دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٣

٩ ـ وأمّا أنَّ اللازم جعل الكعبة على يسار الطائف دون يمينه أو إستقبالها أو إستدبارها ، فيعسر إستفادته من النصوص إلا أنَّ السيرة المتوارثة بين جميع المسلمين على الطواف كذلك وأنَّه الكيفية الصحيحة لاغيرها تورث الإطمئنان بذلك.

١٠ ـ وأمّا لزوم إدخال الحِجْر فى الطواف ، بمعنى الطواف خارجه لابينه وبين الكعبة ، فمتسالم عليه. ويشهد له صحيح معاوية المتقدم ، فإنَّ الإختصار فى الحجر عبارة اُخرى عن الطواف بينه وبين الكعبة.

١١ ـ وأمّا لزوم الخروج عن الكعبة ، فلأنَّ اللازم الطواف بالبيت ـ كما قال تعالي : ( وليطوَّفوا بالبيت العتيق ) (١) ، وهو لايتحقق إلا بذلك.

وأمّا الشاذروان فهو بحكم الكعبة ، لأنَّه من أساس البيت وقاعدته الباقى بعد عمارته أخيراً.

١٢ ـ وأمّا إعتبار الإختيار فى الخطوات ـ بحيث لايكفى ما لو حمله الزحام بنحو ارتفعت رجلاه من الأرض ولم يتحقق منه المشى على الأرض ـ فلأ نَّه بدون ذلك لاينتسب الطواف إلى المكلّف الذى دلّ على إعتباره قوله تعالي : « وليطوَّفوا بالبيت العتيق ».

١٣ ـ وأمّا إعتبار أن يكون الطواف ما بين البيت والمقام ، فهو المشهور استناداً إلى رواية محمد بن مسلم : « سألته عن حدِّ الطواف بالبيت الذى من خرج عنه لم يكن طائفاً بالبيت. قال : كان الناس على عهد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يطوفون بالبيت والمقام ، وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام وبين البيت ، فكان الحدُّ موضع المقام اليوم ، فمن

__________________

١ ـ الحج : ٢٩.

٢٦١

جازه فليس بطائف. والحدُّ قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت من نواحى البيت كلها ، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفاً بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد ، لانَّه طاف فى غير حدّ ، ولاطواف له » (١) وبناءً على هذا يلزم يضيُّقُ محل الطواف من جانب الحجر بعد إعتبار الطواف خارجه.

بَيْدَ أنَّه لابدَّ من حمل الرواية على بيان الأفضلية بقرينة صحيحة الحلبي : « سألت أباعبداللّه عليه‌السلام عن الطواف خلف المقام ، قال : ما اُحبُّ ذلك وما أرى به بأساً ، فلا تفعله إلا أن لاتجد بُدّاً » (٢) الواضحة فى جواز الطواف خلف المقام.

هذا كله بقطع النظر عن ضعف سند الأولى بياسين الضرير وإلا فالأمر أوضح.

وبذلك يتضح وجاهة ما ينسب إلى الصدوق من جواز الطواف خارج المقام مطلقاً ولو إختياراً ومن دون عسر. (٣)

ركعتا الطواف

يلزم لكل طواف واجب الإتيان بعده بلافاصل عرفى بركعتين خلف المقام أو أحد جانبيه مخيَّراً فى قراءتها بين الجهر والإخفات.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أصل وجوب صلاةالطواف ، فلا خلاف فيه بينالمسلمين. وتدل عليه السيرة المتوارثة على الإتيان بها بنحو اللزوم ، وقوله تعالى : ( اتخدوا من مقام إبراهيم

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٨ من أبواب الطواف ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٨ من أبواب الطواف ، حديث ٢.

٣ ـ جواهر الكلام : ١٩ / ٢٩٨.

٢٦٢

مصلى ) (١) بعد الجزم بإرادة صلاة الطواف ، كما يستفاد من سياق الآية والروايات الكبيرة. (٢)

٢ ـ وأما إعتبار عدم الفاصل العرفي ، فلصحيحة محمد بن مسلم : « سألت أباجعفر عليه‌السلام عن ركعتى طواف الفريضة ، فقال : وقتهما إذا فرغت من طوافك » (٣) وغيرها.

٣ ـ وأمّا لزوم الإتيان بهما خلف المقام أو أحد جانبيه ، فللآية الكريمة ، فإنَّ إتخاذ المقام مصليً لايكون إلا بالصلاة خلفه أو إلى أحد جانبيه.

