مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٦

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٦

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وما في صحيحة عبد الله بن سنان ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : سمعته يقول : لا تمس الريحان وأنت محرم الحديث (١).

وصحيحة معاوية بن عمار ، عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : اتق قتل الدواب كلّها ولا تمس شيئا من الطيب ، ولا من الدهن في إحرامك واتق الطيب في زادك (طعامك خ ل) وأمسك على أنفك من الريح الطيبة ، ولا تمسك من الرّيح المنتنة فإنّه لا ينبغي لك ان تتلذذ بريح طيبة ، فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فعليه غسله ، وليتصدق بقدر ما صنع (٢).

صحتها غير ظاهرة وان قالها في موضع من المنتهى : روى الشيخ في الصحيح إلخ ، لوجود إبراهيم (٣) وهو مشترك بين كثيرين ، كأنّه النخعي المجهول للتصريح بالوصف في التهذيب ، ولهذا ما سماها بها في موضع آخر من المنتهى ، وان كانت صحيحة في الكافي (٤).

وحسنة الحلبي عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : المحرم يمسك على انفه من الريح الطيبة ، ولا يمسك على انفه من الريح الكريهة (الخبيثة) (٥).

__________________

أمثاله كما يشهد به التتبع والاستقراء وقد نبهنا في تضاعيف ما سلف نظائر له وأشياء تقرب من الأمر هيهنا ما يحتمل ان يستبعد والعلامة جرى في هذا الموضع على عادته فلم يتنبه للخلل بل قال في المنتهى والمختلف : ان في الطريق عبد الرّحمن بن سيابة ولا يحضره حاله والعجب من قدم هذا الغلط واستمراره فكأنّه من زمن الشيخ (انتهى).

(١) الوسائل الباب ١٨ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١٠.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٩.

(٣) سند الرواية (على ما في التهذيب) هكذا : موسى بن القاسم عن إبراهيم عن معاوية بن عمار إلخ.

(٤) والسند (في الكافي) هكذا : علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان وابن ابى عمير عن معاوية بن عمار إلخ وليس فيه قوله عليه السّلام : اتق قتل الدواب كلها.

(٥) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثلها صحيحة هشام بن الحكم (١) والاخبار الدالة على تحريم الادهان قبل الإحرام بالأدهان التي تبقى رائحتها إلى حين الإحرام (٢) وكذا الأخبار الصحيحة الكثيرة الدالة على عدم جواز تقريب الطيب الى المحرم إذا مات.

مثل رواية ابن أبي حمزة عن ابى الحسن عليه السّلام ، في المحرم يموت ، قال : يغسل ويكفن ، ويغطى وجهه ، ولا يحنّط ، ولا يمس شيئا من الطيب (٣).

ومثل ما في صحيحة علا عن محمد (كأنه ابن رزين) وابن مسلم (الثقتان) عن الباقر عليه الصلاة والسّلام غير أنّه لا يقرّبه طيبا (٤).

وقد مرّ في بحث غسل الميّت أيضا بعضها (٥).

وقال في المنتهى : مثل الحلال الّا أنّه لا يقربه الطيب والكافور أصلا إجماعا فادّعى الإجماع في المحرم الميت ، والظاهر أنّه لإحرامه ففي الحيّ بالطريق الأولى فتأمل.

وبالجملة الأخبار الدالة على عموم تحريم الطيب كثيرة جدا.

وأمّا ما يدل على تحريم الأربعة كما هو مذهب كتابي الأخبار ظاهرا فهو الأصل والاستصحاب.

ورواية معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : انما يحرم عليك

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١ بالسند الثالث.

(٢) راجع الوسائل الباب ٢٩ من أبواب تروك الإحرام.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من أبواب غسل الميت الرواية ٧.

(٤) الوسائل الباب ١٣ من أبواب غسل الميّت الرواية ٤ ومتن الرواية هكذا : عن علا عن محمد عن ابى جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال : يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال ، غير أنّه لا يقربه طيبا.

(٥) راجع المجلد الأوّل من الكتاب ص ١٩٥.

٢٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

من الطيب أربعة أشياء المسك والعنبر والورس والزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح (١).

ورواية سيف عن منصور عن ابن ابى يعفور عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : الطيب ، المسك والعنبر والزعفران والعود (٢).

ورواية سيف قال : حدثني عبد الغفار قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : الطيب ، المسك والعنبر والزعفران والورس (٣).

وجه دلالة الأخيرتين ظاهر ، لأنّه قد علم بهما حصر الطيب في الأربعة شرعا فلا يكون المراد بالحرام والمنهي عنه من الطيب الا هذه الأربعة ، وظهر وجه ذكرهما (٤) الأصحاب رحمهم الله في باب ما يجب على المحرم اجتنابه.

