كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

وذهب في نهايته إلى ان فيها نصف الدية (١).

والأول الذي اخترناه هو الأظهر الذي يقتضيه أصول مذهبنا ، ولأن الأصل براءة الذمة ، فيما زاد على الثلث ، فمن ادعى زيادة عليه ، يحتاج الى دليل ، ولا دليل عليه من كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا يرجع في مثل ذلك الى اخبار الآحاد.

والأعور ، إذا فقأ عين صحيح ، قلعت عينه ، وان عمى فان الحقّ أعماه ، فإن قلعت عينه ، كان بالخيار ، بين ان يقتص من احدى عينيه ، أو يأخذ تمام دية كاملة ألف دينار هذا إذا كانت ، قد ذهبت بآفة من الله تعالى ، فان كانت قد قلعت عينه ، فأخذ ديتها أو استحقها ولم يأخذها ففي العين الأخرى نصف الدية فحسب.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، والأعور إذا فقأ عين صحيح ، قلعت عينه وان عمى فان الحق أعماه فإن قلعت عيناه كان مخيّرا بين ان يأخذ الدية كاملة ، أو يقلع إحدى عيني صاحبه ، ويأخذ نصف الدية (٢).

وما اخترناه نحن أولا هو اختياره في مسائل خلافه (٣) ، فإنه رجع عما ذكره في نهايته ، وهو الذي يقتضيه الأدلة ، ويحكم بصحته ظاهر التنزيل ، لان الله تعالى قال « الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ » (٤) ولم يقل العين بالعين ونصف الدية ، ولأن الأصل براءة الذمة ، فمن شغلها بنصف الدية ، يحتاج الى دليل.

وفي العين القائمة إذا خسف بها ثلث ديتها صحيحة ، وكذلك في العين العوراء التي أخذت ديتها ، أو استحقها صاحبها ، ولم يأخذها ثلث ديتها صحيحة على ما بيّناه أولا ، وحررناه.

وشيخنا أبو جعفر في نهايته ، فرّق بينهما ، بان قال إذا قلع العين العوراء التي أخذت ديتها ، أو استحقت الدية ولم تؤخذ نصف الدية يعنى ديتها ، فان خسف بها ، ولم يقلعها ، ثلث ديتها (٥).

__________________

(١) و (٢) النهاية ، كتاب الديات ، باب ديات الأعضاء والجوارح.

(٣) الخلاف ، كتاب الديات ٥٨.

(٤) سورة المائدة ، الآية ٤٥.

(٥) النهاية ، لم نتحققها فيها.

٣٨١

والأولى عندي ان في القلع والخسف ثلث ديتها.

فاما إذا كانت عوراء والعور من الله تعالى بلا خلاف بين أصحابنا ان فيها ديتها ، كاملة خمسمائة دينار.

وقال المخالفون لأصحابنا ديتها مأتان وخمسون دينارا.

وفي الأذنين ، الدية كاملة ، وفي كل واحدة منهما نصف الدية ، وفيما قطع منهما ، بحساب ذلك.

وفي شحمة الأذن ثلث دية الاذن ، وفي خرمها ، ثلث ديتها ، يعني في خرم الشحمة ، ثلث دية الشحمة ، وهو ثلث الثلث الذي هو دية الشحمة.

وفي ذهاب السّمع ، دية كاملة ، وفيما نقص منه ، بحساب ذلك.

ويعتبر نقصانه بان يضرب الجرس ، في أربع جهات وينظر الى مدى ما يسمع منه ، فان تساوى ، صدق ، واستظهر عليه بالأيمان ، وان اختلف كذّب.

ومن ادعى ذهاب سمعه كله ، ومعه لوث ، كانت عليه القسامة ، حسب ما قدمناه ولا يقاس الاذن ، في يوم الريح ، بل يقاس في يوم ساكن الهواء.

وفي الأنف ، إذا استوصلت ، واستوعبت جدعا ـ بالدال غير المعجمة وهو القطع ـ الدية كاملة ، وكذلك إذا قطع مارنها فحسب ، كان فيه الدية أيضا ـ والمارن ما لان منها ، ونزل عن الخياشيم ـ وفيما نقص منه بحساب ذلك.

وكذلك في ذهاب الإحساس بها كلها الدية كاملة.

وروى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال يعتبر ذلك ، بان يحرق الحراق ، ويقرب منه فان دمعت عينه ونحى انفه كان كاذبا وان بقي على ما كان صدق (١).

وينبغي ان يستظهر عليه بالأيمان حسب ما قدمناه.

وفي الشفتين جميعا الدية كاملة ، وفي العليا منهما ، ثلث الدية ، وفي السفلى ثلثاها.

__________________

(١) أوردها الشيخ قدس‌سره في النهاية وقريب منها ما رواه في المستدرك الوسائل الباب ٤ من أبواب ديات المنافع ، ح ١.

٣٨٢

وقال شيخنا في نهايته في العليا منهما أربعمائة دينار ، وفي السفلى منهما ستة مائة دينار (١).

الا انه رجع في مبسوطة الى ما اخترناه فإنه قال ، وفي الشفتين الدية كاملة وفي السفلى عندنا ثلثاها ، وفي العليا ثلث الدية (٢).

وهذا هو الأظهر ولا يرجع في مثل ذلك الى اخبار آحاد لا توجب علما ، ولا عملا.

وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد رحمه‌الله في مقنعته (٣).

وذهب بعض أصحابنا إلى أنهما متساويتان في الدية فيهما جميعا ، الدية كاملة ، وفي إحديهما نصف الدية ، وهو ابن أبي عقيل في كتابه ، وهو قول قوي ، الا ان يكون على خلافه ، إجماع ، ولا شك ان الإجماع منعقد ، على تفضيل السفلى ، والاتفاق حاصل على الستمائة دينار ، والأصل براءة الذمة مما زاد عليه ، وبهذا القول الأخير اعمل ، وافتى ، وهو خيرة شيخنا في الاستبصار (٤).

وفيما نقص منهما بحساب ذلك ، يقاس بالخيط ، ونحوه.

وفي الشفتين ، القود ، إذا قطعهما متعمدا بلا خلاف لأنّ لهما حدا تنتهي اليه.

