كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

فرض عند جماعة في حق الرجال والنّساء ، وقال قوم هو سنّة يأثم بتركها ، وقال بعضهم واجب وليس بفرض ، وعندنا انه واجب في الرجال ، ومكرمة في النّساء ، فإذا ثبت انه واجب ، فالكلام في قدر الواجب منه ، فالواجب في الرجال ان تقطع الجلدة التي تستر الحشفة ، حتى تنكشف الحشفة ، فلا يبقى منها ما كان مستورا ، ويقال لمن لم يختن الأقلف والأغلف والأغرل والارغل والاعرم ، ويقال عذر الرجل فهو معذور وأعذر فهو معذر ، واما المرأة فيقال خفضت فهي مخفوضة والخافضة الخاتنة ، والخفض الختان ، فإذا ثبت هذا فيجب على الإنسان ان يفعله بنفسه قبل (١) بلوغه ان لم يكن قد ختن ، فان لم يفعل امره السلطان به فان فعل ، والّا أجبره على فعله ، وفعله السلطان ، فان فعل ذلك به فمات ، فلا دية له ، سواء كان الزمان معتدلا أو غير معتدل. وكذلك ان قطع في السرقة في شدة حر أو برد ، وكذلك في حد الزنا ، لانه مات من قطع واجب ، وحد واجب ، هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطة (٢).

وكان مقصوده في إيراده في باب الأشربة ، انه إذا مات من الحد وفعل الواجب به ، لا دية له بحال ، والأغرل والارغل بالغين المعجمة فيهما جميعا ، والراء غير المعجمة فيهما أيضا جميعا ، وهو الأقلف الذي لم يختن ، وهي القلفة والغرلة ، وعذر الإنسان وأعذر بالعين غير المعجمة ، والذال المعجمة المكسورة ، والراء غير المعجمة ، بالثلاثى والرباعي ، كل ذلك إذا ختن ، ومنه العذار ، وهي دعوة الختان ، الدعوة بالفتح الى الطعام ، وبكسر الدال في النسب.

وقال ابن بابويه في رسالته ، ولا بأس ان يصلى في ثوب فيه خمر (٣).

قال محمّد بن إدريس ، هذا غير صحيح (٤) ، والصلاة غير جائزة فيه حتى يغسل الخمر منه.

وقال أيضا ابن بابويه ، فان خاط خيّاط ثوبك وبل الخيط بريقه وهو شارب خمر ،

__________________

(١) ج. بعد بلوغه.

(٢) المبسوط : ج ٨ ، كتاب الأشربة ، ص ٦٧ ، والعبارة فيه هكذا ، الأغلف والاعذر ، والارغل ، والاغرم.

(٣) رسالة ابن بابويه.

(٤) ج. غير واضح.

٤٨١

فان كان يشربها غبّا ، فلا بأس به ، وان كان مدمنا بشربها (١) كل يوم ، فان للفم وضرا ، بالواو المفتوحة ، والضاد المعجمة المفتوحة ، والراء غير المعجمة وهو الدرن والدسم قال الشاعر :

سيغني أبا الهندي عن وطب سالم

أباريق لم يعلق بها وضر الزبد

فأما الاعرم فإنه بالعين والراء غير المعجمتين.

جميع حدود الجلد بالسوط ، حد الزنا ، وحد القذف ، وحد شارب الخمر.

ولا يقام الحدود في المساجد.

باب الحد في السرقة وما يتعلق بذلك ويلحق به من الاحكام

قال الله تعالى « وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما » (٢) وروى عن ابن مسعود ، انه كان يقرأ ـ فاقطعوا إيمانهما.

والقدر الذي يقطع به السارق عندنا ربع دينار ، أو ما قيمته ربع دينار ، من ايّ جنس كان ، وجملته متى ما سرق ما قيمته ربع دينار ، فعليه القطع سواء سرق ما هو محرز بنفسه ، كالثياب والأثمان والحبوب اليابسة ونحوها ، أو غير محرز بنفسه ، وهو ما إذا ترك فسد ، كالفواكه الرطبة بعد أخذها من الشجر ، وإحرازها كلها من الثّمار ، والخضراوات كالقثاء والبطيخ ، أو كان من الطبيخ كالهريسة وسائر الطبائخ ، أو كان لحما طريا أو مشويا الباب واحد ، هذا عندنا وعند جماعة.

وقال قوم من المخالفين ، انما يجب القطع فيما كان محرزا بنفسه فأما ما لم يكن محرزا بنفسه وهي الأشياء الرطبة والطبيخ ، فلا قطع عليه بحال.

وكل جنس يتمول في العادة ، فيه القطع ، سواء كان أصله الإباحة أو غير الإباحة ، فما لم يكن على الإباحة ، كالثياب والأثاث ، وما أصله الإباحة من ذلك ، الصيود على اختلافها ، وكذلك الخشب كله الحطب وغيره ، وكذلك الطين وجميع ما يعمل منه (٣) ، وكذلك كل ما يستخرج من المعادن ، ووافقنا على هذا القول

__________________

(١) ج. ل. يشربها.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٣٨.

(٣) ج. يعمل به.

٤٨٢

الشافعي ، وقال أبو حنيفة ، ما لم يكن أصله الإباحة مثل قولنا ، وما كان أصله الإباحة في دار الإسلام فلا قطع فيه ، وقال لا قطع في الصيود كلها ، والجوارح والخشب جميعه لا قطع فيه ، الّا ما يعمل منه آنية ، كالجفان والقصاع ، والأبواب ، فيكون في معموله القطع الا الساج ، فان فيه القطع معموله أو غير معموله ، لانه ليس من دار الإسلام.

فإذا ثبت ما قلناه ، فلا قطع الّا على من سرق ربع دينار ، أو ما قيمته ربع دينار ، ويكون عاقلا ، كاملا ، ولا يكون والدا من ولده ، ولا عبدا من سيده ، ولا ضيفا من مضيفه ، وان يسرقه من حرز (١) على جهة الاستخفاء ، لأن حقيقة السرقة أخذ الشّي‌ء على جهة الاستخفاء ، والحرز هو ما يكون مقفلا عليه أو مغلقا ، أو مدفونا ، أو مراعى بعين صاحبه ، أو من يجرى مجرى صاحبه ، على ما يذهب اليه شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه (٢) ، ومبسوطة (٣).

والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، ان الحرز ما كان مقفلا ، أو مغلقا أو مدفونا ، دون ما عدا ذلك ، لأنّ الإجماع حاصل على ما قلناه ، ومن اثبت ما عداه حرزا يحتاج الى دليل ، من كتاب ، أو إجماع ، أو سنة مقطوع بها.

وكل موضع ، كان حرزا لشي‌ء من الأشياء ، فهو حرز لجميع الأشياء.

فإن سرق الإنسان من غير حرز لم يجب عليه القطع ، وان زاد على المقدار المقدم ذكره ، بل يجب عليه (٤) التعزير.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : الحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف فيه الدخول اليه الّا بإذنه ، أو يكون مقفلا عليه ، أو مدفونا ، فاما المواضع التي يطرقها الناس كلهم وليس يختص بواحد دون غيره ، فليست حرزا ، وذلك مثل الخانات والحمامات والمساجد والأرحية ، وما أشبه ذلك من المواضع ، فان كان الشي‌ء في

__________________

(١) ج. حرزه.

(٢) الخلاف كتاب السرقة ، مسألة ٦.

(٣) المبسوط ، ج ٨ ، كتاب السرقة ، ص ٢٢ ـ ٢٤ ، والعبارة متخذة من كلامه في المبسوط وليست بعينه.

(٤) ج. بل عليه التعزير.

٤٨٣

أحد هذه المواضع مدفونا ، أو مقفلا عليه ، فسرقه إنسان ، كان عليه القطع ، لانه بالقفل وبالدفن ، قد أحرزه إلى هاهنا كلامه رضى الله عنه (١).

اما حدّه للحرز بما حدّه ، فغير واضح لانه قال ـ والحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف فيه الدخول اليه الّا باذنه ـ ، وهذا على إطلاقه غير مستقيم لان دار الإنسان إذا لم يكن عليها باب ، أو يكون عليها باب ولم تكن مغلقة ولا مقفلة ، ودخلها إنسان وسرق منها شيئا ، لا قطع عليه بلا خلاف ، ولا خلاف انه ليس لأحد الدخول إليها إلّا بإذن مالكها ، فلو كان الحد الذي قاله مستقيما لقطعنا من سرق (٢) في هذه الدار ، لانه ليس لأحد دخولها إلّا بإذن صاحبها فهي حرز على حده رضى الله عنه.

فأما باقي ما أورده فصحيح ، لا استدراك عليه فيه.

وقوله والأرحية جمع رحى ، لان بعض الناس يصحفها الارحبة جمع رحبة (٣) وهو خطأ محض.

وإذا نقب الإنسان نقبا ، ولم يخرج متاعا ولا مالا ، وان جمعه وكورة وحمله ، لم يجب عليه قطع ، الّا ان يخرجه ، بل وجب تعزيره ، وانما يجب القطع إذا أخرجه من الحرز.

فإذا أخرج المال من الحرز وجب عليه القطع ، الّا ان يكون شريكا في المال الذي سرقه ، أو له حظ في المال الذي سرقه ، بمقدار ما ان طرح من المال المسروق ، كان الباقي أقل من النصاب الذي يجب فيه القطع ، فان كان الباقي قد بلغ المقدار الذي يجب فيه القطع ، كان عليه القطع على كل حال ، الّا ان يدعي الشبهة في ذلك ، وانه حسبه بمقدار حصته ، فيسقط حينئذ أيضا القطع ، لحصول الشبهة هاهنا لانه قال عليه‌السلام ادرءوا الحدود بالشبهات (٤) وهذه شبهة.

وكذلك لو تنازع إنسان وغيره ، وقد خرج بالمتاع من داره ، فقال له سرقت هذا

__________________

(١) النهاية ، كتاب الحدود ، باب الحد في السرقة.

(٢) ج. ل. من هذه الدار.

(٣) ج. الأرحية جمع رحية.

(٤) الوسائل ، الباب ٢٤ ، من أبواب مقدّمات الحدود .. ح ٤.

٤٨٤

منى ، فقال له بل أنت أعطيتني إياه ، لما وجب عليه القطع ، للشبهة في ذلك فان شهد عليه شاهدان بأنه فتح بابه ، واخرج المتاع من منزله ، لانه صار حدا متنازعا فيه ، وكل حد متنازع فيه يسقط ، للشبهة في ذلك.

ومن سرق من مال الغنيمة قبل ان يقسّم (١) مقدار ما يصيبه منها ، لم يكن عليه قطع وكان عليه التأديب ، لإقدامه على ما أخذه قبل قسمته.

فان سرق ما يزيد على نصيبه بمقدار ما يجب فيه القطع ، وزائدا عليه ، فقد ذهب بعض أصحابنا إلى وجوب القطع عليه ، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢).

والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، انه لا قطع عليه بحال إذا ادعى الاشتباه في ذلك ، وانه ظن ان نصيبه يبلغ ما أخذه ، لأن الشّبهة بلا خلاف حاصلة فيما قال وادعى ، ولأن الأصل ان لا قطع ، فمن ادّعاه فقد ادّعى حكما شرعيّا يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، ولا دلالة ولا إجماع على هذا الموضع.

وأيضا قول الرّسول عليه‌السلام المجمع عليه ـ ادرءوا الحدود بالشبهات ـ وهذه شبهة بلا خلاف ، وقد قلنا انه إذا أخرج المال من الحرز ، فأخذ ، وادعى ان صاحب المال أعطاه إياه ، درئ عنه القطع ، وكان على من ادعى عليه السرقة البيّنة بأنه سارق.

ومتى سرق من ليس بكامل العقل ، بان يكون مجنونا أو صبيّا لم يبلغ ، وان ثقب وفتح وكسر القفل ، لم يكن عليه القطع.

وقد روى انّه ان كان صبيّا عفى عنه أول مرّة ، فإن عاد أدّب ، فإن عاد ثالثة حكّت أصابعه ، حتى تدمى ، فإن عاد رابعة قطعت أنامله ، فإن عاد بعد ذلك ، قطع أسفل من ذلك ، كما يقطع الرجل سواء (٣).

ويثبت وجوب القطع بقيام البيّنة على السّارق ، وهي شهادة نفسين عدلين ، يشهدان عليه بالسرقة ، فان لم يقم بيّنة ، وأقر السّارق على نفسه مرتين بالسرقة ، كان عليه أيضا القطع ، اللهم الا ان يكون عبدا ، فإنه لا يقبل إقراره على نفسه بالسرقة ،

__________________

(١) ج. ل. بمقدار.

(٢) النهاية ، كتاب الحدود ، باب الحد في السرقة ، باختلاف يسير مع المتن.

