دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٣

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا عدم جواز لبس السلاح ، فلصحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « إنَّ المحرم إذا خاف العدو يلبس السلاح ، فلا كفارة عليه » (١) وغيرها ، فإنَّ مفهومها يدل على عدم جواز ذلك مع عدم الخوف.

٢ ـ وأمّا الحمل ، فيمكن الحكم بحرمته فيما إذا عُدَّ المحرم مسلَّحاً لعدم احتمال خصوصية للّبس.

أجل ، لايكفى أن يكون السلاح إلى جانب المحرم أو فى متاعه بنحو لايُعدُّ مسلَّحاً لأصالة البراءة بعد عدم شمول الصحيحة لذلك.

٣ ـ وأمّا التعميم لآلات الوقاية ، فلا وجه له بعد عدم شمول عنوان السلاح لها.

على أنَّ للسلاح خصوصية محتملة ـ وهى التعدّى على حرمة الحرم الذى جُعل آمناً ـ غير ثابتة فيها ، ومعه فلايمكن التمسك بتنقيح المناط أيضاً.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٥٤ من أبواب تروك الإحرام ، حديث ١.

وفى تهذيب الاحكام : ٥ / ٣٨٧ : « فلبس السلاح ... ».

٣٠١
٣٠٢

كتاب الجهاد

وجوب الجهاد

أحكام مرتبطة بالجهاد

أحكام مرتبطة بالأراضى

٣٠٣
٣٠٤

وجوب الجهاد

جهاد الكفّار واجب مع وجود الإمام عليه‌السلام حتى يسلموا أو يُعطُوا الجزية إن كانوا من أهل الكتاب أو حتى يسلموا إن كانوا من غيرهم. وقيل بلزوم ذلك عصر الغيبة أيضاً.

والوجوب المذكور كفائيّ. وشرطه التكليف والذكورة والقدرة. هذا فى الجهاد.

وأمّا الدفاع إذا دهم المسلمين عدوّ يخشى منه على بيضة الإسلام ، فواجب بشرط القدرة لاغير إتفاقاً.

وهكذا إذا كان المسلم فى أرض المشركين وغشاهم عدوّ خاف منه على نفسه.

وإذا اقتتلت طائفتان من المسلمين وجب الإصلاح بينَهما فإن لم يُجْدِ وجب قتال الباغية حتى تفيء الى أمراللّه سبحانه.

ويحرم الجهاد فى الأشهر الحُرُم أو فى الحَرَم إلاّ أن يبدأ الخصم بذلك.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا وجوب الجهاد فى الجملة ، فهو من ضروريات الدين.

ويدلّ عليه أيضاً قوله تعالي : « وقاتلوهم حتّى لاتكون فتنة ويكون الدين كلُّه للّه » (١) ، « فليقاتِل في

__________________

١ ـ الأنفال : ٣٩.

٣٠٥

سبيل اللّه الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة » (١) وغيره من الآيات الكثيرة. والروايات فى ذلك فوق حدِّ الإحصاء(٢).

٢ ـ وأمّا أنَّ الوجوب ثابت مع وجود الإمام عليه‌السلام ، فلأ نّه القدر المتيقّن من أدلّة وجوب الجهاد.

٣ ـ وأمّا التخيير بين الأمرين فى أهل الكتاب ، فلقوله تعالي : ( قاتِلوا الذين لايؤمنون باللّه ولاباليوم الآخِر ولايحرِّمون ما حرَّم اللّه ورسوله ولايَدينون دين الحق من الذين اُوتوا الكتاب حتى يُعطُوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ) (٣).

٤ ـ وأمّا تعيّن القتال حتى يتحقق الإسلام فى غير أهل الكتاب ، فلأنَّ الآية الكريمة المتقدّمة الدالّة على أخذ الجزية مختصّة بأهل الكتاب ويبقى إطلاق الآيات المتقدّمة على وجوب القتال حتى تحقق الإسلام على حاله بالنسبة الى غيرهم. هذا مضافاً الى دلالة جملة من الروايات على ذلك(٤).

