بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فصبرت حتى جلس ، وأقبلت نحوه فلما رآني مقبلا قال : ياشقيق اتل « وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى » (١) ثم تركني ومضى فقلت : إن هذا الفتى لمن الابدال ، لقد تكلم على سري مرتين ، فلما نزلنا زبالة (٢) إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة (٣) يريد أن يستقي ماءا فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا أنظر إليه ، فرأيته قد رمق السماء وسمعته يقول :

أنت ربي إذا ظمئت إلى الماء

وقوتي إذا أردت الطعاما

اللهم سيدي مالي غيرها فلا تعدمنيها ، قال شقيق : فوالله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤها فمد يده وأخذ الركوة وملؤها ماء ، فتوضأ وصلى أربع ركعات ، ثم مال إلى كثيب (٤) رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب ، فأقبلت إليه وسلمت عليه فرد علي عليه‌السلام فقلت : أطعمني من فضل ما أنعم الله عليك ، فقال : ياشقيق لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك ، ثم ناولني الركوة فشربت منها فاذا هو سويق وسكر ، فوالله ماشربت قط ألذ منه ولا أطيب ريحا فشبعت ورويت ، وأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا.

ثم لم أره حتى دخلنا مكة ، فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نصف الليل قائما يصلي بخشوع وأنين وبكآء ، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل ، فلما رأى الفجر جلس في مصلا يسبح ثم قام فصلى الغداة ، وطاف بالبيت اسبوعا وخرج فتبعته وإذا له غاشية وموال وهو على خلاف مارأيته في الطريق ، ودار به الناس من حوله يسلمون عليه ، فقلت لبعض من رأيته يقرب منه : من هذا الفتى؟ فقال : هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، فقلت : قد

____________________

(١) سورة طه الاية : ٨٢.

(٢) زبالة : بضم اوله : موضع معروف بطريق مكة بين واقصة والثعلبية ، بها بركتان (٣) الركوة : مثلثة ، اناء صغير من جلد يشرب فيه الماء جمع ركاء وركوات.

(٤) الكثيب : التل من الرمل جمع كثب وكثبان وأكثبة.

٨١

عجبت أن يكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد ، ولقد نظم بعض المتقدمين واقعة شقيق معه في أبيات طويلة اقتصرت على ذكر بعضها فقال :

سل شقيق البلخي عنه وما عا

ين منه وما الذي كان أبصر

قال لما حججت عاينت شخصا

شاحب اللون ناحل الجسم أسمر

سائرا وحده وليس له زاد

فمازلت دائما أتفكر

وتوهمت أنه يسأل الناس

ولم أدر أنه الحج الاكبر

ثم عاينته ونحن نزول

دون فيد على الكثيب الاحمر

يضع الرمل في الاناء ويشربه

فناديته وعقلي محير

اسقني شربة فناولني منه

فعاينته سويقا وسكر

فسألت الحجيج من يك هذا؟

قيل هذا الامام موسى بن جعفر (١)

بيان : قال الفيروزآبادي : الغاشية السؤال يأتونك والزوار والاصدقاء ينتابونك ، وحديدة فوق موخرة الرحل وغشاء القلب والسرج والسيف وغيره ماتغشاه (٢).

وقال : شحب لونه كجمع ونصر وكرم وعنى شحوبا وشحوبة تغير من هزال أو جوع أو سفر (٣) والنحول الهزال.

أقول : رأيت هذه القصة في أصل كتاب محمد بن طلحة مطالب السؤوال (٤) وفي الفصول المهمة (٥) وأوردها ابن شهر آشوب أيضا مع اختصار ، وقال صاحب كشف الغمة وصاحب الفصول المهمة : هذه الحكاية رواها جماعة من أهل التأليف رواها ابن الجوزي في كتابيه « إثارة العزم الساكن إلى أشرف الاماكن » و « كتاب صفة

____________________

(١) كشف الغمة ج ٣ ص ٤.

(٢) القاموس ج ٤ ص ٣٧٠.

(٣) نفس المصدر ج ١ ص ٨٥.

(٤) مطالب السؤول ص ٨٣.

(٥) الفصول المهمة ص ٢١٩.

٨٢

الصفوة » (١) والحافظ عبد العزيز بن الاخضر الجنابذي في كتاب معالم العترة النبوية ، ورواها الرامهرمزي في كتاب كرامات الاولياء (٢).

أقول : وذكر محمد بن طلحة في مطالب السؤول (٣).

١٠٣ ـ وروى في كشف الغمة عنه أيضا أنه قال : ولقد قرع سمعي ذكر واقعة عظيمة ذكرها بعض صدور العراق أثبتت لموسى عليه‌السلام أشرف منقبة ، وشهدت له بعلو مقامه عند الله تعالى وزلفى منزلته لديه ، وظهرت بها كرامته بعد وفاته ، ولا شك أن ظهور الكرامة بعد الموت أكبر منها دلالة حال الحياة : وهي أن من عظماء الخلفاء مجدهم الله تعالى من كان له نائب كبير الشأن في الدنيا من مماليكه الاعيان في ولاية عامة طالت فيها مدقه ، وكان ذا سطوة وجبروت فلما انتقل إلى الله تعالى : اقتضت رعاية الخليفة أن تقدم بدفنه في ضريح مجاور لضريح الامام موسى بن جعفر عليهما‌السلام بالمشهد المطهر ، وكان بالمشهد المطهر نقيب معروف مشهود له بالصلاح ، كثير التردد والملازمة للضريح والخدمة له ، قائم بوظائفها.

فذكر هذا النقيب أنه بعد دفن هذا المتوفى في ذلك القبر بات بالمشهد الشريف فرأى في منامه أن القبر قد انفتح والنار تشتعل فيه ، وقد انتشر منه دخان ورائحة قتار ذلك المدفون فيه إلى أن ملات المشهد ، وأن الامام موسى عليه‌السلام واقف ، فصاح لهذا النقيب باسمه وقال له : تقول للخليفة يافلان وسماه باسمه لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم وقال كلاما خشنا.