اجل ، إذا لم تمكن الصلاة كذلك لشدّة الزحام جاز التأخّر ، لعدم إحتمال سقوط الصلاة رأساً.

٤ ـ وأمّا التخيير فى كيفية القراءة ، فللبراءة عن تعيّن إحدى الخصوصيتين بعد عدم الدليل على ذلك.

السعى

وهو واجب فى العمرة والحج سبعة أشواط يبتدئ الشوط الأول وكلّ شوط فردي بالصفا وينتهى بالمروة والبقية بالعكس.

وتعتبر فيه النية دون ستر العورة ـ وضعاً ـ والطهارة.

__________________

١ ـ البقرة : ١٢٥.

٢ ـ لاحظ : باب ٧٢ وغيره من أبواب الطواف.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٧٦ من أبواب الطواف ، حديث ٧.

٢٦٣

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما وجوب السعي في العمرة والحج ، فتقضيه السيرة القطعية المتوارثة يداً بيد على فعله فيهما بنحو اللزوم.

وتدل عليه صحيحة زرارة ومحمد بن سملم عن أبي عبدالله عليه‌السلام « ... اَوَليس قال الله عزوجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمنحج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ألا ترون أنالطواف بهما واجب مفروض ، لأن الله عزوجل قد ذكره في كتابه وصنعه نبيّه » (١) وغيرها.

٢ ـ وأمّا أنَّ البداية من الصفا والختم بالمروة دون العكس ، فمضافاً إلى إنعقاد السيرة المتوارثة عليه يمكن استفادته من الروايات الدالة على أنَّ من بدء سعيه بالمروة يعيده ، كما فى صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « من بدء بالمروة قبل الصفا ، فليطرح ما سعى ويبدء بالصفا قبل المروة » (١) وغيره.

٣ ـ وأمّا أنَّ الأشواط سبعة ، فهو من الضروريات بين المسلمين. ويدل عليه صحيح معاوية الآخر : « ...ثمّ طُف بينهما سبعة أشواط تبدء بالصفا وتختم بالمروة ». (٢)

وهو يدلّ أيضاً على أنَّ الذهاب شوط والإياب شوظ وليس المجموع واحداً.

٤ ـ وأمّا اعتبار النية بمعنى قصد الفعل عن قربة ، فلما تقدّم فى الطواف.

٥ ـ وأمّا عدم اعتبار ستر العورة ، فللبراءة بعد عدم الدليل.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١٠ من أبواب السعي ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٦ من أبواب السعي ، حديث ١.

٢٦٤

٦ ـ وهكذا بالنسبة إلى الطهارة بقسميها.

بل إنَّ الدليل هنا قد دلَّ على عدم اعتبار ذلك ، ففى صحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « لابأس أن تقضى المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف ، فإنَّ فيه صلاة ، والوضوء أفضل » (١) وغيرها دلالة على عدم إعتبار الوضوء فى شيء من أعمال الحج عدا الطواف وصلاته ، فإنَّ القضاء إذا لم يكن بمعنى الفعل اداءً ، فبضم عدم احتمال التفصيل بين القضاء والأداء يثبت المطلوب.

التقصير

يجب فى عمرة التمتع بعد السعى التقصير من شعر الرأس أو غيره أو الأظفار. ولايكفي الحلق ولا النتف. وليس له محل خاص. وبه تحل جميع محرّمات الإحرام عدا الحلق. وتجب فيه نيّة القربة كسائر الأجزاء.

والمستند فى ذلك :

١ ـ اما أصل وجوب التقصير في عمرة التمتّع‌ فمن ضروريات الدين. وهكذا كونه بعد السعي. وتدل عليه أيضا صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع فقصّر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك وقلّم أظفارك وابق منها لحجّك ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي‌ء ... » (٢) وغيرها.

وهي وإن كانت ظاهرة في اعتبار التقصير من جميع ما ذكر الا انّه لا بدّ من حمل ذلك على الأفضلية لصحيحة جميل بن دراج وحفص‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٣ من أبواب الخلل في الصلاة الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب التقصير الحديث ٤.

٢٦٥

عن أبى عبداللّه عليه‌السلام « محرم يقصِّر من بعض ولايقصِّر من بعض ، قال : يجزيه » (١)

وإطلاقها يدل على الإجتزاء بالتقصير من أى أقسام الشَعر.

٢ ـ وأمّا عدم الإجتزاء بالحلق والنتف ، فلأ نَّهما غير المأمور به ، وإجزاؤه عنه يحتاج إلى دليل وهو مفقود.