٥ ـ وأمّا وجه القول بشمول الوجوب لعصر الغيبة أيضاً ، فيكفى فيه إطلاق الآيات الكريمة المتقدّمة. ولادليل على التقييد سوى أحد اُمور ثلاثة :

أ ـ صحيحة أبى بصير عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « كلّ راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون اللّه عزّوجلّ » (٥) وغيرها ممّا دلّ على حُرمة الخروج

__________________

١ ـ النساء : ٧٤.

٢ ـ راجع : الباب ١ ، وما بعده من أبواب جهاد العدوّ فى وسائل الشيعة.

٣ ـ التوبة : ٢٩.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ٥ من أبواب جهاد العدوّ.

٥ ـ وسائل الشيعة : باب ١٣ من أبواب جهاد العدوّ ، حديث ٦.

٣٠٦

بالسيف قبل قيام القائم عجل اللّه تعالى فرجه الشريف.

والجواب عنها واضح ، لعدم نظرها الى قتال الكفار للدعوة الى الإسلام بل إمّا الي الثورات الداخلية التى كان يقوم بها بعض العلويين ضد السلطة العباسية بدوافع خاصّة وغير إسلامية ، أو الى بعض الحركات التى كانت تقوم تحت شعار المهدويّة.

ب ـ رواية أو صحيحة بشير عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « قلت له : إنى رأيت فى المنام أنى قلت لك : إنَّ القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير فقلتَ لي : نعم هو كذلك. فقال أبوعبداللّه : هو كذلك هو كذلك » (١) ونحوها غيرها. إلاّ أنَّها لو تمَّت سنداً قاصرةٌ دلالةً ، لكونها ناظرة الى الخروج مع الظالم والقتال معه.

ج ـ التمسك بالإجماع المدّعى على الشرطيّة.

وهو ـ لو كان ثابتاً حقاً ـ محتمل المدرك ، وبالإمكان إستناده الى الروايات التي تقدّم ضعف دلالتها. وقد صرّح صاحب الجواهر بما ذكر وأنّه لولا الإجماع فبالإمكان المناقشة فى الشرطية لعموم أدلة الجهاد ، ويظهر منه الميل الى نفي الشرطية بل اختيار ذلك. (٢)

ومن خلال ما ذكرناه ، يتّضح أنَّ القول المذكور هو المناسب لما يقتضيه إطلاق الأدلة.

٦ ـ وأمّا أنّ الوجوب كفائي ، فلإنَّ الغرض ما دام يتأتّى بقيام جماعةٍ به فلاوجه للعينية. أجل ، عند عدم قيام من به الكفاية يصير عينياً.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١٢ من أبواب جهاد العدوّ ، حديث ١.

٢ ـ جواهر الكلام : ٢١ / ١٤.

٣٠٧

٧ ـ وأمّا اشتراطه بالتكليف والقدرة ، فلكونهما من الشرائط العامّة على ما تقدّم.

وأمّا اشتراطه بالذكورة ، فلانعقاد السيرة القطعيّة زمن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله علي عفو النساء عن ذلك. على أنَّ بالإمكان إستفادة ذلك من بعض الروايات الخاصّة(١).

٨ ـ وأمّا وجوب الدفاع فى الحالة المتقدّمة ، فلضرورة وجوب الحفاظ على بيضة الإسلام على الجميع مع القدرة.

٩ ـ وأمّا لزوم ذلك على المسلم فى أرض المشركين ، فلوجوب الحفاظ علي النفس من الهلاك لقوله تعالي : « ولاتُلقوا بأيديكم الى التهلكة ». (٢)مضافاً الى دلالة صحيحة طلحة بن زيد عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « سألته عن رجل دخل أرض الحرب بأمان فغزا القومَ الذين دخل عليهم قومٌ آخَرون ، قال : على المسلم أن يمنع نفسه ويقاتل عن حكم اللّه وحكم رسوله ، وأمّا أن يقاتل الكفار على حكم الجور وسنّتهم فلايحلّ له ذلك » (٣).