____________________

(١) صفة الصفوة ج ٢ ص ١٠٤.

(٢) جامع كرامات الاولياء ج ٢ ص ٢٢٩ ، وأخرج قصة شقيق البلخى مع الامام موسى «ع» غير من ذكر في المتن جمع كثير من الفريقين منهم الفرغولى في جوهرة الكلام ص ١٤٠ والاسحاقي في أخبار الدول والبدخشى في مفتاح النجا في مناقب آل العبا « مخطوط » والشبلنجى في نور الابصار ص ١٣٥ كما وردت في مختار صفة الصفوة ص ١٥٣ وهؤلاء من اعلام العامة ، وأما الخاصة فهم كثير.

(٣) مطالب السؤول ٨٤.

٨٣

فاستيقظ ذلك النقيب وهو يرعد فرقا وخوفا ولم يلبث أن كتب ورقة وسيرها منهيا فيها صورة الواقعة بتفصيلها ، فلما جن الليل جاء الخليفة إلى المشهد المطهر بنفسه واستدعى النقيب ودخلوا الضريح وأمر بكشف ذلك القبر ونقل ذلك المدفون إلى موضع آخر خارج المشهد ، فلما كشفوه وجدوا فيه رماد الحريق ولم يجدوا للميت أثرا (١).

توضيح : القتار بالضم ريح القدر والشواء والعظم المحرق.

١٠٤ـ عيون المعجزات : عن محمد بن الفضل عن داود الرقي قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : حدثني عن أعداء أمير المؤمنين وأهل بيت النبوة ، فقال : الحديث أحب إليك أم المعاينة؟ قلت : المعاينة ، فقال لابي إبراهيم موسى عليه‌السلام : ائتني بالقضيب فمضى وأحضره إياه ، فقال له : ياموسى اضرب به الارض وأرهم أعداء أمير المؤمنين عليه‌السلام وأعداءنا ، فضرب به الارض ضربة فانشقت الارض عن بحر أسود ، ثم ضرب البحر بالقضيب فانفلق عن صخرة سوداء ، فضرب الصخرة فانفتح منها باب ، فاذا بالقوم جميعا لا يحصون لكثرتهم ووجوههم مسودة وأعينهم زرق ، كل واحد منهم مصفد مشدود في جانب من الصخرة ، وهم ينادون يامحمد والزبانية تضرب وجوههم ويقولون لهم : كذبتم ليس محمد لكم ولا أنتم له.

فقلت له : جعلت فداك من هؤلاء؟ فقال : الجبت والطاغوت والرجس واللعين ابن اللعين ، ولم يزل يعددهم كلهم من أولهم إلى آخرهم حتى أتى على أصحاب السقيفة ، وأصحاب الفتنة ، وبني الازرق والاوزاع وبني امية جدد الله عليهم العذاب بكرة وأصيلا.

ثم قال عليه‌السلام للصخرة : انطبقي عليهم إلى الوقت المعلوم (٢).

بيان : يمكن أن يكون أصحاب الفتنة إشارة إلى طلحة والزبير وأصحابهما

____________________

(١) كشف الغمة ج ٣ ص ٧.

(٢) عيون المعجزات ص ٨٦.

٨٤

وبنو الازرق الروم ولا يبعد أن يكون إشارة إلى معاوية وأصحابه وبنو زريق حي من الانصار والاوزاع الجماعات المختلفة.

١٠٥ ـ ومن الكتاب المذكور : عن محمد بن علي الصوفي قال : استأذن إبراهيم الجمال رضي‌الله‌عنه على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه ، فحج علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر فحجبه ، فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين : ياسيدي ماذنبي؟ فقال : حجبتك لانك حجبت أخاك إبراهيم الجمال وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمال ، فقلت : سيدي ومولاي من لي باب راهيم الجمال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟ فقال : إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك و غلمانك واركب نجيبا هناك مسرجا قال : فوا في البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمال بالكوفة فقرع الباب وقال : أنا علي بن يقطين.

فقال إبراهيم الجمال من دار الدار : وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟! فقال علي بن يقطين : ياهذا إن أمري عظيم وآلى عليه أن يأذن له ، فلما دخل قال : يا إبراهيم إن المولى عليه‌السلام أبى أن يقبلني أو تغفر لي ، فقال : يغفر الله لك فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمال أن يطأ خده فامتنع إبراهيم من ذلك فآلى عليه ثانيا ففعل ، فلم يزل إبراهيم يطأ خده وعلي بن يقطين يقول : اللهم اشهد ، ثم انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر عليه‌السلام بالمدينة فأذن له ودخل عليه فقبله (١).

١٠٦ ـ كا : أحمد بن مهران ، وعلي بن إبراهيم جميعا ، عن محمد بن علي عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم قال : كنت عند أبي الحسن موسى عليه‌السلام إذ أتاه رجل نصراني ونحن معه بالعريض ، فقال له النصراني : إني أتيتك من بلد بعيد وسفر شاق وسألت ربي منذ ثلاثين سنة أن يرشدني إلى خير الاديان وإلى خير العباد وأعلمهم ، وأتاني آت في النوم فوصف لي رجلا بعليا دمشق

____________________

(١) نفس المصدر ص ٩٠.

٨٥

فانطلقت حتى أتيته فكلمته فقال : أنا أعلم أهل ديني وغيري أعلم مني.

فقلت : أرشدني إلى من هو أعلم منك فاني لا أستعظم السفر ولا تبعد علي الشقة ، ولقد قرأت الانجيل كلها ومزامير داود ، وقرأت أربعة أسفار من التوراة وقرأت ظاهر القرآن حتى استوعبته كله ، فقال لي العالم : إن كنت تريد علم النصرانية فأنا أعلم العرب والعجم بها ، وإن كنت تريد علم اليهود فباطي بن شراحيل السامري أعلم الناس بها اليوم ، وإن كنت تريد علم الاسلام وعلم التوراة وعلم الانجيل والزبور وكتاب هود وكلما انزل على نبي من الانبياء في دهرك ودهر غيرك ، وما نزل من السماء من خير فعلمه أحد أو لم يعلم به أحد فيه تبيان كل شئ وشفاء للعالمين ، وروح لمن استروح إليه ، وبصيرة لمن أراد الله به خيرا وأنس إلى الحق فأرشدك إليه ، فائته ولو ماشيا على رجليك ، فان لم تقدر فحبوا على ركبتيك ، فان لم تقدر فزحفا على استك ، فان لم تقدر فعلى وجهك.