٣ ـ وأمّا حِليّة جميع المحرّمات به ، فللتصريح بذلك فى صحيحة معاوية السابقة.

وأمّا إستثناء الحلق ، فلصحيحة جميل بن درّاج عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « متمتع حلق رأسه بمكة ، قال : إن كان جاهلاً فليس عليه شيء ، وإن تعمّد ذلك فى أول شهور الحج بثلاثين يوماً فليس عليه شيء وإن تعمّد بعد الثلاثين يوماً التى يوفَّر فيها الشعر للحج فإنَّ عليه دماً يهريقه » (٢) ، فإنَّ وجوب التكفير ـ بعد مضى ثلاثين يوماً من أول شوال الذى هو أول أشهر الحج ـ يلازم عرفاً الحرمة. ومعه تكون الصحيحة المذكورة مخصِّصة لصحيحة معاوية السابقة.

هذا ولكن المختار لدى المشهور جواز الحلق أيضاً بعد التقصير وفتواهم هذه على خلاف الرواية ـ بالرغم من وجودها بين أيديهم ـ تقف حائلاً دون الجزم بالفتوى بالتحريم وتحتم التنزّل إلى الاحتياط.

٤ ـ وأمّا لزوم قصد القربة ، فلِما تقدم فى الطواف.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٣ من أبواب التقصير ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٤ من أبواب التقصير ، حديث ٥.

٢٦٦

الوقوف بعرفات

يجب بعد الاحرام لحج التمتع ـ من داخل مکة على ما تقدم ، بنفس كيفية إحرام العمرة إلا بفارق النية ـ الحضور فى عرفات بالوقوف أو الجلوس أو بغير ذلک عن قصد.

واعتبر المشهور کونه من ظهر التاسع من ذى الحجة إلى الغروب. والرکن من ذلک المسمى.

وتحرم الإفاضة قبل الغروب. وعلى من تعمد ذلک بدنةٌ.

والمستند فى ذلک :

١ ـ أما أصل وجوب الحضور فى عرفات فى الجملة ، فمما تقتضيه السيرة القطعية المتوارثة بين المسلمين والمتصلة بزمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله على فعل ذلك بنحو اللزوم.

وتدلّ على ذلك أيضاً الروايات الآتية الدالة على حرمة الإفاضة قبل الغروب.

وفى صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبداللّه عليه‌السلام الحاكى لكيفية حج النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ...ثم مضى إلى الموقف ، فوقف به ، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلي جنبها فنحّاها ، ففعلوا مثل ذلك ، فقال : أيّها الناس! إنَّه ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف ، ولكن هذا كله موقف ، وأومأ بيده إلى الموقف فتفرّق الناس وفعل مثل ذلك بمزدلفة ، فوقف حتى وقع القرص قرص الشمس ثم أفاض ... » (١) وفعل المعصوم عليه‌السلام وإن كان لايدلّ على الوجوب إلا انَّه قد يستأنس ذلك منه بعد ضمّ أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان فى صدد تعليم المناسك.

٢ ـ وأمّا عدم تعيّن كيفية خاصة فى الحضور ، فلأصل البراءة ، والسيرة القطعية

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من أبواب أقسام الحج ، حديث ١.

٢٦٧

المتوارثة ، وصحيح معاوية المتقدم الدال على جلوس النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله على ناقته ، ولأنَّه لو كان الواجب كيفية خاصة لاشتهرت بعد شدّة الابتلاء بالمسألة.

وعليه ، فاستشكال الفاضل الهندى فى الإكتفاء بغير الوقوف من ناحية عدم صدق الوقوف لغة ولاعرفاً(١) واضح التأمّل.

٣ ـ وأمّا اعتبار القصد وعدم الاكتفاء بالنوم أو الإغماء طيلة الفترة ، فلأنَّ ذلك كباقى أفعال الحج التى يلزم فيها القصد عن قربة.

٤ ـ وأمّا وقت الواجب من حيث المنتهي ، فلم يقع فيه خلاف وتدل عليه صحيحة مسمع بن عبدالملك عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس ، قال : إن كان جاهلاً فلا شيء عليه ، وإن كان متعمداً فعليه بدنة » (٢) وغيرها. وأمّا من حيث المبدء ، فالمشهور كونه زوال يوم التاسع ، ولكنه لايستفاد من النصوص بل المستفاد كونه بعد الزوال بمقدار أداء الصلاتين بل وأكثر ، ففي صحيحة معاوية بن عمار : « ... فلمّا زالت الشمس خرج رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه قريش وقد إغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد ، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلّي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، ثم مضى إلى الموقف فوقف به ... ». (٣)

والاحتياط ـ تحفظاً من مخالفة المشهور ـ يقتضى الإبتداء به من الزوال خصوصاً لمن لايريد الإشتغال بالغسل ونحوه.

