مصباح الفقيه - ج ١٠

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفكر
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٨

الواجب والمستحبّ ، أي مطلق الطلب الصالح للوجوب والاستحباب ، مدفوعة :

أوّلا : بأنّ المتبادر من الأمر في مثل هذه الموارد بالنسبة إلى ما عدا ما ثبت استحبابه ليس إلّا الوجوب ، ألا ترى أنّه لو أمر المولى عبده بإحضار أشياء كأنواع من الأطعمة ، وعلم من الخارج أنّ بعض تلك الأشياء غير لازم لديه ، لم يجز رفع اليد عن ظاهر أمره بالنسبة إلى ما لم يعلم فيه ذلك بالضرورة.

وثانيا : أنّ القدر المشترك بين النوعين وإن أمكن تصوّره والتلفّظ به لكن لا يمكن إنشاؤه بلفظ ؛ إذ الجنس لا يتحقّق بلا فصل ، فهذا الأمر الشخصي المتعلّق بتلك الأشياء على سبيل الإجمال فرد من الطلب يجب اندارجه تحت نوع ، فهو إمّا من القسم البالغ حدّ الإلزام ، أم لا ، ولا يعقل أن يتردّد بين الأمرين.

نعم ، لا نتحاشى عن أنّه قد يصدر من المولى مرتبة من الطلب لا تبلغ في حدّ ذاته مرتبة اللزوم ، كما فيما يطلبه منه على سبيل الترجّي أو التمنّي أو الالتماس ونحوه ، ولكن هذا النحو من الطلب خارج عن محلّ الكلام ؛ إذ الكلام في القسم الذي يراد من صيغة «افعل» أو «لا تفعل» على سبيل التنجيز.

فنقول : هذا القسم من الطلب هو في حدّ ذاته إلزاميّ ، ولكن لا دلالة فيه على كون المطلوب لازما لدى المولى ، فإنّ هذا شي‌ء خارج عن مدلول الصيغة ، وإنّما مدلوله إلزام العبد به ، أي طلبه منه على سبيل التنجيز ، فيجب على العبد بحكم العقل الإتيان به ، إلّا أن يدلّ دليل عقليّ أو نقليّ على عدم لزومه لدى المولى ، وأنّه لا يؤاخذه على مخالفته.

والحاصل : أنّ الأوامر ـ التي يستفاد منها وجوب الفعل أو استحبابه ـ على

٢٨١

قسمين : إرشاديّ ومولويّ.

أمّا الإرشاديّ : فهو ما كان مسوقا لبيان لزوم الفعل أو ندبه لا بلحاظ كونه مطلوبا بهذا الطلب ، بل من حيث هو بلحاظ المصلحة الكامنة فيه دنيويّة كانت أم أخرويّة ، وهذا هو المنساق إلى الذهن من الأوامر المعلّلة بما يترتّب على متعلّقاتها من المصلحة ، كما في قولك : «أسلم حتى تدخل الجنّة» والأوامر الصادرة على سبيل الوعظ والإرشاد والحثّ على الخروج عن عهدة التكاليف ، والأوامر المسوقة لبيان كيفيّة الأعمال من العبادات والمعاملات ، والأوامر الواردة في المستحبّات لا يبعد أن يكون أغلبها من هذا القسم ، ولا تأمّل في أنّ إرادة هذا المعنى من صيغة «افعل» خلاف ما يقتضيه وضعه.

وأمّا المولويّ : فهو ما كان الغرض منه بعث المأمور على الفعل ، كما في قول الوالد لولده أو السيّد لعبده : «ناولني الماء» عند إرادة شربه ، وهذا القسم هو محلّ كلامنا ، كما أنّه هو المتبادر من صيغة «افعل».

فنقول : إذا كان مقصود المولى من قوله لعبده : «اشتر الخبز والجبن والبصل» مثلا : بعثه على شراء هذه الأشياء وإحضارها لديه ، فلا نعقل فرقا فيما يريده من لفظه بين أن يكون بعض هذه الأشياء أو جميعها غير مهمّ لديه بحيث لا يؤاخذه على مخالفته ، أو كون جميعها مهمّا لديه ، سواء طلب الجميع بأمر واحد أو بأوامر متعدّدة ، فإنّ مراده بلفظه على جميع التقادير ليس إلّا بعثه على الفعل الذي تعلّق به طلبه ، وصدق هذا المعنى ـ أي إرادة إيجاد المتعلّق في الجميع على سبيل التواطؤ والتشكيك ـ إنّما هو فيما بعثه على الطلب ، أي المصلحة التي

٢٨٢

أحرزها في الفعل ودعته إلى الأمر بإيجاده ، وبعد أن دعته المصلحة إلى الأمر بالإيجاد فلا نرى حينئذ تفاوتا فيما يريده بقوله : «اشتر» إلّا أنّ تلك المصلحة الباعثة له على الطلب قد لا تكون لديه لازمة التحصيل ، فيبيّن ذلك لعبده بقرينة منفصلة ، فيقول مثلا : «البصل الذي أمرتك به ليس بواجب» فيعلم من ذلك أنّ أمره المتعلّق به كان على جهة الاستحباب ، لا أنّ مراده بتلك العبارة كان معنى غير ما فهمه من كلامه.

