ستة أشهر.
ومن نذر أن يصوم زمانا ، كذلك ، فليصم خمسة أشهر.
ومن نذر أن يعتق كلّ عبد له قديم في ملكه ، ولم يعيّن شيئا ، أعتق كلّ عبد قد مضى عليه في ملكه ستة أشهر فصاعدا.
ومن نذر أن يتصدّق من ماله بمال كثير وأطلق ذلك ولم يسمّه ، وأطلق ذلك ، من غير نيّة بمقدار ، وجب عليه أن يتصدّق بثمانين درهما ، ان كانت الدّراهم يتعاملون بها ، وعرفهم في بلدهم ، وان كانت الدّنانير هي الّتي يتعاملون بها ، وهي عرفهم في بلادهم (١) وجب عليه التصدّق بثمانين دينارا ، لقوله تعالى « لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ » (٢) وكانت ثمانين موطنا.
ومن نذر أن يحج ماشيا ، أو يزور أحد المشاهد كذلك ، فعجز عن المشي ، فليركب ، ولا كفارة عليه ، ولا سياق بدنة ، هذا رأى شيخنا المفيد (٣) وهو الصّحيح.
وقال شيخنا أبو جعفر ، فليسق بدنة (٤).
ومتى ركب من غير عجز كان عليه إعادة الحج أو الزيارة ، يمشي في الدّفعة الثانية ما ركب من الطريق في الأوّلة ، ويركب منها ما مشى ، هكذا رواه أصحابنا من طريق الأخبار (٥) قال محمّد بن إدريس « رحمهالله » : الذي ينبغي تحصيله في هذه الفتيا أن النذر المذكور للحج إذا كان في سنة معيّنة ، ونذر أن يحج فيها بشرط أن يقدر على الحج ماشيا ، ولم يقدر أن يمشى مارّا تلك السنة ، فلا يجب عليه المضي ، ولا القضاء في السّنة الثانية ، إذا قدر على المشي فيها ، لأن إيجاب ذلك في السّنة الثانية يحتاج الى دليل ، والقضاء فرض ثان يحتاج مثبتة إلى شرع ، والأصل براءة الذّمة من التكاليف ، وأيضا فشرط النّذر ما حصل ، فلا يجب مشروطه ، بغير خلاف
__________________
(١) ج. ل. بلدهم.
(٢) سورة التوبة ، الآية ٢٥.
(٣) المقنعة ، باب النذور ، والعهود ص ٥٦٥.
(٤) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب النذور ، ص ٢٥٠ ، والعبارة هكذا ، ومتى خرج راكبا وقد نذر المشي مع القدرة لزمه دم.
(٥) الوسائل ، الباب ٣٤ ، من أبواب وجوب الحج والباب ٨ من أبواب النذر والعهد.
في هذا ، فان كان النذر مطلقا ، لا في سنة بعينها ، فيجب عليه الحج إذا قدر على المشي ، أيّ سنة قدر على المشي ، فإن كان قد مشى بعضا وركب بعضا فلا يجزيه الحج تلك السّنة ، لأن شرط النّذر ما وجد ، فان حج السنة الثانية ، ومشى ما ركب من السّنة الأوّلة ، وركب ما مشى منها فلا يجزيه أيضا الحج ، لان شرط نذره ما حصل ، وإذا لم يحصل الشرط فلا يجب المشروط ، على ما بيّناه ، سواء كان ذلك عن عذر أو لم يكن ، ساق بدنة أو لم يسق ، على مقالتي شيخنا جميعا ، فهذا الذي يقتضيه الأدلّة وأصول مذهبنا ، ولا نرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد ، على ما حرّرناه في غير موضع.
وإذا أراد أن يعبر ناذر المشي في زورق نهرا فليقم فيه قائما ، ولا يقعد حتى يخرج إلى الأرض.
ومن نذر أن يخرج شيئا من ماله في سبيل من سبل الخير ، ولم يسمّ شيئا معيّنا ، كان بالخيار ، إن شاء تصدّق به على فقراء المؤمنين ، وان شاء جعله في حجّ ، أو زيارة ، أو في بناء مسجد ، أو قنطرة ، أو جسر ، أو وجه من وجوه البرّ ومصالح الإسلام.
وروى (١) انّه من جعل جاريته أو عبده أو دابّته هديا لبيت الله الحرام ، أو لمشهد من مشاهد الأئمة « عليهمالسلام » فليبع العبد أو الجارية أو الدابة ، ويصرف ثمنه في مصالح البيت أو المشهد ، أو في معونة الحاج ، أو الزائرين ، الذين خرجوا الى السفر وتناولهم اسم الحاج والزائرين ، ولا يجوز لأحد أن يعطى شيئا من ذلك لأحد منهم ، قبل خروجهم الى السّفر.
ومن نذر أن يصلي صلاة معروفة ، تطوعا ، في وقت مخصوص ، وجب عليه أن يصلّيها في ذلك الوقت ، في سفر كان أو حضر ، ليلا كان أو نهارا.
ومن نذر أن يتصدّق بدراهم على الفقراء ، أو في موضع مخصوص ، لم يجز له الانصراف الى غيره ، فان صرفها في غير ذلك الوجه كان عليه إعادتها.
__________________
(١) الوسائل ، الباب ٢٢ ، من أبواب مقدمات الطواف وما يتبعها.
ومن نذر أنّه متى رزق ولدا حج به ، أو حج عنه ، ثمّ مات الناذر ، وجب ان يحج بالولد ، أو عنه ، من صلب ماله الذي ترك ، لأنّه واجب عليه ، والحقوق الواجبة نخرج من صلب التركة ، قبل الوصايا والميراث.
وقد روى (١) أنّه من نذر في طاعة أنه يتصدّق بجميع ما يملكه ، وجب عليه الوفاء به ، غير أنه إذا خاف الضرر على نفسه في خروجه من جميع ما يملكه ، فليقوّم جميع ذلك على نفسه ، ثمّ ليتصدّق ممّا معه ، ويثبته ، الى ان يعلم انّه استوفى ما كان وجب عليه ، واستوعب جميع ماله ، وقد برئت ذمّته.
