بحار الأنوار - المقدمة

بحار الأنوار - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

١
٢

٣
٤

« وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا .. » (١)

آل عمران : ٩٩

__________________

(١) قد وردت روايات مستفيضة في تفسير الآية الكريمة بأهل البيت عليهم‌السلام وأنهم : حبل الله ، انظر مثلا : إسعاف الراغبين : ١١٢ ، رشفة الصادي : ٢٥ و ٢٧٠ ، ينابيع المودة : ١١٨ ـ ١١٩ ، العمدة : ١٥٠ ، شواهد التنزيل : ١ / ١٣٠ ، أهل البيت (ع) ( توفيق أبو علم ) : ٦١ و ٦٢ ، عن ابن عباس وغيره ، وبمضامين متقاربة.

وذكر الشيخ النعماني في كتابه الغيبة ـ الباب الثاني ـ في ما جاء في تفسير الآية : ٣٩ ـ ٥١ جملة من روايات حرية بالملاحظة ، وباب ٣١ من بحار الأنوار : ٢٤ / ٨٢ ـ ٨٥ : انهم عليهم‌السلام حبل الله المتين والعروة الوثقى ، وانهم آخذون بحجزة الله ، وتفسير العياشي :١ / ١٩٤ ، ومجمع البيان : ٢ / ٤٨٢ ـ ٤٨٨ ، وكنز الفوائد : ٤٤ ، ٥٨ ، ٢٢٦ ، ومناقب آل أبي طالب : ٢ / ٢٧٣ ، و ٣ / ١٧٠ ـ ١٧١ و ٣٤٣ ، وأمالي الشيخ الطوسي : ١٧١ ، والعمدة : ٣٥ وغيرها.

٥
٦

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم

مذاهبهم في أبحر الغي والجهل

ركبت على اسم الله في سفن النجا

وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل

وأمسكت حبل الله وهو ولاءهم

كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل

أبو عبد الله الشافعي

رشفة الصادي : ٢٥

٧
٨

عن حبيش بن المعتمر ، قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقلت : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، كيف أمسيت؟. قال : أمسيت محبا لمحبنا ومبغضا لمبغضنا ، وأمسى محبنا مغتبطا برحمة من الله كان ينتظرها وأمسى عدونا يؤسس بنيانه على شفا جرف هار ، فكأن ذلك الشفا قد انهار به في نار جهنم ، وكأن أبواب الرحمة قد فتحت لأهلها ، فهنيئا لأهل الرحمة رحمتهم ، والتعس لأهل النار والنار لهم.

يا حبيش! من سره أن يعلم أمحب لنا أم مبغض فليمتحن قلبه ، فإن كان يحب وليا لنا فليس بمبغض لنا ، وإن كان يبغض وليا لنا فليس بمحب لنا. إن الله تعالى أخذ الميثاق لمحبينا بمودتنا وكتب في الذكر اسم مبغضنا ، نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء.

بحار الأنوار : ٢٧ / ٥٣ ـ ٥٤ ـ حديث (٦)

المجالس : ١٩٧

٩

عن أبي محمد العسكري ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبعض أصحابه ذات يوم : يا عبد الله! أحبب في الله وأبغض في الله ، ووال في الله ، وعاد في الله ، فإنه لا تنال ولاية الله إلا بذلك ، ولا يجد رجل طعم الايمان ـ وإن كثرت صلاته وصيامه ـ حتى يكون كذلك ، وقد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا ، عليها يتوادون ، وعليها يتباغضون ، وذلك لا يعني عنهم من الله شيئا.

فقال له : وكيف لي أن أعلم أني قد واليت وعاديت في الله عز وجل. ومن ولي الله عز وجل حتى أواليه؟ ومن عدوه حتى أعاديه؟. فأشار [ له ] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى علي عليه‌السلام فقال : أترى هذا؟. فقال : بلى. قال : ولي هذا ولي الله ؛ فواله. وعدو هذا عدو الله ؛ فعاده ، قال : وال ولي هذا ولو أنه قاتل ابيك وولدك ، وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك أو ولدك.

