمد ، فيكشف ذلك عن اعتباره في الصلاة ، اللهمّ إلّا أن يناقش فيه بإمكان كونه على سبيل الاستحباب ، فليتأمّل.

وأمّا ما ذكره من دلالتها على عدم وجوب ستر العنق ، ففيه منع ظاهر ، فكأنّه قدس‌سره زعم أنّ المقصود بقوله عليه‌السلام : «ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و

__________________

(١) الذكرى ٣ : ١١.

(٢) كذا في المدارك ، وفي الفقيه والوسائل هكذا : «في درع وخمارها على رأسها ، ليس ..».

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٣٨٥ ، الهامش (٥).

(٤) مدارك الأحكام ٣ : ١٨٩ ـ ١٩٠.

٣٩٣

أذنيها» أنّها ـ صلوات الله عليها ـ جمعت شعرها على رأسها ولفّت الخمار عليه بحيث لم يتجاوز عن أذنيها ، فبقي عنقها مكشوفا.

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ من الجائز أن يكون قوله عليه‌السلام : «ليس عليها» إلى آخره ، تأكيدا لما بيّنه أوّلا من أنّها صلّت في درع وخمار ، قصد به التصريح بالانحصار ، فمعناه أنّه لم يكن عليها أكثر من الخمار ـ الذي سترت به شعرها وأذنيها ـ من مقنعة أو إزار أو غير ذلك.

ويحتمل أن يكون المقصود به بيان صغر الخمار وعدم كونه ـ كالخمر المتعارفة ـ مشتملا على طول زائد على ما يحصل به مواراة الشعر المسترسل مع ما هو عليه من استرساله.

والحاصل : أنّه لا ظهور في الرواية في عدم مستوريّة عنقها ولا سيّما بالنسبة إلى مؤخّره.

والعجب من صاحب الحدائق حيث أذعن بإرادة المعنى الأوّل ولكن ادّعى صراحة الخبر في كونه من باب الاضطرار (١).

وأنت خبير بأنّه ليس في الخبر إشعار بكونه في مقام الضرورة فضلا عن صراحته فيه ، مع أنّ الغالب إمكان ستر العنق خصوصا مؤخّره بالخمار الذي يحصل به مواراة الشعر ، فليتأمّل.

(ويجوز أن يصلّي الرجل عريانا إذا ستر قبله ودبره) بخلاف ما إذا لم يسترهما مختارا ، فإنّها لا تجوز بل لا تصحّ بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل في

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٧ : ١٣.

٣٩٤

الجواهر : إجماعا بقسميه منّا ومن أكثر العامّة (١).

وربما يستدلّ بقوله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٢) بناء على ما قيل من اتّفاق المفسّرين من أنّ الزينة هنا ما توارى به العورة للصلاة والطواف ؛ لأنّهما المعبّر عنهما بالمسجد (٣).

ولا يخفى عليك أنّه إنّما يعوّل على اتّفاق المفسّرين لو ثبت وصول التفسير إليهم من أهل بيت الوحي ، وإلّا فلا عبرة بقولهم.

وكيف كان فيدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع ومفهوم قوله عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم ـ المتقدّمة (٤) ـ في الرجل يصلّي في قميص واحد : «إذا كان كثيفا فلا بأس» ـ النصوص الآتية في العاري ؛ فإنّها تدلّ على وجوب ستر العورة في الصلاة واعتباره في صحّتها من وجوه ، كما لا يخفى على المتأمّل.

ويؤيّده أيضا بل يدلّ عليه المستفيضة المتقدّمة الدالّة على جواز الصلاة في ثوب واحد حيث يظهر ممّا وقع فيها سؤالا وجوابا كون اعتبار لبس الثوب في الجملة لديهم من الأمور المسلّمة المفروغ عنها ، وأنّ الثوب الواحد هو أدنى ما يجزئ في الصلاة.

وكيف كان فهذا إجمالا ممّا لا شبهة فيه ، بل كاد أن يكون من الضروريّات.

ومقتضى إطلاق كلمات الأصحاب أنّه لا فرق في ذلك بل وكذا في

__________________

(١) جواهر الكلام ٨ : ١٧٥.

(٢) الأعراف ٧ : ٣١.

(٣) كما في الذكرى ٣ : ٥ ، وراجع : فقه القرآن ـ للراوندي ـ ١ : ٩٥.

(٤) في ص ٣٧٣.

٣٩٥

المسألة السابقة ـ أي وجوب ستر المرأة جسدها في الصلاة ـ بين النافلة والفريضة.

نعم ، ربما يظهر من بعضهم (١) حيث جوّز حمل ما في خبر (٢) ابن بكير ـ من نفي البأس عن صلاة الحرّة مكشوفة الرأس ـ على النافلة : التفصيل.