فقول الشيخ في الاستبصار ـ بعد الجمع بين الاخبار بحمل العام على الخاص أو حمل ما يدل على نهى (٥) عن غيرها على الكراهة على (٦) ان الخبرين الأخيرين ليس فيهما أكثر من الاخبار بان الطيب أربعة أشياء وليس فيهما ذكر ما يجب على المحرم اجتنابه ويحل له الى قوله : وانّما تأولنا هما بما ذكرناه لما وجدنا أصحابنا رحمهم الله ذكروا الخبرين في أبواب ما يجب على المحرم اجتنابه ، والا فلا يحتاج مع ما قلناه إلى تأويلهما ـ بعيد (٧) ولا يخلو عن تأمل.

والعجب ان المصنف أيضا نقله في المنتهى وقواه وما أجاب عن أدلة

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١٤.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١٥.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١٦.

(٤) أي الأخيرتين.

(٥) هكذا في جميع النسخ.

(٦) هذا مقول قول الشيخ قده.

(٧) قوله قده بعيد خبر لقوله فقول الشيخ.

٢٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الشيخ قال : هذه خلاصة ما ذكره الشيخ والأقرب الاعتماد على المشهور من تحريم الطيب على عمومه.

كأنّه اكتفى بالظهور وبتأويل المفهوم من الإستبصار بأن المراد حصر الأغلظ وهو بعيد جدا.

نعم يمكن ان يقال في سند الأولى (١) إبراهيم النخعي وهو مجهول وفي سند الثانية سيف المشترك ، ومنصور كذلك ولهذا ما سميت هذه الاخبار بالصحة والحسن وان كان الغالب أنّهما ابن عميرة وابن حازم والسيف المشترك موجود في الثالث أيضا ، مع عبد الغفار كذلك مع الاختلاف.

فانّ العود غير مذكور إلا في الثاني بدل الورس مع عدم ذكر الكافور في شي‌ء منها ، مع وجوده في اخبار غسل المحرم ، وفي قوله في النهاية أيضا ، ونقل الإجماع في المنتهى على تحريم الطيب مطلقا على المحرم ، وندرة القول به حتى أنّ الظاهر من تأويل الإستبصار القول بالمشهور والرجوع عن ذلك كالمبسوط على ما نقله في المنتهى ، ومثل هذه الأمور يضعف الاستدلال وبالجملة مع عدم ظهور صحة السند ، القول بها فقط بعيد ، ومعه قوي فتأمل.

إذا عرفت هذا فالظاهر تحريم استعمال الطيب للمحرم شما ولمسا وأكلا ، وقد ادعى الإجماع في المنتهى على ذلك ، ويدل عليه الاخبار.

مثل رواية عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : سمعته يقول : لا تمس الريحان وأنت محرم ولا تمس شيئا فيه زعفران ولا تأكل طعاما

__________________

(١) سند الأولى كما في التهذيب هكذا : موسى بن القاسم عن إبراهيم النخعي عن معاوية بن عمار وسند الثانية هكذا : موسى بن القاسم عن سيف عن منصور عن ابن ابى يعفور وسند الثالثة موسى بن القاسم عن سيف قال حدثني عبد الغفار.

٢٨٤

الّا خلوق الكعبة (١) والفواكه.

______________________________________________________

فيه زعفران ولا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك (٢).

فيها إشارة إلى تحريم تغطية الرأس لعله مخصوص بالرجال.

وما في صحيحة معاوية بن عمار (في حديث) واتق الطيب في زادك (٣).

وما في صحيحة حريز ولا يمس المحرم شيئا من الطيب ولا الرّيحان ولا يتلذّذ به (٤) وقد تقدمتا.

وكذا لا يجوز له افتراش المطيب والنوم عليه والجلوس ، ولعل فيما تقدم من الاخبار دلالة ما عليه فافهم.

وقد استثنى خلوق الكعبة قيل : أخلاط من الطيب فيه (منه خ ل) الزعفران ولا يبعد ارادة كل ما يجمر (يبخر خ ل) به الكعبة ولهذا جوز الجلوس عندها ، وهي تجمر ، كالجلوس عند العطارين ، كما نقل في المنتهى عن الشيخ عن الشافعي ، وقال : انّه جيّد لأنّهم عليهم السّلام جوزوا خلوق الكعبة.

ولكن ينبغي عدم قصد التلذذ برائحتها ويدل على جواز مطلق رائحتها حينئذ ما سيجي‌ء من جواز المرور والجلوس عند العطارين وعدم قبض الأنف فتأمل.

قال في المنتهى : ذهب إليه (أي إلى استثناء خلوق الكعبة) علمائنا اجمع.