ومن نذر ولم يسم شيئا إن شاء صلّى ركعتين أو ركعة ، لأنّ صلاة ركعة واحدة عندنا صلاة شرعيّة وهي المفردة من الوتر ، وان شاء صام يوما ، وإن شاء تصدّق بدرهم فما فوقه أو دونه.
قال شيخنا في نهايته : ومن نذر أن لا يبيع مملوكا له ابدا فلا يجوز له بيعه ، وان احتاج الى ثمنه (٢).
وهذا غير واضح ولا مستقيم على أصول المذهب ، لانّه لا خلاف بين أصحابنا أنّ النّاذر إذا كان في خلاف ما نذره صلاح له ديني أو دنياوي فليفعل ما هو أصلح له ، ولا كفّارة عليه ، وما ذكره شيخنا وأورده خبر واحد ، لا يرجع بمثله عن الأدلة ، لأن اخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا.
ومن نذر في شيء فعجز عنه ، ولم يتمكن من الوفاء به ، لم يكن عليه شيء ، لقوله تعالى « لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها » (٣) وقد روى (٤) أنّه من نذر أن يحرم بحجة أو عمرة من موضع بعينه ، وان كان قبل الميقات ، وجب عليه الوفاء به.
فان كان على هذه الرواية إجماع منعقد ، والّا فالنذر غير صحيح ، لانّه خالف (٥) المشروع ، لانّه لا خلاف بين أصحابنا في أن الإحرام لا يجوز ولا ينعقد
__________________
(١) الوسائل ، الباب ١٤ ، من أبواب النذر والعهد ، ح ١.
(٢) النهاية ، كتاب الايمان والنذور ، باب أقسام النذور والعهود.
(٣) سورة البقرة ، الآية ٢٨٦.
(٤) الوسائل ، الباب ١٣ ، من أبواب المواقيت.
(٥) ج. خلاف.
لا من الميقات ، وبينهم خلاف في أنّه إن نذر أن يحرم قبل الميقات فهل يلزمه وينعقد نذره أم لا؟ فبعض يجيزه على هذه الرّواية ، وبعض لا يجيزه ، ويتمسك بالأصل والإجماع المنعقد.
فأمّا ما لا يجب الوفاء به من النّذر
فهو ان ينذر أنه متى لم يترك واجبا أو ندبا كان عليه كيت وكيت ، فليفعل الواجب أو الندب ولا شيء عليه ، وكذلك إن نذر أنه متى لم يفعل قبيحا كان عليه كيت وكيت ، فليترك القبيح ولا شيء عليه.
ومن نذر شكرا الله تعالى أنّه متى فعل قبيحا كان عليه كيت وكيت ، ثمّ فعل القبيح ، لم يلزمه الوفاء بما نذر ، لأنّ هذا نذر في معصية ، اللهم إلّا ان يكون جعل ذلك على نفسه ، على سبيل الكفّارة لما يرتكبه من القبيح ، فيجب عليه حينئذ الوفاء به ، لانّه صار نذرا في واجب ، وهو ترك القبيح.
ومن نذر أنه متى فعل واجبا أو ندبا ، أو قدم من سفر ، أو ربح في تجارة ، أو بريء ممن مرض ، وما أشبه ذلك ، شرب خمرا ، أو ارتكب فجورا أو قتل مؤمنا ، أو ترك فرضا ، فعليه ان يترك الواجب أو النّدب ، ولا كفّارة عليه.
ومن عاهد الله : ان يفعل واجبا أو ندبا وجب عليه الوفاء به ، فان لم يفعل كان عليه الكفّارة ، وكذلك ان عاهد الله على ان يفعل مباحا لا يترجح فعله على تركه ، فان عاهد على أن لا يفعل قبيحا أو لا يترك واجبا أو ندبا ، ثمّ فعل القبيح أو ترك الواجب والنّدب ، وجبت عليه الكفّارة ، ومن عاهد الله أن يفعل فعلا كان الاولى أن لا يفعله في دينه أو دنياه ، أو لا يفعل فعلا الاولى أن يفعله ، فليفعل ما الاولى به فعله ، وليترك ما الاولى به تركه ، وليس عليه في ذلك كفارة.
وقد قدّمنا أن النّذر لا ينعقد الّا أن يتلفظ النّاذر به ، ويكون على صيغة مخصوصة ، ويقارنه النيّة المتقرب بها اليه سبحانه ، ويكون في فعل واجب أو ندب أو ترك قبيح ، أو مباح لا يترجح فعله على تركه دينا أو دنيا ، وسواء كان معلّقا بشرط أو مطلقا عنه ، على الصحيح من أقوال أصحابنا وفتاويهم.
وقال شيخنا في نهايته : النذر هو ان يقول الإنسان إن كان كذا وكذا فلله علىّ كذا وكذا ، من صيام أو صدقة أو حج أو صلاة أو غير ذلك من أفعال البر ، فمتى كان ما نذر وحصل وجب عليه الوفاء بما نذر فيه (١).
فذكر رحمهالله النذر المشروط في هذا الكتاب ، اعنى كتاب النهاية ، ولم يذكر المطلق من النذر.
الّا انّه في مسائل خلافه يذهب إلى أنه ينعقد ، سواء كان مشروطا أو مطلقا ، ويناظر على ذلك ويستدلّ على صحته (٢) وهو الّذي اخترناه نحن ، لان العمل عليه ، وظاهر القرآن والسّنة يتناوله ، ولا يلتفت الى قول غلام ثعلب الذي يرويه عن ثعلب « من أن النّذر عند العرب وعيد بشرط » لأنّ في عرف الشرع صار متناولا للشّرط وغير الشّرط ، وعرف الشّرع هو الطاري وكالناقل.
ثمّ قال « رحمهالله » في نهايته : فان قال : ان كان كذا ، ولم يقل : لله ، لم يكن ذلك نذرا واجبا ، بل يكون مخيّرا في الوفاء به وتركه ، والأفضل له الوفاء به ، على كل حال ، ومتى اعتقد انّه متى كان شيء فلله عليه كذا وكذا ، وجب عليه الوفاء به عند حصول ذلك الشّيء ، وجرى ذلك مجرى أن يقول لله علىّ كذا وكذا ، فان جعل في اعتقاده متى كان شيء كان عليه كذا ، ولم يعتقد لله ، كان مخيّرا في ذلك حسب ما قدمناه في القول « هذا آخر كلامه رحمهالله في نهايته » (٣).
