مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٦

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٦

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ الشهيد ره.

وان عدم القضاء هنا لصحة العبادة وفعلها ، لما يفهم من الأخبار ، من حصول الأجر عليها ، وانه قضى فريضة الله ، فليس سقوط القضاء لاستبصار ، وجبّ الايمان ما سبق والّا فلا معنى للأجر والثواب ، والإتيان بفريضة الله تعالى ، والخروج عن واجبات الله ، بل لا معنى للتعليق على الفعل أصلا ، فكيف على الفعل بشرط عدم الإخلال بالرّكن ، كما اعتبره الأصحاب.

وأنّها تدل على صحة العبادات ، ولو لم تكن منقولة على الوجه الذي ذكروه ، بمجرد موافقة الإتيان لما في نفس الأمر ، وهو واضح ، بناء على اشتراط الإتيان بالأركان عندنا وعدم الإخلال بها.

وأنّها تدل على إسلام هذه الجماعة ، والّا فلا معنى لصحّة عباداتهم وخروجهم عن عهدة فريضة الله تعالى والأجر عليها ، وكذا على أنّهم غير مخلّدين في النار ، فتأمل ، وهو ظاهر.

فالمراد بالناصب الذي ورد في الروايات (١) هو المخالف للحق فقط ، لا الكافر المبغض لأهل البيت عليهم السّلام ، وهذا الإطلاق في الروايات كثير ، ولذا ورد انّ الزّيدي ناصب (٢) وغير ذلك.

وأمّا الناصب بمعنى المبغض والعدو لأهل البيت فهو كافر لان بغضهم (نعوذ بالله) كفر ، لأنّه إنكار للضروري ، والمجمع عليه ، وللأخبار (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من أبواب وجوب الحج.

(٢) راجع الوسائل الباب ٥ من أبواب المستحقّين للزكاة الرواية ٥

(٣) راجع الوسائل الباب ٢٩ من أبواب مقدمة العبادات الرواية ١ عن محمد بن مسلم ، قال أبو جعفر عليه السّلام : كل من دان الله عز وجل بعبادة يجهد فيها نفسه ، ولا امام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحيّر (الى ان قال) : وان مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق (الى غيرها من الروايات).

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

فالظاهر عدم صحة عباداتهم بوجه ، فيحتمل القضاء كالمرتد ، لعموم أدلته ، وعدمه كالكافر الأصلي ، لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله (١).

ويحتمل كونهم أيضا مثل غيرهم من المخالفين في عدم القضاء ، ولهذا قال المصنف في المنتهى : المخالف من أهل القبلة ، ولم يقيّده بالإسلام ، وقد مرّ في الروايات أيضا كذلك ، فتأمل.

وامّا ما يدلّ على وجوب القضاء عليهم فيمكن حمله على الاستحباب ، لما تقدم من الروايات الصحيحة من عدم الإعادة والحجّ أحبّ الىّ ، وهي رواية أبي بصير ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : لو أنّ رجلا معسرا أحجّه رجل كانت له حجته ، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج ، وكذلك الناصب ، إذا عرف ، فعليه الحج ، وان كان قد حجّ (٢).

مع انّ في الطريق (٣) علي بن أبي حمزة ، والظاهر أنّه البطائني الضعيف ، وأبا بصير أيضا هو يحيى ، لان عليّا قائده ، وفيه أيضا قول بالضعف.

ويمكن حمله على الناصب الحقيقي ، وإيجاب القضاء عليه كالمرتد.

وكذا رواية علي بن مهزيار قال : كتب إبراهيم بن محمد بن عمران الهمداني الى ابى جعفر عليه السّلام انى حججت وانا مخالف وكنت صرورة فدخلت متمتعا بالعمرة إلى الحج قال : فكتب إليه : أعد حجّك (٤) مع أنها مكاتبة ،

__________________

(١) رواها علي بن إبراهيم في تفسيره ص ٣٨٨ مرسلا في ذيل قوله تعالى (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (بني إسرائيل ٩٠).

(٢) ذكر في الوسائل صدر الرواية في الباب ٢١ من أبواب وجوب الحج الرواية ٥ وذيلها في الباب ٢٣ من تلك الأبواب الرواية ١.

(٣) سندها على ما في الكافي : عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد وسهل بن زياد جميعا عن احمد بن محمد بن ابى نصر عن علي بن أبي حمزة عن ابى بصير.

(٤) الوسائل الباب ٢٣ من أبواب وجوب الحج الرواية ٦.

١٠٢

وليس للمرأة ولا للعبد الحج تطوّعا بدون اذن الزوج والمولى

______________________________________________________

وفي الطريق سهل بن زياد (١).

وعموم أدلة القضاء ـ على من فاتته (٢) على تقدير تسليم شمولها لما نحن فيه ـ يخصص بما مرّ من الأخبار.

وبالجملة الظاهر عدم وجوب اعادة العبادات التي فعلها المخالف من أهل القبلة ، بشرط الصحة ، إمّا على مذهب الحق ، أو على مذهبه ، لظاهر الروايات المتقدمة (٣) وكذا قبول توبته ، وصيرورته مؤمنا ، مقبول الايمان والعبادة ، تفضلا من الله ورحمة.

قوله : «وليس للمرأة إلخ». عدم جواز حج التطوع للمرأة إلّا بإذن زوجها ظاهر ، لانّ حقه عليها واجب ، وبالحج يفوت ، ولا يجوز إسقاط الواجب بالمندوب ، وما يستلزم ترك الواجب فهو حرام ، قال المصنف في المنتهى : ولا نعلم فيه خلافا.

