دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٣

الحج وأحكام وجوبه

وجوب الحج فوريُّ مرة واحدة مع اجتماع الشرا ئط ـ ويصطلح عليها بحجَّة الإسلام ـ وهي : البلوغ ، والعقل ، والحريّة ، والإستطاعة المتحققة بوجدان النفقات اللازمة ذهاباً وإياباً ـ لمن قصد العودة أو ذهاباً فقط لمن لم يقصدها ـ وسعة الوقت ، والسلامة على النفس والمال والعرض ، والتمكن من استئناف الوضع المعيشى بعد العودة بدون حرج ، وعدم المزاحمة بواجب أهمّ.

والحج مع اختلال هذا الأخير يقع مصداقاً لحج الإسلام وأن كان الفاعل آثماً ، بخلاف اختلال غيره ، فإنَّه لايقع كذلك.

والسعى لتحصيل الاستطاعة غير لازم ولو بقبول الهبة فيما إذا لم تكن مقيَّدة بالحج ، أجل مع البذل يجب الحج.

ومن كان بحاجة إلى دار أو زواج أو ما شاكل ذلك من ضروريات الحياة ، يلزمه تقديم الحج إلا مع لزوم الحرج.

وهكذا المرأة التى يمكنها الحج بمهرها أو هدايا الزواج أو ببيع حُليّها التى بامكانها الاستغناء عنها.

وهكذا من كانت له دار وسيعة بإمكانه تبديلها أو بيع بعضها ، فإنَّه يلزمه الحج ما دام

٢٤١

لايلزم الحرج.

ومن تمكّن من نفقات الحج قبل موسمه ، استقرَّ عليه الوجوب ولزمه التحفظ علي الاستطاعة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ الحج من الفرائض الضرورية فى الإسلام والتى بُنى عليها. قال تعالي : ( وللّه على الناس حِجُّ البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فإنَّ اللّه غنيٌّ عن العالمين ) (١) وفى الحديث الصحيح : « بُنى الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والولاية » (٢). وفى صحيحة ذريح المحاربى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لايطيق فيه الحج ، أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً » (٣).

٢ ـ وأمّا انّه فورى فلربما يكون من ضروريات الفقه. ويدل عليه حكم العقل ، فان الامر وان لم يوضع للفورية الا ان كل واجب يلزم عقلاً الاتيان به فوراً الا إذا حصل وثوق بعدم فواته بالتاخير ، وحيث ان الانسان لاوثوق له عادة بالبقاء الي السنة الثانية ، فيلزمه الإسراع الى الإتيان به.

على ان بالإمكان إستفادة ذلك أيضاً من صحيحة المحاربى المتقدمة ، فإنّ الفورية إذا لم تكن لازمة فلماذا يموت التارك للحج من دون عذر يهودياً أو نصرانياً بعد ما كان التأخير سائغاً.

__________________

١ ـ آل عمران : ٩٧.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من أبواب مقدمة العبادات ، حديث ٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٧ من أبواب وجوب الحج ، حديث ١.

٢٤٢

٣ ـ وأمّا انّه مرّة واحدة فهو من الواضحات أيضاً ، إذ لو كان يجب أكثر من ذلك لاشتهر بعد شدّة الابتلاء بالمسألة والحال لم ينسب الخلاف إلاّ إلى الشيخ الصدوق حيث أفتى بوجوبه فى كلّ عام على اهل الجدّ. (١) على انّ بعض الروايات(٢) الآبى لسانها عن التخصيص تدلّ على ذلك أيضاً.

٤ ـ وأما اشتراط البلوغ والعقل ، فلما تقدم من شرطيتهما العامة لكل تكليف؛ مضافاً الى دلالة بعض النصوص الخاصة بالمقام على ذلك. (٣)

٥ ـ وأما اشتراط الحرية ، فمما لاخلاف فيه. ويدلّ عليه صحيح الفضل بن يونس عن أبى الحسن عليه‌السلام : « ... ليس على المملوك حج ولاعمرة حتى يعتق » (٤) وغيره.

٦ ـ وأمّا اعتبار توفّر نفقات الحج فى تحقق الاستطاعة ، فلصحيحة هشام بن الحكم عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « قوله عزّوجلّ : ( وللّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ) ما يعنى بذلك؟ قال : من كان صحيحاً فيبدنه ، مخليً سربه ، له زادٌ وراحلة» (٥) وغيرها. وحيث لايحتمل ارادة خصوص عين الزاد والراحلة فلابدَّ من ارادة مايعمّ ملك ثمنهما.

والتقييد بقيد « اللازمة » يخرج به مثل نفقات هدايا الحج ، فان القدرة عليها لم تؤخذ فى الصحيحة فلا تكون معتبرة.

