دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٣

كتاب الزكاة

بِمَ تتعلّق الزكاة؟

شرائط عامة

شرائط الوجوب فى الأنعام

شرائط الوجوب فى النقدين

شرائط الوجوب فى الغلاّت

المستحقّون للزكاة

أوصاف المستحقين

أحكام عامة

زكاة الفطرة

٢٠١
٢٠٢

بِمَ تتعلّق الزكاة؟

تتعلّق الزكاة بتسعة أشياء : الأنعام الثلاثة ، والنقدين ، والغلاّت الأربع.

والمستند فى ذلك :

صحيحة الفضلاء عن أبى جعفر وأبى عبداللّه عليهما‌السلام : « فرض اللّه عزّوجلّ الزكاة مع الصلاة فى الأموال. وسنّها رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فى تسعة أشياء وعفى عما سواهنّ : في الذهب والفضّة ، والإبل والبقر والغنم ، والحنطة والشعير والتمر والزبيب. وعفي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عما سوى ذلك » (١) وغيرها.

وفى مقابلها صحيحة محمد بن مسلم : « سألته عن الحبوب ما يزكى منها؟ قال عليه‌السلام : البرّ والشعير والذرة والدخن والأرز والسلت والعدس والسمسم. كل هذا يزكى وأشباهه » (٢).

ويمكن الجمع بحمل الثانية على الإستحباب.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٨ من أبواب ما يجب فيه الزكاة ، حديث ٤.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٩ من أبواب ما يجب فيه الزكاة ، حديث ٤.

٢٠٣

شرائط عامة

لا تجب الزكاة إلا مع البلوغ ، والعقل ، والحرّية ، والملكيّة ، والتمكن من التصرف ، والنصاب.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما إعتبار البلوغ فى النقدين ، فمتسالم عليه وفى غيرهما مختلفٌ فيه.

ويمكن التمسك للإعتبار مطلقا بحديث رفع القلم(١) ، فإن دعوى إختصاصه برفع خصوص الأحكام التكليفية دون الوضعية لا وجه لها بعد إطلاق القلم المرفوع.

وضعف سند الحديث منجبر بشهرة العمل ، بناء على تمامية كبرى الإنجبار كما هو المعروف.

٢ ـ وأما إعتبار العقل ، فيكفى لإثباته حديث رفع القلم. وبغضّ النظر عن ذلك يكفى القصور فى المقتضي؛ فإن أدلة وجوب الزكاة حيث انّها تدل على الحكم التكليفى فلا يحتمل شمولها للمجنون. وتوجيه التكليف بالإخراج إلى الولى حيث انّه مشكوك فينفى بأصل البراءة.

٣ ـ وأما إعتبار الحرية ، فلصحيحة عبداللّه بن سنان عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : سأله رجل وأنا حاضر عن مال المملوك أعليه زكاة؟ فقال : « لا ولو كان ألف ألف درهم ... » (٢) وغيرها.

هذا بناء على أن العبد يملك كما هو ظاهر الصحيحة ـ وإلا فالأمر أوضح.

٤ ـ وأما إعتبار الملكية ، فمن المسلّمات ، فلا تجب الزكاة على الموهوب قبل

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٤ من أبواب مقدمة العبادات.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، حديث ٣.

٢٠٤

قبضه ولا على الموصى به قبل قبول الموصى له ولا على المباحات العامة ولا علي ما كان ملكا لجهة ، كالبستان الموقوف على العلماء.

والوجه : إقتضاء الأصل لذلك بعد الشك فى إعتبار الملكية ، وظاهر قوله تعالي : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم ) (١) ، فإن عنوان « أموالهم » لا يصدق إلا مع الملكية الشخصية.

٥ ـ وأما إعتبار التمكن من التصرف ، فمتسالم عليه ، فلا تجب الزكاة في المسروق والمجحود ونحوهما لموثقة زرارة عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه. قال : فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكّاه لعام واحد ، فإذا كان يدعه متعمّدا وهو يقدر على أخذه ، فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين » (٢) وغيرها.

