دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٣

٣ ـ وأما كونه بكيفية غسل الجنابة ، فوجهه ما تقدم فى غسل الحيض. مضافا الى وجود بعض النصوص الخاصة فى المقام(١).

٤ ـ وأما اعتبار أن يكون الخلط بنحو لا يوجب سلب الاطلاق ، فيمكن استفادته من صحيحة ابن مسكان المتقدمة وغيرها.

٥ ـ وأما اعتبار المماثلة ، فتدل عليه صحيحة الحلبى عن ابى عبداللّه عليه‌السلام : « سأله عن المرأة تموت فى السفر وليس معها ذو محرم ولا نساء ، قال : تدفن كما هى بثيابها وعن الرجل يموت وليس معه إلا النساء ليس معهنّ رجال ، قال : يدفن كما هو بثيابه » (٢).

٦ ـ وأما استثناء الزوجين ، فيمكن استفادته فى الجملة من الصحيحة السابقة بعد ضم دلالة التقرير.

واذا نوقشت الاستفادة المذكورة ، فيمكن التمسك بنصوص اخرى صريحة فى المطلوب(٣).

وأما وجه استثناء الطفل ، فيكفى لإثباته أن الأخبارالدالة علياعتبارالمماثلة غير شاملة له لاختصاصها بالرجل والمرأة فتجرى البراءة عن الاعتبار بلحاظ غيرهما.

وأما استثناء المحارم ، فيمكن استفادته من صحيحة الحلبى السابقة بالبيان المتقدم. وبغضّ النظر عن ذلك يمكن التمسك ببعض النصوص الاخرى الصريحة فى ذلك(٤).

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من ابواب غسل الميت ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٢١ من ابواب غسل الميت ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٤ من ابواب غسل الميت ، حديث ٣.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٠ من ابواب غسل الميت ، حديث ٩.

٨١

يبقى التساؤل عن وجه تقييد الطفل بثلاث سنين بعد وضوح عدم صدق عنوان الرجل والمرأة ما دام لم يتحقق البلوغ.

ان التقييد المذكور هو المشهور. وقد يتمسك له برواية ابى نمير : « قلت لابي عبداللّه عليه‌السلام : حدثنى عن الصبى الى كم تغسله النساء؟ فقال عليه‌السلام : الى ثلاث سنين » (١).

وهى وان كانت واردة فى الصبى إلا أنها تدل بالاولوية على عدم جواز تغسيل الرجل الصبية بعد ثلاث سنين.

بيدَ أن الرواية ضعيفة السند ـ لجهالة ابى نمير ـ إلا بناء على كبرى الانجبار بفتوى المشهور.

ولا بأس بالتنزل الى الاحتياط بناء على إنكار الكبرى المذكورة تحفظا من مخالفة المشهور.

التحنيط

١ ـ وأما وجوب التحنيط بمسح المساجد ، فلصحيحة زرارة عنهما عليهما‌السلام : « اذا جففت الميت عمدت الى الكافور فمسحت به آثار السجود ... » (٢) وغيرها.

٢ ـ وأما كونه كفاية ، فلتحقق الغرض بقيام واحد به.

٣ ـ وأما كونه طاهرا ، فلأنه المرتكز فى اذهان المتشرعة اذ الشارع اعتبر الطهارة فى الكفن وبدن الميت بل امر بقرض الكفن وغسل البدن لو تنجس ، فيفهم من ذلك أن ذوق الشارع يقتضى عدم وجود النجس مع الميت مطلقا.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٣ من ابواب غسل الميت حديث ١

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١٦ من ابواب التكفين ، حديث ٦.

٨٢

٤ ـ وأما كونه مسحوقا ، فيقتضيه مرسل ابراهيم بن هاشم عن رجاله عن يونس عنهم عليهم‌السلام « ... ثم اعمد الى كافور مسحوق فضعْه على جبهته ... » (١).

ولا يضر الارسال بحجيته بعد ما كان بتوسط رجال ابراهيم الذين لايحتمل ضعف جميعهم.

تكفين الميت

١ ـ وأما وجوب التكفين بثلاث قطع ، فيدل عليه صحيح زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « إنما الكفن المفروض ثلاثة اثواب ... » (٢) وغيره.