__________________

١ ـ نقل ذلك عنه الحرُّ العاملى فيذيل حديث ٣ من باب ٣ من أبواب وجوب الحج وشرائطه. ونصّ كلام الصدوق هكذا : « والذى اعتمده وأفتى به انّ الحج على اهل الجدة فيكل عامّ فريضة ». والصواب : الجَدّ ، بمعنى الغني.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٣ من أبواب وجوب الحج.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ١٢ من أبواب وجوب الحج ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ١٥ من أبواب وجوب الحج ، حديث ١.

٥ ـ وسائل الشيعة : باب ٨ من أبواب وجوب الحج ، حديث ٧.

٢٤٣

٧ ـ وأما عدم اعتبار نفقة العود لمن لايريد ذلك ، فواضح لعدم الموجب له. بل يمكن ان يقال ان من يمكنه البقاء فى مكة بلا حرج فلا موجب لأخذ نفقة الاياب بعين الاعتبار فى حقه ويلزمه السكن هناك لتحقق الاستطاعة فى حقه ، فيشمله اطلاق الآية الكريمة.

٨ ـ وأما اعتبار سعة الوقت ، فلصيرورة التكليف تكليفاً بما لايطاق بدون فرض ذلك.

أجل ، يلزم التحفظ على الاستطاعة إلى السنة الثانية لما سيأتى من لزوم التحفظ عليها متى ما تحققت ، إذ ليس لها وقت مخصوص بعد إطلاق الآية الكريمة.

٩ ـ وأما اعتبار السلامة على ما ذكر ، فيمكن استفادته من الآية الكريمة ـ لعدم صدق الاستطاعة بدون ذلك ـ مضافاً الى الروايات الخاصة ، كصحيحة هشام المتقدّمة.

١٠ ـ وأما اعتبار التمكن من استئناف الوضع المعيشى بدون الحرج عند الاياب ، فلقاعدة نفى الحرج المستندة لقوله تعالي : ( ما جعل عليكم فى الدين من حرج ) (١).

١١ ـ وأما اعتبار عدم المزاحم الأهم ـ كما إذا استلزم الحج فوات علاج لازم لمريض أو التاخير فى قضاء لازم لدين ـ فلدخول المورد تحت باب التزاحم القاضى بتقديم الأهم ، فان دليل الحج ودليل الواجب الاخر مطلقان ، فيقع التزاحم بينهما فى مقام الامتثال.

وهكذا الحال إذا توقف الحج على ارتكاب محرم كركوب الطائرة المغصوبة ، فان المورد يدخل تحت باب التزاحم فيقدم الاهم.

__________________

١ ـ الحج : ٧٨.

٢٤٤

١٢ ـ وأما انه يقع الحج مصداقاً لحج الاسلام عند ترك الاهم ، فلأنّ ذلك لازم باب التزاحم ـ بناء على امكان فكرة الترتب ـ حيث يكون الأمر بالمهم مشروطاً بترك الإشتغال بالأهم ، فعند عدم الاشتغال به يقع المهم صحيحاً بالأمر الترتبي.

وأما انه لايقع مصداقاً عند تخلف غير ذلك ، فلأخذه فى موضوع حج الاسلام اللازم منه عدم تحققه عند تخلّفه ، بخلاف عدم المزاحمة بالأهم فإنَّه لم يؤخذ كذلك وانما كان معتبراً من باب المزاحمة.

هذا وهناك رأى ـ ولعلّه المشهور ـ يرى انّ عدم المزاحمة بواجب آخر ـ وإن لم يكن أهمّ ـ دخيل فى الاستطاعة الشرعية ، ولازمه انتفاء الاستطاعة رأساً مع المزاحمة ومن ثَمَّ عدم وقوع الحج حج اسلام.

١٣ ـ وأما ان تحصيل الاستطاعة غير لازم ، فلأنّ مقدمة الوجوب لايجب تحصيلها كما هو واضح.

١٤ ـ وأما عدم لزوم قبول الهبة غير المقيّدة بالحج ، فلأن ذلك نحو من الاكتساب الذى تقدّم عدم وجوبه.

وأما إذا كانت مقيّدة به ، فالمناسب وإن كان عدم لزوم قبولها لنفس ماسبق إلاّ انّ روايات متعددة دلّت على انّ من عرض عليه الحج وجب عليه ، ففى صحيحة محمد بن مسلم : « قلت لأبى جعفر عليه‌السلام : فان عرض عليه الحج فاستحيي ، قال : هو ممن يستطيع الحج ولِمَ يستحيى ولو على حمار أجدع أبتر ... » (١) ، ومن الواضح من وُهب له بشرط الحج يصدق عليه : عُرض عليه الحج.