وطلحة وإن لم يوثق إلاّ أنه يكفى للاعتماد على رواياته تعبير الشيخ عن كتابه بكونه معتمداً. (٤)

١٠ ـ وأمّا حكم الطائفتين المقتتلتين من المسلمين ، فيدل عليه قوله تعالي : « وإن طائفتان من المؤمنين أقتتلوا فأصلِحوا بينهما فإن بغت إحداهُما على الاُخرى فقاتِلوا التى تَبغى حتى تفي ء الى أمراللّه » (٥).

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٤ من أبواب جهاد العدوّ ، حديث ١.

٢ ـ البقرة : ١٩٠.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٦ من أبواب جهاد العدوّ ، حديث ٣.

٤ ـ فهرست الشيخ الطوسي : ص ٨٦ ، رقم ٣٦٢.

٥ ـ الحجرات : ٩.

٣٠٨

١١ ـ وأمّا حرمة القتال فى الأشهر الحُرُم ، فلقوله تعالي : « يسألونك عن الشهر الحرام قِتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبير » (١) ، « فإذا أنسلخ الأشهر الحُرُم فاقتلوا المشركين)(٢).

١٢ ـ وأمّا جوازه مع بدء الخصم ، فلأ نَّه آنذاك دفاع تقتضيه الضرورة ولقوله تعالي : « الشهر الحرام بالشهر الحرام والحُرُمات قصاص فمن أعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم » (٣).

١٣ ـ وأمّا حرمته عند الحَرَم إلاّ مع البدأة ، فلقوله تعالي : « ولاتُقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يُقاتِلوكم فيه فإن قاتَلوكم فاقتلوهم » (٤) بعد ضمّ عدم القول فى حرمة القتال بين كونه فى المكان القريب من المسجد الحرام والبعيد عنه مادام ذلك فى الحرم ، هذا مضافاً الى نكتة الدفاع المتقدمة.

__________________

١ ـ البقرة : ٢١٤.

٢ ـ التوبة : ٥.

٣ ـ البقرة : ١٩٠.

٤ ـ البقرة : ١٩١.

٣٠٩

أحكام الجهاد

الجهاد كما يجب بالنفس كفاية ، فكذلك بالمال فيجبان كفاية معاً على القادر.

ومع التّمكن من أحدهما فقط كان هو الواجب.

والفرار من الزَّحف محرَّم إلاّ لتحرّف فى القتال او تحيُّز الى فئة. (١)

والهجرة عن بلد الكفر واجبة لمن يضعف عن اقامة واجبات الاسلام إلا لمن لايتمكن على ذلك وهو المستضعف من الرّجال والنّساء والولدان.

وتُستحب المرابطة لحفظ الثغور إلا اذا كانت البلاد الاسلامية فى معرض الخطر فتجب.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا وجوب الجهاد بالمال ايضاً ، فلقوله تعالي : ( إنفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل اللّه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) (٢) وغيره من الآيات الكريمة. على أنَّ الدعوة الى الإسلام لمّا كانت واجبة بالضرورة ، كان ما

__________________

١ ـ التحرّف هو من الحرف بمعنى الطرف والجانب ، والمراد : الابتعاد من وسط المعركة الى جانبها ، ليمكن الكرُّ على العدو بشكل أقوي.

والتحيّز من الحيّز بمعنى المكان ، والمراد : الذهاب الى مكان آخر فيه جماعة من المسلمين تمكن الاستعانة بهم.

٢ ـ التوبة : ٤١.

٣١٠

تتوقف عليه واجباً بالضرورة ايضاً.

وأمّا كون ذلك بنحو الكفاية ايضاً ، فلتأتّى الغرض بذلك.

وأمّا وجوب أحدهما عند القدرة عليه دون الآخر ، فلكونه مقتضى إستقلاليّة وجوب كل واحد منهما.