وقد قلنا ما عندنا في ذلك : من أنه لا ينعقد الّا ان يتلفظ به وينطق ، مع النيّة أيضا ، ولا يجزى أحدهما عن الآخر ، لأنّ هذا مجمع على انعقاد النذر به ، وليس على انعقاده بغير ذلك دليل ، لأنّ النذر حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، وأيضا فلا يتعلق الاحكام في معظم الشرعيّات الّا بما ينطق المكلّف به ويتلفظ بذلك لسانه ، حتى يحكم عليه به ، من بيع أو طلاق أو هبة أو صدقة أو إقرار وغير ذلك.
__________________
(١) النهاية ، كتاب الايمان والنذور ، باب ماهيّة النذور والعهود.
(٢) الخلاف ، كتاب النذور ، مسألة ١.
(٣) النهاية ، كتاب الايمان والنذور ، باب ماهيّة النذور والعهود.
الّا انّ شيخنا أبا جعفر « رحمهالله » رجع عما ذكره في نهايته ، في مبسوطة في الجزء الرابع ، في كتاب الايمان ، في فصل في كفارة يمين العبد ، قال : « النذر ضربان : نذر تبرّر وطاعة ، ونذر لجاج وغضب ، فالتبرّر أن يعلّقه بابتداء نعمة ، أو دفع بليّة ونقمة ، فابتداء النعمة أن يقول : ان رزقني الله ولدا أو عبدا فما لي صدقة ، وان رزقني الحج فعلىّ صوم شهر. ودفع النقمة قوله : ان شفى الله مريضي ، أن خلّصني من هذا الكرب ، إن دفع عنى شرّ هذا الظالم ، فعلى صدقة مال ، أو صوم شهر ، فإذا وجد شرط نذره لزمه الوفاء به ، بلا خلاف ، لقوله عليهالسلام : « من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه » (١) غير أنا نراعي أن يقول ذلك بلفظ « لله علىّ كذا » لأنّ ما عدا ذلك لا ينعقد به نذر ، ولا تخلفه كفارة ، هذا آخر كلامه « رحمهالله » (٢).
إذا قال : لله عليّ حجة ، عندنا يلزمه الوفاء به ، فان عيّنه في سنة بعينها ، وخالف وجبت عليه كفارة النّذر ، وانحلّ النّذر ، وإن أطلقه لا ينحل ، ووجب عليه الوفاء به.
ومن قال : متى كان كذا وكذا فلله عليّ المشي إلى بيت الله ، أو إهداء (٣) بدنة اليه ، فمتى كان ذلك الشّيء وجب عليه الوفاء به.
فان قال : متى كان كذا فلله علىّ ان أهدى هذا الطعام الى بيته ، لم يلزمه ذلك ، لأنّ الإهداء لا يكون إلّا في النعم خاصّة ، ولا يكون بالطعام.
والمعاهدة هو ان يقول : قد عاهدت الله تعالى أو عليّ عهد الله متى كان كذا فعليّ كذا ، فمتى قال ذلك ، وجب عليه الوفاء به عند حصول ما شرط حصوله.
وجرى ذلك مجرى النذر في جميع الاحكام سواء.
والنذر والعهد معا انما يكون لهم تأثير إذا صدرا عن نيّة ، فمتى تجرّدا من النيّة لم يكن لهما حكم على حال.
__________________
(١) مستدرك الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب النذور والعهد ، ح ٢.
(٢) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب النذر ، ص ٢٤٦.
(٣) ج. ل. أو على إهداء.
ومتى قال : هو محرم بحجّة أو عمرة ان كان كذا وكذا ، لم يكن ذلك شيئا ، ولم يتعلق به حكم من الاحكام.
إذا قال لله عليّ أن أهدى بدنة ، أجزأه أقل ما يقع عليه الاسم ، وأقلّها ثنية.
فإذا ثبت انعقاده لم يخل من أحد أمرين : إمّا ان يطلق ، أو ينوى بدنة من الإبل ، فإن أطلق نذر بدنة ولم ينو شيئا ، فالصحيح أنّه يلزمه من الإبل ، لأنّ البدنة في اللّغة عبارة عن الأنثى من الإبل ، فان لم يجد فبقرة ، فان لم يجد فسبع من الغنم لأنّ الشرع أقام كل واحد منهما مقام صاحبه عند العدم والتعذر.
إذا نذر صوم عشرة أيام ، أو عشرين يوما ، فهو بالخيار بين ان يتابع ، أو يفرق ، وبين ان يصوم على الفور أو على التراخي.
إذا نذر ان يحج في هذا العام حجة الإسلام ، فوجدت شرائط الوجوب ، فلم يفعل حتى فات الوقت ، استقرت في الذمة ، ولا تسقط ، وان حصر حصرا عاما في هذا العام ، سقط نذره كالمفروضة ، وكذلك ان حصر حصرا خاصا ، ولا فصل بين المفروضة والمنذورة إلّا في فصل واحد ، وهو ان المفروضة إذا سقطت في هذا العام ، وجبت بوجود شرائطها بعده ، والمنذورة إذا سقطت في هذا العام ، لم تجد بعده ، وان وجدت الشرائط ، لأنّ النذر تعلّق بهذه السنة ، فإذا فات فلا يجب بعدها الّا بتجديد نذر ، فلهذا يسقط بكل حال.
إذا قال لله عليّ ان أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان ، فان قدم ليلا فلا يلزمه الصوم أصلا ، لأنّه ما وجد شرطه بلا خلاف ، وان قدم في بعض نهار ، لا يلزمه أيضا صومه ، ولا صوم يوم بدله ، لأنّ نذره لم ينعقد ، لأنّ الأصل براءة الذّمة ، وإيجاب صوم يوم بدل هذا يحتاج الى دليل ، والذي يدلّ على ان نذره لم ينعقد ، انه نذر صوم لا يمكنه الوفاء به ، لأنّ بعض يوم لا يكون صوما ، وجرى ذلك مجرى ان يقول يوم يقدم أصوم أمسه ، فإنه لا يكون نذرا صحيحا ، لاستحالته.
