بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: الشيخ عبد الزهراء العلوي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الرضا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

عليه في الأمور.

والشكوى : الاسم من قولك : شكوت فلانا شكاية (١).

والعدوى : طلبك إلى وال لينتقم لك ممن ظلمك (٢).

والحول : القوة والحيلة والدفع والمنع (٣) ، والكل هنا محتمل.

والبأس : العذاب (٤).

والتنكيل : العقوبة ، وجعل الرجل نكالا (٥) وعبرة لغيره (٦).

الويل لشانئك .. أي العذاب ، والشر (٧) لمبغضك ، والشناءة : البغض (٨).

وفي رواية السيد : لمن أحزنك.

ونهنهت الرجل عن الشيء فتنهنه .. أي كففته وزجرته فكف (٩).

والوجد : الغضب (١٠). أي امنع نفسك عن غضبك.

وفي بعض النسخ : تنهنهي ، وهو أظهر.

__________________

(١) ذكره في الصحاح ٦ ـ ٢٣٩٤ ، ومجمع البحرين ١ ـ ٢٥٢ ، وغيرهما.

(٢) كما أورده في الصحاح ٦ ـ ٢٤١١ ، ومثله في المعنى في مجمع البحرين ١ ـ ٢٨٧.

(٣) نص عليه في لسان العرب ١١ ـ ١٨٥ و ١٨٩ ، ومجمع البحرين ٥ ـ ٣٥٩.

(٤) صرح به في مجمع البحرين ٤ ـ ٥٠ ، ولسان العرب ٦ ـ ٢٠ ، وغيرهما.

(٥) في ( ك‍ ) : أنكالا ، والظاهر أنه اشتباه.

(٦) أورده في النهاية ٥ ـ ١١٧ ، ولسان العرب ١١ ـ ٦٧٧.

(٧) قال في القاموس : ٤ ـ ٦٦ : الويل : حلول الشر ، وبهاء : الفضيحة ، أو هو تفجيع .. وكلمة عذاب ، وواد في جهنم ، أو بئر ، أو باب لها. وقال في النهاية ٥ ـ ٢٣٦ الويل : الحزن والهلاك والمشقة من العذاب ، وكل من وقع في هلكة دعا بالويل ، ومعنى النداء فيه : يا حزني! ويا هلاكي! ويا عذابي! احضر فهذا وقتك وأوانك.

(٨) كذا في الصحاح ١ ـ ٥٧ ، ولسان العرب ١ ـ ١٠١ ـ ١٠٢ ، وغيرها.

(٩) ذكره في الصحاح ٦ ـ ٢٢٥٤ ، ومثله في المعنى أورده الطريحي في مجمع البحرين ٦ ـ ٣٦٤.

(١٠) كما جاء في مجمع البحرين ٣ ـ ١٥٥ ، والقاموس ١ ـ ٣٤٣.

٣٢١

والصفوة ـ مثلثة ـ (١) خلاصة الشيء وخياره (٢).

والونى ـ كفتى ـ الضعف والفتور والكلال ، والفعل ـ كوقى يقي (٣) .. أي ما عجزت عن القيام بما أمرني به ربي وما تركت ما دخل تحت قدرتي.

والبلغة ـ بالضم ـ ما يتبلغ (٤) به من العيش (٥).

والضامن والكفيل للرزق هو الله تعالى ، وما أعد لها هو ثواب الآخرة.

والاحتساب : الاعتداد ، ويقال لمن ينوي بعمله وجه الله تعالى : احتسبه (٦) .. أي اصبري وادخري ثوابه عند الله تعالى.

وفي رواية السيد : فقال لها أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا ويل لك بل الويل لمن أحزنك ، نهنهي عن وجدك يا بنية الصفوة ، وبقية النبوة ، فما ونيت عن حظك ، ولا أخطأت فقد ترين مقدرتي (٧) ، فإن ترزئي حقك فرزقك مضمون ، وكفيلك مأمون ، وما عند الله خير لك مما قطع عنك.

فرفعت يدها الكريمة فقالت : رضيت وسلمت.

قال في القاموس : رزأه ماله كجعله وعمله رزأ ـ بالضم ـ : أصاب منه شيئا. (٨).

أقول : روى الشيخ (٩) كلامها الأخير مع جوابه قريبا مما رواه السيد ،

__________________

(١) قاله في القاموس ٤ ـ ٣٥٢ ، والصحاح ٦ ـ ٢٤٠١ ، وغيرهما.

(٢) صرح به في النهاية ٣ ـ ٤٠ ، ولسان العرب ١٤ ـ ٤٦٢.

(٣) كذا جاء في لسان العرب ١٥ ـ ٤١٥ ، والصحاح ٦ ـ ٢٥٣١.

(٤) في ( ك‍ ) : يبتلغ ، وهو غلط.

(٥) كما أورده في القاموس ٣ ـ ١٠٣ ، والصحاح ٤ ـ ١٣١٧ ، وغيرهما.

(٦) لاحظ النهاية ١ ـ ٣٨٢ ، ولسان العرب ١ ـ ٣١٥.