ويدل عليه صحيحة حماد بن عثمان قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن خلوق الكعبة وخلوق القبر يكون في ثوب الإحرام فقال : لا بأس بهما (به يب)

__________________

(١) قال في المسالك : الخلوق بفتح الخاء المعجمة أخلاط خاصّة من الطيب منها الزعفران

(٢) روى صدر الرواية في الباب ١٨ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١٠ وذيلها في الباب ٥٨ من تلك الأبواب الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٩.

(٤) الوسائل الباب ١٨ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١١.

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

هما طهوران (١).

وكذا الإذخر (٢) وما أشبهه من النبات والفواكه.

قال في المنتهى : النبات الطيب على ثلاثة أضرب : أحدها ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه كنبات الصحراء من الشيخ والقيصوم والخزامى والإذخر والفواكه كلّها من الاترج والتفاح والسفر جل وأشباهه وما ينبته الآدميّون لغير قصد الطيب كالحنأ والعصفر فهذا كله مباح شمّه ولا يجب به فدية باتفاق العلماء (٣).

ويدل عليه أيضا صحيحة معاوية بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : لا بأس ان تشم الإذخر والقيصوم والخزامى والشيح وأشباهه وأنت محرم (٤).

وصحيحة ابن ابى عمير عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن التفاح والأترج والنبق وما طابت ريحه؟ فقال : يمسك على شمّه ويأكله (٥).

ورواية عمار الساباطي قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن المحرم أيتخلل؟ قال : نعم لا بأس به قلت له أيأكل الا ترج؟ قال : نعم قلت له فانّ له

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٣.

(٢) وفي الحديث ذكر الإذخر بكسر الهمزة والخاء نبات معروف عريض الأوراق طيّب الرائحة (مجمع البحرين).

(٣) انتهى كلام المنتهى.

(٤) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١.

(٥) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٣ والنبق في الرواية ، بفتح النون وكسر الباء وقد تسكن ، ثمرة السدر (مجمع البحرين).

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

رائحة طيبة؟ فقال : ان الأترج طعام وليس هو من الطيب (١).

وكذا يشعر به ما يدل على استثناء الحنّاء مثل صحيحة عبد الله بن سنان انه سأل أبا عبد الله عليه السّلام عن الحنّاء فقال : انّ المحرم ليمسّه ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، وما به بأس (٢).

ومع ذلك يمكن كون كل ذلك مكروها اختيارا ويشعر به رواية أبي الصباح الكناني عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن امرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحنّاء قبل ذلك؟ قال : ما يعجبني ان تفعل (٣).

ومكاتبة إبراهيم بن سفيان (قال : كتب إبراهيم) الى ابى الحسن عليه السّلام المحرم يغسل يده بأشنان فيه الإذخر؟ فكتب لا أحبّه لك (٤).

وهذه مع ظهور صحة سندها في الفقيه ظاهرة في كراهة الإذخر المستثنى بالإجماع والخبر الصحيح المتقدم (٥).

فلا يبعد كون غيره من النبات والفاكهة كذلك لإشعار تحريم التلذذ على المحرم فيما تقدم إليه (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٦ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٢ وأورد صدرها في الباب ٩٢ من تلك الأبواب الرواية ٣.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ٢٣ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١

(٤) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٣ وفي الفقيه : كتب إبراهيم بن سفيان الى ابى الحسن عليه السّلام إلخ.

(٥) أي صحيح معاوية بن عمار المتقدم آنفا.

(٦) اى قوله عليه السّلام في رواية معاوية وحريز المتقدمتين : لا ينبغي لك ان تتلذذ ، ولا يتلتذذ.

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا في تحريم الريحان فيما تقدم اشارة اليه فتأمل ، وان قال في المنتهى : الريحان الفارسي لا تجب به الفدية ، وفيه تأمل ، لما تقدم.

وقال أيضا : الثالث ما ينبته الآدميّون للطيب ولا يتخذ منه طيب كالرّيحان والمرز مرزنجوش والنّرجس فهل يجب فيه الفدية فيه خلاف قال قوم إلخ.

الّا ان يقال يحرم شمّه ولكن لا تجب الكفارة والفدية وهو بعيد ، لأنه إذا أحرم يحرم ، لكونه طيبا ، فيجب عليه حينئذ ما يجب في الطيب فتأمل.

وأيضا قال (في تحريم القسم الثاني من النبات) : والثاني ما يقصد شمّه ويتخذ منه الطيب كالياسمين والورد والنيلوفر والظاهر ان هذا يحرم شمّه.

لعل دليله صدق الطيب عرفا فتأمل في الفرق بينها وبين الريحان وأمثاله مع التصريح بالمنع في الاخبار عن الريحان والتلذذ فتأمل.

وقد استثنى أيضا من الاستعمال ، استعماله بان يزيله من الثوب كأنه بالإجماع والضرورة.