اللهمّ إلّا أن يستكشف من ذلك أنّه لم يكن مقصوده بذلك بعثه على الفعل على سبيل التنجيز ، بل بيان كونه محبوبا لديه ، وأنّه ممّا ينبغي أن يوجد ، فيندرج حينئذ في القسم الأوّل ، ويخرج عن محلّ الفرض ، ففي محلّ الفرض ـ أي ما كان غرضه من الأمر بعثه على الفعل على سبيل التنجيز ـ يجب على العبد الخروج عن عهدة ما تعلّق به غرضه من أمره ، إلّا أن يعلم من الخارج أنّ مقصوده ليس مهمّا لديه بحيث لا يرضى بمخالفته ، فدلالة الأمر على كونه مولويّا دلالة وضعيّة حيث إنّه ظاهر في الطلب ، وأمّا دلالته على لزوم الفعل على تقدير عدم الإذن في المخالفة وندبه على تقدير الإذن فعقليّة ، ولذا لا يتفاوت الحال في ذلك بين ما لو استفيد طلبه من اللفظ أو من الإشارة ونحوها ، فلو أشار بيده إلى جماعة فعلم العبد من إشارته أنّه يريد إحضارهم أو طردهم ، يجب عليه الخروج عن عهدة ما تعلّق به غرضه من إشارته ، إلّا أن يعلم بعدم لزومه ، فيقتصر في رفع اليد عمّا يقتضيه طلبه على مقدار دلالة الدليل ، وهكذا الكلام في النهي حرفا بحرف ، فلا نطيل بالإعادة.

٢٨٣

ثمّ لو سلّمنا أنّ الطلب الإلزامي مغاير بالذات لغير الإلزامي ، وأنّه عند تعلّقه بواجب ومستحبّ مستعمل في القدر المشترك ، فنقول أيضا : يمكن الاستشهاد بالموثّقة (١) لإثبات الكراهة مع إبقائها على ظاهرها من الحرمة بالنسبة إلى غيرها بدعوى أنّ الرواية كما أنّها كادت تكون صريحة في الحرمة بحيث يشكل حملها ـ بقرينة الأخبار الخاصّة ـ على الاستحباب أو القدر المشترك ، كذلك كادت تكون صريحة في شمولها للسنجاب ، فيشكل تخصيصها بالأدلّة المتقدّمة الدالّة على الجواز ، فمقتضى الجمع بينها وبين الموثّقة إبقاء الموثّقة على ظاهرها من الحرمة والعموم ، وارتكاب التأويل في فرديّة السنجاب للعامّ بالحمل على أنّ جعله في عرض المحرّمات من حيث تعلّق النهي التحريمي به من باب المبالغة ، وتنزيله منزلة المحرّم من حيث المرجوحيّة.

وبهذا يندفع ما قد يتوهّم من أنّ ما ذكرناه أوّلا في التفصّي عن الإشكال لا يجدي في خصوص المورد ؛ لأنّ غايته أنّ كون بعض ما تعلّق به النهي مكروها لا يصلح قرينة لصرف النهي عمّا يقتضيه ظاهره بالنسبة إلى ما عداه ، بل يبقى على ظاهره من الحرمة ، وهذا إنّما يتمشّى فيما إذا كان المنع المتعلّق بالجميع بصيغة النهي وشبهها ، لا في مثل الموثّقة التي نشأت دلالتها على المنع من إثبات لوازم الحرمة ، وهي فساد الصلاة الواقعة في غير المأكول ، وعدم قبولها ، ووجوب إعادتها ، فلا يمكن أن يكون السنجاب مندرجا في موضوعها بعد فرض جواز الصلاة فيه.

__________________

(١) أي موثّقة ابن بكير ، المتقدّمة في ص ٢٠٠.

٢٨٤

توضيح الاندفاع : أنّ هذه اللوازم لبيان كون الصلاة في غير المأكول منهيّا عنها في الشريعة ، وحيث إنّ السنجاب مشارك لغيره في تعلّق الغرض بالمنع عنه لا داعي لإخراجه عن موضوع الرواية ، وإثبات هذه الآثار لمطلق غير المأكول الذي قصد بيان المنع عنه مبنيّ على التغليب ، فليتأمّل.

