مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٦

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٦

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومع الضيق من أقرب الأماكن وان وسع المال من غير بلده.

والظاهر ان يكون مراد القائل من بلد الموت مطلقا ، وجوب الاستيجار من اى مكان يسع المال من بلد الموت حتّى أدنى الحلّ ، بحيث يكون واجبا مهما وسع المال في هذه المسافة ، كما يعلم من الدليل المخيّل له ، وهذا مؤيد لإرادة أدنى الحلّ.

والظاهر انه يتعين أدنى الحلّ على تقدير الضيق ، أو التأخير ، حتى ضاق الوقت ، والاجزاء حينئذ وان قلنا بتحريم التأخير ، والوجوب من بلد الموت.

وقد صرح في الدروس (١) : بأنّه يجزى من أقرب المواقيت مطلقا إجماعا ، ويتملك الوارث فضل المال الموصى به ، وان فعل حراما ، بتركه الاستيجار من بلد الموت مع القول به.

وذلك غير بعيد ، فيدل في غير الوصيّة بالطريق الأولى ، وهو مؤيد لعدم الوجوب الّا من الميقات.

ويؤيده إجزاء حجّ المستأجر من مكان مثل كوفة ، وحجّ من البصرة ، أو من طريق ، وحجّ من أخرى كما سيجي‌ء ما يدل عليه من الأخبار.

ووجهه أنّ المقصود هو الحج ، وليس الطريق داخلا فيه ، وقد فعل.

وهذا يدل على صحّة الإحرام من أدنى الحلّ للمجاور دون السنتين ، بعد ضيق الوقت ، وان قلنا بوجوب خروجه الى ميقات بلده ، أو ميقات ، على ما مرّ ، فتأمل.

ونقل البعض مذهبين ، أقرب الأماكن ، والتفصيل.

__________________

(١) عبارة الدروس هكذا : ولو ضاق المال فمن حيث يمكن ، ولو من الميقات على الأقوى ولو قضى مع السّعة من الميقات أجزأه ، وان أثم الوارث ويملك المال الفاضل ، ولا يجب صرفه في نسك أو بعضه أو في وجوه البرّ انتهى.

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

كأنه نظر الى ان السعة مطلقا مرجعه التفصيل ، إذ لا ينبغي القول بعدم الوجوب أصلا لو لم يسع المال من البلد ، وليس بمعقول الوجوب من البلد مع عدم الوسعة ، وقد عرفت الفرق ، فتأمل.

فأمّا الأدلة فدليل الوجوب من البلد انه يجب على الأصيل الذهاب منه ، وانّ قطع تلك المسافة عبادة ، تركها ، فيجب على النائب القضاء عنه ، لعدم فعله ، ووجوب صرف المال.

وهو غير واضح ، لان الواجب هو الحج والعمرة ، وقطع المسافة انّما يجب عقلا ، لا شرعا ، بخصوصه ، بل لانّه موقوف عليه ، ولو كانا ممكنين بدونه ، لم يجب القطع قطعا ، ولهذا لم يجب الرجوع ، والقطع بقصدهما على الظاهر ، على من وجب عليه الحج ، ووقع في الميقات ، على اىّ وجه كان ، مثل ان يكون نائما وغافلا ومغمى عليه أو في السفينة أو قبل وقت الحج لغرض.

بل لو حجّ من الميقات حينئذ لصحّ حجّه ، ولو لم يرجع الى البلد لم يفعل محرّما ، الّا ان يكون قاصدا لتركه ، ولا شك في صحة الحج ، وعدم وجوب الرجوع ، وان قلنا أنّه فعل حراما ، وهو ظاهر.

وأنّه لو قصد قطع المسافة بقصد التجارة فقط ، خصوصا قبل أو انه ، ثمّ أنشأ الإحرام من مكة فكذلك ، فليس بمعلوم وجوبه ، وكونه عبادة ووجوب صرف المال فيه ، وهو ظاهر.

وعلى تقدير التسليم انّما كان وجوبه عليه لعدم إمكان الحج الّا به ، وفي النائب ممكن بأن يستأجر من كان في الميقات.

كما انّ ترتيب الصوم كان واجبا عليه ، وتعدّده في الأيام المتعدّدة لو قضى بنفسه لعدم إمكان صوم يومين له في يوم واحد ، ويجوز وقوعه من النائب ، ولهذا جوّز

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

قضاء شهر بل سنة وأكثر في يوم واحد عن الميت الذي يقضيه في تلك المدة على الظاهر.

وعلى تقدير وجوبه عليه وكونه عبادة مستقلّة ، وجوب القضاء عنه غير مسلم ، لمنع الكبرى ، لانّ واجب القضاء هو الحج ، وليس ذلك جزء من الحج ، وهو ظاهر متفق عليه.

ويدل عليه الاخبار الصحيحة الدالة على حقيقة الحج (١) وكذا عدّهم واجبات جميع أنواعه ، وحصرها ، وقد مرّ الإشارة اليه.