تفسير العسكري (ع) : ١٨

ومعاني الأخبار : ١١٣

وعيون أخبار الرضا (ع) : ١٦١

وعلل الشرائع : ٥٨

وبحار الأنوار : ٢٧ / ٥٤ ـ ٥٥ حديث ٨

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد وبه ثقتي

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ، فأخذ بنا الى المنهاج والدليل الواضح والسبيل الناجح ، ووفقنا للدين الحنيف وشريعة سيد المرسلين صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم وظالميهم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم ومناوئي شيعتهم من الأولين والآخرين .. الى قيام يوم الدين .. آمين يا رب العالمين.

أما بعد :

ما عساني أن أقول .. وما تراني أكتب .. وما تخط يميني .. عن بحر اللآلي ، ومنبع الأنوار ( الجامع لدرر أخبار الأئمة الأطهار ) صلوات الله الملك العلام عليهم ، ذاك الذي كان ـ ولا زال ـ مرجعا للأعلام ، ومصدرا للأنام ، ومرغما للملاحدة اللئام ، كما شاء له مؤلفه القمقام قدس الله روحه الطاهرة ، وحشره وإيانا مع الأئمة الكرام ، عليهم أفضل التحية والسلام.

نعم ؛ لا يسعني ـ وأنى لي ـ أن أكتب عن كتاب أو كاتب ـ مع قصور الباع وقلة البضاعة ـ عن من قل من حاذاه فضلا عمن علاه ، مع إجماع الكل

١١

على جلالته وفضله ، وإطباقهم على عظمته وعلمه ، وهو ـ بحق ـ آية من آيات الرحمن في فنون شتى ، وقمر في السماء بين النجوم والكواكب ، إذ هو العلامة الفهامة ، غواص بحار الأنوار ببياناته ، ومستخرج لآلي الأخبار بتتبعاته ، وجامع كنوز الآثار باستقصاءاته ، الذي قل له قرين في عصره ـ فضلا عن من كان قبله أو جاء بعده ـ إذ أفنى عمره في ترويج الدين وإحياء شريعة سيد المرسلين صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين ، ودفع أباطيل المبطلين ، وزيغ المنحرفين ، وجهل الجاهلين ، تصنيفا وتأليفا ، وأمرا ونهيا ، قامعا للمعتدين ، ومزيفا للمبدعين ، وداحضا للمعاندين ، وهاديا للضالين ، ومرشدا للغاوين ، ورادا للمخالفين من أهل الأهواء والبدع والزيغ والضلال.

ولنطوي عن ترجمته صفحا ، فما في « الفيض القدسي » لشيخنا النوري ، وما رصف في أول المجلد الأول من موسوعته ، وما كتبه عنه كل من ترجم له وألف عنه ـ معاصرا كان أو متأخرا عنه ـ يغنينا عن التطويل ، وإن كان معتقدنا أن ما ذكروه فيه وعنه نزر يسير ، وأقل من القليل.

* * * * *

وبعد كل هذا نعود الى كتابنا ؛ فقد كان ولا زال ـ بحق ـ مصدرا لكل من طلب بابا من أبواب علوم آل محمد صلوات الله عليه وعليهم ، ومنبعا لكل من بحث عن الحق والحقيقة ، إذ قد استعان به كل من جاء بعده ، فكان عيالا عليه ، وناهلا منه .. لا لكون أكثر منابع المصنف طاب ثراه تعد من الكتب المعتمدة والأصول المعتبرة ـ التي لم يتسن الى يومنا هذا الحصول على بعضها ـ فحسب .. بل لما فيه من بيانات شافية ، وتبويب رائع ، وإحاطة واسعة ، ومنهجية ممتازة ، وهو ـ من ثم ـ يشبع الموضوع ـ الى حد ما ـ تحقيقا وتدقيقا ، وبيانا وتوضيحا ، مع كل ما فيه من برمجة وتنسيق فريد في نوعه.

فكل من وعى واطلع يعرف أن ( البحار ) موسوعة حديثية نادرة ، ودرة

١٢

فاخرة للأمة الإسلامية فضلا عن الطائفة المحقة الشيعية ؛ لما حواه من فنون شتى ، وعلوم غزيرة ، وفوائد نفيسة ، ومطالب فريدة ، وغوالى لا يستغني عنها طالب ، وتروي كل شارب ..