٢ ـ وأمّا حرمة الفِرار إلا فى الحالتين ، فلقوله تعالي : ( يا أيّها الذين آمنوا إذا لَقيتُم الذين كفروا زَحْفاً فلا تُولّوهُم الأدبارَ * ومن يُولِّهم يومئذٍ دُبُرَهُ إلا متحرِّفاً لقتال او متحيّزاً الى فئة فقد باءَ بغضَبٍ من اللّه ومأواه جهنم وبئس المصير ) (١).

٣ ـ وأمّا وجوب الهجرة من بلد الكفر فى الحالة المتقدّمة ، فلقوله تعالي : ( إنَّ الذين توفّاهُم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألَم تكن أرضُ اللّه واسعة فَتُهاجروا فيها فاُولئك مأواهم جهنم وساءَت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ... ) (٢). والروايات فى ذلك كثيرة. (٣)

٤ ـ وأمّا استحباب المرابطة ، فهو من الاُمور المسلّمة. ويدلّ عليه ما رواه محمد بن مسلم وزرارة عن أبى جعفر وأبى عبداللّه عليه‌السلام : « الرباط ثلاثة أيام وأكثره وأربعون يوماً ، فاذا كان ذلك فهو جهاد » (٤) وغيره.

وأمّا وجوبه فى حالة المعرضية للخطر ، فلوجوب الحِفاظ على الإسلام وأرضه.

__________________

١ ـ الأنفال : ١٥.

٢ ـ النساء : ٩٧.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٦ من أبواب جهاد العدوّ.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ٦ من أبواب جهاد العدوّ ، حديث ١.

٣١١

أحكام بالأراضى

الأرض المفتوحة عنوة اذا كانت محياة حالة الفتح ، ملك لجميع المسلمين. وأمرها بيد وليّ الأمر ، فله تقبيلها مقابل الخراج بما يراه صلاحاً. ولايجوز بيع رقبتها ولاوقفها ولاهبتها.

ويَصرِف وليُّ الأمر الخراج فى المصالح العّامة للمسلمين. وذلك معنى ملكية جميع المسلمين لها.

واذا كانت ميّتة ، فهى لمن أحياها ، وهكذا كلّ أرض ميّتة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا ملكية الارض المفتوحة عنوة لجميع المسلمين ، فتدلّ عليها صحيحة محمد الحلبى الواردة فى أرض السواد : (١) « سئل أبو عبداللّه عليه‌السلام عن السواد ما منزلته؟ فقال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل فى الاسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد.

فقلت : الشراء من الدهاقين (٢) ، قال : لايصلح إلا أن تشترى منهم على أن يصيِّرها للمسلمين ، فإذا شاءَ وَليُّ الأمر أن يأخُذَها أخَذَها ... » (٣) وغيرها.

__________________

١ ـ وهى أرض العراق المفتوحة عنوة زمن الخليفة الثاني.

٢ ـ الدهقان بكسر الدال وضمّها ، يطلق على رئيس القرية ، والتاجر ، وم له مال وعقار ، وهو اسم اعجمي مركب من (دِه) و (قان).

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٢١ من أبواب عقد البيع ، حديث ٤.

٣١٢

٢ ـ وأمّا أنَّ أمرها بيد وليّ الأمر ، فلأنَّ ذلك مقتضى ملكيّتها لجميع المسلمين ، على أنّ الصحيحة السابقة واضحة فى ذلك. ومن ذلك يتضح الوجه فى عدم جواز بيعها وما شاكله. نعم يجوز بيع الحق لعدم المانع من ذلك.

٣ ـ وأمّا صرفُ الحاصل فيما ذكر ، فلأنَّ ذلك معنى ملكية جميع المسلمين لها ، ولايتصور معنى صحيح لها غير ذلك ، على أنَّ بعض الروايات قد دلت عليه كمرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابه(١).

٤ ـ وأمّا أنّ الارض الميّتة حالة الفتح ملك لمن أحياها ، فلصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أحيى أرضاً مواتاً فهى له » (٢) وغيرها ، فانها باطلاقها تشمل الموات من المفتوح عنوة.