٢ ـ وأما الكيفية المذكورة ، فلا دليل واضح عليها سوى السيرة المستمرة ، فإنه لو كانت هناك طريقة اخرى لذاعت بعد كون المسألة عامة البلوي.

وإن شئت قلت : هناك ارتكاز متوارث بين المتشرعة على لزوم الطريقة المذكورة ، وهو كاشف عن وصول مضمونه من الامام عليه‌السلام بعد عدم وجود مدرك اخر يحتمل الاستناد اليه فى ذلك.

الصلاة على الميت

١ ـ وأما وجوب الصلاة على الميت فمن ضروريات الاسلام. وتدل عليه موثقة طلحة بن زيد عن ابى عبداللّه عن ابيه عليهما‌السلام : « صلّ على من مات من اهل القبلة وحسابه على اللّه » (٣).

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١٤ من ابواب التكفين ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من ابواب التكفين ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٧ من ابواب صلاة الجنازة ، حديث ٢.

٨٣

وليس فى سند الرواية من يتأمل فيه سوى طلحة نفسه لعدم التصريح بوثاقته إلا أن الامر فيه سهل بعد تعبير الشيخ بأن كتابه معتمد(١).

٢ ـ وأما الاختصاص بالمسلم ، فللسيرة وعموم التعليل فى قوله تعالي : ولاتصل على احد منهم مات ابدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا باللّه ورسوله (٢).

٣ ـ وأما كونها بعد التغسيل والتكفين ، فلم ينقل فيه خلاف. ويمكن أن يستفاد من عطف الصلاة على التكفين والغُسل فى عدة نصوص بالواو (٣) بعد كونه عليه‌السلام فى مقام البيان.

فإن تَمّ هذا وإلا فمقتضى اصل البراءة عدم الاشتراط بعد ضعف الاجماع لاحتمال مدركيّته.

ويبقى الاحتياط للفقيه فى فتواه بالاشتراط امرا مناسبا حتى مع ضعف المدركين المذكورين ، تحفظاً

من مخالفة الشهرة بل الاتفاق.

٤ ـ وأما اشتراط الوجوب بست ، فيمكن استفادته من صحيحة زرارة : « مات ابن لأبى جعفر عليه‌السلام فأخبر بموته ، فامر به فغسل وكفن ومشى معه وصلّى عليه ... فقال : أما إنه لم يكن يصلى على مثل هذا ـ وكان ابن ثلاث سنين ـ كان على عليه‌السلام يأمر به فيدفن ولا يصلى عليه ولكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله. قلت : فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال : اذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين » (٤).

٥ ـ وأما وجوب خمس تكبيرات ، فللأخبار الكثيرة ، كصحيحة عبداللّه بن سنان

__________________

١ ـ فهرست الشيخ الطوسي : ٨٦ ، رقم ٣٦٢.

٢ ـ التوبة : ٨٤.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ١٤ من ابواب غسل الميت ، حديث ١ ؛ باب ٣٨ من صلاة الجنازة ، حديث ١ ، ٥.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ١٣ من ابواب صلاة الجنازة ، حديث ٣.

٨٤

عن ابى عبداللّه عليه‌السلام : « التكبير على الميت خمس تكبيرات » (١).

وأما تعين الكيفية المذكورة ، فلا دليل تام عليه. نعم تجب الصلاة على النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والدعاء للميت للرواية الصحيحة عن ابى جعفر عليه‌السلام : « ليس فى الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء مؤقت. تدعو بما بدا لك. وأحق الموتى أن يدعى له المؤمن وأن يبدأ بالصلاة على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٢).

اجل الكيفية المتداولة اليوم مشروعة لبعض الروايات بدون دلالة على تعيّنها. (٣)

٦ ـ وأما عدم اشتراط الطهارة بقسميها ، فيكفى لإثباته عدم الدليل بعد اختصاص ادلة الاشتراط ( يا ايّها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا ... ) (٤) بالصلاة الحقيقية ، وهى دعاء.