ومما ذكرناه علم دليل المفصّل والمقتصر (المختصر خ ل) على الأقرب كالمصنف ، ويؤيّده الأصل ، والاحتياط في الجملة ، بترك التصرف في مال الغير ، مثل الأطفال إلّا مع اليقين ، أو مثله ، ولا شي‌ء هنا ، فحينئذ آيات تحريم التصرف في مال الغير (٢) واخباره (٣) والإجماع ، بل العقل أيضا دليل المسألة ، وكذا كون الوصية من الثلث (٤) فافهم.

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٢ من أبواب أقسام الحج.

(٢) قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) الآية (النساء ٢٩) وقال الله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) الآية (البقرة ١٨٨) وقال الله تعالى : (وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النّاسِ) (النساء ١٦١) وغيرها من الآيات الواردة في هذا الباب.

(٣) الوسائل الباب ٣ من أبواب مكان المصلي الرواية ١ ، عن سماعة عن ابى عبد الله عليه السّلام ، في حديث انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : من كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها ، فإنه لا يحل دم امرء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفس منه.

وراجع أيضا الباب ١ من أبواب كتاب الغصب من الوسائل (في حديث) عن صاحب الزمان عليه وعلى آبائه أفضل التحيّة والثناء ، انّه قال : لا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيره بغير إذنه. الى غير ذلك من الاخبار.

(٤) راجع الوسائل الباب ٩ و ١٠ من كتاب الوصايا.

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وانّ الواجب (الوجوب خ ل) منه متفق عليه ، ومن غيره مختلف فيه ، فيقتصر على المتفق.

ومنه علم أيضا عدم وجوب خروج المجاور دون سنتين الى ميقات اهله ، بل ولا الى ميقات مّا ، وما ذكرناه هناك يدلّ على الجواز ، والاجزاء هنا من أقرب المواقيت بالطريق الاولى ، ولأنّه قد علم منه جواز حج التمتع للنائي بنفسه عن أدنى الحلّ ، فعلم عدم جزئية قطع المسافة للمتمتع ، فلا يجب على النائب ، مع إحرامه من الميقات ، بالطريق الأولى فتأمل.

وأيضا يؤيّده خلوّ أخبار قضاء الحج عنه ، واشتمالها على وجوبه مع تحقيق معنى الحج ، هذا مع قطع النظر في الأخبار ، وأمّا مع النظر فيها فإنه يظهر من بعضها التفصيل ، مثل ما في صحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه السّلام ، فإن اوصى ان يحجّ عنه حجة الإسلام ، ولم يبلغ ماله ذلك فليحج عنه من بعض المواقيت (١).

وصحيحة على بن رئاب ، قال : سئلت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن رجل أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام ، فلم يبلغ جميع ما ترك الّا خمسين درهما ، قال : يحج عنه من بعض المواقيت التي وقّتها رسول الله صلّى الله عليه وآله (٢)

وهما في زيادات التهذيب ، والأخيرة في الكافي أيضا.

وما روى في الكافي (في الصحيح) عن محمد بن عبد الله ، قال : سئلت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام ، عن الرّجل يموت فيوصي بالحج من اين يحج عنه؟

__________________

(١) لم نجد في التهذيب رواية بهذا المضمون عن الحلبي ، وما نقله هو ما رواه علي بن رئاب فقط (كما نقله في الوسائل أيضا في الباب ٢ من أبواب النيابة الرواية ١) وما نقله الشارح قده بعنوان رواية الحلبي ، هو متن عبارة التهذيب فتوهم ره انه رواية (راجع باب زيادات التهذيب في فقه الحج ج ٥ ص ٤٠٥ من طبع النجف تحت رقم ١٤١١).

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب النيابة الرواية ١.

٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : على قدر ماله ، ان وسعه ماله فمن منزله ، وان لم يسعه ماله ـ من منزله ، فمن الكوفة ، فان لم يسعه من الكوفة فمن المدينة (١).

الّا انّ محمدا غير موثّق في كتاب ابن داود ، وغير ظاهر في الخلاصة.

وفي رواية أخرى عن ابى عبد الله عليه السّلام ، في رجل أوصى بحجّة ، فلم تكفه من الكوفة؟ أنّها تجزى حجته من دون الوقت (٢).

وأخرى ضعيفة عن ابى عبد الله عليه السّلام ، عن رجل أوصى بعشرين درهما في حجّة؟ قال : يحجّ بها (له خ) رجل من موضع بلغه (من حيث يبلغه (٣)).

وأنت تعلم عدم صراحة هذه الأخبار في التفصيل والوجوب من بلد الميت مع السعة.

بل يمكن كون البعض دليلا على العدم ، حيث ما أوجب في مكان يكفى هذا المقدار ، إلّا رواية محمد بن عبد الله ، فإنّها ظاهرة في التفصيل في الحج الذي اوصى ، لا مطلقا ، مع عدم الصحة.

ويمكن حملها على فهم الحج من البلد من كلام الموصى ، أو قرائن الحال ، ولا شكّ انه لو فهم ذلك (فهو ظاهر) متبع ولو بالقرائن مثل تعيين المال الكثير ، بحيث يعلم عدم تعيين ذلك المقدار من غير البلد ، ويمكن تخصيصها بالوصية مطلقا.