إذا نذر أن يصوم أياما معدودة متتابعة ، فافطرها في سفر ، انقطع التتابع ، وعليه الاستيناف.
إذا نذر صوم يوم الخميس ان شفى الله مريضه ، فشفاه الله ، فصام يوم الخميس
عن كفارة أو قضاء شهر رمضان ، فالظاهر من مذهبنا أنه يقتضي انه لا يجزيه ، لانّه قد تعيّن صومه بالنذر ، فلا يقع فيه سواه ، فإذا ثبت هذا ، فإنّه يكمله عن نذره ، وكذلك من نذر أن يصوم أول يوم من رمضان ، لم ينعقد نذره ، لانّه يستحق صيامه لغيره ، لانه لا يمكن ان يقع فيه على حال صيام غير رمضان.
إذا لزمه صيام يوم بعينه ابدا بالنذر ، ثم وجب عليه صوم شهرين متتابعين عن كفارة القتل ، أو الظهار ، فإنه يصوم الشهرين عن كفارته ، وما فيهما من اليوم المعين صيامه بالنّذر عن كفارته أيضا ، دون نذره ، لأنّه إذا صامه عن كفارته صحت الكفّارة ، وقضى ما فيهما من الأيام المعيّنة المنذورة ، ولو صامها عن نذره بطل تتابعه ، وكان عليه الاستيناف ، ولم يمكنه الكفارة بالصيام ابدا ، والذي يقتضيه مذهبنا ، ان في الشهر الأوّل يفعل هذا الذي قلناه ، وفي الشهر الثاني ، إذا زاد عليه شيئا ، فإنّه يصح ان يصومها عن الكفارة ، وعن النذر معا ، لأن الإفطار فيه لا يبطل التتابع ، فان صام الكل عن الكفّارة ، قضى كل يوم منذور كان في الشهرين ، هذا إذا سبق النذر الكفارة ، فامّا ان سبقت الكفارة النذر ، وهو ان وجب عليه صوم شهرين متتابعين عن كفارته ، ثمّ نذر أن يصوم كل خميس ، كان عندنا مثل الأول سواء ، وعند بعضهم أيضا ، وقال بعضهم لا يقضى ما فيهما من الأيام المنذورة ، لأن كل يوم منذور في الشهرين مستحق للكفارة ، وهو غير نذره ، فلهذا لم ينعقد نذره بها ، كأيام رمضان ، والأقوى ما قلناه ، من ان عليه قضاءه هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مبسوطة (١) في كتاب النذر ، جملته ما ذكرناه.
والأقوى عندي ، ان يوم النّذر لا يجوز صيامه عن الكفارة ، لا في الشّهر الأول ، ولا في الشهر الثاني ، فامّا قوله رحمهالله « ولو صامها عن نذره بطل تتابعه ، وكان عليه الاستيناف ، ولم يمكنه الكفارة بالصيام ابدا » فتمسّك غير واضح ، وانا التزم انّه لا يصحّ له الكفّارة بالصيام ، ويكون فرضه الإطعام ، لأنّه غير قادر على الصيام ، واى مانع يمنع من الانتقال عن الصيام إلى الإطعام ، لأنّه ليس في مقدوره الكفارة
__________________
(١) لم نعثر عليه.
بالصيام ، فليلحظ ذلك بعين الفكر ، والله الموفق للصواب.
إذا نذر صلاة ، قال قوم أقل ما يلزمه ركعتان ، وقال بعضهم أقل ذلك ركعة ، وهذا هو الّذي يقوى في نفسي ، لأنّها أقلّ صلاة مرغبة فيها شرعيّة ، وهي الوتر بلا خلاف بيننا معشر أهل البيت عليهمالسلام ، والخطاب إذا أطلق ، أجزأ أقل ما يقع عليه الاسم ، وقد بينا ان الرّكعة صلاة شرعيّة ، وأيضا فلا نص لأصحابنا في ذلك ، والأصل براءة الذمة فيما زاد على الركعة ، وإذا كانت الرّكعة صلاة في الشريعة وعرفها ، حمل الإطلاق على أقل ما يقع الاسم الشرعي عليه.
واختار شيخنا أبو جعفر رحمهالله ، في مسائل خلافه (١) أحد قولي الشّافعي ، وهو انّه يلزمه صلاة ركعتين ، واستدل بطريقة الاحتياط فحسب ، ولم يذكر إجماعا ولا اخبارا.
وقد قلنا ما عندنا ، وليس هو لمّا استدل بطريقة الاحتياط ، بأولى ممّن استدلّ بدليل ان الأصل براءة الذّمة.
باب الكفارات
الكفارات على ثلاثة أضرب ، كفارة مرتبة من غير تخيير ، ومخير فيها من غير ترتيب ، وما فيها ترتيب ، وتخيير.
فالتي على الترتيب ، كفارة الظهار بلا خلاف ، وكفارة قتل الخطأ أيضا بلا خلاف ، الّا من شاذ من أصحابنا ، ومعنى الترتيب ، هو انه لا ينتقل من الأصل الأول إلى الثّاني ، الّا بعد فقدان الأوّل ، ولا ينتقل من الثاني الى الثالث الّا بعد عدم الثّاني ، ومعنى التخيير هو انه له ان يفعل اىّ الثلاث كان.
فكفارة الظهار عتق رقبة ، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فان لم يستطع ، فإطعام ستين مسكينا ، وكذلك كفارة قتل الخطأ.
والتي على التخيير بكلّ حال ، فكفارة فدية الأذى ، الإنسان فيها بالخيار ، بين
__________________
(١) الخلاف ، كتاب النذر ، مسألة ١٧.