(٣) الوسائل ، الباب ٢٨ ، من أبواب حد السرقة ، ح ١ ـ ٢ ـ ٤ ـ ٧ ـ ١٥ ـ ١٦.

٤٨٥

ولا بالقتل ، لأن إقراره على نفسه إقرار على مال الغير ليتلفه ، والإنسان لا يقبل إقراره في مال غيره ، فان قامت عليه البيّنة بالسرقة ، قطع كما يقطع الحر سواء.

فاما حكم الذمي فحكم المسلم سواء إذا كان حرا في وجوب القطع عليه ، إذا ثبت انه سارق ، إمّا بالبيّنة أو إقراره.

وحكم المرأة في جميع ذلك حكم الرجل سواء ، في وجوب القطع عليها ، إذا سرقت.

فاما إذا شهد شاهد واحد بالسرقة ، فلا يجب القطع ، بل يجب رد المال إذا حلف الخصم مع شاهده ، لان بالشاهد الواحد ويمين المدعي يثبت المال عندنا ، أو المقصود منه المال.

وهكذا الحكم إذا أقر مرة واحدة.

ويقطع الرجل إذا سرق من مال والديه ، ولا يقطع إذا سرق من مال ولده.

فامّا إذا سرقت الام من مال ولدها ، قطعت على كل حال ، لان الوالد له شبهة في ذلك ، وهي لا شبهة لها بحال ، فهذا الفرق بينهما ممكن مع ورود الشرع به ، والإجماع منعقد عليه.

ويقطع الرجل إذا سرق من مال امرأته ، إذا كانت قد أحرزته دونه ، وكذلك تقطع المرأة إذا سرقت من مال زوجها ، إذا كان قد أحرزه دونها.

ولا يقطع العبد إذا سرق من مال مولاه على ما قدمناه.

وإذا سرق عبد الغنيمة من المغنم ، فلا قطع عليه أيضا.

وروى ان الأجير إذا سرق من مال المستأجر ، لم يكن عليه قطع ، وكذلك الضيف إذا سرق من مال مضيفه ، لا يجب عليه قطع ، على ما رواه (١) أصحابنا.

يقال ضفت فلانا إذا ملت اليه ونزلت به ، وأضفته فانا أضيفه ، إذا أملته إليك ، وأنزلته عليك.

ويمكن حمل الرواية في الضيف والأجير على انهما لا قطع عليهما إذا لم يحرزه

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٤ ، من أبواب حد السرقة.

٤٨٦

صاحبه من دونهما ، وأدخلهما حرزه ، وفتح لهما بابه ، ثم سرقا ، فلا قطع عليهما ، لأنهما دخلا باذنه وسرقا من غير حرز ، فاما ما قد أحرزه دونهما ، فنقباه وسرقاه ، أو فتحاه وسرقاه ، أو كسراه وسرقاه ، فعليهما القطع ، لدخولهما تحت عموم قوله تعالى « وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما » (١) وهما إذ ذاك سارقان لغة وشرعا فأعطينا ظاهر الرواية حقها ، فمن أسقط الحد عنهما فيما صوّرناه ، فقد أسقط حدا من حدود الله تعالى بغير دليل من كتاب ، ولا سنة مقطوع بها ، ولا إجماع ، فاما الإجماع على ظاهر الرّواية ، فقد وفينا الظاهر حقه.

فان قيل فأي فرق على تحريركم وقولكم بين الضّيف وغيره.

قلنا غير الضيف لو سرق من الموضع الذي إذا سرقه الضيف الذي لم توجب على الضيف بسرقته القطع ، قطعناه ، لانه غير مأذون له في دخول الحرز الذي دخله ، والضيف مأذون له في دخوله اليه فلا قطع عليه ، فافترق الأمران.

وشيخنا أبو جعفر في نهايته (٢) ، قال لا قطع على الضيف ، وأطلق الكلام ، ولم يقيّده وقال في مسائل خلافه مسألة ، إذا سرق الضيف من بيت مقفل أو مغلق ، وجب قطعه ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة ، لا قطع عليه ، دليلنا الآية والخبر ، ولم يفصّلا ، هذا أخر المسألة (٣).

وقال في مبسوطة : فإن نزل برجل ضيف ، فسرق الضّيف شيئا من مال صاحب المنزل ، فان كان من البيت الذي نزل فيه ، فلا قطع ، فان كان من بيت غيره من دون غلق وقفل ونحو ذلك ، فعليه القطع ، وقال قوم لا قطع على هذا الضيف ، وروى (٤) أصحابنا انه لا قطع على الضيف ، ولم يفصلوا ، وينبغي ان يفصل مثل الأول ، فإن أضاف هذا الضيف ضيفا آخر بغير اذن صاحب الدار ، فسرق الثاني ، كان عليه القطع على كل حال ، ولم يذكر هذه أحد من الفقهاء ، هذا

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٣٨.

(٢) النهاية ، كتاب الحدود ، باب الحد في السرقة.

(٣) لم نتحقق هذه المسألة في كتاب الخلاف.

(٤) الوسائل : الباب ١٤ ، ح ٤ ـ ٥ والباب ١٧ من أبواب حد السرقة ، ح ١.

٤٨٧

أخر كلامه (١) رحمه‌الله ونعم ما قال وحقق.

قال محمّد بن إدريس والذي ينبغي تحصيله في هذه المسألة ويجب الاعتماد عليه ، هو ان الضيف لا قطع عليه ، سواء سرق من حرز أو غير حرز ، من غير تفصيل ، لإجماع أصحابنا المنعقد من غير خلاف بينهم ، ولا تفصيل من أحد منهم ، واخبارهم (٢) المتواترة العامة ، في ان الضيف لا قطع عليه إذا سرق من مال مضيفه ، فمن خصّصها بأنه إذا سرق من غير حرز يحتاج الى دليل.

وأيضا فلا معنى إذا أراد ذلك ، لإجماعهم ولا لعموم اخبارهم ، لان غير الضيف في ذلك الحكم مثل الضيف سواء ، فلا معنى لقولهم عليهم‌السلام واستثنائهم وتخصيصهم انه لا قطع على الضيف ، لان غيره ممن ليس بضيف إذا سرق من غير حرز لا قطع عليه.

ولم يذهب الى تفصيل ذلك سوى شيخنا أبي جعفر في مبسوطة (٣) ، ومسائل (٤) خلافه ، وهو موافق لباقي أصحابنا في نهايته (٥).