ويؤيد القول بالاجزاء ـ مطلقا من الروايات ـ رواية زكريا بن آدم ، قال : سئلت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل مات وأوصى بحجّة ، أيجوز ان يحجّ عنه من

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب النيابة الرواية ٣.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب النيابة الرواية ٦.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب النيابة الرواية ٨ والرواية على ما نقلها في الفقيه مضمرة وليس فيها ذكر المروي عنه (أي الإمام عليه السّلام فتذكر).

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

غير البلد الذي مات فيه؟ فقال : ما (أمّا مائل) كان دون الميقات فلا بأس (١).

وفي طريقه سهل (٢) ولا يضرّ.

وأيضا يؤيده ، صحيحة حريز بن عبد الله (الثقة) قال : سئلت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل أعطى رجلا حجة يحج بها عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة؟ فقال : لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه (٣) ودلالتها واضحة ، فافهم.

ويمكن حمل الاولى على النّدب ، أيضا ، للجمع ، وان أمكن حمل رواية زكريا على التفصيل ، بحمل المطلق على المقيد.

واعلم أنّ بعضها يفيد وجوب الحج على قدر المال من اىّ مكان يسع ، فليس على تقدير الضيق من البلد يجوز من الميقات ، بل حيث أمكن ، كما أشرنا اليه.

وأنّ القول بالتفصيل ليس ببعيد ، مع الوصيّة ، وانه أحوط لعمل الورثة البلاغ (٤) ، الّا ان ترك جميع ما تقدم ، لرواية غير ظاهرة الصحة ، مشكل ، وانّ الاجزاء من الميقات متفق عليه ، فيمكن عدم الوجوب من البلد ، فتأمل.

ويؤيده صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : من مات ولم يحج حجة الإسلام ولم يترك الّا بقدر نفقة الحج (الحمولة خ ل) (فورثته كا) أحق بما ترك فان شاؤا أكلوا وان شاؤا حجوا عنه (أحجوا خ ل) (٥).

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب النيابة الرواية ٤.

(٢) وسند الرواية كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، عن احمد بن محمد بن ابى نصر ، عن زكريا بن آدم إلخ.

(٣) الوسائل الباب ١١ من أبواب النيابة الرواية ١.

(٤) أي من حيث يبلغ المال الموصى به.

(٥) الوسائل الباب ١٤ من أبواب وجوب الحج (بطريق الشيخ).

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فان ظاهرها عام ، يدل على عدم وجوب إخراج الحج مطلقا ، ولو كان من استطاع قبل ، فيمكن حملها على التخيير بين الحج من البلد وعدم الأكل ، وبين أكل البعض والحج من أقرب الأماكن ، وحملها الشيخ على من لم يجب عليه الحج أصلا.

وانّ الظاهر ان المراد من أقرب الأماكن هو الأقرب الى مكة من المواقيت ، وان كان كلام القواعد يشعر بالأقرب إلى البلد الذي يخرج منه ، فيكون أبعد.

وانّ المراد بالوجوب من أقرب الأماكن هو أقل الواجب ، فان الظاهر انه لو فعل من اىّ ميقات لكان فردا لواجب ، وصحّ من البلد ، ومهما كان من المواضع قبل الميقات كما فهم من دليله.

وانّ ظاهر البعض هو وجوب الإخراج من الأصل ، في الحج الواجب مطلقا ، سواء كان حج الإسلام أو النذر وشبهه ، وانه اوصى أو لم يوص ، ويحتمل الاختصاص بحج الإسلام مطلقا ، لظهور الروايات فيه ، مثل ما في حسنة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام في رجل توفي واوصى ان يحج عنه ، قال : ان كان صرورة فمن جميع المال ، انه بمنزلة الدّين الواجب ، وان كان قد حجّ فمن ثلثه (الحديث) (١) وحسنة أخرى له عنه عليه السّلام (٢)

ومثل ما في صحيحة الحلبي المتقدمة (في بيان الاستطاعة الدالة على وجوب إخراج الحج عن العاجز الموسر بعد استقراره من قوله عليه السّلام) : يقضى عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب وجوب الحج الرواية ٤.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب وجوب الحج الرواية ٦.

(٣) أوردها والثلاثة التي بعدها في الوسائل الباب ٢٨ من أبواب وجوب الحج الرواية ٣ ـ ١ ـ ٤ ـ ٥. أقول : ما نقلها في الوسائل من الحلبي قطعة من الرواية.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرّجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ويترك مالا ، قال : عليه ان يحج من ماله رجلا صرورة لا مال له.

ورواية سماعة بن مهران قال سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يموت ولم يحجّ حجة الإسلام ولم يوص بها وهو موسر ، فقال : يحجّ عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك.

ويدل على عدم الاحتياج إلى الوصيّة أنه كالدّين كما يستفاد من الخبر.

ويدل أيضا على ذلك صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل مات ولم يحجّ حجة الإسلام ولم يوص بها أيقضى عنه ، قال : نعم.

وصحيحة معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل مات فأوصى أن يحج عنه ، قال : ان كان صرورة فمن جميع المال وان كان تطوّعا فمن ثلثه (١)

وفي مثل هذه دلالة على إخراج الوصية بالمندوبات ، من الثلث.