وحد الشفة السفلى عرضا ما تجافى عن الأسنان ، واللثة ـ بكسر اللام وتخفيف الثاء ـ ما ارتفع عن جلد الذقن ، وحد عرض العليا ، ما تجافى عن الأسنان ، إلى اتصاله بالمنخرين ، والحاجز بينهما والطول حد طول الفم ، الى جانبيه ، وليست حاشية الشدقين منهما.

فان قطع بعض ذلك ، ففيه الدية بحسابه على ما قلناه تعتبر بالمساحة.

وفي لسان صحيح الحاسة والنطق ، الدية كاملة ، بلا خلاف ، فان جنى على اللسان المقدم ذكره ، فذهب نطقه فيه أيضا كمال الدية ، فإن ذهب ذوقه ، ففيه

__________________

(١) النهاية ، كتاب الديات باب ديات الأعضاء والجوارح ..

(٢) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الديات ، ص ١٣٢.

(٣) المقنعة ، باب دية الأعضاء والجوارح ص ٧٥٥.

(٤) الاستبصار ، ج ٤ ، الباب ١٧١ من أبواب ديات الأعضاء ، ص ٢٨٨.

٣٨٣

أيضا الدية.

فان جنى على ذلك فذهب بعض كلامه ، فالصحيح عندنا ، وعندهم ، انه يعتبر بحروف المعجم كلها ، وهي ثمانية وعشرون حرفا ، ولا تعدّ ـ لا ـ فيها لانه قد ذكر فيها الالف واللام.

فان كان النصف منها ، ففيه نصف الدية ، وما زاد أو نقص فبحسابه.

إذا جنى عليه ، فذهب من الحروف ، حرف ، تزول معه الكلمة بزواله ، مثل ان أعدم الحاء ، فصار مكان محمّد ، ممد ، ومكان أحمد ، أمد ، فعليه دية الحاء وحدها ، ولا دية عليه في حروف باقي الكلمة ، وان كان قد ذهب معناها ، لانه ما أتلفها.

وان ذهب من كل كلمة ، حرف ، وقام مقامه غيره فصار يقول مكان محمد ، محمّد ، فجعل مكان الحاء خاء ، فعليه دية الحاء وحدها ، لانّه ما أذهب غيرها.

فان قطع بعض اللّسان نظرت ، فان قطع ربعه ، فذهب ربع الكلام ، أو نصفه ، فذهب نصف الكلام ، ففيه من الدية بحساب ذلك ، لانه وافق القطع والكلام معا.

وإذا قطع ربع اللسان ، فذهب نصف الكلام ، أو نصف اللّسان ، فذهب ربع الكلام ، كان فيه نصف الدية ، بلا خلاف ، هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطة (١).

والذي يقتضيه الأدلة ، ان اللسان الصحيح ، الاعتبار فيه بحروف المعجم ، لا بقطع أبعاضه ، فإذا قطع نصف اللسان ، فذهب ربع الكلام ، فعليه ربع الدية ، اعتبارا بالكلام ، دون نصف اللسان ، وكذلك إذا قطع ربع اللسان ، فذهب نصف الكلام ، كان عليه نصف الدية ، اعتبارا بالكلام ، فلو كان الاعتبار بالأبعاض من اللسان ، لكان عليه ، ربع الدية ، لأنه ما قطع هاهنا ، سوى ربع اللسان ، فليلحظ ذلك.

وقد رجع شيخنا ، في موضع آخر من مبسوطة ، فقال ، فاما اللسان ، فالاعتبار

__________________

(١) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الديات ، ص ١٣٤.

٣٨٤

عندنا بالحروف ، لا غير (١). فاما في نهايته (٢) ، فوافق لما اخترناه ، فاما ما ذكره أولا بمذهب (٣) المخالفين ، وتعليلاتهم ، وقياساتهم.

إذا قطع لسان صبي ، فإن كان قد بلغ حدا ينطق بكلمة ، بعد كلمة ، مثل قوله ـ بابا وماما ـ ونحوه ، فقد علم انه لسان ناطق ، فان قطعه قاطع فعليه الدية كاملة كلها ، كلسان الكبير الناطق ، وان كان طفلا لا نطق له بحال ، كمن له شهر ، وشهران ، وكان يحرّك لسانه ، لبكاء أو لغيره ، مما يعيّر (٤) فيه اللسان ، ففيه الدية لأن الظاهر انه لسان ناطق ، فان اماراته ، لا تخفى ، فان بلغ حدا ينطق ، فلم (٥) ينطق ، فقطع لسانه ، فهو كلسان الأخرس.

وعندنا في لسان الأخرس ، ثلث دية اللسان الصحيح ، واللسان يذكر ويؤنث.

فإن قطع بعض لسان الأخرس ، اعتبر بالمساحة ، وأخذ على حسابه ، لانه لا كلام له ، فيعتبر به ، بل الاعتبار فيه ، بمقاديره ، فهذا فرق ما بين لسان الصحيح ، ولسان الأخرس.

وفي الأسنان كلّها ، الدية كاملة.

والتي تقسم عليها الدية ، ثمانية وعشرون سنا ، ستة عشر منها ، في مآخير الفم ، واثنتي عشرة في مقاديمه.

فالتي هي في مآخير الفم لكل سنّ منها خمسة وعشرون دينارا فذلك أربعمائة دينار ، والتي (٦) في مقاديم الفم ، لكل سنّ منها خمسون دينارا ، فذلك ستّمائة دينار والجميع الف دينار ، وما زاد على ما ذكرناه في العدد فليس له دية مخصوصة ، بل فيه حكومة ، بأن تقوّم ان لو كان عبدا ويعطى بحساب ذلك من دية الحر ، على ما بيناه ، وهو مذهب شيخنا المفيد رحمه‌الله (٧).

وذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته الى أنّ ما زاد على ما ذكرناه في العدد فليس له

__________________

(١) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الديات ، ص ١٣٥.

(٢) النهاية ، كتاب الديات ، باب ديات الأعضاء والجوارح ..

(٣) ج. ل. فمذهب.

(٤) ل. يعبّر.

(٥) ج. فلا.

(٦) ج. ل. التي هي.

(٧) في المقنعة ، باب دية الأعضاء والجوارح ص ٧٥٦.

٣٨٥

دية مخصوصة ، إلّا إذا قلعت مفردة ، فإن قلع السن الزائد مفردا كان فيه ثلث دية السن الأصليّ (١).