وفى صحيحة يونس بن يعقوب : « سألت ابا عبداللّه عليه‌السلام عن الجنازة اُصلى عليها على غير وضوء؟ فقال : نعم ، إنما هى تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل .... » (٥).

وهى تنفى اعتبار الطهارة الحدثية بصراحة والخبثية بالتعليل.

٧ ـ وأما عدم اعتبار إباحة اللباس والستر ، فلعدم الدليل عليه أيضا فتجرى البراءة عنه.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٥ من ابواب صلاة الجنازة ، حديث ٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٧ من ابواب صلاة الجنازة ، حديث ١.

٣ ـ فقد ورد فى بعضها : « كان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا صلّى على ميّت كبّر وتشهّد ، ثمّ كبَّر وصلّى على الأنبياء ودعا ، ثمّ كبّر ودعا للمؤمنين ـ وفى نسخة واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ـ ثمّ كبّر الرابعة ودعا للميّت ثمّ كبّر الخامسة وانصرف ... » (وسائل الشيعة : باب ٢ من ابواب صلاة الجنازة ، حديث ١).

٤ ـ المائده : ٦.

٥ ـ وسائل الشيعة : باب ٢١ من ابواب صلاة الجنازة ، حديث ٣.

٨٥

الدفن

١ـ وأما وجوب الدفن ، فممّا لا خلاف فيه ويقتضيه ارتكاز المتشرعة والنصوص الخاصة المتفرقة.

٢ـ وأما كونه بالمواراة فى الارض ، فيقتضيه ظاهر لفظ الدفن المذكور فى الروايات.

٣ـ وأما اعتبار الوصفين ، فلأن ظاهر الروايات أن الدفن احترام للميت ، وهو لا يتحقق إلا بما ذكر.

٤ ـ واما وضعه فى القبر بالكيفية المتقدمة ، فلم ينقل فى ذلك خلاف. وقد يستدل له بصحيحة يعقوب بن يقطين : « سالت ابا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الميت كيف يوضع على المغتسل ، موجّهاً وجهه نحو القبلة او يوضع على يمينه ووجهه نحو القبلة؟ قال : يوضع كيف تيسر ، فاذا طهر وضع كما يوضع فى قبره » (١) ، فان الذيل يدل على ثبوت كيفية خاصة لوضع الميت فى قبره ، وحيث لايحتمل ان تكون كيفية مغايرة لما انعقدت عليه سيرة المتشرعة خارجاً فيتعيّن ان تكون هى المقصودة.

مسّ الميت

١ ـ وأما أنَّ المس يوجب تنجس الماس ، فلصحيحة الحلبى عن أبي عبداللّه عليه‌السلام : « سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت ، فقال : يغسل ما أصاب الثوب » (٢) ، فإنها وإن دلت بإطلاقها على النجاسة حال الجفاف ايضا إلاّ أنها تقيد بحالة الرطوبة بالإرتكاز.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٥ من ابواب غسل الميت ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٤ من ابواب النجاسات ، حديث ٢.

٨٦

٢ ـ وأما وجوب الغُسل ، فلصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما‌السلام : « الرجل يغمّض الميت أعليه غسل؟ قال : اذا مسه بحرارته فلا ولكن اذا مسه بعد ما يبرد فليغتسل » (١). وهى كما تدل على أصل وجوب الغُسل بالمس تدل على التقييد بما بعد البرد ايضا.

٣ ـ وأما التقييد بمسّ ميت الانسان ، فلصحيح الحلبي : « سألت ابا عبداللّه عليه‌السلام عن الرجل يمس الميتة أينبغى أن يغتسل منها؟ فقال : لا ، إنما ذلك من الانسان » (٢).

على أنّ أصل البراءة بعد القصور فى المقتضى كافٍ.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من ابواب غسل المس ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٦ من ابواب غسل المس ، حديث ٢.

٨٧

التيمم

كيفية التيمم

يتحقق التيمم بضرب باطن اليدين على الأرض ثم مسحهما على الجبهة والجبينين من قصاص الشعر الى طرف الانف الأعلى والحاجبين ، ثم مسح باطن اليد اليسرى على تمام ظاهر اليمنى من الزند الى اطراف الاصابع ، ثم مسح ظاهر اليسرى بباطن اليمنى كذلك.