ومن ذلك ، يتضح الحال فيمن بذل له ودُعِى إليه ، فان الوجوب يستقر عليه

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١٠ من أبواب وجوب الحج ، حديث ١.

٢٤٥

لصدق عرض الحج عليه.

١٥ ـ وأما وجوب الحج على من كان بحاجة إلى دار ونحو ذلك ، فلتحقق الإستطاعة ـ المفسَّرة فى صحيحة هشام السابقة بالزاد والراحلة ـ فى حقه.

أجل ، مع الحرج ـ المشقة الشديدة ـ لايثبت الوجوب لحكومة قاعدة نفي الحرج على الأدلة الأولية التى منها دليل وجوب الحج على المستطيع.

ومن ذلك يتضح الحال فى بقية الفروع.

١٦ ـ وأما الوقت الذى يلزم تحقق الاستطاعة فيه بحيث لايجوز تفويتها بعد ذلك ، ففيه خلاف. وقد اختار جماعة ، منهم الشيخ النائيني ، كونه أشهر الحج. (١)

والمناسب عدم التقييد بوقت خاص ، لأن ظاهر الآية الكريمة وجوب الحج كلما صدقت الاستطاعة من دون اشتراط وقت خاص ، فلو حصلت فى محرم وجب الحج آنذاك ، غايته بنحو الواجب المعلق.

والثمرة تظهر فى لزوم التحفظ على الاستطاعة ووجوب تهيئة المقدمات بنحو الواجب الموسع.

__________________

١ ـ دليل الناسك : ٣٦ ، طبعة مؤسسة المنار.

٢٤٦

الصورة الاجمالية للحج

الحج على ثلاثة أقسام : تمتع وإفراد وقِران.

والتمتع ـ الذى هو محل ابتلاء المسلمين بشكل عام ـ مركَّب من عمرة وحج متأخر عنها.

والعمرة تبتدئ بالإحرام من أحد المواقيت الآتية ، ثم الطواف حول الكعبة ، ثم صلاته ، ثم السعى بين الصفا والمروة ، ثم التقصير.

والحج يبتدئ بالإحرام من مكة ، ثم الوقوف فى عرفات من ظهر تاسع ذى الحجة وحتى المغرب ، ثم الوقوف فى المزد لفة من الفجر إلى طلوع الشمس ، ثم رمى جمرة العقبة فى منى يوم العاشر ، ثم الذبح أو النحر فيها فى اليوم المذكور ، ثم الحلق أو التقصير فيها ايضاً ، ثم طواف الحج وصلاته ، ثم السعي ، ثم طواف النساء وصلاته.

ويلزم المبيت فى منى ليلة الحادى والثانى عشر ، ورمى الجمار صبيحة اليومين ، والنفر من منى بعد زوال اليوم الثانى عشر.

وحج الإسلام من حاضرى المسجد الحرام يلزم كونه قِراناً أو إفراداً ومن غيرهم تمتعاً.

ولايختلف القِران والافراد عن التمتع فى الكيفية المتقدّمة وإنما الإختلاف فى بعض الأمور الجانبية.

٢٤٧

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما انقسام الحج إلى الثلاثة ، فمما لاخلاف فيه بين المسليمن. وتدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمار : « سمعت اباعبداللّه عليه‌السلام يقول : الحج ثلاثة أصناف : حج مفرد وقِران وتمتع بالعمرة إلى الحج. وبها أمر رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله والفضل فيها ولا نأمر الناس الا بها » (١) وغيرها.

٢ ـ وأما تركّب الحج ممّا ذكر ، فممّا لاخلاف فيه ايضاً. ويدلّ عليه قوله تعالي : « فمن تمتع بالعمرة إلى الحج » (٢) والروايات الكثيرة.

٣ ـ وأما كيفية العمرة ، فتدلّ عليها السيرة المتوارثة بين جميع المسلمين يداً بيد من النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وصحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام الحاكية لحج رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وانه : « حين حَجَّ حجة الاسلام ، خرج فى اربع بقين من ذى القعدة حتى أتى الشجرة ، فصلّى بها ، ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء ، فاحرم منها واهلَّ بالحج ... حتى إذا قدم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة ، طاف بالبيت وطاف الناس معه ، ثم صلّى ركعتين عند المقام واستلم الحجر ، ثم قال : ابدأ بما بدأ اللّه عزّوجلّ به فأتى الصفا فبدأ بها ، ثم طاف بين الصفا والمروة سبعاً ، فلما قضى طوافه عند المروة قام خطيباً ، فامرهم ان يحلّوا ويجعلوها عمرة وهو شيء امراللّه عزّوجلّ به ، فاحلَّ الناس ... وقال سراقة بن مالك بن جعشم الكناني : يا رسول اللّه علِّمنا كأنا خلقنا اليوم ، أرايت هذا الذى امرتنا به لعامنا هذا أو لكل عام؟ فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ، بل للأبد. وان رجلاً قام ، فقال : يا رسول اللّه! نخرج حجّاجاً ورؤسنا تقطر؟ فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : انك لن تؤمن بهذا أبداً » (٣) وغيرها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من أبواب أقسام الحج ، حديث ١.