فاما الضيفن الذي هو ضيف الضيف ، إذا سرق من حرز في الدار ، فإنه يقطع بخلاف الضيف ، على ما رواه (٦) أصحابنا ، واجمعوا عليه ، فبان الفرق بين الأمرين وظهر ، والّا فلا فرق بينهما على ما حكيناه عن شيخنا أبي جعفر فليلحظ ذلك ، ففيه لبس وغموض ، والله الموفق للصواب.

فامّا الأجير فإنّه يقطع.

ومن أوجب (٧) عليه القطع ، فإنه تقطع يده اليمنى من أصول الأصابع الأربع ، ويترك له الراحة والإبهام.

فإن سرق بعد قطع يده من حرز ، المقدار الذي قدّمنا ذكره ، قطعت رجله

__________________

(١) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب السرقة ، ص ٣٣.

(٢) الوسائل ، الباب ١٧ ، ح ١ والباب ١٤ ، من أبواب حد السرقة ، ح ٥ ـ ٤.

(٣) المبسوط ، ج ٨ ، كتاب السرقة ، ص ٣٣.

(٤) لم نتحققه في كتاب الخلاف.

(٥) النهاية ، كتاب الحدود ، باب الحد في السرقة.

(٦) الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب حد السرقة ، ح ١ ـ ٢.

(٧) ج. وجب.

٤٨٨

اليسرى من مفصل المشط ، ما بين قبة القدم واصل الساق ، ويترك بعض القدم الذي هو العقب (١) يعتمد عليها في الصّلاة ، وهذا إجماع أهل البيت عليهم‌السلام منعقد عليه.

فان اعترض بقوله تعالى « فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ».

قلنا الأصابع تسمى يدا ، لقوله تعالى « فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ » (٢) ولا خلاف ان الكاتب ما يكتب إلّا بأصابعه ، فقد وفينا الظاهر حقه ، وما زاد عليه يحتاج الى دليل ، لانه مبقى (٣) على ما في العقل من حظر ذلك ، لأنه إدخال ضرر وتألم بالحيوان لا يجوز عقلا ولا سمعا الا بدليل قاطع للعذر.

فان سرق بعد ذلك ، خلّد السجن.

فان سرق في الحبس من حرز القدر الذي ذكرناه ، قتل عندنا بلا خلاف.

ومن وجب عليه قطع اليمين وكانت شلاء ، قطعت ولا يقطع يساره.

وكذلك من وجب عليه قطع رجله اليسرى ، وكانت كذلك شلاء ، قطعت ولا تقطع رجله اليمنى بحال ، لان على من نقل القطع من عضو الى عضو الدليل ، والأصل براءة الذمة.

وروى ان من سرق وليس له اليمنى ، فان كانت قطعت في قصاص أو غير ذلك وكانت له اليسرى ، قطعت اليسرى ، فان لم تكن له أيضا اليسرى ، قطعت رجله اليمنى ، فان لم تكن له رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس على ما بيّناه ، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته (٤).

وقال رحمه‌الله في المسائل الحلبية ، في المسألة الخامسة ، المقطوع اليدين والرجلين ، إذا سرق ما يوجب القطع ، وجب ان نقول الامام مخير في تأديبه وتعزيره ، ايّ نوع أراد ، فعل ، لانه لا دليل على شي‌ء بعينه ، وان قلنا يجب ان يحبس أبدا ، لأن القطع لا يمكن هاهنا ولا يمكن غير ما ذكرناه ، وتركه مخالفة (٥) إسقاط الحدود ،

__________________

(١) ل. الكعب.

(٢) سورة البقرة ، الآية ٧٩.

(٣) ج. مبتقى ، ل. منفي.

(٤) النهاية ، كتاب الحدود ، باب الحد في السرقة.

(٥) ج. وإسقاط.

٤٨٩

كان قويا ، هذا أخر المسألة (١).

قال محمّد بن إدريس ، الأقوى عندي ان من ذكر حاله ، لا يجوز حبسه أبدا إذا سرق أول دفعة ، بل يجب تعزيره ، لان الحبس هو حد من سرق في الثالثة بعد تقدم دفعتين قد أقيم عليه الحدّ فيهما ، فكيف يفعل به ما يفعل في حد الدفعة الثالثة في حد الدفعة الاولى.

وإذا قطع السارق وجب عليه مع ذلك ردّ السرقة بعينها ، ان كانت العين باقية ، وان كان أهلكها أو استهلكت ، وجب عليه ان يغرمها ، امّا بالمثل ان كان لها مثل ، أو بالقيمة ان لم يكن لها مثل ، فان كان قد تصرّف فيها بما نقص من ثمنها ، وجب عليه أرشها ، فان لم يكن معه شي‌ء ، كانت في ذمته يتبع بذلك ، إذا أيسر.

ولا يجب القطع ، ولا ردّ السرقة على من أقرّ على نفسه تحت ضرب أو خوف ، وانما يجب ذلك إذا قامت البيّنة ، أو أقرّ مختارا ، فإن أقرّ تحت الضرب بالسرقة ، وردها بعينها ، وجب أيضا القطع على ما روى (٢) وذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته (٣).

والذي يقوى عندي ، انه لا يجب عليه القطع ، لأنا قد بيّنا ان من أقر تحت ضرب ، لا يعتد بإقراره في وجوب القطع ، وانما بيّنة القطع شهادة عدلين ، أو إقرار السارق مرتين مختارا ، وهذا ليس كذلك ، والأصل ان لا قطع ، وإدخال الألم على الحيوان قبيح ، إلّا ما قام عليه دليل.

ومن أقر بالسرقة مختارا ، ثم رجع عن ذلك ، قطع والزم السرقة ، ولم ينفعه رجوعه إذا كان إقراره بذلك مرتين ، فان كان إقراره مرة واحدة ، الزم السرقة ، ولا يجب عليه القطع ، لان المال يثبت بإقراره دفعة واحدة ، والقطع بإقرار مرتين ، فليلحظ ذلك.

وقال شيخنا في نهايته : ومن أقر بالسرقة مختارا ، ثم رجع عن ذلك ، الزم السرقة ،

__________________

(١) لم تتوفّر لدينا هذه المسائل.

(٢) الوسائل ، الباب ٧ من أبواب حد السرقة ، ح ١.

(٣) النهاية ، كتاب الحدود ، باب الحد في السرقة.

٤٩٠

وسقط عنه القطع (١).

