دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٣

والواجب صاع من القوت الغالب وهو ثلاثة كيلوات تقريباً. ويجزئ دفع القيمة. ومصرفها مصرف زكاة المال.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أصل وجوب زكاة الفطرة التى هى قسم من الزكاة فى مقابل زكاة المال ، فمتسالم عليه. والنصوص به كثيرة ويأتى بعضها. وقد فسّر قوله تعالي : ( قد افلح من تزكّى وذكر اسم ربه فصلّى ) (١) بذلك ، كما فى بعض الأخبار(٢).

٢ ـ وأما اشتراط وجوبها بالبلوغ والعقل ، فللقصور فى المقتضي ، ولحكومة حديث رفع القلم(٣) بالبيان المتقدّم فى زكاة المال.

٣ ـ وأما اعتبار الغنى ـ ملك قوت السنة ـ فلصحيح الحلبى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « سُئل عن رجل يأخذ من الزكاة ، عليه صدقة الفطرة؟ قال : لا » (٤) وغيره.

إلا أن فى مقابله صحيح زرارة : « قلت لأبى عبداللّه عليه‌السلام : الفقير الذى يتصدق عليه ، هل عليه صدقة الفطرة؟ فقال : نعم ، يُعطى مما يُتصدق به عليه » (٥).

ويمكن الجمع بحمل الثانى على الاستحباب.

٤ ـ وأما اشتراط الحرية ، فلكون العبد فقيراً بناء على عدم ملكيته ، وإلاّ فالمستند منحصر بالتسالم.

__________________

١ ـ الأعلي : ١٥.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من ابواب زكاة الفطرة ، حديث ٥.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٤ من ابواب مقدمة العبادات.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من ابواب زكاة الفطرة ، حديث ١.

٥ ـ وسائل الشيعة : باب ٣ من ابواب زكاة الفطرة ، حديث ٢.

٢٢١

٥ ـ وأما اعتبار عدم الإغماء ، فهو المشهور حتى لو لم يكن مستوعباً لتمام الوقت ، ولكن لا دليل عليه فتشمله اطلاقات الادلة. أجـل ، مع استيعابه لتمام وقت الوجوب يكون السقوط على القاعدة لأنه مادام كذلك فلا تكليف بالأداء ، والخطاب بالقضاء بعد ذلك يحتاج الى دليل ، وهو لفقدانه تجرى البراءة عنه.

وما ذكر يجرى فى النائم وغيره من ذوى الأعذار أيضاً إلاّ ان يقوم اجماع علي الخلاف.

٦ ـ وأما اعتبار اجتماع الشّرائط قبل الغروب ، فلما رواه الصدوق باسناده عن على بن أبى حمزة عن معاوية بن عمار عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « المولود يولد ليلة الفطر ، واليهودى والنصرانى يسلم ليلة الفطر ، قال : ليس عليهم فطرة ، وليست الفطرة إلا على من ادرك الشهر » (١) ، فإنه يدل بوضوح على لزوم إدراك شهر رمضان من دون خصوصيّة للمورد. ومن هنا اعتبر المشهور لزوم تحقق الشروط قبل الغروب بآن واستمرارها اليه ليصدق إدراك الشهر ولا يكفى تحققها بعده.

٧ ـ وأما ابتداء وقت الوجوب من الغروب ، فقد استدلّ له بحديث معاوية المتقدم حيث دلّ على لزوم تحقق الشروط قبل الغروب واستمرارها اليه ، وهذا يفهم منه أن ابتداء وقت الوجوب هو الغروب ، ولذا اعتبر اجتماع الشّرائط قُبيله.

٨ ـ وأما استمرار الوجوب الى الزوال ، فليس عليه دليل واضح من الروايات ولكنَّه مشهور بين الأصحاب ، فمن كان يرى حجية الشهرة الفتوائية امكنه الاستناد اليها فى الحكم بذلك.

إلا أن تحقيق ذلك غير مهم بعد لزوم إخراجها بعد الزوال أيضاً ، ففى صحيح

__________________

١ـ وسائل الشيعة : باب ١١ من أبواب زكاة الفطرة ، حديث ١.

٢٢٢

زرارة عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « رجل اخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها أهلاً ، فقال : إذا أخرجها من ضمانه فقد برء وإلا فهو ضامن لها حتى يؤدّيها الى اربابها » (١).