ذبح شاة ، أو صيام ثلاثة أيّام ، أو إطعام ستة أمداد لستة مساكين ، وكذلك كفارات الحج كلها على التخيير ، على الصحيح من أقوال أصحابنا ، وظاهر القرآن يعضد ذلك ، وقد ذكرنا الخلاف في ذلك في كتاب الحج (١).
والكفارة التي تجمع الأمرين ، كفّارة اليمين ، فإن الإنسان مخير في الثلاثة الأجناس ، اما عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، فان عجز عن ذلك اجمع ، وجب عليه صيام ثلاثة أيام مرتبة متوالية ، بغير خلاف.
ومتى أراد ان يكفر بالإطعام ، فعليه ان يطعم عشرة مساكين ، لكل مسكين مدّ على الصحيح من المذهب ، وظاهر التنزيل يعضد ذلك ، والأصل أيضا يقويه ، وقد ذهب بعض أصحابنا إلى مدّين.
وقدر المد ، رطلان وربع بالعراقي.
وكذلك في سائر الكفارات الظهار ، والقتل ، والوطي ، وفدية الأذى ، وغير ذلك.
ويجوز ان يخرج حبّا ، ودقيقا ، وخبزا ، وكل ما يسمّى طعاما إلّا كفارة اليمين ، فإنه يجب عليه ان يخرج من الطعام الذي يطعم اهله ، لقوله تعالى « مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ » (٢) فقيد تعالى ذلك ، وأطلق في باقي الكفارات ، ولأنّ الأصل براءة الذمة.
فإن أراد التكفير بالكسوة ، فلكل مسكين ثوب واحد ، ولا يلزمه ان يكون جديدا ، ويجوز ان يكون غسيلا ، سواء كان مئزرا أو قميصا. وقال بعض أصحابنا الواجب ثوبان.
وكل من تلزمه نفقته لا يجوز صرف الكفارة اليه ، ومن لا تلزمه نفقته ، يجوز صرفها اليه ، وجملة الأمر وعقد الباب ، ان مستحق الكفّارة ، مستحقّ الزكاة ، وقد مضى ذكرهم في كتاب الزكاة (٣).
وعليه ان يعطى عشرة مساكين ، يعتبر العدد فيهم ، فان لم يجد العدد كرر عليهم
__________________
(١) في الجزء الأول ، ص ٥٥٧.
(٢) سورة المائدة ، الآية ٨٩.
(٣) في الجزء الأوّل ، ص ٤٥٥.
حتى يستوفى العدد عندنا يوما بعد يوم ، حتى يستوفى العدد.
وإذا أطعم خمسا وكسا خمسا ، لم يجزه ، لانّه خلاف الظاهر.
ولا يجوز إخراج القيم في الكفارات عندنا بغير خلاف ، ويجوز ذلك في الزكوات عندنا بغير خلاف (١) أيضا.
وإذا اجتمع عليه كفارات ، لم يخل من أحد أمرين ، امّا ان يكون جنسا واحدا ، أو أجناسا فإن كان جنسا واحدا ، مثل ان يكون يمينا ، أو ظهارا ، أو قتلا ، فنفرضها في كفارة الايمان ، فإنه أوضح ، فإذا كان عليه كفارات عن يمين ، فإن أطعم عن الكل ، أو كسى عن الكل ، أو أعتق عن الكل ، أجزأه ، وان أطعم عشرة ، وكسى عشرة ، وأعتق رقبة ، أجزأه عن الثلاث ، فإذا ثبت انه جائز ، نظرت ، فإن أبهم النيّة ، ولم يعين ، بل نوى كفارة مطلقة ، أجزأه لقوله « فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ » (٢) فامّا ان كانت أجناسا مختلفة ، مثل ان حنث ، وظاهر ، وقتل ، ووطي في رمضان ، افتقر ذلك الى تعيين النيّة ، وهو شرط في ذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة ، لا فرق بين ان يكون الجنس واحدا ، أو أجناسا مختلفة (٣) ، وما ذكرناه هو الذي يقتضيه أصول مذهبنا ، لقوله عليهالسلام « الاعمال بالنّيات وانما لامرئ ما نوى » (٤) وان كان في مسائل خلافه (٥) يذهب الى ما اخترناه.
والكلام في وقت النيّة ، فعندنا لا يجزيه حتى يكون النيّة مع التكفير.
إذا كانت عليه كفارة ، لم يخل من أحد أمرين ، امّا ان يكون على الترتيب ، أو على التخيير.
فان كانت على الترتيب ، نظرت ، فان خلّف تركة ، تعلقت بتركته كالدين ، يعتق عنه منها ، وان لم يكن له تركة ، سقط العتق عنه ، كما لو مات وعليه دين ولا
__________________
(١) ج. ل. بلا خلاف.
(٢) سورة المائدة ، الآية ٨٩.
(٣) المبسوط : كتاب الايمان ، فصل في الكفارات ، ص ٢٠٩.
(٤) الوسائل الباب ٥ من أبواب مقدمة العبادات ، الحديث ٧.
(٥) الخلاف ، كتاب الظهار ، مسألة ٣٩.
تركة له ، فان اختار وليه ان يعتق عنه كمال الواجب عليه ، أجزأه عنه ، لأنه يقوم مقام مورثه في قضاء ديونه وغير ذلك.
وان لم يكن الكفارة على الترتيب ، مثل كفارة اليمين ، نظرت ، فان كفر عنه وليه بالكسوة ، أو الإطعام ، صحّ عمن أخرجه عنه ، وكذلك ان كان أعتق عنه أجزأ عندنا ، وقال بعض المخالفين لا يجزى. والأوّل أصح ، لأنّ الثلاثة عندنا واجبة مخير فيها ، وليس الواجب واحدا لا بعينه.
لا يجوز النيابة في الصيام في حال الحياة بحال ، وان مات الإنسان وعليه صيام ، وجب على وليه ان يصوم عنه عندنا.
إذا اعطى مسكينا من كفارته ، أو زكاة ماله ، أو فطرته ، فالمستحب ان لا يشترى ذلك ممن أعطاه.
والاعتبار عندنا في الكفارات المرتبة حال الأداء والإخراج ، لا حال الوجوب ، فان كان في حال الإخراج والأداء موسرا ، وجب عليه العتق ، وان كان معسرا ، وجب عليه الصّيام. ولا اعتبار بما تقدم.