وهذا المذهب قوىّ ، وبه أخبار (٢) كثيرة معتمدة.

وفي السن الأسود ثلث دية السن الصحيحة ، وروى (٣) ربع دية السنّ الصحيح.

وإذا ضربت السن فلم تسقط ، لكنها اسودّت أو انصدعت (٤) ففيها ثلثا دية سقوطها.

ومن ضرب سن صبي فسقط انتظر به ، فان نبتت لم يكن فيها قصاص ، وكان فيها الأرش ، ينظر فيما ينقص من قيمته بذلك وقت سقوطها أن لو كان مملوكا ، ويعطى بحساب ذلك على الاعتبار الذي قدمناه.

فإذا قلع السن بسنخها ، فالسن ما شاهدته زائدا على اللثة ـ بكسر اللام ، وتشديدها ، وفتح الثاء المنقطة ثلاث نقط ، وتخفيفها ـ والسنخ أصلها المدفون في اللثة ، فإذا قلعها من أصلها ففيها خمس من الإبل ، لأن أصلها كأصل الإصبع.

فإن قطع منها ظاهرها كله دون سنخها ففيها دية سن ، كما لو قطع إصبعا من أصلها الذي هو الكفّ.

فان جنى آخر فقلع سنخها ، كان فيه حكومة ، كما لو قطع رجل إصبع رجل ثم جنى (٥) آخر فقلع أصلها إلى الكوع كان على قاطعها دية إصبع ، وعلى قاطع ما تحتها حكومة.

__________________

(١) النهاية ، كتاب الديات ، باب ديات الأعضاء والجوارح ..

(٢) لم نتحققها وفي الجواهر ج ٤٣ ، ص ٢٣٤ نقلا عن نكت النهاية في الرد على ابن إدريس نحن لا ندري قوته من اين عرفها ، ولا الاخبار التي أشار إليها أين وجدها لا الكثرة من اين حصلها ونحن مطالبوه بدعواه « راجع نكت النهاية ، في نكتها على باب ديات الأعضاء والجوارح. من النهاية » ص ٣٦٧ من الجوامع الفقهية.

(٣) الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب ديات الأعضاء ، الحديث ٣.

(٤) ج. ل. تصدّعت.

(٥) ج. جاء.

٣٨٦

فاما سن المثغر ـ يقال في اللغة ، ثغر الغلام فهو مثغور إذا سقطت اللبن منه ، واثغر ، واثغر ، إذا نبتت بعد سقوطها ، ويقال : ثغرت الرّجل ، إذا كسرت سنة ـ فإذا ثبت هذا فإذا قلع سن إنسان لم يخل من أحد أمرين : إمّا أن يكون سن صغير لم يسقط بعد ، أو سن كبير ، فان كان سن صغير لم يسقط بعد ، وهي سن اللبن ، فقد قلنا ما عندنا فيه ، وهو مذهب شيخنا المفيد (١) وشيخنا أبي جعفر في نهايته (٢).

وذهب في مبسوطة الى ان قال : فالذي رواه أصحابنا أن في كل سن بعيرا ولم يفصّلوا (٣).

والذي قاله في نهايته هو مذهب أصحابنا اجمع ، وما قاله في مبسوطة لم يذهب أحد من أصحابنا اليه ، ولا أفتى به ، ولا وضعه في كتابه على ما أعلمه.

وقال شيخنا في مسائل خلافه : مسألة : إذا قلع سن مثغر كان له قلع سنة ، فإذا قلعه ثم عاد سن الجاني كان عليه أن يقلعه ثانيا ابدا (٤).

قال محمّد بن إدريس مصنف هذا الكتاب : وهذا قول الشافعي ، اختاره شيخنا.

ثم استدل شيخنا بما يضحك الثكلى ، فقال : « دليلنا إجماع الفرقة واخبارهم » يا سبحان الله من اجمع معه على ذلك؟! وأي أخبار لهم فيه؟! وانما أجمعنا في الاذن لأمور : أحدها أنها ميتة ، فلا يجوز الصّلاة له ، لأنه حامل نجاسة فيجب زوالها ، والثاني إجماعنا على ذلك وتواتر أخبارنا ، فمن عدّاه الى غيرها فقد قاس ، والقياس عندنا باطل ، وأيضا فالسن هبة مجددة من الله تعالى ، خلقه ، لا هي تلك المقلوعة نفسها ، فكيف تقلع ابدا ، وهذا منه « رحمه‌الله » إغفال في التصنيف ، فإنه قد رجع عن ذلك في مبسوطة (٥).

__________________

(١) في المقنعة ، باب دية الأعضاء والجوارح ص ٧٥٧.

(٢) النهاية ، كتاب الديات ، باب ديات الأعضاء والجوارح ..

(٣) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الديات ، ص ١٣٨.

(٤) الخلاف ، كتاب الجنايات ، مسألة ٧٧.

(٥) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الجراح ، ص ٩٩ الّا ان كلامه فيه موافق لخلافه والعبارة هكذا ، فله قلعها ابدا حتى يعدم إنباتها وهو الذي يقتضيه مذهبنا.

٣٨٧

وفي اللّحية إذا حلقت فلم تنبت ، الدية كاملة ، وان نبتت كان فيها ثلث الدية.

وذهب شيخنا المفيد في مقنعته (١) إلى أن في شعر الرأس إذا أصيب فلم ينبت مائة دينار ، وفي شعر اللحية كذلك ، إذا ذهب فلم ينبت.

والأول مذهب شيخنا أبي جعفر (٢) وهو الأظهر الأصحّ.

وفي العتق إذا كسر فصار الإنسان منه أصور الدية كاملة.

وفي اليدين جميعا الدية كاملة ، وفي كل واحدة منهما نصف الدية ، وفي أصابع اليدين الدية كاملة ، وفي كل واحدة منهما عشر الدية.

وهذا مذهب شيخنا في نهايته (٣) وهو الصحيح الذي يقتضيه أصول المذهب ، وتعضده الأدلة والاعتبار.

وقد روى (٤) أن في الإبهام ثلث دية اليد ، وفي الأربع أصابع ثلثي ديتها ، بينها بالسّوية.

والى هذه الرّواية يذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره (٥) ، متأولا للرّواية الشاذّة.