(٧) في (س) : فقد مقدرتي ترى ، ووضع على : مقدرتي ، رمز ( ظ. ل ) أي الظاهر من نسخة ، ولعله :

فقد ترى مقدرتي. وفي ( ك‍ ) : مقدرتي فقد ترين .. ووضع ذلك الرمز على مقدرتي أيضا ، فراجع.

(٨) القاموس ١ ـ ١٦ ، وقارن ب : لسان العرب ١ ـ ٨٥.

(٩) أمالي الشيخ الطوسي ٢ ـ ٢٩٥ ـ ٢٩٦.

٣٢٢

ولنذكره بسنده :

٩ ـ قال : أخبرنا محمد (١) بن أحمد بن شاذان ، عن (٢) محمد بن علي بن المفضل (٣) ، عن محمد بن علي بن معمر (٤) ، عن محمد بن الحسين الزيات (٥) ، عن أحمد بن محمد ، عن أبان بن عثمان (٦) ، عن أبان بن تغلب ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال :

لما انصرفت فاطمة عليها‌السلام من عند أبي بكر أقبلت على أمير المؤمنين عليه‌السلام.

فقالت له (٧) : يا ابن أبي طالب! اشتملت مشيمة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل ، فخانك ريش الأعزل ، هذا ابن أبي قحافة قد ابتزني نحيلة أبي وبليغة ابني ، والله لقد أجد في ظلامتي (٨) ، وألد في خصامي ، حتى منعتني قيلة نصرها ، والمهاجرة وصلها ، وغضت الجماعة دوني طرفها ، فلا مانع ولا دافع ، خرجت ـ والله ـ كاظمة ، وعدت راغمة ، وليتني لا خيار (٩) لي ، ليتني مت قبل ذلك (١٠) مت قبل ذلتي! (١١) وتوفيت قبل منيتي! عذيري فيك الله حاميا ، ومنك عاديا ، ويلاه في كل شارق! ويلاه! مات المعتمد ووهن العضد! شكواي إلى ربي ، وعدواي إلى أبي ، اللهم أنت أشد قوة.

__________________

(١) في المصدر : أبو الحسن محمد.

(٢) في الأمالي : قال حدثني أبو الحسين ، بدلا من : عن.

(٣) في المصدر : المفضل بن همام الكوفي.

(٤) في الأمالي : معمر الكوفي ، وفي ( ك‍ ) : معر.

(٥) في المصدر : الزيات الكوفي.

(٦) لم يرد في الأمالي لفظ : عن أبان بن عثمان.

(٧) لم يرد في المصدر : له.

(٨) خ. ل : ظلامي جاء على مطبوع البحار ، وكذا في المصدر.

(٩) في المصدر : ولا خيار.

(١٠) لم يرد في المصدر : ليتني مت قبل ذلك.

(١١) في الأمالي : زلتي.

٣٢٣

فأجابها أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا ويل لك ، بل الويل لشانئك ، نهنهي من غربك (١) يا بنت الصفوة وبقية النبوة ، فو الله ما ونيت في ديني ، ولا أخطأت مقدوري ، فإن كنت ترزءين البلغة فرزقك مضمون ، ولعيلتك مأمون ، وما أعد لك خير مما قطع عنك ، فاحتسبي.

فقالت : حسبي الله ( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).

ولندفع الإشكال الذي قلما لا يخطر بالبال عند سماع هذا الجواب والسؤال ، وهو :

أن اعتراض فاطمة عليها‌السلام على أمير المؤمنين عليه‌السلام في ترك التعرض للخلافة ، وعدم نصرتها ، وتخطئته فيهما ـ مع علمها بإمامته ، ووجوب اتباعه وعصمته ، وأنه لم يفعل شيئا إلا بأمره تعالى ووصية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ مما ينافي عصمتها وجلالتها.

فأقول : يمكن أن يجاب عنه : بأن هذه الكلمات صدرت منها عليها‌السلام لبعض المصالح ، ولم تكن واقعا منكرة لما فعله ، بل كانت راضية ، وإنما كان غرضها أن يتبين للناس قبح أعمالهم وشناعة أفعالهم ، وأن سكوته عليه‌السلام ليس لرضاه بما أتوا به.

ومثل هذا كثيرا ما يقع في العادات والمحاورات ، كما أن ملكا يعاتب بعض خواصه في أمر بعض الرعايا ، مع علمه ببراءته من جنايتهم ، ليظهر لهم عظم جرمهم ، وأنه مما استوجب به أخص الناس بالملك منه المعاتبة.

ونظير ذلك ما فعله موسى عليه‌السلام ـ لما رجع ( إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً ) من إلقائه الألواح ، وأخذه برأس أخيه يجره إليه ـ ولم يكن غرضه الإنكار على هارون ، بل أراد بذلك أن يعرف القوم عظم جنايتهم ، وشدة جرمهم ، كما مر الكلام فيه (٢).

__________________

(١) في ( ك‍ ) : عزبك.

(٢) بحار الأنوار ١٣ ـ ١٩٥ ـ ٢٤٨.

