مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٦

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٦

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

كما يظهر من بعض الاخبار (١) على ما تقدم ، أو يكون لهم ذلك أفضل ، فتحصل الفائدة في الأفضليّة ، وتحمل هذه الاخبار عليها ، (عليهما خ ل) وبالجملة هذه الاخبار تعيّن جواز التمتع لأهل مكة فتأمل.

وانّ الاستطاعة عن مكة لا عن البلد ، كما هو مقتضى الآية (٢) في حقّه وفي حقّ المكلّف ، فان الظاهر من الآية والاخبار ان الاستطاعة له هي القدرة على الوجه المعتبر في زمان الحج في أي مكان كان واحفظ هذا فإنه ينفع في مواضع وسيجي‌ء تحقيقه.

وانّ مقتضى كون المجاور ـ بعد تحقق الشرط مثل أهل مكة ـ انّ حكمه حكم أهلها في العمرة والحج ومحل الميقات وغيرها.

ولكن ظاهر بعض الروايات المتقدمة انه يحرم من ادنى الحل ، مثل صحيحة عبد الرحمن (٣) فلا يبعد التخيير ، ولا ينبغي حمله على المجاور الذي ما حصل له شرط الانتقال ، لأن تتمة الرواية (٤) تدل على انه يأتي بالحج مفردا لا متمتعا ، نعم يمكن ذلك مع الحمل على انها غير حجة الإسلام.

وانّ المجاور مع عدم الشرط ، مع وجوب الحج عليه وعدمه ، فالظاهر انه يجوز له ان يحرم بالعمرة المتمتع بها الى الحج من مثل الجعرانة والحديبيّة وأمثالهما من ادنى الحل وهو الوقت لا حرام العمرة المفردة.

ويدل عليه الأصل وكون هذا ميقاتا وعدم وجوب المضي إلى ميقات أبعد مع الأقرب بل يمكن عدم الجواز حينئذ.

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٦ من أبواب أقسام الحج.

(٢) آل عمران ٩٧.

(٣) الوسائل الباب ٩ من أبواب أقسام الحج الرواية ٥ وقد تقدم نقلها آنفا.

(٤) الوسائل الباب ٩ من أبواب أقسام الحج الرواية ٥.

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولما في هذه الروايات مثل ما في صحيحة الحلبي (فإذا أقاموا إلخ) (١) ، وما في مرسلة حريز (ولكن يخرج الى الوقت) (٢) ، ويدخل فيه ادنى الحل.

وعموم ما في رواية أبي الفضل (٣) وصحيحة عبد الله بن مسكان عن إبراهيم بن ميمون وقد كان إبراهيم بن ميمون تلك السنة معنا بالمدينة قال قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ان أصحابنا مجاورون بمكة وهم يسألوني لو قدمت عليهم ما يصنعون قال (فقال خ ل) : قل لهم إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا الى التنعيم ، فليحرموا ، وليطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم يطوفوا فيعقدوا بالتلبية عند كل طواف ، ثم قال : أمّا أنت فإنّك تمتّع في أشهر الحج وأحرم يوم التروية من المسجد الحرام (٤).

يحتمل انه أمر بالتمتّع ، وترك الأمر بالتحلّل للظهور ، الّا ان الأمر بالعقد بالتلبية بعد كل طواف للمتمتّع ، خلاف ما يقرّر عندهم ، الّا ان يحمل على الطواف بعد إحرام الحج ، أو يكون من خصائص المجاور المذكور أو يحذف ذلك لمعارضة لو كان أقوى منه.

الّا ان إبراهيم مجهول غير مذكور في كتب الرجال.

ويحتمل الأمر بالافراد ، وكأنّ الإحرام من التنعيم من خصائص المجاور أو على سبيل التخيير.

وعموم صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة (في الفقيه) عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : من أراد ان يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أبواب أقسام الحج الرواية ٣.

(٢) الوسائل الباب ٩ من أبواب أقسام الحج الرواية ٩.

(٣) الوسائل الباب ٩ من أبواب أقسام الحج الرواية ٦.

(٤) الوسائل الباب ٩ من أبواب أقسام الحج الرواية ٤.

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أو ما أشبههما (١).

وقال في المنتهى : يخرج الى ميقات أهله ، فأحرم منه ، فان تعذّر خرج الى أدنى الحل ، ولو تعذر أحرم من مكة ، وهو ظاهر قوله هنا : فيخرج الى الميقات إلخ ، لأنّ المتبادر هو ميقات الأهل ، فيكون للعهد.

ولعل دليله ما في رواية سماعة المتقدمة (نعم يخرج الى مهلّ أرضه) (٢).

ورواية الحلبي (في تارك الإحرام من الميقات) يرجع الى ميقات أهل بلده (بلاده خ ل) الذي يحرمون منه فيحرم ، فإن خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه ، فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج (٣).