والصحيح ما ذهب اليه واختاره في نهايته ، لما قدمنا من الأدلة.

وفي كلّ أنملة ثلث دية الإصبع ، إلا في الإبهام ، فان في كل أنملة منها نصف ديتها ، لان لها مفصلين.

وفي الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع الصحيحة.

وفي الظفر إذا قلع ولم يخرج عشرة دنانير ، فان خرج أسود فثلثا ديته ، وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : « جميع ديته » (٦).

وما ذكرناه أولى ، لأن الأصل براءة الذمة ، وشغلها يحتاج الى دليل ، وأيضا

__________________

(١) المقنعة ، باب دية الأعضاء والجوارح ص ٧٥٦.

(٢) و (٣) و (٦) في النهاية ، كتاب الديات ، باب ديات الأعضاء والجوارح.

(٤) الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب ديات الأعضاء ، ج ١.

(٥) الاستبصار ، ج ٤ الباب ١٧٥ من أبواب ديات الأعضاء ، ص ٢٩٢.

٣٨٨

فليس خروجه اسود كلا خروجه بالكليّة.

فإن خرج أبيض فخمسة دنانير ، على ما روى (١).

والمرأة تساوى الرجل في جميع ما قدمناه من ديات الأعضاء والجوارح ، حتى تبلغ ثلث دية الرجل ، فإذا بلغتها رجعت الى النصف من ديات الرجال.

مثال ذلك : أن في إصبع الرجل إذا قطعت عشرا من الإبل ، وكذلك في إصبع المرأة ، وفي إصبعين من أصابع الرجل عشرون من الإبل ، وفي إصبعين من أصابع المرأة كذلك ، وفي ثلاث أصابع الرجل ثلاثون من الإبل ، وكذلك ثلاث أصابع المرأة سواء ، وفي أربع أصابع من يد الرجل أو رجله أربعون من الإبل ، وفي أربع أصابع المرأة عشرون من الإبل ، لأنها زادت على الثلث ، فرجعت بعد الزيادة إلى أصل دية المرأة ، وهي النصف من ديات الرجال ، ثم على هذا الحساب ، كلّما زادت أصابعها وجوارحها وأعضاؤها على الثلث رجعت الى النصف ، فيكون في قطع خمس أصابع لها خمس وعشرون من الإبل ، وفي خمس أصابع الرجل خمسون من الإبل.

بذلك ثبتت السنة عن نبيّ الهدى عليه‌السلام ، وبه تواترت الاخبار (٢) عن الأئمة من آله الاطهار عليهم‌السلام وقد روى محمّد بن أبي عمير ، عن عبد الله بن الحجاج ، عن أبان بن تغلب ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام : ما تقول في رجل قطع إصبع امرأة كم فيها؟ قال : عشر الدية ، أو عشر من الإبل ، قال : قلت : اثنين؟ قال : خمس الدية ، أو عشرون من الإبل ، قلت : ثلاث أصابع؟ قال : ثلاثون من الإبل ، قال : قلت : أربع أصابع (٣) قال : عشرون ، قلت : سبحان الله : يقطع ثلاثا فيكون ثلاثين من الإبل ، ويقطع أربعا فيكون فيها عشرون! هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق ، فنتبرّأ ممّن قاله ، ونقول : الذي جاء به شيطان ، فقال : فمهلا يا أبان! هذا حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، انّ المرأة تعاقل الرّجل الى ثلث الدية ، فإذا بلغت الثلث رجعت الى النصف ، يا أبان! إنك أخذت بالقياس ، والسنة إذا قيست أبطلت

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٤١ ، من أبواب ديات الأعضاء ، ح ١.

(٢) الوسائل ، الباب ٤٤ ، من أبواب ديات الأعضاء.

(٣) ج. ل. قطع أربع أصابع.

٣٨٩

الدّين (١).

ومثل هذا رواه المخالفون عن سعيد بن المسيّب ، فقال له السّائل كلما عظمت مصيبتها ، قل عقلها ، فقال له سعيد ، هكذا السنّة (٢).

ولا فرق بين ان يكون الجاني على المرأة امرأة ، أو رجلا في ان الجناية ديتها ، دية جارحة الرجل ما لم تبلغ ثلث الدية ، لأن الأخبار عامة بان ديات أعضاء النساء ، وجوارحهن تتساوى في ديات أعضاء الرجال ، وجوارحهم ، وان دية جارحة المرأة مثل دية جارحة الرجل ، ما لم تبلغ ثلث دية الرجل ، فمن خصّ ذلك ، فعليه الدليل.

وروى المخالف ، ان ربيعة ، قال لسعيد بن المسيّب كم في إصبع المرأة ، قال عشر ، قلت ففي إصبعين ، قال عشرون ، قلت ففي ثلاث ، قال ثلاثون ، قلت ففي أربع ، قال عشرون ، فقلت له انه لمّا عظمت مصيبتها ، قلّ عقلها ، قال هكذا السنة (٣).

قوله هكذا السنة دال على انه أراد سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإجماع الصحابة والتابعين على هذا (٤) الحكم مخصوص إذا كان الجاني عليها واحد ولم تبلغ جنايته ، ثلث ديات الرجال ، أو بلغتها ، كان الاعتبار ما قدمناه.

فامّا إذا اختلف الجناة ، ولم تبلغ جناية كل واحد منهم ، ثلث الدية ، وان كانت جناياتهم بمجموعها ، تبلغ ثلث ديات الرجال ، فإنها لا تنقص المرأة ، بل يجب لها على كل واحد وجان القصاص ، أو دية عضو الرجل ، فليلحظ ذلك ، ويتأمل ، فإنه غامض.

وسواء كانت الجناة رجالا أو نساء ، على ما قدمناه وحررناه من قبل ، وبيّناه.

والمرأة تقاصص (٥) الرجل فيما تساويه في ديته من الأعضاء ، والجوارح ،

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٤٤ من أبواب ديات الأعضاء ، ح ١ وفي المصدر ، إذا قيست محق الدين.

(٢) و (٣) سنن البيهقي ، كتاب الديات ، باب ما جاء في جراح المرأة ، الحديث ٤ ( ج ٨ ، ص ٩٦ ) فيه. « إنّها السنّة ».

(٤) ج. وهذا الحكم. ل. وإجماع الصحابة والتابعين ، هذا الحكم.

