دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٣

٦ ـ وأما أنه لا يلزم فى المسافة أن تكون امتدادية بل تكفى التلفيقية ، فلأن الروايات فى المقام على ثلاثة اصناف : بعضها ، كموثقة سماعة : « سألته عن المسافر فى كم يقصر الصلاة؟ فقال : فى مسيرة يوم ، وهى ثمانية فراسخ » (١) جعل المدار على الثمانية.

وبعضها الآخر ، كصحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام : « التقصير فى بريد ، والبريد اربعة فراسخ » (٢) جعل المدار على اربعة.

وثالث ، كصحيح معاوية بن وهب : « قلت لأبى عبداللّه عليه‌السلام أدنى ما يقصر فيه المسافر الصلاة؟ قال : بريد ذاهبا وبريد جائيا » (٣) جعل المدار على البريد ذاهبا إذا انضم اليه البريد جائيا.

وبالثالث يحصل الجمع بين الأوّلين. بل فى صحيح محمدبن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن التقصير ، قال : فى بريد. قلت : بريد؟ قال : إنه ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه » (٤) تصريح بذلك.

٧ ـ وأما عدم اعتبار الرجوع فى نفس اليوم فى المسافة الملفّقة خلافا لبعض ، فلإطلاق صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة : « قال : بريد ذاهبا وبريد جائيا ».

ودعوى انصرافها الى العود فى نفس اليوم او الليلة لا وجه لها خصوصا فى ذلك الزمان.

٨ ـ وأما اعتبار استمرار القصد ، فلأنه مع عدمه إما أن يفرض الرجوع وعدم

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من ابواب صلاة المسافر ، حديث ١٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من ابواب صلاة المسافر ، حديث ١١.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من ابواب صلاة المسافر ، حديث ٢.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من ابواب صلاة المسافر ، حديث ٩.

١٦١

الاستمرار فى قطع المسافة ، ولزوم الإتمام فيه واضح لعدم تحقق قطع المسافة الذى هو شرط التقصير ، او يفرض الاستمرار فى قطع المسافة ، وفى مثله يجب الإتمام ايضا لأن ظاهر موثقة عمار عن أبى عبداللّه عليه‌السلام « سألته عن الرجل يخرج فى حاجة فيسير خمسة فراسخ او ستة فراسخ ويأتى قرية فينزل فيها ثم يخرج منها فيسير خمسة فراسخ اخرى او ستة فراسخ لا يجوز ذلك ثم ينزل فى ذلك الموضع ، قال : لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله او قريته ثمانية فراسخ فليتم الصلاة » (١) اعتبار القصد واعتبار استمراره.

٩ ـ وأما اعتبار عدم قصد المرور بالوطن ، فلابّد لاستيضاحه من بيان امرين :

أحدهما : لِمَ كان المرور بالوطن ولو بدون قصد مسبق قاطعا لحكم السفر بحيث يحتاج الى قصد مسافة جديدة ولا يضمّ ما سبق الى ما يأتي؟ ذلك لأن الخارج من وطنه الثانى كالخارج من الأوّل فى أن دليل وجوب القصر يحكم عليه بعدم القصر إلا بعد قصد ثمانية فراسخ من بعد الوطن لعدم الفرق بين الوطنين.

ثانيهما : لِمَ كان قصد المرور بالوطن مانعا من الحكم بالقصر وإن لم يتحقق المرور به فعلاً؟ ذلك لأن ظاهر دليل اعتبار القصد ـ وهو موثقة عمّار المتقدمة ـ اعتبار صدق عنوان المسافر طيلة المسافة وأن يكون القصد منذ البداية متعلقا بالمسافة التى يصدق طيلتها عنوان المسافر.

١٠ ـ وأما اعتبار عدم قصد الإقامة عشرة ايام قبل بلوغ المسافة ، فممّا لا خلاف فيه. ولاستيضاحه لابدّ من بيان امرين :

احدهما : لِمَ كانت الاقامة فى مكان قبل بلوغ المسافة ولو بدون قصد مسبق

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٤ من ابواب صلاة المسافر ، حديث ٣.

١٦٢

قاطعة للسفر بحيث يحتاج القصر الى قصد مسافة جديدة ولا ينضم ما يأتى الى ماسبق؟

والجواب واضح على الرأى القائل بأن الإقامة عشرة قاطعة للسفر موضوعا وحكما لاحكما فقط ، وشرط التقصير صدق عنوان المسافر طيلة المسافة على ما هو المستظهر من موثقة عمار المتقدمة.