فقلت : لا بل أنا أقدر على المسير في البدن والمال ، قال : فانطلق من فورك حتى تأتي يثرب ، فقلت : لا أعرف يثرب ، فقال : فانطلق حتى تأتي مدينة النبي الذي بعث في العرب ، وهو النبي العربي الهاشمي فاذا دخلتها فسل عن بني غنم بن مالك بن النجار ، وهو عند باب مسجدها وأظهر بزة النصرانية وحليتها ، فان واليها يتشدد عليهم والخليفة أشد ، ثم تسأل عن بني عمرو بن مبذول ، وهو ببقيع الزبير ثم تسأل عن موسى بن جعفر وأين منزله وأين هو مسافر أم حاضر ، فان كان مسافرا فالحقه فان سفره أقرب مما ضربت إليه ، ثم أعلمه أن مطران عليا الغوطة. غوطة دمشق هو الذي أرشدني إليك ، وهو يقرئك السلام كثيرا ويقول لك : إني لاكثر مناجات ربي أن يجعل إسلامي على يديك.

فقص هذه القصة وهو قائم معتمد على عصاه ، ثم قال : إن أذنت لي ياسيدي كفرت لك وجلست فقال : آذن لك أن تجلس ولا آذن لك أن تكفر ، فجلس ثم

٨٦

ألقى عنه برنسه ، ثم قال : جعلت فداك تأذن لي في الكلام؟ قال : نعم ماجئت إلا له.

فقال له النصراني : اردد على صاحبي السلام أو ما ترد السلام؟ فقال أبو الحسن عليه‌السلام : على صاحبك أن هداه الله ، فأما التسليم فذاك إذا صار في ديننا.

فقال النصراني : إني أسألك أصلحك الله؟ قال : سل ، قال : أخبرني عن كتاب الله الذي انزل على محمد ونطق به ثم وصفه بما وصفه به فقال « حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين ، فيها يفرق كل أمر حكيم » (١) ماتفسيرها في الباطن؟

فقال : أما حم فهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في كتاب هود الذي أنزل عليه وهو منقوص الحروف ، وأما الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وأما الليلة ففاطمة صلوات الله عليها وأما قوله : فيها يفرق كل أمر حكيم يقول : يخرج منها خير كثير فرجل حكيم ورجل حكيم ورجل حكيم.

فقال الرجل : صف لي الاول والآخر من هؤلآء الرجال ، قال : إن الصفات تشتبه ، ولكن الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله ، وإنه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم إن لم تغيروا وتحرفوا وتكفروا ، وقديما مافعلتم. فقال له النصراني : إني لا أستر عنك ماعلمت ولا أكذبك وأنت تعلم ما أقول وكذبه والله لقد أعطاك الله من فضله ، وقسم عليك من نعمه مالايخطره الخاطرون ، ولا يستره الساترون ، ولا يكذب فيه من كذب ، فقولي لك في ذلك الحق كلما ذكرت فهو كما ذكرت.

فقال له أبوإبراهيم عليه‌السلام أعجلك أيضاك خبرا لا يعرفه إلا قليل ممن قرأ الكتب أخبرني ما اسم ام مريم ، وأي يوم نفخت فيه مريم؟ ولكم من ساعة من النهار؟ وأي يوم وضعت مريم فيه عيسى عليه‌السلام؟ ولكم من ساعة من النهار؟ فقال النصراني : لا أدري.

____________________

(١) سورة الدخان الاية : ١.

٨٧

فقال أبوإبراهيم عليه‌السلام : أما ام مريم فاسمها مرثا وهي وهيبة بالعربية ، وأما اليوم الذي حملت فيه مريم فهو يوم الجمعة للزوال ، وهو اليوم الذي هبط فيه الروح الامين وليس للمسلمين عيد كان أولى منه عظمه الله تبارك وتعالى ، وعظمه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر أن يجعله عيدا فهو يوم الجمعة ، وأما يوم الذي ولدت فيه مريم فهو يوم الثلاثا لاربع ساعات ونصف من النهار ، والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى عليه‌السلام هل تعرفه؟ قال : لا ، قال : هو الفرات ، وعليه شجر النخل والكرم وليس يساوي بالفرات شئ للكروم والنخيل.

فأما اليوم الذي حجبت فيه لسانها ونادى قيدوس ولده وأشياعه فأعانوه و أخرجوا آل عمران لينظروا إلى مريم فقالوا لها ما قص الله عليك في كتابه وعلينا في كتابه فهل فهمته؟ فقال : نعم وقرأته اليوم الاحدث قال إذا لا تقوم من مجلسك حتى يهديك الله.

قال النصراني : ماكان اسم امي بالسريانية وبالعربية؟ فقال : كان اسم امك بالسريانية عنقالية ، وعنقورة كان اسم جدتك لابيك ، وأما اسم امك بالعربية فهومية ، وأما اسم أبيك فعبد المسيحد وهو عبدالله بالعربية ، وليس للمسيح عبد قال : صدقت وبررت فما كان اسم جدي؟ قال : كان اسم جدك جبرئيل ، وهو عبدالرحمن سميته في مجلسي هذا ، قال : أما إنه كان مسلما.

قال ابوإبراهيم : نعم وقتل شهيدا دخلت عليه أجناد فقتلوه في منزله غيلة و الاجناد من أهل الشام.