٥ ـ وأمّا أنَّ الركن من الوقوف الذى يبطل الحج بتركه عمداً هو المسمى دون

__________________

١ ـ كشف اللثام : ١ / ٣٥٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٣ من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من أبواب أقسام الحج ، حديث ٤.

٢٦٨

المجموع وإن كان ذلك واجباً ، فهو مورد تسالم الأصحاب. ويمكن أن يستفاد من صحيحة مسمع المتقدمة كلا الحكمين : وجوب الوقوف إلى الغروب وإلا لم تستقر البدنة على من أفاض قبله ، وكون الركن هو المسمّى وإلالبطل الحج بالإفاضة قبل الغروب.

أجل ، أقصى ما يستفاد منها أن المجموع ليس ركناً ولايسفتاد منها أنَّ الركن يتحقق بلحظة ، فان السؤال عن الافاضة قبل الغروب بفترةٍ قصيرة وليس عن الإفاضة قبل الغروب بساعات.

وعليه ، فإثبات ركنية المسمّى لايمكن إلا من خلال تسالم الأصحاب.

٦ ـ وأمّا حرمة الإفاضة قبل الغروب ووجوب البدنة على من تعمَّد ذلك ، فقد دلّت عليه صحيحة مسمع المتقدمة.

الوقوف فى المزدلفة

بعد إفاضة الحاج من عرفات يلزمه الحضور قبل طلوع شمس اليوم العاشر فى المزدلفة ويلبث حتى طلوعها.

والمشهور فى البداية طلوع الفجر. والركن هو المسمّى ما بين الطلوعين. وقد رُخِّص للنساء والضعفاء الوقوف ليلاً والإفاضة قبل طلوع الفجر إلى منى لرمى جمرة العقبة.

والموقف الإختيارى فى المزدلفة ما ذكر. والإضطرارى لذوى الأعذار المسمّى من طلوع الشمس إلى زوال يوم العيد. وللنساء والضعفاء المسمّى ليلاً كما تقدم.

والمستند فى ذلك :

١ ـ اما أصل وجوب الحضور في المزدلفة ـ المشعر الحرام ، جمع‌ ـ فممّا تقتضيه السيرة القطعية المتوارثة. ويدل عليه أيضا قوله تعالى : ( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ

٢٦٩

الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ) (١) ، وصحيحة الحلبي السابقة : « ... فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج » وغيرها. پالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة ، وعليه الحج من قابل» (١) وغير ذلك.

٢ ـ وأمّا وجوب البقاء حتى طلوع الشمس ، فلم يُنقل فيه خلاف. ويمكن إستفادته من صحيحة هشام بن الحكم عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « لاتجاوز وادى محسّر حتى تطلع الشمس » (٢) ، فإنّ وادى محسّر حيث إنه من حدود المشعر الحرام ، فالنهى عن تجاوزه قبل الطلوع يدل على لزوم المكث فى المشعر الحرام حتى الطلوع.

٣ ـ وأمّا بداية وقت الواجب ، فالمشهور أنه طلوع الفجر.

وقد يستدل له : بصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « أصبح على طهر بعد ما تُصلى الفجر فقف إن شئت قريباً من الجبل ، وإن شئت حيث شئت فإذا وقفت فاحمداللّه عزّوجلّ واثن عليه ...ثم ليكن من قولك : اللّهم ربَّ المشعر الحرام ... » (٣) بتقريب أنّ الأمر بالإصباح فى المشعر الحرام يدلّ على عدم جواز التأخير عن طلوع الفجر.

وبالروايات المجوزة للنساء والصبيان بالإفاضة ليلاً ، حيث تدلّ على أنّ ما بعد الليل ـ الذى بدايته طلوع الفجر ـ هو بداية وقت الوجوب.

وكلاهما قابل للتأمل.

أمّا صحيح معاوية ، فلاشتمال سياقه على المستحبات المانع من الظهور في

__________________

١ ـ البقرة : ١٩٨.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٢ من أبواب الوقوف بالمشعر ، حديث ٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ١٥ من أبواب الوقوف بالمشعر ، حديث ٢.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ١١ من أبواب الوقوف بالمشعر ، حديث ١.

٢٧٠

الوجوب. بل قد يشكك فى دلالة الامر بالاصباح على ارادة الاصباح فى المشعر الحرام.

