دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٣

عبداللّه بن محمد الى أبى الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك روى زرارة عن ابى جعفر وابي عبدالله عليهما‌السلام فى الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما قالا : لابأس بأن تصلى فيه ، إنما حرم شربها. وروى عن غير زرارة عن أبى عبدالله أنه قال : اذا اصاب ثوبك خمر او نبيذ ، يعنى المسكر فاغسله إن عرفت موضعه ، وان لم تعرف موضعه فاغسله كله ، وإن صليت فيه فاعد صلاتك ، فاعلمنى ما آخذ به فوقّع عليه‌السلام بخطه وقرأته : خذ بقول أبى عبدالله » (١) بتقريب ان الامام عليه‌السلام قدّم أخبار النجاسة بعد نظره الى كلتا الطائفتين المتعارضتين.

٢ ـ وأما النبيذ والمسكر المائع ، فيمكن استفادة نجاسته من صحيحة على بن يقطين عن أبى الحسن الماضى عليه‌السلام : « ان اللّه عزّوجلّ لم يحرّم الخمر لاسمها ولكن حرّمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر » (٢).

٣ ـ وأما الفقّاع ، فهو خمر تنزيلاً لمكاتبة ابن فضال : « كتبت الى ابى الحسن عليه‌السلام اسأله عن الفقّاع ، فقال هو الخمر ، وفيه حدّ شارب الخمر » (٣) بتقريب ان مقتضى اطلاق التنزيل الحكم بالنجاسة.

٤ ـ وأما العصير العنبى ، فلا اشكال فى حرمته بالغليان لصحيحة عبداللّه بن سنان عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « كل عصير(٤) اصابته النار ، فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقي

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٨ من ابواب النجاسات ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١٩ من ابواب الاشربة المحرمة ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من ابواب الاشربة المحرمة ، حديث ١.

٤ ـ كلمة «العصير » حسبما يظهر من الروايات مختصة بعصير العنب ، كما نبّه عليه الشيخ البحرانى فى الحدائق الناضرة : ٥ / ١٢٥. وورد فى صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه‌السلام : « قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمزر من الشعير ، والنبيذ من التمر » ، ( وسائل الشيعة : الباب ١ من ابواب الأشربة المحرمة).

١٠١

ثلثه» (١) وإنما الاشكال فى نجاسته لأن الحرمة لا تلازمها.

وقد يستدل على ذلك بصحيحة معاوية بن عمار بنقل التهذيب : « سألت اباعبدالله عليه‌السلام عن الرجل من اهل المعرفة بالحق يأتينى بالبختج ويقول قد طبخ على الثلث وأنا اعرف أنه يشربه على النصف أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف ، فقال : خمر لا تشربه ... » (٢) فان البختج هو العصير المطبوخ على ما ذكره الفيض الكاشاني(٣) ، واطلاق تنزيله منزلة الخمر يقتضى ترتيب جميع آثاره التى منها النجاسة.

هذا كلّه فيما إذا كان غليان العصير العنبى بواسطة النار ، وأمّا إذا كان من نفسه فقد يقال بصيرورته مصداقاً للخمر حقيقة فيلحقه حكمه آنذاك.

٥ ـ وأما العصير الزبيبى ، فلا إشكال فيطهارته لعدم وجود مايثبت نجاسته وإنما الإشكال فيحرمته. وأخبار حرمة العصير بالغليان لايمكن التمسك بها لعدم صدق العصير عليه كما هو واضح ، فان العصير هو ما اعتصر من الشيء ، والزبيب بما انه جاف فلاعصير له. وإذا كنّا نعبِّر بالعصير الزبيبى فذلك بنحو المسامحة والمجاز.

واستصحاب الحرمة الثابتة قبل الجفاف لايجرى لاختلاف الموضوع ، فإن موضوع الحرمة السابقة هو العصير ، وهو غير صادق على الزبيب.

وعليه فالمناسب الحكم بحلّيته إمّا للاستصحاب او لقاعدة الحليّة.

٦ ـ وأما العصير التمرى ، فلا موجب لاحتمال حرمته إلا روايات العصير ، وهى غير صادقة عليه ، كما هو واضح.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ، باب ٢ من ابواب الأشربة المحرمة ، حديث ١.

٢ ـ التهذيب : ٩ / ١٢٢ ، رقم ٥٢٦.

٣ ـ الوافي : ٢٠ / ٦٥٤.