واما بناء على كونها قاطعة له حكما فقط ، فاستدل على وجوب التمام باستصحابه.

ثانيهما : لماذا كان قصد الاقامة قبل بلوغ المسافة قاطعا للسفر ولو لم تتحقق الاقامة فعلاً؟ ذلك لأن المستفاد من ادلة وجوب التقصير وجوبه على من قصد الثمانية التى يصدق عنوان المسافر طيلتها ، وذلك غير متحقق مع قصد الاقامة فى الاثناء بناء على كونها قاطعة للسفر موضوعا وحكما لا حكما فقط.

وأما بناء على انكار ذلك فتوجيه الشرطية مشكل إلاّ بافتراض قيام اجماع تعبدى على ذلك.

١١ ـ وأما اعتبار اباحة السفر ، فلصحيحة عبيدبن زرارة : « سألت أبا عبداللّه عليه‌السلام عن الرجل يخرج الى الصيد أيقصر او يتم؟ قال : يتم ، لأنه ليس بمسير حق » (١) وغيرها.

١٢ ـ وأما اعتبار عدم اتخاذ السفر عملاً ، فهو مورد اتفاق فى الجملة. وتدل عليه صحيحة زرارة : « قال : أبو جعفر عليه‌السلام : اربعة قد يجب عليهم التمام فى سفر كانوا او

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٩ من ابواب الصلاة المسافر ، حديث ٤.

١٦٣

حضر : المكاري ، والكري * ، والراعي ، والإشتقان لأنه عملهم » (١) وغيرها.

ولا إشكال فى وجوب التمام على من كان السفر بنفسه عملاً له : وإنما الكلام فيمن كان السفر مقدمة لعمله ، وهو لم يتعرّض له فى كلمات المتقدمين بل المتأخرين ايضا.

والمناسب وجوب التمام عليه تمسكا بعموم التعليل ، فإنه يشمل من كان السفر مقدمة لعمله بقرينة بعض الامثلة كالراعي.

١٣ ـ وأما اعتبار أن لا يكون ممّن بيته معه ، فلموثقة اسحاق بن عمار : « سألته عن الملاّحين والاعراب هل عليهم تقصير؟ قال : لا ، بيوتهم معهم » (٢).

على أن القاعدة تقتضى ذلك ايضا ، فإنه لعدم استقراره فى مكان معين لا يصدق عليه عنوان المسافر حتى يجب عليه القصر ـ بناءً على أن موضوع وجوب القصر ذلك ـ فيتمسك بالمطلقات الدالة على وجوب التمام على طبيعى المكلف.

١٤ ـ وأما اعتبار بلوغ حدّ الترخص ، فلدلالة النصوص عليه. اجل اختلفت فى تحديده ، فصحيح محمدبن مسلم : « قلت لأبى عبداللّه عليه‌السلام : الرجل يريد السفر فيخرج متى يقصر؟ قال : اذا توارى من البيوت » (٣) اعتبر التوارى من البيوت الذى علامته عادة عدم رؤية اهل البلد ، بينما صحيح عبداللّه بن سنان عن أبى عبداللّه عليه‌السلام :

__________________

* ـ كريّ كغنيّ : كثير المشي. وكأن المراد به من يكرى نفسه للمشي. والاشتقان : امين البيدر او البريد. هكذا فى الوافي : ٧ / ١٦٥.

والبيدر : الموضع الذى يجمع فيه الحصيد ويداس.

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١١ من ابواب صلاة المسافر ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١١ من ابواب صلاة المسافر ، حديث ٥.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٦ من ابواب صلاة المسافر ، حديث ١.

١٦٤

« سألته عن التقصير ، قال : إذا كنت فى الموضع الذى تسمع فيه الأذان فأتم ، وإذا كنت فى الموضع الذى لا تسمع فيه الأذان فقصر. واذا قدمت من سفرك فمثل ذلك » (١) اعتبر خفاء الأذان. ومعه يحصل التنافى بين اطلاق المفهوم فى كلّ واحد من الصحيحين مع منطوق الآخر.

ويمكن رفعه بتقييد الأوّل ـ اطلاق المفهوم ـ بالثانى ـ منطوق الآخر ـ وبذلك يكفى تحقق أحدهما.

قواطع السفر

ينقطع السفر بالمرور على الوطن ، او العزم على الإقامة عشرة متوالية فى مكان واحد ، او البقاء فى مكان واحد ثلاثين يوما مع التردد.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما قاطعية الوطن ، بمعنى وجوب التمام فيه ، فواضحة. وأما قاطعيّته ، بمعنى عدم ضمّ ما يأتى الى ما سبق ، فقد تقدّمت الإشارة لها سابقا.