وفيها تأمل ، لأنها بعد تسليم السند مخصوصة بالتارك ، ووجوب الإحرام من الميقات الأوّل الذي يصل اليه ، ويسافر منه محرما إلى مكة ، وهو في محلّ المنع ، خصوصا مع عدم الوجوب إلّا في مكة ، نعم ذلك محتمل معه للمجاور (٤) مطلقا.

والظاهر العدم ، لكنّه أحوط لما مرّ.

ولأنّ الظاهر لو كان كذلك لوجب الرجوع مهما أمكن ، والرواية (٥) غير صحيحة لسماعة وغيره.

وقد يقال انها محمولة على الأفضل للجمع ، أو على سبق الوجوب وترك الإحرام منه عمدا مع المرور به ، مع عدم الصراحة ، إذ قد يقال : مهلّ أرضه أدنى

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من أبواب المواقيت الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب أقسام الحج الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من أبواب المواقيت الرواية ٧ (عن ابى عبد الله عليه السّلام).

(٤) يعنى مع الوجوب مع المجاورة (كذا في هامش بعض النسخ المخطوطة).

(٥) وسندها كما في الكافي هكذا : الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي عن ابان بن عثمان عن سماعة.

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الحلّ ، وللتقييد بقوله : (ان شاء) فتأمل.

وقال في شرح الشرائع : لا يتعيّن عليه الخروج الى ميقات بلده ، بل يجوز له الخروج الى اىّ ميقات شاء مع الإمكان ومع عدمه والمراد به حصول المشقة التي لا يتحمل عادة ، يحرم من خارج الحرم ، فان تعذر جميع ذلك أحرم للعمرة من مكة وهل يجب عليه ان يأتي بالممكن مما بين المواضع الثلثة نظر إلخ.

وما نجد له دليلا واضحا فان الظاهر امّا ما قلناه ، أو ما قاله المصنف لما مرّ.

نعم في بعض الأدلة ما يشعر به ، مثل ما روى ـ في باب الزيادات ـ في حائض تركت الإحرام من الميقات قال عليه السّلام : فلترجع الى الوقت ، وان لم يكن عليها مهلة ، فلترجع ما قدرت عليه ، بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحج ، فتحرم (١).

ولكنّها غير صريحة ، وان كانت صحيحة ، وانها في عادة الجاهلة بجواز الإحرام حائضا والتاركة للإحرام.

والأحوط الرجوع مهما أمكن مع الاستيناف في أدنى الحلّ ، وهذه يمكن جعلها دليلا للمصنف ، والشارح ، فتأمل ما يدل على الخروج مهما أمكن في بعض الصور ، وفي البعض العدم ، وسيجي‌ء ، مثل ما ورد في الخروج الى الحرم أو الإحرام من مكة ، والإحرام من الموقف وغير ذلك ، مثل ما في رواية الحلبي المتقدمة (٢)

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من أبواب المواقيت الرواية ٤ نقول متن الرواية هكذا : عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا : ما ندري أعليك إحرام أم لا وأنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم فقال عليه السّلام : ان كان عليها مهلة فترجع الى الوقت فلتحرم منه فان لم يكن عليها وقت (مهلة) فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من أبواب المواقيت الرواية ٧.

٤٤

ولا يجوز الجمع بين الحج والعمرة بنيّة واحدة ، ولا إدخال أحدهما على [في] الآخر ، ولا بنية [نية] حجتين ولا عمرتين.

______________________________________________________

وهو المفهوم من كلام المصنف هنا والمنتهى وغيره ، والأصل أيضا يقتضيه مع التأييد بأن الواجب هو الإحرام في الميقات ، والذي في البين ليس بميقات.

وأيضا قد يشكل تعيين ذلك المقدار الذي يفوت به الوقت ، أو يخاف من الضرر ، فتأمل.

قوله : «ولا يجوز الجمع إلخ». هذه ثلاث مسائل.

الاولى : عدم جواز الجمع بين حج وعمرة بنية واحدة ، بأن ينوي بهما معا ، ويلبّى بقصدهما ، سواء تكلم بهما مثل ان يقول : لبيك بحجة وعمرة معا أم لا بل يقول : لبيك ويقصدهما.

والثانية : إدخال أحدهما على الآخر بمعنى فعل الثاني بنيته ، وبدونها قبل الإحلال عن الأوّل ، حجا كان أو عمرة ، وظاهرهم عدم الخلاف فيه.

وكذا الثالثة ، وهو فعل حجتين أو عمرتين ، بنية واحدة ، قبل الإحلال عن الآخر ، أو بعده.