وسند الشيخ إلى ابن فضّال وإن إشتمل على عليّ بن محمد بن الزبير(٣) الذى لم يوثق ، إلا أن الأمر فيه سهل بعد كونه من مشايخ الإجازة.

٦ ـ وأما النصاب ، فهو وإن كان من الشرائط العامة إلا أنه لإختلاف كمّه بإختلاف ما تجب فيه الزكاة نتعرّض له فى الشرائط الخاصة.

شرائط الوجوب فى الأنعام

يلزم لوجوب الزكاة فى الأنعام ـ بعد الشرائط العامة ـ توفّر :

أ ـ النصاب. وفى الإبل إثنا عشر نصاباً : ٥ : شاة ، ١٠ : شاتان ، ١٥ : ثلاث شياة ، ٢٠ :

__________________

١ ـ التوبة : ١٠٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، حديث ٧.

٣ ـ راجع : مشيخة كتاب تهذيب الاحكام ، المذكورة آخره : ١٠ / ٥٥.

٢٠٥

أربع شياة ، ٢٥ : خمس شياة ، ٢٦ ، بنت مخاض ، ٣٦ : بنت لبون ، ٤٦ : حقّة ، ٦١ : جذعة ، ٧٦ : بنتا لبون ، ٩١ ، حقّتان ، ١٢١ : فى كل خمسين حقّة وفى كل أربعين بنت لبون. *

وفى البقر نصابان : ٣٠ : تبيع ، ٤٠ : مسنّة. ** والزائد عفو إلى أن يمكن حسابه بأحدهما أو بهما.

وفى الغنم خمسة نصب : ٤٠ : شاة ، ١٢١ : شاتان ، ٢٠١ : ثلاث شياة ، ٣٠١ : أربع شياة ، ٤٠٠ فمازاد : فى كل ١٠٠ شاة.

ب ـ السوم فترة الحول.

ج ـ عدم كونها عوامل.

د ـ مرور حول عليها عند مالكها جامعة للشرائط.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أن نصاب الإبل ما ذكر ، فلصحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام : « ليس فيما دون الخمس من الإبل شيء ، فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشرة ، فإذا بلغت عشرا ففيها شاتان ، فإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم ، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم ، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإذا لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا زادت على خمس وثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين ، فإذا زادت

__________________

* ـ ابن مخاص وبنت مخاص : هما من الإبل ما استكمل سنة ودخل فى الثانية.

وابن لبون وبنت لبون : هما من الإبل ما استكمل السنة الثانية ودخل فى الثالثة.

والحِق والحِقة : هما من الإبل ما استكمل ثلاث سنين ودخل فى الرابعة.

والجذع والجذعة ـ بفتح الجيم ـ هما من الإبل ما دخل فى السنة الخامسة.

** ـ التبيع : هو من البقر ما دخل فى السنة الثانية. والمسنّة : هى من البقر ما دخلت فى السنة الثالثة.

٢٠٦

واحدة ففيها حقة ـ وإنما سميّت حقة لأنها إستحقت أن يركب ظهرها ـ إلى ستين ، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها إبنتا لبون إلي تسعين ، فإن زادت واحدة فحقّتان إلى عشرين ومائة ، فإن زادت على العشرين والمائة واحدة ففى كل خمسين حقة وفى كل أربعين إبنة لبون » (١) وغيرها.

هذا ولكن ورد فى صحيحة الفضلاء عن أبى جعفر وأبى عبداللّه عليهما‌السلام : « فى صدقة الإبل فى كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ، ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ خمسا وثلاثين ، فإذا بلغت خمسا وثلاثين ففيها إبنة لبون ثم ... » (٢).

ومن المظنون وقوع الإشتباه بالحذف. والتقدير : فإذا بلغت ذلك وزادت واحدة ففيها إبنة مخاض ... فإذا بلغت خمسا وثلاثين وزادت واحدة ففيها إبنة لبون ....