ونزيد ذلك توضيحا : إن ظاهر ادلة القصر كونه حكم القاطع لثمانية فراسخ الذى يصدق عليه خلال مجموعها عنوان المسافر ، وهذا غير متحقق فيمن يمرّ وسط المسافة بوطنه.

اجل ، هذا التوضيح لا ينفع فيمن يمرّ بوطنه بعد تمام المسافة الشرعية فينبغى الإقتصار فى حقه على ما سبق.

٢ ـ وأما قاطعية الاقامة عشرة ، فهى من المسلّمات. وتدلّ عليها صحيحة زرارة

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٦ من ابواب صلاة المسافر ، حديث ٣.

١٦٥

عن أبى جعفر عليه‌السلام « قلت له : أرأيت من قدم بلدة الى متى ينبغى له ان يكون مقصّرا ومتى ينبغى أن يتم؟ فقال : إذا دخلت أرضا فأيقنت ان لك بها مُقام عشرة ايام فأتم الصلاة. وإن لم تَدر ما مقامك بها تقول غدا اخرج او بعد غد ، فقصر ما بينك وبين أن يمضى شهر ، فإن تمَّ لك شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتك » (١) وغيرها.

٣ ـ وأما اعتبار العزم وعدم كفاية البقاء المجرد ، فللتقييد فى الصحيحة المتقدمة بالايقان.

٤ ـ وأما اعتبار التوالى ، فلظهور كلمة « عشرة » فى ذلك.

٥ ـ وأما اعتبار وحدة المكان ، فلأن الوارد فى الروايات التعبير بـ : « المكان والارض والبلد والضيعة » ، وكلّ ذلك ظاهر فى الوحدة.

٦ ـ وأما وجوب التمام على المتردد ما بعد الثلاثين ، فلصحيحة زرارة المتقدمة وغيرها.

__________________

١ ـ وسائل الشعية باب ١٥ من ابواب صلاة المسافر ، حديث ٩.

١٦٦

صلاة الجماعة

تستحب الجماعة فى الفرائض كلّها عدا صلاة الطواف.

ولا تشرع فى النوافل الاصلية عدا صلاة الاستسقاء.

وأقل ما تنعقد به اثنان أحدهما الإمام.

ولا يشترط فى انعقادها نيّة الإمام الإمامة إلا فى العيدين الواجبة والجمعة.

وتدرك بالتكبير مادام الإمام لم يرفع رأسه من الركوع.

واذا كبَّر المأموم وشك فى بقاء الإمام راكعا فلا يحكم بادراكه الجماعة.

ويلزم أن يكون الإمام رجلاً ـ اذا كان المأموم كذلك ـ وعادلاً صحيح القراءة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما استحباب الجماعة فى الجملة ، فممّا لا إشكال فيه. وإنما الإشكال فى وجود عموم يمكن به إثبات مشروعيتها فى جميع الصلوات الواجبة بحيث يحتاج الخروج عنه الى مخصص.

واحسن ما يمكن التمسك به صحيحة زرارة وفضيل : « قلنا له : الصلاة فى جماعة فريضة هي؟ فقال : الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض فى الصلوات كلها

١٦٧

ولكنه سُنَّة. من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له » (١) ، بتقريب أن جملة « ولكنّه سُنَّة » عطف على « بمفروض ». والتقدير : وليس الاجتماع بمفروض ولكنه سُنَّة فى الصلوات كلها. وهذا يدل على ثبوت العموم الأفرادى لها.

ودعوى الانصراف الى خصوص اليومية لا يتناسب جملة « فى الصلوات كلها ».

٢ ـ وأما استثناء صلاة الطواف ، فلما ذكره الشيخ النائينى وآخرون من عدم معهودية الإتيان بصلاة الطواف جماعة ، بل لم ينقل ذلك عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فى حجة الوداع بالرغم من نقل كثير من خصوصيات تلك الحجة ، وذلك يدل على عدم مشروعيّتها فيها ، ويكون بمثابة المخصص المتصل(٢).

٣ ـ وأما عدم مشروعيتها فى النافلة ، فللقصور فى المقتضى بقرينة التعبير بجملة « الصلاة فريضة ».

مضافا الى عدم معهودية ذلك زمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله رغم شدة اهتمامه بالجماعة.

