بالذات ، فيجب فى مذهب العرفان أن يستيقن أنّ كلّ ذات وكلّ كمال ذات وكلّ كمال ما لذات ، وكلّ وجود وكلّ كمال وجود ، وكلّ كمال ما لموجود ، فهو مجعول الباري الخلّاق ، ومفطور الفعّال الفاطر على الاطلاق ؛ فما في عالم الامكان جميعا صنع جوده وهبة رحمته. ومن المستبين المنصرح أنّه لا يهب الكمال القاصر عنه.
فاذن ليس لنا مجاز من وصفه سبحانه بصفات الكمال جملة ، واطلاق الأسماء المتعالية المجديّة وألفاظ المتواطئة الكماليّة عليه جميعا ؛ وذلك هو الخروج من حدّ الابطال والتعطيل ؛ واذ من المعلوم بتّة أنّه جلّ سلطانه بحقيقته وانيّته وذاته وصفاته متمجّد عن جميع ما عداه متقدّس عن سائر ما سواه ، وكلّ ما فى منّة العقول إدراكه ، فانّه في الهبوط عن حريم جناب الربوبيّة بمراحل لا يتناهى.
فمن الواجب المحتوم أن يعلم مع ذلك أنّ [ب ـ ٣٦] كلّ اسم يتعاطاه من تلك الأسماء القدسيّة وكلّ لفظة نستعملها من تلك الألفاظ الكماليّة في شيء من شؤونه وصفاته وجهاته واعتباراته ، لا يصحّ أن يكون هناك الّا على سبيل آخر متقدّس متمجّد متعال عن سبيل المعني الذي نعقله ونتصوّره من ذلك الاسم ومن تلك اللفظة ومن أيّة لفظة استعملناها مكانها ، فكلّ لفظة كماليّة فهي في صقع الربوبيّة بمعنى أقدس وأرفع ممّا في وسع ادراك العقول والأوهام ، وكلّ اسم قدسيّ لكمال حقيقي فهو له سبحانه بمعنى أعلى وأمجد من أن يعقل ويوصف ، والبارئ الحقّ بحيث لا يناسبه ولا يشاكله ولا يضاهيه ولا يدانيه شيء من الأشياء في انيّته وذاته ، ولا في شيء من أوصافه وحيثياته ، حتّى اذا قلنا : «إنّه موجود» علمنا مع ذلك أنّ وجوده لا كوجود سائر ما دونه. واذا قلنا : «انّه حيّ» علمنا أنّه بمعنى أقدس وأعلى ممّا نعقله من الحيّ الّذي هو دونه. واذا قلنا : «انّه عالم» علمنا أنّه بمعنى أمجد وأسنى ممّا نعلمه من العالم الذي هو غيره.
وكذلك في سائر الأسماء العزّية الجلاليّة والألفاظ القدسيّة الكماليّة ، فيجب أن يفرض على ذمم عقولنا فرضا حاتما أن يكون على أقصى العقل المستفاد في هذه المعرفة لا يعزب عن بالنا أنّ المعاني الالهيّة الّتي نعبّر عنها بهذه الألفاظ العليا التمجيديّة والأسماء الحسنى الإلهيّة ، ليست هي الّا بنوع أرفع وأعلى من كلّ ما في منّتنا ، ووسعنا أن نتصوّره