مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٦

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٦

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو موجود في صحيحة عمر بن يزيد ، (ولأهل نجد قرن المنازل) (١) فيمكن ان يراد هنا بأهل نجد أهل الطائف ، وبالأوّل أهل العراق ، إذ قد يكون نجدان ، ويحتمل ان يكون لأهل العراق طريقان ، أحدهما يصل الى العقيق ، والأخرى إلى القرن ، الله يعلم.

وانّ هذه المواقيت لأهلها ، ولمن يمرّ عليها ، لما روى عنه صلّى الله عليه وآله عن طريق العامة هن لهن ولمن يمرّ عليهن من غير أهلهن لمن أراد الحج والعمرة (٢).

ومن طريق الخاصة ، عن ابى الحسن موسى عليه السّلام قال سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد وكثرة الأيّام يعني الإحرام من الشجرة وأرادوا ان يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها فقال : لا وهو مغضب ، من دخل المدينة فليس له ان يحرم الّا من المدينة (٣).

ولما أوجب على كل من مر بالمدينة الإحرام منه علم ان ميقات أهلها ليس لهم خاصة بل لكل من يمرّ عليه ، وكذا في غيره ، وهو ظاهر ، ولا خلاف فيه.

بل الظاهر أنّ المراد بأهل المدينة مثلا ، من يمرّ على ميقاتها ، هذا واضح ، ولكن وجوب الإحرام ـ على من دخل المدينة منها ، وعدم جواز العدول الى طريق آخر ـ غير ظاهر ، واختار في التهذيب عدم جواز العدول الى ذات عرق ، لهذه الرواية ،

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب المواقيت الرواية ٦ عن عمر بن يزيد عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : وقت رسول الله صلّى الله عليه وآله لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث إلى غمرة ووقت لأهل المدينة ذا الخليفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم.

(٢) في صحيح البخاري عن ابن عباس ، قال : انّ النبي صلّى الله عليه (وآله) وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم ، هن لهن ، ولمن اتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة (كتاب الحج باب مهل أهل مكة للحج والعمرة).

(٣) الوسائل الباب ٨ من أبواب المواقيت الرواية ١.

١٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

فتأمل ، فإن الميقات هو مسجد الشجرة ، ولعل المراد من دخل المسجد ، أو قرب منه أو أنّ المراد هو الاستحباب ، أو من خصائص المدينة ، والتهيؤ ، ولكن المراد الإحرام من المسجد ، كما سيجي‌ء فتأمل.

ويدل على التأويل ، صحيحة عبد الله بن سنان (الثقة) عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : من اقام بالمدينة شهرا وهو يريد الحج ، ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال (الحديث) (١).

لعل المراد ، لأن يحاذي لميقات أهل المدينة ، فإنها تحاذي مسجد الشجرة ، من البيداء ، وقد صرح به في آخر هذه الصحيحة ، في الكافي ، حيث قال : فيكون حذاء الشجرة من البيداء ثم قال : وفي رواية (أخرى خ) يحرم من الشجرة ثم يأخذ أي طريق شاء (٢) ويمكن حملها على الاستحباب أيضا فتأمل.

وأيضا قد يظهر من بعض الروايات ، ان ميقات أهل المدينة هو الجحفة ، أيضا وقد حمل على أنّها ميقات لهم عند الضرورة ، والحاجة ، والمرض.

والذي يدل على ما قلناه ، ما في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام وأهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة (٣).

وصحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام من اين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال من الجحفة ولا يجاوز الجحفة إلّا محرما (٤).

وصحيحة معاوية بن عمار انه سأل الصادق عليه الصلاة والسلام عن رجل

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب المواقيت الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب المواقيت الرواية ٢.

(٣) الوسائل الباب ١ من أبواب المواقيت الرواية ٥.

(٤) الوسائل الباب ٦ من أبواب المواقيت الرواية ٣.

١٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

من أهل المدينة أحرم من الجحفة؟ فقال : لا بأس (١).

وهذه غير صريحة ، لاحتمال ان يكون ذلك الرجل جاء على ميقات أهل الشام ، وان كان من أهل المدينة ، ولكن (لكنه ظ) خلاف الظاهر ، مع ترك التفصيل.

وحملت هذه الروايات على العليل ، لمثل رواية أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : خصال عابها عليك أهل مكة قال : وما هي؟ قلت : قالوا أحرم من الجحفة ورسول الله صلّى الله عليه وآله أحرم من الشجرة فقال : الجحفة أحد الوقتين فأخذت بأدناهما وكنت عليلا (٢).

وليست بصريحة فيه ، بل ظاهرها يدل على انه اختياري ، مع احتمال عدم الصحة للقول في ابان بن عثمان ، واشتراك ابى بصير (٣) فتأمل.

