بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

يحيى إلى المدينة فأقام بها إلى أن سعى به عبدالله بن الزبير إلى الرشيد (١).

٢٥ ـ كتاب المقتضب لابن عياش ، عن صالح بن الحسين النوفلي ، عن ذي النون المصري قال : خرجت في بعض سياحتي حتى كنت ببطن السماوة فأفضى لي المسير إلى تدمر (٢) فرأيت بقربها أبنية عادية قديمة ، فساورتها فاذا هي من حجارة منقورة فيها بيوت وغرف من حجارة وأبوابها كذلك ، بغير ملاحط ، وأرضها كذلك حجارة صلدة ، فبينا أجول فيها إذ بصرت بكتابة غريبة على حائط منها فقرأته فاذا هو :

أنا ابن منى والمشعرين وزمزم

ومكة والبيت العتيق المعظم

وجدي النبي المصطفى وأبي الذي

ولايته فرض على كل مسلم

وامي البتول المستضاء بنورها

إذا ماعددنا عديلة مريم

وسبطا رسول الله عمي ووالدي

وأولاده الاطهار تسعة أنجم

متى تعتلق منهم بحبل ولاية

تفز يوم يجزى الفائزون وتنعم

أئمة هذا الخلق بعد نبيهم

فان كنت لم تعلم بذلك فاعلم

أنا العلوي الفاطمي الذي ارتمى

به الخوف والايام بالمرء ترتمي

فضاقت بي الارض الفضاء برحبها

ولم أستطع نيل السماء بسلم

فألممت بالدار التي أنا كاتب

عليها بشعري فأقرأ إن شئت والمم

وسلم لامر الله في كل حالة

فليس أخو الاسلام من لم يسلم

قال ذو النون : فعلمت أنه علوي قد هرب ، وذلك في خلافة هارون ووقع إلى ماهناك فسألت من ثم من سكان هذه الدار وكانوا من بقايا القبط الاول هل تعرفون من كتب هذا الكتاب؟ قالوا : لا والله ماعرفناه إلا يوما واحدا فانه نزل بنا فأنزلناه ، فلما كان صبيحة ليلته غدا ، فكتب هذا الكتاب ومضى ، قلت : أي رجل كان؟ قالوا : رجل عليه أطمار رثة تعلوه هيبة وجلالة وبين عينيه نور شديد

____________________

(١) عمدة الطالب ص ١٣٩ طبعة النجف الاولى.

(٢) تدمر : مدينة في الشمال الشرقي من دمشق ، بواحة في بادية الشام.

١٨١

لم يزل ليلته قائما وراكعا وساجدا إلى أن انبلج له الفجر فكتب وانصرف (١).

اقول : لايبعد كونه الكاظم عليه‌السلام ذهب وكتب لاتمام الحجة عليهم.

٢٦ ـ مقاتل الطالبيين (٢) بأسانيده ، عن جماعة أنهم قالوا : إن يحيى بن عبدالله بن الحسن لما قتل أصحاب فخ كان في قبلهم فاستتر مدة يجول في البلدان ويطلب موضعا يلجأ إليه ، وعلم الفضل بن يحيى بمكانه في بعض النواحي فأمره بالانتقال عنه ، وقصد الديلم وكتب له منشورا لايعرض له أحد ، فمضى متنكرا حتى ورد الديلم ، وبلغ الرشيد خبره وهو في بعض الطريق فولى الفضل بن يحيى نواحي المشرق وأمره بالخروج إلى يحيى ، فلما علم الفضل بمكان يحيى كتب إليه : إني اريد أن احدث بك عهدا ، وأخشى أن تبتلي بي وابتلى بك ، فكاتب صاحب الديلم فاني قد كاتبته لك لتدخل إلى بلاده فتمتنع به.

ففعل ذلك يحيى ، وكان صحبه جماعة من أهل الكوفة ، وفيهم الحسن بن صالح بن حي ، كان يذهب مذهب الزيدية البترية في تفضيل أبي بكر ، وعمر وعثمان في ست سنين من إمارته ، وتكفيره في باقي عمره ، ويشرب النبيذ ، ويمسح على الخفين ، فكان يخالف يحيى في أمره ، ويفسد أصحابه ، فحصل بينهما بذلك تنافر ، وولى الرشيد الفضل جميع كور المشرق وخراسان ، وأمره بقصد يحيى والجد به ، وبذل الامان والصلة له إن قبل ذلك.

فمضى الفضل فيمن ندب معه ، وراسل يحيى فأجابه إلى قبوله ، لما رأى من تفرق أصحابه وسوء رأيهم فيه ، وكثرة خلافهم عليه إلا أنه لم يرض الشرائط التي شرطت له ، ولا الشهود الذين شهدوا له ، وبعث الكتاب إلى الفضل فبعث به إلى الرشيد ، فكتب له على ما أراد وشهد له من التمس.

____________________

(١) مقتضب الاثر ص ٥٥ طبع المطبعة العلوية في النجف الاشرف سنة ١٣٤٦ هـ

(٢) مقاتل الطالبيين ، والحديث منثور في عدة صفحات يتخلله أحاديث متفرقة لاحظ ص ٤٦٥ إلى ص ٤٨٥.

١٨٢

فلما ورد كتاب الرشيد على الفضل وقد كتب الامان على مارسم يحيى ، و أشهد الشهود الذين التمسهم ، وجعل الامان على نسختين إحداهما مع يحيى والاخرى معه ، شخص يحيى مع الفضل حتى وافى بغداد ، ودخلها معاد له في عمارية على بغل ، فلما قدم يحيى أجازه الرشيد بجوائز سنية ، يقال إن مبلغها مائتا ألف دينار ، وغير ذلك من الخلع والحملان ، فأقام على ذلك مدة وفي نفسه الحيلة على يحيى ، والتتبع له ، وطلب العلل عليه وعلى أصحابه.