٣٢٤

وأما حمله على أن شدة الغضب والأسف والغيظ حملتها على ذلك ـ مع علمها بحقية ما ارتكبه عليه‌السلام ـ فلا ينفع في دفع الفساد ، وينافي عصمتها وجلالتها التي عجزت عن إدراكها أحلام العباد.

بقي هاهنا إشكال آخر ، وهو :

أن طلب الحق والمبالغة فيه وإن لم يكن منافيا للعصمة ، لكن زهدها صلوات الله عليها ، وتركها للدنيا ، وعدم اعتدادها بنعيمها ولذاتها ، وكمال عرفانها ويقينها بفناء الدنيا ، وتوجه نفسها القدسية ، وانصراف همتها العالية دائما إلى اللذات المعنوية والدرجات الأخروية ، لا تناسب مثل هذا الاهتمام في أمر فدك ، والخروج إلى مجمع الناس ، والمنازعة مع المنافقين في تحصيله.

والجواب عنه من وجهين :

الأول : أن ذلك لم يكن حقا مخصوصا لها ، بل كان أولادها البررة الكرام مشاركين لها فيه ، فلم يكن يجوز لها المداهنة والمساهلة والمحاباة وعدم المبالاة في ذلك ، ليصير سببا لتضييع حقوق جماعة من الأئمة الأعلام والأشراف الكرام نعم لو كان مختصا بها كان لها تركه والزهد فيه وعدم التأثر من فوته.

الثاني (١) : أن تلك الأمور لم تكن لمحبة فدك وحب الدنيا ، بل كان الغرض إظهار ظلمهم وجورهم وكفرهم ونفاقهم ، وهذا كان من أهم أمور الدين وأعظم الحقوق على المسلمين.

ويؤيده أنها صلوات الله عليها صرحت في آخر الكلام حيث قالت : قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة ..

وكفى بهذه الخطبة بينة على كفرهم ونفاقهم.

ونشيد ذلك بإيراد رواية بعض المخالفين في ذلك :

١٠ ـ روى ابن أبي الحديد (٢) ـ في سياق أخبار فدك ـ عن أحمد بن

__________________

(١) في ( ك‍ ) : والثاني.

(٢) في شرحه على نهج البلاغة ١٦ ـ ٢١٤ ـ ٢١٥ ، باختلاف كثير.

٣٢٥

عبد العزيز الجوهري :

أن أبا بكر لما سمع خطبة فاطمة عليها‌السلام في فدك شق عليه (١) مقالتها ، فصعد المنبر فقال : أيها الناس! ما هذه الرعة إلى كل قالة! أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ ألا من سمع فليقل ، ومن شهد فليتكلم ، إنما هو ثعالة شهيده ذنبه ، مرب بكل (٢) فتنة ، هو الذي يقول : كروها جذعة بعد ما هرمت ، تستعينون بالضعفة وتستنصرون (٣) بالنساء ، كأم طحال أحب أهلها إليها البغي. ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت ، ولو قلت لبحت ، إني ساكت ما تركت.

ثم التفت إلى الأنصار فقال : قد بلغني يا معاشر (٤) الأنصار مقالة سفهائكم ، وأحق من لزم عهد رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أنتم ، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ، ألا وإني لست باسطا يدا ولسانا (٥) على من لم يستحق ذلك منا .. ثم نزل.

فانصرفت فاطمة عليها‌السلام إلى منزلها.

ثم قال ابن أبي الحديد (٦) : قرأت هذا الكلام على النقيب يحيى بن أبي زيد البصري.

فقلت له (٧) : بمن يعرض؟.

فقال : بل يصرح.

قلت : لو صرح لم أسألك؟.

__________________

(١) جاء في المصدر : فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه.

(٢) في المصدر : لكل.

(٣) في شرح النهج : يستعينون .. يستنصرون.

(٤) في المصدر : يا معشر ، وهي نسخة جاءت في (س).

(٥) في المصدر : ولا لسانا.

(٦) في شرحه على نهج البلاغة ١٦ ـ ٢١٥ بتصرف.

(٧) في المصدر : على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري وقلت له : ...

٣٢٦

فضحك وقال : بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام.

قلت : أهذا الكلام كله لعلي عليه‌السلام؟!.

قال (١) : نعم إنه الملك يا بني!.

قلت : فما مقالة الأنصار؟.

قال : هتفوا بذكر علي فخاف من اضطراب الأمر عليه (٢) فنهاهم.

فسألته عن غريبه.

فقال : ما هذه الرعة (٣) ـ بالتخفيف ـ أي : الاستماع والإصغاء (٤).

والقالة : القول (٥).

وثعالة : اسم للثعلب (٦) علم غير مصروف ، مثل ذؤالة للذئب.

وشهيده ذنبه .. أي : لا شاهد على ما يدعي إلا بعضه وجزء منه ، وأصله مثل ، قالوا : إن الثعلب أراد أن يغري الأسد بالذئب ، فقال : إنه أكل الشاة التي أعددتها لنفسك ، قال (٧) : فمن يشهد لك بذلك؟ فرفع ذنبه وعليه دم ، وكان

__________________

(١) في شرح النهج : لعلي يقوله. قال.

(٢) في المصدر : عليهم.

(٣) في المصدر : أما الرعة.