وكذا رواية أبي بكر الحضرمي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : انّى خرجت بأهلي ماشيا فلم أهلّ حتى أتيت الجحفة وقد كنت شاكيا فجعل أهل المدينة يسألون عنّي فيقولون لقيناه وعليه ثيابه وهم لا يعلمون وقد رخص رسول الله صلّى الله عليه وآله لمن كان مريضا أو ضعيفا ان يحرم من الجحفة (٤).

وهذه مع عدم الصحة ، دلالتها بالمفهوم (٥) على ان الأخبار المتقدمة صحيحة صريحة في كونها أيضا ميقاتا ، وسيجي‌ء في بحث التلبية ورفع الصوت بها ، ما يدل

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب المواقيت الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أبواب المواقيت الرواية ٤.

(٣) والسند كما في التهذيب هكذا : موسى بن القاسم عن ابان بن عثمان عن ابى بصير ، قال : إلخ.

(٤) الوسائل الباب ٦ من أبواب المواقيت الرواية ٥.

(٥) اى على ان الجحفة مخصوصة بالعليل ، لا يجوز لغيره من الأصحاء الإحرام (كذا في هامش بعض النسخ المخطوطة).

١٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

على أنّ الجحفة ميقات ، حيث جوّز التلبية من هناك ، بحيث لا يمكن تأويلها الّا على وجه بعيد.

وأنّ المراد بكون دويرة أهله ميقاتا ، أنّه ميقات للعمرة والحج ، غير حج التمتع كسائر المواقيت.

وأنّ المراد بمن كان منزله أقرب إلخ من كان منزله أقرب الى مكة من الميقات إليها.

لصحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم من منزله (١).

وقال في التهذيب : وقال في حديث آخر : إذا كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من دويرة أهله (٢).

ولصحيحة مسمع عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله (٣).

ولما في صحيحة أبي سعيد (٤) قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عمّن كان منزله دون الجحفة إلى مكة قال : يحرم منه (٥).

وما ورد من كون المنزل ميقاتا ، فالمراد به ذلك (٦) لما روى عاصم بن حميد

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب المواقيت الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من أبواب المواقيت الرواية ٢.

(٣) الوسائل الباب ١٧ من أبواب المواقيت الرواية ٣.

(٤) أبو سعيد كأنّه خالد القماط الثقة لنقله عنه عليه السّلام وعدم نقل غيره عنه بخطه كذا في هامش بعض النسخ الخطية.

(٥) الوسائل الباب ١٧ من أبواب المواقيت الرواية ٤.

(٦) يعني إذا كان منزله أقرب الى مكة من الميقات.

١٨٤

ولو سلك ما لا يفضى الى أحدها أحرم عند ظن المحاذاة لأحدها

______________________________________________________

الثقة) في الصحيح عن رياح (رباح كا) بن ابى نصر (١) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : يروون انّ عليّا عليه السّلام قال : انّ من تمام حجّك إحرامك من دويرة أهلك ، فقال سبحان الله فلو كان كما يقولون لم يتمتع رسول الله صلّى الله عليه وآله بثيابه إلى الشجرة وانما معنى دويرة أهله من كان اهله وراء الميقات إلى مكة (٢).

وفي رواية أخرى عن رياح (رباح كا) (المذكور في الكافي) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : انا نروى بالكوفة انّ عليا عليه السّلام قال : ان من تمام الحج والعمرة ان يحرم الرجل من دويرة أهله فهل قال هذا عليّ عليه السّلام؟ فقال : قد قال : ذلك أمير المؤمنين عليه السّلام لمن كان منزله خلف المواقيت ولو كان كما يقولون ما كان بمنع رسول الله صلّى الله عليه وآله ان لا يخرج بثيابه إلى الشجرة (٣).

قوله : «ولو سلك ما لا يفضي إلخ» لعل المراد ان الذي يريد النسك ، إذا سلك طريقا لم يصل الى ميقات أصلا يجب الإحرام منه ، فيجب ان يحرم من محاذات أوّل ميقات يصل اليه على حسب ظنّه ، لانه يجب قطع مقدار المسافة من الميقات إلى مكة محرما ، ولصحيحة عبد الله بن سنان (الثقة) عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : من اقام بالمدينة شهرا وهو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسير ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء (٤).

قال في الكافي : وفي رواية أخرى يحرم من الشجرة ثم يأخذ أيّ طريق

__________________

(١) رياح بن أبي نصر مجهول غير مذكور بخطه ره (كذا في هامش بعض النسخ الخطية).

(٢) الوسائل الباب ١٧ من أبواب المواقيت الرواية ٥.

(٣) الوسائل الباب ١١ من أبواب المواقيت الرواية ٤.

(٤) الوسائل الباب ٧ من أبواب المواقيت الرواية ١.

١٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

شاء (١).