١٠٢

الكافر

الحكم بنجاسة الكتابى هو المشهور. وبالأولى بالنسبة الى غيره.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما نجاسة الكتابى ، فهى مختار المشهور. والروايات مختلفة. وهى فى كلا الجانبين كثيرة.

فمما دلّ على النجاسة : صحيحة سعيد الأعرج : « سألت ابا عبداللّه عليه‌السلام عن سؤر اليهودى والنصراني ، فقال : لا » (١).

وممّا دلّ على الطهارة : صحيحة العيص بن القاسم : « سألت اباعبداللّه عليه‌السلام عن مواكلة اليهودى والنصرانى والمجوسي ، فقال : اذا كان من طعامك وتوضأ فلابأس » (٢).

وقد يقال بترجيح الاُولى لموافقتها الكتاب الكريم : ( إنما المشركون نجس ... ) (٣) ، بدعوى أن أهل الكتاب مشركون لأنهم يقولون بالتثليث.

والأولى أن يقال : إنَّ روايات النجاسة لا تدل على إثبات النجاسة الذاتية بل على النجاسة العرضية الحاصلة بملاقاة النجاسات ، وكأنها تريد أن تقول : إن إصالة الطهارة لاتجرى فى حق الكتابى بل المسلم فقط ، ومن هنا قالت الصحيحة الثانية : « اذا كان من طعامك وتوضأ فلا بأس ».

ووجه الأولوية : إنه مع إمكان الجمع العرفى لا تصل النوبة الى التقديم بالمرجّحات.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١٤ من ابواب النجاسات ، حديث ٨.

٢ ـ وسائل الشيعة ، باب ٥٤ من ابواب النجاسات ، حديث ١.

٣ ـ التوبة : ٢٨.

١٠٣

هذا مضافا الى احتمال أن يكون المقصود من النجس فى الاية الكريمة النجاسة المعنوية دون النجاسة المتنازع فيها.

٢ ـ وأما غير الكتابى ، فكادت أن تكون نجاسته متسالما عليها. وقد يستدل لها بالآية الكريمة المتقدمة ، ولكن قد تقدم التأمل فى دلالتها.

وأما الناصبى ، فإنه محكوم بالنجاسة لموثقة عبداللّه بن ابى يعفور عن ابي عبدالله عليه‌السلام « ... واياك أن تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودى والنصرانى والمجوسى والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرّهم ، فإن اللّه تبارك وتعالى لم يخلق خلقا انجس من الكلب ، وإن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه » (١).

هذا كلّه حسب ما تقتضيه الصناعة إلاّ أنّ ما عليه المشهور لا ينبغى الحياد عنه.

بقيّة النجاسات

ومن النجاسات : الكلب والخنزيز البرّيان.

وأما عرق الجنب من حرام فقيل بنجاسته او بحرمة الصلاة فيه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما نجاسة الكلب والخنزير البريين ، فمتسالم عليها. ودلت على ذلك مجموعة من الروايات. مثالها فى الكلب : الصحيحة المتقدمة فى الناصبي.

ومثالها فى الخنزير : صحيحة على بن جعفر : « ... وسألته عن خنزير يشرب من إناء كيف يصنع به؟ قال : يغسل سبع مرّات » (٢).

والروايات التى ظاهرها المعارضة لابدّ من توجيهها بشكلٍ آخر.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١١ من ابواب الماء المضاف ، حديث ٥.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١٣ من ابواب النجاسات ، حديث ٢.

١٠٤

٢ ـ وأما التخصيص بالبريين ، فلأن لفظ الكلب والخنزير حقيقة فى البريين ، وإطلاقهما على البحريين مجاز للمشابهة.

٣ ـ وأما عرق الجنب من حرام ، فقد دلت بعض الروايات على نجاسته او عدم جواز الصلاة فيه لكنّها جميعا ضعيفة ، ففى حديث على بن الحكم عن رجل عن ابى الحسن عليه‌السلام : « لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم » (١).

لكنّها ضعيفة سندا بالإرسال ودلالة لعدم فرض العرق ، فإنها ناظرة الى بدن الزانى والحكم بنجاسته.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١١ من ابواب الماء المضاف ، حديث ٣.

١٠٥

المطهرات

يطهر المتنجس باحد الأمور التالية :

١ ـ الماء

وهو مطهِّر لكل متنجّس بما فى ذلك الماء المتنجّس.

اجل لايطهر به المضاف ما دام مضافا.