(٥) ج. تقاصّ.

٣٩٠

والأسنان ، ولا قصاص بينهما وبينه فيما زاد على ذلك ، لكنها تستحق به (١) الأرش والديات ، هكذا أورده شيخنا المفيد في مقنعته (٢).

والذي يقتضيه الأدلة ، ويحكم بصحته أصول مذهبنا ان لها القصاص ، فيما تساويه ، وفيما لا تساويه ، غير ان فيما تساويه ، لا تراد (٣) ، إذا اقتصت ، وفيما لا تساويه ، تردّ فاضل الدية ، وتقتص حينئذ لأن إسقاط القصاص ، بين الأحرار المسلمين ، يحتاج الى دليل شرعي ، ولا دليل على ذلك ، بل القرآن ، والإجماع منعقد ، على ثبوته.

والى ما حررناه يذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في الجزء الثالث ، من استبصاره في باب حكم الرجل ، إذا قتل امرأة (٤).

وهو الصحيح الذي يقتضيه الأدلة ولم يخالف فيه سوى من ذكرته ، وهو معلوم العين.

وفي الظّهر إذا كسر ، ثم صلح ، ثلث الدية ، فإن أصيب ، حتى صار بحيث لا ينزل في حال الجماع ، كان فيه الدية كاملة.

وكذلك إذا صار محدودبا منه الإنسان ، كان فيه الدية كاملة.

وكذلك ان صار بحيث لا يقدر على القعود ، كانت فيه الدية كاملة.

وفي النخاع إذا انقطع ، الدية كاملة ، وقد بينا حقيقة النخاع في باب الذبائح ، فلا وجه لإعادته.

وإذا كسر بعصوص الإنسان ، أو عجانه ـ والعجان ما بين الخصية والفقحة فلم يملك بوله ، أو غائطه ، ففيه الدية كاملة ، وإن اصابه سلس البول ، ودام الى الليل ، فما زاد عليه كان فيه الدية كاملة وان كان الى الظهر ، ثلثا الدية ، وان كان الى ضحوة ثلث الدية ، ثم على هذا الحساب.

وفي ذكر الرجل إذا قطعت حشفته ، فما زاد عليها الدية كاملة ، فإن كان ذكر

__________________

(١) ج. ل. بها الأرش.

(٢) المقنعة ، باب الحوامل والحمول وجوارح النساء ص ٧٦٤.

(٣) ج. ل. لا ترد.

(٤) الاستبصار ، ج ٤ ، الباب ١٥٤ من كتاب الديات ، ص ٢٦٦.

٣٩١

عنين ، ففيه ثلث الدية في جميعه ، وما قطع منه فبحساب ذلك ، يمسح ويعرف ذلك بالاعتبار والمقدار.

ويقطع ذكر الفحل بذكر من قد سلت بيضتاه.

وفي فرج المرأة ، دية كاملة.

والأسكتان مكسورا الأوّل مسكّن السين غير المعجمة مفتوح الكاف بالتاء المنقطة نقطتين من فوقها تثنية اسكت ، وهما غير الشفرين عند أهل اللغة ، وهما اللحم المحيط بمشق الفرج ، والشفران بضم الشين حاشية الأسكتين ، كما ان للعينين جفنين ينطبقان عليهما ، وشفرهما في الحاشية التي ينبت فيها اهداب العين ، والأسكتان ، كالأجفان ، والشفران ، كشفري العين.

قال الزجاج ، في خلق الإنسان في باب الحرّ يقال له الحر والقبل ، والفرج والحياء وفيه الأسكتان ، وهما جانباه.

وقال أبو هلال العسكري في كتاب خلق الإنسان الأسكت على وجهين أحدهما مما يلي الشفرين من فرج المرأة ، وهما اسكتان.

قال جرير :

ترى برصا بأسفل إسكتيها

كعنفقة الفرزدق حين شابا

وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة ، ـ الأسكتان والشفرتان عبارة عن شي‌ء واحد وهما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم وهما عند أهل اللغة عبارة (١) عن شيئين ـ هذا أخر كلام شيخنا (٢).

والصحيح ما قاله أهل اللغة فالمرجع في ذلك إليهم.

فإذا ثبت هذا فمتى جنى عليهما فقطع ذلك منها ، فعليه ديتها كاملة.

الرتق انسداد في الفرج.

والقرن ـ بفتح القاف وسكون الراء وهو عظم داخل الفرج يمنع الجماع ـ فإذا قطع قاطع شفريهما ، ففيهما ديتها ، لان العيب ، داخل الفرج ، فهما بمنزلة شفتي

__________________

(١) ج. عبارتان.

(٢) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الديات ، ص ١٤٩.

٣٩٢

الأخرس ، ولو كان أخرس ، كان في شفتيه ، الدية كاملة.

فإن قطع الركب ـ بفتح الراء والكاف ـ معهما ففي الركب حكومة ـ والركب هو الجلد الثاني فوق الفرج وهو منها بمنزلة موضع شعرة الرجل ـ ففي الركب حكومة.

والإفضاء أن يجعل مدخل الذكر ، وهو مخرج المنى والحيض والولد ومخرج البول ، واحدا ، فان مدخل الذكر ، ومخرج الولد واحد ، وهو أسفل الفرج ، ومخرج البول من ثقبة كالاحليل ، في أعلى الفرج ، وبين المسلكين حاجز رقيق ، فالافضاء ازالة ذلك الحاجز.

وقد يتوهم كثير من الناس ، ان الإفضاء ، أن يجعل مخرج الغائط ، ومدخل الذكر ، واحدا.

وهذا غلط عظيم.

ففي الإفضاء الدية كاملة ، على ما قدمناه ، فان كانت بكرا ، وجب المهر ، والدية معا ، وقال قوم لا يجب أرش البكارة ، فإنه يدخل في دية الإفضاء ، ومنهم من قال يجب أرش البكارة ، وهو مذهبنا ، لانه لا دليل على دخوله في أرش الإفضاء.

وفي الأنثيين معا الدية كاملة ، وفي كل واحد منهما نصف الدية.

وقد روى ان في اليسرى منهما ، ثلثي الدية ، لأن الولد يكون من اليسرى (١).

ولا دليل يعضد هذه الرواية.