وان لم يحاذ ميقاتا أصلا ، قال في الدروس : ففي إحرامه من ادنى الحلّ ، أو من مساواة أقرب المواقيت إلى مكة ، وجهان ، ويحتمل من مساواة أبعد المواقيت إلى مكة.

واعلم أنّ الدّليل غير قائم على وجوب الإحرام من محاذات أقرب المواقيت اليه ، وما ذكر مدخول ، لان وجوب قطع تلك المسافة محرما انما يجب على تقدير المرور على الميقات ، لعدم الدليل على غيره ، والأصل العدم.

ولأنّ المحاذي ما عدّ ميقاتا ، فحصر المواقيت في غيره ، مشعر بعدم كونه ميقاتا ، وعدم وجوب الإحرام منه.

ويدل عليه أيضا ، انه قد لا يتفق المحاذاة ، إذ يبعد ظن المحاذاة ، بحيث لا يتقدم ، ولا يتأخر.

ويؤيده ، عدم وجوب المقدار في غير المحاذي ، كما سيجي‌ء ، فتأمل.

وصحيحة ، عبد الله بن سنان (٢) المتقدمّة غير صريحة في ذلك ، لاحتمال اختصاص الحكم بمن دخل المدينة ، وجاور فيها شهرا ، ونحوه ، كما هو ظاهرها ، ولهذا تقدم في رواية اخرى ، ان من دخل المدينة ليس له ان يحرم الّا منها (٣) واختار ذلك في التهذيب.

فينبغي الاكتفاء بأدنى الحلّ ، لانه المتيقن ، وغيره غير ظاهر ، فلو أحرم قبله يمكن عدم الجواز ، والصحة ، لعدم كونه في ميقات شرعي ، بل قبله ، والأحوط

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب المواقيت الرواية ٢.

(٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب المواقيت الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أبواب المواقيت الرواية ١.

١٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

التجديد فيه بعد الإحرام في المحاذاة.

والظاهر انه يكفى أدنى الحلّ ، مع عدم المحاذاة بالطريق الأولى ، وكأنه هو مختار القواعد.

قال في المنتهى : ولو سلك طريقا بين ميقاتين برا ، أو بحرا ، فإنه يجتهد في الإحرام ، بحذاء الميقات ، يعنى يجتهد في تحصيل ظن المحاذاة ، فيحرم في موضع ظن ذلك ، سواء كان في برّ أو بحر.

وكذا قال في الدروس : ونقل عن ابن إدريس كون جدّة ميقات من يصعد البحر ، فينبغي التجديد هنا ، على تقدير وقوعه قبلها.

وتحصيل هذا الظن ـ والتكليف به ، والاكتفاء به ـ مشكل ، ومثل هذا التكليف يحتاج الى دليل قوى ، وقد تقدم عدم الدليل ، فتأمّل.

ثم قال في المنتهى : لو لم يعرف حذو الميقات لطريقة ، احتاط ، وأحرم من بعد ، بحيث يتيقن انه لم يجاوز الميقات الّا محرما.

وفيه تأمل لأن الإحرام قبل الميقات لا يجوز فلا يصح ، ولا يكفى عدم التجاوز عن الميقات الا محرما ، بل ينبغي الاحتياط ، والتجديد في كل مكان ، يحتمل المحاذاة ، وهو تكليف شاق ، فلا ينبغي إيجابه ، بل الاكتفاء بأدنى الحلّ ، الله يعلم.

فالأحوط الإحرام بعد تيقن المحاذاة ، أو في موضع ظن ذلك ، ثم التجديد بعد اليقين.

قال في المنتهى : ولا يلزم الإحرام حتى يعلم أنّه قد حاذاه ، أو يغلب على ظنّه ذلك ، لان الأصل عدم الوجوب ، فلا يجب بالشك.

ويمكن جعل هذا دليلا لعدم الوجوب بالظن أيضا ، لعدم وجوبه الّا من أدنى الحلّ ، كما أشرنا إليه.

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم قال أيضا : ولو أحرم ، ثم علم بعد ذلك أنّه قد تجاوز ما (به خ) يحاذيه ، من الميقات غير محرم ، فهل يلزمه الرجوع فيه تردّد ، والأقرب عدم الوجوب ، لانه مكلّف باتباع ظنّه ، وقد فعل بإحرامه ذلك ما أمر به فكان مجزيا.

وفيه تأمل ، لأنّه حصل فساد ظنّه ، ويمكن الاستدراك ، فينبغي الرجوع ، والاستيناف ، مثل الناسي للإحرام من الميقات ، والظان انّ غير الميقات ميقاتا ، نعم يمكن الاكتفاء به مع التعذّر ، أو المشقة ، أيضا ، فتأمل.

وهذا أيضا مؤيد لعدم الوجوب من المحاذاة أصلا ، لئلّا يلزم مثل هذا التكليف.