وأمّا روايات الإفاضة ليلاً ، فهى تتلائم أيضاً وكون بداية وقت الوجوب ما بعد طلوع الفجر بساعة أو قبله بساعة مثلاً ولايختص تلاؤمها مع كون البداية طلوع الفجر فقط.

ومن كل هذا يتضح أنَّ الحكم بوجوب الحضور من بداية طلوع الفجر مبنيٌ على الاحتياط ، تحفظاً من مخالفة المشهور وإلافأصل البراءة ينفى ذلك.

٤ ـ وأمّا أنَّ الركن هو المسمّى ما بين الطلوعين ، فلصحيحة الحلبى السابقة : « فقد تمّ حجّه إذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج » وغيرها ، فإنَّ الإدراك قبل افاضة الناس يتحقق بالمسمّى فى فترة الوقوف الواجب.

٥ ـ وأمّا الترخيص فى الإفاضة ليلاً لمن ذكر ، فلصحيحة أبى بصير عن أبي عبداللّه عليه‌السلام : « رخَّص رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله للنساء والضعفاء أن يفيضوا عن جمع بليل ، وأن يرموا الجمرة بليل ، فإذا أرادوا أن يزوروا البيت وكَّلوا من يذبح عنهنّ » (١) وغيرها.

٦ ـ وأمّا امتداد الموقف الاضطراري ، فلصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبداللّه عليه‌السلام : « من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع وليأت جمعاً وليقف بها وإن كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع » (٢) وغيرها.

وهى وإن لم تُقيِّد إمتداد الموقف إلى الزوال إلا أنَّ ذلك ورد فيمن لم يدرك كلا

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١٧ من أبواب الوقوف بالمشعر ، حديث ٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٢١ من أبواب الوقوف بالمشعر ، حديث ١.

٢٧١

الموقفين ، وهو كاف ، ففى صحيحة عبداللّه بن المغيرة : « جاءنا رجل بمني ، فقال : إني لم ادرك الناس بالموقفين جميعاً ... فدخل إسحاق بن عمار على أبى الحسن عليه‌السلام فسأله عن ذلك ، فقال : إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج ». (١)

ثمّ انّ المراد بالركن فى المقام ما كان تركه عن عمد ومن دون الضطرار موجباً لفساد الحج ، أمّا إذا كان عن اضطرار فلايوجب الفساد ، لان ذلك لازم دلالة صحيحة معاوية على تشريع الموقف الاضطرارى والاكتفاء به.

رمى جمرة العقبة

بعد الإفاضة من المزدلفة إلى منى يلزم رمى جمرة العقبة فقط فى اليوم العاشر بين طلوع الشمس وغروبها ـ إلا لمن استثنى كما تقدم ، فإنَّه يجوز له الرمى ليلة العيد ـ بسبع حصيات عن قربة ، واحدة تلو الاُخرى لادفعة ، مع إحراز وصولها إليها بالرمي.

ويعتبر أن تكون من الحرم.

واعتبر المشهور أن تكون أبكاراً.

والمستند فى ذلك :

١ ـ اما وجوب رمي جمرة العقبة يوم العاشر‌ ، فممّا تقتضيه السيرة القطعية المتوارثة على فعل ذلك بنحو الوجوب. ويمكن ان يستفاد ذلك من صحيحة أبي بصير المتقدّمة الدالّة على ترخيص الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنساء في الافاضة بليل ورمي الجمرة ، فان المقصود من الجمرة المعرّفة بلام العهد جمرة العقبة. والترخيص

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٣ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٦.

٢٧٢

المذكور يدل على وجوب ذلك نهارا ولأجل خوف الزحام نهارا رخّص‌ في ذلك ليلا.

٢ ـ واما انه بين طلوع الشمس وغروبها‌ ، فلصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « رمي الجمار من طلوع الشمس الى غروبها » (١) وغيرها.

٣ ـ وأمّا أنَّه بسبع حصيات ، فمتسالم عليه بين المسلمين ومتوارث يداً بيد من النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ويمكن استفادته من صحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « رجل أخذ إحدى وعشرين حصاة فرمى بها فزادت واحدة فلم يدر أيّهن نقص. قال : فليرجع ولِيَرمِ كل واحدة بحصاة ... » (٢) وغيرها ، بتقريب أنها وإن كانت واردة فى رمى ما بعد اليوم العاشر إلا أنَّه لايحتمل الفرق بين رمى جمرة العقبة مستقلاً يوم العاشر وبين رميها مع الجمرتين الاُخريتين ما بعد العاشر.