ويلزم فى تطهير الأوانى اذا تنجّست بولوغ الكلب الغسل بالقليل ثلاثا أولاهن بالتراب ، وبالكثير مرّةً واحدةً بعد الغسل بالتراب.

واذا تنجّست بشرب الخنزير او بموت الجرذ فيها طهرت بالغسل سبعا بلا فرق بين القليل والكثير.

وفى غير ذلك تطهر بالغسل ثلاثا بالقليل ومرّةً بالكثير الاّ فى أوانى الخمر فتحتاج الى الثلاث حتّى فيالكثير.

هذا فى الأواني.

وأماغيرها ، فالبدن اذاتنجّس بالبول يطهربغسله فيالقليل مرّتين ، وفيالكثير مرّة.

والثياب اذا تنجّست بالبول تطهر بغسلها مرتين فى غير الجاري ، وفيه مرّة.

وأمابقية الأجسام اذاتنجّست بالبول فالمشهور لزوم غسلها مرّتين فيالقليل أيضا.

هذا فى المتنجّس بالبول ، وفى غيره تكفى المرّة مطلقا.

١٠٦

والمشهور فى ماء المطر أن مجرد إصابته للمتنجس توجب طهارته بلاحاجة الى عصر او تعدّد.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما مطهرية الماء فى الجملة ، فمن الامور البديهية التى يقتضيها ارتكاز المتشرعة المتوارث يدا بيد عن المعصوم عليه‌السلام.

ويمكن التمسك ايضا بقوله تعالي : وانزلنا من السماء ماءً طهورا (١) بناءً على إرادة المطهّرية.

وبصحيح داود بن فرقد عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « كان بنو إسرائيل اذا أصاب احدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض وقد وسّع الله عليكم باوسع ما بين السماء والارض وجعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون » (٢).

كما يمكن التمسك باوامر الغسل الواردة فى مثل الثوب والبدن ونحوهما.

٢ ـ وأما مطهّريته لكل متنجس ، فمتسالم عليها إلا فى مثل المضاف.

ويمكن التمسك لذلك : إمّا بما دلّ على مطهّريته فى بعض الموارد الخاصة كالثوب والبدن بعد الغاء خصوصية الموارد ، أو بموثقة عمار الواردة فيمن رأى فأرة متسلخة فى إناءه الذى توضأ او غسل ثيابه به وانه « يغسل كل ما أصابه ذلك الماء » (٣) ، فان مقتضى العموم فيها مطهرية الماء لكل متنجس بذلك.

٣ ـ وأما مطهّريته للماء المتنجس ، فلعموم التعليل فى صحيحة ابن بزيع عن الرضا عليه‌السلام : « ماء البئر واسع لايفسده شيء إلا أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح حتي

__________________

١ ـ الفرقان : ٤٨.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من ابواب الماء المطلق ، حديث ٤.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٤ من ابواب الماء المطلق ، حديث ١.

١٠٧

يذهب الريح ويطيب طعمه لأن له مادة » (١) فاذا اتصل القليل المتنجس بالكر كفى ذلك فى حصول الطهارة له.

٤ ـ وأما عدم تطهيره للمضاف ـ ولم يخالف فيه إلا العلامة(٢) ـ فللقصور فى المقتضي ، فإن التعدى من الموارد الخاصة لا وجه له بعد احتمال الخصوصية. وموثقة عمار لايمكن التمسك بها لعدم صدق الغسل.

أجل تطهيره له من باب الاستهلاك والسالبة بانتفاء الموضوع أمر على مقتضى القاعدة.

٥ ـ وأما أن حكم الإناء الذى ولغ فيه الكلب ما تقدم ، فلصحيحة البقباق عن أبي عبدالله عليه‌السلام اذ سئل عن الكلب ، فقال : « رجس نجس لايتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب اول مرة ثم بالماء (مرتين) » (٣) بناء على وجود كلمة « مرتين » حسب نقل المحقق فى المعتبر. (٤)

وأما بناء على عدم وجودها ، فإطلاقها وإن اقتضى كفاية المرة إلا أن موثقة عمار الآتية دلت على أن الإناء المتنجّس بايّ نجاسة كانت يجب غسله ثلاث مرّات ، ولا يحتمل أن الولوغ أضعف نجاسة من غيره.