٢ ـ وأما نصاب البقر ، فتدل عليه صحيحة الفضلاء عن أبى جعفر وأبي عبداللّه عليهما‌السلام : « فى البقر فى كل ثلاثين بقرة تبيع حولي ، وليس فى أقل من ذلك شييء. وفى أربعين بقرة مسنة ، وليس فيما بين الثلاثين الى الأربعين شيء حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنّة ، وليس فيما بين الأربعين الى الستين شيء ، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان الى السبعين ، فاذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنّة الى الثمانين ، فاذا بلغت ثمانين ففى كل اربعين مسنّة الى تسعين ... » (٣).

٣ ـ واما نصاب الغنم ، فتدل عليه صحيحة الفضلاء ايضاً عن ابى جعفر و

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، حديث ٦.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٤ من أبواب زكات الأنعام ، حديث ١.

٢٠٧

ابى عبدالله عليهما‌السلام : « فى كل أربعين شاةً شاةٌ ، وليس فيما دون الأربعين شيء ، ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتي تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياة ، ثم ليس فيها شيء أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمأة ، فإذا بلغت ثلاثمأة ، ففيها مثل ذلك ثلاث شياة ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياة حتى تبلغ أربعمائة ، فإذا تمت أربعمائة كان على كل مائة شاة ... » (١).

هذا ولكن فى صحيحة محمد بن قيس : « إنها إذا بلغت ثلاثمأة وكثرت الغنم ، ففي كل مائة شاة » (٢). ولازم ذلك كون النصب أربعة وإنكار النصاب الخامس.

والتعارض إن إستقر ولم يمكن الجمع بينهما ، فالمناسب طرح الصحيحة الثانية لموافقتها للتقيّة. (٣)

٤ ـ وأما إعتبار السوم وعدم كونها عوامل ، فلصحيحة الفضلاء عن أبى جعفر وأبى عبداللّه عليهما‌السلام : « ليس على العوامل من الإبل والبقر شيء وإنما الصدقات علي السائمة المرعية ... » (٤) وغيرها.

وطريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد صحيح(٥). وبقية أفراد السند ثقات.

٥ ـ وأما إعتبار مرور الحول ، فللصحيحة المتقدّمة حيث ورد فى ذيلها : « وكل

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، حديث ٢.

٣ ـ فقد ذكر العلاّمة الحلّى فى التذكرة(٥ / ٨٢) : «انّ ذلك رأى الشافعى ومالك وأبى حنيفة واحمد ».

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ٧ من أبواب زكاة الأنعام ، حديث ٥.

٥ ـ مشيخة تهذيب الأحكام : ١٠ / ٦٣.

٢٠٨

مالم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه فيه ، فإذا حال عليه الحول وجب عليه» (١) وغيرها.

شرائط الوجوب فى النقدين

يلزم لوجوب الزكاة فى النقدين ـ مضافا إلى الشرائط العامة ـ توفّر :

أ ـ النصاب. وهو فى الذهب عشرون مثقالاً ، ومن ثَمَّ أربعة أربعة. والفريضة ربع عشر. وفى الفضة مائتا درهم ، ومن ثَمَّ أربعون أربعون. والفريضة كذلك.

ب ـ الضرب بسكة المعاملة.

ج ـ مضيّ حول.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أن نصاب الذهب ما ذكر ، فلروايات كثيرة تتجاوز العشر ، كموثق على بن عقبة وعدّة من أصحابنا عن أبى جعفر وأبى عبداللّه عليهما‌السلام : « ليس فيما دون العشرين مثقالاً من الذهب شيء ، فإذا كملت عشرين مثقالاً ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين ، فإذا أكملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين ، فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة » (٢) وغيرها.

والدينار الشرعى يعادل مثقالاً واحدا بوزن ١٨ حمصة. وربع عشر العشرين نصف دينار ، وبضمّ الأربعة تكون الفريضة ثلاثة أخماس دينار.

