دليلين ، كلّ منهما يعارض الآخر.
ومعنى المعارضة أنّ كلاّ منهما ـ إذا تمّت مقوّمات حجّيّته ـ يبطل الآخر ، ويكذّبه. والتكاذب ، إمّا أن يكون في جميع مدلولاتهما ، ونواحي الدلالة فيهما ، وإمّا في بعض النواحي على وجه لا يصحّ فرض بقاء حجّيّة كلّ منهما مع فرض بقاء حجّيّة الآخر ، ولا يصحّ العمل بهما معا.
فمرجع التعارض في الحقيقة إلى التكاذب بين الدليلين في ناحية ما ، أي إنّ كلاّ منهما يكذّب الآخر ، ولا يجتمعان على الصدق.
هذا هو المعنى الاصطلاحي للتعارض. وهو مأخوذ من «عارضه» ، أي جانبه وعدل عنه. (١)
٢. شروط التعارض
ولا يتحقّق هذا المعنى من التعارض إلاّ بشروط سبعة هي مقوّمات التعارض ، نذكرها لتتّضح حقيقة التعارض ، ومواقعه :
١. ألاّ يكون أحد الدليلين ، أو كلّ منهما قطعيّا ؛ لأنّه لو كان أحدهما قطعيّا فإنّه يعلم منه كذب الآخر ، والمعلوم كذبه لا يعارض غيره. وأمّا : القطع بالمتنافيين ففي نفسه أمر مستحيل لا يقع.
٢. ألاّ يكون الظنّ الفعليّ معتبرا في حجّيّتهما معا ؛ لاستحالة حصول الظنّ الفعليّ بالمتكاذبين ، كاستحالة القطع بهما. نعم ، يجوز أن يعتبر في أحدهما المعيّن الظنّ الفعليّ ، دون الآخر.
__________________
(١) قال الشيخ الأنصاريّ : «وهو لغة : من العرض بمعنى الإظهار ، وغلّب في الاصطلاح على تنافي الدليلين ، وتمانعهما باعتبار مدلولهما» ، فرائد الأصول ٢ : ٧٥٠.
وقال الشوكاني : «التعارض : فهو تفاعل من العرض ـ بضمّ العين ، ـ وهو الناحية والجهة ، كأنّ الكلام المتعارض يقف بعضه في عرض بعض ـ أي ناحيته وجهته ـ ، فيمنعه من النفوذ إلى حيث وجه». إرشاد الفحول : ٢٧٣.