وأمّا الأولى فغير جائزة عندهم ، في حج التمتع والافراد ، واما القران فجوز ابن عقيل ان يقترن بين الحج والعمرة في إحرام واحد في حج القران ، وجعل القران عبارة عن ذلك ، وهو رأى الجمهور على ما نقل ، والمشهور عدم الجواز مطلقا ، لأنهما عبادتان مستقلتان ، بل وجوب العمرة على من يجب عليه الحج غير ظاهر ، يحتاج الى الدليل ، وسيجي‌ء.

والظاهر انها ليست بجزء من الحج ، وهو ظاهر ، وسيجي‌ء دليله أيضا.

ويؤيده الشهرة ويدل عليه أيضا أخبار كثيرة صحيحة.

مثل صحيحة منصور بن حازم (الثقة) عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : لا يكون القارن الا بسياق الهدى ، وعليه طوافان بالبيت وسعى بين الصفا والمروة

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ كما يفعل المفرد فليس بأفضل من المفرد الّا بسياق الهدى (١).

وصحيحة معاوية بن عمار (الثقة) عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : القارن لا يكون الّا بسياق الهدى وعليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه السّلام وسعى بين الصفا والمروة وطواف بعد الحج وهو طواف النّساء (٢).

وجه الدلالة في أمثال هذه ، انه يفهم حصر أفعاله فيما ذكر ، وانه يحصل الإحلال والخلاص منه بفعل ذلك فقط ، وان وجه كونه قرانا وامتيازه ، بالسوق فقط ، فلا يكون غير معتبرا فيه ، ولا يكون إحرامه باقيا بعد هذه الافعال فلا إدخال ولا دخول.

وتدل عليه أيضا صحيحة الفضيل بن يسار عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : القارن الذي يسوق الهدى ، عليه طوافان بالبيت ، وسعى واحد بين الصفا والمروة ، وينبغي له ان يشترط على ربّه ان لم تكن حجة فعمرة (٣) ، وهذه أصرح فافهم.

وصحيحه الحلبي عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : انما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه الّا بسياق الهدى وعليه طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام وسعى واحد بين الصفا والمروة وطواف بالبيت بعد الحج وقال أيّما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح الّا ان يسوق الهدى الحديث (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب أقسام الحج الرواية ١٠.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب أقسام الحج الرواية ١٢.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب أقسام الحج الرواية ٣.

(٤) الوسائل الباب ٢ من أبواب أقسام الحج الرواية ٦ وأورد ذيلها في الباب ٥ من تلك الأبواب الرواية ٢.

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وحسنة عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه السّلام قال : قلت له انى سقت الهدى وقرنت قال : ولم فعلت ذلك؟ التّمتع أفضل ، ثم قال : يجزيك فيه طواف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة واحد وقال : طف بالبيت (بالكعبة خ ل) يوم النحر (١) ، والتقريب ظاهر ، وقد مرّ.

واحتج لابن أبى عقيل بحديث عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه قال : في التلبية : لبيك بحجة وعمرة معا (٢).

وأجيب بمنع الصحة ، ويمكن بعدم الصراحة أيضا ، إذ لم يظهر قران ولا هدى ، ومجرد ذكر هذا الكلام في التلبية لا يدلّ (عليه. ظ) فإنه قد يكون تعبدا ، أو لكون الإشعار في العمرة المتمتع بها الى أنّه يأتي بعده بالحج أيضا.

وهذا واضح ، لوجود هذا الكلام في بعض رواياتنا في التلبيات ولو بعمرة المتمتع بها.

ويدل عليه صحيحة زرارة (في الفقيه) قال : جاء رجل الى ابى جعفر عليه السّلام ، وهو خلف المقام فقال : انى قرنت بين حجة وعمرة فقال له : هل طفت بالبيت؟ فقال : نعم ، قال : هل سقت الهدى؟ قال : لا ، فأخذ أبو جعفر عليه السّلام بشعره ثم قال : أحللت والله (٣) وغير ذلك من الاخبار.

ويفهم من هذه الصحيحة عدم الدقة في نية التحلل ، بل عدمها ، وانه يكفى بأخذ الغير ، وبما يصدق من الشعر ، وان القران بين الحج والعمرة لا يضر ، وغير ذلك فافهم.

وبصحيحة الحلبي المتقدمة حيث قال فيها : (أيّما رجل قرن بين الحج

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب أقسام الحج الرواية ٧.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من أبواب الإحرام الرواية ٧ هذه قطعة من الرواية فراجع.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من أبواب أقسام الحج الرواية ١.

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والعمرة) (١).

ويمكن الجواب بما أمكن فيما سبق وأجاب الشيخ بأنّ المراد من قال في حجّة : فان لم تكن حجّة تكون عمرة ، للاشتراط في أثناء التلبيات.

ويؤيّده صحيحة الفضيل بن يسار (٢) حيث خصّ الاشتراط بالسائق.