أجل فى خصوص نوافل شهر رمضان جوّز الخليفة الثانى الجماعة فيها واستمر ذلك الى يومنا.

وقد جاءت صحيحة الفضلاء عن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام : « إن الصلاة بالليل فى شهر رمضان من النافلة فى جماعة بدعة » (٣) ناظرة الى ذلك.

وقد ورد فى الحديث أن امير المؤمنين عليه‌السلام فترة خلافته حاول الردع عن ذلك فضج الناس بنداء « وا عمراه وا عمراه » فتنازل عليه‌السلام وقال : « صلوا » ، كما ورد ذلك في

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من ابواب صلاة الجماعة ، حديث ٢.

٢ ـ كتاب الصلاة ، تقرير بحث الشيخ النائينى للشيخ الكاظمي : ٢ / ٣٦٠.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ١٠ من ابواب نافلة شهر رمضان ، حديث ١.

١٦٨

موثقة الساباطي(١) ، او نادى بعض عسكر الامام عليه‌السلام : « يا أهل الاسلام غيّرت سنة عمر » ، كما ورد فى رواية سليم بن قيس الهلالي(٢).

٤ ـ وأما التقييد بالأصلية ، فلأن ما كان فريضة بالأصل مشمول لجملة « الصلاة فريضة » ، اذ المنصرف منها ما كان فريضة بالاصل.

٥ ـ وأما انعقادها باثنين ، فلصحيح زرارة : « قلت لأبى عبداللّه عليه‌السلام : الرجلان يكونان جماعة؟ فقال : نعم ، ويقوم الرجل عن يمين الرجل » (٣).

٦ ـ وأما عدم اعتبار نية الامام الامامة ، فلا يمكن التمسك له بإطلاق صحيح زرارة وفضيل المتقدم ، لأنه ناظر الى العموم الافرادى دون الأحوالي؛ بل لأن ذلك لو كان معتبرا لنبّه عليه لكثرة الابتلاء بذلك ، بل قد يقال بإمكان إجراء البرائة عن اعتبار ذلك.

٧ ـ وأما استثناء العيدين الواجبة والجمعة ، فقد عُلّل بأنّ صحة الصلاة فيهما متقومة بالجماعة بحيث يكون الواجب هو الحصة المقارنة للإجتماع فلابدّ من قصد الإمام للحصة المذكورة.

٨ ـ وأما ان ادراك الركعة يتحقق بذلك ، فتدل عليه الروايات الدالة على أن الداخل للمسجد إذا خاف رفع الإمام رأسه من الركوع كبّر ومشي(٤).

وهكذا الروايات الدالة على استحباب إطالة الامام ركوعه ليلتحق المأموم به(٥).

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١٠ من ابواب نافلة شهر رمضان ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ١٠ من ابواب نافلة شهر رمضان ، حديث ٤.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ٤ من ابواب احكام الجماعة ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ٤٦ من ابواب احكام الجماعة.

٥ ـ وسائل الشيعة : باب ٥٠ من ابواب احكام الجماعة.

١٦٩

ومثل صحيحة سليمان بن خالد عن ابى عبداللّه عليه‌السلام : « الرجل اذا ادرك الإمام وهو راكع ... ثمّ ركع قبل أن يرفع الإمام ، رأسه فقد أدرك الركعة » (١).

٩ ـ وأما مسألة شك المأموم بعد تكبيره فى بقاء الامام راكعا ، فلعدم احراز المأموم تحقق الركوع منه قبل رفع الإمام رأسه.

١٠ ـ وأما عدم جواز إمامة المرأة للرجال ، فهو من المسلّمات.

ويمكن استفادته من الروايات التى تسأل عن جواز امامة المرأة لمثلها ، كموثقة سماعة : « سألت أباعبداللّه عليه‌السلام عن المرأة تؤم النساء ، فقال : لا بأس به » (٢) فإنّها ظاهرة فى المفروغية عن عدم جواز امامتها لغيرها.

على أنه تكفى لاثبات المطلوب إصالة عدم المشروعية بعد فقدان الدليل على الجواز ، فإن صحيحة زرارة وفضيل المتقدمة ليس لها اطلاق احوالي.

١١ ـ وأما اعتبار العدالة ، فقد قيل إنه ممّا اجمعت عليه الإمامية. (٣) وقد يستدل له بموثقة سماعة : « سألته عن رجل كان يصلى فخرج الامام وقد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة. قال : إن كان اماما عدلاً فليصلِّ اخرى وينصرف ويجعلها تطوعا وليدخل مع الإمام فى صلاته كما هو. وإن لم يكن امام عدل ، فليبنِ على صلاته كما هو ويصلى ركعة اخرى ويجلس قدر ما يقول أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم ليتمّ صلاته على ما استطاع فإن التقية واسعة ... » (٤).