ويفهم منه ان الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضدّه ، فافهم.

ويدل عليه أيضا ما روى (صحيحا) في الفقيه عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال : سألته عن المرأة الموسرة قد حجّت حجّة الإسلام فتقول لزوجها أحجّني (مرة أخرى قيه) من مالي ، إله أن يمنعها من ذلك قال : نعم ويقول لها حقي عليك أعظم من حقك علىّ في هذا (ذاقيه) (٤).

والظاهر ان المعتدة الرجعيّة بحكم الزوجة ، في عدم اشتراط اذن الزوج ، في حج الإسلام ، والظاهر انه بالطريق الأولى ، كأنه لا خلاف فيه.

ويدل عليه أيضا ، مثل رواية منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد الله

__________________

(١) والسند كما في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن مهزيار إلخ.

(٢) راجع الوسائل أبواب قضاء الصلوات الباب ١ ـ ٢ ـ ٦.

(٣) الوسائل الباب ٢٣ من أبواب وجوب الحج.

(٤) الوسائل الباب ٥٩ من أبواب وجوب الحج الرواية ٢ وفي التهذيب عن ابى الحسن عليه السّلام.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام عن المطلقة تحج في عدّتها؟ قال : ان كانت صرورة حجّت في عدّتها وان كانت قد حجّت فلا تحجّ حتى تقضى عدتها (١).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال : المطلقة تحج في عدتها

واما رواية معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : لا تحجّ المطلقة في عدّتها فحملها المصنف ـ في المنتهى بعد إثبات الحكم الأوّل ـ على التطوع ، للجمع بين الأخبار.

واعلم أنّ ظاهر كلامه فيه ، أنّه يجوز لها الحجّ تطوعا باذن الزوج ، حيث قال : المعتدة رجعيّة بحكم الزوجة ، لأنّ للزّوج الرجوع في طلاقها ، والاستمتاع بها ، والحجّ يمنعه من حق الاستمتاع ، لو راجع ، فيقف على إذنه ، ثم استدل بالخبرين المتقدمين (٢).

وذلك محل التأمل ، لوجوب العدة في منزلها ، وعدم جواز الخروج لها ، الّا مع الضرورة ، كما هو المذكور في محله ، وسيجي‌ء ، ولا ضرورة في الحج ندبا ، وان اذن الزوج ، فليس المانع منحصرا في عدم اذن الزوج ، وليس في الأخبار دلالة على ذلك ، بل ظاهر خبر معاوية (٣) وان حمل على التطوع ـ عدم الجواز مطلقا ، اذن الزوج أم لا ، ورواية منصور (٤) صريحة في عدم جواز التطوع حتى تنقضي العدة ، إذ لو جاز باذنه لم تكن الغاية غاية.

ويؤيّده ، أنّ الشيخ في زيادات التهذيب صرّح بذلك مستدلا عليه

__________________

(١) أوردها واللتين بعدها في الوسائل في الباب ٦٠ من أبواب وجوب الحج الرواية ٢ ـ ١ ـ ٣.

(٢) وهما روايتا معاوية ومنصور المتقدمتان.

(٣) وقد تقدمتا.

(٤) وقد تقدمتا.

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بصحيحة أبي هلال ، عن ابى عبد الله عليه السّلام في التي يموت عنها زوجها ، تخرج الى الحج والعمرة ، ولا تخرج التي تطلق ، لأنّ الله تعالى يقول «وَلا يَخْرُجْنَ» الّا أن تكون طلّقت في سفر (١) وابى هلال مجهول.

لعل مقصود المصنف انه إذا جاز لها الحج تطوعا ، لا يجوز إلّا بإذن زوجها.

وانّهم ذكروا عدم الفرق ـ بين حجّ الإسلام وحجّ واجب قضاء ، ومندوب ، أو نحوه بإذنه أو سابقا على الزوجيّة ـ في عدم الاحتياج إلى اذن الزوج ، والروايات دالة على الأوّل فقط.

مثل صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن امرأة لها زوج وهي صرورة ، ولا يأذن لها في الحج ، قال : تحج وان لم يأذن لها (٢).

وصحيحة عبد الرّحمن بن ابى عبد الله عن الصادق عليه السّلام ، قال : تحج وان رغم أنفه (٣).

وما في صحيحة محمد ، (كأنّه ابن مسلم) عن ابى جعفر عليه السّلام ، قال : لا طاعة له عليها في حجة الإسلام (٤).

ولعله لا قائل بالفرق وأنّ الظاهر أنّ علته وجوب الحج ، فتأمل.

وعلى تقدير كونه موسّعا ، فيحتمل ان لها المبادرة إليه ، بغير أذنه ، كما في الصّلاة في أوّل الوقت وتعجيل قضاء الصّلاة والصوم الواجب المطلق ، ويحتمل

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب وجوب الحج الرواية ٤ أقول والآية الشريفة في سورة الطلاق الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ٥٩ من أبواب وجوب الحج الرواية ٤.

(٣) الوسائل الباب ٥٩ من أبواب وجوب الحج الرواية ٥.

(٤) الوسائل الباب ٥٩ من أبواب وجوب الحج عن محمد (يعنى ابن مسلم) عن ابى جعفر عليه السّلام قال : سألته عن مرأة لم تحج ولها زوج وأبى ان يأذن لها في الحج فغاب زوجها فهل لها أن تحج؟ قال : لا اطاعة له عليها في حجة الإسلام (الرواية ١).