ثم إن نفرا من أهل الحجاز تحالفوا على السعاية بيحيى ، وهم : عبدالله بن مصعب الزبيري ، وأبوالبختري وهب بن وهب ، ورجل من بني زهرة ، ورجل من بني مخزوم ، فوافوا الرشيد لذلك ، واحتالوا إلى ان أمكنهم ذكره له ، وأشخصه الرشيد إليه وحبسه عند مسرور الكبير في سرداب ، فكان في أكثر الايام يدعوه ويناظره إلى أن مات في حبسه ، واختلف كيف كانت وفاته؟ فقيل؟ إنه دعاه يوما وجمع بينه وبين ابن مصعب ليناظره فيما رفع إليه فجبهه ابن مصعب بحضرة الرشيد وقال : إن هذا دعاني إلى بيعته.

فقال يحيى : يا أمير المؤمنين أتصدق هذا علي وتستنصحه؟ وهو ابن عبدالله ابن الزبير الذي أدخل أباك وولده الشعب ، وأضرم عليهم النار حتى تخلصهم أبو عبدالله الجدلي صاحب علي عليه‌السلام ، وهو الذي بقي أربعين يوما لا يصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته حتى التاث عليه الناس فقال : إن له أهل بيت سوء إذا ذكرته اشرأبت نفوسهم إليه ، وفرحوا بذلك ، فلا احب أن اقر أعينهم بذلك وهو الذي فعل بعبد الله بن العباس مالاخفاء به عليك ، وطال الكلام بينهما حتى قال يحيى : ومع ذلك هو الخارج مع أخي على أبيك وقال في ذلك أبياتا منها :

قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا

إن الخلافة فيكم يابني حسن (١)

____________________

(١) والابيات المشار اليها هى :

ان الحمامة يوم الشعب من دثن

هاجت فؤاد محب دائم الحزن

انا لنأمل أن ترتد الفتنا

بعد التدابر والبغضاء والاحن

١٨٣

قال : فتغير وجه الرشيد عند سماع الابيات ، فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ، وبأيمان البيعة أن هذا الشعر ليس له.

فقال يحيى : والله يا أمير المؤمنين ما قاله غيره ، وما حلفت بالله كاذبا ولا صادقا قبل هذا وإن الله إذا مجده العبد في يمينه استحيا أن يعاقبه ، فدعني احلفه بيمين ماحلف بها أحد قط كاذبا إلا عوجل قال : حلفه قال : قل : برئت من حول الله وقوته ، واعتصمت بحولي وقوتي ، وتقلدت الحول والقوة من دون الله استكبارا على الله واستغناءا عنه ، واستعلاءا عليه إن كنت قلت هذا الشعر.

فامتنع عبدالله منه فغضب الرشيد وقال للفضل بن الربيع : هنا شئ ماله لايحلف إن كان صادقا؟ فرفس الفضل عبدالله برجله وصاح به احلف ويحك ، وكان له فيه هوى فحلف باليمين ووجهه متغير وهو يرعد ، فضرب يحيى بين كتفيه ثم قال : يا ابن مصعب قطعت والله عمرك ، والله لاتفلح بعدها ، فما برح من موضعه حتى أصابه الجذام فتقطع ومات في اليوم الثالث ، فحضر الفضل جنازته ومشى معها ومشى الناس معه ، فلما وضعوه في لحده ، وجعلوا اللبن فوقه ، انخسف القبر به و خرجت منه غبرة عظيمة.

____________________

حتى يثاب على الاحسان محسننا

ويأمن الخائف المأخوذ بالدمن

وتنقضى دولة أحكام قادتها

فينا كأحكام قوم عابدى الوثن

فطالما قد بروا بالجور أعظمنا

برى الصناع قداح النبع بالسفن

قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا

ان الخلافة فيكم يابنى الحسن

لا عز ركنا نزار عند سطوتها

ان أسلمتك ولا ركنا ذوى يمن

ألست أكرمهم عودا اذا انتسبوا

يوما وأطهرهم ثوبا من الدرن

وأعظم الناس عند الناس منزلة

وأبعد الناس من عيب ومن وهن

وقد أخرج الابيات ابن عبد ربه في العقد الفريد ج ٥ ص ٨٧ طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر ونسبها إلى سديف مولى بنى هاشم ، وذكرها ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٤ ص ٣٥٢ طبع مصر سنة ١٣٢٩ نقلا عن الاصبهاني.

١٨٤

فصاح الفضل : التراب التراب ، فجعل يطرح وهو يهوي ، فدعا بأحمال شوك وطرحها فهوت ، فأمر حينئذ بالقبر ، فسقف بخشب وأصلحه ، وانصرف منكسرا.

فكان الرشيد بعد ذلك يقول للفضل : رأيت ياعباسي ما أسرع ما اديل يحيى من ابن مصعب.

ثم جمع له الرشيد الفقهاء وفيهم محمد بن الحسن (١) صاحب أبي يوسف ، و الحسن بن زياد اللؤلؤي (٢) وأبوالبختري (٣) فجمعوا في مجلس فخرج إليهم مسرور الكبير بالامان فبدأ بمحمد بن الحسن فنظر فيه فقال : هذا أمان مؤكد لا حيلة فيه ، فصاح عليه مسرور : هاته ، فدفعه إلى الحسن بن زياد فقال بصوت ضعيف : هو أمان ، فاستلبه أبوالبختري وقال : هذا باطل منتقض ، قد شق العصا ، و سفك الدم ، فاقتله ودمه في عنقي.

فدخل مسرور إلى الرشيد وأخبره فقال : اذهب وقل له : خرفه إن كان باطلا بيدك ، فجاء مسرور فقال له ذلك فقال : شقه أبا هاشم ، قال له مسرور : بل شقه أنت إن كان منتقضا فأخذ سكينا وجعل يشقه ويده ترتعد حتى صيره سيورا فأدخله مسرور على الرشيد فوثب فأخذه من يده وهو فرح ، ووهب لابي البختري ألف ألف وستمائة ألف ، وولاه قضاء القضاة ، وصرف الآخرين ، ومنع محمد بن الحسن

____________________

(١) محمد بن الحسن كان الرشيد ولاه القضاء ، وخرج معه في سفره إلى خراسان فمات بالرى سنة ١٨٩ هـ لاحظ ترجمته في تاريخ بغداد ج ٢ ص ١٧٢ ١٨٢ ووفيات الاعيان ج ١ ص ٤٥٣ ٤٥٤.