وبذلك تصبح الموثقة مقيِّدةً للصحيحة ، وفى نفس الوقت تصير الصحيحة مقيّدة للموثّقة من ناحية لزوم التعفير. وهذا يعنى أن كل واحدة تصبح مقيِّدة للاخرى من جهة.

٦ ـ وأما اختصاص التعدد ثلاثاً فى غسل ما ذكر بالقليل ، فلأن الموثقة ـ المقيِّدة

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٣ من ابواب الماء المطلق ، حديث ١٢.

٢ ـ تذكرة الفقهاء : ١ / ٣٣ ؛ جامع المقاصد : ١ / ١٢٥.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٧٠ من ابواب النجاسات ، حديث ١.

٤ ـ المعتبر فى شرح المختصر : ١ / ٤٥٨.

١٠٨

للصحيحة ـ الدالة على اعتبار التعدد مختصة بالقليل كما يظهر بادنى تأمل ، فيبقى إطلاق الصحيحة ـ بناءً على عدم وجود كلمة « مرتين » ـ على حاله فى غير القليل.

٧ ـ وأما وجوب الغسل سبعا فى شرب الخنزير ، فلصحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : « سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال : يغسل سبع مرّات » (١) وإطلاقها يعمّ الغسل بالكثير ايضا.

٨ ـ وأما وجوب تطهير الاوانى ثلاثا بالقليل فى غير ذلك ، فلموثقة عمار الساباطى المتقدمة ، فقد ورد فيها : « سئل عن الكوز والإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ وكم مرّة يغسل؟ قال : يغسل ثلاث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه وقد طهر ... » (٢).

٩ ـ وأما الاكتفاء بالمرة فى الغسل بالكثير ، فلإطلاق دليل مطهّرية الغسل الذى يقتصر فى تقييده على مورد الموثقة وهو الغسل بالقليل.

١٠ ـ وأما استثناء أوانى الخمر ، فلإطلاق موثقة عمار المتقدمة : « ... وقال : فى قدح او إناء يشرب فيه الخمر ، قال : تغسله ثلاث مرّات » (٣).

١١ ـ وأما وجوب غسل البدن عند تنجسه بالبول مرتين فى القليل وواحدة فى الكثير ، فلصحيحة أبى إسحاق النحوى عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « سألته عن البول يصيب الجسد ، قال : صبّ عليه الماء مرّتين » (٤) وغيرها ، فان التعبير بالصب يختص بالقليل ،

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من ابواب الاسئار ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٥٣ من ابواب النجاسات ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٥١ من ابواب النجاسات ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من ابواب النجاسات ، حديث ٣.

١٠٩

ويبقى الغسل بالكثير وحالة التنجس بغير البول مشمولين لإطلاق دليل مطهّريّة الغسل ، فتكفى المرّة.

١٢ ـ وأما حكم الثياب ، فيدل عليه صحيح محمد بن مسلم : « سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الثوب يصيبه البول ، قال : اغسله فى المركن مرتين ، فإن غسلته فى ماء جار فمرّة واحدة » (١) ، فإنه يدل على الاكتفاء بالمرة فى الجارى ولزوم التعدد فى غيره. كما أنّه يختص بحالة تنجّس الثياب بالبول وتبقى حالة التنجّس بغيره مشمولة لإطلاق دليل مطهّريّة الغسل.

١٣ ـ وأما لزوم المرتين لدى المشهور فى القليل فى بقية الأجسام إذا تنجست بالبول ، فللتعدى من البدن والثوب الى غيرهما وعدم فهم الخصوصية.

بَيْدَ أن عهدة الدعوى المذكورة على مدّعيها.

١٤ ـ وأما كفاية المرة فى التنجس بغير البول ، فلإطلاق دليل مطهّريّة الغسل بعد عدم المقيِّد.

١٥ ـ وأما الحكم بكفاية إصابة ماء المطر بلا حاجة الى عصر او تعدد ، فمشهور لم يعرف فيه نسبة الخلاف للمتقدمين.

وتدل عليه مرسلة الكاهلى عن رجل عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « ...كل شيء يراه ماء المطر فقد طهر » (٢) بناء على تمامية كبرى الإنجبار بفتوى المشهور.

٢ ـ الارض

تطهّر الارض باطن القدم والحذاء واطرافهما بالمقدار المتعارف بالمشى عليها او بالمسح بها بشرط زوال عين النجاسة بها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من ابواب النجاسات ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٦ من ابواب الماء المطلق ، حديث ٥.