٢ ـ البقرة : ١٩٦.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من أبواب أقسام الحج ، حديث ١٤.

٢٤٨

٤ ـ وأما كيفية الحج ، فقد لانعثر على نص يجمعها كاملة إلاّ انّا فى غنيً عن ذلك بعد اتفاق جميع المسلمين على اصولها الأساسية عدا طواف النساء.

اضافة إلى انها محل ابتلاء جميع المسلمين على طول الزمان ، فعدم اختلافهم فيها يدلّ على تلقّيها من النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله يداً بيد جزماً.

٥ ـ وأما التفصيل بين حاضرى المسجد الحرام حيث يجب عليهم القران أو الافراد وبين غيرهم حيث يلزمهم التمتع ، فلقوله تعالي : ( فمن تمتّع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام فى الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن اهله حاضرى المسجد الحرام ). (١)

والمشهور تفسير « حاضرى المسجد الحرام » بمن كان بينه وبين المسجد الحرام دون ثمانية واربعين ميلاً ـ المساوية لستة عشر فرسخاً أو لما يقرب من تسعين كيلومتراً ـ لصحيح زرارة : « قلت لأبى جعفر عليه‌السلام قول اللّه عزّوجلّ فى كتابه : ( ذلك لمن لم يكن اهله حاضرى المسجد الحرام ) قال : يعنى اهل مكة ليس عليهم متعة ، كلُّ من كان اهله دون ثمانية واربعين ميلاً ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكة ، فهو ممن دخل فى هذه الآية ، وكلُّ من كان اهله وراءَ ذلك فعليهم المتعة». (٢)

__________________

١ ـ البقرة : ١٩٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٦ من أبواب أقسام الحج ، حديث ٣.

٢٤٩

مواقيت الإحرام

لايصح الإحرام الا من المواقيت العشرة وهي : مسجد الشجرة ، ووادى العقيق ، والجحفة ، ويلملم ، وقرن المنازل ـ وهذه وقَّتها رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لاهلها ولمن يمرُّ عليها ـ ومكة لاحرام حج التمتع ، والمنزل الذى يكون دون الميقات إلى مكة فان لصاحبه الإحرام منه ، والجعرانة لأهل مكة ـ فى حج القِران أو الإفراد ـ أو من كان بحكم اهلها وهو المجاور لها بعد سنتين ، ومحاذاة مسجد الشجرة لمن أقام بمكة شهراً ثمّ أراد الحج من غير طريق اهل المدينة ، وأدنى الحلِّ لإحرام العمرة المفردة لمن هو بمكة وأراد الإتيان بها.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما الخمسة الاُولي ، فتدلّ على كونها مواقيت ، صحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « من تمام الحج والعمرة ان تحرم من المواقيت التى وقَّتها رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لاتجاوزها الا وانت محرم ، فإنَّه وقَّت لأهل العراق ولم يكن يومئذٍ عراق بطن العقيق من قِبَل اهل العراق ، ووقَّت لأهل اليمن يلملم ، ووقّت لاهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لاهل المغرب الجحفة وهى مهيعة ، ووقّت لاهل المدينه ذا الحليفة. ومن كان منزله خلف هذه المواقيت ممايلى مكة فوقته منزله » (١) وغيرها من الروايات الكثيرة.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من أبواب المواقيت ، حديث ٢.

٢٥٠

وهناك كلام فى أنّ ذا الحليفة بتمامه ميقات أو خصوص مسجد الشجرة منه أو هما مترادفان. ولكل من الاحتمالات الثلاثة شواهده من الروايات.

ويجدر الالتفات إلى ما لمَّحت له الصحيحة من : ان توقيت المواقيت المذكورة لإهل الآفاق من قِبل النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله حين لم يكن للاسلام أثرٌ فيها هو من دلائل النبوة.