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٤٥ من ابواب الجماعة ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٠ من ابواب صلاة الجماعة ، حديث ١١.

٣ ـ جواهر الكلام : ١٣ / ٢٧٥.

٤ ـ وسائل الشيعة : باب ٥٦ من ابواب صلاة الجماعة ، حديث ٢.

١٧٠

وبأصالة عدم المشروعية بعد عدم الإطلاق الاحوالي ، لصحيحة زرارة وفضيل المتقدمة.

١٢ ـ وأما اعتبار صحة القراءة ، فمتسالم عليه. ويمكن الإستدلال له بأن القراءة ليست ساقطة عن المأموم رأسا وإنما الإمام وكيل وضامن لها ، ففى صحيحة سليمان بن خالد : « قلت لأبى عبداللّه عليه‌السلام أيقرأ الرجل فى الأولى والعصر خلف الامام وهو لا يعلم أنه يقرأ؟ فقال : لا ينبغى له أن يقرأ ، يكله الى الامام » (١). وفى موثقة سماعة عن أبى عبداللّه عليه‌السلام « سأله رجل عن القراءة خلف الإمام ، فقال : لا ، إن الامام ضامن للقراءة ... » ، ولا معنى لضمانه ووكالته اذا لم يأت بها صحيحة.

وبقطع النظر عن ذلك تكفى أصالة عدم المشروعية بعد عدم الإطلاق الأحوالي.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٣١ من ابواب صلاة الجماعة ، حديث ٨.

١٧١
١٧٢

صلاة الجمعة

فى وجوب الجمعة عصر الغيبة اختلاف كبير.

وهى كالصبح ركعتان إلا أنها مسبوقة بخطبتين يقوم الإمام فى الاولى ويحمداللّه ويثنى عليه ويوصى بتقوى اللّه ويقرأ سورة ، ثم يجلس قليلاً. ويقوم فى الثانية ويحمداللّه ويثنى عليه ويصلّى على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وائمة المسلمين عليهم‌السلام ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما بالنسبة الى اصل الوجوب ، فمحل خلاف. والأقوال المشهورة ثلاثة : الوجوب التعييني ، والوجوب التخييري ، وعدم المشروعية.

والمناسب أن يقال : لو لاحظنا الآية الكريمة : ( يا ايّها الّذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكراللّه وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) ، (١) لما وجدناها تدل على وجوب عقدها إبتداء بل متى ما عقدت ونودى لها لزم الحضور. ومقتضى الإطلاق عدم شرطية حضور الامام عليه‌السلام ، ويقتصر فى تقييده على بقية الشروط التى دلّ الدليل على اعتبارها وليس منها الحضور.

__________________

١ ـ الجمعة : ٩.

١٧٣

ولو لاحظنا صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام « إنما فرض اللّه عزّوجلّ على الناس من الجمعة الى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة ، منها صلاة واحدة فرضها اللّه عزوجل فى جماعة ، وهى الجمعة ، ووضعها عن تسعة : عن الصغير ، والكبير ، والمجنون ، والمسافر ، والعبد ، والمرأة ، والمريض ، والأعمي ، ومن كان على رأس فرسخين » (١) وجدناها تشمل بمقتضى اطلاق كلمة « الناس » الجميع الى يوم القيامة بما فى ذلك عصر الغيبة ، ولكنها لا تدل على وجوب إقامتها إبتداء بل اعمّ منه ومن وجوبها عند النداء لها ، لعدم احراز كونها فى مقام البيان إلاّ من ناحية بيان عدد الفرائض ومن تجب عليه.

وعليه ، فالمناسب الحكم بوجوب صلاة الجمعة تعيينا فى مرحلة البقاء دون الحدوث لأن الوجوب التعيينى فى مرحلة الحدوث لا دليل عليه ، فينفى بالبراءة بخلافه فى مرحلة البقاء فإنّ الدليل على ثبوته موجود.

ودعوى أنه لا يمكن الحكم بالمشروعية زمن الغيبة اما لأن شرط انعقاد الجمعة حضور الإمام عليه‌السلام او من نصبه ، وهو منتف زمن الغيبة ، او لظاهر دعاء الصحيفة السجّادية : « اللهم إن هذا المقام لخلفائك واصفيائك ... قد ابتزّوها وانت المقدر لذلك ... حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين ... » (٢).