١١٠

واذا تحقق المشى وشك فى كون الممشى عليه أرضا اولا ، لم يحكم بالطهارة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما مطهّريّة الارض لباطن القدم ومثل الحذاء ، فلم ينقل فيها خلاف إلا من الخلاف(١) ، ويدل عليها صحيح الحلبي : « نزلنا فى مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر فدخلت على ابى عبدالله عليه‌السلام فقال : اين نزلتم؟ فقلت : نزلنا فى دار فلان ، فقال : إن بينكم وبين المسجد زقاقا قذرا او قلنا له : إن بيننا وبين المسجد زقاقا قذرا ، فقال : لابأس إن الارض تطهر بعضها بعضا ... » (٢) وغيره.

وبعموم التعليل يمكن التعدى الى مثل الحذاء ، بل يمكن التمسك بإطلاق الحديث بلاحاجة الى التمسك بعموم التعليل.

أجل ، لابدَّ من ضمِّ التعليل الى نفى البأس كى ينتفى احتمال كون نفى البأس من جهة عدم حرمة تنجيس المسجد.

٢ ـ وأما طهارة الأطراف بالمقدار المتعارف ، فلإطلاق الصحيح بعد ندرة إصابة الباطن فقط.

٣ ـ وأما كفاية المسح بها ، فلعموم التعليل المتقدم.

٤ ـ وأما اشتراط زوال عين النجاسة بها ، فواضح. اجل لايلزم زوالها بهما بل يكفى زوالها بخرقة ثم المشى او المسح لعدم احتمال الفرق وعموم التعليل.

٥ ـ وأما عدم الحكم بالطهارة مع الشك فى كون الممشى عليه ارضا ، فلعدم احراز الشرط وهو المشى على الارض او المسح بها. وقاعدة الطهارة لاتجرى للاستصحاب.

__________________

١ ـ الخلاف : ١ / ٦٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٣٢ من ابواب النجاسات ، حديث ٤.

١١١

٣ ـ الشمس

الشمس تطهِّر الأرض وكل غير منقول ـ كالأشجار والأبواب ـ بشرط استناد الجفاف الى الإشراق ولو بمشاركة الريح فى الجملة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما كون الشمس مطهّرة للأرض ، فهو المشهور ـ وقيل إنها توجب جواز السجود والتيمم دون الطهارة ـ لصحيح زرارة : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن البول يكون على السطح او فى المكان الذى يصلى فيه ، فقال : إذا جففته الشمس فصلِّ عليه فهو طاهر » (١) وغيره.

واحتمال إرادة النظافة من الطهارة فى زمن الإمام الباقر عليه‌السلام دون المعنى المصطلح بعيدٌ.

٢ ـ وأما كونها مطهِّرة لكل غير منقول ، فهو المشهور. ويدل عليه إطلاق الصحيح المتقدم لغير الارض من الالواح والأخشاب المفروشة عليها ، ويتعدّى الى غير المفروشة كالمثبتة فيالبناء ـ مثل الأبواب وغيرها ـ بعدم القول بالفصل.

٣ ـ وأما اشتراط استناد الجفاف الى الاشراق ، فلظاهر الصحيح.

٤ ـ وأما أن مشاركة الريح غير مضرة ، فلإطلاق ما دلَّ على مطهّريَّة الشمس ، فإنه ناظر الى المتعارف ، وهو اشتراك الريح مع الإشراق فى عملية التجفيف فى الجملة.

٤ ـ الإستحالة

النجس أو المتنجّس اذا استحال الى جسم آخر يطهر ، كالخشب اذا صار رمادا دون مثل الطين إذا تحولّ خزفا.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٩ من ابواب النجاسات ، حديث ١.

١١٢

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما وجه الطهارة فى مثل الخشب المتحوّل رمادا ، فلزوال الموضوع المحكوم عليه بالنجاسة وتولّد موضوع جديد يمكن إثبات طهارته بقاعدة الطهارة.

واستصحاب النجاسة لايجرى لزوال الموضوع السابق عرفا.

٢ ـ وأما عدم طهارة مثل الطين المتحول خزفا ، فلعدم الاستحالة بعد عدِّهما فى نظر العرف موضوعا واحدا وكون الإختلاف فى اوصافه.

٥ ـ الانقلاب

إذا انقلب الخمر خلاً طهر ، ويطهر الإناء أيضاً بالتبع.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما طهارة الخمر بانقلابه خلاً ، فلموثق عبيد بن زرارة عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « الرجل إذا باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلاً ، فقال : إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس » (١) وغيره.