٢ ـ وأما انها لاتختص باهلها بل لكل من يمرُّ عليها ، فلصحيحة صفوان بن يحيي عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام : « ... ان رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وقّت المواقيت لأهلها ومن اتي عليها من غير اهلها ... ». (١)

٣ ـ وأما ان مكة ميقات حج التمتع فلا خلاف فيه بين المسلمين. وتدلّ عليه صحيحة عمرو بن حريث الصيرفي : « قلت لأبى عبداللّه عليه‌السلام : من اين اهلُّ بالحج؟ فقال : ان شئت من رحلك وان شئت من المسجد وان شئت من الطريق ». (٢)

٤ ـ وأما أنّ من كان منزله دون الميقات فهو ميقاته ، فقد دلّت عليه صحيحة معاوية السابقة.

٥ ـ وأما ان الجعرَّانة ميقات لمن ذكرناه ، فتدلّ عليه صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن ابى عبداللّه عليه‌السلام : « ... إنى اريد الجوار بمكة فكيف اصنع؟ قال : إذا رايت الهلال هلال ذى الحجة ، فاخرج إلى الجعَّرانة فاحرم منها بالحج ... » (٣) فانها تدلّ على ان ذلك وظيفة أهل مكة وتسرى إلى غيرهم بالمجاورة.

وأمّا التحديد بسنتين ، فهو المشهور. ويمكن استفادته من صحيحة عمر بن يزيد : « قال ابوعبداللّه عليه‌السلام : المجاور بمكة يتمتع بالعمرة الى الحج الى سنتين ، فإذا جاوز

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١٥ من أبواب المواقيت ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٢١ من أبواب المواقيت ، حديث ٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ١٦ من أبواب أقسام الحج ، حديث ١.

٢٥١

سنتين كان قاطناً » (١) وغيرها.

وفى بعض الروايات التحديد بسنة(٢) ولكن لإعراض المشهور عنها تكون ساقطة عن الاعتبار بناء على تمامية كبرى ذلك.

٦ ـ وأما محاذاة مسجد الشجرة ، فقد دلّت على كونها ميقاتاً صحيحة عبداللّه بن سنان عن أبى عبداللّه عليه‌السلام « من أقام بالمدينة شهراً وهو يريد الحج ، ثم بدا له ان يخرج من غير طريق اهل المدينة الذى ياخذونه ، فليكن احرامه من مسيرة ستة اميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء » (٣) وغيرها.

هذا وقد ذهب المشهور الى كفاية المحاذاة لأيّ ميقات ، لحمل محاذاة مسجد الشجرة الوارد فى الصحيحة على المثالية ، كما أشار الى ذلك السيد اليزدي. (٤)

٧ ـ وأما أنَّ أدنى الحلّ ميقات لما ذكر ، فتدل عليه صحيحة جميل بن دراج : « سألت اباعبداللّه عليه‌السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية ، قال تمضى كما هى إلى عرفات ، فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر ، فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة. قال ابن أبى عمير : كما صنعت عائشة ». (٥) وموردها وان كان هو العمرة المفردة بعد حج الافراد الا انه يمكن اثبات التعميم الى غير ذلك ، وللخروج إلى غير التنعيم من نقاط ادنى الحل بصحيحة عمر بن يزيد عن أبى عبداللّه عليه‌السلام « من أراد ان يخرج من مكة ليعتمر ، احرم من الجعرَّانة أو الحديبية أو ما اشبههما ». (٦)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٩ من أبواب أقسام الحج ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٩ من أبواب أقسام الحج ، حديث ٣ و ٨.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٧ من أبواب المواقيت ، حديث ١.

٤ ـ العروة الوثقي : ٢ / ٥٥٤.

٥ ـ وسائل الشيعة : باب ٢١ من أبواب أقسام الحج ، حديث ٢.

٦ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٢ من أبواب المواقيت ، حديث ١.

٢٥٢

تفاصيل افعال العمرة والحج

كيفية الإحرام

يلتزم لتحقيق الإحرام :

قصد الفعل الخاص بداعى امتثال أمراللّه سبحانه.

والتلفظ بالتلبيات الأربع : « لبَّيكَ اللهم لبَّيك. لبَّيكَ لاشريكَ لك لبَّيك ». وبها يتحقق الإحرام.

ولبس الرجال ثوبَيْن ـ بعد التجرد عما يحرم لبسه على المحرم ـ باتّزار احدهما وارتداء الاخر.

ولايلزم الاقتصار على الثوبَيْن بل تجوز الزيادة ، كما لاتلزم استدامة لبسهما.

ولاتشترط فى صحة الإحرام الطهارة من الحدث.

والمستند فى ذلك :

١ـ أمّا اعتبار قصد الإحرام بداعى امتثال امراللّه سبحانه ، فلأنّ ذلك لازم العبادية.

أمّا كيف نثبت العبادية؟ ذلك بنفس الطريقة التى سوف نثبت بها عبادية الطواف فيما بعد.