وبإزاء الروايات المذكورة ، صحيحة الفضلاء عن أبى جعفر وأبى عبداللّه عليهما‌السلام : « فى الذهب فى كل أربعين مثقالاً مثقال ... وليس فى أقل من أربعين مثقالاً شيء » (٣)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٨ من أبواب زكاة الأنعام ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٨ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، حديث ٥.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٨ من ابواب زكاة الذهب والفضة ، حديث ١٣.

٢٠٩

ومثلها صحيحة زرارة.

والجمع بالحمل على الإستحباب إن لم يكن عرفيا ، فالمناسب الأخذ بالطائفة الأولى لأنها لكثرتها تشكّل عنوان السنة القطعية ، وبذلك يصدق على الطائفة الثانية عنوان المخالف للسنة القطعية فيلزم طرحها.

٢ ـ وأما أن نصاب الفضّة ما ذكر ، فلموثق زرارة وبكير ابنى اَعْيَن حيث سمعا أباجعفر عليه‌السلام يقول : « فى الزكاة ... ليس فى أقل من مأتى درهم شيء ، فاذا بلغ مأتي درهم ففيها خمسة دراهم ، فما زاد فبحساب ذلك. وليس فى مأتى درهم واربعين درهماً غير درهم إلا خمسة الدراهم ، فإذا بلغت أربعين ومأتى درهم ففيها ستة دراهم ، فإذا بلغت ثمانين ومأتى درهم ففيها سبعة دراهم ، وما زاد فعلى هذا الحساب ... » (١). وغيره.

٣ ـ وأما اعتبار الضرب بسكة المعاملة ، فلصحيحة على بن يقطين عن أبي ابراهيم عليه‌السلام : « يجتمع عندى الشيء الكثير قيمته فيبقى نحواً من سنة أنزكّيه؟ فقال : لا ، كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة ـ وكل ما لم يكن ركازاً فليس عليك فيه شيء. قلت : وما الركاز؟ قال : الصامت المنقوش. ثم قال : إذا أردت ذلك فأسبكه فإنه ليس فى سبائك الذهب ونقار الفضة شيء من الزكاة » (٢) وغيرها. والمراد بالمنقوش ما كان كذلك بسكة المعاملة وإلا فالسبيكة قد يكون فيها نقش ايضاً.

وبذلك يتضح عدم تعلق الزكاة بالذهب والفضة فى مثل زماننا.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من ابواب زكاة الذهب والفضة ، حديث ١٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٨ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، حديث ٢.

٢١٠

٤ ـ وأما اعتبار مضى حول ، فللصحيحة المتقدمة.

شرائط الوجوب فى الغلاّت

يلزم لوجوب الزكاة فى الغلاّت الأربع ـ مضافاً الى الشرائط العامة ـ توفّر :

أ ـ النصاب. وهو خمسة أوسق ـ والوسق ٦٠ صاعاً ـ التى تساوى ٨٤٧ كغم تقريباً؛ والفريضة نصف العشر فيما يستقى بالوسائل المعدَّة من المالك كالماكنة ونحوها ، والعشر فيما يستقى لا كذلك.

ب ـ ثبوت الملكية عند تعلق الوجوب ولو بغير الزراعة.

وفى وقت الوجوب خلاف.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما بالنسبة الى مقدار النصاب ، فقد دلّت عليه روايات قد تتجاوز العشر ، كصحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام : « ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوسق ـ والوسق ستون صاعاً فذلك ثلاثمأة صاع ـ ففيه العشر. وما كان منه يسقى بالرّشا والدوالى والنواضح ففيه نصف العشر. وما سقت السماء او السيح او كان بعلاً ففيه العشر تاماً. وليس فيما دون الثلاثمأة صاع شيء. وليس فيما أنبتت الارض شيء إلا فى هذه الأربعة اشياء ». (١)

هذا وفى مقابل ذلك موثق الحلبى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « سألته فى كم تجب الزكاة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر؟ قال : فى ستين صاعاً ». (٢)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من أبواب زكاة الغلات ، حديث ٥.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من أبواب زكاة الغلات ، حديث ١٠.