وفي أدرة الخصيتين ـ بضم الألف وسكون الدال غير المعجمة وبفتح الراء غير المعجمة وهي انتفاخ الخصيتين لان الأدرة من الرجال الضخم الخصية من فتق أو غيره.

قال الجوهري ، في كتاب الصحاح الأدرة نفخة في الخصية ، يقال رجل آدر بيّن الأدرة (٢).

فإذا ثبت ذلك وتحققت لغتها ، ففيها أربع مائة دينار.

فان فحج فلم يقدر على المشي ، أو مشى شيئا لا ينتفع به ، كان فيه ثمانمائة دينار ،

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٨ ، من أبواب ديات الأعضاء ، ح ٢.

(٢) ل ، بين الأدرة والأدر.

٣٩٣

ومن تزوج بصبية فوطئها قبل ان تبلغ تسع سنين ، فأفضاها ، كان عليه ديتها على ما قدمناه ، ومهرها أيضا ، ويلزم نفقتها الى ان يفرق الله بينهما بالموت ، فإن وطأها بعد تسع سنين فأفضاها لم يكن عليه شي‌ء سوى مهرها.

ومن افتض جارية بإصبعه ، فذهب بعذرتها كان عليه مهر نسائها ، سواء كان الفاعل رجلا أو امرأة إذا كانت المفعول بها صغيرة لا تعقل ، أو كبيرة ومكرهة على ذلك وكذلك ان زنى بها فأذهب (١) بعذرتها.

وفي ثديي المرأة ، ديتها ، لأنهما من أصل الخلقة ، وفي أحدهما نصف الدية ، فإن قطعهما مع شي‌ء من جلدة الصدر ، ففيهما ديتها ، وحكومة ، في الجلدة.

إذا قطع من الثديين ، الحلمتين ، وهما اللتان ، كهيئة الزّر (٢) في رأس الثدي يلتقمهما الطفل ، ففيهما الدية.

فاما حلمتا الرجل ، قال قوم فيهما الحكومة ، وقال آخرون ، فيهما الدية ، وهو مذهبنا.

وفي الرجلين معا الدية كاملة ، وفي كل واحدة منهما ، نصف الدية.

وفي أصابع الرجلين معا ، الدية كاملة ، وفي كل واحدة منهما ، عشر الدية.

وحكم المرأة ، حكم الرجل ، على ما قدمناه في اليدين سواء.

وقد روى ان في الإبهام منها ، ثلث الدية ، والثلثين في الأربع الأصابع (٣) كما ذكرناه في اليدين سواء.

والأول هو المعوّل عليه ، لان هذه الرواية ، ما يعضدها دليل يوجب العلم ، واخبار الآحاد ، لا يعمل بها في الشرعيات عندنا.

وكل شي‌ء من الأعضاء في الإنسان ، منه واحد ففيه الدية كاملة إذا قطع من أصله إلا ما خرج بدليل من الحشفة ، وهي الكمرة ، وهي طرفه ، بفتح الكاف والميم والدال (٤) غير المعجمة وهي الفيشة ، والفيشة ، من ذكر الصحيح ، دون ذكر العنّين

__________________

(١) ج فذهب.

(٢) الزّر بالكسر ، الحبّة تجعل في العروة.

(٣) الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب ديات الأعضاء ، ح ١.

(٤) ج. ل. الراء ، ولا يخفى تناقض ضبط الكلمة مع هجائها في النسخة الأصلية الّا ان كمدة وكمرة بمعنى واحد كما في لغة دهخدا وفي مجمع البحرين كمر بالتحريك حشفة الذكر ..

٣٩٤

وفيما كان من الأعضاء في الإنسان ، منه اثنان ففيهما جميعا الدية ، إلا ما خرج بدليل من الحاجبين ان كان ذكرا حرا مسلما ، فبحساب ديته ، على ما تقدم ذكره الف دينار ، وان كانت امرأة مسلمة حرّة فديتها خمسمائة دينار.

وقد بيّنا القول ، في دية العبد ، والذمي ، بما اغنى عن تكراره في هذا المكان ، فدية أعضاء هؤلاء المذكورين ، بحساب دياتهم ، في اليد ، إذا استوصلت من الزند نصف الدية ، وفي اليدين جميعا الدية كاملة ، كذلك وفي الذراع ، والذراعين ، والعضد ، والعضدين ، فان قطع قاطع ، اليد من نصف الذراع ، كان عليه في اليد ، القود ، لان لها مفصلا ينتهى اليه ، وعليه دية نصف الذراع ، نصف الدية ، يعتبر ذلك بالمساحة ، ولا قود فيه بحال ، لان فيه تغريرا بالنفس ، وأيضا لا مفصل له ينتهى اليه ، فليلحظ ذلك.

واليد إذا ضربت فشلّت ولم تنفصل من الإنسان ، كان فيها ثلثا دية انفصالها.

ومن كسر يد إنسان ، ثم برأت ، وصلحت ، لم يكن فيها قصاص ، ويجب فيها الأرش على ما بيّناه من الاعتبار.

وفي اليد الشلاء ، إذا قطعت ثلث ديتها صحيحة.

وفي كل عضو ، ومفصل ، إذا ضربه ضارب فشل ، ولم ينفصل عن محله ، ففيه ثلثا ديته ، فان قطعه قاطع ، بعد شلله ، ففيه ثلث ديته.

ومن رعد قلبه ، فطار ، كان فيه الدية كاملة.

وفي إعدام الشم ، الدية كاملة على ما بيّناه.

وفي إعدام السمع الدية أيضا كاملة.

وقد روى ان من داس بطن إنسان حتى أحدث كان عليه ، أن يداس بطنه حتى يحدث ، أو يفتديه بثلث الدية (١).

والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، خلاف هذه الرواية ، لأن هذا فيه التغرير بالنفس ، فلا قصاص في ذلك بحال.

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢٠ ، من أبواب قصاص الطرف ، ح ١.

٣٩٥

وقد روى ان من ضرب امرأة مستقيمة الحيض على بطنها ، فارتفع حيضها ، فإنه ينتظر بها سنة ، فان رجع طمثها الى ما كان ، والا استحلفت ، وغرم ضاربها ، ثلث ديتها.