وقد يستفاد من الصحيح استمرار وقت الوجوب الى ما بعد الزوال.

وأما أن من يصلى صلاة العيد يخرجها قبل أدائها ، فلموثق اسحاق بن عمار : « سألته عن الفطرة ، فقال : إذا عزلتها فلا يضرّك متى اعطيتها قبل الصلاة او بعد الصلاة » (٢) وغيره.

٩ ـ وأما جواز التأخير لغرض عقلائى مع العزل ، فللموثق المتقدم.

وأما اعتبار الغرض العقلائى فى التأخير ، فلأجل أن لا يتحقق التهاون في أداء الواجب.

والإحتياط يقتضى الإسراع فى دفعها ، لإحتمال كون المقصود من بعديّة الصلاة البعديّة العرفيّة.

١٠ ـ وأما عدم جواز تبديلها بعد العزل ، فلأن ظاهر ما دلَّ على العزل تعيّنها به ، ولا دليل على الولاية على التبديل بعد ذلك.

١١ ـ وأما دوران الوجوب مدار العيلولة ، فلصحيحة عمر بن يزيد : « سألت أباعبداللّه عليه‌السلام عن الرجل يكون عنده الضيف من اخوانه فيحضر يوم الفطرة ، فقال : نعم الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو أنثى صغير او كبير حرٍ او مملوك » (٣) وغيرها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١٣ من أبواب زكاة الفطرة ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١٣ من أبواب زكاة الفطرة ، حديث ٤.

٣ـ وسائل الشيعة : باب ٥ من أبواب زكاة الفطرة ، حديث ٢.

٢٢٣

١٢ ـ ومنه يتضح الحال فى الضيف وأن وجوب دفع الفطرة عنه منوط بصدق كونه يعوله ، فاذا كان شخص ضيفاً على غيره قبل حضور يوم الفطر ثم حضر لزمت فطرته على المضيف فيما إذا صدق أنه يعوله. فصدق عنوان الضيف وحده لايكفي ، كما لا يلزم بقاؤه طيلة شهر رمضان او فى النصف الأخير منه ، وغير ذلك من الاقوال فى المسألة.

١٣ ـ وأما أن الفطرة صاع ، فلصحيحة معاوية بن وهب : « سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول فى الفطرة : جرت السنة بصاع من تمر او صاع من زبيب او صاع من شعير ، فلما كان زمن عثمان وكثرت الحنطة قوّمه الناس (١) فقال : نصف صاع من برٍ بصاع من شعير » (٢) وغيرها.

وأما مثل صحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « صدقة الفطرة ... عن كل انسان نصف صاع من حنطة او شعير او صاع من تمر او زبيب لفقراء المسلمين » (٣) وغيرها ، فساقط عن الحجية لهجرانه لدى الاصحاب.

١٤ ـ وأما أن المدار على القوت الغالب ـ بالرغم من أن الوارد فى بعض الروايات عنوان الغلات الأربع او باضافة غيرها كالأقط ـ فلصحيحة زرارة وابن مسكان جميعاً عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « الفطرة على كل قوم مما يغذون عيالهم من لبن او زبيب او غيره » (٤) وغيرها ، فإنه لأجلها يلزم حمل ما ورد فيه عنوان الغلات الاربع

__________________

١ ـ ذكر الفيض الكاشانى فى الوافي : ١٠ / ٢٥٣ فى توضيح المقصود : « انّ الناس كانوا يزكّون فى البداية من غير الحنطة لقلتها ، فلمّا كثرت قوّموها ووازنوا قيمة الصاع من الشعير بنصف صاع من الحنطة وحكم الخليفة الثالث بدفع نصف صاع من الحنطة ، لأنّه يعادل صاعاً من الشعير.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٦ من ابواب زكاة الفطرة ، حديث ٨.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٦ من ابواب زكاة الفطرة ، حديث ١١.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ٨ من ابواب زكاة الفطرة ، حديث ٦.

٢٢٤

ونحوها على المثاليّة. ويؤكّد ذلك اختلاف الرّوايات فى عدد المذكور فيها.

١٥ ـ وأما أن مقدار الصاع ما ذكر ، فلأن الصاع يساوى أربعة أمداد ، والمُد ثلاثة ارباع الكيلو تقريباً.