٤ ـ وأمّا إعتبار القربة ، فلما تقدم فى الطواف.

٥ ـ وأمّا إعتبار التوالي ، فلايمكن إستفادته من النصوص بشكل صريح إلا أنَّه يكفى لإثباته السيرة المتوارثة على فعل ذلك بنحو اللزوم.

ويؤيد ذلك الروايات الدالة على استحباب التكبير عند رمى كل واحدة من الحصيات (٣) ورميها خذفاً (٤) ، فإنّه مع اجزاء الرمى دفعة واحدة يلزم الاكتفاء بتكبير واحد وعدم امكان تحقق الخذف *.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٣ من أبواب الوقوف بالمشعر ، حديث ٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١٣ من أبواب رمى جمرة العقبة ، حديث ٦.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٧ من أبواب العود إلى مني ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ١١ من أبواب رمى جمرة العقبة.

٥ ـ وسائل الشيعة : باب ٧ من أبواب رمى جمرة العقبة ، حديث ١.

* ـ المراد من الخذف : وضع الحصاة على الإبهام ورميها بظفر السبابة.

٢٧٣

٦ ـ وأمّا اعتبار إحراز الإصابة ، فلأنَّ المطلوب رمى الجمرة لامطلق الرمي ، والإشتغال اليقينى يستدعى الفراغ اليقيني. مضافاً إلى إستصحاب عدم تحقق الإصابة الواجبة.

٧ ـ وأمّا إعتبار كون الإصابة بالرمى دون الوضع ، فلأنَّ أحدهما مغاير للاخر ، وبالوضع لايصدق عنوان الرمى المطلوب.

٨ ـ وأمّا إعتبار أن تكون من الحرم ، فمما لا إشكال فيه. ويدل عليه صحيح زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام : « حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك ، وإن أخذته من غير الحرم لم يُجزئك » (١) وغيره.

٩ ـ وأمّا إعبتار أن تكون أبكاراً ، فقد ادّعى عليه الإجماع. وقد دلت عليه رواية عبدالأعلى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « لاتأخذ من حصى الجمار » (٢). لكنها ضعيفة بسهل. والإجماع على تقدير تحققه لاعبرة به لإحتمال مدركيته.

ومعه يعود الحكم باعتبار البكارة مبنياً على الاحتياط ، تحفظاً من مخالفة الإجماع المدّعي.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٤ من أبواب رمى جمرة العقبة ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٥ من أبواب رمى جمرة العقبة ، حديث ٢.

٢٧٤

الذبح أو النحر

يجب فى حج التمتع ـ بعد الرمى ـ ذبح واحد من الغنم أو البقر أو نحر واحد من الإبل في منى عن قربة.

والمشهور لزوم تقسيم الحيوان أثلاثاً : ثلثاً لنفسه ، وثلثاً للفقراء ، وثلثاً للمؤمنين هدية.

والمستند فى ذلك :

١ ـ اما وجوب ما ذكر‌ ، فممّا لا خلاف فيه لقوله تعالى : ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (١) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام الوارد في المتمتع : « ... وعليه الهدي. قلت : وما الهدي؟ فقال : فضله بدنة وأوسطه بقرة وآخره شاة » (٢) وغيره.

٢ ـ وأمّا أنَّه بعد الرمي ، فلصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « إذا رميت الجمرة فاشتر هديك ... » (١) ، وصحيحة أبى بصير المتقدمة فيمن يفيض من المشعر ليلاً من النساء والضعفاء ، وغيرهما.

٣ ـ وأمّا أنَّ محله مني ، فلم يُعرف فيه خلاف. ويمكن إستفادته من قوله تعالي : « ولاتحلقوا روؤسكم حتى يبلغ الهدى محِله » (٢) ، حيث يدل على أنَّ للهدى محلاً خاصاً معهوداً ، ولامحل يمكن عهده إلا مني.

ويدل عليه أيضاً صحيح منصور بن حازم عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « رجل يضل هَدْيَهُ فيجده رجل آخر فينحره ، فقال : إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذى ضل عنه ،

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٠ من أبواب الذبح الحديث ٥.

(٣) المبسوط ١ : ٢٠٧ ، والخلاف ٢ : ٢٧٢.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب أقسام الحج.

٢٧٥

وإن كان نحره فى غير منى لم يجزء عن صاحبه » (١) وغيره.

بل إن السيرة القطعية المتوارثة على تعيّن ذلك خير دليل عليه.

٤ ـ وأمّا اشتراط القربة ، فلما تقدم فى الطواف.