١٠٥

ولا يشترط للمرأة المحرم الّا مع الحاجة ، ولا اذن الزوج في الواجب

______________________________________________________

العدم حتى يتضيق ، للأصل ، والجمع بين الحقين ، ولعدم صحة القياس ، والدليل إلا في المضيق ، فتأمل.

وممّا مرّ يعلم عدم جواز حج العبد إلّا بإذن مولاه ، بالطريق الأولى ، وكأنّه لا خلاف عند الأصحاب في عدم صحة حجّه من دون اذن مولاه ، وعدم انعقاد إحرامه حينئذ بل يبقى محلّا.

وكذا عدم الوجوب عليه مطلقا ، لما مرّ من اشتراط الحرية فيه ، لمثل (مثل خ ل) صحيحة فضل بن يونس عن ابى الحسن موسى عليه السّلام ليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق (١) ولا يدل عليه الأخبار الدالة على وجوب الحج عليه بعد العتق (٢) وقد تقدمت.

نعم لو هاياه مولاه ، ووسع زمان نوبته للحج ، أو العمرة ، أو الطواف فقط ، فيمكن جوازه له ندبا ، إذا لم يحصل ضرر في نوبة المولى.

قوله : «ولا يشترط للمرأة المحرم الّا مع الحاجة ، ولا اذن الزوج في الواجب» قال في المنتهى : شرائط وجوب الحج على الرجل هي بعينها ، شرائط في حق المرأة من غير زيادة ، فإذا كملت الشرائط وجب عليها الحج ، وان لم يكن لها محرم ، ذهب إليه علمائنا اجمع.

فدليل عدم اشتراط المحرم ، هو الإجماع ، وظاهر الآيات (الآية ظ) فإنها تفيد الوجوب بمجرد الاستطاعة ، وقد فسرت في الأخبار المتقدمة (٣) بالزاد والراحلة ، وعموم الأخبار الدالة على وجوب الحج وعلى الترغيب والترهيب في الحج (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من أبواب وجوب الحج الرواية ٢.

(٢) راجع الوسائل الباب ١٦ من أبواب وجوب الحج.

(٣ ـ ٤) راجع الوسائل الباب ٨ و ٩ وغيرهما من أبواب وجوب الحج.

١٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وخصوص صحيحة معاوية بن عمار ، قال : سئلت أبا عبد الله عليه السّلام عن المرأة تحج بغير ولى؟ قال : لا بأس الحديث (١).

وصحيحة صفوان الجمال قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام قد عرفتني بعملي ، تأتيني المرأة أعرفها بإسلامها وحبّها إيّاكم ، وولايتها لكم ، ليس لها محرم؟ قال : إذا جائت المرأة المسلمة فاحملها فإن المؤمن محرم المؤمنة ، ثم تلا هذه الآية «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» (٢).

ولا يبعد اشتراط المحرم على تقدير الاحتياج ، وعدم أمانتها والخوف على البضع ونحوه لضرورة وجوب حفظ البضع ، والعرض.

ويدلّ عليه أيضا ، رواية أبي بصير عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن المرأة أتحج بغير وليّها؟ فقال : نعم ان كانت مأمونة تحج مع أخيها المسلم (٣).

ورواية عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن المرأة تحج بغير محرم؟ فقال : إذا كانت مأمونة ولم تقدر على محرم فلا بأس بذلك (٤).

قوله : ولم تقدر ، يدل على البأس مع وجود القدرة ، فكأنّه محمول على الاستحباب ، والكراهة ، وبالجملة لا تحتاج الى المحرم ، الّا مع الضرورة.

والظاهر ان للزوج على تقدير اشتراط المحرم منعها حتّى يوجد ، وانه لا يجب (يوجب خ ل) على الزوج ، وسائر المحارم الذهاب معها ، وان بذلت ما يحجّ به ، والزيادة ، وهو ظاهر.

وانّ أجرة المحرم على تقدير الاحتياج من مؤنة حجّها ، وداخل في

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٨ من أبواب وجوب الحج الرواية ٣.

(٢) الوسائل الباب ٥٨ من أبواب وجوب الحج الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ٥٨ من أبواب وجوب الحج الرواية ٥.

(٤) الوسائل الباب ٥٨ من أبواب وجوب الحج الرواية ٦.

١٠٧

ويشترط في النذر ، البلوغ والعقل والحرّية ، ولو اذن المولى انعقد نذر العبد ، وكذا الزوج والزوجة

______________________________________________________

استطاعتها ، وهو ظاهر ، فبدونها أو مع وجودها وعدم المحرم لا يجب ، بل يمكن عدم ـ الجواز ، فتأمل.

قوله : «ويشترط في النذر البلوغ والعقل إلخ» وجه اشتراط البلوغ والعقل ـ في انعقاد مطلق النّذر وشبهه ـ ظاهر ، وادعى عليه الإجماع في المنتهى ، وكذا الحرّية ، واذن المولى في المملوك ـ في انعقاد نذر الحج ونحوه ممّا يستلزم تفويت منفعة ـ ظاهر.

وامّا غيره (١) فكأنه للإجماع المركب ، أو لأنه تصرف في نفسه ، وهو مملوك ، وممنوع عن ذلك ، وقد مرت الإشارة إليه في بعض الاخبار ، وسيجي‌ء أيضا في كتاب الايمان.

مثل صحيحة منصور بن عازم عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا يمين لولد مع والده ولا للمملوك مع مولاه ولا للمرأة مع زوجها ولا نذر في معصية ولا يمين في قطيعة (٢).