قال : فما كان اسمي قبل كنيتي؟ قال : كان اسمك عبد الصليب ، قال : فما تسميني؟ قال : اسميك عبدالله ، قال : فاني آمنت بالله العظيم وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فردا صمدا ، ليس كما يصفه النصارى ، وليس كما يصفه اليهود ولا جنس من أجناس الشرك ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق فأبان به لاهله وعمي المبطلون ، وأنه كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الناس كافة إلى الاحمر والاسود كل فيه مشترك فأبصر من أبصر ، واهتدى من اهتدى ، وعمي

٨٨

المبطلون وضل عنهم ما كانوا يدعون ، وأشهد أن وليه نطق بحكمته وأن من كان قبله من الانبياء نطقوا بالحكمة البالغة ، وتوازروا على الطاعة لله ، وفارقوا الباطل وأهله ، والرجس وأهله ، وهجروا سبيل الضلالة ، ونصرهم الله بالطاعة له وعصمهم من المعصية ، فهم لله أولياء ، وللدين أنصار ، يحثون على الخير ، ويأمرون به آمنت بالصغير منهم والكبير ، ومن ذكرت منهم ومن لم أذكر ، وآمنت بالله تبارك وتعالى رب العالمين.

ثم قطع زناره وقطع صليبا كان في عنقه من ذهب ، ثم قال : مرني حتى أضع صدقتي حيث تأمرني فقال عليه‌السلام : ههنا أخ لك كان على مثل دينك ، وهو رجل من قومك من قيس بن ثعلبة ، وهو في نعمة كنعمتك فتواسيا وتجاورا ، ولست أدع أن اورد عليكما حقكما في الاسلام ، فقال : والله أصلحك الله إني لغني ولقد تركت ثلاثمائة طروق بين فرس وفرسة ، وتركت ألف بعير فحقك فيها أوفر من حقي فقال له : أنت مولى الله ورسوله وأنت في حد نسبك على حالك ، فحسن إسلامه وتزوج امرأة من بني فهر وأصدقها أبوإبراهيم خمسين دينارا من صدقة علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأخدمه وبوأه وأقام حتى اخرج أبوإبراهيم عليه‌السلام فمات بعد مخرجه بثمان و عشرين ليلة (١).

بيان : العريض : كزبير واد بالمدينة ، وعليا دمشق بالضم والمد : أعلاها والشقة : السفر الطويل ، والسامرة : قوم من اليهود يخالفونهم في بعض أحكامهم فعلمه أحد أي غير الامام ، أو لم يعلم به أحد غيره ، ويحتمل التعميم بناءا على ما يلقى إلى الامام من العلوم الدائبة.

قوله : فيه تبيان كل شئ الضمير راجع إلى الامام ويحتمل رجوعه إلى ما نزل ، والروح : بالفتح الرحمة ، والاسترواح طلب الروح ، وتعديته بالى بتضمين معنى التوجه والاصغاء ، والحبو : المشي باليدين والرجلين ، والزحف : الانسحاب على الاست ، فعلى وجهك أي بأن تجر نفسك على الارض مكبوبا على وجهك ، و

____________________

(١) الكافى ج ١ ص ٤٧٨.

٨٩

« هو » كأن الضمير راجع إلى مصدر تسأل ، والبزة : بالكسر الهيئة ، والحلية بالكسر الصفة ، وضمير عليهم راجع إلى من يبعثه لطلبه وشيعته ، مما ضربت أي سافرت من بلدك إليه.

ومطران النصارى : بالفتح وقد تكسر لقب للكبير والهيم منهم ، والغوطة : بالضم مدينة دمشق أو كورتها ، والتكفير : أن يخضع الانسان لغيره ، كما يكفر العلج للدهاقين يضع يده على صدره ويتطأطأ له ، وكان إلقاء البرنس للتعظيم كما هو دأبهم اليوم ، أو ما ترد : الترديد من الراوي ، والهمزة للاستفهام الانكاري ، والواو للعطف ، وكأنه أظهر ، على صاحبك أن هداه الله ، الظاهر كون أن بالفتح أي ترد أو ندعو على صاحبك أن يهديه الله إلى الاسلام ، ويمكن أن يقرأ بالكسر أي نسلم عليه بشرط الهداية لا مطلقا أو بعدها لا في الحال ، ثم وصفه أي الرب تعالى الكتاب بما وصفه به من كونه مبينا ، وكونه منزلا في ليلة مباركة ، وهو في كتاب هود أي اسمه فيه كذلك ، وهو منقوص الحروف أي نقص منه حرفان الميم الاول والدال وأما التعبير عن فاطمة عليها‌السلام بالليلة فباعتبار عفافها ومستوريتها عن الخلائق صورة ورتبة. يخرج منها : بلا واسطة وبها خير : بالتخفيف أو بالتشديد.

أقول : هذا بطن الآية لدلالة الظهر عليه بالالتزام ، إذ نزول القرآن في ليلة القدر إنما هو لهداية الخلق وإرشادهم إلى شرايع الدين وإقامتهم على الحق إلى انقضاء الدنيا ، ولا يتأتى ذلك إلا بوجود إمام في كل عصر يعلم جميع مايحتاج إليه الخلق ، وتحقق ذلك بنصب أمير المؤمنين عليه‌السلام وجعله مخزنا لعلم القرآن لفظا و معنى ، وظهرا وبطنا ، ليصير مصداقا للكتاب المبين ، ومزاوجته مع سيدة النساء ليخرج منهما الائمة الهادون إلى يوم الدين ، فظهر أن الظهر والبطن متطابقان ومتلازمان.

صف لي : كأن مراده التوصيف بالشمائل ، فان الصفات تشتبه : أي تتشابه لاتكاد تنتهي إلى شئ تسكن إليه النفس ، مايخرج من نسله أي القائم أو الجميع ، واستعمل مافي موضع من ، وقديما ظرف لفعلتم ، ، وما للابهام في صدق

٩٠

ما أقول : أي من جهة صدق ما أقول وكذبه ، أو في جملة صادقة وكاذبة.

مالايخطره الخاطرون بتقديم المعجمة على المهملة : أي مالايخطر ببال أحد لكن في الاسناد توسع ، لان الخاطر هو الذي يخطر بالبال ، ولذا قرأ بعضهم بالعكس أي لايمنعه المانعون ، ولا يستره الساترون : أي لايقدرون على ستره لشدة وضوحه.