والأصل ـ وعدم دليل ظاهر وبطلان القياس ـ يدل على كون الحج الواجب بالنذر وشبهه أيضا من الثلث كما صرح به في التهذيب ويحمل على الوصية الخبران الآخران (٢) وقد يشعر بكونه (٣) من الثلث بعض الاخبار المتقدمة مثل

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب وجوب الحج الرواية ١.

(٢) يعني الخبران الدالّان على إخراج النذر وشبهه من الأصل.

(٣) يعني الحج الواجب بالنذر وشبهه.

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الاولى (١) حيث دلت على كونه من الثلث على تقدير حجّه وهو أعم من الواجب وغيره.

وأنّ الظاهر أنّه لو أوصى بأن يحجّ عنه شخص معيّن يجب تعيين ذلك الشخص لصحيحة الحلبي (٢) عن ابى عبد الله عليه السّلام مثل ما في صحيحته المتقدمة مع زيادة : فإن اوصى أن يحج عنه رجل فليحج ذلك الرجل.

وأنه يمكن حمل ـ مثل صحيحة الحلبي المتقدمة في وجوب الحج من الميقات أو البلد ـ على الاستحباب فيكون من البلد مستحبّا ، وهو محتمل للموت والميّت ، وينبغي مراعاة الأبعد ، والأول مفهوم من رواية زكريا (٣) والثاني من رواية محمّد (٤) وقد تقدمتا ، مع أنّها غير صريحة في البلد ، بل يمكن فهم غيره لعدم الإيجاب مهما أمكن ، بل اختصر على الميقات وكذا غيره وقد أشار في المختلف في صحيحة على بن رئاب (٥) المتقدمة (إلى ظ) في ذلك.

ويدل على كون حج غير حج الإسلام من الثلث ، وعدم الاحتياج إلى الوصيّة ، صحيحة علي بن رئاب عن ضريس بن أعين قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل عليه حجة الإسلام ونذر في شكر ليحجّن به رجلا إلى مكة فمات الذي نذر قبل ان يحج حجة الإسلام ومن قبل ان يفي بنذره الذي نذر؟ قال : ان كان ترك مالا ، يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال واخرج من ثلثه ما يحجّ به رجلا لنذره وقد وفي بالنذر وان لم يكن ترك مالا الّا بقدر ما يحجّ به حجة الإسلام حجّ عنه بما ترك ويحج عنه وليّه حجة النذر انما هو مثل دين عليه (٦).

__________________

(١) وهي حسنة معاوية بن عمار المتقدمة.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب وجوب الحج الرواية ٢.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب النيابة الرواية ٤ ـ ٣.

(٤) الوسائل الباب ٢ من أبواب النيابة الرواية ٤ ـ ٣.

(٥) الوسائل الباب ٢ من أبواب النيابة الرواية ١.

(٦) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب وجوب الحج الرواية ١ رواها في الفقيه عن ضريس الكناسي عن

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر أنّ ضريس هو ابن عبد الملك بن أعين ، لأنّه الموجود في كتب الرجال ، وقد يحذف الأب وينسب الى الجد كثيرا ، وهو ثقة ، فالخبر صحيح ، ويحتمل ان يكون عبد الملك ساقطا من قلم الناسخ في نسختي.

وقد حمل الشيخ حج الولي على الندب ويؤيّده تمثيله بكونه دينا ، فان الدّين لا يجب على الولي قضائه.

وأيّده الشيخ بصحيحة ابن ابى يعفور قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : رجل نذر لله ان عافى الله ابنه من وجعه ليحجّنه الى بيت الله الحرام ، فعافى الله الابن ومات الأب؟ فقال : الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده ، قلت : هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه؟ فقال : هي واجبة على الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه (١).

وهذه تدل على أصل المطلوب أيضا (٢) لكن فيهما (٣) تأمل من حيث إهمال إيجاب حج الرّجل والولد من المال.

وبالجملة ظاهر أوّلهما أنّ النذر أن يحج بالرّجل والولد ، وأخرهما نذر الحج بنفسه فتأمل.

وأنّه يصح نيابة الصرورة رجلا كان أو امرأة عن الرجل والمرأة.

ويدل عليه الاخبار مثل صحيحة سعد بن ابى خلف (الثقة) قال : سئلت

__________________

ابى جعفر عليه السّلام وفي التهذيب عن ضريس بن أعين عنه عليه السّلام أيضا على اختلاف في بعض العبارات فراجع.

(١) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب وجوب الحج الرواية ٣.

(٢) وهو عدم الاحتياج في فعل حج الندب إلى الوصية وكون إخراج حج الوصية من الثلث (هكذا في هامش بعض النسخ الخطيّة).

(٣) يعني في صحيحتين علي بن رئاب وابن ابى يعفور.

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

أبا الحسن موسى عليه السّلام عن الرجل الصرورة يحج عن الميّت قال : نعم ، إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه الخبر (١).

وحسنة معاوية بن عمار في رجل صرورة مات ولم يحجّ حجة الإسلام وله مال؟ قال : يحجّ عنه صرورة لا مال له (٢).