ويصح التيمم على مطلق وجه الارض.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما لزوم الضرب وعدم الاكتفاء بالوضع ، فهو المعروف ، بتقريب أن الوارد فى صحيحة زرارة « سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن التيمم فضرب بيده على الارض ... » (١) وفى صحيحته الاخري : « ... فوضع ابو جعفر عليه‌السلام كفّيه على الارض ... » (٢) وحيث ان المورد من باب المطلق والمقيد فيلزم تقييد الوضع بالضرب.

٢ ـ وأما أنه بالباطن بالرغم من أن ضرب اليد يصدق بضرب الظاهر ايضا ، فباعتبار كونه الفردالمتعارف ، فلوكانت الأخبار البيانية تقصد الاعم لنبّهت على ذلك.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١١ من ابواب التيمم ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١١ من ابواب التيمم ، حديث ٥.

٨٨

ولا يمكن التمسك بالاطلاق ، لعدم انعقاده بعد كونها فى صدد حكاية واقع خارجى قد تحقق.

٣ ـ وأما المسح بالكيفيّة المذكورة ، فمحل خلاف ، فالمشهور على وجوب مسح الجبهة من قصاص الشعر الى طرف الأنف. وعن بعض وجوب مسح الوجه الذى ظاهره الاستيعاب.

وسبب ذلك اختلاف الروايات ، فإن بعضها عبّر بمسح الوجه ، وبعضها بمسح الجبين ، ولم ترد رواية صحيحة تعبر بمسح الجبهة.

فمن الاول : صحيحة الكاهلي : « سألته عن التيمم ، قال : فضرب بيده على البساط فمسح بهما وجهه ، ثم مسح كفّيه احداهما على ظهر الاخري » (١).

ومن الثاني : صحيحة زرارة : « ... ثم مسح جبينيه باصابعه وكفّيه إحداهما بالاخري ... » (٢).

ويمكن الجمع بحمل المراد من مسح الوجه الوارد فى الصحيحة الاولى على ارادة مسح الجبينين ، فإن من مسح جبينيه يصدق انه مسح وجهه.

وتبقى الجبهة لا دليل على وجوب مسحها سوى التسالم الفقهى على ذلك.

٤ ـ وأما التحديد بكون المسح من قصاص الشعر الى طرف الانف والحاجبين ، فلتوقف صدق مسح الجبهة والجبينين على ذلك.

وأما الحاجبان فلا يجب مسحهما الا من باب المقدمة العلمية.

٥ ـ وأما مسح اليدين بالشكل المذكور ، فلصحيحتى زرارة والكاهلى المتقدمتين.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١١ من ابواب التيمم ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١١ من ابواب التيمم ، حديث ٨.

٨٩

٦ ـ وأما كفاية الضربة الواحدة ، ففيه خلاف. فقيل بذلك. وقيل باعتبار التعدد. وقيل بالواحدة فيما كان بدلاً عن الوضوء وبالتعدد فيما كان بدلاً عن الغسل.

والمناسب كفاية الواحدة مطلقا ، فإن الامام عليه‌السلام فى مقام الإرشاد الى كيفية التيمم فى الصحيحتين السابقتين ضرب مرة واحدة للوجه واليدين لا اكثر من دون تفصيل.

واذا قيل : أن الوارد فى صحيحة اسماعيل بن همام عن الرضا عليه‌السلام : « التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين » (١).

قلنا : لابدّ من حملها على الاستحباب بقرينة ما تقدم.

٧ ـ وأما صحة التيمم بمطلق وجه الارض ـ خلافا للمرتضى القائل بعدم صحته إلاّ على التراب(٢) ـ فلأن تفسير الصعيد فى قوله تعالى « فتيمّموا صعيدا طيبا » (٣) بخصوص ذلك وإن كان منسوبا الى بعض اللغويين إلا أن ما عليه الاكثر تفسيره بمطلق وجه الارض.

وهو الصحيح لقوله تعالي : ( فتصبح صعيدا زلقا ) (٤) ولقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة على صعيد واحد » (٥) اى ارض واحدة.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١١ من ابواب التيمم ، حديث ٣.