مدفوعة بأن الشرط المذكور اول الكلام ، بل هو منفى بعدم اشارة النصوص له.

واقصى ما يدل عليه الدّعاء أن الامام عليه‌السلام احقّ بأداء الجمعة مع وجوده وأنه من مناصبه الخاصة كالقضاوة والولاية ، وهذا غير محل الكلام ، فإنه ناظر الي

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من ابواب صلاة الجمعة ، حديث ١.

٢ ـ الصحيفة السجادية : رقم ٤٨.

١٧٤

زمن الغيبة.

٢ ـ وأما أنها ركعتان كالصبح ، فهو مضافا الى كونه من المسلّمات يستفاد من موثّق سماعة عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « صلاة الجمعة مع الإمام ركعتان ، فمن صلّى وحده فهى أربع ركعات » (١) وغيره.

وأما أنه يتقدّمها خطبتان يقرأ فيها ما ذكر ، فلموثق سماعة الاخر عن أبي عبداللّه عليه‌السلام « يخطب يعنى امام الجمعة ، وهو قائم يحمداللّه ، ويثنى عليه ، ثم يوصى بتقوى اللّه ، ثم يقرأ سورة من القرآن صغيرة ، ثم يجلس ، ثم يقوم فيحمداللّه ، ويثنى عليه ، ويصلّى على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى ائمّة المسلمين ، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، فاذا فرغ من هذا أقام المؤذن فصلّى بالناس ركعتين » (٢).

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ٦ من ابواب الصلاة الجمعة ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : باب ٢٥ من ابواب صلاة الجمعة ، حديث ٢.

١٧٥
١٧٦

كتاب الصوم

مفطرات الصوم

شرائط صحة الصوم

أحكام عامة للصوم

أحكام الإعتكاف

١٧٧
١٧٨

مفطرات الصوم

الصوم هو الإمساك قربة عن المفطرات التالية :

١ ـ الأكل والشرب بلا فرق بين المعتاد وغيره ، ولا بين الطريق المعتاد وغيره ، ولا بين القليل والكثير.

ولا يجوز إبتلاع ما يخرج من الصدر أو ينزل من الرأس إذا وصل إلى فضاء الفم.

ولا بأس باستعمال الإبرة أو القطرة فى الاُذن ونحوها. وكذا بلع ما تجمّع من البصاق فى الفم.

٢ ـ الجماع قُبلاً أو دبرا ، فاعلاً أو مفعولاً.

ولو قصد الجماع وشك فى الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة وجب القضاء دون الكفارة.

٣ ـ إنزال المنى بعد تهيئة الأسباب المؤدّية له. أما إذا نزل بلا قصد فلا شيء.

٤ ـ تعمُّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر.

٥ ـ الكذب على اللّه سبحانه أو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أحد المعصومين عليهم‌السلام فى رأى كثير.

٦ ـ إيصال الغبار إلى الحلق فى رأيٍ.

١٧٩

٧ ـ رمس الرأس فى الماء.

٨ ـ الاحتقان بالمائع.

٩ ـ تعمُّد القيء.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما اعتبار القربة فى الصوم شرعا بالرغم من عدم اعتبارها فيه لغة ، فلإرتكاز المتشرعة الذى لا يحتمل وصوله من غير الشرع.

ويمكن التمسك بما دلَّ على بناء الإسلام على خمسة : الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية(١) ، فإنه لا يحتمل بناء الإسلام على أمر غير قربي.

٢ ـ وأما اعتبار كونه من المفطرات الخاصة ، فلقضاء ارتكاز المتشرعة بذلك.

مضافا إلى الأدلة الآتية الدالة على مفطريّة ذلك بعد ضمّ البراءة عن مفطرية غيرها إليها.

٣ ـ وأما مفطرية الأكل والشرب ، فلقوله تعالى : ( وكلوا واشربوا حتى يتبيَّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتمّوا الصيام إلى الليل ) (٢) وصحيحة محمد بن مسلم : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والإرتماس فى الماء » (٣) وغيرها.

٤ ـ وأما التعميم للمعتاد وغيره ، فهو إمّا لأنّ حذف المتعلق يدلّ على العموم أو للاطلاق.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من أبواب مقدمة العبادات.

٢ ـ البقرة : ١٨٧.

٣ ـ وسائل الشيعة : باب ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث ١.

١٨٠