ولصحيحة ابن ابى عمير عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام في المحرم يصيب ثوبه الطيب قال : لا بأس بأن يغسله بيد نفسه كذا في الكافي وفي التهذيب ان يمسحه بيده أو يغسله (١).

قال في المنتهى : ولو احتاج الى الماء للإزالة والطهارة ولا يكفي إلّا أحدهما يختار الإزالة لوجود البدل فيها دون الإزالة.

والظاهر أنه مع الحاجة الى لبسه مثل كونه من ثوبي الإحرام وتعيينه وعدم إمكان إزالته إلّا بالماء الموجود.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٢ و ٣ هكذا في التهذيب ولكن في الكافي عن ابى عبد الله عليه السّلام.

٢٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومع ذلك فيه تأمل لأن البدل مشروط بعدم الماء بالنص والإجماع وصدق العدم حينئذ غير ظاهر وكونه بمنزلة المعدوم شرعا فرع وجوب صرفه في الإزالة ووجوب الإزالة حينئذ غير ظاهر ، فلا يبعد ترجيح الطهارة لأن دليل وجوب الطهارة بالماء أقوى من دليل وجوب ازالة الطيب ، فيمكن كون التصرف فيه أولى فتأمل فيه

وأيضا قد استثنى شمّه إذا مرّ بين العطارين ولا يجب الإمساك على أنفه للأصل وللسهلة.

ولما في صحيحة هشام بن الحكم (الثقة) عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : سمعته يقول : لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ولا يمسك على انفه (١).

والظاهر عدم الخصوصية بما بين الصفا والمروة كما يشعر به ريح العطارين والظاهر انّ أحدا ما فرق.

ولا يبعد استحباب الإمساك على الأنف وكراهة الشم لما مرّ من عموم المنع عن الطّيب وخصوصا ما في صحيحة معاوية بن عمار (في حديث) ، وأمسك على انفك من الريح الطيبة ولا تمسك من الريح المنتنة (٢).

ومثله ما في حسنة الحلبي (٣) وصحيحة هشام بن الحكم (٤) المتقدمين.

ويؤيده أيضا ما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة بعد قوله : وأمسك إلخ من قوله : ولا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة (٥).

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٩.

(٣) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١ بسند الكافي.

(٤) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١.

(٥) الوسائل الباب ١٨ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٨ ـ ٩.

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّه مشعر بكون المنع ، من التلذذ وقصد ذلك ، فلو قصد المار أيضا ذلك فلا يبعد تحريمه عليه أيضا فيكون الجائز المكروه ـ مع القدرة على التحرز ـ هو ما يصل الى شمّه من غير قصده ذلك والتلذذ به وينبغي ان يكون كارها لذلك.

وقد جمع الشيخ بينهما (بينها خ ل) بالحمل على الجواز والاستحباب أو على المباشر وغيره من الذي يمرّ بين يدي الطيب مطلقا (١).

فالظاهر جواز الجلوس عندهم أيضا على ذلك الوجه والأولى الاجتناب الّا مع الضرورة.

والقبض على الأنف حينئذ مثل عدم القبض عن الرائحة المنتنة لما ورد (٢) من المنع في الاخبار الصحيحة المتقدمة.

والظاهر عدم تحريم ذلك وعدم النهي عن ذلك ، كأنّه يقول : انما يجب عليك ان تمسك عن الرائحة الطيبة لا عن الرائحة المنتنة لأنّه المتبادر من تلك الاخبار على فهمي.

ويؤيّده قوله عليه السّلام : (ولا ينبغي ان يتلذذ) فإنّه يدل على ان المقصود ـ من المنع من الرائحة الطيبة وعدم المنع من المنتنة ـ هو عدم التلذذ ، وذلك موجود في قبض الأنف من المنتنة وعدمه ، ولا شك ان الأولى عدم القبض عنها ، اتباعا

__________________

(١) قال الشيخ في الاستبصار : فأمّا ما رواه يعقوب بن يزيد ـ عن ابن ابى عمير عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : سمعته يقول : لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ولا يمسك على انفه ـ فلا ينافي خبر معاوية بن عمار الذي قال فيه : يمسك على انفه من الرائحة الطيبة ، لشيئين أحدهما ان يكون الأمر بالإمساك على الأنف إنّما توجه الى من يباشر ذلك بنفسه فإنه ينبغي له ان يمسك على أنفه فإذا كان مجتازا في طريق فتصيبه الرائحة فلا يجب عليه ذلك والوجه الآخر ان نحمل الأمر بالإمساك على الأنف على ضرب من الاستحباب وهذا على الجواز (أبواب ما يجب على المحرم اجتنابه باب الطيب).

(٢) تعليل لقوله قده : الأولى الاجتناب.