ورواية مصادف عن ابى عبد الله عليه السّلام ، في المرأة تحج عن الرّجل الصرورة؟ فقال ان كانت قد حجّت ، وكانت مسلمة فقيهة ، فربّ امرأة أفقه من رجل (٣).

وفيه التقييد (بان كانت حجت) مع ضعف الرواية واشتراط الفقه في الجملة.

وحسنة معاوية بن عمار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : الرّجل يحجّ عن المرأة ، والمرأة تحجّ عن الرّجل؟ قال : لا بأس (٤).

وصحيحة رفاعة عن ابى عبد الله عليه السّلام ، أنّه قال : تحجّ المرأة عن أختها وأخيها ، وقال : تحج المرأة عن أبيها (ابنها خ ل) (٥).

ولا يبعد جواز حجّها مع كونها صرورة ، لإطلاق الروايتين المعتبرتين (٦) مع ترك التفصيل الدّال على العموم ، مع عدم صحة المقيّدة بمصادف وغيره وإمكان حملها على الاستحباب ، ولهذا قيل بكراهة الصرورة ، ولا شك أنّ اختيار غيرها

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب النيابة الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ٥ من أبواب النيابة الرواية ٢.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أبواب النيابة الرواية ٤.

(٤) الوسائل الباب ٨ من أبواب النيابة الرواية ٢.

(٥) الوسائل الباب ٨ من أبواب النيابة الرواية ٥.

(٦) وهما حسنة معاوية وصحيحة رفاعة.

٩١

ولو اختص احد الطريقين بالسلامة وجب سلوكه وان بعد ، ولو تساويا فيهما تخيّر ، ولو اشتركا في العطب سقط (١)

______________________________________________________

أولى منها لو وجد.

واختار الشيخ في زيادات التهذيب عدم الجواز على الظاهر لما مرّ ولرواية زيد الشّحام عنه ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : سمعته يقول : يحج الرّجل الصرورة من الرّجل الصّرورة ، ولا تحج المرأة الصرورة عن الرّجل الصرورة (٢).

ويمكن الحمل على الكراهة أيضا لعدم الصحة ، ولما في رواية سليمان بن جعفر ، قال : سئلت الرضا عليه السّلام ، عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة؟ قال : لا ينبغي (٣).

والظاهر ان النائب يفعل في إحرامه ما يلزمه ، لا ما يلزم المنوب للعمومات الدالة على حال المحرم الرّجل والمرأة مطلقا ، نائبا كان أم لا ، وكذا في سائر العبادات ، فتأمل.

قوله : «ولو اختص احد الطريقين بالسّلامة إلخ». وجوب سلوك طريق السليمة على التعيين ، ـ وان كانت أبعد من المخوفة ـ ظاهر ، كعدم جواز المخوفة ، وان كانت أقرب ، ولكن لو سلكها صح حجّه ، لو لم يكن بحيث يكون منهيّا عن فعل نسك يتوقف صحة الحج عليه ، فيبطل ببطلانه الحج أيضا ، والّا فيبطل النّسك فقط.

وكذا وجوب سلوك احد الطرق على التخيير على تقدير اشتراكها في السّلامة.

__________________

(١) العطب بفتحتين ، الهلاكة.

(٢) الوسائل الباب ٩ من أبواب النيابة الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ٩ من أبواب النيابة الرواية ٣.

٩٢

ولو مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ

______________________________________________________

وعدم الوجوب ، بل عدم الجواز مع اشتراكها في العطب ، اى خوف الهلاك ، ولو ظنا ، ومع الشك محتمل ، لا الوهم.

قوله : «ولو مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ» الظاهر عدم الخلاف في الاجزاء (حينئذ خ) للإجماع المدّعى في المنتهى.

ولصحيحة بريد بن معاوية ، قال : سئلت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن رجل خرج حاجا ، ومعه جمل (له كا) ونفقة وزاد ، فمات في الطريق؟ قال : ان كان صرورة ، ثمّ مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام ، وان (كان كا) مات قبل ان يحرم ، وهو صرورة ، جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الإسلام ، فإن فضل من ذلك شي‌ء فهو للورثة (١) (لورثته يب) قلت أرأيت ان كانت الحجة تطوعا ، فمات في الطريق ، قبل ان يحرم ، لمن يكون جمله ونفقته وما ترك (معه كا)؟ قال : لورثته (يكون جميع ما معه وما ترك للورثة كا) إلّا ان يكون عليه دين فيقضى عنه ، أو يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن أوصى له ، ويجعل ذلك من ثلثه (لمن اوصى من الثلث خ ل) (٢).

يستفاد منها أمور ، كون الوصيّة من الثلث ، وعدم صرف المال في حج التّطوّع ، ان مات قبل الفعل ، وتقديم الدين والوصيّة على الإرث ، وعدم وجوب الحج إلّا مرّة ، والحج من موضع الموت عن أصل ماله ، على تقدير كونه صرورة.

ولا يبعد فهم جواز ذلك لمن معه من الرّفقاء مع تعذر الورثة ، والوصي والحاكم حيث ما قيد ، واخرج (إخراج خ ل) هذه بالدليل وبقي الباقي.

__________________

(١) ان لم يكن عليه دين (كا).