(٢) ولى القضاء في سنة ١٩٤ بعد وفاة القاضى حفص بن غياث ، وتوفى سنة ٢٠٤ ترجمه الخطيب البغدادى في تاريخه ج ٧ ص ٣١٤ ٣١٧.

(٣) هو وهب بن وهب القرشى المدنى روى عن الصادق عليه‌السلام وكان كذابا وله أحاديث مع الرشيد في الكذب قال سعد : تزوج أبوعبدالله عليه‌السلام بأمه ، وكان قاضيا عاميا الا أن له أحاديث عن جعفر بن محمد «ع» كلها لايوثق بها. وعن الفضل بن شاذان : كان أبوالبخترى من أكذب البرية ، ترجمه النجاشى والشيخ والعلامة من أصحابنا في كتبهم فلاحظ ، ولاه الرشيد القضاء بعسكر المهدى ثم عزله فولاه مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد بكار بن عبدالله مات سنة ٢٠٠ ببغداد ترجمه الخطيب في تاريخه ج ١٣ ص ٤٨١ ٤٨٧.

١٨٥

من الفتيا مدة طويلة ، وأجمع على إنفاذ ما أراد في يحيى.

فروي عن رجل كان مع يحيى في المطبق قال : كنت منه قريبا فكان في أضيق البيوت وأظلمها ، فبينا نحن ذات ليلة كذلك إذ سمعنا صوت الاقفال ، وقد مضى من الليل هجعة ، فاذا هارون قد أقبل على برذون له فوقف ثم قال : أين هذا؟ يعني يحيى قالوا : في هذا البيت قال : علي به فادني إليه فجعل هارون يكلمه بشئ لم أفهمه فقال : خذوه ، فاخذ فضربه مائة عصا ، ويحيى يناشده الله والرحم والقرابة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول : بقرابتي منك فيقول : مابيني وبينك قرابة.

ثم حمل فرد إلى موضعه فقال : كم أجريتم عليه؟ قالوا : أربعة أرغفة وثمانية أرطال ماء قال : اجعلوه على النصف ، ثم خرج ومكث ليالي ثم سمعنا وقعا فاذا نحن به حتى دخل ، فوقف موقفه فقال : علي به فاخرج ففعل به مثل فعله ذلك ، وضربه مائة عصا اخرى ، ويحيى يناشده فقال : كم أجريتم عليه؟ قالوا : رغيفين وأربعة أرطال ماء قال : اجعلوه على النصف ، ثم خرج وعاود الثالثة ، وقد مرض يحيى وثقل.

فلما دخل قال : علي به قالوا : هو عليل مدنف لمابه ، قال : كم أجريتم عليه؟ قالوا : رغيفا ورطلين ماء قال : اجعلوه على النصف ثم خرج ، فلم يلبث يحيى أن مات فاخرج إلى الناس فدفن.

وعن إبراهيم بن رياح أنه بنى عليه اسطوانة بالرافقة (١) وهو حي.

وعن علي بن محمد بن سليمان أنه دس إليه في الليل من خنقه حتى تلف قال : وبلغني أنه سقاه سما.

____________________

(١) الرافقة : بلد متصل البناء بالرقة وهما على ضفة الفراب وبينهما مقدار ثلاثمائة ذراع .. قال ياقوت هكذا كانت أولا ، فأما الان فان الرقة خربت وغلب اسمها على الرافقة وصار اسم المدينة الرقة وهي من اعمال الجزيرة .. قال أحمد بن يحيى : لم يكن للرافقة أثر قديم انما بناها المنصور في سنة ١٥٥ على بناء مدينة بغداد ، ورتب بها حندأ من أهل خراسان الخ.

١٨٦

وعن محمد بن أبي الحسناء أنه أجاع السباع ثم ألقاه إليها فأكلته.

وعن عبدالله بن عمر العمري قال : دعينا لمناظرة يحيى بن عبدالله بحضرة الرشيد فجعل يقول له : يايحيى اتق الله وعرفني أصحابك السبعين لئلا ينتقض أمانك؟ ، وأقبل علينا فقال : إن هذا لم يسم أصحابه ، فكلما أردت أخذ إنسان يبلغني عنه شئ أكرهه ، ذكر أنه ممن أمنت.

فقال يحيى : يا أمير المؤمنين أنا رجل من السبعين فما الذي نفعني من الامان أفتريد أن أدفع إليك قوما تقتلهم معي لا لا يحل في هذا قال : ثم خرجنا ذلك اليوم ودعانا له يوما آخر فرأيته أصفر اللوم متغيرا فجعل الرشيد يكلمه فلا يجيبه فقال : ألا ترون إليه لايجيبني!؟ فأخرج إلينا لسانه قد صار أسود مثل الحممة (١) يرينا أنه لايقدر على الكلام فاستشاط الرشيد وقال : إنه يريكم أني سقيته السم ووالله لو رأيت عليه القتل لضربت عنقه صبرا ، ثم خرجنا من عنده ، فما صرنا في وسط الدار حتى سقط على وجهه لآخر ما به.

وعن إدريس بن محمد بن يحيى كان يقول : قتل جدي بالجوع والعطش في الحبس.

وعن الزبير بن بكار عن عمه أن يحيى لما أخذ من الرشيد المأتي الالف الدينار قضى بها دين الحسين صاحب فخ ، وكان الحسين خلف مأتي ألف دينار دينا وقال : خرج مع يحيى عامر بن كثير السراج (٢) وسهل بن عامر البجلي ، و

____________________

(١) الحممة : الفحم والرماد وكل ما احترق بالنار جمع حمم.

(٢) عامر بن كثير السراج ذكره البرقى في رجاله ص ٨ من أصحاب الحسين السبط عليه‌السلام وكان من دعاته وقد تبعه غيره في ذلك وذكره النجاشى والعلامة وانه زيدى كوفى وتوقف العلامة في روايته ، أقول لقدوهم البرقى في عده من أصحاب الحسين السبط «ع» والصواب انه من أصحاب الحسين صاحب فخ وربما يؤيد ذلك قوله : وكان من دعاته ، وقد صرح بصحابته للحسين صاحب فخ أبوالفرج في مقاتله ص ٤٨٤ فلاحظ.