وهو ضعيف ؛ لما أشرنا إليه مرارا وأوضحناه عند التكلّم في كيفيّة صلاة الأعرابي واعتبار التشهّد فيها عقيب الركعة الثانية من أنّ مقتضى القاعدة مشاركة النافلة مع الفريضة فيما يعتبر فيها من الأجزاء والشرائط ، إلّا أن يدلّ دليل على خلافها.

نعم ، لا تتمشّى هذه القاعدة في صلاة الأموات ، التي هي مباينة لغيرها بالذات ، ولا تشاركها إلّا في مجرّد التسمية ، فمقتضى الأصل فيها عدم اعتبار الستر ، والله العالم.

وهل تختصّ شرطيّة الستر بصورة العمد والالتفات ، أم تعمّ صورة النسيان والغفلة ونحوها ، فلو صلّى مكشوف العورة ناسيا أو معتقدا سترها ، أعادها في الوقت وخارجه ، أو في الوقت دون خارجه ، أو يفصّل بين ما لو تذكّر في الأثناء أو لم يتذكّر إلّا بعد الفراغ أو بعد حصول الستر ، فيعيد في الأوّل دون غيره؟ وجوه ، أقواها : الأوّل ؛ لقصور ما دلّ على شرطيّة الستر عن إفادتها في غير صورة التذكّر والالتفات ، فإنّ عمدتها الإجماع والضرورة القاصران عن إفادة الحكم في مورد الخلاف ، وكذلك الأخبار الدالّة عليه ، التي تقدّمت الإشارة إليها ، فإنّها بأسرها

__________________

(١) الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٢٣٨.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٨٥ ، الهامش (٦).

٣٩٦

واردة مورد حكم آخر لا يحسن التمسّك بإطلاقها في المقام.

وما يقال ـ من إنّ الأصل فيما ثبتت شرطيّته في الجملة عموم شرطيّته لحال السهو والنسيان ؛ لتعذّر توجيه الخطاب إلى الناسي والساهي بالصلاة بلاستر ـ فقد أوضحنا ضعفه في بعض المقامات المناسبة له ممّا سبق ، وأشبعنا الكلام فيه في الأصول.

ولو سلّمنا هذا الأصل أو قلنا بظهور بعض الأخبار الدالّة عليه في الإطلاق ، لوجب رفع اليد عن ذلك بعموم قوله عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» (١) الحديث ، الحاكم على الأصول والإطلاقات ، وخصوص صحيحة عليّ ابن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة ، أو ما حاله؟ قال : «لا إعادة عليه وقد تمّت صلاته» (٢).

نعم ، المتّجه ـ على تقدير تسليم إطلاق أدلّة الاشتراط ـ الاقتصار في رفع اليد عن الإطلاق على ما لو لم يتذكّر إلّا بعد الفراغ أو بعد حصول الستر ؛ فإنّ عموم «لا تعاد» لا يقتضي إلّا نفي الإعادة بالنسبة إلى ما أخلّ به من الأجزاء والشرائط سهوا ، لا ما صدر منه في حال الالتفات ، فلو تذكّر في الأثناء وهو مكشوف العورة فما مضى من صلاته في حال النسيان فقد مضى ، ولا إعادة عليه من قبله ، وأمّا ما بقي فلا يعمّه «لا تعاد» فعليه تحصيل الشرط بالنسبة إليه حتّى بالنسبة إلى آن تذكّره.

وعدم إمكان إيجاب الستر عليه بالنسبة إلى هذا الآن ؛ لعدم قدرته عليه

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٩٩١ ، التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٧ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب قواطع الصلاة ، ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٦ / ٨٥١ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

٣٩٧

لا ينفي شرطيّته المقتضية لاستئناف الصلاة في مثل الفرض لو لم يمنعه مانع ، كضيق الوقت ، ونحوه ، وهو خارج عن محلّ الكلام ، فيكون التذكّر في الأثناء لدى التمكّن من الاستئناف بمنزلة القواطع القهريّة الموجبة للإعادة ، ويأتي ـ إن شاء الله ـ في مباحث الخلل ما يتّضح به ما أجملناه في المقام ممّا يتعلّق به من النقض والإبرام ، والله هو الموفّق والمعين.

هذا كلّه بالنظر إلى ما يستفاد من عموم «لا تعاد» وأمّا النصّ الخاصّ : فقد يدّعى أنّ إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين انكشاف جميع العورة أو بعضها ، وبين الخروج في تمام الصلاة أو بعضها ، واستمرّ إلى الفراغ أو تذكّر في الأثناء. وفيه تأمّل.