وهذا غير واضح ، لانه لا دليل عليه من كتاب ، ولا سنة مقطوع بها ، ولا إجماع ، بل مخالف لكتاب الله تعالى وتعطيل (٢) لحدوده ، ولا يرجع في مثل ذلك الى خبر شاذ ، ان كان قد ورد.

ومن تاب من السرقة قبل قيام البينة عليه ، ثم قامت عليه البيّنة ، سقط عنه القطع ، ووجب عليه رد السرقة ، فإن تاب بعد قيام البيّنة عليه ، لم يجز للحاكم العفو عنه بحال فان كان قد أقر على نفسه مرتين عند الحاكم ، ثم تاب بعد الإقرار ، وجب عليه القطع ، ولم يجز للإمام والحاكم العفو عنه بحال ، لانه تعطيل لحدود الله تعالى ، وخلاف لكتابة وأوامره سبحانه.

وحمل ذلك على الإقرار بالزنا الموجب للرجم قياس ، والقياس عندنا باطل ، لا نقول به.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : فان كان قد أقرّ على نفسه ، ثم تاب بعد الإقرار ، جاز للإمام العفو عنه ، واقامة الحد عليه ، حسب ما يراه ، أردع في الحال ، فاما ردّ السرقة فإنه يجب عليه على كل حال (٣).

وكذا قال في مسائل خلافه (٤).

الا انه رجع عن ذلك جميعه في مبسوطة ، فقال إذا ادعى على رجل انه سرق منه نصابا من حرز مثله (٥) ، وذكر النصاب ، لم يخل من أحد أمرين ، اما ان يعترف أو ينكر ، فان اعترف المدعى عليه بذلك مرتين عندنا ، ثبت إقراره ، وقطع ، وعند قوم لو أقر مرة ثبت وقطع ، ومتى رجع عن اعترافه سقط برجوعه عندهم ، الّا ابن أبي ليلى ، فإنه قال لا يسقط برجوعه ، وهو الذي يقتضيه مذهبنا ، وحمله على الزنا قياس لا نقول به ، هذا أخر كلامه رحمه‌الله في مبسوطة (٦).

__________________

(١) و (٣) النهاية ، كتاب الحدود ، باب الحد في السرقة.

(٢) ج. معطّل.

(٤) الخلاف ، كتاب السرقة ، المسألة ٤١.

(٥) ل. مقفّلة.

(٦) المبسوط ، ج ٨ ، كتاب السرقة ، ص ٤٠.

٤٩١

وهو الصحيح الذي لا يجوز العدول عنه ، لان فيه الحجة ، وانما شيخنا يورد في نهايته اخبار آحاد إيرادا لا اعتقادا على ما كررنا القول في ذلك ، واعتذرنا له فيما يورده في نهايته ، فإذا حقق النظر تركها وراء ظهره ، وافتى بما تقتضيه الأدلة وأصول المذهب على ما قاله هاهنا ، اعنى مبسوطة.

فان سرق إنسان شيئا من كم غيره ، أو جيبه ، وكانا باطنين ، وجب عليه القطع ، على ما رواه (١) أصحابنا ، فإن كانا ظاهرين ، لم يجب عليه القطع ، وكان عليه التأديب والعقوبة ، بما يردعه عن مواقعة مثله في مستقبل الأوقات.

ومن سرق حيوانا يجوز تملكه ، ويكون قيمته ربع دينار فصاعدا ، وجب عليه القطع ، كما يجب في سائر الأموال على ما قدمناه.

إذا سرق نفسان فصاعدا ربع دينار ، أو ما قيمته ربع دينار ، سواء كان من الأشياء الخفيفة أو الثّقيلة ، لا يجب عليهم القطع على الأظهر من أقوال أصحابنا ، لأنه قد نقص عن مقدار ما يجب فيه القطع في حق كلّ واحد منهم ، فاما ان انفرد كل واحد منهم ببعضه ، لم يجب عليهم القطع بلا خلاف عندنا هاهنا ، لانه قد نقص عن مقدار ما يجب فيه القطع ، وكان عليهم التعزير.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وإذا سرق نفسان فصاعدا ما قيمته ربع دينار ، وجب عليهما القطع (٢).

الّا انه رجع عن ذلك في مسائل خلافه ، فقال مسألة إذا نقب ثلاثة ، ودخلوا واخرجوا بأجمعهم ، فبلغ نصيب كل واحد منهم نصابا ، قطعناهم بلا خلاف ، وان كان أقل من نصاب ، فلا قطع ، سواء كانت السرقة ثقيلة أو خفيفة ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ، وقال مالك : ان كانت السرقة ثقيلة فبلغت قيمة نصاب ، قطعناهم كلهم ، وان كانت خفيفة ، ففيه روايتان ، إحديهما كقولنا ، والثانية كقوله في الثقيلة ، وروى أصحابنا ، انه إذا بلغت السرقة نصابا ، وأخرجوها

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٣ ، من أبواب حد السرقة ، ح ٢.

(٢) النهاية ، كتاب الحدود ، باب الحد في السرقة.

٤٩٢

بأجمعهم ، وجب عليهم القطع ، ولم يفصّلوا ، والأول أحوط ، دليلنا إجماع الفرقة واخبارهم ، وأيضا فما اعتبرناه مجمع على وجوب القطع به ، وما ذكروه ليس عليه دليل ، والأصل براءة الذمّة (١).

وهكذا أيضا قوله في مبسوطة ، الّا انه قال بعد ان قال بما قاله في مسائل خلافه ، وقال قوم من أصحابنا ، إذا اشترك جماعة في سرقة نصاب ، قطعوا كلهم (٢).

يريد بذلك السيّد المرتضى ، فإنه يذهب في انتصاره (٣) الى ما ذهب شيخنا في نهايته.

والأظهر ما اخترناه ، لان هذا حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، والإجماع حاصل منعقد على انه إذا بلغ نصيب كل واحد منهم مقدار ما يجب فيه القطع قطعوا ، وليس كذلك إذا نقص ، فان فيه خلافا ، والأصل براءة الذمّة ، وترك إدخال الألم على الحيوان.

ومن سرق شيئا من الثمار والفواكه ، وهي بعد في الشجر ، لم تؤخذ من أغصانها وأعذاقها ، لم يكن عليه قطع ، بل يؤدّب تأديبا ، ويحل له ما يأكل منها ، ولا يحمله معه على حال على ما قدمناه (٤) في كتابنا هذا.

فاما إذا سرق شيئا منها بمقدار ما يجب فيه القطع بعد أخذها من الشجر ، ويكون في حرز ، وجب عليه القطع كما يجب في سائر الأموال.