العبد إذا وجب عليه كفارة الحنث ، فأعتق ، لا يجزيه ذلك عن كفارته ، لانّه كفر بغير ما وجب عليه ، لانّه غير مخاطب بإخراج المال.
ومن وجبت عليه كفارة مرتبة من الأحرار لم يخل من أحد أمرين امّا أن يكون له فضل عن كفايته ليومه وليلته ، أو وفق الكفاية ، فإن كان له فضل ، لم يكن من أهل الصّيام ، لانّه واجد ، وان لم يكن له وفق كفاية ليومه وليلته ، كان فرضه الصّيام.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمهالله ، لا يعتبر الايمان في العتق في جميع أنواع الكفارات ، إلّا في كفارة قتل الخطأ خاصة وجوبا ، وما عداه جاز ان يعتق من ليس بمؤمن ، وان كان المؤمن أفضل (١).
وقال المرتضى وباقي أصحابنا ، باعتبار الايمان في جميعها (٢).
__________________
(١) في المبسوط ، ج ٦ ، كتاب الايمان فصل في الكفارات ، ص ٢١٢ ، وفي الخلاف كتاب الظهار ، مسألة ٢٧.
(٢) في الانتصار ، كتاب العتق والمكاتب.
وهو الذي اعتمده ، وافتى به ، لقوله تعالى « وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ » (١) والكافر خبيث بغير خلاف ، وأيضا دليل الاحتياط يقتضيه.
والأعمى والمجذوم ، والمقعد بالزّمانة ، لا يجزى عتق واحد منهم ، لأنهم ينعتقون عند أصحابنا بهذه الآفات ، والأعرج ، والا قطع اليدين ، أو إحديهما ، أو اقطع الرجلين ، أو إحديهما يجزى للاية ، واليه ذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه (٢).
والمدبّر وأمّ الولد يجزى عتقهما عن الكفارة ، ولا يجزى عتق المكاتب عندنا بحال ، هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ، فإنّه قال مسألة ، عتق المكاتب لا يجزى في الكفارة ، سواء ادّى من مكاتبته شيئا ، أو لم يؤد (٣).
وقال في نهايته في باب الكفارات : ولا يجوز له ان يعتق مدبرا الّا بعد ان ينقض تدبيره ، ولا ان يعتق مكاتبا له ، وقد ادّى من مكاتبته شيئا (٤).
والذي يقتضيه أصولنا ، ان عتق المكاتب المشروط عليه في الكفّارة جائز ، سواء ادى من مكاتبته شيئا أو لم يؤد ، لإجماعنا على انّه عبد ما بقي عليه شيء ، فامّا المكاتب المطلق ، فإنه إذا لم يتحرر منه شيء ، ولم يؤد شيئا من مال الكتابة ، فإنّه يجزى إعتاقه أيضا في الكفارة ، لأنه عبد لم يتحرر منه جزء ، فامّا أن ادّى شيئا ولو قليلا ، فلا يجزى إعتاقه في الكفارة ، لأنّه قد تحرر منه جزء بقدر ما ادى ، بغير خلاف ، فليلحظ ذلك ويحصل ، والله الموفّق للصّواب.
إذا مات وعليه حق لله ، مثل الزكوات ، والكفارات ، وحق الآدميّين ، مثل الديون ، قيل فيه ثلاثة أقوال ، أحدها حق الله المقدّم ، والثاني حقوق الآدميّين ، والثّالث هما سواء ، وهو الأقوى عندي ، لأنّ تقدّم أحدهما على الآخر يحتاج الى دليل.
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ٢٦٧.
(٢) الخلاف ، كتاب الظهار ، مسألة ٤٤ ، وفي المصدر الأعمى لا يجزى بلا خلاف بين الفقهاء ، والأعور يجزى ..
(٣) الخلاف ، كتاب الظهار ، مسألة ٢٩.
(٤) النهاية ، كتاب الايمان والنذور ، باب الكفارات.
وفرض العبد في الكفارات الصّوم ، سواء كانت الكفارة مرتبة ، مثل كفارة الظهار ، أو مخيّرة فيها ، لان العبد لا يملك ، وقد ذكرنا فيما مضى كفارة اليمين (١) ، فان عجز عن الثلاثة الأجناس ، ـ وحد العجز ان لا يكون له ما يفضل عن قوته وقوت من يجب عليه نفقته ، ليومه وليلته ـ كان عليه صيام ثلاثة أيام متتابعات ، يستوي الحر والعبد في صيامهنّ ، فان لم يقدر على الصوم ، فليستغفر الله تعالى ، فهو كفارة له ، فان وجد بعد ذلك المال ، أو قدر على الصوم ، فلا يجب عليه فعل شيء من ذلك ، لانّه قد كفر بالاستغفار ، فوجوب ذلك ثانيا يحتاج الى دليل ، وقد قدّمناه (٢) انّه إذا لم يجد العدد ، ووجد بعضهم كرّر عليهم حتى يستوفى العدد.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، ومتى لم يجد أحدا من المؤمنين أصلا ، ولا من أولادهم ، أطعم المستضعفين ممن خالفهم (٣).
وهذا غير مستقيم ولا واضح ، لانّه خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا ، لأنّ مستحق الكفارات مستحق الزّكوات على ما قدمناه (٤) ، فلا يجوز اعطاؤهما لغيرهم على حال.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، وكفارة نقض النذور والعهود ، عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا ، مخير فيها ايّها فعل فقد أجزأه ، ومتى عجز عن ذلك كله ، كان عليه صيام ثمانية عشر يوما ، فان لم يقدر على ذلك ، أطعم عشرة مساكين ، أو قام بكسوتهم ، فان لم يقدر على ذلك ، تصدق بما استطاع ، فان لم يستطع شيئا أصلا ، استغفر الله تعالى ، ولا يعود ، هذا آخر كلامه رحمهالله (٥).