ولا يكذب فيه من كذب بالتخفيف فيهما أو بالتشديد فيهما ، أو بالتشديد في الاول والتخفيف في الثاني ، أو بالعكس والاول أظهر ، فيحتمل وجهين : الاول : أن المعنى من أراد أن يكذب فيما أنعم الله عليك وينكره لايقدر عليه لوضوح الامر ، و من أنكر فباللسان دون الجنان نظير قوله تعالى « لاريب فيه » أي ليس محلا للريب والثاني : أن يكون المراد أنه كل من يزعم أنه يفرط في مدحك فليس بكاذب بل مقصر عما تستحقه من ذلك ، نفخت على المجهول أي نفخ فيها ، فيه قال الجوهري نفخ فيه ونفخه أيضا لغة.

قوله فاسمه مرثا ، وفي بعض الروايات أن اسمها حنة كما في القاموس فيمكن أن يكون أحدهما اسما والآخر لقبا ، أو يكون أحدهما موافقا للمشهور بين أهل الكتاب ، وهو اليوم الذي هبط ، أي إلى مريم للنفخ ، أو إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله للبعثة أو أولا إلى الارض ، حجبت فيه لسانها : أي منعت عن الكلام لصوم الصمت ، اليوم الاحدث : أي هذا اليوم فان الايام السالفة بالنسبة إليه قديمة ، وبررت أي في تسميتك أياه بعبد الله ، أو صدقت فيما سألت وبررت في إفادة مالم أسأل ، لانه عليه‌السلام تبرع بذكر اسم جدته وأبيه ، سميته على صيغة المتكلم ، أي كان اسمه جبرئيل وسميته أنا في هذا المجلس عبدالرحمن ، بناءا على مرجوحية التسمية باسم الملائكة أو بالخاطب بأن يكون اسم جده جبرئيل وسماه في نفسه في هذا المجلس عبدالرحمن طلبا للمعجزة والاول أظهر.

غيلة بالكسر أي فجأة وبغتة ، قبل كنيتي كأنه كان له اسم قبل الكنية ثم

٩١

كنى واشتهر بها ، فسأل عن الاسم المشترك لمزيد اليقين ، فأبان به ضمير « به » للحق و الباء لتقوية التعدية ، والاحمر والاسود العجم والعرب ، أو الانس والجن ، و المراد بوليه أبوالحسن عليه‌السلام أو أمير المؤمنين عليه‌السلام أو كل أوصيائه ، صدقتي كأن المراد بها الصليب الذي كان في عنقه أراد أن يتصدق بذهبه ويحتمل الاعم ، وهو في نعمة : أي الهداية إلى الاسلام بعد الكفر ، حقكما أي من الصدقات ، والمراد بالطروق هنا ما بلغ حد الطريق ذكرا كان أو انثى ، فحقك فيها أي الخمس أو بناءا على أن الامام أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، أنت مولى الله ( ورسوله ) أي معتقهما لانه بهما اعتق من النار ويحتمل أن يكون بمعنى الوارد على قبيلة لم يكن منهم أو الناصر ، وأنت في حد نسبك أي لايضر ذلك في نسبك ومنزلتك.

كا : علي بن إبراهيم وأحمد بن مهران جميعا عن محمد بن علي ، عن الحسن ابن راشد ، عن يعقوب بن جعفر قال : كنت عند أبي إبراهيم عليه‌السلام وأتاه رجل من أهل نجران اليمن من الرهبان ومعه راهبة فاستأذن لهما الفضل بن سوار فقال له : إذا كان غدا فأت بهما عند بئر ام خير ، قال : فوافينا من الغد فوجدنا القوم قد وافوا فأمر بخصفة بواري ثم جلس وجلسوا ، فبدأت الراهبة بالمسائل فسألت عن مسائل كثيرة كل ذلك يجيبها ، وسألها أبوإبراهيم عليه‌السلام عن أشياء لم يكن عندها فيه شئ ، ثم أسلمت ، ثم أقبل الراهب يسأله فكان يجيبه في كل مايسأله.

فقال الراهب : قد كنت قويا على ديني وما خلفت أحدا من النصارى في الارض يبلغ مبلغي في العلم ، ولقد سمعت برجل في الهند إذا شاء حج إلى بيت المقدس في يوم وليلة ثم يرجع إلى منزله بأرض الهند ، فسألت عنه بأي أرض هو فقيل لي إنه بسندان وسألت الذي أخبرني فقال : هو علم الاسم الذي ظفر به آصف صاحب سليمان لما أتى بعرش سبأ ، وهو الذي ذكره الله لكم في كتابكم ، ولنا معشر الاديان في كتبنا.

فقال له أبوإبراهيم عليه‌السلام : فكم لله من اسم لا يرد؟ فقال الراهب : الاسماء كثيرة ، فأما المحتوم منها الذي لا يرد سائهل فسبعة ، فقال له أبوالحسن عليه‌السلام

٩٢

فأخبرني عما تحفظ منها؟ فقال الراهب : لا والله الذي أنزل التوراة على موسى وجعل عيسى عبرة للعالمين وفتنة لشكر اولي الالباب ، وجعل محمدا بركة ورحمة وجعل عليها عليه‌السلام عبرة وبصيرة ، وجعل الاوصياء من نسله ونسل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أدري ، ولو دريت ما احتجت فيه إلى كلامك ولا جئتك ولا سألتك.

فقال له أبوإبراهيم عليه‌السلام : عد إلى حديث الهندي ، فقال له الراهب : سمعت بهذه الاسماء ولا أدري مابطائنها ولا شرائحها ، ولا أدري ماهي ، ولا كيف هي ، ولا بدعائها فانطلقت حتى قدمت سندان الهند ، فسألت عن الرجل فقيل لي : إنه بنى ديرا في جبل فصار لايخرج ولا يرى إلا في كل سنة مرتين ، وزعمت الهند أن الله تعالى فجر له عينا في ديره ، وزعمت الهند أنه يزرع له من غير زرع يلقيه ، ويحرث له من غير حرث يعمله ، فانتهيت إلى بابه ، فأقمت ثلاثا لا أدق الباب ، ولا اعالج الباب.