١٦ ـ وأما إجزاء القيمة ، فلموثقة اسحاق بن عمار الصيرفي : «قلت لأبي عبداللّه عليه‌السلام : جعلت فداك ما تقول فى الفطرة يجوز أن اُؤدّيها فضّة بقيمة هذه الاشياء الّتى سميتها؟ قال : نعم ، إن ذلك انفع له يشترى ما يريد » (١) وغيرها.

١٧ ـ وأما أن مصرفها مصرف زكاة المال ، فلأنها مصداق للزكاة والصدقة فيشملها اطلاق آية الزكاة الواردة لبيان مصرفها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٩ من ابواب زكاة الفطرة ، حديث ٦.

٢٢٥

كتاب الخمس

ما يجب فيه الخمس

أحكام خاصة بفاضل الموؤنة

كيفيّة تقسيم الخمس

٢٢٦

ما يجب فيه الخمس

يجب الخمس فى سبعة أشياء :

١ ـ غنائم الحرب.

٢ ـ المعادن إذا بلغت قيمتها عشرين ديناراً. ومع الشّكِّ فى بلوغها ذلك لا يجب التخميس ، والخمس يتعلق بالباقى بعد استثناء مؤونة التحصيل إذا كان المجموع بقطع النظر عن الإستثناء بالغاً حدَّ النّصاب.

٣ ـ الكنز إذا بلغ عشرين ديناراً أو مأتى درهم وكان من الذهب والفضة المسكوكين. والكلام فى المؤونة هو الكلام فى المعدن.

٤ ـ ما اُخرج من الماء بالغوص إذا بلغ ديناراً بعد استثناء المؤونة.

٥ ـ المال المختلط بالحرام إذا لم يتميز ولم يعرف صاحبه ولا مقداره.

٦ ـ الأرض التى اشتراها الذّميُّ من مسلم.

٧ ـ ما يفضل من مؤونة السَّنة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما اصل وجوب الخمس ، فهو من ضروريات الدين. وقد دلَّ عليه قوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شي ءٍ فانَّ للّه خُمُسَهُ وللرسول ولذى القربى واليتامي

٢٢٧

والمساكين وابن السبيل ... ) (١).

ولم يقع الخلاف بيننا وبين غيرنا فى اصل وجوبه فى الجملة ، وإنما الخلاف في عمومه لغير غنائم الحرب ، فقال غيرنا بالعدم ، وبذلك لا يبقى مورد للخمس في زماننا أو يقل ، بينما المعروف بيننا العموم لوجهين : ـ

الاول : إن الغنيمة لغة * تعمّ مطلق الفائدة لا خصوص غنائم الحرب ، كما ورد ذلك فى قوله تعالي ( تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند اللّه مغانم كثيرة ) (٢).

والسياق لا يدل على الاختصاص ، لإمكان أن يكون ذلك من باب تطبيق الكلي على بعض مصاديقه.

الثانى : الروايات الخاصة الآتية فيما بعد ان شاءاللّه تعالى.

٢ ـ وأما ثبوته فى غنائم الحرب ، فهو القدر المتيقن من الآية الكريمة بل ذلك موردها.

٣ ـ وأما المعادن ، فلا إشكال فى وجوب الخمس فيها لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال : كل ما كان ركازاً ففيه الخمس » (٣) وغيرها مما هو كثير؛ على أن إطلاق آية الغنيمة كافٍ.

٤ ـ وأما اعتبار بلوغ قيمتها عشرين ديناراً ، فلصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عمّا اخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟

__________________

١ ـ الأنفال : ٤١.

* ـ ففى القاموس فى مادة غنم : « غَنِمَ بالكسر .... الفوز بالشيء بلا مشقة ». وفى لسان العرب : « الغنم : الفوز بالشيء من غير مشقة ». وفى كتاب العين : ٤ / ٤٢٦ : « الغنم : الفوز بالشيء فى غير مشقة ».

٢ ـ النساء : ٩٤.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، حديث ٣.

٢٢٨

قال : ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون فى مثله الزكاة عشرين ديناراً » (١).

إلاّ أنها معارضة بروايته الأخرى عن محمد بن على بن أبى عبداللّه عن أبي الحسن عليه‌السلام : « سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضة هل فيها زكاة؟ فقال : إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس » (٢).