٢ ـ على ما نقله المحقق فى المعتبر : ١ / ٣٧٢.

٣ ـ المائدة : ٦.

٤ ـ الكهف : ٤٠.

٥ ـ معالم الزلفي : باب ٢٣.

٩٠

مسوغات التيمم

يجب التيمم عند عدم وجدان الماء بعد الفحص عنه بمقدار غَلْوَة سهم(١) فى الارض الحزنة وسهمين فى السهلة ، وعند الخوف من الوصول اليه او خوف المكلف على نفسه او غيره من استعماله ، وعند وجود الحرج فى تحصيله ، وعند ضيق الوقت ، وعند المزاحمة بواجب يتعيّن صرف الماء فيه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما وجوب التيمم عند عدم الماء ، فلقوله تعالي : ( ... فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدا طيبا ) (٢) والروايات(٣).

٢ ـ وأما وجوب الفحص ، فلصحيحة زرارة عن احدهما عليهما‌السلام : « اذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ... » (٤) وغيرها.

ولقاعدة الإشتغال ، فإن المكلف يعلم بوجوب الصلاة عليه مع الطهارة إما المائية او الترابية على نحو الترتب فيلزمه بحكم العقل السعى اولاً نحو تحصيل الماء ، اذ لو تيمم بلا فحص كان امتثاله احتماليا.

٣ ـ وأما كون الفحص بالمقدار المذكور ، فلموثقة السكونى عن جعفر بن محمد عن ابيه عن على عليهم‌السلام : « يطلب الماء فى السفر إن كانت الحزونة فغلوة ، وان كانت سهولة فغلوتين » (٥).

__________________

١ ـ الغَلْوَة : رمية سهم أبعد ما تقدر عليه ، (المنجد).

٢ ـ المائده : ٦.

٣ ـ وسائل الشيعه : باب ١ من ابواب التيمم.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من ابواب التيمم ، حديث ١.

٥ ـ وسائل الشيعه : باب ١ من ابواب التيمم ، حديث ٢.

٩١

والسكونى وإن لم يذكر فى حقّه توثيق صريح الا أنّه تكفى دعوى الشيخ فى مبحث حجية الخبر من كتاب العُدّة عمل الطائفة برواياته. (١)

ثمَّ إنّه قديفهم الفقيه من تحديد الفحص بمقدار غلوة او غلوتين الطريقية الى تحقيق مصداق وجدان الماء وعدمه عرفاً ، ففى ذلك الزمان كان يصدق عدم الوجدان بالفحص بالمقدار المذكور. ويترتب عليه أنّه فى مثل زماننا هذا الذى تطوّرت فيه وسائل البحث والمواصلات يلزم الفحص بمقدار أكثر من ذلك وبالشكل الميسور للشخص الى حدٍّ يصدق معه عدم وجدان الماء عرفاً.

٤ ـ وأما وجوب التيمم فى حالات الخوف ، فيمكن استفادته من الآية الكريمة ، فإن المراد من عدم الوجدان عدم التمكن بقرينة ذكر المرض ، وحيث إن حفظ النفس والعِرض واجب ، فيصدق عدم التمكن من الماء عند الخوف على النفس او العِرض.

٥ ـ وأما وجوبه حالة الحرج ، فلقاعدة « نفى الحرج » المستفادة من قوله تعالي : ( ما جعل عليكم فى الدين من حرج ) (٢).

٦ ـ وأمّا وجوبه عند ضيق الوقت ، فهو المشهور. ويمكن الاستدلال له بآية التيمم بناءً على عمومية عدم الوجدان لعدم التمكن من ناحية ضيق الوقت ، وصحيحة زرارة : « ... فاذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم وليصلّ » (٣).

٧ ـ وأما وجوب التيمم عند المزاحمة ، فلصدق عدم الوجدان بمعنى عدم التمكن عند الاشتغال بامتثال الأهمِّ.

__________________

١ ـ العدة فى الأصول : ١ / ١٤٩.

٢ ـ الحج : ٧٨.

٣ ـ وسائل الشيعه : باب ١ من ابواب التيمم ، حديث ١.