فلما كان اليوم الرابع فتح الله باب ، وجاءت بقرة عليها حطب تجر ضرعها يكاد يخرج مافي ضرعها من اللبن ، فدفعت الباب فانفتح فتبعتها ودخلت ، فوجدت الرجل قائما ينظر إلى السماء فيبكي ، وينظر إلى الارض فيبكي ، وينظر إلى الجبال فيبكي ، فقلت : سبحان الله ما أقل ضربك في دهرنا هذا فقال لي : والله ما أنا إلا حسنة من حسنات رجل خلفته وراء ظهرك.

فقلت له : اخبرت أن عندك اسما من أسماء الله تعالى تبلغ به في كل يوم و ليلة بيت المقدس وترجع إلى بيتك ، فقال لي : فهل تعرف البيت المقدس؟ فقلت : لا أعرف إلا بيت المقدس الذي بالشام ، فقال : ليس بيت المقدس ولكنه البيت المقدس وهو بيت آل محمد فقلت له : أما ما سمعت به إلى يومي هذا فهو بيت المقدس فقال لي : تلك محاريب الانبيآء ، وإنما كان يقال لها حظيرة المحاريب حتى جاءت الفترة التي كانت بين محمد وعيسى صلى الله عليهما ، وقرب البلاء من أهل الشرك وحلت النقمات في دور الشياطين ، فحولوا وبدلوا ونقلوا تلك الاسماء

٩٣

وهو قول الله تبارك وتعالى : البطن لآل محمد والظهر مثل : « إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان » (١).

فقلت له : إني قد ضربت إليك من بلد بعيد تعرضت إليك بحارا وغموما و هموما وخوفا ، وأصبحت وأمسيت مؤيسا ألا أكون ظفرت بحاجتي فقال لي : ما أرى امك حملت بك إلا وقد حضرها ملك كريم ، ولا أعلم أن أباك حين أراد الوقوع بامك إلا وقد اغتسل وجاءها على طهر ، ولا أزعم إلا أنه كان درس السفر الرابع من سحره ذلك فختم له بخير ، ارجع من حيث جئت ، فانطلق حتى تنزل مدينة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله التي يقال لها طيبة ، وقد كان اسمها في الجاهلية يثرب ، ثم اعمد إلى موضع منها يقال له البقيع ، ثم سل عن دار يقال لها دار مروان فانزلها ، وأقم ثلاثا ، ثم سل الشيخ الاسود الذي يكون على بابها يعمل البواري ، وهي في بلادهم اسمها الخصف فتلطف بالشيخ وقل له : بعثني إليك نزيلك الذي كان ينزل في الزاوية في البيت الذي فيه الخشيبات الاربع ، ثم سله عن فلان بن فلان الفلاني ، وسله أين ناديه ، وسله أي ساعة يمر فيها فليريكاه ، أو يصفه لك فتعرفه بالصفة ، وسأصفه لك ، قلت : فاذا لقيته فأصنع ماذا؟ فقال : سله عما كان وعما هو كائن ، وسله عن معالم دين من مضى ومن بقي.

فقال له أبوإبراهيم عليه‌السلام : قد نصحك صاحبك الذي لقيت ، فقال الراهب : ما اسمه جعلت فداك؟ قال : هو متمم بن فيروز ، وهو من أبناء الفرس ، وهو ممن آمن بالله وحده لا شريك له ، وعبده بالاخلاص والايقان ، وفر من قومه لما خالفهم فوهب له ربه حكما ، وهداه لسبيل الرشاد ، وجعله من المتقين وعرف بينه وبين عباده المخلصين ، وما من سنة إلا وهو يزور فيها مكة حاجا ، ويعتمر في رأس كل شهر مرة ، ويجي من موضعه من الهند إلى مكة فضلا من الله وعونا ، وكذلك نجزي الشاكرين.

____________________

(١) سورة النجم الاية : ٢٣.

٩٤

ثم سأله الراهب عن مسائل كثيرة كل ذلك يجيبه فيها وسأل الراهب عن أشياء لم يكن عند الراهب فيها شئ فأخبره بها ، ثم إن الراهب قال : أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الارض منها أربعة ، وبقي في الهواء منها أربعة على من منزلت تلك الاربعة التي في الهواء ومن يفسرها؟ قال : ذلك قائمنا فينزله الله عليه فيفسره وينزله عليه مالم ينزل على الصديقين والرسل والمهتدين.

ثم قال الراهب : فأخبرني عن الاثنين من تلك الاربعة الاحرف التي في الارض ماهي؟ قال : اخبرك بالاربعة كلها ، أما أولين فلا إله إلا الله وحده لا شريك له باقيا ، والثانية محمد رسول الله مخلصا ، والثالثة نحن أهل البيت ، والرابعة شيعتنا منا ، ونحن من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول الله من الله بسبب.

فقال له الراهب : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأن ماجاء به من عند الله حق ، وأنكم صفوة الله من خلقه ، وأن شيعتكم المطهرون المستبدلون ولهم عاقبة الله والحمد لله رب العالمين ، فدعا أبوإبراهيم عليه‌السلام بجبة خز وقميص قوهي وطيلسان وخف وقلنسوة فأعطاها إياه ، وصلى الظهر وقال له اختتن فقال : قد اختتنت في سابعي (١).

توضيح : في القاموس الخصفة الجلة تعمل من الخوص للتمر ، والثوب الغليظ جدا (٢) انتهى وكأن الاضافة إلى البواري لبيان أن المراد بها ما يعمل من الخوص للفرش مكان البارية لا ما يعمل للتمر ، وكأن هذا هو المراد بالبواري فيما سيأتي ، و سندان الآن غير معروف ، لا يرد أي سائله كما سيأتي أو المسئول به ، عبرة بالكسر وهي ما يعتبر به أي ليستدلوا به على كمال قدرة الله حيث خلقه من غير أب ، وفتنة أي امتحانا ليشكروه على نعمة إيجاد عيسى لهم كذلك فيثابوا ، ويمكن أن يقرأ العبرة بالفتح الاسم من التعبير عما في الضمير ، كما يقال لعيسى كلمة الله وللائمة

____________________

(١) الكافى ج ١ ص ٤٨١.