ونعم ما قال شيخنا الطهراني في الذريعة : ٣ / ١٦ : .. هو الجامع الذي لم يكتب قبله ولا بعده جامع مثله ؛ لاشتماله ـ مع جمع الأخبار ـ على تحقيقات دقيقة ، وبيانات وشروح لها غالبا لا توجد في غيره ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ...

.. ولنرجع الى ما نبغيه من هذه الأسطر فنقول :

طبع البحار في خمسة وعشرين مجلدا ـ كما قرره مصنفه رحمه‌الله له ـ ونحن نذكر تفصيل المجلد الثامن ـ الذي نحن بصدده ـ كما جاء في أول المجلد الأول منه [ ٢٨ / ١ ـ ٢ ] قال :

.. وهو مشتمل على ما وقع من الجور والظلم والبغي والعدوان على أئمة الدين وأهل بيت سيد المرسلين بعد وفاته صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ، وتوضيح كفر المنافقين والمرتدين الغاصبين للخلافة من أهلها ، والنازعين لها من مقرها ، وأعوانهم من الملحدين ، وبيان كفر الناكثين والقاسطين والمارقين ، الذين اقتدوا بمن كان قبلهم من الظالمين ، وحاربوا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى أولاده الطاهرين ، وأنكروا حقه ـ مع وضوحه ، على العالمين ـ وما جرى في تلك الغزوات وما لحقها .. الى آخره.

ونترك سرد أبواب المجلد الثامن ونقتصر على ما جاء في ما نخرجه هنا ، وهي :

الباب الخامس : باب احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام على أبي بكر وغيره في أمر البيعة.

١٣

الباب السادس : منازعة أمير المؤمنين عليه‌السلام والعباس في الميراث.

باب (١) : نوادر الاحتجاج على أبي بكر ..

باب : احتجاج سلمان وأبي بن كعب وغيرهما على القوم.

باب : ما كتب أبو بكر الى جماعة يدعوهم الى البيعة ، وفيه بعض أحوال ابي قحافة.

باب : إقرار أبي بكر بفضل أمير المؤمنين عليه‌السلام وخلافته بعد الغصب.

باب : نزول الآيات في أمر فدك وقصصه ، وجوامع الاحتجاج فيه ، وفيه قصة خالد وعزمه على قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام بأمر المنافقين.

باب : العلة التي من أجلها ترك أمير المؤمنين عليه‌السلام فدك.

باب : علة قعوده عليه‌السلام عن قتال من تأخر عنه من الأولين وقيامه الى قتال من بغى عليه من الناكثين والقاسطين والمارقين ، وعلة إمهال الله من تقدم عليه ، وفيه علة قيام من قام من سائر الأئمة عليهم‌السلام وقعود من قعد منهم.

باب : العلة التي من أجلها ترك الناس عليا عليه‌السلام.

باب : شكاية أمير المؤمنين عليه‌السلام عمن تقدمه من الغاصبين.

باب : آخر ، فيما كتب عليه‌السلام الى أصحابه في ذلك تصريحا أو تلويحا.

باب : احتجاج الحسين عليه‌السلام على عمر وهو على المنبر.

باب : في ذكر ما كان من حيرة الناس بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغصب الخلافة وظهور جهل الغاصبين وكفرهم ورجوعهم الى أمير المؤمنين عليه‌السلام.

__________________

(١) هذه الأبواب رقمت في طبعتنا هذه.

١٤

باب : ما أظهر عمر وأبو بكر من الندامة على غصب الخلافة عند الموت.

باب : كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم وقبائح آثارهم وفضل التبري منهم ولعنهم.

باب : آخر ، فيه ذكر أهل التابوت في النار.

باب : تفصيل مطاعن أبي بكر ، والاحتجاج بها على المخالفين بإيراد الأخبار من كتبهم.

باب : تفصيل مثالب عمر ، والاحتجاج بها على المخالفين بإيراد الأخبار من كتبهم.

باب : نسب عمر وولادته ووفاته وبعض نوادر أحواله ، وما جرى بينه وبين أمير المؤمنين عليه‌السلام.

باب : نادر.

باب : تفصيل مثالب عثمان وبدعه والاحتجاج بها على المخالفين بما رووه في كتبهم وبعض أحواله.

باب : الشورى ، واحتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام على القوم في ذلك اليوم.

باب : احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام على جماعة من المهاجرين والأنصار .. الى آخره.