٥ ـ وأمّا تقسيم الهدى أثلاثاً ، فقد يستدل له بقوله تعالي : « فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير » (٢) بعد ضمّه إلى قوله تعالي : ( فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) (٣) ، فإنَّ الآيتين الكريمتين تشتركان فى الدلالة على وجوب الأكل ، وتدل الاولى على وجوب إطعام البائس الذى هو الفقير غير المتمكن من الخروج والطواف بالأبواب ، والثانية على وجوب إطعام القانع ـ الذى يقنع بما اُعطى ـ والمعتر ، وهو المارُّ الذى يتوقع إطعامه ، وحيث إنّ القانع والمعتر لم يؤخذ في مفهومهما عنوان الفقر ، فيكون المستفاد من مجموع الآيتين لزوم التقسيم إلى ثلاث حصص بالشكل المتقدم.

هذا وقد ذهب البعض إلى أنَّ القانع والمعتر قسمان من الفقير ، وبذلك يكون المستفاد من الآيتين لزوم التقسيم إلى قسمين لاثلاثة : قسم للحاج نفسه وقسم للفقراء.

ثمّ انّ وجوب الأكل على تقدير القول به يختص بالمتمكنّ كما هو واضح.

إلاّ انّ اصل وجوبه محل تأمّل لقرب احتمال أن يكون الأمر به وارداً مورد توهم الحظر ومن ثَمَّ يكون المقصود منه نفى التحريم.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٨ من أبواب الذبح ، حديث ٢.

٢ ـ الحج : ٢٨.

٣ ـ الحج : ٣٦.

٢٧٦

الحلق أو التقصير

يجب ـ بعد الرمى والذبح ـ الحلق عن قربة فى مني.

والمشهور إعتبار أن يكون فى اليوم العاشر نهاراً.

وعلى المرأة التقصير. والرجل بالخيار بينه وبين الحلق فى غير حجه الأول. وأمّا فيه ، فمورد خلاف.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا وجوب الحلق أو التقصير فى الجملة ، فممّا تقتضيه السيرة القطعية المتوارثة على الإتيان بذلك بنحو الوجوب.

وقد يستفاد ذلك من قوله تعالي : ( لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ... ) (١) ، ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ... ) (٢).

٢ ـ وأما أنّ ذلك بعد الرمى والذبح ، فهو المشهور. ويمكن إستفادته من صحيحة جميل عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « سألته عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ، قال : لاينبغي إلاّ أن يكون ناسياً ، ثمّ قال : انّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه اُناس يوم النحر ، فقال بعضهم : يا رسول اللّه حلقت قبل أن أذبح وقال بعضهم : حلقت قبل أن أرمي ، فلم يتركوا شيئاً كان ينبغى لهم أن يقدّموه إلاّ اخّروه ولاشيئاً كان ينبغى لهم أن يؤخّروه إلاّ قدّموه ، فقال : لا حرج » (٣) وغيرها فإنّها تدلّ على أنَّ وظيفة الحلق بعد الذبح ، وحيث إنَّ الذبح بعد

__________________

١ ـ الفتح : ٢٧.

٢ ـ البقرة : ١٩٦.

٣ ـ من لايحضره الفقيه : ٢ / ٣٠١ ؛ وسائل الشيعة : باب ٣٩ من أبواب الذبح ، حديث ٤.

٢٧٧

الرمى على ما تقدّم ، فيكون الحلق متأخراً عن كليهما.

٣ ـ وأمّا إعتبار القربة ، فلِما تقدم فى الطواف.

٤ ـ وأمّا إعتبار أن يكون فى مني ، فلِما ورد من أنَّ الناسى يرجع إلى منى للحلق فيها أو إلقاء شعره فيها ، كما فى صحيحة الحلبي : « سألت أباعبداللّه عليه‌السلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتى إرتحل من مني ، قال : يرجع إلى منى حتى يلقى شعره بها حلقاً كان أو تقصيراً » (١) وغيرها ، فإنها تدل على المطلوب.

٥ ـ وأمّا إعتباره يوم العيد نهاراً ، فاستدل له بالتأسى والسيرة المتوارثة.

وكلاهما قابل للتأمّل.

أمّا الأول فلِماتقدم أكثر من مرة.

وأمّا الثانى فلأنَّ السيرة إنعقدت على أصل لزوم الحلق وليس على تعيّنه في النهار.

وعليه فلا دليل على إعتبار الإيقاع فى النهار من يوم العيد ، ومقتضى البراءة نفي ذلك وإن كان الإحتياط حسناً.