وإذا تاب السارق ، فليرد السرقة على صاحبها ، فان كان قد مات فليردها على ورثته ، فان لم يكن له وارث ، ولا مولى نعمة ، ولا ضامن جريرة ، فليردها على امام المسلمين ، لأنها مال من أمواله ، وداخلة في ميراث من لا وارث له ، فهو له عليه‌السلام فإذا فعل ذلك فقد برئت ذمته.

وإذا سرق السارق ولم يقدر عليه ، ثم سرق مرة ثانية ، فأخذ ، وجب عليه القطع

__________________

(١) الخلاف ، كتاب السرقة ، مسألة ٨.

(٢) المبسوط ، ج ٨ ، كتاب السرقة ، ص ٢٨ ـ ٢٩.

(٣) الانتصار ، كتاب الحدود.

(٤) في ص ٤٨٣.

٤٩٣

بالسرقة الأخيرة ، ويطالب بالسرقتين معا ، لان حدود الله تعالى إذا توالت تداخلت على ما قدمناه (١) ، لأنها مبنية على التخفيف.

وكذلك إذا شهد الشهود على سارق بالسرقة دفعتين ، لم يكن عليه أكثر من قطع اليد ، فان شهدوا عليه قطع رجله بالسرقة الأخيرة ، على ما بيّناه ، هذا عند بعض أصحابنا برواية رويت (٢) أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته (٣) ، وقوّاها في مسائل خلافه (٤) ، وضعّفها.

الّا انّه رجع عن ذلك كله في مبسوطة ، فقال إذا تكررت منه السرقة ، فسرق مرارا من واحد أو من جماعة ، ولم يقطع ، فالقطع مرة واحدة ، لأنه حدّ من حدود الله ، فإذا ترادفت تداخلت ، كحد الزنا وشرب الخمر ، فإذا ثبت ان القطع واحد ، فان اجتمع المسروق منهم وطالبوه بأجمعهم ، قطعناه وغرم لهم ، وان سبق واحد منهم فطالب بما سرق منه وكان نصابا غرم وقطع ، ثم كل من كان بعده من القوم فطالب بما سرق منه غرمناه ، ولم نقطعه ، لأنا قد قطعناه بالسرقة ، فلا يقطع قبل ان يسرق مرة أخرى ، هذا آخر كلامه في المبسوط (٥).

وهو الذي يقوى في نفسي ، واعمل عليه ، لأن الأصل براءة الذمة ، ولقوله تعالى « وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما » (٦) وقد قطعنا وامتثلنا المأمور به ، وتكراره يحتاج الى دليل ، ولم يسرق بعد قطعنا له دفعة ثانية حتى نقطعه بسرقة الثانية ، فيتكرر المأمور بتكرر سببه ، ولا يلتفت في مثل هذا إلى رواية واخبار آحاد ، لا توجب علما ولا عملا.

وشيخنا قال في مسائل خلافه عندها قال المخالف (٧) لا يقطع قال : وهذا قوي ، غير ان الرواية ما قلناه (٨) ، فجعلها رواية لا دراية.

__________________

(١) في ص ٤٧٣.

(٢) الوسائل ، الباب ٩ ، من أبواب حد السرقة ، ح ١.

(٣) النهاية ، كتاب الحدود ، باب حد السرقة.

(٤) الخلاف ، كتاب السرقة ، مسألة ٣٦.

(٥) المبسوط ، ج ٨ ، كتاب السرقة ، ص ٣٨.

(٦) سورة المائدة ، الآية ٣٨.

(٧) ج. عند ما قال.

(٨) الخلاف ، كتاب السرقة ، مسألة ٣٦.

٤٩٤

وروى أصحابنا عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، انه قال : لا قطع على من سرق شيئا من المأكول في عام مجاعة (١).

الحقوق على ثلاثة أضرب ، حق لله محض ، وحق للآدمي محض ، وحق لله ويتعلق بحق للآدميّين (٢).

فاما حقوق الله المحضة ، فكحد الزنا والشرب ، فإنه يقيمه الامام من غير مطالبة آدمي.

واما حقوق الآدميين المحضة المختصة بهم ، فلا يطالب بها الإمام إلا بعد مطالبتهم إياه باستيفائها.

فاما الحق الذي لله ويتعلق به حق الآدمي ، فلا يطالب به أيضا ولا يستوفيه الّا بعد المطالبة من الآدمي ، وهو حدّ السارق ، فمتى لم يرفعه اليه ويطالب بماله ، لا يجوز للحاكم اقامة الحد عليه بالقطع.

فعلى هذا التحرير ، إذا قامت عليه البيّنة بأنه سرق نصابا من حرز لغائب ، وليس للغائب وكيل يطالب بذلك ، لم يقطع حتى يحضر الغائب ويطالب ، فامّا ان قامت عليه البيّنة ، أو أقرّ بأنّه قد زنى بأمة غائب ، فإن الحاكم يقيم الحدّ عليه ، ولا ينتظر مطالبة آدمي لأن الحق لله تعالى محضا.

ولهذا قال شيخنا في مسائل الخلاف مسألة : إذا سرق عينا يجب فيها القطع فلم يقطع حتى ملك السرقة بهبة ، أو شراء ، لم يسقط القطع عنه ، سواء ملكها بعد ان ترافعا الى الحاكم أو قبله ، بل ان ملكها قبل الترافع ، لم يقطع ، لا ان القطع سقط ، لكن لانه لا مطالب له بها ، ولا قطع بغير مطالبة بالسرقة ، فهذا آخر كلامه رحمه‌الله (٣) ونعم ما قال :

قد قلنا انه لا قطع الا على من سرق من حرز ، فيحتاج الى شرطين ، السرقة والحرز ، فان سرق من غير حرز فلا قطع وان انتهب من حرز فلا قطع أيضا ، وكذلك

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢٥ من أبواب حد السرقة.

(٢) ج. ويتعلق به حق الآدميين.

(٣) الخلاف ، كتاب السرقة ، مسألة ١٧.

٤٩٥

ان خان في وديعة عنده ، لأن الخائن غير السارق لغة وشرعا ، لأن الخائن من خان إنسانا في وديعته عنده ، والسارق آخذ الشي‌ء على جهة الاستخفاء من حرزه.