٢١١

وإذا كان الجمع بحمل الثانية على الإستحباب عرفيا تعيّن المصير إليه وإلا إستقر التعارض وتعيّن طرح الثانية؛ لأن الاولى لكثرتها تمثل سنة قطعية ، ومخالفها يلزم طرحه.

٢ ـ وأما أن مقدار الفريضة ما ذكر ، فللصحيحة السابقة وغيرها.

٣ ـ وأما اشتراط التملك وقت الوجوب ، فلأنّ الوجوب يتعلّق بالمالك دون غيره.

وأما عدم اشتراط التملك بالزراعة فلأن النصوص وإن كانت قاصرة عن اثبات التعميم ، لعدم كونها فى مقام البيان من الجهة المذكورة إلا أن اتفاق المسلمين علي ذلك كافٍ فى اثبات ذلك.

٤ ـ وأمّا وقت الوجوب ، فالمشهور كونه فى الحنطة والشعير اذا اشتدّ الحبُّ ، وفى ثمر النخل إذا احمرَّ أو اصفرَّ ، وفى ثمر الكرم عند انعقاده حصرماً.

وذهب غير واحد من المتأخّرين الى كون المدار على صدق عنوان الحنطة ونحوه ، لأخذ ذلك فى لسان الروايات فيكون المدار على صدقه.

نعم فى خصوص الزبيب يكون المدار فى وقت الوجوب على صدق عنوان العنب وان كان المدار فى بلوغ خمسة أوسق على ملاحظة عنوان الزبيب لصحيحة سليمان بن خالد عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « ليس فى النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيباً » (١).

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من أبواب زكاة الغلات ، حديث ٧.

٢١٢

المستحقون للزكاة

مصرف الزكاة كما يلي :

١ و ٢ ـ الفقير والمسكين. والثانى أسوء حالاً من الأول.

ومدّعى الفقر يصدَّق مع الوثوق أو العلم بفقره سابقاً ولو منذ الولادة وعدم العلم بطروّ الغنى عليه كما هو الغالب.

٣ ـ العاملون عليها. وهم المنصوبون لأخذ الزكاة وضبطها وايصالها وسائر شؤونها ولايلزم الفقر فيهم.

٤ ـ الموءلّفة قلوبهم. وهم ضعيفو الاسلام ، يدفع لهم من الزكاة ليحسن اسلامهم. وقيل بعموم ذلك للكفار الذين يدفع لهم من الزكاة ، لاستمالتهم الى الاسلام او الدفاع عن المسلمين او جهاد الكفار.

٥ ـ الرقاب. وهم العبيد ، يدفع لهم من الزكاة ليعتقوا إما لأنهم مكاتبون مكاتبة مطلقة او مشروطة وبحاجة الى أداء مال الكتابة او لأنهم تحت الشدّة او لأجل عتقهم ولو لم يكونوا كذلك.

٦ ـ الغارمون. وهم من اثقلتهم الديون وعجزوا عن أدائها بشرط عدم صرفها فى المعصية.

٧ ـ سبيل اللّه. وهو جميع سُبل الخير لا خصوص الجهاد.

٨ ـ ابن السَّبيل. وهو المسافر الّذى نفدت نفقته.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما تحديد المصرف بما ذكر ، فلقوله تعالي : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل اللّه وابن السبيل

٢١٣

فريضة من اللّه واللّه عليم حكيم ) (١).

وأما أن الثانى اسوء حالاً ، فلصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام حينما سُئل عن الفقير والمسكين ، فقال : « الفقير الذى لا يسأل ، والمسكين الذى هو أجهد منه الذى يسأل » (٢) وغيره.

٢ ـ وأما أن مدعى الفقر يصدَّق مع الوثوق ، فلحجّية الإطمئنان بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع.

واما الحكم بالتصديق ـ فى حالة عدم الوثوق ـ فى الفرض المتقدم ، فلاستصحاب الفقر الثابت سابقاً.

٣ ـ وأما تفسير العاملين بما ذكر ، فهو من باب الأخذ بظاهر اللفظ فى الإطلاق.