ومن قطع أنف إنسان وأذنيه ، وقلع عينيه ، ثم قتله ، اقتص منه أولا ، ثم يقاد به ، سواء فرق ذلك به في ضربات أو كان قد ضربه ضربة واحدة ، فحنت الضربة هذه الجنايات.

قال بعض أصحابنا اقتص منه أوّلا ، ثم يقاد به إذا كان قد فرّق ذلك به وان كان قد ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة هذه الجنايات وأدت إلى القتل ، لم يكن عليه أكثر من القود ، أو الدية ، وهذا قول شيخنا أبي جعفر في نهايته (١).

وما اخترناه اختياره في مسائل خلافه (٢) ، ومبسوطة (٣) ، وهو الأظهر ، والأصح عند محصلي أصحابنا ، ويعضده ظاهر التنزيل ، وهو قوله تعالى « فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ » (٤) ـ وقوله تعالى « وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ » (٥) لانه لا يدخل قصاص الطرف ، في قصاص النفس ، ويدخل دية الطرف ، في دية النفس ، فهذا الفرق بين الموضعين.

ومن ضرب إنسانا على رأسه ، فذهب عقله ، انتظر به سنة ، فان مات فيما بينه وبين سنة من ألم الضربة قيد به ، وان لم يمت ولم يرجع اليه عقله ، كان عليه جميع الدية ، فإن رجع عليه عقله ، كان عليه أرش الضربة.

فإن أصابه مع ذهاب العقل ، اما موضحة ، أو مأمومة ، أو غيرهما من الجراحات ، لم يكن فيه أكثر من الدية ، إذا مات من الضّرب.

ومن قطع يمين رجل قطعت يمينه بها ، فان لم يكن له يمين وكان له يسار ، قطعت

__________________

(١) النهاية ، كتاب الديات ، باب ديات الأعضاء والجوارح .. وفي المصدر فجنت عليه الضربة.

(٢) الخلاف ، كتاب الجنايات ، مسألة ٨٩ ، الا انه مخالف مع المسألة ٢٣ ، والعبارة هكذا ، يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس .. فراجع.

(٣) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الجراح ، ص ١١٣.

(٤) سورة البقرة ، الآية ١٩٤.

(٥) سورة المائدة ، الآية ٤٥.

٣٩٦

بها ، فان لم يكن له يدان ، فلا يقطع رجله ، باليد لانه لا دليل عليه ، وكان عليه الدية ، لما قطع.

وقد روى ، انه إذا لم يكن له يدان قطعت رجله ، فان لم يكن له يدان ، ولا رجلان ، كان عليه الدية ، لا غير (١).

وروى انه إذا قطع أبدى جماعة قطعت يداه بالأوّل فالأوّل والرجل بالآخر فالآخر ، ومن يبقى بعد ذلك ، كان له الدية ، لا غير (٢).

وقد قلنا ما عندنا في ذلك ، وهو انه لا تقطع الرجل باليد بحال ، ووجب للباقين الدية.

إذا قطع مسلم يد نصرانيّ له ذمة ، ثم أسلم وسرت الجناية إلى نفسه ، وهو مسلم ، فمات ، أو قطع حر عبدا ثم أعتق العبد ، وسرت الجناية إلى نفسه ، سواء في انه لا قود ، في ذلك ، لان التكافؤ إذا لم يكن حاصلا في وقت القطع ، وكان موجودا في وقت السراية ، لم يثبت القود في القطع ، ولا السراية ، فإذا كان كذلك ولم يلزم فيما ذكرناه قود ، كان فيه الدية ، لأن الجناية إذا وقعت مضمونة كان الاعتبار بأرشها في حال الاستقرار ، يدل على ذلك انه إذا قطع يدي مسلم ، ورجليه ، كان فيه ديتان ، فان سرى ذلك ، الى نفسه كان فيه دية واحدة ، ويعتبر القصاص بحال الجناية ، والمال بحال الاستقرار.

وإذا قطع يد مرتد ، ثم أسلم ، ومات أو يد حربي ، فأسلم ، ثم مات ، وكان القطع في حال كفره ، والسراية في حال إسلامه ، لم يجب هاهنا قود ، لما تقدم ذكره ، والدية أيضا لا تجب هاهنا ، لأن الجناية إذا لم تكن مضمونة ، لم تكن سرايتها مضمونة.

قد قلنا ان في الحشفة وحدها ، الدية كاملة ، لأن الجمال والمنفعة بها ، كالأصابع في اليد ، فان قطع قاطع ما بقي ، ففيه حكومة ، كما لو قطع الكفّ بلا أصابع

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٢ ، من أبواب قصاص الطرف ، ح ١ ـ ٢ والظاهر انها مضمون الروايتين.

(٢) الوسائل ، الباب ١٢ ، من أبواب قصاص الطرف ، ح ٢.

٣٩٧

عليها ، فان قطع بعض الحشفة ، فعليه ما يخصّه من الدية ، وفي اعتبارها قال قوم من كل ذكر ، لأنها منه ، وقال اخرون من الحشفة ، لأن الدية تجب بها فكان الاعتبار ، بها دون غيرها ، وهذا هو الأظهر الأقوى ، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر رحمه‌الله (١).

إذا كان المجني عليه عبدا ، ففيه ما نقص من قيمته ، فيقال كم قيمته ، وليس هذه الجناية به؟ قالوا مائة ، قلنا وكم قيمته وبه هذا الشين ، قالوا تسعون ، قلنا قد نقص عشر القيمة ، فيوجب فيه ما نقص ، وعلى هذا كل الحكومات في المملوكات أرش الجنايات عليها ما نقصت على ما فصلناه.

فان كان حرا لم يمكن تقويمه ، لكنه يقدّر بالعبد ، فيقال لو كان عبدا وليس به هذه الجناية ، كم قيمته؟ قالوا مائة ، قلنا وبه هذه الجناية ، قالوا تسعون ، قلنا فقد نقص عشر قيمته ، فيجب في الحر عشر ديته ، فالعبد أصل للحر فيما ليس فيه مقدر ، والحر أصل للعبد ، فيما فيه أرش مقدّر ، فليلحظ ذلك ، فإنه أصل يعتمد عليه.

وقلنا ان في الأنف ، الدية ، فإذا ثبت ذلك ، فإنما الدية في المارن منه ـ وهو ما لان وهو دون قصبة الأنف ، وذلك هو المنخران ، والحاجز بينهما إلى القصبة ـ فإن قطع كل المارن ، ففيه الدية كاملة ، فإن قطع بعضه ، ففيه بالحصّة مساحة ، كما قلناه في غير ذلك.