باب : ما جرى بين أمير المؤمنين عليه‌السلام وبين عثمان وولاته وأعوانه وبعض أحواله.

باب : كيفية قتل عثمان وما احتج عليه القوم في ذلك.

باب : تبري أمير المؤمنين عليه‌السلام من دم عثمان وعدم إنكاره أيضا .. الى آخره.

باب : ما ورد في لعن بني أمية وبني العباس وكفرهم.

باب : ما ورد في جميع الغاصبين والمرتدين مجملا.

١٥

وقد تعرض لهذه الأبواب شيخنا الطهراني في الذريعة : ٣ / ١٩ ـ ٢٠ أيضا.

وقال المصنف طاب ثراه في آخر كلامه السالف : .. مقتصرا في جميع ذلك على نقل الأخبار وتوضيحها ، والإيماء الى بعض الحجج من غير تعرض لبسط القول فيها وتنقيحها ، وإيراد الشبه وتزييفها وتقبيحها ، فإن ذلك مما يكبر به حجم الكتاب ، ويورث إعراض الناس عنه وتعريضهم بالإطناب والإسهاب ...

أقول : هذا هو الذي تعرضنا له من المجلد الثامن من هذه الموسوعة العظيمة في الفتن بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرة الخلفاء ، وما وقع في أيامهم من الفتوح وغيرها ، وكيفية حرب الجمل وصفين والنهروان ، وشرح أحوال معاوية في الشام وغاراته ومعاملته مع أهل العراق ، وذكر أحوال بعض خواص أمير المؤمنين عليه‌السلام وأصحابه ، وشرح جملة من الأشعار المنسوبة إليه ، وشرح بعض كتبه في اثنين وستين بابا ، وفي واحد وستين ألف بيت ـ كما هو المصطلح عندهم ـ توجد له أكثر من نسخة خطية ، منها ؛ ما جاء في مكتبة سبهسالار في طهران ـ كما جاء في فهرستها : ١ / ٢٣٩ برقم ٥٣١٩ ، نسخت سنة ١١٠٩ ه‍ في ٢٤٣ ورقة ، وعندنا منها مصورة ، وغيرها. ثم إنه طبع أولا في تبريز سنة ١٢٧٥ ه‍ ، ثم جدد طبعه بعد ذلك في طهران سنة ١٣٠٣ ـ ١٣١٥ ه‍ ، وأعيد طبع المجلد الثامن على الطبعة الأخيرة ـ بالأوفست ـ في قم حدود سنة ١٤٠٠ ه‍.

هذا وقد ترجم هذا المجلد الى الفارسية المولى محمد نصير بن المولى عبد الله بن المولى محمد تقي المجلسي ، والمولى عبد الله هو أخو العلامة شيخنا المصنف طاب ثراهما ، وله ترجمة أخرى باسم : مجاري الأنهار ( في ترجمة المجلد الثامن من البحار ) للمولى محمد مهدي بن محمد شفيع الأسترآبادي المازندراني المتوفى سنة ١٢٥٩ ه‍ فرغ منها سنة ١٢٤٧ ه‍ ، كما أن له ترجمة أخرى لمترجم

١٦

مجهول توجد نسختها في مكتبة السيد الكلبايكاني كما ورد في فهرس المكتبة : ٢ / ٣٠ برقم ٤٩٩.

وقد اختصر البحار ـ ومنه هذا المجلد ـ أكثر من مرة ، منها ما قام به الشيخ حسن الميانجي ـ وذكره شيخنا في الذريعة : ٤ / ٤٢٣ ـ ، وآخر للميرزا إبراهيم الخوئي ـ كما في أعيان الشيعة : ٧ / ٣٠ ـ ، وثالثة لميرزا محمد صادق الشيرازي ، وغيرها.

كما وقد استدرك عليه جمع من أعلامنا رضوان الله عليهم ؛ منهم الميرزا محمد بن رجب علي الطهراني العسكري ، كتب أولا : مصابيح الأنوار في فهرس أبواب البحار ، ثم اشتغل باستدراك كل باب باب ، ولا ننس سفينة البحار لشيخنا الشيخ عباس القمي ، ومستدركاتها للشيخ علي النمازي رحمهما الله .. وغير ذلك.