٩٢

وضوء الجبيرة وغسلها

اذا كان على بعض أعضاء الوضوء جبيرة ـ لجرح او قرح او كسر ـ فمع إمكان ايصال الماء تحتها بلا ضرر ولو بغمسها او نزعها يجب ذلك وإلا لزم المسح عليها.

واللاصق الحاجب كالقير تجب ازالته ، ومع عدم الإمكان يجب التيمم إن لم يكن فى موضعه وإلا فاللازم الجمع بين التيمم والوضوء.

والحكم فى غُسل المجبور حكمه فى الوضوء.

والمستند فى ذلك :

١ ـ اما وجوب نزع الجبيرة او غمسها مع الإمكان ، فلأنّه مقتضى ما دلَّ على وجوب الوضوء على المتمكّن منه.

٢ ـ وأما وجوب المسح عليها مع التعذر ـ بالرغم من اقتضاء القاعدة التيمم لعدم القدرة على الوضوء التام ـ فلصحيحة الحلبى عن ابى عبدالله عليه‌السلام : « سئل عن الرجل تكون به القرحة فى ذراعه او نحو ذلك فى مواضع الوضوء فيعصبها بالخرقة ويتوضأ ويمسح عليها اذا توضأ؟ فقال : إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة » (١) وغيرها.

والقرحة وإن كانت هى مورد الصحيحة إلا أنه لا ينبغى فهم الخصوصية لها خصوصا بعد كونها مأخوذة فى كلام السائل دون الامام عليه‌السلام.

٣ ـ وأما وجوب إزالة الحاجب ، فلتوقف صدق الغسل والمسح على ذلك.

٤ ـ وأما وجوب التيمم مع عدم إمكان الازالة ، فلأنَّه مقتضى القاعدة بعد وجوب التيمم على كل من لا يمكنه استعمال الماء.

__________________

١ ـ وسائل الشيعه : باب ٣٩ من ابواب الوضوء ، حديث ٢.

٩٣

٥ ـ وأما وجوب الجمع فى الفرض الأخير ، فللعلم الإجمالى بوجوب إما الوضوء او التيمم بعد ضمّ قاعدة عدم سقوط الصلاة بحال.

٦ ـ وأما وجوب المسح على الجبيرة فى الغسل ـ ايضا ـ فلصحيحة كليب الأسدي : « سألت ابا عبدالله عليه‌السلام : عن الرجل اذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال : إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصلِّ » (١) ، فإنها بإطلاقها تشمل الغُسل ايضا.

كما وأن موردها وإن كان هو الكسير ولكن لا ينبغى للفقيه أن يفهم منها الاختصاص بذلك.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٩ من ابواب الوضوء ، حديث ٨.

٩٤

النجاسات

النجاسات عشر : البول والغائط

وهما نجسان من كل حيوان محرّم الاكل ذى نفس سائلة إلاّ بول الطائر وذرقه.

ومع الشك فى القيدين يحكم بطهارتهما.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما الحصر فى العشر ، فللإستقراء.

٢ ـ وأما نجاستهما فى الجملة ، فممّا لم يقع فيه خلاف بين المسلمين.

وتدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما‌السلام : « سألته عن البول يصيب الثوب ، قال : اغسله مرتين » (١) ، ومفهوم موثقة عمار عن ابى عبدالله عليه‌السلام : « كل ما اكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه » (٢).

٣ ـ وأمّا اعتبار حرمة الاكل فى النجاسة ، فللموثقة نفسها.

وأمّا اعتبار النفس السائلة ، فلموثقة الساباطى عن ابى عبدالله عليه‌السلام : « سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت فى البئر والزيت والسمن

__________________

١ ـ وسائل الشيعه : باب ١ من ابواب النجاسات ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٩ من ابواب النجاسات ، حديث ١٢.

٩٥

وشبهه ، قال : كل ما ليس له دم فلا بأس » (١) ، فإنّ الموت قد يستلزم التفسّخ وخروج ما فى الجوف من بول وخرء وبالرغم من ذلك حكم بطهارة المائع بدون تقييد.

٤ ـ وأما استثناء الطائر ، فلصحيحة ابى بصير عن ابى عبدالله عليه‌السلام : « كل شيء يطير فلا بأس ببوله وخرءه ».