٢٩٠

والاكتحال بالسّواد ، والنظر في المرآة.

______________________________________________________

لظاهر النصوص.

قوله : «والاكتحال بالسواد ، والنظر في المرآة». هو رابع المحرمات وخامسها ، قال في المنتهى : أجمع علمائنا على أنّه لا يجوز للمحرم ان يكتحل بما فيه طيب ، سواء كان رجلا أو امرأة ، ويدل عليه أيضا ما تقدم من المنع من الطيب في الجملة.

وصحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام (في التهذيب) قال : لا بأس ان تكتحل وأنت محرم بما (ما خ ل) لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأمّا للزينة فلا (١) وهي حسنة في الكافي لإبراهيم (٢).

ورواية عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام ، يقول : يكتحل المحرم ان هو رمد بكحل ليس فيه زعفران (٣) وغيرهما من الاخبار.

وفيها مبالغة في عدم الجواز بما فيه زعفران للعلاج أيضا (٤)

وكذا نقل الإجماع فيه على عدم تحريم غير الأسود إذا لم يكن فيه طيب والخلاف في الأسود الذي ليس فيه طيب.

والظاهر عدم الخلاف في التحريم للزينة والجواز ، للعلة (لعله خ ل) ، للضرورة ، ولما تقدم من النهي عن تلذذ المحرم ولما في صحيحة معاوية بن عمار فأمّا للزينة فلا (٥) ولما سيأتي.

واختار هنا وفي المنتهى تحريم الأسود مطلقا لصحيحة معاوية بن عمار عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٨.

(٣) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٥.

(٤) راجع الوسائل الباب ٣٣ من أبواب تروك الإحرام.

(٥) رواها والثلثة التي بعدها في الوسائل الباب ٣٣ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١ ـ ٢ ـ ٤ ـ ٧.

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ابى عبد الله عليه السّلام قال : لا يكتحل الرّجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود الّا من علّة.

وصحيحة حريز عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، أنّ السّواد زينة (وهي حسنة في الكافي وصحيحة في التهذيب) وحسنة الحلبي عنه عليه السّلام قال : سألته عن الكحل للمحرم؟ قال : امّا بالسواد فلا ولكن بالصبر والحضض (١).

والظاهر عدم تحريم السواد إلّا للزينة كما هو مذهب البعض ، للأصل ، والإجماع على التحريم حينئذ ولما تقدم من الإشعار بأنّ سبب التحريم هو الزينة.

والظاهر أنّ سبب إطلاق تجويز الغير وعدم تجويزه في بعض الروايات هو كونه زينة وعدم كون الغير كذلك غالبا.

ويؤيّده قوله عليه السّلام فيما تقدم (انّ السواد زينة) وهو مشعر بأنّ غيره ليس بزينة وأنّ سبب تحريمه هو الزينة فينتفى مع انتفائها.

ويدل عليه أيضا حسنة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : المحرم لا يكتحل الّا من وجع وقال : لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فأمّا للزينة فلا (٢).

فانّ معناه جواز الاكتحال بما لم يكن فيه طيب لعدم الزينة ، وتحريمه لها.

وصحيحة زرارة عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : تكتحل المرأة بالكحل كلّه الّا الكحل الأسود للزينة (٣).

__________________

(١) يروى بضم الضاد الاولى وفتحها وقيل بظائين وقيل بضاد ثم ظاء دواء معروف قيل انه يعقد من أبوال الإبل (مجمع البحرين).

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٨.

(٣) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٣.

٢٩٢

والجدال وهو قول : لا والله وبلى والله ، والكذب.

______________________________________________________

وهذه صريحة في عدم تحريم غير الأسود والأسود إلّا للزينة.

والظاهر أنّ ما يدل على تحريم السواد مطلقا محمولة على الغالب من كونه للزينة فقط ويحتمل تحريم مطلق الاكتحال للزينة فلو لم يكن إجماع على أنّ غيره جائز للزينة أيضا لم يبعد القول بتحريمه أيضا للزينة كالأسود ، ولا يكون فرق بينه وبين غيره في التحريم والتحليل كما هو الظاهر ، لما تقدم من عليّة الزينة ، وأنّ الإطلاق لعدم الزينة إلّا فيه غالبا.

ويشعر ما يدل على تحريم النظر في المرآة أيضا فإنّه مقيّد بالزينة ، وهو خامس المحرمات

لما في حسنة حريز عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : لا تنظر في المرآة وأنت محرم لانّه من الزينة (الحديث) (١).

ومثلها رواية حماد عنه عليه السّلام.

وحسنة معاوية بن عمار ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : لا ينظر المحرم في المرآة للزينة (لزينة خ ل) فان نظر فليلب ولصحيحة عنه عليه السّلام أيضا : لا تنظر المرأة المحرمة في المرآة للزينة.