وقد يستدلّ أيضا للكراهة : بمكاتبة محمّد بن علي بن عيسى ـ المرويّة عن مستطرفات السرائر من كتاب مسائل الرجال ـ قال : كتبت إلى الشيخ ـ يعني الهادي عليه‌السلام ـ أعزّه الله وأيّده : أسأله عن الصلاة في الوبر أيّ أصنافه أصلح؟ فأجاب «لا أحبّ الصلاة في شي‌ء منه» قال : فرددت إليه الجواب : إنّا مع قوم في تقيّة وبلادنا بلاد لا يمكن أحدا أن يسافر منها بلا وبر ولا يأمن على نفسه إن هو نزع وبره ، وليس يمكن الناس كلّهم ما يمكن الأئمّة ، فما الذي ترى نعمل في هذا الباب؟ قال : فرجع الجواب إليّ «تلبس الفنك والسمّور» (١).

أقول : ولعلّ الخزّ والسنجاب كوبر المأكول لم يكن من الأصناف المعهودة لديهم التي أرادها السائل ، وإلّا لكان أولى بالرخصة في حال الضرورة من الفنك والسمّور على القول بالمنع عنهما اختيارا ، كما هو المشهور ، والله العالم.

وأمّا السنجاب : ففي مجمع البحرين : هو ـ على ما فسّر ـ : حيوان على حدّ اليربوع أكبر من الفأرة ، شعره في غاية النعومة ، يتّخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعمّون ، وهو شديد الختل إن أبصر الإنسان صعد الشجرة العالية ، وهو كثير

__________________

(١) السرائر ٣ : ٥٨٣ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

٢٨٥

في بلاد الصقالبة والترك ، وأحسن جلوده الأزرق الأملس (١).

(وفي الثعالب والأرانب روايتان ، أصحّهما) وأشهرهما : (المنع) بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، وعن التنقيح : أنّه لم يعمل برواية الجواز أحد (٢).

ولكن ستسمع (٣) عن المصنّف في محكيّ المعتبر تجويز العمل بأخبار الجواز (٤) ، وعن المدارك تقويته (٥).

أمّا أخبار المنع عن الثعالب :

فمنها : موثّقة ابن بكير ، المتقدّمة (٦) التي وقع فيها السؤال عن الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر.

وفي صحيحة [أبي] عليّ ابن راشد ، المتقدّمة (٧) : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الثعالب يصلّى فيها؟ قال : «لا ولكن تلبس بعد الصلاة» قلت : أيصلّى في الثوب الذي يليه؟ قال : «لا».

ورواية مقاتل بن مقاتل ، المتقدّمة (٨) ، وفيها : فقال : «لا خير في ذلك كلّه ما خلا السنجاب».

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ : ٨٤ «سنجب».

(٢) التنقيح الرائع ١ : ١٨٠ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٨ : ١٠٣.

(٣) في ص ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

(٤) المعتبر ٢ : ٨٧ ، وحكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٧٣.

(٥) مدارك الأحكام ٣ : ١٧٣ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٧٦ ـ ٧٧.

(٦) في ص ٢٠٠.

(٧) في ص ٢٦٩.

(٨) في ص ٢٠٢ و ٢٦٩.

٢٨٦

وفي رواية الوليد بن أبان : قلت للرضا عليه‌السلام : يصلّى في الثعالب إذا كانت ذكّية؟ قال : «لا تصلّ فيها» (١).

وفي رواية بشير بن بشار : «ولا تصلّ في الثعالب ولا السمّور» (٢).

وصحيحة الريّان بن الصلت عن الرضا عليه‌السلام : عن لبس [فراء] (٣) السمّور والسنجاب والحواصل و [ما أشبهها والمناطق والكيمخت] (٤) والمحشوّ بالقزّ والخفاف من أصناف الجلود ، قال : «لا بأس بهذا (٥) كلّه إلّا الثعالب» (٦).

وصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن جلود الثعالب أيصلّى فيها؟ فقال : «ما أحبّ أن أصلّي فيها» (٧).

ورواية جعفر بن محمّد بن أبي زيد (٨) ، قال : سئل الرضا عليه‌السلام عن جلود الثعالب الذكيّة ، قال : «لا تصلّ فيها» (٩).

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٢٧٠ ، الهامش (٢).

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٢٧٠ ، الهامش (٥).

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «أشباهها». والمثبت كما في المصدر.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «بهذه». والمثبت كما في المصدر.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٦٩ / ١٥٣٣ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٠٥ / ٨٠٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨١ / ١٤٤٣ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٨) في الاستبصار : «جعفر بن محمّد عن ابن أبي زيد».

(٩) التهذيب ٢ : ٢١٠ / ٨٢٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨١ / ١٤٤٥ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٦.

٢٨٧

وصحيحة عليّ بن مهزيار عن رجل سأل الماضي (١) عليه‌السلام عن الصلاة في جلود الثعالب ، فنهى عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي يليه ، فلم أدرأيّ الثوبين؟

الذي يلصق بالوبر ، أو الذي يلصق بالجلد؟ فوقّع بخطّه «الثوب الذي يلصق بالجلد» وذكر أبو الحسن ـ أي عليّ بن مهزيار (٢) ـ أنّه سأله عن هذه المسألة ، فقال : «لا تصلّ في الذي فوقه ولا في الذي تحته» (٣).