ولا فرق بين النذر واليمين على الظاهر ، وفي الأخبار اشارة اليه.

ومنه علم اشتراط نذر الولد أيضا بإذن والده وسيجي‌ء تحقيقه ان شاء الله تعالى.

وأشار بقوله : «ولو اذن إلخ» الى ان الشرط امّا الحريّة أو اذن المولى ، والظاهر انّ المراد انه لو اذن قبل النّذر ، وامّا لو أجاز بعد نذره ، فالظاهر عدم الانعقاد ، لانه وقع حين وقوعه باطلا ولغوا ، لا اثر له ، وعود الأثر غير ظاهر ، مع

__________________

(١) اى غير المستلزم لتفويت منفعته.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أبواب كتاب الايمان الرواية ٢.

١٠٨

ولو مات بعد استقراره قضى من الأصل

______________________________________________________

احتمال الانعقاد ، لاحتمال عدم بطلانه ، بل يكون موقوفا وأمثاله كثيرة ، ولعل في قول المصنف ـ في المنتهى : فلو نذر كان لموليه ان يفسخ النذر إلخ ـ اشارة اليه.

والبحث في نذر الزوجة كالبحث في المملوك ، ويحتمل أن يكون اشتراط نذرها باذن الزوج مخصوصا فيما إذا استلزم تفويت منافع الزوجيّة ، فيصح نذر تصدقها ونحوه ، مع احتمال المنع مطلقا ، لما مرّ (١) ولما ورد في بعض الروايات الصحيح عدم جواز عتقها وتصدقها إلّا بإذن الزوج ، لعله محمول على استحباب الاستيذان ، وكراهة فعلها ، إلّا بإذن الزوج.

وهي صحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلّا بإذن زوجها إلّا في حج أو زكاة أو برّ والديها أو صلة قرابتها (رحمها خ ل) (٢).

والمطلقة الرجعيّة كالزوجة ، بخلاف البائنة ، والمتوفى عنها زوجها ، فان لهما الحج تطوعا ، وغيره ، والنذر ونحوه ، ونذر الأمة المزوّجة موقوف على إذنهما.

وأمّا توقف نذر الولد ـ على اذن الوالد في الحج وغيره ـ فغير ظاهر في الخبر ، فكأنه لذلك ما ذكره المصنف هنا وقد مرّ أنفا (٣) وفي كتاب الصوم البحث عنه فتذكر ، وسيجي‌ء ان شاء الله تعالى.

قوله : «ولو مات بعد استقراره إلخ». أي لو مات ناذر الحج ـ أو حالفه أو عاهده بعد استقرار وجوب الحج عليه ، لاستكمال شرائط انعقاد النذر وشبهه فيه ،

__________________

(١) في صحيحة منصور المتقدمة.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من كتاب النذر والعهد الرواية ١.

(٣) في صحيحة منصور المتقدمة.

١٠٩

ويقسط التركة عليها (١) وعلى حجة الإسلام وعلى الدين بالحصص

______________________________________________________

ومضى زمان يمكن الحج فيه من غير مانع شرعي ـ يجب ان يقضى عنه من أصل تركته

لعل دليله أنّه واجب مالي فيجب إخراجه من الأصل ، كحج الإسلام ، والزكاة ، وسائر الديون ، فلو ضاقت التركة عن الكل تقسط ، وتخصص على الكل هذا ظاهر كلامه.

وفيه بحوث (الأوّل) ان وجوب القضاء غير ظاهر ، لعدم الدليل ، ولا يسلّم كونه واجبا ماليّا محضا حتى يجب القضاء ، بل كان عبادة واجبة على ان يفعلها ببدنه ، فلما مات سقطت ، والقضاء عنه يحتاج الى دليل ، والقياس غير مقبول

ثم على تقدير التسليم ، فالإخراج عن الأصل أيضا ممنوع ، ولا دليل إلّا في حجة الإسلام ، والديون ، وليس ذلك شيئا منها ، والقياس مردود.

وما يدل على أن ليس للميّت الّا ثلث ماله مؤيّد لعدم الوجوب من الأصل ، وكذا ما في صحيحة ضريس المتقدمة : (ويخرج من ثلثه ما يحج به عنه للنذر) (٢) وقد مرّ البحث فيه ، فتذكر ، وهو ثقة ، لأنه قيّد في الفقيه بأنه الكناسي ، وهو ثقة.

وبالجملة لو وجد هنا نص فيتبع ، والّا فالأصل مع ما تقدم ، مستمسك قوى ، ولا احتياط في الإيجاب على الورثة خصوصا الأطفال ، نعم الأحوط لهم فعل ذلك مع القابليّة.

(والثاني) ان التقسيط غير ظاهر ، لتقدم حجة الإسلام ، خصوصا مع تقدم سببها ، ولهذا أوجبوا تقديمها مع الاجتماع ، ويدل على عدم التقسيط وتقدم حجة

__________________

(١) أي يقسط التركة على الحجة المنذورة.

(٢) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب وجوب الحج الرواية ١ ومتن الرواية هكذا : واخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره وقد وفى بالنذر الحديث.

١١٠

وان عيّنه بوقت تعيّن ، فان عجز فيه سقط ، وان أطلق توقّع المكنة لو عجز.

______________________________________________________

الإسلام ، ما في رواية ضريس المتقدمة.