وقد يجمع بينهما بحمل الثانية على الاستحباب والاولى على الوجوب ، فإن تَمَّ ذلك والاّ طرحنا الثانية لشذوذها وعدم نسبة العمل بها الاّ الى أبي الصلاح الحلبى. (٣)

وقد يقال : لا نحتاج الى جمع فى البين بعد ضعف الثانية بجهالة راويها.

ويمكن الجواب : إن رواية البزنطى عنه ـ الذى هو من احد الثلاثة بل من اصحاب الإجماع ـ يرفعها الى مستوى الاعتبار.

٥ ـ وأما عدم الوجوب مع الشك ، فلاستصحاب عدم بلوغ النصاب بنحو العدم النعتى إذا كان الإخراج تدريجياً أو بنحو العدم الأزلى ـ بناء على حجيّته ـ إذا لم يكن كذلك أو للبراءة مع تعذّر الرجوع الى الاستصحاب.

٦ ـ وأما تعلّق الخمس بالباقى بعد استثناء مؤونة التحصيل ، فلما ورد عن أبي جعفر الثانى عليه‌السلام بنحو القانون الكلى : « الخمس بعد المؤونة » (٤).

على أن موضوع وجوب الخمس ليس الاّ الغنيمة والفائدة ـ كما دلّت عليه آية الغنيمة ـ وإنما وجب فى المعدن ونحوه لكونه مصداقاً لها ؛ ومن الواضح أن العنوان

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٤ من ابواب ما يجب فيه الخمس ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٣ من ابواب ما يجب فيه الخمس ، حديث ٥.

٣ ـ الحدائق الناضرة : ١٢ / ٣٣٠.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ٣ من ابواب ما يجب فيه الخمس ، حديث ١.

٢٢٩

المذكور لا يصدق إلاّ على الباقى بعد استثناء المؤونة.

٧ ـ وأما أن المدار فى النصاب على ملاحظة المجموع دون خصوص الباقي ـ خلافاً لصاحب الجواهر (١)ـ فلإطلاق البلوغ فى صحيحة البزنطى المتقدمة.

٨ ـ وأما تعلق الخمس بالكنز ، فممّا لا اشكال فيه لصحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « الخمس على خمسة اشياء : على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة ... » ؛ ونسى ابن أبي عمير الخامس(٢) وغيرها.

ولايضر اشتمال السند على الارسال بعد كون المرسِل ابن أبي عمير ، ودلالة التعبير المذكور ـ عن غير واحد ـ عرفاً على ثلاثة فما فوق ، العدد الذى يبعد فيه بحساب الاحتمال الاجتماع على الكذب.

٩ ـ وأما اعتبار البلوغ عشرين ديناراً أو مأتى درهم ، فلصحيحة أحمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : « سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز ، فقال : ما تجب الزكاة فى مثله ، ففيه الخمس » (٣) بعد الالتفات الى أن الزكاة لا تجب الاّ فى عشرين ديناراً أو مأتى درهم.

١٠ ـ وأما اعتبار كونه من الذهب والفضة المسكوكين ، فلأن ذلك مقتضى التعبير فى الصحيحة السابقة ، إذ الزكاة ـ فيما عدا الغلاّت والأنعام ـ لا تجب إلا فى الذهب والفضة المسكوكين.

١١ ـ وأما أن المدار فى ملاحظة المؤونة هو المدار فى المعدن ، فلوحدة النكتة.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ١٦ / ٨٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٣ من ابواب ما يجب فيه الخمس ، حديث ٧.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٥ من ابواب ما يجب فيه الخمس ، حديث ٢.

٢٣٠

١٢ ـ وأما وجوب الخمس فيما اخرج بالغوص ، فلصحيحة ابن أبي عمير المتقدّمة وصحيحة عمّار الآتية وغيرهما.

١٣ ـ وأما اعتبار البلوغ ديناراً ، فلصحيحة البزنطى عن محمد بن على بن أبي عبداللّه المتقدمة فى المعادن.

١٤ ـ وأما استثناء المؤونة بنحو ما تقدم ، فلِما تقدم.

١٥ ـ واما وجوب الخمس فى المختلط ، فلصحيحة عمار بن مروان : « سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول : فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز ، الخمس » (١) وغيرها.

١٦ ـ وأمّا اعتبار عدم التمييز ، فلأنّه مع فرضه يكون لكلّ من المالين حكمه الخاص.