وأيضا يدل على بطلانه صدر هذه الرواية ، حيث ما فرّق بين القارن والمفرد الا بالسياق ، فتأمل ، ومع ذلك التجويز في الجملة غير بعيد ، لظاهر هذه الرواية ، يعنى انه لا يجوز المقارنة في التلبيات والإشارة بالحج والعمرة معا الا للسائق ، كما هو ظاهر هذه الرواية لا بالمعنى الذي قاله ابن ابى عقيل والجمهور من حصر القران في ذلك ، فإنه ما نفهم له دليلا ، وليس هذه دليله.

وبالجملة هذه الرواية ما تدلّ على مذهب ابن ابى عقيل لإجمالها ، فتأمل.

ثم اعلم ، انّ الروايات التي في بيان حج القران والافراد (٣) ، ليست فيها إلا أفعال الحج الى طواف النساء فقط ، وليس فيها ذكر للعمرة أصلا ، فلا يكون هي جزأ منهما ، ولا يجب على من يجبان عليه مطلقا ، نعم قد تدل الآية (٤) على إتمامها ، والاخبار (٥) أيضا على وجوبها ، كالحج مع الاستطاعة ، فتجب أصالة مع الشرائط.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أبواب أقسام الحج الرواية ٢ تمامه فلا يصلح الّا ان يسوق الهدى وقد أشعره وقلده الحديث.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب أقسام الحج الرواية ٣ ولفظ الحديث هكذا (وينبغي له ان يشترط على ربّه ان لم تكن حجة فعمرة).

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب أقسام الحج.

(٤) البقرة ١٩٧.

(٥) الوسائل الباب ١ من أبواب العمرة.

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وظاهر كلام الأصحاب خلاف ذلك ، بل الجزئية ، وانه لا بد من الإتيان بها على من اتى الحج مطلقا ، مندوبا ومنذورا ، وبعد الانتقال من العمرة إلى أحدهما ، وذلك غير ظاهر ، فتأمل.

واما ما يدل على المتمتع (١) فإنه بكثرتها وصحتها تدل على الإتيان بهما في عام واحد معا بجميع أفعالهما ، وعدم طواف النساء في العمرة ، وتحليل كل شي‌ء بعد العمرة.

والظاهر ان يستثنى منه الحلق ، لما في الرواية التي دلت على لزوم الدم على من حلق قبل التقصير ، فتأمل ، وسيجي‌ء تحقيق ذلك كله ان شاء الله تعالى في محلّه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب أقسام الحج.

٤٩

(النظر الثاني في الشرائط)

يشترط في حجة الإسلام التكليف ، والحرية.

______________________________________________________

قوله : «يشترط في حجة الإسلام» إلخ. الظاهر ان المراد به الإشارة إلى شرائط وجوب حج الإسلام ، ولهذا ترك الإسلام فإنه شرط للصحة دون الوجوب ، قال في المنتهى : بإجماع علمائنا وفي الدروس أيضا جعله من شرائط الصحة وقال أيضا : ان الجميع شرط للاجزاء إلا الثلاثة الأخيرة (١) فلو حج المريض بمشقة والمعضوب (٢) والخائف ، في السرب ، والذي يعلم ضيق الوقت فسار سيرا عنيفا جدا بحيث لا يجب مثله ، وأدرك أجزأ وسقط عنه الفرض ، الا ان يكون فعله المناسك حراما ، بخوف ونحوه ، فلا يجزى للنهي المفسد وهو غير بعيد.

والشرائط أمور (الأوّل الإسلام ، وهو إظهار كلمتي الشهادة مع الاعتقاد ،

__________________

(١) وهي الصحة والقدرة على الركوب وسعة الوقت وفي الدروس بعد ذكر الشروط الثمانية ، قال ما هذا لفظه : وعندي لو تكلف المريض والمعضوب والممنوع بالعدو وتضيق الوقت ، أجزأه ، لأن ذلك من باب تحصيل الشرط انتهى.

(٢) قال في المسالك : المعضوب الضعيف سواء بلغ في الضعف الى ان لا يستمسك على الراحلة أم لا فوصف الاستمساك على الراحلة مخصص لا موضح.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وعدم صدور شي‌ء يوجب الكفر من فعل أو قول ، مثل إلقاء المصحف في القاذورات استهزاء واهانة ، وإنكار ضروريّ للدين.

وعدّه من شرائط الصحة (١) دون الايمان ، مشعر بصحة حج المخالف ، كسائر فرائضه ، ويؤيّده عدم وجوب الإعادة والقضاء لو استبصر ، كما سيجي‌ء ، وهو معنى الصحة عند الفقهاء على ما ذكر في محلّه ، وقد مرّ تحقيقه فتذكر وتأمل.

وامّا دليله فهو إجماع فقهاء الأعصار المدّعى في المنتهى مستندا الى اشتراط الإخلاص ، المنفي عن الكافر على الوجه المعتبر.