وبه يتّضح الوجه فى عدم اشتراط الفقر. مضافاً الى التمسك بقرينة المقابلة.

٤ ـ وأما تفسير المؤلفة قلوبهم بخصوص المسلمين المذكورين ، فيستند الى تفسير بعض الروايات بذلك ، ففى صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « سألته عن قول اللّه عزّوجلّ : والمؤلفة قلوبهم قال : هم قوم وحّدوا اللّه عزّوجلّ وخلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه وشهدوا أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم فى ذلك شكّاك في بعض ما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر اللّه عزّوجلّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتألّفهم بالمال والعطاء لكي يحسن اسلامهم ... » (٣).

واستظهار الاختصاص لو تَمَّ ، تكون الصحيحة معه مقيّدة لإطلاق الآية الكريمة

__________________

١ ـ التوبة : ٦٠.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من ابواب المستحقين للزكاة ، حديث ٢.

٣ ـ اصول الكافي : ٢ / ٤١١ ، حديث ٢.

٢١٤

إلا أن ذلك قد يتأمّل فيه فيكون الإطلاق محكّماً.

٥ ـ وأما تفسير الرقاب بالسعة المذكورة ، فلإطلاق الآية الكريمة.

٦ ـ وأما إعتبار العجز عن اداء الدين فى الغارمين بالرغم من إطلاق الآية الكريمة ، فللجزم بذلك من الخارج.

٧ ـ وأما إعتبار عدم الصرف فى المعصية ، فلعدم جواز الدفع لمن استدان للمعصية ، إذ لازم ذلك التشجيع على صدورها. هذا فى غير من تاب ، وأما التائب فالحكم بعدم جواز الدفع اليه مبنى على الاحتياط تحفّظاً من مخالفة الإجماع المحتمل.

٨ ـ وأما تفسير سبيل اللّه بما ذكر ، فهو لـلإطلاق. وتفسيره بخصوص الجهاد ـ كما عن بعض إما للإنصراف او لبعض الأخبار الضعيفة ـ غير سديد.

٩ ـ وأما تفسير ابن السبيل بما ذكر ، فلأنه معناه اللغوي.

اوصاف المستحقين

يلزم فى المستحق للزكاة توفّر :

١ ـ الايمان ، فلا يعطى المخالف ولا الكافر إلا من سهم الموءلّفة قلوبهم وسبيل اللّه فى الجملة.

وإذا استبصر المخالف أعاد الزكاة فقط إذا لم يضعها فى محلها.

٢ ـ أن لا يكون من أهل المعاصى بحيث يوجب الدفع إليه التّشجيع على ذلك.

٣ ـ أن لا يكون واجب النفقة على المزكّي ، فإنه لا يجوز الدّفع إليه إلا فى المجال الذى لا يجب فيه الإنفاق.

٤ ـ أن لا يكون هاشمياً إذا كانت الزّكاة من غيره. والمحرَّم من الصّدقة خصوص

٢١٥

الزّكاة الواجبة دون غيرها.

والهاشميُ هو المنتسب الى هاشم بالأب دون الأم.

ولا يثبت الانتساب بمجرد الدعوى بل لابدَّ من البيّنة او الإطمئنان.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما عدم جواز دفع الزكاة الى المخالف ، فلصحيح بريد بن معاوية عن ابي عبداللّه عليه‌السلام : « ... كل عمل عمله وهو فى حال نصبه وضلالته ثم مَنَّ اللّه عليه وعرّفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة لأنه يضعها فى غير مواضعها لأنها لأهل الولاية ، وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء » (١).

وهو يدل على عدم جواز دفعها الى الكافر بعد ضمّ الاولوية.

٢ ـ وأما جواز دفعها اليه من سهم المؤلفة قلوبهم ، فذلك مبنى على تفسير المؤلفة بما يعمّ الكافر حسبما تقدّم.

وأما جواز دفعها من سهم سبيل اللّه فى الجملة ، فكما لو كان الصرف على الكافر او المخالف لمصلحة المؤمن فإنه يرجع فى حقيقته الى الصرف على المؤمن.