٢٥٣

٢ ـ وأمّا اعتبار قصد الخصوصية ـ وكونه احرام حج أو عمرة ، وكون الحج تمتعاً أو غيره وكونه عن نفسه أو غيره وما شاكل ذلك ـ فلنفس ما تقدّم.

وأمّا اعتبار التلبيات الأربع ، فلصحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « ... التلبية أن تقول : لبَّيكَ اللهم لبَّيك ، لبَّيكَ لاشريكَ لك لبَّيك ، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك لبَّيك ، لبَّيك ذا المعارج لبَّيك ... واعلم إنَّه لابدَّ من التلبياتِ الإربع التى كنَّ فى أول الكلام ، وهى الفريضة ... » (١) وغيرها.

وهى واضحة فى أنَّ الأربع الأول واجبة دون الباقي. وواضحة أيضاً فى اعتبار أدائها بشكلها الصحيح وعدم الاجتزاء بالملحون ، لأنَّه عليه‌السلام لم يقل ينعقد الإحرام بالتلبيات الأربع ليقال بأنَّها تصدق على الملحون أيضاً ، بل قال : أن تقول هكذا ، ومن الواضح أَنَّه عليه‌السلام لايتلفَّظ بالملحون ، ومعه فالاجتزاء بغير ذلك يحتاج إلى دليل وهو مفقود.

٣ ـ وأمّا أنَّه لاينعقد الإحرام بمجرد لبس الثوبين من دون نيّةٍ أو معها بل لابدَّ من التلبية ، كتكبيرة الإحرام بالنسبة للصلاة ، فلصحيحة حريز عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « الرجل إذا تهيّأ للإحرام ، فله أن يأتى النساء ما لم يعقد التلبية أو يُلَبِّ » (٢) وغيرها.

٤ ـ وأمّا وجوب لبس الثوبين ، فلا خلاف فيه بين المسلمين إلا أنَّ الروايات قاصرة عن إثباته ، فإنَّ ما يمكن التمسك به : إمّا الروايات الواردة فى بيان كيفية الإحرام من قبيل صحيحة معاوية بن وهب : « سألت أباعبداللّه عليه‌السلام عن التهيّؤ للإحرام ، فقال : اطلِ بالمدينة فإنَّه طهور وتجهَّز بكل ما تريد ، وإن شئت إستمتعت بقميصك

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٤٠ من أبواب الإحرام ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١٤ من أبواب الإحرام ، حديث ٨.

٢٥٤

حتى تأتى الشجرة فتفيض عليك الماء وتلبس ثوبيك إن شاء اللّه ». (١)

أو روايات تجريد الصبيان من فخ ، كصحيحة أيوب أخى اديم : « سُئل أبوعبداللّه عليه‌السلام من أين يجرد الصبيان؟ فقال : كان أبى يجرّدهم من فخ » (٢) ، بتقريب أنَّه لو لا لزوم لبس ثوبى الإحرام لاموجب لتأخير تجريدهم إلى فخ ، بل كان المناسب عدم تجريدهم رأساً.

وكلاهما قابل للتأمّل :

أمّا الأول : فلأنَّ الأمر بلبس الثوبين إقترن بالأمر بآداب شرعية مستحبة ، وذلك يزعزع ظهور الأمر فى الوجوب.

وأمّا الثاني : فلأنَّ فعل الإمام عليه‌السلام لايدلّ على الوجوب بل أقصى ما يدل عليه هو الرجحان من الوجوب.

ولعل المناسب فى توجيه الوجوب أن يقال : إنَّ وجوب لبس الثوبين من القضايا التى توارثها المسلمون خلفاً عن سلف ، وهو من بديهيات الحج لديهم ، ولابدَّ أن يكون ذلك قد وصلهم من المعصوم عليه‌السلام ، والروايات جاءت مشيرة إلي الإرتكاز المذكور ومعتمدة عليه ، وهو أقوى من الحاجة إلى إثباته من خلال الروايات.

٥ ـ وأمّا وجه عدم وجوب لبس الثوبين على المرأة ، فلأنَّ الوجه فى الوجوب إمّا قاعدة الإشتراك أو روايات الحائض ، من قبيل موثقة يونس بن يعقوب : « سألت أباعبداللّه عليه‌السلام عن الحائض تريد الإحرام ، قال : تغتسل وتستثفر وتحتشى بالكرسف و

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٧ من أبواب الإحرام ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٤٧ من أبواب الإحرام ، حديث ١.

٢٥٥

تلبس ثوباً دون ثياب إحرامها ، وتستقبل القبلة ولاتدخل المسجد وتهلُّ بالحج بغير الصلاة » (١) ، فانَّ قوله عليه‌السلام « دون ثياب إحرامها » يدلّ على وجوب لبسها ثوبى الإحرام.