(والثالث) انه لا يظهر للتقسيط وجه لان معناه ان ينظر الى الديون واجرة مثل الحج بعد ضيق التركة عن وفاء الكل ، ويقسم التركة عليهما بالنسبة ، فيلزم عدم كفاية أجرة مثل الحج له ، الّا ان يقال قد يوجد من أخذ أقل من اجرة المثل تطوعا ، نعم ذلك واضح ، إذا كان الواجب من بلد الميت ، أو بلد الموت ، إمّا الوصية (لوصيّته خ) بذلك ، أو على القول به ، مطلقا ، فتأمل.

قوله : «وان (لو خ ل) عيّنه إلخ». أي لو عيّن زمان حجّه في نذره وشبهه تعيّن ، ولزم فعله في ذلك الزمان بعينه مع الإمكان ، وذلك ظاهر ، لوجوب الإيفاء بالعهد والنذر بالكتاب والسنة والإجماع (١).

ولو لم يفعل حينئذ قيل يجب القضاء والكفارة ، ووجوبه غير ظاهر ، لعدم الدليل ، والقضاء لا بدّ له من دليل جديد ، الّا ان يكون إجماعا.

نعم دليل وجوبها ظاهر ، لثبوت الكفارة لخلف النذر وشبهه ، كأنه بالإجماع ، وبعض الآيات والأخبار (٢) مع ما فيها من الاختلاف كما مرّ وسيجي‌ء.

واما لو لم يتمكن لعذر شرعي مثل ان مرض في ذلك الزمان حتى فات ، أو منعه عدو ، سقط بلا قضاء ، وكفارة ، لعدم تحقق الوجوب.

وان لم يعيّن وجب مطلقا ، وهو مخيّر في اختياره في أحد الأزمنة الصالحة.

__________________

(١) أمّا الكتاب فقوله تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (الاسراء ٣٧) وأمّا السنة فراجع الوسائل الباب ٢٥ من كتاب النذر.

(٢) أمّا الآية ففي سورة المائدة ٨٩ ـ وأمّا الأخبار ففي الوسائل الباب ٢٣ من أبواب الكفارات.

١١١

ولا يجزى عن حجة الإسلام ، وبالعكس

______________________________________________________

والظاهر انه يستحب التعجيل ، لعدم دليل الفورية ، وأدلة استحباب المسارعة إلى الخيرات (١) لو لم يتعين ، حتى يظن الضيق ، بأنه لو لم يفعله لم يتمكن فيما بعد ، بالموت ونحوه ، فلو ترك حينئذ فالبحث في القضاء كما مرّ ، وكذا في لزوم الكفارة.

ولو لم يتمكن ، ويتوقع المكنة ، ولو لم تحصل حتى مات ، تبيّن عدم الوجوب ، فلا قضاء ، ولا كفارة.

قوله : «ولا يجزى عن حجة الإسلام إلخ» لو نذر المستطيع (٢) أو غيره حجا ،

__________________

(١) والدليل على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) الآية (الحديد ٢١) وقوله تعالى (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) (البقرة ١٤٣) ومن السنة الأخبار الواردة في ذلك المقام في الوسائل (راجع أبواب فعل المعروف من كتاب الأمر بالمعروف).

(٢) وحاصل مرامه قده في هذا المضمار ، انه لو قصد بنذره خصوص حج الإسلام ، فواضح عدم لزوم تعدد الحجّتين ، ولو قصد بنذره غير حج الإسلام ، فواضح أيضا لزوم التعدد.

وأمّا لو لم يقصد أحدهما ففي وجوب التعدد وعدمه قولان ، (أحدهما) لزوم التعدد ، وهو قول الأكثر ودليلهم أصالة تعدد المسببات بتعدد الأسباب.

(ثانيهما) كفاية الحج الواحد ، إمّا بان يقصد حج النذر فيكفي عن حجة الإسلام ، وهو قول الأكثر أيضا ، أو العكس على احتمال ودليل هذا القول أمور.

١ ـ ما مرّ من أدلة التداخل في بحث الغسل (ص ٧٨ ج ١).

٢ ـ أصالة عدم التعدد.

٣ ـ أصالة البراءة.

٤ ـ صدق حج النذر على حج الإسلام ، بمعنى أنه لو أتى بالمنذور ، يصدق أنّه حج حجّة الإسلام أيضا ، ودعوى انصراف النذر الى غير حجة الإسلام ـ خلاف الأصل ، لا دليل عليها ، ومجرد كون حج الإسلام واجبا بأصل الشرع ، لا يصلح للشاهدية على هذه الدعوى.

٥ ـ عدم الحاجة في تعدد المسبب ـ على تقدير تسليم أصالة تعدد المسبب بتعدد السبب ـ الى تعدد الحج

١١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فان قصد حج الإسلام وجب ذلك بالنذر أيضا ، على القول بتعلق النذر ـ بالواجبات ، فيلزم الكفارة ، وزيادة عقاب ، لو ترك اختيارا ، حتى مات.

ولو قصد غيره يجب حجا (حج ظ) آخر ، ويجب فعله بعد حج الإسلام ، على تقدير كونه مستطيعا حال النذر.

وظاهر عبارات الأصحاب ـ مثل المصنف في المنتهى ـ وجوب تقديم حج الإسلام مطلقا ، وان تقدم سبب وجوب النذر ، حيث أطلق وجوب (تقديمه خ) من غير تقييده بالسبق ، وكأنه للتأكيد فيه ، وفوريّته وأصالته ، دون المنذور ، وذلك غير بعيد ، الّا فيما إذا عين زمانا للنذر ، واتفق فيه الاستطاعة.