١٨٧

يحيى ( بن عبدالله بن يحيى ) (١) بن مساور ، وكان من أصحابه علي بن هاشم بن البريد ، وعبدالله بن علقمة ، ومخول بن إبراهيم النهدي ، فحبسهم جميعا هارون في المطبق فمكثوا فيه اثنتي عشرة سنة.

اقول : أوردت أحوال كثير من عشائره وأصحابه في باب معجزاته ، وباب مكارم أخلاقه ، وباب مناظراته ، وماجرى بينه وبين خلفاء زمانه ، وباب شهادته عليه‌السلام وباب إبطال مذهب الواقفة.

____________________

(١) مابين القوسين زيادة من المصدر.

١٨٨

٨

* ( باب ) *

* « ( احتجاجات هشام بن الحكم في الامامة ) » *

* ( وبدو أمره وما آل عاليه امره إلى وفاته ) *

* ( صلوات الله عليه ) *

١ ـ كش : أحمد بن محمد الخالدي ، عن محمد بن همام ، عن إسحاق بن أحمد عن أبي حفص الحداد ، وغيره ، عن يونس بن عبدالرحمان قال : كان يحيى بن خالد البرمكي قد وجد على هشام بن الحكم شيئا من طعنه على الفلاسفة ، وأحب أن يغري به هارون ونصرته على القتل ، قال : وكان هارون لما بلغه عن هشام مال إليه.

وذلك أن هشاما تكلم يوما بكلام عند يحيى بن خالد في إرث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فنقل إلى هارون فأعجبه وقد كان قبل ذلك يحيى يسترق أمره عند هارون ، ويرده عن أشياء كان يعزم عليها من أذاه فكان ميل هارون إلى هشام أحد ما غير قلب يحيى على هشام فشيعه عنده وقال له : يا أمير المؤمنين إني قد استبطنت أمر هشام فاذا هو يزعم أن الله في أرضه إماما غيرك مفروض الطاعة قال : سبحان الله! قال : نعم ، ويزعم أنه لو أمره بالخروج لخرج ، وإنما كنا نرى أنه ممن يرى الالباد بالارض.

فقال هارون ليحيى : فاجمع عندك المتكلمين ، وأكون أنا من وراء الستر بيني وبينهم ، لئلا يفطنوا بي ، ولا يمتنع كل واحد منهم أن يأتي بأصله لهيبتي

١٨٩

قال : فوجه يحيى فأشحن المجلس من المتكلمين ، وكان فيهم ضرار بن عمرو (١) وسليمان بن جرير (٢) وعبدالله بن يزيد الاباضي (٣) ومؤبد بن مؤبد ورأس الجالوت قال : فتساءلوا فتكافؤا ، وتناظروا ، وتقاطعوا ، وتناهوا إلى شاذ من مشاذ الكلام كل يقول لصاحبه : لم تجب ، ويقول : قد أجبت ، وكان ذلك عن يحيى حيلة على هشام ، إذ لم يعلم بذلك المجلس ، واغتنم ذلك لعلة كان أصابها هشام بن الحكم.

____________________

(١) ضرار بن عمرو : كان في بدو أمره تلميذا لواصل بن عطاء المعتزلى ثم خالفه في خلق الاعمال وانكار عذاب القبر ، ثم زعم أن الامامة بغير القرشيين اولى منها بالقرشى له نحو ثلاثين مؤلفا ، وكان غطفانيا قال الملطى في كتابه التنبيه والرد ص ٤٣ : ان المجلس كان له بالبصرة قبل ابى الهديل حتى اظهر الخلاف الخ ، وله اتباع يسمون الضرارية نسبة اليه ، لاحظ حاله وحالهم ومقاله ومقالهم في كتب الفرق والديانات كالفرق بين الفرق للبغدادى ص ١٢٩ ومختصره للرسعنى ص ١٣١ واعتقادات فرق المسلمين للامام فخر الدين الرازي ص ٦٩ والملل والنحل ج ١ ص ٩٤ بهامش الفصل وغيرها.

(٢) سليمان بن جرير الزيدى رئيس الفرقة السليمانية وقد تسمى جريرية ومن مقالته ان الامامة شورى وانها تنعقد برجلين من خيار الامة ، وأجاز امامة المفضول ، وكفره أهل السنة لانه كفر عثمان وتبرؤا منه كما أن محارب على عندهم كافر ، وله أقوال أخر ، لاحظ ذلك في الفرق بين الفرق للبغدادى ص ٢٤ ومختصره ص ٣٢ وفرق الشيعة للنوبختى ص ٩ ٦١ واعتقادات فرق المسلمين للرازي ص ٥٢ والملل والنحل وغير ذلك.

(٣) عبدالله بن يزيد الاباضى نسه إلى فرقة الاباضية وهم من فرق الخوارج ، منسوبون إلى عبدالله بن اباضى الخارجى الذى خرج في عهد مروان الحمار آخر ملوك بني أمية وقال الملطى في التنبيه والرد انهم أصحاب اباض بن عمرو خرجوا من سواد الكوفة فقتلوا الناس وسبوا الذرية وقتلوا الاطفال وكفروا الامة الخ ومنهم فرقة تدعى الحارثية اتباع حارث ابن يزيد الاباضى وهم الذين قالوا في باب القدر بمثل قول المعتزلة وزعموا أيضا ان الاستطاعة قبل الفعل الخ وزعمت الحارثية انه لم يكن لهم امام بعد المحكمة الاولى الا عبدالله ابن اباض وبعده الحارث بن يزيد الاباضى. والظاهر انه أخو عبدالله المذكور. وكان من متكلميهم.

١٩٠

فلما تناهوا إلى هذا الموضع قال لهم يحيى بن خالد : أترضون فيما بينكم هشاما حكما؟ قالوا : قد رضينا أيها الوزير ، فأنى لنا به وهو عليل ، فقال يحيى فأنا اوجه إليه ، فأرسله أن يتجشم المشي فوجه إليه فأخره بحضورهم وأنه إنما منعه أن يحضروه أول المجلس إبقاءا عليه من العلة وإن القوم قد اختلفوا في المسائل والاجوبة ، وتراضوا بك حكما بينهم فان رأيت أن تتفضل ، وتحمل على نفسك فافعل.