وفي الخبر المتقدّم (٤) عن مكارم الأخلاق : «قد رأيت السنجاب على أبي ، ونهاني عن الثعالب والسمّور».

وما دلّ على المنع في الأرانب :

فمنها : صحيحة عليّ بن مهزيار ، قال : كتب إليه إبراهيم بن عقبة : عندنا جوارب وتكك (٥) تعمل من وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقيّة؟ فكتب «لا تجوز الصلاة فيها» (٦).

ورواية أحمد بن إسحاق الأبهري ، قال : كتبت إليه : جعلت فداك ، عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير

__________________

(١) في التهذيبين : «الرضا» بدل «الماضي».

(٢) قوله : «أي علي بن مهزيار» كما في الوسائل.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٩ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٢٠٦ / ٨٠٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ / ١٤٤٦ ، وفي الأخيرين بتفاوت في بعض الألفاظ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٨.

(٤) في ص ٢٧١.

(٥) التكك جمع تكّة ، وهي رباط السراويل. لسان العرب ١٠ : ٤٠٦ «تكك».

(٦) التهذيب ٢ : ٢٠٦ / ٨٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١٤٥١ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

٢٨٨

ضرورة ولا تقيّة؟ فكتب «لا تجوز الصلاة فيها» (١).

ورواية سفيان بن السمط قال : وقرأت في كتاب محمّد بن إبراهيم إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن الفنك يصلّى فيه ، فكتب «لا بأس به» وكتب يسأله عن جلود الأرانب ، فكتب «مكروهة» (٢).

ورواية محمّد بن إبراهيم ، قال : كتبت إليه أسأله عن الصلاة في جلود الأرانب ، فكتب «مكروه (٣)» (٤).

ومرفوعة أيّوب بن نوح ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الصلاة في الخزّ الخالص لا بأس به ، فأمّا الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلّ فيه» (٥).

ويعضدها العمومات الدالّة على المنع عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه.

وأمّا أخبار الجواز :

فمنها : صحيحة الحلبي ، المتقدّمة مرارا (٦) ، الدالّة على نفي البأس عن الصلاة في الفراء والسمّور والسنجاب والثعالب وأشباهه.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٦ / ٨٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١٤٥٢ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤٠١ / ١٥ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٤.

(٣) في التهذيبين : «مكروهة».

(٤) التهذيب ٢ : ٢٠٥ / ٨٠٤ ، الاستبصار ١ : ٣٨١ / ١٤٤٤ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٢١٢ / ٨٣١ ، الاستبصار ١ : ٣٨٧ / ١٤٧٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٦) في ص ٢١٠ و ٢١٧ و ٢٦٩ ـ ٢٧٠.

٢٨٩

وصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن لباس الفراء والسمّور والفنك والثعالب وجميع الجلود ، قال : «لا بأس بذلك» (١).

أقول : ليس في هذه الصحيحة تصريح بنفي البأس عن الصلاة فيها ، فلعلّه أريد بها لبسها ، كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك في صدر المبحث.

وصحيحة جميل (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن جلود الثعالب إذا كانت ذكيّة يصلّى فيها؟ قال : «نعم» (٣).

وعن [جميل] (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة في جلود الثعالب ، فقال : «إذا كانت ذكيّة فلا بأس» (٥).

وعن عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألته عن اللحاف (٦) من الثعالب أو الجرز منه (٧) أيصلّى فيها أم لا؟ قال : «إذا كان ذكيّا فلا بأس به» (٨).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١١ / ٨٢٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٥ / ١٤٦٠ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٢) في المصادر : «جميل عن الحسن بن شهاب».

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٧ / ١٥٢٧ ، الاستبصار ١ : ٣٨٢ / ١٤٤٨ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١٠.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «ابن أبي نجران». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٠٦ / ٨٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٨٢ / ١٤٤٧ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٩.

(٦) في التهذيب : «الخفاف» بدل «اللحاف».

(٧) في الاستبصار : «الخوارزميّة» بدل «الجرز منه» والجرز ـ بالكسر ـ : لباس من لباس النساء من الوبر ، ويقال : هو الفرو الغليظ. الصحاح ٣ : ٨٦٧ «جرز».

(٨) التهذيب ٢ : ٣٦٧ / ٣٦٨ / ١٥٢٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٢ / ١٤٤٩ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١١.

٢٩٠

قال في محكيّ الوافي : هكذا [في] (١) نسخ التهذيب ، التي رأيناها. قيل :الجرز ـ بكسر الجيم وتقديم المهملة على المعجمة ـ من لباس النساء. وفي الاستبصار : «أو الخوارزميّة» وكأنّها الصحيح ،

فيكون المراد بها الحواصل (٢). انتهى.

وربما يظهر من بعض الأخبار التفصيل بين الجلد والوبر.

