كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

الجد أو الجدة أيضا من قبل الام معها ، وهو الأظهر.

والمراد بالسدس الذي هو الطعمة ، سدس جميع أصل الفريضة ، لا سدس ما يصيبه الأب من الفريضة فحسب ، ولا سدس ما يصيب الام من الفريضة فحسب ، بل سدس جميع أصل الفريضة ، بدلالة الخبر الذي أورده شيخنا في الاستبصار مفصلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في أبوين وجدة لأم ، قال للأم السدس ، وللجدة السدس ، وما بقي وهو الثلثان للأب (١). وعموم الأخبار الباقية.

وهذا معنى قوله في نهايته (٢) ويؤخذ من ثلث الام سدس أصل المال ، فيعطى الجد أو الجدة من قبلها ، وكذلك قال في الجد أو الجدة من قبل الأب ، يؤخذ سدس أصل المال.

والمراد بأصل المال في الموضعين ، أصل الفريضة ، لا أصل ما حصل للأم سهمها وفرضها من الفريضة ، وكذلك القول في الأب فليلحظ ذلك ويحتفظ به ، فإنه ملتبس.

وترث الأعمام والعمات ، والأخوال والخالات ، مع فقد من قدمنا ذكره من الوراث ، ويجري الأعمام والعمات من الأب والأم ، مجرى الاخوة والأخوات من قبلهما في كيفية الإرث ، وفي إسقاط الأعمام والعمات من قبل الأب فقط ، ويجري الأخوال والخالات مجرى الاخوة والأخوات من قبل الام ، لواحدهم إذا اجتمع مع الأعمام والعمات السدس ، ولمن زاد عليه الثلث ، الذكر والأنثى فيه سواء ، والباقي للأعمام والعمات من الأب والام ، أو من الأب (٣) ، إذا لم يكن عمّ ولا عمة من قبل الأب والام ، وللذكر من هؤلاء الأعمام والعمات مثل حظ الأنثيين ، هذا على قول بعض أصحابنا.

والأظهر من الأقوال ، والذي يقتضيه أصل مذهبنا ، والذي عليه المحصلون من أصحابنا ، ان واحد الأخوال والخالات يأخذ مع الأعمام والعمّات الثلث ،

__________________

(١) الاستبصار ، الباب ٩٧ ، كتاب الفرائض ، ج ٤ ، ص ١٦٣ ، ح ١٠ ، الرقم ٦١٧.

(٢) النهاية ، كتاب المواريث باب ميراث الوالدين ومن يدخل عليهما.

(٣) ج. ل. والعمات من قبل الأب والام أو من قبل الأب.

٢٦١

وللاثنين فصاعدا الثلث ، نصيب الام ، وانما ذلك مخصوص بالاخوة والأخوات فحسب ، لأنّهم الكلالة ، عندنا على ما قدمناه.

والاخوة والأخوات المتفرقون ، والأعمام والعمات المتفرقون ، والأخوال والخالات المتفرقون ، مثال ذلك ، أخ من قبل الأب والام وأخ من قبل الام فحسب ، وأخ من قبل الأب ، وكذلك الأعمام والأخوال ، فإنه يسقط واحد الثلاثة الذي من جهة الأب خاصة ، فإذا فقد الذي من جهة الأب والام ، قام مقامه الذي من قبل الأب ، الذي أسقطناه في أخذ ما يأخذه ، ومقاسمة من يقاسمه على حد واحد ، فليحصل ذلك ويتأمل.

والدليل على ذلك إجماعنا عليه بغير خلاف أعلمه.