١٧ ـ وأما اعتبار الجهالة بصاحبه ، فللصحيحة المتقدمة.

ومع معرفته تصل النوبة الى التصالح لتعيين المقدار المجهول.

١٨ ـ وأما اعتبار الجهالة بمقداره ، فلعدم احتمال وجوب اخراج الخمس علي من علم بأن الحرام اكثر من الخمس بكثير أو اقل منه بكثير ، بل المفهوم من الصحيحة تقدير الحرام بالخمس تعبّداً عند الجهل المطلق.

١٩ ـ وأما وجوب الخمس فى الأرض التى اشتراها الذمّى من المسلم ، فلصحيحة أبي عبيدة الحذّاء : « سمعت أباجعفر عليه‌السلام يقول : ايّما ذمّى اشترى من مسلم ارضاً ، فإن عليه الخمس » (٢)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٣ من ابواب ما يجب فيه الخمس ، حديث ٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٩ من ابواب ما يجب فيه الخمس ، حديث ١.

٢٣١

٢٠ ـ وأما فاضل المؤونة ، فلم ينسب الخلاف فى وجوب الخمس فيه إلاّ الى ابن الجنيد وابن أبي عقيل لعبارة غير واضحة فى ذلك. (١)

ويدل على ذلك مضافاً الى اطلاق آية الغنيمة ، النصوص الخاصة التى كادت أن تبلغ حدَّ التواتر ، كموثقة سماعة : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الخمس فقال : فى كل ما افاد الناس من قليل أو كثير » (٢).

واطلاقها مقيَّد بما دلَّ على كونه بعد المؤونة ، كما فى صحيحة على بن مهزيار : « كتب إليه ابراهيم بن محمد الهمدانى .... فكتب وقرأه على بن مهزيار : عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وبعد خراج السلطان » (٣).

وعدم ثبوت وثاقة الهمدانى لاتضرُّ بعد قراءة ابن مهزيار بنفسه لجواب الامام عليه‌السلام.

ويدل على ذلك ايضاً : أن المسألة عامّة البلوى ، ولازم ذلك شدّة وضوح حكمها فى عصر الائمة عليهم‌السلام ، وحيث لا يحتمل أن يكون ذلك الحكم الواضح هو العدم ـ والاّ لما اتَّفق الفقهاء إلاّ مَن شذَّ على الوجوب ـ فيلزم أن يكون هو الوجوب.

وبهذه الطريقة يمكن التعويض عن التمسك بالإجماع إن اشكل عليه بكونه محتمل المدرك.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ١٦ / ٤٥.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٨ من ابواب ما يجب فيه الخمس ، حديث ٦.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٨ من ابواب ما يجب فيه الخمس ، حديث ٤.

٢٣٢

أحكام خاصَّة بفاضل المؤونة

يجب الخمس فى مطلق الفائدة وإنْ لم تكن بالإكتساب خلافاً للمشهور ـ إلاّ الميراث المحتسب ، والهدية التى ليس لها خطر ، والمهر وعوض الخلع ـ بعد استثناء مؤونة السَّنة.

ومبدأ السَّنة بداية حصول الربح فى غير المكتسِب وبداية التكسب فيه.

ويتعلق الخمس من بداية حصوله وإن جاز التأخير الى نهايتها إرفاقاً.

ولا خمس فى مال الصبى والمجنون.

والمستند فى ذلك :

١ ـ اما وجوبه فى مطلق الفائدة ، فلإطلاق آية الغنيمة وبعض النصوص كموثق سماعة المتقدم.

واحتمال الاختصاص بما كان من طريق الاكتساب ـ إما لدعوى الاجماع ، أو لدعوى أن المسألة ابتلائية ، فلو كان يجب فى مطلق الفائدة لاشتهر ، أو لدعوي سقوط مثل موثقة سماعة لإعراض المشهور أو لغير ذلك ـ قابل للتأمل ، فانّ عبائر القدماء لم يصرّح فيها بالاختصاص المذكور وإنّما اقتصرت فى مقام التمثيل علي الصناعات والتجارات والزراعات ، بل انّ بعضها قد صرح فيه بالتعميم. (١)

٢ ـ واما استثناء الميراث المحتسب والهدية المذكورة ، فلصحيحة على بن مهزيار حيث ورد فيها : « .... فالغنائم والفوائد يرحمك اللّه هى الغنيمة يغنمها المرء ،

__________________

١ ـ ففى الغنية ، ص ٥٦٩ : «و يجب الخمس أيضاً فى الفاضل عن مؤونة الحول على الاقتصاد من كل مستفاد بتجارة أو زراعة أو صناعة أو غير ذلك من وجوه الاستفاده اى وجه كان » ، وفى نهاية الشيخ ، ص ١٩٦ : « ويجب الخمس أيضاً فى جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح التجارات والزراعات وغير ذلك ».