وقال أيضا : يحرم بحذو الميقات الذي هو الى طريقه أقرب ، والأولى أن يكون إحرامه بحذو الأبعد ، من المواقيت من مكة ، فإذا كان بين ميقاتين متساويين في القرب إليه ، أحرم من حذو أيّهما شاء.

وفيه أيضا تأمل ، إذ لو كان الميقات له هو حذو أقرب المواقيت الى طريقه ، لم يكن الأولى الإحرام من أبعد المواقيت من مكة ، إذ قد يكون ذلك أبعد الى طريقه أيضا ، فلا يكون ميقاتا له ، الّا ان يجعل كلاهما ميقاتا له واحد هما أولى من الآخر ، وذلك مشكل ، من غير نصّ ، وأيضا قد يكون احد المتساويين في القرب الى الطريق أقرب الى مكة ، فكيف يكون مخيرا من أيّهما شاء أحرم ، مع الحكم بأن الأولى الإحرام من الأبعد من مكة.

ولو كانا متساويين (١) فلا فائدة في القول بأنه يحرم من أيّهما شاء ، بل لا معنى له ، إذ محاذات أحدهما هو محاذات الآخر.

والظاهر ، ان المراد بقرب المواقيت الى الطريق ، بالنسبة إلى جزء يحاذيه ،

__________________

(١) أي في القرب والبعد.

١٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لا الى اىّ جزء كان ، وحينئذ قد يكون القريب اليه بعيدا من مكة ، وبالعكس ، فالحكم بان الميقات ، أيّهما مشكل.

وقول المصنف ـ بكون الا بعد من مكة أولى ـ غير ظاهر ، مع عدم الدليل ، بل ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان (١) والدليل المقدم ، هو كون الأبعد ميقاتا له ، فتأمل.

وقال أيضا : لو مرّ على طريق لم يحاذ ميقاتا ، ولا جاز به ، قال بعض الجمهور : يحرم من مرحلتين من مكة ، فإنّه أقلّ المواقيت ، وهو ذات عرق (٢).

ظاهره الاكتفاء بما قالوه ، وهو مخالف لمختاره في القواعد ، من كون الإحرام من أدنى الحلّ ، وهو الظاهر ، ولعلّه متردّد ومتوقف فيه ، حيث سكت عن ذلك ، وأيضا الذي يسمع ، ان أقرب المواقيت هو قرن المنازل ، ميقات أهل الطائف ، وهم اعرف.

فروع أخر من المنتهى

(الأوّل) لو منعه مانع من مرض أو غيره عن بعض أفعال الإحرام ، يفعل ما يقدر ، ويؤخر الباقي الى ان يتمكن وهو ظاهر ومصرّح به ويدلّ عليه رواية أبي شعيب عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : إذا خاف الرجل على نفسه ، أخّر إحرامه إلى الحرم (٣).

(الثاني) لو لم يتمكن من الإحرام لزوال عقله يحرم عنه غيره نيابة عنه ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب المواقيت الرواية ١.

(٢) أي ظاهر كلام المنتهى والسكوت عليه أنّه مرضى عنده.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من أبواب المواقيت الرواية ٣.

١٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويفعل ما يمكن ، ويجنبه محرّمات الإحرام الممكنة ، كذا قالوا. ويدلّ عليه رواية جميل ، عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام في مريض أغمي عليه ، فلم يعقل حتى اتى الموقف ، قال : يحرم عنه رجل (١).

فالظاهر أنّه لو عاد عقله ، يكفيه ذلك الإحرام ، ويأتي بما بقي ، ويسقط به حجّه الواجب عليه ويصح.

وأنّه لا يحتاج الى كون ذلك الرّجل وليّا ، ولعلّ الولي في كلام الأصحاب يراد به الشخص الذي يتولّى الإحرام ، فتأمل.

(الثالث) لو تجاوز من وجب عليه الحج عن الميقات عمدا عالما بعدم الجواز ، يجب عليه الرجوع ، والإحرام منه ، ويجزيه لو أدرك ما يصح به الحج ، وهو واضح ، وكذا عدم صحته على تقدير ترك الرجوع مع الإمكان ، والحج بذلك.

واما لو تعذر الرجوع سواء كان بمرض أو خوف أو غير ذلك ، فظاهر الأصحاب عدم الصحة حينئذ ، مثل الأوّل فيجب عليه الحج في القابل ، بان يروح الى ميقات اهله ويحرم منه ويأتي على باقي الافعال.

قال في المنتهى : لنا أنّه ترك الإحرام من موضعه عامدا متمكنا ، فبطل حجّه ، كما لو ترك الوقوف بعرفة.