ولا يقوم ولد الأعمام والعمات ، مقام آبائهم وأمهاتهم في مقاسمة الأخوال والخالات ، ولا يقوم أيضا ولد الخؤولة والخالات ، مقام آبائهم وأمهاتهم في مقاسمة الأعمام والعمات ، فلو ترك عمة أو خالة مثلا مع ابن عم وابن خال ، لكانت كل واحدة من العمة والخالة أحق بالميراث منهما ، ولا يرث الأبعد من هؤلاء مع من هو ادنى منه ، الّا من استثنيناه فيما مضى ، من ان ابن العم للأب والام ، يكون أحق عندنا من العمّ للأب ، لإجماعنا على صورة هذه المسألة وعينها ، دون ما عداها ، وليس كذلك إذا ترك أخا لأبيه ، وابن أخ لأبيه وامه ، فان المال هاهنا للأقرب الذي هو الأخ من الأب ، دون ابن الأخ الذي من الأب والام ، فليلحظ ذلك.

وكل واحد من العم والعمة والخال والخالة يأخذ نصيب من يتقرب به ، فإن جرى نقص لمزاحمة زوج أو زوجة ، كان داخلا على من هو من قبل الأب ، مثاله امرأة ماتت ، وخلفت زوجها وعمها وخالها ، فان الزوج يستحق النصف من التركة ، والخال يستحق الثلث ، والباقي وهو السدس للعم ، لانه لو كان من يتقربان به موجودا وهو الأب والام ، كانت القسمة هكذا ، وإجماعنا منعقد على جميع ذلك.

فصل

فان لم يكن أحد ممن قدمنا ذكره من الوراث ، كان ميراثه لمن أعتقه تبرعا ،

٢٦٢

لا فيما يجب عليه من الكفارات أو الواجبات غير الكفارات ، أو أعتق عليه بغير اختياره ، سواء كان المعتق رجلا أو امرأة ، فان لم يكن المباشر للعتق حيا ، ورث ولاء مواليه ورثته ، ذكر انهم وإناثهم على ترتيب ميراث النسب ، لأنه يجري مجراه ، ويرثه من يرث من ذوي الأنساب على حد واحد ، على ما قدمناه (١) ، إلّا الاخوة والأخوات من الأم ، أو من يتقرب بها من الجد والجدّة ، والخال والخالة وأولادهما ، لقوله عليه‌السلام المجمع عليه الولاء لحمة كلحمة النسب (٢).

وبعض أصحابنا يقول ان لم يكن المعتق حيا باقيا فالميراث لولده الذكور منهم دون الإناث ، سواء كان المباشر للعتق رجلا أو امرأة ، وهو اختيار شيخنا المفيد في مقنعته (٣).

ومن أصحابنا من قال ان ولد المعتقة لا يقومون مقامها في الميراث ، ذكورا كانوا أو إناثا ، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته (٤) ، وان كان قد رجع عن ذلك جميعه في مسائل خلافه (٥) ، وقال بما اخترناه ، وهو الحق اليقين.

فان لم يكن للمعتق أولاد ، فالميراث للعصبة وأولادهم الإخوة ، ثم الأعمام ، ثم بنوا العم ، هذا على مقالة شيخنا في نهايته (٦) ، لا على ما ذهب إليه في مسائل خلافه.

وجرّ الولاء صحيح ، وصورته ان يزوج عبده بمعتقة غيره ، فولاء أولادها لمن أعتقها ، فإن أعتق مولى أبيهم أباهم ، انجر ولاء الأولاد إلى مولى أبيهم من مولى أمهم فإن أعتق مولى جدهم لأبيهم جدهم مع كون أبيهم عبدا انجر ولاء الأولاد الى من أعتق جدهم من مولى أمهم ، فإن أعتق بعد ذلك مولى أبيهم أباهم ، انجر ولاء الأولاد إلى مولى أبيهم من مولى جدهم ، ولا ينجرّ ولاء من بوشر عتقه إلى غير من باشره في حال من الأحوال ، ولا ينجرّ ولاء أولاد حرّة أصليّة لم يمسّها رقّ أصلا ، وان

__________________

(١) في ص ٢٤٦.