وما سيجي‌ء من عدم جواز الحليّ للزينة ولبس الخاتم لها كذلك فإطلاق (٢) المصنف ره والتقييد فيهما محل التأمل ، وهو اعرف.

قوله : «والجدال إلخ» هو السادس والسابع منها ، ودليل تحريمهما هو قول الله تعالى «وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ» (٣).

لعله يريد به في الإحرام مطلقا أو حال إحرام الحج ، ولا قائل بالفرق بين

__________________

(١) رواها في الوسائل والثلاثة التي بعدها في الباب ٣٤ تروك الإحرام الرواية ٣ ـ ١ ـ ٤ ـ ٢.

(٢) يعني إطلاق المصنف في كلامه في المسئلتين مع التقييد فيهما (أي في الاكتحال والنظر في المرآة) في الاخبار محل التأمل.

(٣) البقرة الآية : ١٩٧.

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إحرام الحج والعمرة.

وتظهر الدلالة على التحريم من صحيحة معاوية بن عمار ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله وقلة الكلام الّا بخير ، فأنّ من تمام الحج والعمرة ان يحفظ المرء لسانه الّا من خير ، كما قال الله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) ، (١) فالرفث الجماع والفسوق الكذب والسباب والجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله (٢).

ولا ينافي ذلك عدم وجوب الكون بتقوى الله ، وعدم وجوب ذكر الله ، وقلة الكلام واستحباب ذلك ، واستحباب حفظ اللسان الّا من خير.

لعل المراد بالسباب هو الكذب أيضا ، ويمكن ان يكون المراد هو ما يدل على انتقاص الغير والشتم كما يفهم من اللغة ومن شرح القواعد في أوائل كتاب التجارة ، والظاهر أنّه المفاخرة لما سيأتي ، ويفهم ذلك من الدروس ، لكن سكوت الأكثر عن السباب والمفاخرة وذكر الكذب فقط في هذا المقام اغنى عنه.

يدل على الأوّل صحيحة سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : في الجدال شاة وفي السباب والفسوق بقرة والرفث فساد الحج (٣).

وصحيحة علي بن جعفر قال : سألت أخي موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الرفث والفسوق والجدال ما هو؟ وما على من فعله؟ فقال : الرفث جماع النساء والفسوق الكذب والمفاخرة والجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله فمن رفث

__________________

(١) البقرة ١٩٧.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ١ روى صدرها في الباب ١ من تلك الأبواب الرواية ١.

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فعليه بدنة ينحرها وان لم يجد فشاة وكفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله وهو محرم (١).

لعل فيها إشارة الى ان السباب هو المفاخرة ويؤيده أن المفاخرة توجد تنقيص الغير وهو السباب.

وفي صحيحة معاوية بن عمار (في الفقيه) اتق المفاخرة (٢) وهو قريب مما تقدم.

وامّا سكوت الأكثر من ذكر السباب والمفاخرة فيدل على عدم (٣) فهم من الآية إلّا الكذب كما يفهم من بعض الاخبار (٤) في تفسيرها به فقط قال في المنتهى : والفسوق هو الكذب.

والظاهر ان الجدال المذكور في هذا الباب ما (ما لا خ) يتحقق الّا بقول : لا والله وبلى والله بسائر الايمان ، للأصل ، ولما مرّ.

ولما في صحيحة معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يقول : لا ، لعمري وهو محرم؟ قال : ليس بالجدال انما الجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله الحديث (٥).

والظاهر عدم الفرق بين الرجل والمرأة لما تقدم ، ولا ينافيه (٦) هذه لأن

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٤ روى صدرها في هذا الباب وذيلها في الباب ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع الرّواية ٤.

(٢) راجع الوسائل الباب ٣٢ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٥ (قطعة من الرواية).

(٣) هكذا في النسخ ولعل الصواب (فهمهم) بدل (فهم).

(٤) راجع الوسائل الباب ٣٢ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١.

(٥) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٣.

(٦) أي لا ينافي ما تقدم ، هذه الروايات المشتملة على لفظة (الرّجل).

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أكثر الاحكام على الظاهر في الرجل وقد يراد به المكلف هنا مطلقا.

قال المصنف في المنتهى : الأقرب ان الجدال يتحقق بواحدة منهما فإذا قال : لا والله أو قال : بلى والله يكون مجادلا فيكون المراد في التفسير ، الجدال قول : لا والله والجدال قول بلى والله.

وليس ببعيد فهمه عنه بل هو الظاهر.