(٢) القاموس ج ٣ ص ١٣٤.

٩٥

عليهم‌السلام كلمات الله ، فانهم يعبرون عن الله.

قوله : ما أدري : جواب القسم ، والبطائن كأنه جمع البطانة بالكسر أي سرائرها ، وشرائحها أي مايشرحها ويبينها وكأنه كناية عن ظواهرها ، وفي بعض النسخ شرايعها أي طرق تعلمها أو ظواهرها ، ولا بدعائها ، الدراية تتعدى بنفسها و بالباء يقال دريته ودريت به ، ما أقل ضربك أي مثلك ، رجل خلفته أي موسى عليه‌السلام.

قوله : ليس بيت المقدس اسم ليس ضمير مستتر للذي بالشام ، وضمير لكنه لبيت المقدس ، والحاصل أنه ليس الذي بالشام اسمه بيت المقدس ولكن المسمى ببيت المقدس هو البيت المقدس المطهر وهو بيت آل محمد الذين أنزل الله فيهم آية التطهير فهو بيت المقدس ، ضمير هو للذي بالشام ، والجملة جواب أما وخبر ما ، والحاصل أي ماسمعت إلى الآن غير الذي بالشام مسمى ببيت المقدس وتأنيث تلك باعتبار الخبر أو بتأويل البقعة ونحوها والحظيرة : في الاصل هي التي تعمل لللابل من شجر ثم استعمل في كل مايحيط بالشئ خشبا أو قصبا أو غيرهما ، وقرب البلاء أي الابتلاء والافتتان والخذلان ، وهو المراد بحلول النقمات في دور شياطين الانس أو الاعم منهم ومن الجن ، بسلب مايوجب هدايتهم عنهم ، وهو قول الله : كان الضمير لمصدر نقلوا ، وقوله : البطن إلى قوله مثل معترضة.

وقوله إن هي الخ بيان لقول الله ، وحاصل الكلام أن آيات الشرك ظاهرها في الاصنام الظاهرة ، وباطنها في خلفاء الجور الذين أشركوا مع أئمة الحق و نصبوا مكانهم ، فقوله سبحانه « أفرأيتم اللات والعزى ومنواة الثالثة الاخرى » (١) اريد في بطنها باللات الاول وبالعزى الثاني ، والمبنوة الثالث ، حيث سموهم بأمير المؤمنين وبخليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبالصديق والفاروق وذي النورين وأمثال ذلك.

وتوضيحه : أن الله تعالى لم ينزل القرآن لاهل عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، و الحاضرين في وقت الخطاب فقط ، بل يشمل سائر الخلق إلى انقضاء الدهر ، فاذا

____________________

(١) سورة النجم الاية : ١٩.

٩٦

نزلت آية في قصة أو واقعة فهي جارية في أمثالها وأشباهها.

فما ورد في عبادة الاصنام والطواغيت في زمان كان الغالب فيه عبادة الاصنام لعدولهم عن الادلة العقلية والنقلية الدالة على بطلانها ، وعلى وجوب طاعة النبي الناهي عن عبادتها ، فهو يجرى في أقوام تركوا طاعة أئمة الحق ، واتبعوا أئمة الجور ، لعدولهم عن الادلة العقلية والنقلية ، واتباعهم الاهواء ، وعدولهم عن النصوص الجلية ، فهم لكثرتهم ، وامتداد أزمنتهم ، كأنهم الاصل ، وكأن ظواهر الآيات مثل فيهم ، فظواهر الآيات أكثرها أمثال ، وبواطنها هي المقصودة بالانزال ، كما قال سبحانه « ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون » (١).

وعلى ماحققنا لايلزم جريان ساير الآيات الواقعة في ذلك السياق في هذا البطن كقوله سبحانه « ألكم الذكر وله الانثى » (٢) وإن أمكن أن يكون في بطن الآية إطلاق الانثى عليهم ، للانوثية السارية في أكثرهم ، لا سيما الثاني كما مر في تأويل قوله تعالى « إن يدعو من دونه إلا إناثا » (٣) أن كل من تسمى بأمير المؤمنين ورضي بهذا اللقب غيره عليه‌السلام فهو مبتلى بالعلة الملعونة ، أو لضعف الاناث بالنسبة إلى الذكور على سبيل الاستعارة ، فان فرارهم في أكثر الحروب وعجزهم عن أكثر امور الخلافة وشرائطها ، يلحقهم بالاناث كما قال عمر ، كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في الحجال.

ثم اعلم أنه قرأ بعضهم مثل بمضمتين أي أصنام ، وهو بعيد ، وقرأ بعضهم مثل بالكسر وقال : المراد أن الظهر والبطن جميعا لآل محمد في جميع القرآن مثل هذه الآية ، وهو أيضا بعيد ، تعرضت إليك : أي متوجها إليك مؤيسا ألا أكون : الظاهر أنه بالفتح مركبا من أن ولا ، ولا زائدة كما في قوله تعالى « مامنعك ألا تسجد » (٤).

____________________

(١) سورة ابراهيم الاية : ٢٥.

(٢) سورة النجم الاية : ٢١.

(٣) سورة النساء الاية : ١١٧.

(٤) سورة الاعراف الاية : ١٢.

٩٧

أو يضمن مؤيسا معنى الخوف أي خائفا أن لا أكون ، وقيل إلا بالكسر من قبيل سألتك إلا فعلت كذا : أي كنت في جميع الاحوال مؤيسا إلا وقت الظفر بحاجتي ، والاول أظهر.