فلما صار الرسول إلى هشام قال لي : يايونس قلبي ينكر هذا القول ولست آمن أن يكون ههنا أمرا لا أقف عليه ، لان هذا الملعون يحيى بن خالد قد تغير علي لامور شتى ، وقد كنت عزمت إن من الله علي بالخروج من هذه العلة أن أشخص إلى الكوفة ، واحرم الكلام بتة ، وألزم المسجد ليقطع عني مشاهدة هذا الملعون يعني يحيى بن خالد قال : قلت : جعلت فداك لايكون إلا خيرا ، فتحرز ما أمكنك فقال لي : يايونس أترى التحرز عن أمر يريد الله إظهاره على لساني ، أنى يكون ذلك ، ولكن قم بنا على حول الله وقوته.

فركب هشام بغلا كان مع رسوله ، وربكت أنا حمارا كان لهشام قال : فدخلنا المجلس فاذا هو مشحون بالمتكلمين قال : فمضى هشام نحو يحيى فسلم عليه وسلم على القوم ، وجلس قريبا منه ، وجلست أنا حيث انتهى بي المجلس.

قال : فأقبل يحيى على هشام بعد ساعة فقال : إن القوم حضروا وكنا مع حضورهم نحب أن تحضر ، لا لان نتاظر بل لان نأنس بحضورك ، إن كانت العلة تقطعك عن المناظرة ، وأنت بحمد الله صالح ، ولست علتك بقاطعة من المناظرة ، و هؤلاء القوم قد تراضوا بك حكما بينهم.

قال : فقال هشام : ما الموضع الذي تناهت به المناظرة؟ فأخبره كل فريق منهم بموضع مقطعه ، فكان من ذلك أن حكم لبعض على بعض ، فكان من المحكومين عليه سليمان بن جرير ، فحقدها على هشام.

قال : ثم إن يحيى بن خالد قال لهشام : إنا قد أعرضنا عن المناظرة و

١٩١

المجادلة منذ اليوم ولكن إن رأيت أن تبين عن فساد اختيار الناس الامام وأن الامامة في آل بيت الرسول دون غيرهم؟ قال هشام : أيها الوزير العلة تقطعني عن ذلك ، ولعل معترضا يعترض ، فيكتسب المناظرة والخصومة قال : إن اعترض معترض قبل أن تبلغ مرادك وغرضك ، فليس ذلك له بل عليه أن يحفظ المواضع التي له فيها مطعن فيقفها إلى فراغك ولا يقطع عليك كلامك.

فبدأ هشام وساق الذكر لذلك وأطال ، واختصرنا منه موضع الحاجة ، فلمات فرغ مما قد ابتدأ فيه من الكلام في فساد اختيار الناس الامام ، قال يحيى لسليمان ابن جرير : سل أبا محمد عن شئ من هذا الباب؟ قال سليمان لهشام : أخبرني عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام مفروض الطاعة؟ فقال هشام : نعم.

قال : فان أمرك الذي بعده بالخروج بالسيف معه تفعل وتطيعه؟ فقال هشام : لايأمرني قال : ولم إذا كانت طاعته مفروضة عليك ، وعليك أن تطيعه؟ فقال هشام : عد عن هذا ، فقد تبين فيه الجواب ، قال سليمان : فلم يأمرك في حال تطيعه وفي حال لاتطيعه؟ فقال هشام : ويحك لم أقل لك إني لا اطيعه فتقول : إن طاعته مفروضة إنما قلت لك : لايأمرني.

قال سليمان : ليس أسألك إلا على سبيل سلطان الجدل ، ليس على الواجب انه لايأمرك فقال هشام : كم تحول حول الحمى ، هل هو إلا أن أقول لك إن أمرني فعلت ، فتنقطع أقبح الانقطاع ، ولا يكون عندك زيادة ، وأنا أعلم بما يجب قولي ، وما إليه يؤل جوابي.

قال : فتغير وجه هارون ، وقال هارون : قد أفصح ، وقام الناس واغتنمها هشام ، فخرج على وجهه إلى المدائن.

قال : فبلغنا أن هارون قال ليحيى : شد يدك بهذا وأصحابه ، وبعث إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام فحبسه فكان هذا سبب حبسه مع غيره من الاسباب وإنما أراد يحيى أن يهرب هشام فيموت مخفيا مادام الهارون سلطان قال : ثم صار هشام إلى الكوفة وهو يعقب عليه ، ومات في دار ابن شرف بالكوفة رحمه‌الله.

١٩٢

قال : فبلغ هذا المجلس محمد بن سليمان النوفلي وابن ميثم وهما في حبس هارون فقال النوفلي : أرى هشاما ما استطاع أن يعتل فقال ابن ميثم : بأي شئ يستطيع أن يعتل؟ وقد أوجب أن طاعته مفروضة من الله قال : يعتل بأن يقول : الشرط علي في إمامته أن لايدعوا أحدا إلى الخروج ، حتى ينادي مناد من السمآء فمن دعاني ممن يدعي الامامة قبل ذلك الوقت علمت أنه ليس بامام ، وطلبت من أهل هذا البيت من لا يقول إنه يخرج ولا يأمر بذلك حتى ينادي مناد من السمآء فأعلم أنه صادق.

فقال ابن ميثم : هذا من أخبث الخرافة ، ومتى كان هذا في عقد الامامة إنما يروى هذا في صفة القائم عليه‌السلام وهشام أجدل من أن يحتج بهذا ، على أنه لم يفصح بهذا الافصاح الذي قد شرطته أنت ، إنما قال : إن أمرني المفروض الطاعة بعد علي عليه‌السلام فعلت ، ولم يسم فلان دون فلان كما تقول : إن قال لي طلبت غيره ، فلو قال هارون له : وكان المناظر له من المفروض الطاعة؟ فقال له : أنت. لم يكن أن يقول له فان أمرتك بالخروج بالسيف تقاتل أعدائي تطلب غيري ، وتنتظر المنادي من السمآء ، هذا لايتكلم به مثل هذا ، لعلك لو كنت أنت تكلمت به.