والصحيح الذي يقتضيه أصول أصحابنا وما حققه محصلوهم ، ان النذر لا يخلو من أحد أمرين ، امّا ان يكون صوما معينا ، فخالفه وأفطر فيه متعمدا ، فكفارة ذلك كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا ، وهو ما ذهب اليه شيخنا أبو جعفر في نهايته ، وحكيناه عنه في خلاف نقض النذور (٦).
__________________
(١) في ص ٧٢.
(٢) في ص ٧٠.
(٣ و ٥) النهاية ، كتاب الايمان والنذور ، باب الكفارات.
(٤) في ص ٧٠.
(٦) في ص ٥٩.
وان كان النذر غير صيام ، فان كفارة خلافه كفارة يمين ، لأنّ الأصل براءة الذمّة ، وقد وردت به اخبار ، وذهب اليه من جملة أصحابنا السيد المرتضى في الموصليّات (١) ، وأبو جعفر بن بابويه رحمهالله ، وغيرهما من الجلة المشيخة ، وهو الذي يقوى في نفسي وافتى به.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، ومن كان عليه صيام يوم قد نذر صومه ، فعجز عن صيامه ، اطعم مسكينا مدّين من طعام ، كفارة لذلك اليوم ، وقد أجزأه (٢).
قال محمد بن إدريس رحمهالله ، هذا ليس هو على ظاهره ، بل ان كان عجزه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه بمجرى العادة ، مثل العطاش الذي لا يرجى برؤه فما ذكره رحمهالله صحيح ، وإن كان لمرض يرجى برؤه ، مثل الحمى وغير ذلك ، فالواجب عليه الإفطار والقضاء ، لما أفطر فيه من غير إطعام مدّين ، ولا كفارة بحال ، فليلحظ ذلك ، فهذا تحرير السّؤال.
وقد قدمنا (٣) شرح كفارة الظهار ، فلا وجه لا عادته.
وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ، امّا عتق رقبة ، أو إطعام ستين مسكينا ، أو صيام شهرين متتابعين ، مخيّر في ذلك على الصّحيح من المذهب.
وكفارة قتل العمد ، عتق رقبة ، وإطعام ستّين مسكينا ، وصيام شهرين متتابعين على الجمع ، هذا في العمد المحض.
وكفارة قتل الخطأ المحض. أو الخطأ شبيه العمد ، واحد منها ، وهي على الترتيب.
وقال شيخنا في نهايته ، ومن حلف بالبراءة من الله تعالى ، أو من رسوله ، أو من واحد من الأئمة عليهمالسلام ، كان عليه كفارة ظهار ، فان لم يقدر على ذلك ، كان عليه كفارة اليمين (٤).
وقد قلنا ما عندنا في ذلك في كتاب الايمان (٥) ، فلا وجه لإعادته وكفارة من
__________________
(١) المجموعة الأولى من رسائل الشريف المرتضى ، ص ٢٤٦ ، المسألة ٦٣.
(٢) و (٤) النهاية : كتاب الايمان والنذور ، باب الكفارات.
(٣) في ص ٦٩.
(٥) في ص ٣٧ و ٣٩ و ٤٠.
وطي زوجته في حيض ، ان كان وطؤه لها في أول الحيض ، كان عليه دينار ، وقيمته عشرة دراهم جيدا ، وان كان في وسطه ، نصف دينار ، وان كان في أخره ، ربع دينار على حساب ما قدمناه ، وقد شرحنا ذلك وحرّرناه ، وذكرنا الخلاف فيه ، في كتاب الحيض (١) فلا وجه لإعادته.
فإن وطي أمته في الحيض ، كان عليه ان يتصدّق بثلاثة أمداد من طعام ، يفرقها على ثلاثة مساكين ، سواء كان وطؤه لها في أوّله ، أو آخره ، أو وسطه ، بغير خلاف.
ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في شيء ممّا ذكرناه من الكفارات ، فصام شهرا ، ومن الثاني شيئا ، ثم أفطر من غير علة ، كان مخطئا آثما ، وجاز له البناء عليه عند أصحابنا ، فإن صام شهرا ولم يكن قد صام من الثاني شيئا ، وجب عليه الاستيناف ، وان كان إفطاره قبل الشهر لمرض ، كان له البناء عليه على كل حال.
ومن عجز عن صيام شهرين وجبا عليه ، صام ثمانية عشر يوما ، وقد أجزأه ، وان لم يقدر على ذلك ، تصدّق عن كلّ يوم بمد من طعام ، فان لم يستطع استغفر الله تعالى ، وليس عليه بعد ذلك شيء.
وكفارة الإيلاء كفارة اليمين سواء ، وكذلك كفارة من أفطر يوما قد نوى صومه قضاء لشهر رمضان بعد الزوال ، فان لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعة.
وقد روى (٢) ان من تزوج بامرأة في عدتها عالما بذلك ، فارقها ، وكفر عن فعله بخمس أصوع (٣) من دقيق.
وقد روى (٤) أيضا ان من نام عن عشاء الآخرة حتى يمضي النّصف الأوّل
__________________
(١) في الجزء الأوّل ، ص ١٤٤.
(٢) الوسائل الباب ٣٦ ، من أبواب الكفارات والباب ٢٧ ، من أبواب حد الزنا ، ج ٥ ، وفي الجواهر ، ج ٣٣ ، ص ١٨٩ ، وفيه مع عدم بلوغ ذلك حد الشهرة ، ان العنوان في كلامهم ذات العدة وفي الخبرين ذات الزوج وهما متغايران فراجع.
(٣) ج. بخمسة أصوع. وما في المتن هو الصحيح بقرينة ما يذكر ويفصل بعيد هذا.
(٤) الوسائل ، الباب ٢٩ ، من أبواب المواقيت ، ح ٨.
من الليل ، صلاها قضاء حين يستيقظ ، ويصبح صائما كفارة لذنبه في النوم عنها الى ذلك الوقت.
والاولى حمل هاتين الرّوايتين على الاستحباب ، دون الفرض والإيجاب ، لأن الأصل براءة الذمة ، ولا إجماع على هاتين الروايتين.