وهذا قياس سهل ، ولعل دليله وجوب العبادة في موضع خاصّ ، وعلى شرط خاصّ ، وما اتى بها عمدا عالما ، فبقيت في ذمته ، وبالجملة ما اتى بالمأمور به على وجهه الذي هو مبرأ للذّمة ، فيجب عليه الخروج عن العهدة ، ولا يصح غير ذلك.

بل لو لم يكن في الناسي نصّ ، لأمكن القول بعدم الصحّة فيهما أيضا.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب المواقيت الرواية ٤.

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا لو فتح هذا الباب لأمكن ان يفعل دائما هكذا ، الى ان يتضيّق الوقت ، وهو في مكة ، فيحرم من ادنى الحلّ ، بل من مكة ويأتي بالأفعال فيؤل الى بطلان فائدة الاشتراط من الميقات هذا.

الّا ان الشريعة السهلة ـ وعدم الضيق ، والحرج ، وارادة اليسر دون العسر (١) ـ مشعر بالصحّة ، وان فعل حراما وعصى ، ويتوب ، ويعفو عنه تعالى.

ويؤيّده أيضا ، أنّه يلزم جواز تأخير الواجب الفوري ، مع عدم الأمن من الموت والفوت بالكلية ، وتجويز الترك له حينئذ والاشتغال بغيره في زمان الحج.

وأنّ الذي ثبت ، وجوب الإحرام عن الميقات ، وامّا اشتراط صحة الحج بالإحرام من الميقات ، ولو مع تعذّر الوصول اليه ، فلا ، فما علم كون ذلك مأمورا به بهذا المعنى ، والأصل عدمه.

ويكفي في الفائدة عدم جواز التعدي عنه الّا محرما ، وعدم الصحة مع الإمكان.

وكذا يؤيّده صدق أنّه حج محرما من موضع يجوز فيه الإحرام في الجملة.

وأيضا قد يؤل ذلك الى عدم الحج أصلا ، بأن يتعذر ذلك في العام المقبل أيضا ، وهكذا دائما.

وأيضا تدل على الصحة العمومات ، مثل صحيحة الحلبي ، قال : سئلت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن رجل ترك الإحرام حتّى دخل الحرم؟ فقال : يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه ، وان خشي ان يفوته الحج ، فليحرم من مكانه ، فان استطاع ان يخرج من الحرم ، فليخرج (٢).

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ـ البقرة ١٨٢.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من أبواب المواقيت الرواية ٧.

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

نقل هذه في المنتهى (١) عن ابى الصباح الكناني ، وما رأيتها عنه ، بل عن الحلبي صحيحا في التهذيب ، ورأيت غيرها عنه في الكافي ، وفي الطريق محمد بن الفضيل المشترك (٢) ومضمونه (٣) حكم الجاهل الذي يأتي ، وظاهر صحيحة الحلبي عام فيمن ترك عامدا ، أو ناسيا ، أو جاهلا ، وترك الاستفصال دليل عليه.

وبالجملة ما رأيت نصّا على المشهور ، فلو لم يكن إجماعيا لا بأس بالقول بالصحة ، سيّما لمن تاب وأراد الرجوع ، وحصل المانع مثل المرض.

وفيها دلالة على الرّجوع الى ميقات أهل بلده ، لانّ المراد الميقات الذي مرّ عليه ، وترك الإحرام منه ، وأنّه يحتاج الخروج الى ما أمكن إلى جانب الميقات ، ولا الى الحلّ ، وقد مرّ البحث فيه.

ويدلّ عليه بعض ما سيأتي.

(الرابع) إذا ترك (٤) ناسيا أو جاهلا بالميقات ، أو بالإحرام فيه فيرجع اليه مع المكنة ، والّا فيحرم من الحلّ معها ، والّا فمن موضعه ، لصحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن رجل مرّ على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى اتى مكة فخاف ان رجع الى الوقت ان

__________________

(١) لا يخفى أنّ رواية الحلبي مذكورة في المنتهى ص ٦٧٠ أيضا ، لكنه نقل رواية أبي الصباح الكناني أيضا وفي سندها محمد بن الفضيل في خصوص من ترك الإحرام جهلا حتى دخل الحرم ، ولعل النسخة التي كانت عند الشارح قده من المنتهى لم تكن فيها صحيحة الحلبي ، ورواية أبي الصباح مذكورة في الوسائل كتاب الحج الباب ١٤ من أبواب المواقيت الرواية ٣ فتذكر.

(٢) سندها في الكافي (كتاب الحج باب من جاوز ميقات أرضه إلخ) هكذا : محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن الفضيل ، عن ابى الصباح الكناني.

(٣) اى مضمون رواية أبي الصباح راجع الوسائل الباب ١٤ من أبواب المواقيت الرواية ٣.

(٤) أي الإحرام من الميقات.

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يفوته الحج؟ فقال : يخرج من الحرم ويحرم ويجزيه ذلك (١).