٥ ـ وأما الحكم بالطهارة عند الشك فى القيدين ، فلأصالة الطهارة.

المنى والميتة

وهما نجسان من ذى النفس.

والمراد بالميتة غير المذكّى شرعا.

والمأخوذ من سوق او يد المسلمين مع الشك فى التذكية محكوم بالحِلّ والطهارة حتى مع سبق يد الكافر فيما إذا احتمل فحص المسلم عن تذكيته.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما نجاسة المنى اذا كان من الانسان ، فللتسالم ، وقضاء ضرورة الدين ، ودلالة الأخبار الكثيرة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما‌السلام : « المنى يصيب الثوب ، قال : إن عرفت مكانه فاغسله ، وإن خفى عليك فاغسله كله » (٢).

وأما اذا كان من غير الانسان ، فلصحيحة محمد بن مسلم عنه عليه‌السلام : « ذكر المنى وشدّده وجعله أشد من البول » (٣) ، فان اللام فى المنى والبول للجنس ، وحيث إن

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٥ من ابواب النجاسات ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعه : باب ١٦ من ابواب النجاسات ، حديث ٦.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ١٦ من ابواب النجاسات ، حديث ٢.

٩٦

البول من المحرّم ذى النفس نجس فالمنى كذلك.

ولا يصح التمسك بالصحيحة الاولى لمكان التعبير بالإصابة المنصرف الى منى الانسان.

وأما نجاسة منى ذى النفس اذا كان محللاً ، فللإجماع ، والا فمقتضى عموم موثقة ابن بكير « ... فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة فى وبره وبوله وشعره وروثه والبانه وكل شيء منه جايز ... » (١) طهارته للعموم.

وأما طهارة منى ما لا نفس له ، فلأصالة الطهارة بعد قصور ادلة النجاسة عن شموله ، بل وللدليل على طهارته ، وهو صحيحة حفص بن غياث عن جعفربن محمد عن ابيه عليهما‌السلام : « لا يُفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة » (٢) ، فإن إطلاقه يشمل المني.

٢ ـ وأما نجاسة الميتة بالقيد المذكور ، فمتسالم عليها. وقد دلت عليها روايات يمكن دعوى تواترها الإجمالي ، كصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « اذا وقعت الفأرة فى السمن فماتت فيه ، فان كان جامدا فألقها ومايليها ، وإن كان ذائبا فلاتأكله واستصبح به » (٣).

٣ ـ وأما طهارة ميتة ما لا نفس له ، فلأصالة الطهارة بعد عدم العموم فى ادلة النجاسة بل وللدليل على الطهارة ، وهو موثقة الساباطى المتقدمة فى البول والغائط.

٤ ـ وأما تفسير الميتة بما ذكر وعدم اختصاصها بما مات حتف أنفه ، فلموثقة سماعة : « اذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأما الميتة فلا » (٤) ، فإنها بالمقابلة تدل

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من ابواب لباس المصلي ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٥ من ابواب النجاسات ، حديث ٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٦ من ابواب ما يكتسب به ، حديث ٢.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ٤٩ من ابواب النجاسات ، حديث ٢.

٩٧

على ذلك.

٥ ـ وأما الحكم بالحل والطهارة على المأخوذ من سوق المسلمين ، فلكونه أمارة على التذكية بمقتضى صحيحة فضيل وزرارة ومحمد بن مسلم حيث سألوا ابا جعفر عليه‌السلام عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يدرى ما صنع القصابون ، فقال : « كُل اذا كان ذلك فى سوق المسلمين ولا تسأل عنه » (١).

هذا مضافا الى السيرة القطعية على عدم الفحص عند الشراء من سوق المسلمين.

وأما الحكم بذلك على المأخوذ من يد المسلم ايضا ، فلأنَّ سوق المسلمين بعنوانه وبما هو محلات متعددة لا مدخلية له فى الحكم بالحل بل هو حجة من باب كاشفيته عن يد المسلم ، فالمدار ـ على هذا ـ على يد المسلم دون السوق.