(الثاني) الحريّة ، فإنها شرط للاجزاء والوجوب ، فلا يجب على المملوك مطلقا ، وان اذن له المولى ، ولا يجزى عن حج الإسلام لو أعتق ، نعم لو أدرك أحد الموقفين معتقا مستطيعا مكلّفا ، يمكن ذلك كما سيجي‌ء.

ودليله أيضا الإجماع والاخبار مثل صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام ، قال : الملوك إذا حجّ ثم أعتق كان (فانّ خ ل) عليه اعادة الحج (٢).

وقريب منه صحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه السّلام (٣) وغير هما (٤)

وما يدلّ على الاجزاء (٥) مطلقا (٦) فبعد تسليم السند محمول على ادراك

__________________

(١) كما يأتي من قول الماتن : ويجب على الكافر ولا يصح منه الا بالإسلام.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ٣.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ١ و ٤.

(٤) راجع الباب ١٦ من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ٧ متن الرواية هكذا ، حكم بن حكيم عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : أيّما عبد حج به مواليه ، فقد قضى حجة الإسلام.

(٦) أي سواء أدرك أحد الموفقين أم لا (منقولة بخطه قده في بعض النسخ الخطية).

٥١

والاستطاعة ، وهي الزاد والرّاحلة ، ومؤنة عياله.

______________________________________________________

أحد الموقفين معتقا ، كما حمله الشيخ عليه ، للجمع بين الأدلّة.

(الثالث) التكليف ، بالبلوغ ، والعقل ، وهو في الدليل والاجزاء في بعض الأوقات ، مثل الحرية ، مع خبر رفع القلم.

ومفهوم مضمرة شهاب قال : سألته عن ابن عشر سنين يحجّ؟ قال : عليه حجة الإسلام ، إذا احتلم ، (١) وكذلك الجارية عليها الحج ، إذا طمثت (٢).

وفيها اشعار بعدم حصول البلوغ بالعشر ، ولو في الجارية ، فتأمل ، ويترك لغيره من الأدلة الدالة على البلوغ بالتسع (٣).

وكذا ما في رواية مسمع بن عبد الملك ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، لو أنّ غلاما حج عشر سنين (حجج خ كا) ثم احتلم ، كانت عليه فريضة الإسلام ، ولو أنّ مملوكا حج عشر حجج ثم أعتق كانت عليه فريضة الإسلام ، إذا استطاع اليه سبيلا (٤).

(الرابع) الاستطاعة ، وهي مفسّرة بالزّاد والراحلة ومؤنة عياله مدّة رجوع إليهم.

ولعل المراد بالزّاد ما يقوته قوتا متعارفا من غير إسراف وتقتير ، ولو كان بملك الثمن مع القدرة أو البذل.

وبالراحلة ما يحمله من غير مشقّة ، ولو بالأجرة ، أو البذل كما سيجي‌ء.

ولا يحتاج التقييد باللايق بحاله في الراحلة لعموم الآية والأخبار (٥) وعدم

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٤ من أبواب مقدمة العبادات.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ٢ وهي مروية عن ابى عبد الله عليه السّلام.

(٣) راجع الوسائل الباب ٢ من كتاب الحجر وغيره.

(٤) أورد صدرها في الوسائل الباب ١٣ من أبواب وجوب الحج وشرائطه وذيلها في الباب ١٦ من ذلك الباب الرواية ٥.

(٥) راجع الوسائل الباب ٨ من أبواب وجوب الحج وشرائطه والباب ٧ من أبواب وجوب الحج وشرائط من المستدرك.

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المخصّص ، وما في بعض الروايات ، ولو على حمار أبتر وأجدع (١) وما روى من ركوبه صلّى الله عليه وآله الحمار (٢) وعدم التفاوت في المأكول والمشروب شرعا.

ولا يشترط الرجوع الى كفاية بمعنى وجود شي‌ء يعيش به بعد الحج مدّة ، مثل ملك أو صنعة أو رأس مال يعيش بربحه ، ونحو ذلك ، كما هو عند أكثر المتأخّرين.

ودليلهم الآية (٣) فإنّها تدل على الوجوب بالاستطاعة ، ولا شك في صدقها لغة وعرفا على ما هو قادر على الوجه الذي ذكرنا ، مع عدم الكفاية ، ونقلها الى معنى شرعي ـ يكون هي داخلة في مفهومها ـ غير ظاهر ، وإثبات الحقيقة الشرعيّة ، ان أمكن فغير ثابت هنا.

ويؤيّده (٤) الاخبار ، مثل صحيحة هشام بن سالم عن أبي بصير (في الفقيه) قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام ، يقول : من عرض عليه الحج ، ولو على حمار أجدع مقطوع الذّنب فأبى فهو مستطيع الحج (٥).