لايقال : إنَّ الإطلاق المذكور معارض بإطلاق ما دلَّ على أنَّ الأرض المفتوحة عنوة لجميع المسلمين بما فى ذلك الموات حالة الفتح ، فلماذا الترجيح للأول؟

فإنه يقال : لم يثبت الإطلاق الثاني ، فإنَّ صحيحة الحلبى واردة فى أرض السواد وهى محياة حالة الفتح ، ولاتوجد رواية اُخرى يمكن التمسك بإطلاقِها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٤١ من أبواب جهاد العدوّ ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من أبواب احياء الموات ، حديث ٦.

٣١٣
٣١٤

الأمـر بالمعـروف

و

النـهى عن المنكر

٣١٥
٣١٦

الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجبان أكيدان ـ بنحو الكفاية ـ إذا كان المعروف بالغاً حَدَّ الوجوب. ولايختص ذلك بصنف.

وشرط الوجوب معرفتهما ، واحتمال التأثير ، والإصرار ، وتنجّزهما ، وعدم لزوم الضّرر على الآمر أو غيره.

ولهما مراتب ثلاث : الإنكار بالقلب ، ثم باللسان ، ثم باليَد. ولاينتقل الى اللاحقة مع إجداء السابقة.

وفى جواز الإنتقال الى الجرح أو القتل خلاف.

ويتأكّد الوجوب على المكلف بالنسبة الى أهله.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أصل وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فمتسالم عليه بل هو بالغ حدَّ الضرورة. ويمكن إستفادته من قوله تعالي : ( ولتكن منكم أُمَّةٌ يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف ويَنْهَوْنَ عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) (١) ، ( يا بُنَيَّ أقِم الصلوة وأْمُر بالمعروف وأنه عن المنكر ... ) (٢) ، ( خُذِ العفو وأْمُر بالعُرف ... ) (٣) بعد

__________________

١ ـ آل عمران : ١٠٤.

٢ ـ لقمان : ١٧.

٣١٧

ضم قاعدة الاُسوة المستفادة من قوله تعالى ( لقد كان لكم فى رسول اللّه أسوة حسنة ) (١)

وفى رواية محمد بن عرفة : « سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول : لتأمُرُنَّ بالمعروف ولَتَنْهُنَّ عن المنكر أو ليستَعْمِلُنَّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلايستجاب لهم » (٢).

وفى روايته الاُخري : « إذا اُمَّتى تواكلت الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فليأذنوا بوقاع من اللّه ». (٣)

بل قيل بالوجوب عقلاً بقطع النظر عن ورود الشرع به وإن أمكنت المناقشة بعدم حكم العقل بالإلزام بل بالرجحان.

٢ ـ وأما كون الوجوب بنحو الكفاية ، فقد وقع محلاً للخلاف فقيل بكونه عينيّاً تمسُّكاً بالأصل وظاهر الخطابات المتوجّهة الى الجميع.

لكن ذلك مدفوع بعدم المعنى للعينية بعد إمكان تأتّى الغرض بفعل البعض ، ومعه لايبقى مجال للتمسك بالأصل.

كما أنَّ التمسّك بظاهر الخطابات لاوجه له بعد كون الخطاب فى الكفائى عاماً أيضاً ، حيث يتوجه التكليف فى البداية الى الجميع ولكنه يسقط بفعل البعض.

ومما يؤكّد الكفائية الآية الاُولى بناء على كون « من » للتبعيض.

ثم إنَّه اذا حصل الجزم بأحد الإحتمالين أخذنا به وإلا وصلت النوبة إلى الأصل

__________________

١ ـ الأعراف : ١٩٩.

٢ ـ الأحزاب : ٢١.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من أبواب الأمر والنهي ، حديث ٤.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من أبواب الأمر والنهي ، حديث ٥.

٣١٨

العملى وهو يقتضى الكفائيّة ، للشك فى توجّه التكليف بعد تصدّى البعض له.