(٤) قال في النهاية ٥ ـ ١٧٤ : الورع في الأصل : الكف عن المحارم والتحرج منه ، ثم قال : ثم استعير للكف عن المباح والحلال.

وقال في القاموس ٣ ـ ٩٣ : الورع ـ محركة ـ : التقوى ، وقد ورع ـ كورث ، ووجل ، ووضع ، وكرم ـ وراعة ، وورعا ويحرك ، ووروعا ويضم : تحرج : والاسم الرعة .. والرعة ـ بالكسر ـ :

الهدى وحسن الهيئة أو سوؤها ـ ضد ـ والشأن.

أقول : يحتمل أن يكون المعنى ما هذه الهدى والطريقة منكم إلى كل قالة ، وحيث كانت طريقتهم في هذا المورد الاستماع والإصغاء قيل : الرعة : الاستماع والإصغاء.

(٥) كما في النهاية ٤ ـ ١٢٣ ، والقاموس ٤ ـ ٤٢ ، وغيرهما.

(٦) في شرح النهج : الثعلب.

قال في القاموس ٣ ـ ٣٤٢ : ثعالة كثمامة : أنثى الثعالب.

(٧) في المصدر : أنه قد أكل الشاة التي كنت قد أعددتها لنفسك وكنت حاضرا ، قال.

٣٢٧

الأسد قد افتقد الشاة ، فقبل شهادته وقتل الذئب.

ومرب : ملازم ، أرب ، لازم (١) بالمكان.

وكروها جذعة : أعيدوها إلى الحال الأولى ، يعني : الفتنة والهرج.

وأم طحال : امرأة بغي في الجاهلية ، فضرب بها المثل ، يقال (٢) : أزنى من أم طحال ، انتهى.

أقول : الرعة ـ بالراء ـ كما في نسخ الشرح ، بمعنى : الاستماع ، لم نجده في كلام اللغويين (٣) ، ويمكن أن يكون بالدال المهملة بمعنى السكون (٤) ، ويكون الغلط من النساخ ، ويكون تفسير النقيب بيانا لحاصل المعنى.

١١ ـ وروى (٥) أيضا عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، عن هشام بن محمد ، عن أبيه قال :

قالت فاطمة عليها‌السلام لأبي بكر : إن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاني فدك.

فقال لها : يا بنت رسول الله ، والله ما خلق الله خلقا أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه أبيك ، ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك ، والله لأن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري ، أتراني أعطي الأسود والأحمر (٦) حقه وأظلمك حقك وأنت بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟! إن هذا المال لم يكن

__________________

(١) لا يوجد في المصدر : لازم.

قال في النهاية ٢ ـ ١٨١ : أو فقر مرب أو قال ملب .. أي لازم غير مفارق ، من أرب بالمكان وألب : إذا قام به ولزمه.

وقال في القاموس ١ ـ ٧٠ : رب : جمع وزاد ولزم وأقام ، كأرب.

(٢) في المصدر : ويضرب بها المثل فيقال.

(٣) تقدم ما استظهرناه قريبا ، فراجع.

(٤) كما في القاموس ٣ ـ ٩٢ ، والنهاية ٥ ـ ١٦٦ ، وغيرهما.

(٥) في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦ ـ ٢١٤ ، باختلاف يسير.

(٦) في المصدر : الأحمر والأبيض.

٣٢٨

للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما كان من (١) أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال وينفقه في سبيل الله ، فلما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليته كما كان يليه.

قالت : والله لا كلمتك أبدا.

قال : والله لا هجرتك أبدا.

قالت : والله لأدعون الله عليك.

قال : والله لأدعون الله لك.

فلما حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلي عليها ، فدفنت ليلا ، وصلى عليها العباس (٢) بن عبد المطلب ، وكان بين وفاتها ووفاة أبيها اثنتان وسبعون ليلة.

ومن رواياتهم الصحيحة الصريحة في أنها صلوات الله عليها استمرت على الغضب حتى ماتت :ما رواه مسلم (٣) وأبو داود (٤) في صحاحهما ، وأورده في جامع الأصول (٥) في الفصل الثالث من كتاب المواريث في حرف الفاء ، عن عائشة قالت :

إن فاطمة (ع) بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله (ص) أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله (ص) مما أفاء الله عليه.

فقال لها أبو بكر (٦) : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا نورث ، ما تركناه (٧) صدقة.

__________________

(١) في شرح النهج : إنما كان مالا من.

(٢) في المصدر : عباس ـ بدون ألف ولام ـ.

(٣) صحيح مسلم ٣ ـ ١٣٨١ ـ ١٣٨٢ حديث ٥٤.

(٤) صحيح أبي داود ٣ ـ ١٤٢ ـ ١٤٣ حديث ٢٩٧٠.

(٥) جامع الأصول ٩ ـ ٦٣٧ حديث ٧٤٣٨ ، وفي طبعة دار إحياء التراث العربي ١٠ ـ ٣٨٦ حديث ٧٤١٧ ، وقد تكرر ذكر مصادر هذه الروايات.

(٦) في ( ك‍ ) : أبو بكر الصديق.

(٧) في المصدر : ما تركنا.