(٢) الوسائل الباب ٢٦ من أبواب وجوب الحج الرواية ٢ الّا انه نقله عن ابى جعفر عليه السّلام نعم ذكر الرواية في التهذيب عن ابى عبد الله عليه السّلام الا انه أسقط قوله عليه السّلام ان لم يكن عليه دين (بعد قوله : فهو للورثة) راجع التهذيب باب الزيادات الرواية ٦٢ ج ٥ ص ٤٠٧ (طبع طهران).

٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنّه لا يجعل (لا يحتمل خ ل) كلما معه ، بل يجب الاقتصار على ما يحج به ، وينبغي اختيار الأمين والاجتماع (١) على ذلك احتياطا ، ويؤيّده الصرورة ، وحصول التأخير المنافي لضيق الوجوب فتأمل.

وهي بعمومها تدلّ على وجوب ذلك ، على تقدير كونه صرورة مطلقا ، وذلك في صورة ، ما استقر الوجوب ، بل سافر عام الوجوب ، فإنّه حينئذ ينكشف عدم التكليف ، لعدم بقاء المكلف وقت الفعل ، وهو شرط من غير نزاع ، فيمكن حملها على من استقر ، ولكن العمل بظاهرها أحوط ، وأولى للورثة فتأمّل.

كأنّه عمل بها الشيخ على عمومها ، وخصها المصنف في المنتهى بما ذكرناه ، لما ذكرناه.

ثم انّ الظاهر عدم الفرق في هذا الحكم بين المكلّف بنفسه ، وبين النائب ، وكذا في عدمه في الموت قبل الإحرام ، ولكن ينبغي تمليك الأجر ما يقابل فعله من السعي في الطريق ، خصوصا إذا كانت الإجارة على السعي أيضا مذكورة في المتن.

والظاهر أنّه كذلك ، مع عدم ذكره أيضا ، لأنّه المتبادر والمتعارف ، الّا ان تكون قرينة مسقطة لذلك.

وأمّا إذا مات بعد الإحرام ، وقبل دخول الحرم ، ففيه خلاف فقال ابن إدريس والشيخ في الخلاف على ما نقل في المنتهى : بعدم الاجزاء حينئذ.

وجهه ان الذمّة كانت مشغولة بالحج ، ولا شك أنه ما فعل ، ويبقى في العهدة ولو لم يكن النص (٢) والإجماع في السقوط بعد هما لكان القول بالإجزاء

__________________

(١) اى اجتماع متعدد من الإخوان المؤمنين.

(٢) راجع الوسائل الباب ٢٦ من أبواب وجوب الحج.

٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

حينئذ غير معقول.

والذي استدل به على الاجزاء حينئذ ما روى (في الصحيح) عن إسحاق بن عمار قال : سألته عن الرّجل يموت فيوصي بحجّة فيعطى رجل دراهم يحجّ بها عنه ، فيموت قبل ان يحج ، ثم اعطى الدراهم غيره؟ فقال : ان مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضى مناسكه فإنّه يجزى عن الأوّل ، قلت : فان ابتلى بشي‌ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل أيجزي عن الأوّل؟ قال : نعم قلت : لأنّ الأجير ضامن للحج قال : نعم (١).

وما روى (في الصحيح) الحسين بن عثمان ، عمن ذكره عن ابى عبد الله عليه السّلام في رجل أعطى رجلا ما يحجه فحدث بالرّجل حدث فقال : ان كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الأوّل ، والّا فلا. (٢)

وأنت تعلم ما فيهما سندا ـ لان إسحاق فيه قول ، والمنقول عنه غير ظاهر ، لقوله : سألته ولقوله : عمن ذكره ـ ودلالة ، لعدم دلالتهما على حال المكلف بنفسه (٣) بل ظاهر الأوّل عدم السقوط عنه بوجه ، ولدلالتهما على الاجزاء مطلقا (٤) بالموت في الطريق ، ولا قائل به لو سلّم عمومهما ، فانّ الظاهر أنّهما مطلقان ، لا يدلان على المطلوب والتخصيص بالإحرام دون الحرم يحتاج الى مرجح ، غير كون الإجماع على عدم الاجزاء ، قبل الإحرام فيخص بالحرم ، للنص ، والإجماع المتقدمين ، وللتأمل في قوله : فان ابتلى إلخ فتأمل.

ويؤيد التخصيص الترديد بين الموت في الطريق ومكة ، فإنه قد يفهم

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من أبواب النيابة الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من أبواب النيابة الرواية ٣.

(٣) بل مقصور على حال النائب.

(٤) يعني قبل الإحرام وبعده ، وقبل دخول الحرم وبعده.

٩٥

ومع حصول الشرائط يجب ، فإن أهمل استقر في ذمّته ويجب على الكافر ، ولا يصحّ منه الّا بالإسلام.

فإن أحرم حال كفره لم يجز عنه ، فإن أسلم اعاده من الميقات ان تمكن ، والّا خارج [فخارج] الحرم والّا فمن [في] موضعه

______________________________________________________

القرب منها ، على أنّه لا حاجة الى ذكرها بعد قوله : مات في الطريق ولا الى قوله : (قبل ان يقضى) بل قد يوهم عدم الاجزاء بعده ، وهو ظاهر الفساد.