ولسنا بصدد سرد أو جمع لكل ما هناك من تراجم وتعليقات وحواش ومستدركات أو نسخ خطية جاءت لهذه الموسوعة العظيمة ولمجلدنا بالخصوص ، وما أوردناه غيض من فيض تعرض لبعضه كل من كتب عن البحار ، وجاء جملة منه في مجلة مشكاة : ٢٩ ، وغيرها.

وكان أن خصص لهذا المجلد ـ في طبعته الجديدة ـ الأجزاء ٢٨ ـ ٣٤ ، ولكن بعد طبع المجلد الثامن والعشرين منه ترك بقية الأجزاء وشرع بطبع المجلد الخامس والثلاثين ، مهملين بقية الأجزاء من هذا المجلد ، وقد طبع أخيرا الأجزاء الثاني والثلاثون والثالث والثلاثون والرابع والثلاثون بواسطة وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران بتحقيق الحاج الشيخ محمد باقر المحمودي ، ولنا عليه عدة ملاحظات ومؤاخذات ، مع ما قام فيه من تصرف أو حذف وتغيير و .. فما أجمل قول شيخنا الطهراني في ذريعته : ٢٥ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ـ عند حديثه في استدراكاته على طبع دورة البحار على الحروف في ١١٠ مجلد ـ ، قال : بعد إسقاط بعض أقسامه تحت ضغط التيار المتسنن الداعي الى

١٧

الاتحاد من جهة واحدة!! :

ففي الوقت الذي ألفت فيه مئات المصنفات والمقالات ـ جاوزت الثمانمائة في العصر الحاضر ـ ضد الشيعة ، وما من تهمة وفرية إلا وألصقوها بهم ، وما من أكذوبة إلا وقذفوهم بها ، وها هي تترى عليها اللكمات والصفعات من كل جانب ، ونسبت إليهم عشرات الاتهامات والافتراءات ، نجدها قد حكم عليها أن لا تقول كلمتها ولا تنبس ببنت شفة!.

نعم ؛ لقد تكالبت أيد مريضة طورا ، وبسيطة أخرى ، ومجرمة ثالثة .. مع ما كان للسلطة الحاكمة آنذاك من دور قذر ، وجور مستمر ، ومحاباة للظالمين و .. أن حرمت هذه المجلدات من أن ترى النور ، وتظهر الى الساحة .. إذ تجد دورة البحار ـ بأجزائها المائة وعشرة ويا للأسف ـ مبتزة عنها واسطة العقد ، مسلوب من صدفها درها وجوهرها.

* * * * *

ثم إنه من دواعي نشري لهذه الفصول ـ وهي كثيرة جدا ـ ما أعتقده وأدين ربي به من أنه سبحانه وتعالى لا يقبل من عباده صرف الإقرار بتوحيده إلا بعد نفي كل إله وصنم يعبد من دونه ، وبذا جاءت كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) بل قدم النفي على الإثبات ، كما أنه ـ عز اسمه ـ لم يقبل صرف الإقرار بنبوة نبينا الخاتم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا بعد نفي كل مدعي النبوة كمسيلمة وسجاح والأسود العنسي وأشباههم ، فكذا لا تقبل الإمامة الخاصة لسيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام إلا بعد النفي والجحد والبراءة من كل من نصب نفسه للأمة دونه.

وبعبارة أخرى ؛ إن التوحيد مركب من جزءين ؛ إيجابي وسلبي ، يجمعهما كلمة التوحيد ، فمن ادعى الربوبية أو عبد غيره سبحانه استوجب البراءة منه ، وكذلك النبوة لا تتم إلا بالقول بأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الرسول ، ومن

١٨

ادعاها غيره استوجب البراءة منه ، فكذا القول بالإمامة فإنها لا تتم إلا بالقول بأن أمير المؤمنين عليه‌السلام هو الإمام حقا والبراءة ممن ادعاها نظير من ادعى الألوهية والرسالة كاذبا ، وبذا يتم الإيمان.

وكما أن ربنا هو مرسل رسولنا ؛ فهو الذي عين له وصيا وخليفة ، ومن لم يقل بذلك فقد خالفنا في أصول ديننا فضلا عن أصول مذهبنا.