٧ ـ وأمّا أنَّ الرجل بالخيار فى غير حجِّه الأول بين الحلق والتقصير ، فيكفى لإثباته البراءة عن الخصوصيّة بل وللدليل على التخيير ، وهو ما سيأتي.

وأمّا الحج الأول ، فقد دلّت خمس روايات أو أكثر على تعيّن الحلق فيه ، كصحيحة معاوية عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « ينبغى للصرورة أن يحلق. وإن كان قد حجَّ فإن شاء قصَّر وإن شاء حلق فإن لبَّد شعره أو عقَّصه فإنَّ عليه الحلق وليس له التقصير » (٢)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٥ من أبواب الحلق والتقصير ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٧ من أبواب الحلق والتقصير ، حديث ١.

٢٧٨

وغيرها ، فانّها تدل على أنَّ الصرورة يحلق ، وغيره بالخيار إلا إذا كان قد لبَّد شعر رأسه بالصمغ أو العسل أو نحوهما لدفع القمل أو عقَّصه وعقده بعد جمعه.

وإذا قيل : إنَّ معاوية نفسه قد روى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « إذا احرمت فعقَّصت شعر رأسك أو لبَّدته ، فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير ، وإن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير. والحلق فى الحج أفضل ... » (١) وهو دالّ باطلاقه على أنَّ غير الملبِّد والمعقِّص بالخيار ولو فى الحج الأول.

قلنا : المقصود بقرينة روايته الأولى أنَّه بالخيار فى غير الصرورة.

بل قد يقال بكون الخطاب شخصيّا وفى واقعة خاصة ، ولعلّه عليه‌السلام قد أحرز أنّ حج معاوية ليس صرورة.

وعليه فالمناسب تعيّن الحلق فى الحج الأول. ولا أقل من التنزل إلى الاحتياط.

طواف الحج وصلاته والسعى وطواف النساء وصلاته

يجب ـ بعد الحلق أو التقصير ـ العود إلى مكة المكرمة لأداء مناسك ثلاثة : طواف الحج وصلاته ، والسعي ، وطواف النساء وصلاته. وكيفية ذلك كما تقدّم فى عمرة التمتع.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا وجوب الأعمال الثلاثة ، فمما تقتضيه السيرة القطعية المتوارثة على فعلها بنحو اللزوم. والروايات فى ذلك فوق حدِّ الإحصاء.

٢ ـ وأمّا أنها متأخرة عن الحلق والتقصير ، فلا خلاف فى ذلك.

وتدل عليه صحيحة جميل المتقدّمة.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٧ من أبواب الحلق والتقصير ، حديث ٨.

٢٧٩

٣ ـ وأمّا أنَّ الكيفية واحدة ، فلصحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « ... فإذا أتيت البيت يوم النحر ...طُف بالبيت سبعة أشواط كما وصفتُ لك يوم قدمتَ مكة ، ثم صَلِّ عند مقام إبراهيم ركعتين ... ، ثم اخرج إلى الصفا فاصعَد عليه واصنَع كما صنعتَ يوم دخلتَ مكة ... » (١) وغيرها.

المبيت بمنى والنفر

يجب على الحاج المبيت بمنى ليلة الحادى والثانى عشر ، والنفر بعد الزوال من اليوم الثانى عشر إن أراد النفر الأول.

ولايجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر إلا إذا لم يتَّق الصيد أو دخل عليه الليل فى اليوم الثانى عشر وهو فى مني.

والمبيت الواجب ليس بلحاظ تمام الليلة بل فى أحد نصفيها.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أنَّ المبيت واجب فى الليلتين المذكورتين ، فمما انعقدت عليه السيرة القطعية المتوارثة ، وتدلّ عليه أيضاً صحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « لاتبت ليالى التشريق إلاّ بمني ، فإن بتّ فى غيرها فعليك دم. فإن خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلا وأنت فى منى إلا أن يكون شغلُكَ نُسُكَكَ أو قد خرجت من مكة (٢).

وإن خرجتَ بعد نص الليل فلايضرُّك أن تصبح فى غيرها » (٣) وغيرها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٤ من أبواب زيارة البيت ، حديث ١.

٢ ـ اى يستثنى من وجوب المبيت بمنى فى احد النصفين اثنان : من كان النسك ـ العبادة ـ شغلاً له بمكة ، ومن خرج من مكة متوجّهاً الى منى وحلَّ عليه الصبح قبل أن يصل اليها.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من أبواب العود إلى مني ، حديث ٨.

٢٨٠