ولا أعلم أن أباك ، لعل كلمة أن زيدت من النساخ ، وإن أمكن توجيهه وكان التخصيص بالسفر الرابع لكونه أفضل أسفار التوراة ، أو لاشتماله على أحوال خاتم النبيين وأوصيآئه صلوات الله عليهم ، وأقم ثلاثا : كأنه أمره بذلك لئلا يعلم الناس بالتعجيل مطلبه وفي القاموس (١) النزيل الضيف.

عن فلان بن فلان الفلاني : أي عن موسى بن جعفر العلوي مثلا ، والنادي المجلس ، وأي ساعة يمر أي يتوجه إلى النادي ، وضمير فيها للساعة ، فليريكاه بفتح اللام والالف للاشباع.

وسأصفه : الظاهر أنه وصف الامام عليه‌السلام بحليته له ، ولم يذكر في الخبر ومن بقي أي امة خاتم الانبياء ، فان دينه باق إلى يوم القيامة ، ويجئ من موضعه أي بطي الارض ، باعجازه عليه‌السلام.

فتبين في الارض ، أي ظهرت وعمل بمضمونها وكأن البقاء في الهواء كناية عن عدم تبينها في الارض وعدم العمل بمضمونها لانها متعلقة بأحوال من يأتي في آخر الزمان ، أو أنها نزلت من اللوح إلى بيت المعمور ، أو إلى السماء الدنيا أو إلى بعض الصحف ، لكن لم تنزل بعد إلى الارض ، وتنزل عليه عليه‌السلام ، ويؤيده قوله وينزل عليه ، باقيا : كأنه حال عن يقول المقدر في قوله فلا إله إلا الله أي فقولي لا إله إلا الله حال كون ذلك القول باقيا أبد الدهر ، وكذا قوله مخلصا أو إلها باقيا ، وأرسل حال كونه مخلصا بفتح اللام أو كسرها ، نحن أهل البيت بالرفع على الخبرية أي نحن المعنيون بآية التطهير أو بالبدلية ، أو بالنصب على الاختصاص فالمعنى أن الكلمة الثانية نحن فانهم كلمات الله الحسنى كما مر.

وقوله سبب : متعلق بالجمل الثلاث أي شيعتنا متعلقون منا بسبب ، وهكذا

____________________

(١) القاموس ج ٤ ص ٥٧.

٩٨

والسبب في الاصل هو الحبل ، ثم استعير لكل مايتوصل به إلى الشئ قال تعالى « وتقطعت بهم الاسباب » (١) أي الوصل والمودات ، والمراد هنا الدين أو الولاية والمحبة ، والروابط المعنوية ، والمستذلون بفتح المعجمة أي الذين صيرهم الناس أذلاء ، وفي بعض النسخ المستبدلون إشارة إلى قوله تعالى « يستبدل قوما غيركم » (٢) ولهم عاقبة الله : أي تمكينهم في الارض في آخر الزمان كما قال تعالى : « والعاقبة للمتقين » (٣).

وفي القاموس القوهي ثياب بيض وقوهستان بالضم كورة بين نيسابور وهراة وموضع ، وبلد بكرمان ، ومنه ثوب قوهي ، لما ينسج بها ، أو كل ثوب أشبهه يقال له قوهي (٤) في سابعي أي سابع ولادتي بأن كان أبوه مؤمنا ، أو سبعة أيام قبل ذلك.

وروى البرسي في مشارق الارض (٥) عن صفوان بن مهران قال : أمرني سيدي أبوعبدالله عليه‌السلام يوما أن اقدم ناقته إلى باب الدار ، فجئت بها ، فخرج أبوالحسن عليه‌السلام مسرعا وهو ابن ست سنين ، فاستوى على ظهر الناقة وأثارها وغاب عن بصري قال : فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وما أقول لمولاي إذا خرج يريد الناقة قال : فلما مضى من النهار ساعة إذا الناقة قد انقضت كأنها شهاب وهي ترفض عرقا ، فنزل عنها ، ودخل الدار ، فخرج الخادم وقال : أعد الناقة مكانها وأجب مولاك قال : ففعلت ما أمرني ، فدخلت عليه فقال : ياصفوان إنما أمرتك باحضار الناقة ليركبها مولاك أبوالحسن ، فقلت في نفسك كذا وكذا ، فهل

____________________

(١) سورة البقرة الاية : ١٦٦.

(٢) سورة محمد الاية : ٣٨.

(٣) سورة الاعراف الاية : ١٢٨.

(٤) القاموس ج ٤ ص ٢٩١.

(٥) مشارق الانوار ص ١١٥.

٩٩

علمت ياصفوان أين بلغ عليها في هذه الساعة؟ إنه بلغ ما بلغه ذو القرنين وجاوزه أضعافا مضاعفة ، وأبلغ كل مؤمن ومؤمنة سلامي.

أقول : سيأتي الاخبار المتعلقة بهذا الباب في ساير الابواب الآتية ، وباب النص على الرضا عليه‌السلام.

٥

* ( باب ) *

* « ( عبادته ، وسيره ، ومكارم أخلاقه ) » *

* ( ووفور علمه صلوات الله عليه ) *

١ ـ ب : محمد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبدالحميد قال : دخلت على أبي الحسن الاول عليه‌السلام في بيته الذي كان يصلي فيه ، فاذا ليس في البيت شئ إلا خصفة (١) وسيف معلق ، ومصحف (٢).

٢ ـ ب : علي بن جعفر قال : خرجنا مع أخي موسى بن جعفر عليه‌السلام في أربع عمر يمشي فيها إلى مكة بعياله وأهله ، واحدة منهن مشى فيها ستة وعشرين يوما ، واخرى خمسة وعشرين يوما ، واخرى أربعة وعشرين يوما واخرى أحدا وعشرين يوما (٣).

٣ ـ ب : محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن فضال ، عن علي بن أبي حمزة قال : كنت عند أبي الحسن عليه‌السلام إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبش

____________________

(١) الخصفة : محركة : الجلة تعمل من الخوص للتمر ، والثوب الغليظ جدا : جمع خصف وخصاف.

(٢) قرب الاسناد ص ١٧٤.

(٣) قرب الاسناد ص ١٦٥.

١٠٠