لايقال : إنَّ الخطاب فى البداية حيث هو متوجَّه الى الجميع ، فالشك عند تصدّي البعض له شك فى السقوط ، وهو مجرى لقاعدة الاشتغال والاستصحاب.

فإنَّه يقال : إنَّ الخطاب فى الكفائى فى البداية وإن كان موجَّها الى كل فرد لكنه مشروط بعدم قيام الآخرين به.

وتظهر الثمرة بين الاحتمالين فيما لو تصدّى مَن به الكفاية ولم يتحقق الغرض بعدُ ، فعلى الكفائيّة يسقط عن البقية بخلافه على العينية.

وهذه الثمرة إن تمّت فبها وإلاّ فتصوّر الثمرة بين الإحتمالين مشكل.

٣ ـ وأمّا تقييد المعروف ببلوغه حدَّ الوجوب ، فلأنَّه بدونه يكون مستحباً والأمر به كذلك. وأمّا عدم تقييد المنكر ، فلعدم تصوّر ذلك فيه.

٤ ـ وأمّا عدم اختصاص الأمر والنهى بصنف ـ كالحاكم السياسى ورجال الدين فلإطلاق الأدلة وعدم المقِّيد لها.

وقد يستدل على التقييد بالآية الأولى المتقدمة وبقوله تعالي : ( الذين إن مَكّنّاهُم فى الأرض أقامُوا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) (١).

ويَرُدُّ الأول : أنَّ الآية المتقدمة أدلُّ على العكس حيث وجّهت التكليف الي الجميع بتهيئة اُمّة.

والثاني : بأنَّ وصف المتمكّنين فى الأرض بذلك لايدلّ على إختصاص الوظيفة بهم.

__________________

١ ـ الحج : ٤١.

٣١٩

٥ ـ وأمّا إشتراط الوجوب بالمعرفة ، فلأنَّ القدرة على إمتثال التكليف بالأمر بما هو معروف والنهى عما هو منكر فرع العلم بأنهما كذلك.

وهل هى شرط للوجوب او للواجب؟ مقتضى إطلاق الخطابات هو الثاني.

وعلى هذا يجب التعلم على من يعلم بأنَّ بعض الناس فى مجتمعه يرتكب المعصية ويترك الطاعة من دون تمييز بينهما. أجل ، مع الشك فى صدور ذلك لايجب التعلم لعدم إحراز موضوع الخطاب ، ومقتضى الأصل البراءة وبالتالي لايجب الأمر والنهي.

ولئن وجب التعلُّم فذلك من باب وجوب التفقة فى الدين ، وهو مطلب آخر.

هذا إلا أنَّ المنسوب الى جملة من الأعلام إختيار كونه شرطاً للوجوب تمسّكاً برواية مسعدة بن صدقة عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « سمعته يقول وسُئل عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أواجب هو على الاُمّة جمعياً؟ فقال : لا. فقيل له : ولم؟ قال : إنما هو على القويّ المُطاع العالِم بالمعروف من المنكر لاعلى الضعيف الذي لايهتدى سبيلاً الى أيٍّ من أيٍّ يقول من الحق إلى الباطل. (١) والدليل على ذلك كتاب اللّه عزوجل قوله : «ولتكن منكم اُمَّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف ويَنْهَونَ عن المنكر » فهذا خاص غيرعام ...». (٢)

وفيه : انّ سند الرواية ضعيف بمسعدة فانّه لم يوثّق.

وقد تُقرَّب شرطية العلم لأصل التكليف بأنّ الواجب النهى عن المنكر ، والمنكر

__________________

١ ـ قال فى الوافي : ١٥ / ١٨٢ : « يقول من الحق الى الباطل ، كانّه من كلام الراوى ومعناه انّهم يدعون الناس من الحق الى الباطل لعدم اهتدائهم سبيلاً اليهما ... ».

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من أبواب الأمر والنهي ، حديث ١.

٣٢٠