فان شق الحاجز بين المنخرين ، ففيه حكومة ، سواء اندمل أو بقي منفرجا ، على الاعتبار الذي قدمناه من قيمة العبد في حساب دية الحرّ.

فان قطع احدى المنخرين ، ففيه نصف الدية ، لأنه ذهب نصف المنفعة ، ونصف الجمال ، وهذا اختيار شيخنا أبي جعفر في مبسوطة (٢).

إذا قطع يدي الرجل ورجليه ومضت مدة يدمل فيها ، ثم مات ، فقال الجاني مات بالسّراية ، فعليّ دية واحدة ، وقال الوليّ بغير سراية ، وجب ان يكون القول ، قول الولي ، لأن الظاهر وجوب ديتين ، حتى يعلم غيره.

__________________

(١) في المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الديات ، ص ١٥٢.

(٢) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الديات ، ص ١٣١.

٣٩٨

إذا اصطدم الفارسان : فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما ، نصف دية صاحبه ، والباقي هدر ، هذا إذا كان خطأ محضا فاما ان كان عمدا محضا فعلى كل واحد منهما ، في تركته ، نصف دية صاحبه حالة مغلظة.

فاما ان مات الفرسان ، فعلى كل واحد منهما نصف قيمة دابة صاحبه ، فان كان القيمتان سواء تقاصّا ، وان اختلفا فإنهما يتقاصان ، ويترادّان الفضل ، ولا يكون ضمان القيمة على العاقلة ، لأن العاقلة لا تعقل البهائم ، سواء كان القتل عمدا ، أو خطأ محضا.

إذا سلّم ولده الى السّابح ، ليعلمه السباحة ، فغرق ، ضمنه ، لانه تلف بالتعليم ، فهو كما لو ضرب المعلّم الصبي ، على التعليم ، فمات ، ولانه فرّط ، في حفاظه ، واحكام شكوته وملازمة رجله ، فقد فرط ، فعليه الضمان ، وهو عندنا عمد الخطأ ، تكون الدية في ماله عندنا مؤجلة سنتين.

فان كان المتعلّم للسباحة كبيرا ، رشيدا ، فإنه لا ضمان على المعلّم ، بحال ، لان البالغ العاقل متى غرق في تعلم السباحة ، فهو الذي ترك الاحتياط في حق نفسه ، فلا ضمان على غيره.

العين القائمة ، واليد الشلاء والرجل الشلاء ، واللسان الأخرس ، والذكر الأشل العنين ، كل هذا وما في معناه ، يجب فيه ثلث ديته صحيحة وكل عضو فيه ، مقدر ، إذا جنى عليه ، فصار أشل ، وجب فيه ثلثا ديته.

وكل جرح له مقدّر إذا كان في الرأس ، والوجه ، على ما تبينه فيما بعد ان شاء الله فإذا كانت في الجسد ، ففيها بحساب ذلك من الرأس ، منسوبا الى العضو الذي هي فيه ، الا الجائفة ، فإن فيها مقدرا في الجوف ، وهو ثلث الدية.

مثال ذلك الموضحة ، إذا كانت في الرأس ، أو الوجه ، فيها نصف عشر الدية ، فإن كانت في اليد ، ففيها نصف عشر دية اليد فإن كانت في الإصبع ففيها نصف عشر دية الإصبع وهكذا باقي الجراح.

إذا اصطدمت السفينتان من غير تفريط من القائم بهما ، في شي‌ء من أسباب التفريط ، بل بالريح ، فهلكتا وما فيهما من الأموال ، والأنفس ، كان ذلك هدرا ،

٣٩٩

لا يلزم واحدا منهما شي‌ء لصاحبه ، لأن الأصل براءة الذمة.

إذا جنى الرجل على نفسه جناية خطأ محضا ، كان هدرا لا يلزم العاقلة ديته.

المولى من أسفل ، لا يعقل عن المولى من فوق شيئا بحال ، ـ ومعنى المولى من فوق ، هو المنعم بالعتق على العبد ، ومعنى المولى من أسفل ، هو المنعم عليه بالعتق.

إذا بنى حائطا مستويا في ملكه ، فمال الى الطريق ، أو الى دار جاره ، ثم وقع فأتلف نفسا وأموالا فلا ضمان عليه ، ولا قود ، ولا دية ، لأن الأصل براءة الذمة ، وليس هاهنا دليل قاطع ، على وجوب الضمان بحال.

إذا سقط حائط إلى طريق المسلمين ، فعثر إنسان بترابه ، فمات ، لم يلزم ضمانه صاحب الحائط لمثل ما قلناه.

إذا شرع جناحا الى شارع المسلمين ، أو الى درب نافذ أو أراد إصلاح ساباط على وجه ، لا يضر بأحد من المارة ، فليس لأحد معارضته ، ولا منعه منه ، لأنّ الأصل الجواز ، والمنع يحتاج الى دليل ، ولأن أحدا لم ينكر هذا ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فعله ، وأقرّه ، ولان هذه الأجنحة ، والساباط والسقائف سقيفة بني النجار ، وسقيفة بني ساعدة ، وغير ذلك كانت موجودة ، لم ينكرها أحد من المسلمين ، لا في زمان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا بعده والى يومنا هذا لم ينقل ان أحدا اعترض فيها ، ولا أزيلت باعتراض معترض عليها ، ثبت ان إقرارها جائز ، بإجماع المسلمين وكل الميازيب.

فإذا ثبت هذا ، فان وقع على أحد ، لا شي‌ء على صاحبه على ما قدمناه ، لأن الأصل براءة الذمة ، وشغلها يحتاج الى دليل ، وقوله تعالى « ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ » (١) وهذا محسن بوضعه غير آثم على ما قدمناه.

دية الجنين التام ، مائة دينار ، سواء كان ذكرا أو أنثى.

إذا ضرب بطنها ، فألقت جنينا فإن ألقته قبل وفاتها ، ثم ماتت ففيها ديتها ، وفي الجنين قبل ان تلجه الرّوح ، مائة دينار ، وان كان بعد ان ولجته الرّوح ، فالدية

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٩١.

٤٠٠