ويمكن ان يقال حينئذ بتقديم المنذور لسبق سببه ، وصلاحية باقي الأزمنة لحج الإسلام ، أداء ، بخلاف المنذور ، وباشتراط بقاء الاستطاعة إلى العام المقبل ، لعدم القدرة حينئذ.

__________________

واقعا بل يكفى ترتب آثار المسبب المتعدد ، ولو كان في ضمن فرد واحد من الحج ، بلحاظ الأوصاف المتعددة ، كترتب ثواب حج النذر وثواب حج الإسلام عند الموافقة ، وترتب عقابهما عند المخالفة ، نظير سائر المنذورات الواجبة لو لا النذر حيث يترتب على موافقتها آثار الواجب الأصلي والعرضي ، وآثار تركهما كالعقاب على أصله ووجوب الكفارة على تركه.

(٦) صدق الإتيان بالمنذور أيضا على تقدير نيّة حج الإسلام.

(٧) قبول دعوى الإتيان بالمنذور لو ادعاه الناذر ، بعد إتيان حج الإسلام.

(٨) الأخبار الصحيحة الآتية.

(٩) كفاية إسكات الخصم ـ الذي يدعى لزوم إتيان حج النذر مستقلا ومنفردا ـ بقوله : أنا نذرت ، والذي أتيت به من حج الإسلام من أكمل أفراد الحج.

وهذا كله إذا لم يكن في كلام الناذر قرينة مقاليّة أو حاليّة أو فهم عرف بحيث يراد منه التعدد والّا فالمتبع ما يستفاد من القرينة.

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ويحتمل عدم الاشتراط ، لكون المانع من المكلف ، فهو بمنزلة من ترك الحج في عام الاستطاعة ، فاستقر في الذمة ، والأوّل أظهر.

وأن يقال بتقديم حج الإسلام ، لما مرّ ، وعموم الآية ، والأخبار في الوجوب مع الاستطاعة مطلقا وحينئذ يمكن سقوط المنذور ، وعدم وجوبه ، لعدم صلاحيّة الزمان المعيّن له ، فكأنّه غير قادر في الزمان المعين.

ويحتمل وجوبه في عام آخر لوجوبه بالنذر لحصول الشرائط ، ومنع المانع عن الزمان ، فصار زمانه بعد ذلك الزمان ، والأوّل هنا أيضا أظهر.

وامّا لو لم يقصده ، بل قصد حجّا مطلقا ، بحيث يمكن صدقه على حج الإسلام ، فظاهر كلام الأكثر وجوب الحجتين مع الاستطاعة ، وعدم إجزاء نية كل واحد عن الآخر ، مع تقديم حجّة الإسلام مطلقا.

ودليلهم لزوم تعدد المسبب عند تعدد الأسباب ، ولا شك أنّ النذر سبب مستقل ، وكذا الاستطاعة التي هي شرط ، وسبب لوجوب حج الإسلام ، والأصل عدم التداخل.

ويحتمل التداخل لما مرّ من أدلته (١) في بحث الغسل (٢) فتذكر ، ولأن الأصل عدم التعدد ، وبراءة الذمة ، وصدق الحج على حج الإسلام ، فهو فرد من افراد المنذور كغيره ، وصرف النذر الى غيره ، ـ وإخراجه عن افراد الماهية المنذورة ـ خلاف الأصل ، يحتاج الى دليل ، ووجوبه بأصل الشرع لا يصلح لذلك ، على

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من أبواب الجنابة ففي رواية حريز عن زرارة. فإذا اجتمعت عليك حقوق اجزاءها عنك غسل واحد (الرواية ١).

(٢) راجع المجلد الأوّل ص ٧٨.

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

القول بجواز نذر الواجب الذي هو المنصور لعموم أدلة النذر (١) وعدم صلاحية الواجبيّة للمنع.

وهذا (٢) البحث بعينه آت في نذر صوم وصلاة ، يثبت تعدد السبب ، لانه ما ثبت تحقق السبب في غير المسبب من الأوّل ، لأنّه صالح لكونه مسببا عنه أيضا ، ولمه انه ليس في الحقيقة سبب وموجد ، ومسبب ومعلول ، بل معرفات وعلامات ، ولا امتناع في تعدده ، ولهذا لو قصد حج الإسلام ، لم يتعدد ، ويتحد من غير لزوم محذور ، إذ لا امتناع لقول الشارع حجّ حجّ الإسلام لكونك مستطيعا ، وناذرا له فيكون كل واحد منهما علامة للعلم بأنّ الشارع طلب الحج من المكلف.

على انه قد يلتزم تعدد المسبب أيضا ، في فرد واحد ، باعتبار أوصافه ، مثل حصول ثواب خاص على فعل حج ، من حيث حج الإسلام ، وعقاب خاص على تركه من تلك الحيثية ، وثواب آخر من حيث النذر ، والعقاب والكفارة على تركه ، فكأنه واجبان ، فتأمل.

ولانه يصدق على من حجّ حجّ الإسلام ، انه حجّ ، وما كان الواجب عليه غير الحج ، فاتى بالمنذور ، وخرج عن العهدة واوفى بالنذر (وللأخبار الصحيحة

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب كتاب النذر والعهد.