وحسنة الحلبي عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم قال : قال ابى : يخرج الى ميقات أهل أرضه فإن خشي ان يفوته الحج أحرم من مكان فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم (٢).

وفيهما أيضا دلالة على عدم وجوب الخروج مهما أمكن ، فيمكن حمل ما يدلّ عليه (٣) على الاستحباب ، والأولى ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من أبواب المواقيت الرواية ٢.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من أبواب المواقيت الرواية ١.

(٣) اى على الخروج مهما أمكن.

١٩٣

المطلب الثاني : في كيفيّته

وتجب فيه النيّة المشتملة على قصد حجة الإسلام أو غيرها ، تمتعا ، أو قرانا ، أو افرادا ، أو عمرة مفردة ، لوجوبه [لوجوبها] أو ندبه [أو ندبها] متقربا الى الله تعالى واستدامتها حكما [واستدامة حكمها].

والتلبيات الأربع ، وصورتها لبيك اللهم لبيك ، لبيك انّ

______________________________________________________

قوله : «وتجب فيه النية إلخ». البحث في النية وكيفيتها قد تقدم ، ويزيد هنا أنّ الإخلال بالاستدامة هنا ليس بمبطل للإحرام ، على اى وجه كان ، فتأمل.

والمراد بغيرها غير حجّة الإسلام من الحجج ، كالواجب بالنذر ونحوه ، والمندوب.

والظاهر ان قوله : أو عمرة بالجرّ عطف على حجّة الإسلام ، أو ما عطف عليها ، لا على (تمتعا) ، وما عطف عليه ، لأنّه بيان للحج ، وليس العمرة كذلك.

وقوله : «والتلبيات». عطف على النية ، أي يجب في الإحرام النية ، والتلبيات.

١٩٤

الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك

______________________________________________________

ودليل وجوبها الإجماع ، والاخبار الكثيرة (١) وستسمع بعضها.

وامّا صورتها ، فالمذكورة في المتن هي المشهورة ، والمذكورة في أكثر الكتب ، حتى قال في المنتهى : وصورة التلبيات الأربع الواجبة ، لبيك الى آخر ما هنا ، ثم قال : ذكرها الشيخ في كتبه ، وقال ابن إدريس : انّ هذه الصورة ينعقد بها الإحرام ، كانعقاد الصلاة بتكبيرة الإحرام ، وأوجب هذه الصورة أبو الصلاح ، وابن البراج إلخ.

فهذه المشتملة على هذه الكيفية ما وجدت لها أصلا (٢) أصلا ، لا صحيحا ولا ضعيفا ، لا مستحبا ، ولا مندوبا ، مع أنّها مشهورة في الكتب المطوّلة والمختصرة ، والرسائل المخصوصة بالحج والعمرة ، من علمائنا ، وهم اعرف.

والّذي يظهر وجوبه ، بالدليل ، هو لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، وهو انه لا خلاف بين علمائنا في وجوب ذلك.

وانما الكلام والخلاف في وجوب الزائد ، قال في المنتهى : ذهب إليه ـ أي إلى وجوب التلبيات الأربع وشرطيتها للمتمتع والمفرد ـ علمائنا اجمع ، وبه قال أبو حنيفة والثوري إلخ.

والأصل (أصل خ ل) عدم وجوب الزائد ، وما في صحيحة معاوية بن عمار (في الكافي والتهذيب) عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقم وامش هنيئة (هنيهة خ ل) فإذا استقرت (استوت خ ل) بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ ، والتلبية أن تقول : لبيك اللهم

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٣٦ و ٤٠ من أبواب الإحرام.

(٢) ولا يبعد ان يكون نظر المشهور في كيفيّة التلبية الى ما رواه في الوسائل عن الصدوق ره مرسلا عن علي عليه الصلاة والسّلام (الباب ٣٧ من أبواب الإحرام الرواية ٣).

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لبيك (١) لبيك لا شريك لك لبيك انّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك إذا المعارج الى قوله : وان تركت بعض التلبية فلا يضرك ، غير انّ إتمامها أفضل.

واعلم انه لا بد لك من التلبية الأربعة التي كن أوّل الكلام ، وهي الفريضة وهي التوحيد ، وبها لبّى المرسلون ، وأكثر من ذي المعارج الحديث (٢).

قال في المنتهى بعد نقله : ـ وجوب الصورة المشهورة عن الشيخ وغيره كما سبق ـ قيل : الواجب لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، وهو الذي دل عليه حديث معاوية بن عمار (٣) في الصحيح عن ابى عبد الله عليه السّلام ، وقد تقدم ، وإذا ثبت هذا ، فالزائد مستحب (٤).

فالعجب من المصنف ره انه اختار المشهورة هنا ، وفي أكثر كتبه ، وهو اعرف.