قال : ثم قال علي بن اسماعيل الميثمي : إنا لله وإنا إليه راجعون ، على مايمضي من العلم إن قتل ، ولقد كان عضدنا وشيخنا ، والمنظور إليه فينا (١).

بيان : قوله فشيعه عنده أي نسب يحيى هشاما إلى التشيع عند هارون ، و الالباد بالارض الالصاق بها كناية عن ترك الخروج ، وعدم الرضا به ، قوله : إذ لم يعلمه بذلك أي يعلمه أولا واغتنم تلك المناظرة وحيرتهم ، لتكون وسيلة إلى إحضار هشام بحيث لايشعر بالحيلة ، قوله : على مايمضي من العلم إن قتل أي إن قتل يمضي مع علوم كثيرة.

٢ ـ كش : روي عن عمر بن يزيد قال : كان ابن أخي هشام يذهب في الدين مذهب الجهمية خبيثا فيهم فسالني أن ادخله على أبي عبدالله عليه‌السلام ليناظره فأعلمته

____________________

(١) رجال الكشى ص ١٦٧ بتفاوت.

١٩٣

أني لا أفعل مالم أستأذنه.

فدخلت على أبي عبدالله فاستأذنته في إدخال هشام عليه ، فأذن لي فيه ، فقمت من عنده وخطوت خطوات ، فذكرت رداءته وخبثه ، فانصرفت إلى أبي عبدالله عليه‌السلام فحدثته رداءته وخبثه فقال لي أبوعبدالله عليه‌السلام : يا عمر تتخوف علي؟ فخجلت من قولي ، وعلمت أني قد عثرت ، فخرجت مستحييا إلى هشام فسألته تأخير دخوله و أعلمته أنه قد أذن له بالدخول.

فبادر هشام فاستأذن ودخل ، فدخلت معه ، فلما تمكن في مجلسه ، سأله أبوعبدالله عليه‌السلام عن مسألة فحار فيها هشام وبقي ، فسأله هشام أن يؤجله فيها ، فأجله أبوعبدالله عليه‌السلام فذهب هشام ، فاضطرب في طلب الجواب أياما ، فلم يقف عليه فرجع إلى أبي عبدالله عليه‌السلام فأخبره أبوعبدالله عليه‌السلام بها ، وسأله عن مسائل اخرى فيها فساد أصله ، وعقد مذهبه ، فخرج هشام من عنده مغتما متحيرا قال : فبقيت أياما لا افيق من حيرتي.

قال عمر بن يزيد : فسألني هشام أن أستأذن له على أبي عبدالله عليه‌السلام ثالثا فدخلت على أبي عبدالله فاستأذنت له فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : لينتظرني في موضع سماه بالحيرة ، لالتقي معه فيه غدا إنشاء الله إذا راح إليها ، فقال عمر : فخرجت إلى هشام فأخبرته بمقالته وأمره ، فسر بذلك هشام واستبشر وسبقه إلى الموضع الذي سماه.

ثم رأيت هشاما بعد ذلك فسألته عما كان بينهما فأخبرني أنه سبق أبا عبدالله عليه‌السلام إلى الموضع الذي كان سماه له ، فبينا هو إذا بأبي عبدالله عليه‌السلام قد أقبل على بغلة له ، فلما بصرت به وقرب مني هالني منظره ، وأرعبني حتى بقيت لا أجد شيئا أتفوه به ، ولا انطلق لساني لما أردت من مناطقته ووقف علي أبوعبدالله مليا ينتظر ما اكلمه وكان وقوفه علي لايزيدني إلا تهيبا وتحيرا ، فلما رأى ذلك مني ضرب بغلته وسار حتى دخل بعض السكك في الحيرة ، وتيقنت أن ما أصابني من هيبته لم يكن إلا من قبل الله عزوجل من عظم موقعه ، ومكانه من

١٩٤

الرب الجليل.

قال عمر : فانصرف هشام إلى أبي عبدالله عليه‌السلام وترك مذهبه ، ودان بدين الحق ، وفاق أصحاب أبي عبدالله عليه‌السلام كلهم والحمد لله (١).

قال : واعتل هشام بن الحكم علته التي قبض فيها ، فامتنع من الاستعانة بالاطباء ، فسألوه أن يفعل ذلك فجاؤوا بهم إليه فأدخل عليه جماعة من الاطباء فكان إذا دخل الطبيب عليه وأمره بشئ سأله فقال : ياهذا هل وقفت على علتي؟ فمن بين قائل يقول : لا ومن قائل يقول : نعم ، فان استوصف ممن يقول نعم وصفها فاذا أخبره كذبه ويقول : علتى غير هذه ، فيسأل عن علته فيقول : علتي فزع القلب مما أصابني من الخوف ، وقد كان قدم ليضرب عنقه ، ففزع قلبه لذلك حتى مات رحمه‌الله (٢).

٣ ـ كش : محمد بن مسعود ، عن جبرئيل بن أحمد ، عن محمد بن عيسى العبيدي عن يونس قال : قلت لهشام : إنهم يزعمون أن أبا الحسن عليه‌السلام بعث إليك عبد الرحمن بن الحجاج يأمرك أن تسكت ولا تتكلم فأبيت أن تقبل رسالته ، فأخبرني كيف كان سبب هذا ، وهل أرسل إليك ينهاك عن الكلام ، أولا؟ وهل تكلمت بعد نهيه إياك؟ فقال هشام : إنه لما كان أيام المهدي شدد على أصحاب الاهواء ، و كتب له ابن المفضل صنوف الفرق صنفا صنفا ، ثم قرأ الكتاب على الناس.

فقال يونس : قد سمعت الكتاب يقرأ على الناس على باب الذهب بالمدينة ومرة اخرى بمدينة الوضاح (٣) فقال : إن ابن المفضل صنف لهم صنوف الفرق فرقة فرقة حتى قال في كتابه : وفرقة يقال لهم : الزرارية ، وفرقة يقال لهم : العمارية ، أصحاب عمار الساباطي ، وفرقة يقال لهم : اليعفورية ، ومنهم فرقة

____________________

(١) نفس المصدر ص ١٦٦.