(٢) نقول : حاصل مفاد هذا الكلام ، ان تعدد السبب انما يقتضي ويوجب تعدد المسبب في الأمور الطبيعية ، لا في الأسباب الشرعيّة ، فإنّها غير مؤثرة في مسبباتها تأثيرا حقيقيّا ، كتأثير العلل الحقيقيّة في معلولاتها ، لعدم كون الأسباب الشرعيّة عللا حقيقيّة ، بل انما هي من قبيل المعرفات والعلامات التي لا تؤثر في أصل وجود المعرفات (بالفتح) وذي العلامات ، مثلا دلوك الشمس ، وميلها الى الحاجب الأيمن ، وزيادة ظل الشاخص ، كلها علامات لوجوب الصلاة المأمور بها بقوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) الآية ، لا أنّها أسباب وعلامات حقيقيّة ، وهكذا المثال الذي ذكره الشارح قده بقوله : ولأنه يصدق على من حجّ ، حج الإسلام إلخ

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الآتية ، وهي صحيحة محمّد وصحيحتا رفاعة خ).

ولأنّه لو ادعى ذلك لقبل.

ولأنّه لو قال الناذر انا (انّما خ) نذرت حجّا ، وهذا حج ، بل أكمل افراده فقد أفحم (١) المعنى بعدم الإجزاء ، فتأمل.

نعم لو كان هناك عرف أو قرينة دالة على وجوب صرفه الى غير حج الإسلام ، ـ غير كونه واجبا ، أو يكون الناذر قائلا بعدم تعلق النذر بالواجب يتعدد.

وبالجملة فالمدار على الناذر ، وكلامه ، فلو كان بحيث يشمل كلامه للحج لغيره أيضا لبرأ ذمته بالحج عن الغير ، ويؤيّده ما يقبل في الإقرار والوصايا من التأويلات البعيدة ، وإمكان قصده ذلك في الجملة ، وحمل الكلام عليه ، لأصل البراءة ، والاحتمال ، والصدق في الجملة ، وتتمة رواية رفاعة (٢) الآتية صريحة في ذلك.

فحينئذ لا يبعد الاكتفاء بحج النذر بنيّته عن حج الإسلام دون العكس ، كما قال به الشيخ ره في النهاية على ما نقل في المنتهى عنه ، لان حج الإسلام لا يحتاج الى قصد انه حج الإسلام ، مع فعله على هيئته ، من دون قصد ما ينافيه ، بخلاف النذر ، فإنه أمر نادر ، وله سبب من جهة المكلف ، فيجب قصده ، لئلا يمحض لحج الإسلام الذي هو أقوى ، مع اجتماعه معه ، ووجوب تقديمه ، وفوريّته.

ولانّ الظاهر عدم الخلاف ، في عدم جواز الاكتفاء بنيّة حج الإسلام عن حج النذر ، إذ لا يعلم القائل به ، فإن القائل بالأوّل ، هو الشيخ مع نقل منعه من العكس فتأمل.

__________________

(١) يقال كلّمته حتّى افحمته. إذا اسكته في خصومة أو غيرها (مجمع البحرين).

(٢) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب وجوب الحج الرواية ٣.

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فان في الفرق تأملا ، ولو وجد القائل بعدم الفرق لكان القول به جيدا.

والظاهر أنّ مجرد خطور النذر وحج الإسلام بالبال ـ بمعنى عدم الغفلة عنهما في الجملة عند الفعل ـ كاف في النية ، كما مرّ الإشارة إلى مثله (١) في بحث نية الوضوء ، والصلاة ، وغيرهما ، والله يعلم ، والاحتياط طريق السلامة ، فلا يترك لو أمكن.

ويؤيّده (٢) ما نقل في المنتهى : احتجاج الشيخ بصحيحة رفاعة بن موسى (الثقة) قال : سئلت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن رجل نذر أن يمشى إلى بيت الله الحرام هل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال : نعم ، قلت : (أرأيت يب) ان حج عن غيره ولم يكن له مال ، وقد نذر أن يحج ماشيا ، أيجزي عنه ذلك (من مشيه يب)؟ قال : نعم (٣).

وروى محمد بن مسلم أيضا أوّل الرواية إلى قوله : قلت (٤) في زيادات التهذيب ، ورفاعة أيضا صحيحا ، في أوائل الحج (٥) وتتمتها أيضا فقط صحيحا ، في باب النذر.

ثم قال (في المنتهى) : والجواب ، يحتمل ان يكون النذر تعلق بكيفيّة الحج لا بنفسه ، ونحن نقول به إلخ ، ويؤيّده أنّه قال : نذر ان يمشى ، وما قال : أن يحج ونحوه.

__________________

(١) راجع ص ٩٨ من المجلد الأوّل.

(٢) اى ويؤيد كفاية حجة الإسلام عن النذر.

(٣) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب وجوب الحج الرواية ٣.

(٤) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب وجوب الحج الرواية ١.

(٥) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب وجوب الحج الرواية ٣.

١١٧

ولو نذره ماشيا وجب ، فان ركب متمكنا أعاد وعاجزا يتوقع المكنة مع الإطلاق ، ومع التقييد يسقط.

______________________________________________________

والظاهر أن المراد من (نذر ان يمشى إلى الحج) هو الحج ماشيا ، بل الحج مطلقا ، لأنّه المتبادر ، ولأنّ ذلك غنى عن السؤال ولأنّه قال يجزيه عن حجة الإسلام ، والمشي ما يجزى عن حجة الإسلام ، وحذف المضاف تأويل غير محتاج اليه لعدم المعارض ، ويؤيّده تتمة الحديث فإنّه يدل على نذر الحج ماشيا ، لا المشي فقط على أنّه قد سلّم تداخل المشي المنذور في المشي الواجب لحج الإسلام ، فينبغي تسليم المدعى (١) من غير ارتكاب غير ضروري فتأمل.