قوله : «ومع حصول الشرائط إلخ». قد علم هذا مما تقدم ، فلا يحتاج الى ذكره ، لعلّه ذكره مع قوله : (ويجب على الكافر) ليشير الى انّ الإسلام ليس شرطا للوجوب فإذا حصل غيره من الشرائط يجب ، ويستقر الوجوب ، لو لم يفعل ، مع بقاء الشرائط الى ان مضى ما يدرك به الحج ، فيجب عليه المضي اليه ، ولو فاته الاستطاعة بعده لم يسقط ، بل يجب الاستيجار على تقدير عجزه كما مرّ.

والوجوب على الكافر قد علم مما سبق ، وقد بيّن في الأصول ، وعدم الصحّة حينئذ للإجماع على الظاهر ، وعدم حصول القربة المطلوبة.

قوله : «فإن أحرم حال كفره إلخ». عدم اجزاء الإحرام حال الكفر ظاهر ، وكذا (١) العود الى الميقات بعد الإسلام ، مع الاستطاعة ، وباقي الشرائط ، لأنّ الإحرام غير صحيح ، فوجب بعد الإسلام إنشاء الإحرام من الميقات ، ولا يجب الذهاب الى بلده ، كأنّه بالإجماع ، ولأنه مقدّمة لا عبادة ، ففيه وأمثاله دلالة على عدم وجوب قطع المسافة إلّا وسيلة.

والظاهر انه يكفى من اى ميقات كان ، ولا يجب الذهاب الى ميقات بلده ، ويمكن الاجزاء من أدنى الحلّ لما مرّ.

__________________

(١) يعنى وجوب العود الى الميقات إلخ.

٩٦

ولو ارتد بعد إحرامه لم يبطل لو تاب

______________________________________________________

ولو تعذر الذهاب الى ميقات ، فالظاهر الصحة من أدنى الحل ، وان أمكن الذهاب في الجملة ، وكذا يحرم من موضعه ان لم يكن الذهاب إلى أدنى الحلّ ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو ارتد بعد إحرامه لم يبطل لو تاب». وجه عدم البطلان ظاهر ، لأن العبادة بعد ان صحّت لا يبطلها شي‌ء ، بل لا معنى للإبطال بعدها ، فإن الصحة عبارة عن موافقة أمر الشارع ، أو سقوط القضاء ، ومعلوم حصولهما بعد الإتيان بها على وجه أمر الشارع به ، نعم يمكن توقف الثواب والانتفاع به على عدم الكفر حين الموت.

ولعل قوله ، إشارة إلى ردّ قول ضعيف بالبطلان ، وهو قول أبي حنيفة والشيخ في المبسوط على ما نقل في المنتهى بعد ذلك بمعنى وجوب القضاء بعد الإسلام فكأنّ بقاء الإسلام شرط لبقاء الصحة عند القائل.

وجهه غير ظاهر ، بل الظاهر خلافه ، لما مرّ.

ويؤيده بعض الروايات ، مثل رواية زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال : من كان مؤمنا فحجّ وعمل في إيمانه ثم اصابته في إيمانه فتنة فكفر ثم تاب وآمن يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه ، ولا يبطل منه شي‌ء (١).

ولا يدل على وجوب الإعادة والبطلان قوله تعالى (٢) «وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» لانّ المراد عدم الانتفاع بالعمل الصالح لو مات على الكفر وهو ظاهر ويؤيده قوله تعالى (٣) (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من أبواب مقدمة العبادات الرواية ١.

(٢) المائدة ٥.

(٣) البقرة ٢١٧.

٩٧

والمخالف يعيد مع إخلاله [الإخلال] بركن

______________________________________________________

حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ».

وامّا قوله : (لو تاب) فكأنّه يريد به الإشارة إلى تعليق عدم الإعادة والقضاء بالتوبة ، بخلاف قول الشيخ وابى حنيفة فإنه يوجب الإعادة بعد التوبة.

قوله : «والمخالف يعيد مع إخلاله بركن». يريد به ، الإشارة إلى كون عبادات المخالفين من فرق المسلمين صحيحة بعد الاستبصار ، فلا يجب الإعادة عليهم ، لانّه قد عرفت معنى الصحة ، إلّا مع الإخلال بالركن.

الظاهر أنّه يريد الرّكن عندهم ، لا عندنا ، لأنّهم مكلفون بحسب الظاهر بمعتقدهم ومتمسّكهم ، فمع تركهم ذلك فعلهم كعدمه ، وقد علم أنّه مع عدم الفعل يجب فعلها.

ولأنه ترك (١) الرّكن الأعظم عندنا وهو الايمان ، ومعلوم ترك غيره أيضا من النيّات والشروط المعتبرة عندنا المذكورة في باب الطهارات والنجاسات ، فلو اعتبر الرّكن عندنا لا يكاد يتحقق صحة عباداتهم.

ولأنّ الظاهر أنّ هذا تفضل واستعطاف بالنسبة إليهم ، كالكافر ، حتى يميلوا الى الايمان ، فالمناسب عدم اعتبار ما هو المعتبر عندنا ، ولأنّه غير مذكور في الرّوايات (٢) كما سيجي‌ء ، فحمل ما فعل على ما فعلوه صحيحا عندهم ولهذا ما قيد في كلام بعض الأصحاب في الحج والأكثر في سائر العبادات.