وما في صحيحة معاوية بن عمّار ، عن ابى عبد الله عليه السّلام (المتقدمة في وجوب الحج) فان كان دعاه قوم أن يحجّوه ، فاستحيى ، فلم يفعل ، فإنّه لا يسعه ، الا ان يخرج ولو على حمار أجدع أبتر إلخ (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ١ و ٣ و ٥ ومعنى الأجدع فيها مقطوع الأنف (بالجيم المعجمة والدال المهملة).

(٢) راجع الوسائل الباب ٤٠ و ٤١ من أبواب الإحرام.

(٣) آل عمران ٩٢.

(٤) يعنى عدم التقييد بالرجوع إلى كفاية.

(٥) الوسائل الباب ١٠ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ٧.

(٦) الوسائل الباب ١٠ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ٧.

٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية محمد بن يحيى الخثعمي قال : سأل حفص الكناسي أبا عبد الله عليه السّلام ، وأنا عنده عن قول الله عز وجل (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ، ما يعنى بذلك؟ قال : من كان صحيحا في بدنه ، مخلّى سربه ، له زاد وراحلة ، فهو ممّن يستطيع الحج ، أو قال : ممن كان له ، فقال (له كا) حفص الكناسي : وإذا كان صحيحا في بدنه ، مخلى سربه ، له زاد وراحلة ، فلم يحجّ ، فهو ممن يستطيع الحج؟ قال : نعم (١).

ولا يبعد كون الخثعمي هو ابن سليمان أخو مفلس الثقة ، وان نقل في كتاب ابن داود واحدا آخر ، وقال في رجال الشيخ : مهمل ولهذا (٢) قال في المختلف : وروى محمد بن يحيى الخثعمي في الصحيح.

وحسنة الحلبي عن ابى عبد الله عليه السّلام في قول الله عز وجل (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ، ما السبيل؟ قال : ان يكون له ما يحجّ به ، قال : من عرض عليه ما يحج ، فاستحيى من ذلك ، أهو ممن يستطيع اليه سبيلا؟ قال : نعم ما شأنه يستحيي؟ ولو يحجّ على حمار أجدع أبتر ، فإن كان يستطيع (يطيق خ ل) أن يمشى بعضا ويركب بعضا فليحج (فليفعل خ ل) (٣).

وأيضا عموم الأخبار الدالة على الوعيد والعقاب لمن ترك الحج مثل صحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا قدر الرّجل على ما يحجّ به ثم دفع ذلك ، وليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام ، وان كان

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ٤.

(٢) اى ولكون الخثعمي هذا هو ابن سليمان الثقة.

(٣) نقل صدرها في الوسائل في الباب ٨ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ٣ وذيلها في الباب ١٠ من تلك الأبواب الرواية ٥.

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

موسرا ، وحال بينه وبين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره الله فيه ، فانّ عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له ، وقال : يقضى عن الرّجل حجة الإسلام عن جميع ماله (١)

وفيها دلالة على عدم جواز التأخير أيضا ، خرج من لم يكن بالصّفة التي قلناها بالإجماع ونحوه ، بقي الباقي.

وقيل باشتراط الكفاية للأصل ، ولرواية أبي الربيع الشامي ، قال : سئل أبو عبد الله عن قول الله عز وجل (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ، فقال : ما يقول الناس؟ قال : فقلت (فقيل خ كا) له الزاد والراحلة ، قال : فقال أبو عبد الله عليه السّلام : قد سئل أبو جعفر عليه السّلام عن هذا ، فقال : هلك الناس إذا ، لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ، ويستغنى به عن الناس ينطلق اليه ، فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا إذا ، فقيل له : فما السبيل؟ قال : فقال : السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقى بعضا لقوت عياله ، أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها الا على من يملك مائتي درهم (٢).

وأنت تعلم أنّ الأصل يضمحلّ بالأدلّة السابقة.

وعدم صحة رواية أبي الربيع ، لكونه مجهولا ، مع عدم توثيق خالد بن جرير الواقع في الطريق (٣).

وعدم صراحتها ، فإنها ظاهرة فيما قلنا بأنه (عليه السّلام) منع عن الوجوب بمجرد.

__________________

(١) نقل صدرها في الباب ٦ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ٣ وذيلها في الباب ٢٥ من تلك الأبواب الرواية ٣ والباقي منها في الباب ٢٤ الرواية ٢.

(٢) الوسائل الباب ٩ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ١.

(٣) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن خالد بن جرير عن ابى الرّبيع الشّامي.

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الزاد والراحلة إذا استلزم هلاك العيال ، وعدم نفقتهم ، بأن أخذ ما يصرف في نفقتهم ، ويحج به ، ولم يبق عندهم شي‌ء أصلا ، أو مقدار ما يرجع إليهم ، كما يشعر به (فيسلبهم إلخ).