وكذا يبعد حملها على المشي المنذور في حج الإسلام ، لعدم القيد ، وكذا حملها على الحج وقصده حج الإسلام ، فإنّه تأويل غير محتاج إليه فتأمل.

واعلم أنّه يمكن استفادة إجزاء كل واحد عن الآخر ، وان كانت في الأوّل أظهر ، فتأمل.

قوله : «ولو نذره ماشيا وجب إلخ.» ينبغي عدم النزاع في وجوب الحج ، ووجوب المشي فيه ، لو نذر الحج ماشيا.

ونقل في الإيضاح : الإجماع على وجوب الحج لو نذره ماشيا ، ونقل الخلاف فيه وفي غيره في وجوب المشي وبنى الوجوب على أفضليّة المشي.

وهو غير واضح لعموم أدلة الإيفاء بالنذر ، وأنّهما عبادتان ، لأنّ الحج عبادة بغير شك ، والمشي فيه كذلك.

لما في صحيحة عبد الله بن سنان ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : ما عبد الله بشي‌ء أشد من المشي ولا أفضل (٢) ، وهذه تدل على أفضليّة المشي (في) الى

__________________

(١) اى اجزاء حج النذر عن حج الإسلام.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب وجوب الحج الرواية ١.

١١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

جميع العبادات مثل الزيارات ، وصلة الرحم ، والدرس ، والصلاة في المسجد ، وغيرها.

وما في صحيحة الحلبي ، قال : سئلت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن فضل المشي؟ فقال : الحسن بن على عليهما السّلام ، قاسم ربّه ثلاث مرّات ، حتى نعلا ونعلا وثوبا وثوبا ودينارا ودينارا وحج عشرين حجة ماشيا على قدميه (١).

ولعل معناه انّه (عليه السّلام) قسم أمواله مع الفقراء وفي سبيل الله ثلاث مرّات حتى أنّه أخذ نعلا وثوبا وأعطى الفقراء كذلك.

وفي رواية أخرى عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : ما عبد الله بشي‌ء أفضل من المشي (٢).

فالظاهر أنّه أفضل من الرّكوب.

وما يدل على أفضليّة الركوب ـ مثل رواية رفاعة ، قال : سئل أبا عبد الله عليه السّلام رجل ، الرّكوب أفضل أم المشي؟ فقال : الركوب أفضل من المشي ، لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ركب (٣).

وما في رواية سيف التمار عن ابى عبد الله عليه السّلام (في حديث) تركبون أحب الىّ ، فان ذلك أقوى على الدّعاء والعبادة (٤).

ورواية عبد الله بن بكير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : إنّا نريد الخروج إلى مكة (مشاة كا) فقال : لا تمشوا واركبوا ، فقلت أصلحك الله أنّه بلغنا أنّ الحسن بن على عليهما السّلام حج عشرين حجة ماشيا؟ قال : انّ الحسن بن على

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب وجوب الحج الرواية ٣.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب وجوب الحج الرواية ٤.

(٣) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب وجوب الحج الرواية ١.

(٤) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب وجوب الحج الرواية ٥ وهي قطعة من الرواية.

١١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام كان يمشى وتساق معه محامله ورحاله (١).

فليس بصحيحة صريحة ، فان في الأولى (٢) حسن بن على وهو مشترك ، وان كان الظاهر انه الوشاء وفي الثانية (٣) سيف التمار ، وهو مشترك ، وان كان الظاهر انه ابن سليمان الثقة وفي الثالثة (٤) عبد الله بن بكير ، وهو فطحي.

ويحتمل حملها على من يضعف عن الدعاء والعبادة ، كما يشعر به الثانية.

وعلى استصحاب المركوب لاحتمال ان يضعف ، فيركب ، أو يركب الغير ويصرف المال كما يدل عليه الثانية.

ويؤيّده (٥) حجّة عليه السّلام عشرين حجة وكثرة الاخبار على ذلك (٦) مع الصحّة ، وكذا عموم أفضل الأعمال أحمزها (٧) وما اغبرت قدم في سبيل الله الّا دخلت الجنة (٨) وصحيحة الحسن بن على عن هشام بن سالم قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب وجوب الحج الرواية ٦ رواها في الكافي والتهذيب على اختلاف فراجع.

(٢) وسندها كما في التهذيب هكذا : احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي عن رفاعة.

(٣) وسندها كما في التهذيب هكذا : موسى بن القاسم عن ابن ابى عمير عن سيف التمار.

(٤) وسندها كما في التهذيب هكذا : موسى بن القاسم عن صفوان عن عبد الله بن بكير.

(٥) اى يؤيد كون المشي أفضل.

(٦) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب وجوب الحج.

(٧) في حديث ابن عباس أفضل الأعمال أحمزها ، اى أشقها وأمتنها وأقواها (مجمع البحرين) وفي النهاية (في لغة حمز) في حديث ابن عباس ، سئل رسول الله صلّى الله عليه (وآله) أيّ الأعمال أفضل؟ فقال : أحمزها.

(٨) مسند احمد بن حنبل ج ٣ ص ٣٦٧ وص ٤٧٩ وج ٥ ص ٢٢٥ وص ٢٢٦ وسنن الدارمي ج ٢ كتاب الجهاد ص ٢٠٢ (باب في فضل الغبار في سبيل الله) ومتن الحديث هكذا : من اغبرت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار أو حرّمه الله على النّار.

١٢٠