* * * * *

ويحلو لي أن أورد نتفا مما جاء في كتب السابقين مثل ما ذكره السيد المرتضى علم الهدى في كتابه « الفصول المختارة » : ١ / ٢١ عن قول بعض الشيعة لبعض الناصبة ـ في محاورته له في فضل آل محمد عليهم‌السلام ـ : .. أ رأيت لو بعث الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أين ترى كان يحط رحله وثقله؟ ، فقال له الناصب : كان يحطه في أهله وولده. فقال له الشيعي : فإني قد حططت هواي حيث يحط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحله وثقله ..

وجاء فيه أيضا [ ١ / ٧ ـ ٩ ] ـ وكم له من نظير ـ وإليك نص كلامه في أكثر من محاورة له طاب رمسه ، قال :

ومن كلام الشيخ أدام الله عزه في إبطال إمامة أبي بكر من جهة الإجماع : سأله المعروف ب : الكتبي ، فقال له : ما الدليل على فساد إمامة أبي بكر؟ ، فقال له : الأدلة على ذلك كثيرة ، وأنا أذكر لك منها دليلا يقرب الى فهمك ، وهو أن الأمة مجمعة على أن الامام لا يحتاج الى إمام ، وقد أجمعت الأمة على أن أبا بكر قال على المنبر : ( وليتكم ولست بخيركم فإن استقمت فاتبعوني وإن اعوججت فقوموني ) ، فاعترف بحاجته الى رعيته ، وفقره إليهم في تدبيره. ولا خلاف بين ذوي العقول أن من احتاج الى رعيته فهو الى الامام أحوج ، وإذا ثبت حاجة أبي بكر الى الإمام بطلت إمامته بالإجماع المنعقد على أن الإمام لا يحتاج الى

١٩

إمام ، فلم يدر الكتبي بم يعترض ، وكان بالحضرة رجل من المعتزلة يعرف ب : عرزالة ، فقال : ما أنكرت على من قال لك إن الأمة أيضا مجمعة على أن القاضي لا يحتاج الى قاض ، والأمير لا يحتاج الى أمير ، فيجب على هذا الأصل أن توجب عصمة الأمراء والقضاة أو يخرج عن الإجماع.

فقال له الشيخ أدام الله عزه : إن سكوت الأول أحسن من كلامك هذا ، وما كنت أظن أنه يذهب عليك الخطأ في هذا الفصل ، أو تحمل نفسك عليه مع العلم بوهنه ؛ وذلك أنه لا إجماع فيما ذكرت ، بل الإجماع في ضده ، لأن الأمة متفقة على أن القاضي ـ الذي هو دون الإمام ـ يحتاج الى قاض هو الإمام ، والأمير من قبل الإمام يحتاج الى أمير هو الإمام ، وذلك مسقط ما تعلقت به ، اللهم إلا أن تكون أشرت بالأمير والقاضي الى نفس الإمام فهو كما وصفت غير محتاج الى قاض يتقدمه أو أمير عليه ، وإنما استغنى عن ذلك لعصمته وكماله ، فأين موضع إلزامك عافاك الله؟! فلم يأت بشيء.

ومن كلام الشيخ أدام الله عزه ـ أيضا ـ : سأل رجل من المعتزلة يعرف ب : أبي عمرو الشطوي ، فقال له : أليس قد أجمعت الأمة على أن أبا بكر وعمر كان ظاهرهما الإسلام؟.

فقال له الشيخ : نعم ؛ قد أجمعوا على أنهما قد كانا على ظاهر الإسلام زمانا ، فأما أن يكونوا مجمعين على أنهما كانا في سائر أحوالهما على ظاهر الإسلام ، فليس في هذا إجماع ، للاتفاق على أنهما كانا على الشرك ، ولوجود طائفة كثيرة العدد تقول : إنهما كانا بعد إظهارهما الإسلام على ظاهر كفر بجحد النص. وإنه كان يظهر منهما النفاق في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال الشطوي [ الشوطي ] : قد بطل ما أردت أن أورده على هذا السؤال بما أوردت ، وكنت أظن أنك [ لا ] تطلق القول على ما سألتك.

فقال له الشيخ أدام الله عزه : قد سمعت ما عندي ؛ وقد علمت ما الذي أردت ، فلم أمكنك منه ، ولكني أنا أضطرك الى الوقوع فيما ظننت أنك

٢٠