وعلى تقدير تسليم شموله بإطلاقه لما لو تذكّر في الأثناء وهو مكشوف العورة بمعنى دلالته بمقتضى إطلاقه على كون هذا الفرد مع ما عليه من الخصوصيّة مرادا من الجواب ، فهو حينئذ دليل على المعذوريّة بالنسبة إلى آن التذكّر ، وكونه ملحقا بحال الجهل في الحكم ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ قضيّة ما ذكره المصنّف رحمه‌الله ـ من جواز أن يصلّي الرجل عريانا إذا ستر قبله ودبره ـ أنّ القبل والدّبر هما تمام عورة الرجل ؛ إذ لا خلاف في وجوب ستر تمام العورة في الصلاة ، كما يجب ستره عن الناظر المحترم ، فالعورة ـ على ما ذكره المصنّف ـ منحصرة في القبل والدبر ، كما هو المشهور ، بل عن الخلاف والسرائر الإجماع عليه (١).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٩٨ ، المسألة ١٤٩ ، السرائر ١ ، ٢٦٠ ، وحكاه عنهما الفاضل الاصبهاني في كشف اللثام ٣ : ٢٣٠ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٦٥.

٣٩٨

وعن المعتبر والمنتهى الإجماع على أنّ الركبة ليست من العورة (١).

وعن التحرير وجامع المقاصد وظاهر التذكرة الإجماع على خروجها والسّرّة من العورة (٢).

خلافا لما حكي عن القاضي من أنّها من السّرّة إلى الركبة (٣).

وعن أبي الصلاح أنّه جعلها من السّرّة إلى نصف الساق (٤).

والأوّل هو الأظهر.

كما يشهد له ـ مضافا إلى أنّ المتبادر عرفا من عورة الرجل سوأتاه ـ مرسل أبي يحيى الواسطي عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام ، قال : «العورة عورتان : القبل والدّبر ، والدّبر مستور بالأليتين ، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة» (٥).

ورواية الميثمي عن محمّد بن حكيم ، قال : لا أعلمه إلّا قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام أو من رآه متجرّدا وعلى عورته ثوب ، وقال : «إنّ الفخذ ليست من العورة» (٦).

وخبر عليّ بن جعفر ـ المرويّ عن قرب الإسناد ـ أنّه سأل أخاه عن الرجل

__________________

(١) المعتبر ٢ : ١٠٠ ، منتهى المطلب ٤ : ٢٧٠ ، الفرع الثاني ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٦٥.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٣١ ، جامع المقاصد ٢ : ٩٤ ، تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٤٥ ، الفرع «أ» من المسألة ١٠٧ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١٦٥.

(٣) المهذّب ١ : ٨٣ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١١٢ ، المسألة ٥٣.

(٤) الكافي في الفقه : ١٣٩ ، وحكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١١٢ ، المسألة ٥٣.

(٥) الكافي ٦ : ٥٠١ / ٢٦ ، التهذيب ١ : ٣٧٤ / ١١٥١ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب آداب الحمّام ، ح ٢.

(٦) التهذيب ١ : ٣٧٤ / ١١٥٠ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب آداب الحمّام ، ح ١.

٣٩٩

بفخذه أو أليتيه الجرح هل يصلح للمرأة أن تنظر [إليه] أو تداويه؟ قال : «إذا لم يكن عورة فلا بأس» (١).

ولا ينافيه رواية بشير النبّال ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الحمّام ، قال : «تريد الحمّام؟» قلت : نعم ، قال : فأمر بإسخان الحمّام ثمّ دخل فاتّزر بإزار وغطّى ركبتيه وسرّته ثمّ أمر صاحب الحمّام فطلى ما كان خارجا من الإزار ، ثمّ قال : «أخرج عنّي» ثمّ طلى هو ما تحته بيده ، ثمّ قال : «هكذا فافعل» (٢) لجواز كونه على سبيل الفضل لا الوجوب ، كما يؤيّد ذلك ما عن الصدوق في الفقيه أنّه روى في مثل هذه القضيّة أنّه عليه‌السلام كان يطلي عانته وما يليها ثمّ يلفّ إزاره على طرف إحليله ويدعو قيّم الحمّام فيطلي سائر جسده (٣).

نعم ، ربما ينافي ما ذكر ما عن كتاب قرب الإسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام أنّه قال : «إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظرنّ إلى عورتها ، والعورة ما بين السّرّة والركبة» (٤).

وخبر الخصال عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه ويجلس بين قوم» (٥).

ولكن الخبر الأخير مشعر بإرادة الكراهة.

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٢٧ / ٨٨٩ ، مسائل علي بن جعفر : ١٦٦ / ٢٦٩ ، الوسائل ، الباب ١٣٠ من أبواب مقدّمات النكاح ، ح ٤ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) الكافي ٦ : ٥٠١ / ٢٢ ، الوسائل ، الباب ٢٧ و ٣١ من أبواب آداب الحمّام ، ح ٢ و ١.

(٣) الفقيه ١ : ٦٥ / ٢٥٠ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب آداب الحمّام ، ح ٢.

(٤) قرب الإسناد : ١٠٣ / ٣٤٥ ، الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ٧.

(٥) الخصال : ٦٣٠ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب أحكام الملابس ، ح ٣.

٤٠٠