٣٢٩

فغضبت فاطمة فهجرته ، فلم تزل بذلك حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستة أشهر إلا ليالي.

وكانت تسأله أن يقسم لها نصيبها مما ( أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ ) من خيبر وفدك (١) ، ومن صدقته بالمدينة.

فقال أبو بكر : لست بالذي أقسم من ذلك (٢) ، ولست تاركا شيئا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعمل به فيها إلا عملته ، فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ.

ثم فعل ذلك عمر ، فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي والعباس ، وأمسك خيبر وفدك ، وقال : هما صدقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانتا لحقوقه (٣) ونوائبه ، وأمرهما إلى من ولي الأمر.

قال : فهما على ذلك إلى اليوم.

وقال في جامع الأصول : أخرجه مسلم ، ولم يخرج منه (٤) البخاري (٥) إلا قوله : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا نورث ، ما تركناه صدقة. ولقلة ما أخرج منه لم تعلم (٦) له علامة ، وأخرج أبو داود نحو مسلم ، انتهى.

تبيين (٧) : اعلم أن المخالفين في صحاحهم رووا أخبارا كثيرة : في أن من خالف الإمام ، وخرج من طاعته ، وفارق الجماعة ، ولم يعرف إمام زمانه مات

__________________

(١) لا يوجد في المصدر : وفدك.

(٢) في المصدر : من ذلك شيئا.

(٣) في جامع الأصول : لحقوقه التي تعروه.

(٤) في المصدر : البخاري منه.

(٥) صحيح البخاري ٨ ـ ١٨٥ ، جامع الأصول ٩ ـ ٦٣٧ ، وصحيح مسلم ١ ـ ٦ ، وانظر جملة من مصادر الحديث في الغدير ٧ ـ ٢٢٨.

(٦) في المصدر : لم نعلم.

(٧) خ. ل : تنبيه ، في ( ك‍ ).

٣٣٠

ميتة جاهلية (١).

روى في جامع الأصول (٢) من صحيح مسلم (٣) والنسائي (٤) ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] : من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات (٥) ميتة جاهلية.

وروى البخاري (٦) ومسلم (٧) في صحيحهما [ صحيحيهما ] ، وروى في جامع الأصول (٨) أيضا عنهما ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] : من (٩) كره من أميره شيئا فليصبر ، فإنه من خرج من طاعة (١٠) السلطان شبرا مات ميتة جاهلية.

وفي رواية أخرى (١١) : فليصبر عليه ، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته (١٢) جاهلية.

__________________

(١) كما في كنز العمال ، المجلد السادس ، حديث ١٤٨٦٢ و ١٤٨٦٣ و ١٤٨٦٥ و ١٤٨٦٦ ، وانظر الغدير ١٠ ـ ١٢٦ عن جملة مصادر.

(٢) جامع الأصول ٤ ـ ٧٠ حديث ٢٠٥٣ ، وفي طبعة دار إحياء التراث العربي ٩ ـ ٤٥٦ حديث ٢٠٥٤.

(٣) صحيح مسلم ٣ ـ ١٤٧٦ ـ ١٤٧٧ حديث ٥٣ و ٥٤.

(٤) صحيح النسائي ٧ ـ ١٢٣.

(٥) لا يوجد في ( ك‍ ) لفظ : مات.

(٦) صحيح البخاري ٩ ـ ٥٩.

(٧) صحيح مسلم ٣ ـ ١٤٧٨ حديث ٥٦ ، ومثله بنفس السند ٣ ـ ١٤٧٧ حديث ٥٥.

(٨) جامع الأصول ٤ ـ ٦٩ حديث ٢٠٥٢ ، وفي طبعة دار إحياء التراث العربي ٤ ـ ٤٥٦ حديث ٢٠٥٣.

(٩) في جامع الأصول : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من.

(١٠) لا يوجد في المصدر : طاعة.

(١١) لا توجد في جامع الأصول كلمة : أخرى.

(١٢) خ. ل : ميتته ، كما في ( ك‍ ).

٣٣١

وروى مسلم في صحيحه (١) وذكره في جامع الأصول (٢) أيضا ، عن نافع قال : لما خلعوا يزيد واجتمعوا على ابن مطيع أتاه ابن عمر ، فقال عبد الله (٣) : اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة ، فقال له عبد الله بن عمر : إني لم آتك لأجلس ، أتيتك لأحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه (٤) [ وآله ] ، يقول : من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية (٥) ..

وأما من طرق أصحابنا فالأخبار فيه أكثر من أن تحصى ، وستأتي في مظانها (٦).

فنقول : لا أظنك ترتاب بعد ما أسلفناه من الروايات المنقولة من طريق المخالف والمؤالف في أن فاطمة صلوات الله عليها كانت ساخطة عليهم ، حاكمة بكفرهم وضلالهم ، غير مذعنة بإمامتهم ولا مطيعة لهم ، وأنها قد استمرت على تلك الحالة حتى سبقت إلى كرامة الله ورضوانه.