وكلاهما كما تري :

أمّا الأول : فلأنَّ مستند قاعدة الإشتراك ليس إلا الضرورة ، والقدر المتيقّن منها حالة الإتفاق فى جميع الخصائص المحتمل مدخليتها ، والمفروض فى المقام إحتمال خصوصية الذكورة.

وأمّا الثاني : فلأنّ التعبير بجلمة « دون ثياب إحرامها » يدلّ على مشروطية لبس ثوبى الإحرام للمرأة دون الوجوب. مضافاً إلى إشتمال السياق على جملة من المستحبات الذى يزعزع الظهور فى الوجوب.

ومع عدم الدليل على الوجوب يكون المرجع البراءة. ويبقى الإحتياط تحفظاً من مخالفة المشهور أمراً مناسباً.

٦ ـ وأمّا لزوم التجرُّد عما يحرم لبسه ـ الذى منه لبس المخيط للرجال وغيره ـ فلأنَّ ذلك من لوازم الإحرام الذى يراد تحقيقه.

٧ ـ وأمّا أنَّ لبس الثوبين يلزم أن يكون بنحو الإتِّزار والإرتداء ، فلإنعقاد السيرة المتوارثة عليه. ولربما يستفاد أيضاً من صحيحة عبداللّه بن سنان : « قال أبوعبداللّه عليه‌السلام : ذكر رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله الحج فكتب إلى من بلغه كتابه ممن دخل في الإسلام ... فلمّا نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط وحلق العانة والتجرّد فى إزار ورداء ... » (٢).

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٤٨ من أبواب الإحرام ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من أبواب أقسام الحج ، حديث ١٠.

٢٥٦

٨ ـ وأمّا جواز الزيادة ، فللبرائة بعد عدم الدليل على عدم الجواز. على أنّ بعض الروايات يستفاد منها الجواز(١).

٩ ـ وأمّا عدم إعتبار الإستدامة ، فللبراءة بعد عدم الدليل على إعتبارها.

١٠ ـ وأمّا عدم إشتراط الطهارة من الحدث ، فللبراءة بعد عدم الدليل.

بل الدليل على عدم الإعتبار موجود ، كموثقة يونس بن يعقوب المتقدمة الواردة فى الحائض.

وهل تعتبر الطهارة من الخبث؟ نعم تعتبر فى الثوبين طيلة الإحرام لدلالة بعض الروايات على ذلك(٢).

الطواف

يعتبر فى الطواف مضافاً إلى النيَّة : الطهارة من الحدث بقسمَيْه ومن الخبث ، والختان للذكور ، وستر العورة.

ويلزم مضافاً إلى ذلك كون الأشواط سبعة متوالية ، يبتدئ كل واحد منها بالحجر الأسود وينتهى به ، مع جعل الكعبة على اليسار فى كل حالاته ، وإدخال حِجر إسماعيل فى المطاف ، والخروج عن الكعبة وشاذروانها ، والسير بخطوات مختارة.

واعتبر المشهور أن يكون الطواف بين الكعبة ومقام إبراهيم وبمقدار ذلك من الجوانب الاُخري.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما اعتبار النية بمعنى قصد الطواف عن امتثال امرالله سبحانه ، فلأن ذلك لازم العبادية.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٠ من أبواب الإحرام ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٧ من أبواب تروك الإحرام.

٢٥٧

أما كيف نثبت عباديَّته؟ ذلك إما بإرتكاز المتشرعة المتوارث يداً بيد عن المعصوم عليه‌السلام ، أو لأن الحج ليس إلاعبارة عن مجموع الأجزاء التي أحدها الطواف ، وحيث إنه عبادي ـ لأنَّه مما بُني عليه‌السلام كما في الحديث الشريف (١) ولا يحتمل بناء الإسلام على أمر غير عبادي ـ فيلزم كونه عبادياً أيضاً.

٢ ـ وأمّا إشتراطه بالطهارة من الحدث بكلا قسمَيْه ، فلاخلاف فيه. ويدل عليه صحيح على بن جعفر عن أخيه أبى الحسن عليه‏السلام : «سألته عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر وهو فى الطواف ، قال : يقطع الطواف ولايعتد بشيءٍ مما طاف. وسألته عن رجل طاف ، ثم ذكر أنّه على غير وضوء ، قال : يقطع طوافه ولايعتدَّ به» (٢) وغيره.

٣ ـ وأمّا إعتبار الطهارة من الخبث ، فقد يُستدل له بحديث يونس بن يعقوب عن أبي عبداللّه عليه‌السلام : « رأيت فى ثوبى شيئاً من دم وأنا أطوف ، قال : فاعرِف الموضع ثم اخرج فاغسِله ثم عُد فابنِ على طوافك » (٢) أو بالنبوى المشهور : « الطواف بالبيت صلاة » (٣).