مثل : ما روي عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري في [الاحتجاج] (٣) عن صاحب الزمان عجّل الله فرجه ، أنّه كتب إليه : قد سأل بعض العلماء عن معنى قول الصادق عليه‌السلام : «لا تصلّ في الثعلب ولا في الأرنب ولا في الثوب الذي يليه» فقال عليه‌السلام : «إنّما عنى الجلود دون غيرها» (٤).

وعنه أيضا عن صاحب الزمان عجّل الله فرجه ، أنّه كتب إليه : روي لنا عن صاحب العسكر أنّه سئل عن الصلاة في الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب ، فوقّع «يجوز» وروي عنه أيضا أنّه «لا يجوز» فأيّ الخبرين نعمل [به]؟ فأجاب عليه‌السلام «إنّما حرم في هذه الأوبار والجلود ، فأمّا الأوبار وحدها فكلّ حلال» (٥).

وخبر بشر بن بشار (٦) ، قال : سألته عن الصلاة في الخزّ يغشّ بوبر الأرانب ، فكتب «يجوز ذلك» (٧).

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) الوافي ٧ : ٤٠٨ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٧٦.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «قرب الإسناد». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) الاحتجاج : ٤٩٢ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١٢.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٢٥٩ ، الهامش (٢) وما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) في الاستبصار : «بشير بن يسار».

(٧) الاستبصار ١ : ٣٨٧ / ١٤٧١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

٢٩١

والأشبه بالقواعد حمل هذه الأخبار الأخيرة بأسرها على التقيّة ، أو ردّ علمها إلى أهله ؛ لمخالفتها للمشهور ، وموافقتها للجمهور ، وفي جملة من الأخبار الإشارة إلى أنّ المورد من الموارد التي يشتدّ فيها التقيّة ، وقد تقدّم مرارا التنبيه على أنّه لو لا أنّ الأمر كذلك لكان المتّجه الجمع بين الأخبار بحمل أخبار المنع على الكراهة ، وتنزيل ما في الأخبار من الاختلاف على اختلاف مراتب الكراهة.

وربما يصلح شاهدة لهذا الجمع جملة من الأخبار المتقدّمة (١) التي وقع فيها التعبير بـ «ما أحبّ أن أصلّي فيها» أو «لا خير في ذلك كلّه» أو «إنّه مكروه» أو غير ذلك من العبائر المشعرة أو الظاهرة في الكراهة ، ولكن ثبّطنا (٢) عن ذلك ما عرفت.

والعجب من صاحب المدارك أنّه لم يذكر من أخبار المنع في هذا المقام إلّا صحيحة عليّ بن مهزيار ، الواردة في وبر الأرانب ، وصحيحة محمّد بن مسلم ، التي لا يستفاد منها أزيد من رجحان الترك ، ثمّ قال : وبإزاء هاتين الروايتين أخبار كثيرة دالّة على الجواز. ثمّ ذكر صحيحة الحلبي وصحيحة علي بن يقطين وصحيحة جميل ، المتقدّمات (٣).

ثمّ قال : قال المصنّف رحمه‌الله في المعتبر : واعلم أنّ المشهور بين الأصحاب المنع ممّا عدا السنجاب ووبر الخزّ ، والعمل به احتياط في الدين ، ثمّ قال ـ أي المصنّف ـ بعد أن أورد روايتي الحلبي وعليّ بن يقطين : وطريق هذين الخبرين

__________________

(١) في ص ٢٠٢ و ٢٨٦ و ٢٨٧ و ٢٨٩.

(٢) ثبّطه عن الشي‌ء : إذا شغله عنه. لسان العرب ٧ : ٢٦٧ «ثبط».

(٣) في ص ٢١٠ و ٢٩٠.

٢٩٢

أقوى من تلك الطرق ، ولو عمل بهما عامل جاز ، وعلى الأوّل عمل الظاهرين من الأصحاب منضمّا إلى الاحتياط للعبادة.

قلت : ومن هنا يظهر أنّ قول المصنّف رحمه‌الله : «أصحّهما : المنع» غير جيّد ، ولو قال : «أشهرهما : المنع» كما ذكره في النافع ، كان أولى ، والمسألة قويّة الإشكال من حيث صحّة أخبار الجواز واستفاضتها واشتهار القول بالمنع بين الأصحاب ، بل إجماعهم عليه بحسب الظاهر وإن كان ما ذكره في المعتبر لا يخلو من قرب (١).

انتهى كلام صاحب المدارك.

ولا يخفى ما فيه بعد ما عرفت من شذوذ أخبار الجواز وموافقتها للعامّة ، فلا تصلح لمعارضة الأخبار المستفيضة الدالّة على المنع.

بقي الكلام في الفنك والسمّور والحواصل التي وقع التعرّض لحكمها بالخصوص في الأخبار.

أمّا (٢) الفنك : فهو ـ كما عن المصباح المنير (٣) ـ : نوع من الثعلب الرومي.