(٢) نفس المصدر ص ١٦٧.

(٣) مدينة الوضاح : لعلها الوضاحية وهى قرية منسوبة إلى بنى وضاح مولى لبنى أمية وكان بربريا.

١٩٥

أصحاب سليمان الاقطع ، وفرقة يقال لهم الجواليقية ، قال يونس : ولم يذكر يومئذ هشام بن الحكم ، ولا أصحابه.

فزعم هشام ليونس أن أبا الحسن عليه‌السلام بعث إليه فقال له : كف هذه الايام عن الكلام ، فان الامر شديد ، قال هشام : فكففت عن الكلام حتى مات المهدي وسكن الامر ، فهذا الامر الذي كان من أمره وانتهائي إلى قوله.

وبهذا الاسناد عن يونس قال : كنت مع هشام بن الحكم في مسجده بالعشاء حيث أتاه مسلم صاحب بيت الحكم فقال له : إن يحيى بن خالد يقول : قد أفسدت على الرفضة دينهم ، لانهم يزعمون أن الدين لايقوم إلا بامام حي ، وهم لايدرون إمامهم اليوم حي أو ميت ، فقال هشام عند ذلك : إنما علينا أن ندين بحياة الامام أنه حي حاضرا عندنا أو متواريا عنا حتى يأتينا موته ، فما لم يأتنا موته فنحن مقيمون على حياته ، ومثل مثالا فقال : الرجل إذا جامع أهله وسافر إلى مكة أو توارى عنه ببعض الحيطان ، فعلينا أن نقيم على حياته حتى يأتينا خلاف ذلك.

فانصرف سالم ابن عم يونس بهذا الكلام ، فقصه على يحيى بن خالد فقال : يحيى : ماترى؟ ماصنعنا شيئاتلا فدخل يحيى على هارون فأخبره فأرسل من الغد فطلبه ، فطلب في منزله فلم يوجد ، وبلغه الخبر ، فلم يلبث إلا شهرين أو أكثر حتى مات في منزل محمد وحسين الحناطين فهذا تفسير أمر هشام ، وزعم يونس أن دخول هشام على يحيى بن خالد ، وكلامه مع سليمان بن جرير بعد أن اخذ أبوالحسن عليه‌السلام بدهر إذ كان في زمن المهدي ودخوله إلى يحيى بن خالد في زمن الرشيد (١).

٤ ـ ب : ابن أبي الخطاب ، عن البزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام قال : أما كان لكم في أبي الحسن صلوات الله عليه عظة؟ ماترى حال هشام؟ هو الذي صنع بأبي الحسن

____________________

(١) رجال الكشى ص ١٧٢.

١٩٦

عليه‌السلام ماصنع ، وقال لهم وأخبرهم ، أترى الله يغفر له ماركب منا (١).

٥ ـ ما : الحسين بن أحمد ، عن حيدر بن محمد بن نعيم ، عن محمد بن عمر عن محمد بن مسعود ، عن جعفر بن معروف ، عن العمركي ، عن الحسن بن أبي لبابة عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لابي جعفر محمد بن علي الثاني عليهما‌السلام : ماتقول جعلت فداك في هشام بن الحكم؟ فقال : رحمه‌الله ما كان أذهبه عن هذه الناحية (٢).

٦ ـ ن (٣) يد : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن الصقر بن دلف قال : سألت الرضا عليه‌السلام ، عن التوحيد وقلت له : إني أقول بقول هشام بن الحكم فغضب عليه‌السلام ثم قال : مالكم ولقول هشام ، إنه ليس منا من زعم أن الله عزوجل جسم ، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة (٤).

٧ ـ ك : الهمداني وابن ناتانة معا ، عن علي عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن علي الاسواري قال : كان ليحيى بن خالد مجلس في دار يحضره المتكلمون من كل فرقة وملة ، يوم الاحد ، فيتناظرون في أديانهم ، ويحتج بعضهم على بعض فبلغ ذلك الرشيد فقال ليحيى بن خالد : يا عباسي ماهذا المجلس الذي بلغني في منزلك يحضره المتكلمون؟ فقال : يا أمير المؤمنين ماشئ مما رفعني به أمير المؤمنين وبلغ من الكرامة والرفعة أحسن موقعا عندي من هذا المجلس ، فانه يحضره كل قوم مع اختلاف مذاهبهم ، فيحتج بعضهم على بعض ، ويعرف المحق منهم ، ويتبين لنا فساد كل مذهب من مذاهبهم.

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٢٢٥.

(٢) أمالى الشيخ الطوسي ص ٢٩.

(٣) عيون أخبار الرضا «ع» في ج ١ ص ١١٤ حديثا بنفس السند إلى الصقر بن دلف عن ياسر الخادم قال : سمعت ابا الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام يقول : من شبه الله تعالى بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب اليه مانهى عنه فهو كافر ، ومعنى المتن قريب ولكن أين ذكر هشام؟ ولم نجد حديثا آخر في هذا المعنى في المصدر.

(٤) توحيد الصدوق ص ٩٢ بزيادة في آخره.

١٩٧

قال له الرشيد : فأنا احب أن أحضر هذا المجلس ، وأسمع كلامهم من غير أن يعلموا بحضوري ، فيحتشمون ولايظهرون مذاهبهم قال : ذلك إلى أمير المؤمنين متى شآء قال : فضع يدك على رأسي ولا تعلمهم بحضوري ، ففعل ، وبلغ الخبر المعتزلة فتشاوروا فيما بينهم ، وعزموا أن لايكلموا هشاما إلا في الامامة ، لعلمهم بمذهب الرشيد وإنكاره على من قال بالامامة.