٢ ـ وأما طهارة الإناء تبعا ، فللموثق المتقدّم بعد ضمّ الدلالة الالتزامية ، لعدم إمكان الحكم بالطهارة والحلية الفعليتين مع بقاء الإناء على نجاسته.

٦ ـ الانتقال

إذا صار النجس جزءا من حيوان طاهر طهر ، كدم الانسان إذا صار جزءاً من البق ونحوه.

والمستند فى ذلك :

إطلاق ما دلّ على طهارة اجزاء المنتقل اليه ، كموثقة غياث عن جعفر عن أبيه :

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٣١ من ابواب الاشربة المحرمة ، حديث ٣.

١١٣

« لابأس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف » (١) ، وسيرة المتشرعة.

٧ ـ الإسلام

الإسلام مطهّر للكافر بجميع أجزائه بل ولثيابه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما مطهّريّة الاسلام للكافر ، فلزوال موضوع النجاسة وشمول ما دلّ على طهارة المسلم له.

٢ ـ وأما كونه مطهِّرا لجميع أجزائه كالعَرق والبصاق ، فلأن نجاستها كانت تبعا لنجاسة بدنه وقد زالت. وللسيرة وعدم امره صلى الله عليه وآله بتطهير بدن من يسلم مع عدم خلوّه عنها غالبا.

٣ ـ وأما مطهريَّته للثياب ايضا ، فللسيرة وعدم امره صلى الله عليه وآله بتطهيرها.

لكن القدر المتيقّن منها حالة عدم التنجس بنجاسة خارجية.

٨ ـ التبعيَّة

اذا أسلم الكافر تبعه ثيابه وولده فى الطهارة.

واذا سبى المسلم طفلاً تبعه فى الطهارة اذا لم يكن معه احد آبائه وأوانى الخمر تطهر بالتبع إذا انقلبت خلاً.

وأوانى العصير العنبى ـ بناء على نجاسته ـ تطهر بالتبع اذا ذهب ثلثاه.

ويد المغسِّل للميت والسيُّدَّة التى يغسل عليها والثياب التى يغسل فيها تتبع الميت فى الطهارة

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٣ من ابواب النجاسات ، حديث ٥.

١١٤

والمستند فى ذلك :

١ـ أما طهارة الثياب ، فلما تقدم

٢ ـ وأما طهارة الولد باسلام احد أبويه ، فلقاعدة الطهارة بعد قصور دليل نجاسته وهو الإجماع الذى هو دليل لبّيٌ يقتصر فيه على القدر المتيقّن ، وهو ما إذا لم يسلم أحد أبويه.

٣ـ وأما تبعية الأسير غير البالغ للمسلم ، فلنفس ماتقدم.

٤ ـ وأما اختصاص التبعية بغير البالغ ، فلكون البالغ موضوعا مستقلاً للنجاسة بعد صدق عنوان اليهودى ونحوه عليه.

٥ ـ وأما اختصاص الحكم بمن لم يكن معه احد ابائه ، فللإجماع على تبعيته له فى النجاسة اذا كان معه.

٦ ـ واما طهارة أوانى الخمر اذا انقلبت خلاًّ ، فلما تقدم فى مطهّريّة الانقلاب.

٧ ـ وأما طهارة أوانى العصير العنبى اذا ذهب ثلثاه ، فلما دلّ على حليّته بذهاب ثلثيه الملازم لطهارته وطهارة الإناء ، إذ طهارته وبقاء الإناء نجسا لغو ظاهر.

٨ ـ وأما طهارة يد المغسِّل وغيرها ، فللسيرة القطعية على عدم تطهيرها بعد التغسيل ، او للإطلاق المقامي ، فإن سكوت النصوص عن التعرّض لوجوب تطهيرها يدلّ على طهارتها تبعا لطهارة الميّت.

٩ ـ زوال عين النجاسة

تطهُر بواطن الانسان وجسد الحيوان بزوال عين النجاسة عنهما.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما طهارة البواطن بما ذكر ، فلإنعقاد السيرة القطعية للمتشرعة على ذلك ، فمن تنجس باطن اذنه بخروج الدم مثلاً لايغسله بالماء ، وهكذا من تنجس باطن أنفه او

١١٥

ما بين أسنانه.