الّا أنّه يفهم التعميم في القسم وكون المقسم عليه معصية لله تعالى من رواية أبي بصير (في الفقيه) قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن المحرم يريد ان يعمل العمل فيقول له أصحابه (صاحبه) : والله لا تعمله ، فيقول لأعملنّه ، فيخالفه مرارا ، فيلزمه ما يلزم صاحب الجدال (ما يلزم الجدال خ ل) فقال : لا انّما أراد بهذا إكرام أخيه إنّما يلزمه (انّما كان ذلك خ ل) ما كان لله عز وجل به فيه معصية (١).

قال في المنتهى : رواها ابن بابويه في الصحيح.

وهو غير ظاهر الصحة في الفقيه لأنّه روى ابن مسكان عن ابى بصير ، وما صح طريقه الى ابن مسكان (٢) مع أنّه مشترك بين الضعيف والثقة (٣) مثل ابى بصير.

ومضمونها خلاف المشهور بل القائل به غير معلوم والتعميم غير صريح.

ويمكن حملها على الاستحباب ، وعلى المبالغة باعتبار تخصيص المقسم

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٧ بطريق الصدوق.

(٢) طريق الصدوق قده الى عبد الله بن مسكان (كما في مشيخة الفقيه) هكذا : وما كان فيه عن عبد الله بن مسكان فقد رويته عن ابى ومحمد بن الحسن رضى الله عنهما عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن الحسين بن ابى الخطاب عن صفوان بن يحيى عن عبد الله بن مسكان ، ولا يخفى أنه ليس للصدوق طريق الى ابن مسكان غير هذا.

(٣) فإنه مشترك بين عبد الله بن مسكان الثقة ومحمد بن مسكان المجهول راجع ج ٢ ص ٢١٦ وج ٣ ص ١٨٤ من تنقيح المقال.

٢٩٦

وقتل هوامّ الجسد.

______________________________________________________

عليه ، لأنّها صحيحة في الكافي (١) فلا ينبغي طرحها.

يمكن صحتها في الفقيه أيضا بكون ابن مسكان هو عبد الله الثقة والطريق اليه صحيح لشهرته وعدم نقل رواية عن محمد وذكر طريقه.

وكأنّ أبا بصير هو ليث لكثرة روايته وكأنّ ذلك كلّه ظاهر عند المصنف حيث لا يلتفت الى الاشتراك ، وتسميتها صحيحة فتأمل.

وأما لزوم الكفارة وعدمها فسيجي‌ء في بحث الكفارات.

قوله : «وقتل هوام الجسد». ثامن المحرمات قتل هو أم الجسد أي الذي يقصد أكله ويؤذيه مثل القملة والبرعوث.

ولعل دليله بعض الروايات مثل صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه الصلاة والسّلام ، قال : إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلّها إلا الأفعى والعقرب والفارة الخبر (٢)

وصحيحة حماد بن عيسى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها؟ فقال : يطعم مكانها طعاما (٣).

ومثلها صحيحة محمد بن مسلم عنه عليه السّلام ، سألته عن المحرم ينزع القملة إلخ.

وهما تدلان على وجوب الكفارة في الإلقاء ، وهو مستلزم لتحريمه المستلزم لتحريم القتل.

ورواية حسين بن ابى العلاء عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : المحرم لا

__________________

(١) وسندها في الكافي هكذا : أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن عبد الله بن مسكان عن ابى بصير.

(٢) الوسائل الباب ٨١ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٢.

(٣) أوردها والاثنتين بعدها في الوسائل الباب ١٥ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ١ ـ ٢ ـ ٣.

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ينزع القملة عن جسده ولا من ثوبه متعمدا وان فعل (قتل خ ل) شيئا من ذلك خطا فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده.

وصحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : المحرم يلقى عنه الدواب كلها إلا القملة فإنّها من جسده فإذا (وان خ ل) أراد ان يحوّل قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه (١).

واعلم انه لا يستفاد منها تحريم قتل جميع هوام الجسد إذ شمول الاولى لها غير ظاهر لاحتمال كون المراد بالدواب ما يدب على الأرض عادة ، والظاهر انها ليست كذلك وان كان ظاهر صحيحة معاوية أن القمل دابّة وكذا اللغة والصحيحتان بعدها ليستا بصريحتين في تحريم القتل بل ولا في وجوب الكفارة لاحتمال الاستحباب.

على انهما مخصوصتان بالقمل واستلزام وجوب الكفارة للتحريم غير ظاهر ، ولهذا تجب في الخطاء مع عدم التحريم على ان في صحتهما تأمّلا ، لوجود عبد الرحمن المشترك (٢) وكأنّ المصنف يعرف كونه ثقة ولا ينظر الى اشتراكه ويسمّى الاخبار الكثيرة بالصحة مع ذلك كما مرّ وسيجي‌ء فلا يحتاج الى التنبيه فتنبه.