قال : فحضروا وحضر هشام ، وحضر عبدالله بن يزيد الاباضي وكان من أصدق الناس لهشام بن الحكم ، وكان يشاركه في التجارة فلما دخل هشام سلم على عبدالله ابن يزيد من بينهم ، فقال يحيى بن خالد لعبد الله بن يزيد : ياعبدالله كلم هشاما فيما اختلفتم فيه من الامامة فقال هشام : أيها الوزير ليس لهم علينا جواب ولا مسألة هؤلاء قوم كانوا مجتمعين معنا على إمامة رجل ثم فارقونا بلا علم ولا معرفة ، فلا حين كانوا معنا عرفوا الحق ، ولا حين فارقونا علموا على ما فارقونا؟ فليس لهم علينا مسألة ولا جواب.

فقال بيان وكان من الحرورية : أنا أسألك ياهشام ، أخبرني عن أصحاب علي يوم حكموا الحكمين أكانوا مؤمنين؟ أم كافرين؟

قال هشام : كانوا ثلاثة أصناف ، صنف مؤمنون ، وصنف مشركون ، وصنف ضلال.

فأما المؤمنون : فمن قال مثل قولي ، الذين قالوا : إن عليا إمام من عند الله ومعاوية لايصلح لها فآمنوا بما قال الله عزوجل في علي وأقروا به.

وأما المشركون : فقوم قالوا : علي إمام ، ومعاوية يصلح لها ، فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع علي.

وأما الضلال : فقوم خرجوا على الحمية والعصبية للقبائل والعشائر ، لم يعرفوا شيئا من هذا ، وهم جهال.

قال : وأصحاب معاوية ماكانوا؟ قال : كانوا ثلاثة أصناف : صنف كافرون

١٩٨

وصنف مشركون ، وصنف ضلال.

فأما الكافرون : فالذين قالوا : إن معاوية إمام ، وعلي لا يصلح لها ، فكفروا من جهتين أن جحدوا إماما من الله ، ونصبوا إماما ليس من الله.

وأما المشركون فقوم قالوا : معاوية إمام ، وعلي يصلح لها ، فأشركوا معاوية مع علي عليه‌السلام.

وأما الضلال فعلى سبيل اولئك خرجوا للحمية والعصبية للقبائل والعشائر. فانقطع بيان عند ذلك.

فقال ضرار : فأنا أسألك ياهشام في هذا؟ فقال هشام : أخطأت قال : ولم؟ قال : لانكم مجتمعون على دفع إمامة صاحبي ، وقد سألني هذا عن مسألد وليس لكم أن تثنوا بالمسألة علي حتى أسألك ياضرار عن مذهب في هذا الباب قال ضرار : فسل قال : أتقول إن الله عدل لايجور؟ قال : نعم ، هو عدل لايجور ، تبارك وتعالى قال : فلو كلف الله المقعد المشي إلى المساجد ، والجهاد في سبيل الله ، وكلف الاعمى قراءة المصاحف والكتب ، أتراه كان عادلا أم جائرا؟ قال ضرار : ماكان الله ليفعل ذلك قال هشام : قد علمنا أن الله لايفعل ذلك ، ولكن على سبيل الجدل والخصومة ، أن لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائرا؟ وكلفه تكليفا لا يكون له السبيل إلى إقامته وأدائه.

قال : لو فعل ذلك لكان جائرا قال : فأخبرني عن الله عزوجل كلف العباد دينا واحدا لا اختلاف فيه لايقبل منهم إلا أن يأتوا به كما كلفهم؟ قال : بلى قال : فجعل لهم دليلا على وجود ذلك الدين؟ أو كلفهم مالا دليل على وجوده؟ فيكون بمنزلة من كلف الاعمى قراءة الكتب ، والمقعد المشي إلى المساجد والجهاد؟

قال : فسكت ضرار ساعة ثم قال : لابد من دليل ، وليس بصاحبك ، قال : فضحك هشام وقال : تشيع شطرك وصرت إلى الحق ضرورة ، ولا خلاف بيني وبينك إلافي التسمية قال : ضرار : فإني أرجع إليك في هذا القول قال : هات ، قال ضرار :

١٩٩

كيف تعقد الامامة؟ قال هشام : كما عقد الله النبوة؟ قال : فاذا هو نبي؟ قال هشام : لا لان النبوة يعقدها أهل السماء ، والامامة يعقدها أهل الارض ، فعقد النبوة بالملائكة ، وعقد الامامة بالنبي ، والعقدان جميعا بإذن الله عزوجل.

قال : فما الدليل على ذلك؟ قال هشام : الاضطرار في هذا قال ضرار : وكيف ذلك؟ قال هشام : لايخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه :

إما أن يكون الله عزوجل رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يكلفهم ولم يأمرهم ولم ينههم ، وصاروا بمنزلة السباع والبهائم التي لاتكليف عليها ، أفتقول هذا ياضرار أن التكليف عن الناس مرفوع بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : لا أقول هذا.

قال هشام : فالوجه الثاني ينبغي أن يكون الناس المكلفون قد استحالوا بعد الرسول علماء ، في مثل حد الرسول في العلم ، حتى لايحتاج أحد إلى أحد فيكونوا كلهم قد استغنوا بأنفسهم ، وأصابوا الحق الذي لا اختلاف فيه أفتقول هذا أن الناس قد استحالوا علماء حتى صاروا في مثل حد الرسول في العلم حتى لايحتاج أحد إلى أحد ، مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في إصابة الحق؟ قال : لا أقول هذا ، ولكنهم يحتاجون إلى غيرهم.

قال : فبقي الوجه الثالث لانه لابد لهم من علم يقيمه الرسول لهم لايسهو ولا يغلط ، ولا يحيف ، معصوم من الذنوب ، مبرأ من الخطايا ، يحتاج إليه ولا يحتاج إلى أجد. قال : فما الدليل عليه؟ قال هشام : ثمان دلالات أربع في نعت نسبه ، وأربع في نعت نفسه.

فأما الاربع التي في نعت نسبه : بأن يكون معروف الجنس ، معروف القبيلة معروف البيت ، وأن يكون من صاحب الملة والدعوة إليه إشارة ، فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب ، الذين منهم صاحب الملة والدعوة ، الذي ينادى باسمه في كل يوم خمس مرات على الصوامع ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا

٢٠٠