وعن الصحاح : هو الذي يتّخذ منه الفراء (٤).

وعن القاموس : دابّة فروتها أطيب أنواع الفراء (٥).

وعن التحفة : أنّ جلده يكون أبيض وأشقر وأبلق ، وحيوانه أكبر من

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ١٧٢ ـ ١٧٣ ، وراجع : المعتبر ٢ : ٨٦ ـ ٨٧.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «وأمّا». والظاهر ما أثبتناه بدون الواو.

(٣) الحاكي عنه هو النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٣٣٢ ، وفي المصباح المنير : ٤٨١ : «قيل : نوع من جراء الثعلب التركي».

(٤) الصحاح ٤ : ١٦٠٥ «فنك». وحكاه عنه النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٣٣٢.

(٥) القاموس المحيط ٣ : ٣١٦ «فنك». وحكاه عنه النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٣٣٢.

٢٩٣

السنجاب ، ويؤخذ من بلاد الروس والترك (١).

وكيف كان ففي جملة من الأخبار المتقدّمة نفي البأس عنه.

ففي صحيحة أبي علي ابن راشد : «فصلّ في الفنك والسنجاب ، وأمّا السمّور فلا تصلّ فيه» (٢).

وفي مكاتبة يحيي بن أبي عمران ـ التي وقع فيها السؤال عن السنجاب والفنك والخزّ ـ : «صلّ فيها» (٣).

وفي خبر عليّ بن جعفر ـ الذي وقع فيه السؤال عن لبس السمّور والسنجاب والفنك ـ : «لا يلبس ولا يصلّى فيه إلّا أن يكون ذكيّا» (٤).

وفي رواية سفيان بن السمط ، التي وقع فيها السؤال عن الفنك يصلّى فيه ، فكتب «لا بأس به» (٥).

وفي خبر الوليد بن أبان : أصلّي في الفنك والسنجاب؟ قال : «نعم» (٦).

وفي صحيحة الحلبي : «لا بأس بالصلاة فيه» (٧).

ولكن هذه الصحيحة موهونة بما تقدّمت الإشارة إليه مرارا من غلبة الظنّ بكونها جارية مجرى التقيّة ، وأمّا ما عداها من الأخبار فاحتمال كونها تقيّة في غاية

__________________

(١) حكاه عنها النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٣٣٢.

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٢٦٩ ، الهامش (٤).

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٢٥٤ ، الهامش (٥).

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٧١ ، الهامش (١).

(٥) تقدّم تخريجها في ص ٢٨٩ ، الهامش (٢).

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٢٧٠ ، الهامش (٢).

(٧) تقدّم تخريجها في ص ٢١٠ ، الهامش (٤).

٢٩٤

البعد ؛ لاشتمال كثير منها على المنع عن الثعالب وغيرها ممّا ينافي التقيّة.

وبإزاء هذه الأخبار جملة من الروايات المتقدّمة في المباحث السابقة التي يستظهر أو يستشعر منها المنع.

كموثّقة (١) ابن بكير ، التي كادت تكون صريحة في المنع عنه بلحاظ كونه مذكورا في السؤال.

ورواية (٢) بشير بن بشار ، التي وقع فيها السؤال عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمّور والحواصل ، فأجيب بقوله عليه‌السلام : «صلّ في السنجاب والحواصل الخوارزميّة ، ولا تصلّ في الثعالب والسمّور» فإنّ في الاقتصار على الرخصة في السنجاب والحواصل دلالة على إرادة المنع عمّا عداهما ممّا وقع في السؤال وإن لم يصرّح بالمنع عنه كما في السمّور والثعالب.

وخبر محمّد بن عليّ بن عيسى ـ المرويّ عن مستطرفات السرائر ـ الذي وقع فيه السؤال عن الصلاة في الوبر أيّ أصنافه أصلح؟ فأجاب عليه‌السلام «لا أحبّ الصلاة في شي‌ء منه» إلى أن قال ـ بعد أن بيّن السائل كونه مضطرّا إلى لبس الوبر ـ : «تلبس الفنك والسمّور» (٣) فإنّه كالصريح في عدم جواز الصلاة فيه لغير الضرورة من التقيّة ونحوها ، بناء على إرادة المنع من نفي الحبّ فيه ووقوع التعبير بذلك لأجل التقيّة.

ولكنّك خبير بأنّ دعوى استفادة الحرمة ممّا عدا الموثّقة في غير محلّها

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٢٠٠ ، الهامش (٢).

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٢٧٠ ، الهامش (٥).

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٨٥ ، الهامش (١).