فمن قال بإمامة أبي بكر لا محيص له عن القول بأن سيدة نساء العالمين ومن طهرها الله في كتابه من كل رجس ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضلها ما قال ، قد ماتت ميتة جاهلية! وميتة كفر وضلال ونفاق!.

ولا أظن ملحدا وزنديقا رضي بهذا القول الشنيع.

ومن الغرائب أن المخالفين لما اضطروا وانسدت عليهم الطرق ، لجئوا إلى

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ ـ ١٤٧٨ حديث ٥٨.

(٢) جامع الأصول ٤ ـ ٧٨ حديث ٢٠٦٤.

(٣) في جامع الأصول : عبد الله بن مطيع.

(٤) في جامع الأصول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٥) جامع الأصول : ٤ ـ ٧٨ حديث ٢٠٦٤.

(٦) بحار الأنوار ٥١ ـ ١٦٠ ، ٥٢ ـ ١٤٢ ، وقد سلف في ٨ ـ ٣٦٢ و ١٠ ـ ٣٥٣ و ٣٦١ ، وقد فصلها شيخنا الأميني رحمه‌الله في الغدير ١٠ ـ ٣٥٨ ـ ٣٦٢ ، فراجع.

٣٣٢

منع دوام سخطها عليها‌السلام على أبي بكر ، مع روايتهم (١) تلك الأخبار في كتبهم المعتبرة.

وروايتهم (٢) : أن أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يبايع أبا بكر في حياة فاطمة عليها‌السلام ، ولا بايعه أحد من بني هاشم إلا بعد موتها ، وأنه كان لعلي عليه السلام وجه في الناس حياة فاطمة عليها‌السلام ، فلما توفيت انصرفت وجوه الناس عن علي عليه‌السلام ، فلما رأى ذلك ضرع إلى مصالحة أبي بكر ، روى ذلك مسلم في صحيحه (٣) ، وذكره (٤) في جامع الأصول (٥) في الباب الثاني من كتاب الخلافة في حرف الخاء.

ولا يخفى وهن هذا القول بعد ملاحظة ما تقدم على ذي مسكة.

__________________

(١) في (س) : رواياتهم.

(٢) في (س) : ورواياتهم.

(٣) صحيح مسلم ٣ ـ ١٣٨٠ ، حديث ٥٢.

(٤) في ( ك‍ ) : ذكره ـ بدون الواو ـ.

(٥) جامع الأصول ٤ ـ ١٠٣ ـ ١٠٥ ، حديث ٢٠٧٨.

٣٣٣
٣٣٤

فصل

في الكلام على ما يستفاد من أخبار الباب

والتنبيه على ما ينتفع به طالب الحق والصواب

وهو مشتمل على فوائد :

الأولى :

نقول : لا شك في عصمة فاطمة عليها‌السلام ، أما عندنا فللإجماع القطعي المتواتر ، والأخبار المتواترة الآتية في أبواب مناقبها عليها‌السلام (١) ، وأما الحجة على المخالفين فبآية التطهير الدالة على عصمتها ، وسيأتي إثبات نزول الآية في جماعة كانت داخلة فيهم ، ودلالة الآية على العصمة في المجلد التاسع (٢) ، وبالأخبار المتواترة الدالة على أن إيذاءها إيذاء الرسول صلوات الله عليهما (٣) ، وأن

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٣ ـ ١٩ ـ ٧٩.

(٢) بحار الأنوار : ٣٥ ـ ٢٠٦ ـ ٢٣٦.

(٣) سبق أن ذكرنا مصادر الحديث من كتب العامة ، وانظر أيضا الغدير ٩ ـ ٣٨٧ و ٧ ـ ٢٢٨ و ٢٣٦.

٣٣٥

الله تعالى يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ، وسيأتي في أبواب فضائلها صلوات الله عليها ، ولنذكر هنا بعض ما رواه المخالفون في ذلك ، فمنها :

١ ـ ما رواه البخاري في صحيحه (١) في باب مناقبها عليها‌السلام عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها (٢) أغضبني.

٢ ـ وروى أيضا (٣) في أبواب النكاح عن المسور بن مخرمة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ـ وهو على المنبر ـ : إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني (٤) في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم ، ثم لا آذن لهم (٥). إلا أن يريد علي بن أبي طالب (ع) (٦) أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنما هي بضعة مني ، يريبني ما رابها ويؤذيني من آذاها (٧).

٣ ـ وقد روى الخبرين مسلم في صحيحه (٨) ، وروى مسلم (٩) والبخاري (١٠)

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ ـ ٣٦ ، حديث ٢٥٥ ، ومثله بنفس السند فيه ٥ ـ ٢٦ أيضا. وفي طبعة عالم الكتب ٥ ـ ١٠٥ ، حديث ٢٥٥ ، وأيضا ٥ ـ ٩٢ ، حديث ٢٠٩.

(٢) وضع عليها في المطبوع : خ. ل. وجعل المتن في (س) : أبغضها.

(٣) البخاري في صحيحه ٧ ـ ٤٨ [ وفي طبعة عالم الكتب ٧ ـ ٦٥ ، حديث ١٥٩ ] وجاء أيضا في صحيح الترمذي ٥ ـ ٦٩٨ ، حديث ٣٨٦٧.