ولا قطع أيضا على الغاصب ، لان الغاصب غير الخائن وغير السارق ، وهو الذي يأخذ الشي‌ء قهرا وجهرا ، ولا على المختلس لما رواه جابر ، ان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ليس على المنتهب ولا على المختلس ولا على الخائن قطع (١) الإبل إذا كانت مقطرة ، وكان سائقا لها ، فهي في حرز بشرط المراعاة لها ، بلا خلاف ، وان كان قائدا لها فلا تكون في حرز ، الّا التي زمامها في يده ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مبسوطة (٢).

وقد قلنا ما عندنا في ذلك ، من ان هذا مختلس ولا قطع على المختلس ، ولقوله عليه‌السلام لما سئل عن حريسة الجبل ، قال ليس في الماشية قطع الا ان يؤديها المراح (٣).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله ، حريسة الجبل بالجيم لا بالخاء المعجمة ، وقال أبو عبيد (٤) ، ليس فيما يسرق من الماشية بالجبل قطع ، حتى يؤديها المراح ، والتفسير الآخران يكون الحريسة هي المحروسة ، فيقول ليس فيما يحرس بالجبل قطع ، لانه ليس بموضع حرز وان حرس ، والإبل لا قطع فيها ، سواء كانت مقطرة أو غير مقطرة ، راعاه بعينه وساقها ، أو غير ذلك ، الا ان تكون في حرز.

__________________

(١) سنن أبي داود ، الباب ١٣ ، من كتاب الحدود ، الحديث ١ و ٢ و ٣ ( الرقم ٣ ـ ٤٣٩١ ، ج ٤ ، ص ١٣٨ ) الترمذي ، الباب ١٨ ، من كتاب الحدود ( ج ٤ ، ص ٥٢ ، الرقم ١٤٤٨ ). النسائي : باب ما لا قطع فيه من كتاب السارق ، ج ٨ ، ص ٨٨ ، ٨٩.

(٢) المبسوط ، ج ٨ ، كتاب السرقة ، ص ٤٥ هذا خلاف ما ذكره عنه ، والعبارة هكذا ، وان كان يسوق قطارا من الإبل أو يقودها ويكثر الالتفات إليها فكلها في حرز .. بل هو مذكور في خلافه كتاب السرقة المسألة ٧.

(٣) النسائي ، كتاب قطع السارق ، الثمر يسرق بعد ان يؤديه الجرين ، الحديث ٢ ، ج ٨ ، ص ٨٦.

وروى نحوه في الموطأ ، الباب ٧ من كتاب الحدود ، ج ٢ ، ص ٨٣١.

(٤) ج. أبو عبيدة.

٤٩٦

وما قاله يقطع إذا ساقها وراعا بلا خلاف ، فهو قول المخالفين.

إذا نقب ثلاثة ، ودخلوا واخرجوا بأجمعهم متاعا ، فبلغ نصيب كل واحد منهم نصابا قطعناهم بلا خلاف ، وان كان أقل من نصاب فلا قطع على ما قدمناه (١).

فإذا ثبت ذلك ونقب الثلاثة وكوروا المتاع ، واخرج واحد منهم دون الباقين ، فالقطع على من اخرج المتاع دون من لم يخرج.

فان نقب اثنان معا ، فدخل أحدهما فأخذ نصابا وأخرجه بيده الى رفيقه ، ولم يخرج هو من الحرز ، أو رمى به من داخل ، فأخذه رفيقه من خارج ، أو اخرج يده الى خارج الحرز والسرقة فيها ، ثم رده (٢) الى الحرز فالقطع في هذه المسائل الثلاث على الداخل دون الخارج.

فان نقبا معا ودخل أحدهما فقرّب المتاع الى باب النقب من داخل ، فادخل الخارج يده فأخذه من جوف الحرز ، فعليه القطع دون الداخل.

قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة ، وقلّده ابن البراج في جواهر فقهه ، إذا نقبا معا ودخل أحدهما فوضع السرقة في بعض النقب ، فأخذها الخارج ، قال قوم لا قطع على واحد منهما ، وقال اخرون عليهما القطع ، لأنهما اشتركا في النقب ، والإخراج معا ، فكانا كالواحد المنفرد بذلك ، بدليل انهما لو نقبا معا ودخلا وأخرجا معا ، كان عليهما الحد كالواحد ، ولأنا لو قلنا ان لا قطع ، كان ذريعة إلى سقوط القطع بالسرقة ، لأنه لا يشاء شيئا (٣) إلا شارك غيره فسرقا هكذا ، ولا قطع ، والأول أصح لأن كل واحد منهما لم يخرجه من كمال الحرز ، فهو كما لو وضعه الداخل في بعض النقب ، فاجتاز مجتاز فأخذه من النقب ، فإنه لا قطع على واحد منهما ، هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطة (٤).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله مصنف هذا الكتاب ، الذي يقتضيه أصول مذهبنا أنّ القطع على الآخذ الخارج ، لانه نقب وهتك الحرز واخرج المال منه ، ولقوله

__________________

(١) ص ٤٩٢ و ٤٩٣.

(٢) ج. ردّها.

(٣) ل. لا إنسان إلّا شارك.

(٤) المبسوط ، ج ٨ ، كتاب السرقة ، ص ٢٦ ـ ٢٧.

٤٩٧

تعالى ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) ، وهذا سارق ، فمن أسقط القطع عنه ، فقد أسقط حدّا من حدود الله تعالى بغير دليل بل بالقياس والاستحسان ، وهذا من تخريجات المخالفين وقياساتهم على المجتاز.

وأيضا فلو كنا عاملين بالقياس ما ألزمنا هذا ، لان المجتاز ما هتك حرزا ولا نقب ، فكيف يقاس الناقب عليه.

وأيضا فلا يخلو الداخل من انه اخرج المال من الحرز ، أو لم يخرجه ، فان كان أخرجه فيجب عليه القطع ، ولا أحد يقول بذلك ، فما بقي الّا انه لم يخرجه من الحرز ، وأخرجه الخارج من الحرز الهاتك له ، فيجب عليه القطع ، لانه نقب واخرج المال من الحرز ، ولا ينبغي ان تعطل الحدود بحسن العبارات وتزويقاتها وثقلها وتوريقاتها ، وهو قولهم ما أخرجه من كمال الحرز أيّ شي‌ء هذه المغلطة (١) ، بل الحق ان يقال أخرجه من الحرز أو من غير الحرز ، لا عبارة عند التحقيق سوى ذلك ، وما لنا حاجة الى المغالطات بعبارات كمال الحرز.