ومن الشهيد انه قال في الدروس : وأتمها لبيك اللهم لبيك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك لبيك ثم قال : ويجزى لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك وان أضاف الى هذا ، ان الحمد والنعمة لك

__________________

(١) ليس في التهذيب كلمة (لبيك) بعد قوله عليه السّلام : اللهم لبيك ولكنّها موجودة في الكافي والوسائل.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب الإحرام الرواية ٢ ولم يذكر في الكافي من قوله (إذا فرغت الى قوله أو راكبا فلبّ) ومتن الرواية من الكافي هكذا : عن معاوية بن عمار ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : التلبية :«لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك انّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ذا المعارج ، لبيك لبيك داعيا الى دار السلام ، لبيك لبيك غفار الذنوب ، لبيك لبيك أهل التلبية لبيك لبيك ذا الجلال والإكرام ، لبيك لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك ، لبيك لبيك تبدئ والمعاد إليك ، لبيك لبيك كشاف الكرب العظام ، لبيك لبيك عبدك وابن عبديك ، لبيك لبيك يا كريم» الى آخر الرواية (راجع الوسائل والكافي).

(٣) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب الإحرام الرواية ٢.

(٤) انتهى كلام المنتهى.

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والملك لا شريك لك كان حسنا (١).

فإنّه جعل ما لا أصل له ـ على ما رأيناه ـ أتمّ ، والذي مذكور في الصحيح ـ من الاخبار ـ حسنا (٢) ، مع انه قد يقال بوجوبه ، وانه متفق عليه بين الخاصّة والعامة ، دراية ، ورواية ، لأنّهم هكذا يعملون.

وقال المصنف في المنتهى (٣) : احتج الشافعي بما رواه جعفر بن محمد الصادق عن أبيه الباقر (عليهم أفضل الصلوات والتحيات) قال : تلبية رسول الله صلّى الله عليه وآله لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

قال المصنف في المنتهى : فعل ذلك للواجب ، فكان واجبا ، فلهذا لم يزد (عليه السّلام) على الواجب ، وهذا أيضا عجيب عن المصنف ره حيث قال : بعدم وجوب ان الحمد إلخ ، كما مرّ.

ويمكن ان يكون المراد بقوله : في صحيحة معاوية التلبيات الأربعة التي كن أوّل الكلام الى قوله : لبيك ذا المعارج ، ويؤيّده قوله : ان الحمد إلخ داخل في التوحيد ، وتلبية المرسلين ، كما مرّ في تلبية النبي صلّى الله عليه وآله وقد قال فيها وهي

__________________

(١) انتهى كلام الدروس.

(٢) يعنى جعل الذي هو مذكور في الخبر الصحيح من الاخبار حسنا.

(٣) قال في (باب كيفيّة التلبية) ما هذا لفظه : قال الشافعي أخبرنا بعض أهل العلم عن جعفر بن محمد (عليهما السّلام) قال تلبية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلخ راجع كتاب الأمّ للشافعي ج ٢ ص ١٥٥.

وقال في المنتهى بعد قوله : لا شريك لك هكذا : وما دام عليه النبي صلّى الله عليه وآله اولى من غيره والجواب انه عليه السّلام فعل ذلك بيانا للواجب فكان واجبا ، ولذا لم يزد عليه السّلام على الواجب ولان علماءنا نقلوا عن أهل البيت عليهم السّلام تلبية رسول الله صلّى الله عليه وآله كما نقلناه في حديث معاوية بن عمار عن الصادق عليه السّلام (راجع المنتهى ص ٦٧٧).

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التوحيد ، وبها لبّى المرسلون ، وكذا قوله : وأكثر من ذي المعارج إلخ (١) فإنّه يدلّ على ان ما قبله داخل في أصل التلبية ، وله حكم غير هذا ، ويؤيّده أيضا صحيحة عبد الله بن سنان في الفقيه عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : لما لبّى رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك لبيك ذا المعارج لبيك وكان (عليه السّلام) يكثر من ذي المعارج الحديث (٢).

وفي الفقيه في خبر أخر طويل قال عزّ وجل : قم بين يديّ واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ففعل ذلك موسى عليه السّلام فنادى ربنا عزّ وجل يا امة محمّد فأجابوه كلّهم وهم في أصلاب آبائهم وفي أرحام أمهاتهم : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك قال : فجعل الله عزّ وجل تلك الإجابة شعار الحج (٣).

وفي آخر فيه قال أمير المؤمنين عليه السّلام : جاء جبرئيل عليه السّلام الى النبي صلّى الله عليه وآله فقال له : ان التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، انّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لبيك (٤).

ومثله ما في صحيحة معاوية بن وهب (الثقة) (في حديث) تقول : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب الإحرام الرواية ٢.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب الإحرام الرواية ٤.