(٤) في المصدر : استأذنوا.

(٥) لا توجد : لهم ، في المصدر.

(٦) في المصدر : ابن أبي طالب.

(٧) في المصدر : ما آذاها ، وفي ذيل الخبر : هكذا قال.

أقول : هذا حديث موضوع ولا أساس له البتة ، أريد منه الحط من مقام مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وقد فصل القول فيه في أكثر من مورد وكتاب في ما نسب إليه صلوات الله عليه من الرغبة من الزواج من بنت أبي جهل ، فراجع.

(٨) صحيح مسلم ٤ ـ ١٩٠٢ ـ ١٩٠٣ ، حديث ٩٣. ولم نجد الحديث الأول في صحيح مسلم ـ لتحريف طبعاتهم الأخيرة! ـ ولقد أخذه شيخنا طاب ثراه من جامع الأصول ـ كما مر ـ.

(٩) صحيح مسلم ٤ ـ ١٩٠٣ كتاب فضائل الصحابة ، حديث ٩٤.

(١٠) صحيح البخاري ، كتاب فضائل الصحابة : ١٢ ، ١٦ ، ٢٩ ، وكتاب النكاح : ١٠٩ ، وجاء في

٣٣٦

أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] قال : إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها (١).

٤ ـ وروى الترمذي في صحيحه (٢) عن ابن الزبير ، قال : إن عليا (ع) ذكر بنت أبي جهل فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها.

وقد ذكر الروايات المذكورة ابن الأثير في جامع الأصول ، مع روايات أخرى تؤيدها (٣).

٥ ـ وروى في المشكاة (٤) عن المسور أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] قال : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني. قال : وفي رواية : يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها.ثم قال : متفق عليه.

وروى ابن شهرآشوب في المناقب (٥) ، والسيد في الطرائف (٦) ، وابن بطريق في العمدة والمستدرك (٧) ، وعلي بن عيسى في كشف الغمة (٨) وغيرهم أخبارا كثيرة في هذا المعنى من أصول المخالفين أوردتها في أبواب فضائلها.

ووجه الاستدلال بها على عصمتها صلوات الله عليها أنه إذا كانت فاطمة عليها‌السلام ممن تقارف الذنوب وترتكبها لجاز إيذاؤها ، بل إقامة الحد عليها لو

__________________

سنن أبي داود كتاب النكاح ، حديث ١٢ ، وابن ماجة كتاب النكاح ٥٦ وغيرهم.

(١) في طبعة ( ك‍ ) : من آذاها.

(٢) صحيح الترمذي ٥ ـ ٦٩٨ ـ ٦٩٩ كتاب المناقب ، حديث ٣٨٦٩ ، ومسند أحمد بن حنبل ٤ ـ ٣٢٥ و ٣٢٦.

(٣) جامع الأصول ٩ ـ ١٢٥ ـ ١٣٢ ، الأحاديث رقم ٦٦٧١ إلى ٦٦٧٧.

(٤) مشكاة المصابيح : ٥٦٨.

(٥) مناقب آل أبي طالب ٣ ـ ٣٢٥ و ٣٣٢ و ٣٣٤.

(٦) الطرائف في معرفة مذهب أهل الطوائف : ٧٥ ـ ٢٤٧ ، فيما جرى على فاطمة عليها‌السلام من الأذى والظلم ومنعها من فدك.

(٧) العمدة لابن بطريق في فصل مناقب سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام : ٣٨٣ ٣٩١ من حديث ٧٥٥ ـ ٧٧٧ ، وكتاب المستدرك لا زال مخطوطا حسب علمنا.

(٨) كشف الغمة في معرفة الأئمة ٢ ـ ٥ ـ ٣٢.

٣٣٧

فعلت معصية أو (١) ارتكبت ما يوجب حدا ، ولم يكن رضاها رضى لله (٢) سبحانه إذا رضيت بالمعصية ، ولا من سرها في معصية سارا لله سبحانه (٣) ومن أغضبها بمنعها عن ارتكابها مغضبا له جل شأنه.

فإن قيل : لعل المراد من آذاها ظلما فقد آذاني ، ومن سرها في طاعة الله فقد سرني .. وأمثال ذلك ، لشيوع التخصيص في العمومات.

قلنا : أولا : التخصيص خلاف الأصل ، ولا يصار إليه إلا بدليل ، فمن أراد التخصيص فعليه إقامة (٤) الدليل.

وثانيا : أن فاطمة صلوات الله عليها تكون حينئذ كسائر المسلمين لم تثبت لها خصوصية ومزية في تلك الأخبار ، ولا كان فيها لها تشريف ومدحة ، وذلك باطل بوجوه :

الأول : أنه لا معنى حينئذ لتفريع كون إيذائها إيذاء الرسول على كونها بضعة منه ، كما مر فيما صححه البخاري ومسلم من الروايات وغيرها.