إلا أنَّ كلا الحديثين ضعيف السند.

أمّا الأول فبالحكم بن مسكين فى طريق الصدوق(٤) وبمحسن بن أحمد فى طريق الشيخ(٥).

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٨ من أبواب الطواف ، حديث ٤.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٥٢ من أبواب الطواف ، حديث ١.

٣ ـ سنن النسائي : ٥ / ٢٢٢ ؛ سنن الدرامي : ٢ / ٤٤.

٤ ـ لاحظ : مشيخة كتاب من لايحضره الفقيه : ٤٦.

٥ ـ كما يتضح من خلال ملاحظة وسائل الشيعة : باب ٥٢ من أبواب الطواف ، حديث ٢.

٢٥٨

وأمّا الثانى فلعدم وروده من طرقنا.

ولأجل ذلك مال صاحب المدارك إلى الكراهة ، (١) فإنَّه بعد عدم الدليل على شرطية الطهارة يتمسّك بالبراءة لنفيها.

هذا والتنزل إلى الإحتياط تحفظاً من مخالفة المشهور ومخالفة الرواية الأولي التى رواها كلا العلمين أمر لازم.

هذا فى الثوبين.

وأمّا البدن ، فلم ترد رواية تدل على إعتبار الطهارة فيه إلا أنَّ ما دلَّ علي إعتبارها فى الثوبين يدلّ على إعتبارها فيه ، لعدم الفرق بل وللأولوية العرفية. وعليه فالمناسب التنزّل إلى الاحتياط فى البدن أيضاً.

٤ ـ وأمّا إعتبار الختان للذكور ، فلصحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « الأغلف لايطوف بالبيت ، ولابأس أن تطوف المرأة » (٢) وغيرها.

وهى كما ترى تشمل غير البالغ أيضاً فيما إذا كان مميزاً ولاتشمل غير المميّز ، إذ الوارد فيها التعبير بـ « لايطوف » ، وغير المميّز لايطوف بل يُطاف به ، ومعه يتمسك بالبراءة عن الشرطية فى حقه.

وتظهر الثمرة فيما لو طاف الصبيّ المميّز وهو غير مختون ، فإنَّه لايحق له الزواج بعد البلوغ إلا بعد تدارك طواف النساء.

٥ ـ وأمّا إعتبار ستر العورة. فهو المشهور ، وقد يستدل له تارة بإطلاق التنزيل فى الحديث المشهور المتقدم : « الطواف بالبيت صلاة » أو بالروايات الورادة بلسان :

__________________

١ ـ مدارك الاحكام : ٨ / ١١٧.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٣ من أبواب مقدمات الطواف ، حديث ١.

٢٥٩

« لا يطوفنَّ بالبيت عريان » (١).

والأول قد تقدّم ما فيه. والثانى ضعيف السند فى جميع طرقه؛ ومن ثَمَّ لايمكن الفتوى بشرطية الستر فى الطوف ولابدَّ من التنزّل إلى الاحتياط إلاّ بناء على تمامية كبرى الجابرية.

٦ ـ وأمّا أنَّ عدد الأشواط سبعة ، فلا نص صريح يدل عليه إلا أنَّه يمكن التمسك بالسيرة المتوارثة بين جميع المسلمين على ذلك ، وبالروايات الدالة على أنَّ من طاف ثمانية يضيف إليها ستة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : قلت له : رجل طاف بالبيت فاستيقن أنَّه طاف ثمانية أشواط ، قال : يضيف إليها ستة ، وكذلك إذا استيقن أنَّه طاف بين الصفا والمروة ثمانية فليضف إليها ستة» (٢) وغيرها.

٧ ـ وأمّا إعتبار التوالي ، فلأنَّه عمل واحد مركب من سبعة أشواط ، وهو لايصدق عرفاً إلا مع التوالى عرفاً ، كعنوان الأذان والصلاة فإنَّهما لايصدقان عرفاً بدون توالٍ بين أجزائهما.

٨ ـ وأمّا أنَّ البدء والختم بالحجر الأسود ، فلصحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « من اختصر فى الحِجْر الطواف فليُعد طوافه من الحجر الأسود إلي الحجر الأسود ». (٣)

على أنَّ السيرة القطعية المتوارثة بين جميع المسلمين على ذلك تورث الاطمئنان للفقيه بذلك ، إذ لو كان الواجب غير ذلك لبان.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٥٣ من أبواب الطواف.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٤ من أبواب الطواف ، حديث ١٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٣١ من أبواب الطواف ، حديث ٣.

٢٦٠