فان نقب إنسان وحده ، ودخل فاخرج ثمن دينار ، ثم عاد من ليلته أو من الليلة الثانية ، فاخرج ثمن دينار ، فكمل النصاب ، فإنه يجب عليه القطع.

ولو قلنا انه لا قطع عليه لكان قويا ، لانه ما اخرج من الحرز في دفعة واحدة ربع دينار ، ولا قطع على من سرق أقل منه.

ودليل الأوّل ان النبيّ عليه‌السلام قال من سرق ربع دينار فعليه القطع ، ولم يفصل ، وقوله تعالى « وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما » وهذا سارق لغة وشرعا ، وبهذا افتى وعليه أعمل.

فإن نقب ودخل الحرز فذبح شاة ، فعليه ما بين قيمتها حية ومذبوحة ، فإن أخرجها بعد الذبح ، فان كانت قيمتها نصابا ، يجب فيه القطع ، فعليه القطع ، وان كانت أقل من نصاب فلا قطع عليه.

فان نقب ودخل الحرز ، وأخذ ثوبا فشقّه ، فعليه ما نقص بالخرق ، فإن أخرجه ،

__________________

(١) ج. ل. المغالطة.

٤٩٨

فإن بلغت قيمته نصابا ، فعليه القطع ، والّا فلا قطع عليه.

إذا سرق ما قيمته نصاب ، فلم يقطع حتى نقصت قيمته لنقصان السوق ، فصارت القيمة أقل من نصاب ، فعليه القطع.

إذا سرق عبدا صغيرا لا يعقل ، انه لا ينبغي ان يقبل الّا من سيّده ، وجب عليه القطع ، فان سرق حرا صغيرا ، فلا قطع عليه من حيث السرقة ، لأن السارق هو من يسرق مالا مملوكا قيمته ربع دينار ، والحر لا قيمة له ، وانما يجب عليه القطع لانه من المفسدين في الأرض ، على ما روى (١) في أخبارنا لا على انه سارق.

إذا سرق ما فيه القطع من المملوكات مع ما لا يجب فيه القطع ، وجب قطعه إذا كان المال قدر ربع دينار عندنا.

ومن سرق من ستارة الكعبة ما قيمته ربع دينار ، وجب قطعه ، دليلنا الآية والخبر الذي رواه أصحابنا ، ان القائم عليه‌السلام إذا قام قطع أيدي بني شيبة ، وعلق أيديهم على البيت ، ونادى مناديه هؤلاء سراق الله (٢) ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي (٣).

والذي ينبغي تحصيله في ذلك ، أن الأصل براءة الذمّة ، وليس الستارة في حرز والآية فمخصوصة بلا خلاف ، والخبر ليس فيه ما يقتضي ان القائم عليه‌السلام يقطعهم على انهم سرقوا ستارة الكعبة ، بل لا يمتنع انهم سرقوا من مال الكعبة الذي هو محرز تحت قفل وغلق ، أو يقطعهم لأمر آخر وسرقة أخرى من مال الله تعالى.

وعلى هذا التحرير لا قطع على من سرق بواري المسجد إذا لم تكن محرزة بغلق أو قفل وقد ذهب شيخنا أبو جعفر ، الى ان من سرقها يجب عليه القطع (٤).

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢٠ ، من أبواب حد السرقة ، والباب ٢٨ من أبواب حد الزنا ، ح ١ ـ ٢ ، وفي الوسائل ، ذكر الشيخ ان قطع اليد هنا ليس للسرقة لأنها مخصوصة بما يملك والحرّ لا يصح تملكه ، بل انّما وجب القطع من حيث كان مفسدا في الأرض والامام مخيّر فيه.

(٢) الوسائل ، الباب ٢٢ ، من أبواب مقدّمات الطواف ، ح ٣ ـ ٩ ـ ١٣.

(٣) في المبسوط ، ج ٨ ، كتاب السرقة ، ص ٣٣ ، وفي الخلاف كتاب السرقة ، المسألة ٢٢.

(٤) الخلاف ، كتاب السرقة المسألة ٢٨.

٤٩٩

وهذه جميعها تخريجات المخالفين وفروعهم ، وليس لأصحابنا في ذلك نص ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة ، وحقن الدماء.

إذا استعار إنسان بيتا من آخر وجعل متاعه فيه ، ثم ان المعير نقب البيت وسرق المتاع ، وجب قطعه.

إذا اكترى دارا وجعل متاعه فيها ، فنقب المكري وسرق المتاع ، فعليه القطع.

إذا نقب المراح بفتح الميم فحلب من الغنم ما قيمته ربع دينار ، فأخرجه ، وجب قطعه.

إذا سرق شيئا موقوفا مثل دفتر أو ثوب أو ما أشبههما وكان نصابا من حرز ، وجب عليه القطع ، لقوله تعالى « وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما » ولان الوقف ينتقل الى ملك الموقوف عليه ، لانه يضمن بالغصب.

وكل عين قطع السارق بها مرة فإنه إذا سرقها مرة ثانية ، قطعناه ، حتى لو تكرر ذلك منه اربع مرات ، قتلناه في الرابعة.

قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة إذا قامت عليه البيّنة بأنه سرق نصابا من حرز لغائب ، وليس للغائب وكيل يطالب بذلك ، لم يقطع حتى يحضر الغائب ، وكذلك ان قامت عليه البيّنة بأنه زنى بأمة غائب ، لم يقم عليه الحد حتى يحضر الغائب ، وان أقر بالسرقة أو بالزنا أقيم عليه الحد فيهما (١).

قال محمّد بن إدريس اما قوله رحمه‌الله في القطع ، فصحيح ، لانه لا مطالب له ، وقد قلنا ان القطع لا يجب الا بعد المطالبة من المسروق منه ، وهاهنا لا مطالب له ، فلأجل ذلك لم يقطع لأنّه حق من حقوق الآدميين ، فلا يقام الا بعد مطالبتهم به على ما قدمناه ، فأما إقامة حد الزنا فلا وجه لتركه بحال ، لانه حق لله محض ، الا ان يدعى الزاني بالأمة المذكورة ان مولاها أباحه نكاحها ، فيصير شبهة ، فلا يقام لأجل ذلك ، لا لأجل غيبة سيدها ، بل لقوله عليه‌السلام ، ادرءوا الحدود بالشبهات (٢).

__________________

(١) الخلاف ، كتاب السرقة ، المسألة ٤٢.

(٢) الوسائل ، الباب ٢٤ ، من أبواب مقدّمات الحدود ، ح ٤.

٥٠٠