٢٩٥

فضلا عن عدّ مثل هذه الروايات معارضة للأخبار المصرّحة بنفي البأس عنه ، فعمدة ما يستفاد منه المنع هي موثّقة ابن بكير ، وقد عرفت عند التكلّم في السنجاب أنّ هذه الموثّقة أيضا قابلة للتخصيص أو التأويل بالنسبة إلى بعض ما جرى ذكره في السؤال ، كما في السنجاب ، فهي أيضا لا تصلح لمعارضة الأخبار الخاصّة ، ولذا قال كاشف اللثام ـ على ما حكي عنه ـ : لم أظفر بخبر معارض للجواز في خصوص الفنك (١).

ومن هنا قد يقوى في النظر القول بالجواز كما عن الصدوق في المقنع والأمالي (٢) ، بل عن الأمالي أنّ من دين الإماميّة الرخصة في السنجاب والفنك والسمّور (٣).

ولكنّ الأحوط بل الأقوى المنع ؛ لوهن أخبار الجواز بإعراض المشهور ؛ فإنّ التعويل عليها بعد إعراض الأصحاب عنها في غاية الإشكال خصوصا مع استفاضتها وصحّة غير واحد منها وصراحتها في المدّعى ، وسلامتها عن معارض مكافئ ، فإنّ ما أعرضوا عنه كلّما ازداد قوّة من حيث السند والدلالة ازداد وهنا.

هذا ، ولكنّ الإنصاف أنّ الإغماض عن مثل هذه الأخبار بمجرّد ذلك أشكل ؛ فإنّ إعراضهم لا يوجب الوهن فيها من حيث السند بعد استفاضتها واشتهارها بين الأصحاب من حيث الصدور ، فغاية ما يمكن ادّعاؤه كونه كاشفا ظنّيّا

__________________

(١) كشف اللثام ٣ : ٢٠٤ ، وحكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٨ : ١٠٦.

(٢) المقنع : ٧٩ ، أمالي الصدوق : ٥١٣ ، وحكاه عنه النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٣٣٣.

(٣) أمالي الصدوق : ٥١٣ ، وكما في جواهر الكلام ٨ : ٩٧.

٢٩٦

عن عدم إرادة ظاهرها ، أو صدورها تقيّة ، والتعويل على مثل هذا الظنّ في رفع اليد عن ظواهر الأخبار مشكل ، فليتأمّل.

ولكن الذي يهوّن الخطب موافقة المنع للاحتياط ، والله العالم بحقائق أحكامه.

وأمّا السمّور فهو بفتح السين ثمّ الميم المشدّدة ، وهو ـ كما عن الشهيد الثاني في حاشية المسالك (١) ـ : حيوان يشبه السنّور.

وعن المصباح المنير : حيوان ببلاد الروس يشبه النّمس (٢) ، ومنه أسود لامع وأشقر (٣).

وعن التحفة : أنّه حيوان يشبه الدلق ، وأسود منه (٤).

وكيف كان فقد وردت الرخصة فيه في بعض الأخبار المتقدّمة (٥) ، ولكنّه معارض بما هو أرجح منه ممّا وقع فيه التصريح بالمنع عنه بالخصوص (٦) ، فلا بأس بتنزيل ما دلّ على الرخصة على إرادتها في مقام الضرورة عند دوران الأمر بينه وبين الثعالب وأشباهها ، والله العالم.

وأمّا الحواصل : فهي ـ كما عن حياة الحيوان ـ : طيور كبار لها حواصل

__________________

(١) مسالك الافهام ١٢ : ٣٦ ، الهامش (٣) وحكاه عنه النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٣٣٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «النمر» بدل «النّمس». وما أثبتناه من المصدر. والنّمس :دويبة نحو الهرّة يأوي البساتين غالبا. وقيل : دويبة تقتل الثعبان. المصباح المنير : ٦٢٦.

(٣) المصباح المنير : ٢٨٨ ، وحكاه عنه النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٣٣٢.

(٤) حكاه عنها النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٣٣٢.

(٥) في ص ٢١٠ ـ ٢١١ و ٢٨٥ و ٢٨٧ و ٢٩٠.

(٦) كروايتي بشير ومكارم الأخلاق ، المتقدّمتين في ص ٢٧٠ و ٢٧١.

٢٩٧

عظيمة (١). وعن ابن البيطار : وهذا الطائر يكون بمصر كثيرا ويعرف بالبجع ، وهو جمل الماء (٢).

فعن الشيخ في النهاية [والمبسوط] (٣) القول بجواز الصلاة فيها ، ودعوى الإجماع عليه (٤).

وعن المنتهى بعد نقل ذلك عن الشيخ قال : وهذا يدلّ على جواز ذلك عند أكثر الأصحاب (٥). انتهى.

وعن بعض (٦) متأخّري المتأخّرين اختياره ؛ لما في بعض (٧) الأخبار المتقدّمة من التصريح به مع سلامته عن المعارض ، عدا عمومات قابلة للتخصيص ، ولكن في رواية بشير قيّدها بالخوارزميّة (٨) ، ولعلّه للاحتراز عمّا تصاد في بلاد الشرك المحكوم بكونها غير مذكّاة بمقتضى الأصل ، والله العالم.