ويؤيده خلوّ الأخبار الدالة على الاجزاء (٣) عن التقييد بشرط عدم الإخلال بالرّكن ، مع ظهور أنّ المخالف الذي يحج انّما يحج على ما يعتقده ، دون

__________________

(١) هو عطف على قوله : لأنّهم مكلّفون إلخ.

(٢) راجع الوسائل الباب ٢٣ من أبواب وجوب الحج والباب ٣١ من أبواب مقدمة العبادات.

(٣) راجع الوسائل الباب ٢٣ من أبواب وجوب الحج والباب ٣١ من أبواب مقدمة العبادات.

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

غيره ، وأنّ الظاهر أنّ حجّه محمول على الحج الصحيح عنده.

ويحتمل ارادة الركن عندنا ، كما صرح به المصنف في المنتهى ، وغيره.

وأمّا الرّوايات ، فهي صحيحة بريد بن معاوية العجلي قال : سئلت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل حجّ وهو لا يعرف هذا الأمر ، ثم منّ الله عليه بمعرفته ، والدّينونة به ، أعليه حجّة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال : قد قضى فريضته ، ولو حجّ لكان أحبّ الىّ ، قال : وسئلته عن رجل حجّ وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ، ثم منّ الله عليه فعرف هذا الأمر ، يقضى حجّة الإسلام؟ فقال : يقضي أحب الىّ وقال : كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنه يؤجر عليه ، الّا الزكاة ، فإنه يعيدها لأنّه وضعها في غير مواضعها لأنّها لأهل الولاية وأمّا الصّلوة والحج والصيام فليس عليه قضاء (١).

وحسنة عمر بن أذينة قال : كتبت الى ابى عبد الله عليه السّلام اسأله عن رجل حجّ ولا يدرى ولا يعرف هذا الأمر ثم منّ الله عليه بمعرفته والدينونة به أعليه حجّة الإسلام أم قد قضى (أو خ ل) قال : قد قضى فريضة الله ، والحج أحبّ الىّ (٢) وعن رجل هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ، ثم منّ الله عليه فعرف هذا الأمر أيقضى عنه حجّة الإسلام أو عليه ان يحج من قابل؟ قال : يحجّ أحبّ الىّ (٣).

وحسنة زرارة وبكير والفضيل ومحمد بن مسلم وبريد العجلي كلهم عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من أبواب وجوب الحج الرواية ١ روى صدرها في هذا الباب وذيلها في الباب ٣١ من أبواب مقدمة العبادات الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من أبواب وجوب الحج الرواية ٢.

(٣) الوسائل الباب ٢٣ من أبواب وجوب الحج الرواية ٣.

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أبي جعفر وابى عبد الله عليهما السّلام أنّهما قالا في الرّجل يكون في بعض هذه الأهواء ، الحروريّة ، والمرجئية ، والعثمانية ، والقدريّة ، ثم يتوب ، ويعرف هذا الأمر ، ويحسن رأيه ، أيعيد كل صلاة صلّاها ، أو صوم أو زكاة أو حج ، أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة ، ولا بدّ أن يؤدّيها ، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها ، وانّما موضعها أهل الولاية (١).

واعلم أنّ ظاهر هذه الروايات هو صحّة عباداتهم ، والأجر عليها ، والثواب ، وأداء فريضة الله عليهم ، بعد الاستبصار ، من غير قيد بعدم الإخلال بركن ، والصحة ، ولكن يمكن أخذه من جهة ان الذي يثاب ، ويؤجر عليه ، وفريضة الله ، هو العبادات الصحيحة ، لا غير.

الّا أنّ الظاهر انه يكفى كونها كذلك بحسب ظن الفاعل ، لا في نفس الأمر ، لأنّ الذي فعل في حال الضّلالة ، الظاهر أنه انما فعل ما يعتقد صحته ، وفرض الله عليه ، لا غير ، وقد حكم في الروايات بذلك من غير قيد أصلا ، فلا يبعد كون القيد المأخوذ بالاجتهاد هو الصحيح باعتقاد الفاعل ومذهبه ، فتأمل.

وانّها تدل على صحة عباداتهم بعد الاستبصار ، فكأنّها موقوفة فإن استبصر صحّت وأثيب وأو جر عليها ، والّا ردّت وعوقب ، كما يدل عليه بعض الروايات (٢) الدالة على ان الاعمال بغير ولاية أهل البيت عليهم السّلام ليست بنافعة ، ويكون ذلك مراد من اشترط الايمان في الصحة ، وحكم بالبطلان بدونه ، مع قوله : بعدم وجوب القضاء بعد الايمان وصحة العبادات ، كما يدل عليه كلام

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب المستحقين (في كتاب الزكاة الرواية ٢.

(٢) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب مقدمة العبادات قال أبو جعفر عليه السّلام (مخاطبا لابن مسلم) : يا محمد ان أئمة الجور وتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلّوا وأضلّوا فأعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف الرواية (وغيرها فراجع).

١٠٠