٢٣٣

والفائدة يفيدها ، والجائزة من الانسان للانسان التى لها خطر ، والميراث الذى لا يحتسب ... » (١).

٣ ـ وأما استثناء المهر وعوض الخُلع ، فقد وجِّه بعدم صدق الفائدة عليهما بعد كون الأول فى مقابل منح الزوجة زمام امرها بيد الزوج ، والثانى فى مقابل تنازل الزوج عن الزوجية وحقوقها الثابتة له.

٤ ـ وأما استثناء المؤونة ، فلمكاتبة الهمدانى المتقدمة وغيرها. هذا فى غير مؤونة تحصيل الربح ، وأما هى فلا يحتاج استثناؤها الى دليل لعدم صدق الفائدة إلاّ بلحاظ ما زاد عليها.

٥ ـ وأما تقدير المؤونة بالسَّنة ، فللإطلاق المقامى ، فان مؤونة الشخص تقدَّر عادة بالسَّنة دون الشهور أو الإيّام ، وحيث إنَّ النصوص اطلقت كلمة المؤونة فلابدَّ وأن يكون ذلك من باب الحوالة على العادة المذكورة.

٦ ـ وأما تحديد مبدأ السَّنة بما ذكر ، فهو المشهور. وقد وُجِّه بأن مصداق سنة الربح عرفاً فى المكتسِب هو بداية التكسب ، وفى غيره بداية حصول الفائدة.

٧ ـ وأما أن التعلق من بداية حصول الفائدة ، فلاستفادة ذلك من آية الغنيمة وموثقة سماعة المتقدمة ، فإن ظاهر « فان للّه خمسه » و « ففيه الخمس » إن ذلك من حين صدق الغنيمة والفائدة.

وأما جواز التأخير إرفاقاً ، فقد استدلّ له بأنّ الخمس لمّا كان بعد استثناء المؤونة المقدّرة بسنة وهى تدريجية الحصول ، فيلزم من ذلك جواز التأخير.

٨ ـ وأما أنه لا خمس على الصبى والمجنون ، فلإطلاق القلم المرفوع عنهما لقلم

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٨ من ابواب ما يجب فيه الخمس ، حديث ٥.

٢٣٤

الوضع ايضاً ولا وجه لتخصيصه بقلم التكليف ، فيكون حاكماً على الأدلة الاوّليّة.

وبعد هذا لا وجه لاحتمال توجه التكليف الى الولى ، وعلى تقدير فرضه فهو منفى بالبراءة.

كيفية تقسيم الخمس

المشهور تقسيم الخمس الى ستة أسهم : ثلاثة منها للامام عليه‌السلام وثلاثة لبنى هاشم. ولا يلزم البسط عليهم.

وفى كيفية صرف السّهم المبارك للإمام عليه‌السلام خلاف.

والمستند فى ذلك :

١ ـ اما التقسيم الى السّتة ـ خلافاً لقولٍ لم يعرف قائله منّا بالتقسيم الى خمسة ، بحذف سهم اللّه سبحانه (١)ـ فلآية الغنيمة ، فإنه بناء على ارادة مطلق الفائدة من الغنيمة فالأمر واضح.

وأما بناء على اختصاصها بغنيمة الحرب ، فالدليل الدال علي وجوب الخمس فى بقية الاقسام من دون بيان المصرف يدل على لزوم كون التقسيم بالنحو المذكور فى آية الغنيمة والاّ لاُشير الى غيره.

٢ ـ وأما أن الثلاثة الأولى منها للإمام عليه‌السلام ، فلصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الامام الرضا عليه‌السلام : « سُئل عن قول اللّه عزّوجلّ : واعلموا أنما غنمتم من شي ء فأن للّه خمسه وللرسول ولذى القربى فقيل له : فما كان للّه فلمن هو؟ فقال : لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما كان لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو للإمام. فقيل له : أفرأيت إن كان صنف من الأصناف اكثر وصنف اقل ما يصنع به؟ قال : ذاك الى الامام ، أرأيت أن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ١٦ / ٨٩.