٦ ـ واما تعميم حجيّة سوق المسلمين لحالة سبق يد الكافر ، فلأطلاق الصحيحة المتقدمة.

وأمّا التقييد باحتمال فحص المسلم ، فباعتبار أنّ حجية سوق المسلين هى من باب أماريّته على التذكية ، ولا أمارية مع الجزم بعدم فحص المسلم.

الدم

وهو نجس من ذى النفس. ومع الشك فى القيد يحكم بطهارته.

والخارج بالحك مع الشك فى دميّته طاهر. وهكذا المشكوك من جهة الظلمة. ولا يجب الاستعلام وإن امكن بسهولة.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٩ من ابواب الذبائح ، حديث ١.

٩٨

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما نجاسة الدم فى الجملة ، فمتسالم عليها بل من ضروريات الفقه. وقد دلت على ذلك روايات كثيرة فى موارد خاصة ، كدم الرعاف وقلع السن والجروح.

ومن هنا يشكل الحصول على عموم يقتضى نجاسة طبيعى الدم. الّلهم إلا ان يتمسك بالإرتكاز القاضى بالموجبة الكلية او باطلاق موثقة عمار عن ابي عبدالله عليه‌السلام « سئل عما تشرب منه الحمامة ، فقال : كل ما اكل لحمه فتوضأ من سؤره واشرب إلا أن ترى فى منقاره دما ، فإن رأيت فى منقاره دما فلاتوضّأ منه ولاتشرب » (١) فإنه بمقتضى اطلاق كلمة الدم يدل على نجاسة مطلق الدم.

ويترتب على وجود العموم المذكور الحكم بنجاسة دم البيضة بخلافه بناء على عدمه ، فانه يحكم عليه بالطهارة لأصالة الطهارة ، غايته لايجوز اكله لإطلاق دليل حرمة تناوله كقوله تعالي : ( إنما حرّم عليكم الميتة والدم ... ) (٢).

٢ ـ وأما طهارته من غير ذى النفس ، فلأصالة الطهارة بعد عدم تمامية العموم وإلا أمكن التمسك بصحيحة حفص بن غياث بالتقريب المتقدم عند البحث عن طهارة منى غير ذى النفس.

٣ ـ وأما الحكم بالطهارة مع الشك فى القيد ، فلأصالة الطهارة.

٤ ـ وأما الحكم بالطهارة على الخارج بالحك مع الشك ، وهكذا المشكوك لظلمة ، فلأصالة الطهارة أيضا.

٥ ـ وأما عدم وجوب الاستعلام ، فلكون الشبهة موضوعية التى اتفق فيها علي

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٤ من ابواب الاسئار ، حديث ٤.

٢ ـ البقرة : ١٧٣.

٩٩

عدم لزوم الفحص.

وتدلّ عليه صحيحة زرارة : « ... فهل عليَّ إن شككت فى أنه اصابه شيء أن انظر فيه؟ فقال : لا ، ولكنك انما تريد ان تذهب الشك الذى وقع فى نفسك ... » (١) ولاخصوصية للمورد.

الخمر والنبيذ المسكر والفقاع

والثلاثة المذكورة محكومة بالنجاسة. وقيل بنجاسة كل مسكر مائع.

والعصير العنبى يحرم بالغليان قبل ذهاب ثلثيه ولكنه لاينجس.

وأما العصير الزبيبى والتمري ، فلا يحرم بذلك فضلاً عن تنجّسه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما الخمر فقد اُختلف فى طهارته ونجاسته تبعا لإختلاف الروايات.

فمن الدال على الطهارة صحيحة الحناط : « سألت أبا عبدالّله عليه‌السلام عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجّه من فيه فيصيب ثوبي ، فقال : لابأس » (٢).

ومن الدال على النجاسة : موثقة عمار عن ابى عبدالله عليه‌السلام : « سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خَلّ او ماء كامَخ او زيتون؟ قال : اذا غسل فلابأس ... » (٣).

وقد يقال : بتقديم أخبار النجاسة لصحيحة على بن مهزيار : « قرأت فى كتاب

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٧ من ابواب النجاسات ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٩ من ابواب النجاسات ، حديث ٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٥١ من ابواب النجاسات ، حديث ١.

١٠٠