وفى موثقة عمار : « سئل أبو عبدالله عليه‌السلام عن رجل يسيل من أنفه الدم هل عليه أن يغسل باطنه يعنى جوف الأنف؟ فقال : إنما عليه أن يغسل ما ظهر منه » (١).

بل ان فى تنجّس البواطن تأمّلاً.

٢ ـ وأما طهارة جسد الحيوان بما ذكر ، فللسيرة ايضا ، حيث لايتحرز عن الهرة والدجاج ونحوهما مع العلم باصابة الدم وسائر النجاسات لفمها وسائر اعضائها إما حين الولادة او حين السفاد او بقية الحالات مع الشك فى ورود المطهر بل العلم بعدمه. على أنّ فى تنجّس جسد الحيوان بالملاقاة تأملاً.

وقد يستدل على طهارة جسد الحيوان مع العلم بملاقاته للنجاسة وزوالها بمثل صحيحة على ابن جعفر عن اخيه عليه‌السلام : « عن فأرة وقعت فى حب دهن واُخرجت قبل أن تموت أيبيعه من مسلم؟ قال عليه‌السلام : نعم ويدهن منه » (٢) ، بتقريب أنّ الحكم بطهارة الدهن يدل على طهارة موضع بول الفأرة وبعرها.

١٠ ـ الغيبة

إذا تنجّست ثياب الانسان او بعض توابعه حكم عليها بالطهارة اذا غاب واحتمل تطهيره لها فيما اذا لم يكن ممن لايبالى بالنجاسة وكان يستعملها فيما تعتبر فيه الطهارة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما مطهّريّة الغيبة لماذكر ، فلسيرة المتشرعة المخصصة لعموم أدلة الاستصحاب.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٤ من ابواب النجاسات ، حديث ٥.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٩ من أبواب الأسئار ، حديث ١.

١١٦

٢ ـ وأما اعتبار احتمال التطهير ، فواضح للجزم او الإطمئنان ببقاء النجاسة اذا لم يفرض ذلك.

٣ ـ وأما اعتبار القيدين الأخيرين ، فلأن السيرة دليل لبّى يقتصر فيه على المتيقّن ، وهو مورد تواجد القيدين.

بل قد يقال ـ لنفس النكتة ـ باعتبار قيدين اخرين هما : علم الشخص بطرو التنجّس وكون الطهارة شرطاً.

١١ ـ استبراء الجلاّل

يطهر عرق الجلاّل ولبنه وخرئه وبوله باستبرائه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما طهارة العرق بالاستبراء ، فلأن صحيح هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه‌السلام : « لاتأكل اللحوم الجلاّله ، وإن أصابك من عرقها شيء فاغسله » (١) علّق وجوب الغَسل على عنوان الجلل فبزواله بالاستبراء يزول ايضا.

٢ ـ وأما طهارة لبنه بما ذكر ، فلأن صحيح حفص بن البخترى عن أبي عبدالله عليه‌السلام : « لاتشرب من ألبان الإبل الجلاّلة » (٢) قد علّق الحكم على ذلك فيزول بزواله.

٣ ـ وأما طهارة البول والخرء بذلك ، فلأن صحيح عبداللّه بن سنان عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « اغسل ثوبك من ابوال ما لايؤكل لحمه » (٣) قد علّق وجوب الغَسل على عنوان « ما لايؤكل لحمه » ، فإذا زال بالاستبراء زال هو ايضا.

وبعد ضمّ عدم الفصل بين البول والخرء يثبت الحكم فى الخرء ايضا.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١٥ من ابواب النجاسات ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١٥ من ابواب النجاسات ، حديث ٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٨ من ابواب النجاسات ، حديث ٢.

١١٧

١٢ ـ خروج الدم من الذبيحة

إذا خرج الدم من الذبيحة بالمقدار المتعارف حكم على المتخلف بالطهارة.

والمستند فى ذلك :

استقرار سيرة المتشرعة على عدم الاجتناب عما يتخلّف فى الذبيحة من الدم مع كثرة الإبتلاء بالذبائح خصوصا فيالصحارى الخالية من الماء فإنهم لايطهّرون لحمها ولا أثوابهم وأبدانهم الملاقية له.

بل يلزم عدم جواز اكل اللحم لاتّصال بعض قطع الدم به عادة التى لايمكن إزالتها وإن بالغ الشخص فى إزالتها.

١١٨

كتاب الصلاة

الصلاة اليومية

صلاة المسافر

صلاة الجماعة

صلاة الجمعة

١١٩
١٢٠