(٣) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب الإحرام الرواية ٥ ولكن في الوسائل حذف من قوله عليه السّلام عز وجل الى قوله موسى عليه السّلام.

(٤) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب الإحرام الرواية ٣.

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لك لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج (١).

الّا ان لبيك في الأولى خمس وفي الثانية ستة ، لعلّها من تتمة المندوبات كما وجد في غير هما ، من لبيك لبيك ذا المعارج بعد إتمام الأربع مع الحمد ، على ما سبق.

فمع احتمال وجوب هذه التلبيات ـ وهو لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، انّ الحمد والنعمة والملك لا شريك لك ، ولما مرّ ورودها في الاخبار الكثيرة مع اختيار البعض لها حتى المصنف في بعض كتبه (في المختلف والمنتهى خ) على ما سمعت وعدم وجود المختار والأتم في خبر أصلا ـ تركها بالكلّية وجعل غيرها أتم محلّ التأمل ، وهم اعلم (٢) ولكن الظاهر الآن اختيار ما اشتمل عليه الاخبار الصحيحة ـ ووجوبه محتمل ـ أحوط.

ويحتمل كونها أحد فردي الواجب المخيّر فيه ، وان لم يكن واجبا معيّنا ، للأصل ، وعدم ظهور الاخبار في الوجوب ، ولذا اشتمل أكثرها على المندوب مثل الزيارات المندوبة إجماعا ، ورفع الصوت ، وعدم ظهور كون فعله صلّى الله عليه وآله لبيان الواجب مع ظهور صحيحة معاوية (٣) في عدم وجوب الزائد ، لأنّه قد تم التلبيات الأربع قبل (انّ الحمد) فهو (فهن خ ل) أوّل الكلام ويؤيّده عدم

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب الإحرام الرواية ١ ولا يخفى ان لبيك في هذه الرواية أيضا خمس كما في التهذيب والاستبصار والوسائل فراجع.

(٢) في النسخة المطبوعة بعد قوله (فمع احتمال وجوب هذه التلبيات) هكذا : وعدم وجود المختار والأتمّ في خبر أصلا ، تركها بالكلية وجعل غيرها أتم ، محل التأمل ، وهم اعلم ، ولكن فيهما ، لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك ، ولمّا مرّ ورودهما في الاخبار الكثيرة ، مع اختيار البعض لها حتى المصنف في بعض كتبه على ما سمعتهن ، الظاهر الآن إلخ.

(٣) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب الإحرام الرواية ٢.

١٩٩

للمتمتع والمفرد ، ويتخيّر القارن بين عقده بها ، وبالاشعار المختص بالبدن (١) أو التقليد المشترك

______________________________________________________

اشتمال انّ الحمد على تلبية من الأربع ، وتحقق التوحيد قبله ، ووجودها في تلبية المرسلين ، فصدق أنّه لبّى بها المرسلون وان زاد فيه شيئا استحبابا.

وبالجملة الأصل مع ما تقدم دليل قوى ، والخروج عنه وإيجاب الزائد بمجرد هذه القرائن مشكل.

فالظاهر ان الأولى (٢) مجزية كما اختاره في الدروس والشرائع وشرحه في النافع (٣) أيضا.

والثانية التي مذكورة في الاخبار ـ وقد ذكرناها ـ تامّة ، وأحوط ، فلا يترك.

والثالثة المشتملة على تمام المندوبات ـ من قوله : لبيك لبيك ذا المعارج الى آخره ـ أتم لا المشهور في أكثر الكتب ، هذا.

قوله : «للمتمتع والمفرد» متعلق ب (يجب) باعتبار كون التلبية فاعلا له ، معناه تجب التلبية على التعيين ، لا التخيير لهما فقط ، دون القارن ، فإنه مخير بينها وبين الاشعار والتقليد.

والظاهر أن مراده الإشارة الى أنّ إحرامهما لا ينعقد الّا بها ، وإحرام القارن ينعقد بها وبأحدهما أيضا فكان أحدهما شرطا واجبا لانعقاد الإحرام ، فلا يتحقق الإحرام بدونها ، ولا ينعقد إلّا بأحدها ، بمعنى أنّه لا يترتّب أثر الإحرام عليه من تحريم محرمات الإحرام ، ووجوب الكفارة وغيرهما الّا به ، وقبله يجوز ارتكاب محرماته من غير كفارة ، وان غسل (اغتسل ظ) ولبس ثيابه ، بل وان نوى أيضا

__________________

(١) البدن جمع بدنة : بمعنى ـ الإبل ـ سميت بذلك لعظم بدنها وجثتها

(٢) اى التلبيات الأربع.

(٣) هكذا في جميع النسخ ولعل الصواب ومختصرها النافع.

٢٠٠