٣ ـ وأما عدم وجوب الإعادة على من استبصر الا بالنسبة الى الزكاة ، فللصحيح السابق.

وأما عدم وجوب اعادتها مع الوضع فى محلها ، فلعدم الموجب لذلك. مضافاً الي دلالة الصحيح على ذلك ايضاً.

٤ ـ وأما عدم جواز الدفع الى أهل المعاصى بالشرط المتقدّم ، فلأن جواز الدفع

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٣ من ابواب المستحقين للزكاة ، حديث ١.

٢١٦

اليهم خلف وجوب النهى عن المنكر او لأن التشجيع على المعصية تعلم مبغوضيته شرعاً بعنوانه.

٥ ـ وأما اعتبار الشرط الثالث ، فلصحيح عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبداللّه عليه‌السلام : « خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً : الأب والأم والولد والمملوك والمرأة ، وذلك أنهم عياله ولازمون له » (١) وغيره.

وأما وجه الإستثناء ـ كالإنفاق لقضاء الدين ـ فللتمسك بالمطلقات بعد اختصاص الصحيح بالنفقة الـلازمة.

٦ ـ وأما اشتراط أن لا يكون هاشميّاً اذا كانت الزكاة من غيره ، فلموثّق زرارة عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « قلت له : صدقات بنى هاشم بعضهم على بعض تحلّ لهم؟ فقال : نعم ، إن صدقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله تحلّ لجميع الناس من بنى هاشم وغيرهم ، وصدقات بعضهم على بعض تحل لهم ، ولا تحل لهم صدقات انسان غريب » (٢) وغيره.

٧ ـ وأما أن المحرَّم خصوص الزكاة دون الصدقة المندوبة بل والواجبة ، كالكفارات وردِّ المظالم واللقطة ، فلموثق اسماعيل بن الفضل الهاشمي : « سألت أباعبداللّه عليه‌السلام عن الصدقة التى حرمت على بنى هاشم ما هي؟ فقال : هى الزّكاة » (٣) وغيره ، بل يكفى القصور فى المقتضى بناء على انصراف لفظ « الصدقات » فى موثق زرارة الى خصوص الزكاة الواجبة.

٨ ـ وأما أن المدار فى الانتساب على الأب ، فقد خالف فيه صاحب الحدائق

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١٣ من ابواب المستحقين للزكاة ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٢ من أبواب المستحقين للزكاة ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٢ من ابواب المستحقين للزكاة ، حديث ٥.

٢١٧

حيث قال بكفاية الانتساب بالأم ـ موافقاً فى ذلك للسيد المرتضى ـ استناداً الى أن ولد البنت ولد ، أيضاً. (١)

وفيه : أن ذلك وإن كان حقاً ـ ولذا كان اولاد بضعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله اولاداً له ، وكان عيسى من ذرّية ابراهيم عليهما‌السلام إلا أن المدار ليس على ذلك بل على صدق عنوان بني هاشم ، وهو كعنوان بنى تميم لا يكفى فيه الانتساب بالاُم.

١٠ ـ وأما عدم كفاية الدعوى فى ثبوت الانتساب ، فقد خالف فيه الشيخ كاشف الغطاء قدس‌سره قياساً على دعوى الفقر حيث تقبل(٢).

وفيه : ان القياس مع الفارق إذ الفقر هو الحالة الأولى عادة فى حياة الانسان ، فيستصحب بخلاف الانتساب الى هاشم ، فانه مشكوك من السابق وليس بمحرز ليستصحب.

وإذا كان مقصود كاشف الغطاء ان الإنسان اعرف بنفسه من غيره ، فلو صُدِّق لأجل ذلك عند دعواه الفقر ، فيلزم أن يُصدَّق فى دعواه الانتساب أيضاً؛ فالجواب ان الاعرفية مسلّمة بالنسبة الى الفقر دون الانتساب كما هو واضح.