المسألة (الرابعة : لا يجوز لبس الحرير المحض للرجال ولا الصلاة فيه).

قال في محكيّ المعتبر : أمّا تحريم لبسه للرجال فعليه علماء الإسلام ، وأمّا

__________________

(١) حياة الحيوان ١ : ٣٨٨ ، وحكاه عنه النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٣٣٣.

(٢) حكاه عنه الدميري في حياة الحيوان ١ : ٣٨٨.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر الحاكي حيث في «المبسوط» دعوى عدم الخلاف ، دون «النهاية».

(٤) النهاية : ٩٧ ، المبسوط ١ : ٨٢ ـ ٨٣ ، وحكاه عنه النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٣٣٣.

(٥) منتهى المطلب ٤ : ٢١٨ ، وحكاه عنه النراقي في مستند الشيعة ٤ : ٣٣٣.

(٦) هو والد النراقي في المعتمد ، حكاه عنه ولده في مستند الشيعة ٤ : ٣٣٣.

(٧) كرواية بشير ، المتقدّمة في ص ٢٧٠.

(٨) راجع ص ٢٧٠.

٢٩٨

بطلان الصلاة فهو مذهب علمائنا ، ووافقنا بعض الحنابلة (١). انتهى.

ويدلّ على تحريم لبسه في الجملة ـ مضافا إلى عدم الخلاف فيه ، بل استفاضة نقل إجماع المسلمين عليه ـ أخبار مستفيضة من طرق الخاصّة والعامّة ، كما ادّعاه في المدارك (٢) وغيره (٣).

والظاهر أنّ النبويّ المرسل في بعض كتب الفتاوى أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال مشيرا إلى الذهب والحرير : «هذان محرّمان على ذكور أمّتي دون إناثهم» (٤) من الروايات المرويّة من طرقهم ، كما يشعر بذلك عبارة كاشف اللثام (٥).

والذي يغلب على الظنّ أنّ الأصل في هذا الحكم بل وكذا فيما ستسمعه في الذهب هي الأخبار النبويّة الموجبة لمعروفيّة المنع لدى الخاصّة والعامّة من الصدر الأوّل.

وكيف كان فمن طرقنا : ما رواه الصدوق في الفقيه عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ عليه‌السلام : إنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي ، وأكره لك ما أكره لنفسي ، فلا تتختّم بخاتم ذهب ، فإنّه زينتك في الآخرة ، ولا تلبس القرمز ، فإنّه من أردية إبليس ، ولا تركب بميثرة حمراء ، فإنّها من مراكب

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٨٧ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٨٧.

(٢) مدارك الأحكام ٣ : ١٧٣.

(٣) الحدائق الناضرة ٧ : ٨٧.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١١٨٩ / ٣٥٩٥ ، و ١١٩٠ / ٣٥٩٧ ، سنن البيهقي ٤ : ١٤١ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١١ : ١٦ ـ ١٧ / ١٠٨٨٩ بتفاوت يسير.

(٥) كشف اللثام ٣ : ٢٢١.

٢٩٩

إبليس ، ولا تلبس الحرير فيحرق الله جلدك يوم تلقاه» (١).

واستفادة حرمة لبس الحرير من هذه الرواية بلحاظ ما فرّعه عليه من العقوبة ، وإلّا فسوقها يشهد بكونها في مقام الإرشاد وبيان مطلق المرجوحيّة الغير المنافية للكراهة.

والقرمز ـ بكسر القاف والميم ـ : صبغ أرمني يكون من عصارة دود يكون في آجامهم ، قاله في مجمع البحرين ـ بعد نقل الحديث ـ حاكيا عن القاموس (٢).

والميثرة بتقديم المثنّاة التحتانيّة على المثلّثة ـ على ما في المجمع ـ : شي‌ء يحشى بقطن أو صوف ، ويجعله الراكب تحته ، وأصله الواو ، والميم زائدة ، والجمع مياثر ومواثر (٣). انتهى.

ومرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يلبس [الرجل] الحرير (٤) والديباج إلّا في الحرب» (٥).

ومفهوم موثّقة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لباس الحرير والديباج ، فقال : «أمّا في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه تماثيل» (٦).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٤ / ٧٧٤ ، الوسائل ، الأبواب ١١ و ٣٠ و ٤٤ و ٤٨ من أبواب لباس المصلّي ، الأحاديث ٥ و ٦ و ٢ و ٤.

(٢) مجمع البحرين ٤ : ٣١ «قرمز». وراجع القاموس المحيط ٢ : ١٨٧ «قرمز».

(٣) مجمع البحرين ٣ : ٥٠٩ «وثر».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «لا تلبس الحرير». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الكافي ٦ : ٤٥٣ / ١ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ٤٥٣ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٠٨ / ٨١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٨٦ / ١٤٦٦ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٣.

٣٠٠