٢٣٥

كيف يصنع؟ أليس إنما كان يعطى على ما يري؟ كذلك الامام » (١).

وعلى هذا فهى فى مثل زماننا ترجع الى امامنا المنتظر ارواحنا له الفداء.

وهذا واضح بناء على كون ملكية الامام عليه‌السلام لها ملكية شخصية ، وأما بناء علي كون ملكيته لها بما هو صاحب منصب ـ وأن كونه للإمام حيثية تقييدية لا تعليلية ، كما قد يدعم ذلك التعبير فى الصحيحة بالامام دون ابن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فهى راجعة اليه عليه‌السلام أيضاً بما انّه صاحب المنصب ويتصرف فيها الفقيه على كلا التقديرين من باب نيابته عن صاحب المنصب وهو الحجة المنتظر ارواحنا له الفداء.

٣ ـ وأما بالنسبة الى الأسهم الثلاثة الأخيرة ، فالمشهور أنها لخصوص بنيهاشم ـ خلافاً للعامة(٢) ، ولربما ينسب الى ابن الجنيد ايضاً مع استغناء ذى القربي(٣) ـ وادّعى الضرورة على ذلك التى لا يحتاج معها الى دليل.

وبعض النصوص ذات السند الضعيف(٤) دلت على ذلك ايضاً ، ولا يضر ضعف سندها بعد الضرورة.

٤ ـ وأما عدم لزوم البسط ، فلأنّ الآية الكريمة بصدد بيان المصرف دون ملكية كلّ صنف لقرينتين :

أ ـ انّ الوارد كلمة « اليتامى » و « المساكين » بنحو الجمع المحلّى باللام ، ولازم ذلك بناء على إرادة ظاهر الآية استيعاب جميع افراد اليتامى والمساكين ، وهو لو كان ممكناً غير محتمل فى نفسه.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من ابواب قسمة الخمس ، حديث ١.

٢ ـ المحلي : ٧ / ٣٢٧ ؛ المغني : ٦ / ٤١٣.

٣ ـ جواهر الكلام : ١٦ / ٨٨.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من ابواب قسمة الخمس ، حديث ٢.

٢٣٦

ب ـ يلزم حفظ حصة ابن السبيل لو لم يكن موجوداً فى البلد ، وهو غير محتمل ايضاً.

وبذلك يتعيّن كون المقصود بيان المصرفيّة.

وأما كيفية صرف السهم المبارك زمن الغيبة ، فقد نقل صاحب الحدائق فى ذلك أربعة عشر قولاً (١) لا يجدى التعرض لها.

والمعروف بين جملة من المتأخرين ما يلى : إن الأمر فى السهم المبارك يدور بين دفنه أو إيداعه مع الوصية به يداً بيد أو غير ذلك من الاحتمالات التى نقلها صاحب الحدائق والتى يُعرَّض فيها السهم المبارك للإتلاف بلا مبرر عقلائى ، فلابدَّ وأن نتصرّف فيه بما نحرز معه رضا الامام عليه‌السلام ، وليس ذلك الاّ صرفه فى تشييد الدّين ودعائمه ، ومن أوضح مصاديق ذلك صرفه فى مجال الحوزات العلمية التي يحفظ الدين ببقائها.

ويلزم ان يكون ذلك تحت اشراف الفقيه بالدفع اليه أو استئذانه إمّا لضرورة ارتباط الناس بمقام المرجعيّة أو لكون ذلك مقتضى النيابة عن الإمام عليه‌السلام. وهذا ان لم يقتضِ الجزم باعتبار اشراف الفقيه ، فلا اقلّ من احتماله ، وهو كافٍ لعدم جواز تصرّف الشخص فى الأموال التى لا ترجع اليه إلاّ مع احراز الرضا بنحو الجزم.

__________________

١ ـ الحدائق الناضرة : ١٢ / ٤٣٧.

٢٣٧
٢٣٨

كتاب الحج

الحج وأحكام وجوبه

الصورة الإجمالية للحج

مواقيت الإحرام

تفاصيل أفعال العمرة والحج

محرَّمات الإحرام

٢٣٩
٢٤٠