١١ ـ وأما الإكتفاء بالبيّنة والإطمئنان ، فلما تقدّم فى أبحاث سابقة من إثبات حجيتهما بشكل عام.

__________________

١ ـ الحدائق الناضرة : ١٢ / ٣٩٦.

٢ ـ جواهر الكلام : ١٦ / ١٠٥.

٢١٨

احكام عامة

يجوز للمالك عزل الزكاة والتصرف فى الباقي. ويصير المعزول ملكاً للمستحقين ويكون أمانة بيده لا يضمنه إلا مع التفريط. ولا يجوز تبديله بعد العزل.

ومع دفع الزكاة باعتقاد الفقر واتضاح العدم يلزم استرجاعها مع تعيّنها بالعزل ، ومع تلفها لا يكون ضمان مع عدم التفريط بل يضمنها المدفوع اليه اذا كان يعلم بواقع الحال.

ومن دفع باعتقاد وجوب الزكاة عليه وبانَ العدمُ لم يُجزِه ذلك عمّا يجب عليه بعد الدفع لو فرض تلف العين وجاز له الاسترجاع مع بقائها والمطالبة ببدلها مع تلفها وعلم المدفوع اليه بواقع الحال.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما جواز العزل ـ بمعنى صحته ـ فهو وان كان على خلاف القاعدة إلا أنه بعد ثبوت ولاية المالك على ذلك بالدليل يؤخذ به ، وهو مثل صحيح يونس بن يعقوب : « قلت لأبى عبداللّه عليه‌السلام : زكاتى تحل عليّ فى شهر أيصلح لى أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئنيء من يسألني؟ فقال : إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلطها بشيء ثم اعطها كيف شئت ... » (١) وغيره.

ومع ثبوت الولاية على العزل وتحققه تترتب ثمراته المتقدمة بخلاف ما إذا لم تثبت ، فانه لا يجوز التصرف ويوزَّع التالف لكونه لازم الإشاعة.

٢ ـ وأما وجوب إسترجاعها مع تعيّنها بالعزل واتضاح عدم الفقر ، فواضح بعد

__________________

١ـ وسائل الشيعة : باب ٥٢ من أبواب المستحقين للزكاة ، حديث ٢.

٢١٩

تعيّنها للزكاة واشتغال الذمّة بدفعها بالخصوص. أجل مع عدم تعيّنها بالعزل لا يلزم استرجاعها بل يجوز دفع البديل عنها فيما إذا أمكن وإلا لزم استرجاعها أيضاً مقدمة لأداء الواجب.

٣ ـ وأما أنه لا ضمان مع تلفها لو لم يكن تفريط ، فلأنه بعد عزلها تتعيّن حقاً للجهة وتبقى أمانة بيد المالك لا يضمنها إلا مع التفريط.

وأما أن المدفوع اليه يضمنها مع اطلاعه على واقع الحال ، فلقاعدة على اليد.

٤ ـ وأما عدم الإجزاء مع اعتقاد الوجوب واتضاح العدم ، فلعدم الموجب له.

وأما جواز الاسترجاع ، فواضح بعد عدم تحقق الانتقال.

وأما جواز المطالبة بالبدل مع العلم بواقع الحال ، فلقاعدة على اليد.

وأمّا مع الجهل بواقع الحال ، فلا ضمان عليه للتغرير.

زكاة الفطرة

تجب زكاة الفطرة على البالغ ، العاقل ، الغني ، الحر ، غير المغمى عليه طيلة وقت الوجوب.

واعتبر المشهور اجتماع الشّرائط قبل الغروب من ليلة العيد آناً ما حتى تحققه.

والمشهور ابتداء وقت الوجوب بغروب ليلة العيد وانتهاؤه بزوال يومه لمن لم يصلِّ صلاة العيد.

ومع عزلها فى الوقت المذكور يجوز تأخير دفعها لغرض عقلائي ، وبالعزل تتعيّن.

ويجب اخراج المكلف لها عن نفسه وعن كل من يعول به بما فى ذلك الضّيف مع صدق العيلولة.

٢٢٠