نعم قد نقل لهما تتمّة عن الشيخ المفيد في المختلف (ثم يرجع فيسأل الناس بكفه) تدل عليها في الجملة ولكن ما ثبت نقله (١) فإنّ الرواية (في الكتب الأربعة) ، ليس فيها هذه التتمّة ، بل على الوجه الذي ذكرناه.

واعلم أنّ هنا أخبارا أخر ، تدل على وجوب الحج ولو مشيا ، وباستئجار نفسه ـ كما في الروايتين السابقتين (٢) (يمشى بعضا ويركب بعضا).

وهي رواية أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : قال الله عزّ وجلّ (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)؟ قال : يخرج ويمشي ان لم يكن عنده (شي‌ء قيه) قلت : لا يقدر على المشي قال : يمشى ويركب قلت : لا يقدر على ذلك (أعني المشي يب) قال : يخدم القوم ويخرج معهم (٣).

وصحيحة معاوية بن عمار ، قال : سئلت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن رجل عليه دين ، أعليه ان يحجّ؟ قال : نعم انّ حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين (الحديث) (٤) وغيرها.

وأوّله الشيخ بشدة الاستحباب والتقية للإجماع ، والأخبار المتقدمة (٥)

__________________

(١) أي نقل الشيخ المفيد التتمة من خطه ره (كذا في هامش بعض النسخ الخطيّة).

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ١ و ٥.

(٣) الوسائل الباب ١١ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ٢.

(٤) الوسائل الباب ١١ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ١ وتمامها : ولقد كان أكثر من حج مع النبي صلّى الله عليه وآله مشاة.

(٥) الوسائل الباب ٨ من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

على عدم الوجوب ، ويمكن حملها على من وجب عليه ، وقصّر حتّى ذهب ماله فتأمل.

وأنّ في الآية (١) والأخبار السابقة (٢) دلالة واضحة على الوجوب بالبذل مطلقا ، سواء كان الباذل (للباذل خ) نذر أم لا ، وثقة أم لا.

نعم لا بدّ ان يظن عدم الكذب والاعتماد ، سواء كان المبذول زادا أو راحلة أو غيرهما ، ممّا يمكن ان يحصل به من الدراهم ، وغيرها ، ممّا يمكن ان يحج به.

وهو ظاهر مع المبالغة في الآية (٣) والأخبار المتقدمة (٤) وغيرهما مما يستفاد وجوبه على القادر بوجه ، والوعيد على التارك في ذلك ، فيخرج ما اجمع على عدم الوجوب به ، وبقي الباقي ، فتقييد بعض الأصحاب بالنذر ، غير ظاهر الوجه.

وفيها دلالة على عدم المنّة ، بل المنّة على الباذل ، كما دل بعض الأخبار (٥) على ان المنّة للضيف على المضيف ، لانه يحصل الثواب له ، ورزقه على الله ، فلا منّة في قبول هبة المال للحج ، وكذا ثمن الماء للوضوء والغسل ، وآلة البئر وغيرها ممّا يعان به على العبادة وأيضا يشعر به عدم حسن منع الهبة وردّ الهديّة ، والزكاة وهو ظاهر.

نعم ينبغي وجود ما يمون به عياله ، مقدار ان يذهب ويرجع ، ان كان ممّن يمكن ان يحصل لهم بوجه ما ، ولو بعيدا بالعقل وبعض النقل (٦)

__________________

(١) عطف على قوله : انّ هنا أخبارا أخر.

(٢) راجع الوسائل الباب ١٠ من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

(٣) آل عمران ٩٧.

(٤) لا حظ الوسائل الباب ٦ و ٧ من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

(٥) الوسائل الباب ٣٩ من أبواب آداب المائدة الرواية ١.

(٦) لا حظ الوسائل الباب ٩ من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدل عليه (١) أيضا صحيحة معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : رجل لم يكن له مال فحجّ به رجل من اخوانه هل يجزى ذلك عنه عن حجة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال : هي حجّة تامّة (٢).

ورواية الفضل بن عبد الملك قال : سئلت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل لم يكن له مال فحجّ به أناس من أصحابه أقضى حجة الإسلام؟ قال : نعم فان (وان خ ل) أيسر بعد ذلك فعليه ان يحجّ ، قلت : هل تكون حجته تلك تامّة أو ناقصة ، إذا لم يكن حجّ من ماله؟ قال : نعم قضى عنه حجة الإسلام ، وتكون تامّة ، ولست بناقصة ، وان أيسر فليحج (٣).

قال في التهذيب : قوله (عليه السّلام) وان أيسر فليحجّ ، محمول على سبيل الاستحباب ، يدل على ذلك الخبر الأوّل ، وقوله (عليه السّلام) في هذا (الخبر أيضا) ـ قضى عنه حجة الإسلام وتكون تامّة وليست بناقصة ـ يدل على ما ذكرنا ، وما اتبع به من قوله (عليه السّلام) وان أيسر فليحجّ المراد به ، ما ذكرناه من الاستحباب ، لأنه إذا قضى حجة الإسلام ، فليس بعد ذلك الّا الندب ، والاستحباب (٤).