ورواية حسين غير صحيحة والأخيرة الصحيحة صريحة في إلقاء غير القمل ويحتمل كراهة إلقائه ، الّا انه يمكن استخراج العلة عن عدم إلقاء القمل ويقاس عليه نحوه.

ويؤيد عدم تحريم الكل صحيحة عبد الله بن سنان (الثقة) قال : قلت لأبي

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٨ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٥.

(٢) سند الأولى (يعني صحيحة حماد بن عيسى كما في التهذيب) هكذا : موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن حماد بن عيسى وسند الثانية (يعني صحيحة محمد بن مسلم على ما فيه أيضا) هكذا : موسى بن القاسم عن ابى جعفر عن عبد الرحمن عن علاء عن محمد بن مسلم.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عبد الله عليه السّلام : أرأيت ان وجدت علىّ قرادا أو حلمة أطرحهما؟ قال : نعم وصغار لهما انّهما رقيا في غير مرقاهما (١).

ويؤيد الجواز مطلقا ، الأصل ، والاستصحاب ، وانه موذ يؤذى الإنسان ويضرّه.

وصحيحة معاوية بن عمار (ظاهرة فيه وفي الكراهة) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ما تقول في محرم قتل قملة قال : لا شي‌ء عليه في القملة ولا ينبغي ان يتعمد قتلها (٢).

فان عموم نفى شي‌ء يفيد نفى (٣) عدم الأتم والنهي أيضا وهو دليل الجواز ولفظة (لا ينبغي) ظاهرة في الكراهة فيمكن الجمع بين الاخبار بذلك.

ويؤيدها صحيحة معاوية بن عمار (في الفقيه) قال : لا بأس بقتل النمل والبق في الحرم وقال : لا بأس بقتل القملة في الحرم وغيره (٤).

فان ظاهرها عام للمحرم وغيره.

ورواية مرة مولى خالد قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن المحرم يلقى القملة؟ فقال : ألقوها أبعدها الله غير محمودة ولا مفقودة (٥) ولا يضر جهل حال مرة

وهكذا تحمل على الكراهة صحيحة معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : المحرم يحك رأسه فتسقط عنه القملة والثنتان؟ قال : لا شي‌ء عليه ولا يعود قلت : كيف يحك رأسه قال : بأظافيره ما لم يدم ولا يقطع الشعر (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٩ من أبواب تروك الإحرام الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ٦.

(٣) هكذا في جميع النسخ والظاهر زيادة كلمة (نفى) فتدّبر.

(٤) الوسائل الباب ٨٤ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٣.

(٥) الوسائل الباب ٧٨ من أبواب تروك الإحرام الرواية ٦.

(٦) الوسائل الباب ١٥ من أبواب بقية كفارات الإحرام الرواية ٥.

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

على أنّه يمكن ان يكون المراد نفى إعادة القملة إلى مكانها وعدم وجوبها على ما في الفقيه (ولا يعيدها).

وأن ظاهرها يدل على عدم البأس بوقوع القملة والّا كان ينبغي ان يكون عليه شي‌ء وهي تدل على عدم الحك بحيث يدمي أو يقطع الشعر.

وبالجملة ليس على التحريم دليل الّا ما يدل على وجوب الكفارة بكف من طعام وقد نفى وجوبها فيما تقدم صريحا ، وان لم يكن نفى الإثم ظاهرا فما بقي على التحريم دليل أصلا فتأمل.

وقال في التهذيب ـ بعد إثبات الكفارة بالأخبار المتقدمة ـ : فليس في هذه الروايات (اى صحيحتي معاوية ورواية مرة (١)) مخالفة لما قدمناه لأنّها وردت مورد الرخصة ، ويجوز ان يكون المراد بها من يتأذى بها ، فإنه متى كان الأمر على ذلك جاز له ذلك الّا أنّه يلزمه الكفارة حسب ما قدمناه وقوله عليه السّلام : (لا شي‌ء عليه) يريد به إذا فعل ذلك لا شي‌ء عليه من العقاب أو لا شي‌ء عليه معيّن كما يجب عليه فيما عدا ذلك من قتل الأشياء (٢).

وفيه تأمل إذ ما ثبت تحريمه بل غايته لزوم الكفارة فتخصيص الجواز بحال الأذى بعيد لا وجه له ، والتأويل الأوّل تخصيص يدل على عدم التحريم وهو ما ذكرناه والثاني أيضا غير مفهوم وغير جيّد لتعيين الكفارة في دليل الوجوب بالكف من طعام فتأمل.

فالظاهر جواز قتل الهوام سواء كان على البدن أو الثوب كما نقل في الدروس عن المبسوط وابن حمزة في قتله على البدن ويفهم من أحد تأويلي التهذيب كما مرّ.

__________________

(١) قد مرّت الإشارة إلى مأخذهما.

(٢) انتهى كلام التهذيب.

٣٠٠