وذهب السيّد المرتضى « رحمهالله » الى ان من تزوّج امرأة ولها زوج ، وهو لا يعلم بذلك ، ان عليه ان يفارقها ، ويتصدّق بخمسة دراهم (١).
ولم أجد أحدا من أصحابنا موافقا له على هذا القول ، والأصل براءة الذّمة ، وشغلها بهذه الكفارة يحتاج الى دليل ، ولا دليل عليها من كتاب ، ولا إجماع ، ولا تواتر اخبار.
قال محمّد بن إدريس رحمهالله شيخنا أبو جعفر في نهايته جمع الصّاع على اصع ، فقال كفارة من تزوج بامرأة في عدّتها خمسة اصع من دقيق (٢). وانما جمع الصاع أصوع ، قال الأصمعي العامة تخطى ، فتقول ثلاث أصّع ، وانّما يقال ثلاث أصوع ، وقد يذكّر الصاع ويؤنث ، فمن انّثه جمعه على أصوع ، ومن ذكّره جمعه على أصواع.
وروى (٣) أيضا انّ من ترك صلاة الكسوف متعمدا ، وقد احترق القرص كله ، فليغتسل كفارة لذنبه ، وليقض الصّلاة بعد الغسل.
وقد قدمنا (٤) القول في هذا الغسل ، والخلاف فيه بين الأصحاب ، فلا وجه لإعادته.
وروى (٥) ان من سعى الى مصلوب بعد ثلاثة أيام ليراه ، فليستغفر الله من ذنبه ، ويغتسل كفارة لسعيه إليه.
__________________
(١) في الانتصار ، كتاب النذور.
(٢) النهاية ، كتاب الايمان والنذور ، باب الكفارات ، وفي المصدر بخمسة أصوع.
(٣) الوسائل ، الباب ١٠ ، من أبواب صلاة الكسوف والآيات ، ح ٥.
(٤) في الجزء الأوّل ، ص ٣٢١.
(٥) الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ٣ ، وفي الجواهر ، ج ٥ ، ص ٦٩ ، لكنه لا تقييد فيها بالثلاث ، الا انه ذكره غير واحد من الأصحاب إلخ.
وذلك على طريق الاستحباب دون الفرض والإيجاب.
ولا يجوز للرّجل ان يشق ثوبه في موت أحد من الأهل والقرابات ، فان فعل ذلك فقد روى (١) ان عليه كفّارة يمين.
والاولى ان يحمل ذلك على الندب دون الفرض ، لأن الأصل براءة الذمة ، وهذه الرّواية قليلة الورود ، شاذّة ، تورد في أبواب الزّيادات ، عن رجل واحد ، وقد بيّنا انّ اخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا ، إلّا ان أصحابنا مجمعون عليها في تصانيفهم ، وفتاويهم ، فصار الإجماع هو الحجّة على العمل بها ، وبهذا افتى.
وروى (٢) انّه لا بأس بأن يشق ثوبه على أبيه ، وفي موت أخيه.
والأولى ترك ذلك واجتنابه ، بل الواجب ، لانه لا دليل عليه من كتاب ، ولا سنة مقطوع بها ، ولا إجماع ، والأصل حفاظ المال ، وتضييعه سفه ، لأنّه إدخال ضرر ، والعقل يقبح ذلك.
فامّا المرأة ، فلا يجوز لها ان تشق ثوبها على موت أحد من النّاس ، فإن شقته ، أخطأت ولا كفارة عليها بغير خلاف ، وانما وردت الرّواية في الرجل ، واجمع عليها أصحابنا دون المرأة ، والقياس باطل عندنا.
ولا يجوز للمرأة ان تلطم وجهها في مصاب ، ولا تخدشه ، ولا تجزّ شعرها ، فان جزته فان عليها كفارة قتل الخطأ ، وقد قدّمنا شرحها (٣) على ما رواه أصحابنا ، فإن خدشت وجهها حتى تدميه ، كان عليها كفارة يمين ، فان لطمت وجهها استغفرت الله تعالى ، ولا كفارة عليها أكثر من الاستغفار.
ومن وجبت عليه كفارة مرتبة فعجز عن الرقبة ، فانتقل الى الصوم ، فصام شيئا ، ثم وجد الرقبة لم يلزمه الرجوع إليها ، وجاز له البناء على الصوم ، فان رجع الى الرقبة ، كان ذلك أفضل له.
ومن ضرب مملوكا له فوق الحد ، كانت كفارته ان يعتقه ، على ما روى (٤) في
__________________
(١) و (٢) الوسائل ، الباب ٣١ ، من أبواب الكفارات ، ح ١.
(٣) في ص ٦٩.
(٤) الوسائل الباب ٣٠ من أبواب الكفارات ح ١ وفي مستدرك الوسائل الباب ٢٤ ، من أبواب الكفارات ، ح ١.
بعض الاخبار ، أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته (١).
ولا دليل على ذلك من كتاب ، ولا سنّة مقطوع بها ، ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة من العتق ، وبقاء الرّق ، فمن ادعى سوى ذلك يحتاج الى دليل.
وروى (٢) انّه ان قتل ، كان عليه عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا ، وعليه التوبة ممّا فعل أورد ذلك شيخنا في نهايته (٣).
قال محمّد بن إدريس رحمهالله ، امّا ما ذكره شيخنا أبو جعفر ، فغير واضح ، ولا مستمر على أصل مذهبنا ، لأنّه ان كان القتل للعبد عمدا محضا ، فالصّحيح انه يجب على السيّد القاتل كفارة قتل العمد المحض ، وهي الثلاثة الأجناس على الجمع ، وان كان قتله له خطأ ، فالواجب كفارة قتل الخطأ المرتبة ، دون المخيّرة فيها ، وما أورده شيخنا في كتابه على التخيير ، دون الترتيب ، فان فرضنا انه قتله عمدا محضا فما يصح ما أورده رحمهالله ، وان كان قتله خطأ فما يستقيم أيضا ما ذكره.
__________________
(١ و ٣) النهاية ، كتاب الايمان والنذور ، باب الكفارات.
(٢) الوسائل : الباب ٢٩ ، من أبواب الكفارات ، ح ١ ـ ٢ ـ ٣.