وانه يحتمل كون المراد بالكفاية على تقدير القول بها ، مؤنة السنة فعلا أو قوّة ، لأنه الغنا شرعا ، ومستلزم لعدم السؤال بالكف المذكور في دليله (٥).

__________________

(١) اى على وجوب الحج بالبذل.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ٢.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ٦.

(٤) انتهى كلام التهذيب.

(٥) الوسائل الباب ٩ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ١ بناء على نقل المفيد قده في المقنعة.

٥٨

وإمكان المسير وهو الصحة ، وتخلية السّرب والقدرة على الركوب.

______________________________________________________

وان يكون (١) صرف المال في الحج لا يصير سببا للسؤال بعده في الجملة وعادة ، بحيث يقال ان الحج جعله سائلا بالكف.

وان يكون عنده ما يعيش به ابدا ، وكأنّه المتبادر ، ويؤيّده تمثيل البعض بالصنعة ونحوها ، وانّ الإجمال في ذلك مؤيد للعدم ، فافهم.

وأنّه لا بد من بقاء الاستطاعة الى ان يرجع في بقاء الوجوب ، وسقوطه على ما يفهم من كلامهم ، فلو تلف المال في الأثناء لم يبق الوجوب ، بل يعلم عدمه لعدم شرطه في نفس الأمر ، وفي علم الله.

وكذا لو لم يبق استطاعة الرجوع بعد الحج ، لم يكن الوجوب ساقطا عنه ، فلو استطاع يجب الإعادة ، لحصول العلم بعدم الشرط ، مثل الأوّل.

وكذا لو عجز في الطريق بمرض أو بعد الحج ، بحيث لا يقدر على الرّجوع ، أو يقدر مع المشقة التي لا يتحمّل مثلها ، وقلنا إنّ الصحة شرط الاجزاء ، لا شرط الوجوب فقط.

والظاهر خلاف ذلك ، فان الظاهر السقوط ، لو لم يبق له ما يرجع به بعده ، وكذا لو مرض ، بل مات بعد الحج ، وبعد ادراك الموقف بل بعد الإحرام ، ودخول الحرم على ما سيأتي.

وهذا مؤيّد لكون هذا الأمور شرطا للوجوب في الابتداء ، والشروع مع ظنّ البقاء ، لا الاجزاء والاسقاط.

(الخامس) : إمكان المسير ، ويدخل تحته الصحة ، وإمكان الركوب ، وتخلية السرب ، واتساع الزمان.

__________________

(١) عطف على قوله : كون المراد بالكفاية إلخ.

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال المصنف في المنتهى وقد اتفق علمائنا اجمع في اشتراط ذلك ، قال : فلا يجب على المريض الواجد للزاد والراحلة ، وباقي الشرائط ، بإجماع علمائنا.

ولعل المراد مرض يشق معه السفر مشقة لا تتحمل ، وكذا المعضوب الصحيح الذي لا يتمكن من الركوب.

ويدل عليه بعد الإجماع ، العقل ، وخبر ذريح عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : من مات ولم يحجّ حجة الإسلام ولم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض إلخ (١).

وكذا الكبير الغير القادر ، ولا يبعد في الكبير ، والمعضوب ، والمريض ، الاستيجار ، مع اليأس ، لو كان الوجوب سابقا على المانع.

للأخبار الكثيرة ، مثل صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : انّ عليا عليه السّلام رأى شيخا لم يحج قطّ ولم يطق الحج من كبره فأمره أن يجهّز رجلا فيحجّ عنه (٢) ورواه أيضا عبد الله بن سنان (٣) في الصحيح وغير ذلك من الأخبار.

والظاهر انّ المراد بعد استقرار وجوب الحجّ.

ويؤيّده رواية سلمة أبي حفص عن ابى عبد الله عليه السّلام عن أبيه عليهما السّلام انّ رجلا انى عليا عليه السّلام ولم يحجّ قطّ فقال : انّى كنت كثير المال وفرّطت في الحج حتى كبر سنّي قال : فتستطيع الحج؟ فقال : لا فقال له علي عليه السّلام : ان شئت فجهّز رجلا ثم ابعثه يحج عنك (٤).

امّا لو لم يسبقه ، الوجوب ، بل استطاع في وقت المنع ، وعدم القدرة ، فالظاهر

__________________

(١) تتمة الرواية : أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا (راجع الوسائل الباب ٧ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ١.)

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ١ ـ ٦ وفي الثاني شيخا كبيرا.

(٣) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ١ ـ ٦ وفي الثاني شيخا كبيرا.

(٤) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ٣.

٦٠