الثاني : أن كثيرا من الأخبار السالفة المتضمنة لإنكاره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بني هاشم (٥) في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام أو إنكاح بنت أبي جهل ليس من المشتركات بين المسلمين ، فإن ذلك النكاح كان مما أباحه الله سبحانه ، بل مما رغب فيه وحث عليه لو لا كونه إيذاء لسيدة النساء ، وقد علل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدم الإذن كونها بضعة منه يؤذيه ما آذاها ويريبه ما يريبها ، فظهر بطلان القول بعموم الحكم لكافة المسلمين.

الثالث : أن القول بذلك يوجب إلقاء كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلوه عن

__________________

(١) في (س) : و.

(٢) في ( ك‍ ) : الله.

(٣) خط على : سبحانه ، في (س).

(٤) في ( ك‍ ) : بإقامة.

(٥) خ. ل : بني هشام.

٣٣٨

الفائدة ، إذ مدلوله حينئذ أن بضعته كسائر المسلمين ، ولا يقول ذلك من أوتي حظا من الفهم والفطانة ، أو اتصف بشيء من الإنصاف والأمانة ، وقد أطبق محدثوهم على إيراد تلك الروايات في باب مناقبها صلوات الله عليها.

فإن قيل : أقصى ما يدل عليه الأخبار هو أن إيذاءها إيذاء للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن جوز صدور الذنب عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يأبى عن إيذائه إذا فعل ما يستحق به الإيذاء.

قلنا : بعد ما مر من الدلائل على عصمة الأنبياء عليهم‌السلام (١) ، قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٢) ، وقال سبحانه : ( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ ) (٣) ، وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) (٤) ، فالقول بجواز إيذائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رد لصريح القرآن ، ولا يرضى به أحد من أهل الإيمان.

فإن قيل : إنما دلت الأخبار على عدم جواز إيذائها ، وهو إنما ينافي صدور ذنب عنها يمكن للناس الاطلاع عليه حتى يؤذيها نهيا عن المنكر ، ولا ينافي صدور معصية عنها خفية فلا يدل على عصمتها مطلقا.

قلنا : نتمسك في دفع هذا الاحتمال بالإجماع المركب على أن ما جرى في قصة فدك وصدر عنها من الإنكار على أبي بكر ، ومجاهرتها بالحكم بكفره وكفر طائفة من الصحابة وفسقهم تصريحا وتلويحا ، وتظلمها وغضبها على أبي بكر وهجرتها وترك كلامها حتى ماتت لو كانت معصية لكانت من المعاصي الظاهرة التي قد أعلنت بها على رءوس الأشهاد ، وأي ذنب أظهر وأفحش من مثل هذا الرد والإنكار على الخليفة المفترض الطاعة على العالمين بزعمهم ، فلا محيص لهم عن

__________________

(١) بحار الأنوار : ١٧ ـ ٣٤ ـ ٩٧.

(٢) التوبة : ٦١.

(٣) الأحزاب : ٥٣.

(٤) الأحزاب : ٥٧.

٣٣٩

القول ببطلان خلافة خليفتهم العظمى تحرزا عن إسناد هذه المعصية الكبرى إلى سيدة النساء.

ونحتج أيضا في عصمتها صلوات الله عليها بالأخبار الدالة على وجوب التمسك بأهل البيت عليهم‌السلام ، وعدم جواز التخلف عنهم ، وما يقرب من هذا المعنى ، ولا ريب في أن ذلك لا يكون ثابتا لأحد إلا إذا كان معصوما ، إذ لو كان ممن يصدر عنه الذنوب لما جاز اتباعه عند ارتكابها ، بل يجب ردعه ومنعه وإيذاؤه ، وإقامة الحد عليه ، وإنكاره بالقلب واللسان ، وكل ذلك ينافي ما حث عليه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأوصى به الأمة في شأنهم ، وسيأتي من الأخبار في ذلك ما يتجاوز حد التواتر ، ولنذكر فيها قليلا مما أورده المخالفون في صحاحهم :

٦ ـ روى في جامع الأصول (١) عن الترمذي مما رواه في صحيحه (٢) عن جابر ابن عبد الله الأنصاري (٣) قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع يوم عرفة ـ وهو على ناقته القصواء (٤) ـ يخطب فسمعته يقول : إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

٧ ـ وروى (٥) ـ أيضا ـ ، عن الترمذي (٦) ، عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا (٧) ، أحدهما أعظم من الآخر ، وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ،

__________________

(١) جامع الأصول : ١ ـ ٢٧٧ ، حديث ٦٥ ، وفي طبعة دار إحياء التراث العربي ١ ـ ١٨٧.

(٢) صحيح الترمذي ٥ ـ ٦٦٢ ، حديث ٣٧٨٦.

(٣) لا توجد : الأنصاري ، في المصدرين.

(٤) في المصدر : القضواء.

(٥) جامع الأصول : ١ ـ ٢٧٨ ، حديث ٦٦ ، وفي طبعة دار إحياء التراث العربي ١ ـ ١٨٧.

(٦) صحيح الترمذي ٥ ـ ٦٦٣ ، حديث ٣٧٨٨ ، وحكاهما العلامة الأميني في غديره عن غيرهما.

انظر : الغدير ١٠ ـ ٢٧٨ و ٧ ـ ١٧٦ وغيرهما.

(٧) في المصدرين : لن تضلوا بعدي.

٣٤٠