(٢) الوسائل ، الباب ٤٢ ، من كتاب العتق ، ح ٢ ـ ٦.

(٣) المقنعة أبواب فرائض المواريث باب ميراث الموالي وذوي الأرحام ص ٦٩٤.

(٤) و (٦) النهاية كتاب الميراث باب ميراث الموالي مع وجود ذوي الأرحام.

(٥) الخلاف ، كتاب الفرائض مسألة ٨٦.

٢٦٣

أعتق معتق أباهم ، لان أمهم ما أعتقها معتق ، حتى ينجرّ الولاء منه الى من أعتق أباهم.

والحر إذا تزوج بامة ولم يشرط مولاها كون الأولاد رقّا فالأولاد أحرار عندنا بغير خلاف ، فإن أعتقها مولاها لا يثبت ولاء يثبت ولاء على الأولاد بحال.

عبد تزوج بمعتقة رجل ، فاستولدها بنتين ، فهما حرتان ، إذا لم يشترط مولاه رقّ الأولاد ، وولاؤهما لمولى الام ، فاشترتا أباهما ، فإنه ينعتق عليهما ، كل ذلك بلا خلاف ، مات الأب ، للبنتين الثلثان بحق النسب ، والباقي رد عليهما باية اولي الأرحام ، لا بحق الولاء ، لان الولاء عندنا انما يثبت إذا لم يكن هناك ذو نسب قريب أو بعيد ، فإذا كان هناك نسب فلا ميراث بالولاء على حال ، وهذا أصل فيما يتعلق بهذا الباب.

وإذا اشترى المعتق عبدا فأعتقه ، فولاؤه له ، فان مات ولم يخلف أحدا ، فولاؤه لمولى المولى ، أو لمن يتقرب به ممن يستحق الولاء ، سواء كان المعتق رجلا أو امرأة ، لا يختلف الحكم فيه.

قد قلنا انّه إذا زوج الرجل معتقته بعبد ، ثم جاءت بولد ، فولاء الولد لمولى المعتقة ، ثم ان سيد العبد أعتق عبده ، انجر الولاء من مولى الأمة إلى مولى أبي الولد ، فان زوّج رجل أمته بعبد فجاءت بولد ، فأعتقها سيدها مع ابنها ، فان الولاء لمولى الأمة ، ثم أعتق مولى العبد عبده فهاهنا لا ينجر الولاء اليه.

والفرق بين هذه المسألة والتي قبلها حيث قلنا انه إذا أعتق الأب ينجر الولاء الى سيّده ، لان هناك ما صادف عتقا هذا الابن ، وما باشر عتقا فلأجل هذا قلنا ينجرّ الولاء الى مولى الأب ، وليس كذلك هاهنا ، لأنه صادف عتقا وباشر العتق ، فلم ينجرّ الولاء الى غيره ، فليلحظ ذلك.

وحكم المدبّر حكم المعتق على حدّ واحد.

وامّا المكاتب فلا يثبت الولاء عليه الّا بشرط ، فإذا لم يشرط كان سائبة.

ولا يصح بيع الولاء ولا هبته بحال

٢٦٤

[ ولاء ضمان الجريرة ]

واما ولاء تضمن الجريرة فهو ان يكون المعتق سائبة ، وهو كل من أعتق في كفارة ، أو في واجب غير الكفارة ، أو أعتق عبدا تبرعا وتبرأ من ضمان جريرته فإنه يتوالى الى من شاء ، ممّن يضمن جريرته وحدثه ، أو يكون إنسان لا نسب له معروف ، فيتوالى الى إنسان معروف النسب ، أو يتوالى مجهول النسب الى مجهول النسب ، كالحميلين ، فاما معروف النسب والورّاث (١) ، فلا يجوز ان يتوالى الى أحد بحال ، الا انّ لا يكون له وارث ، فيتوالى إذ ذاك فمتى مات هذا الإنسان ، ولا أحد يرثه من قريب ولا بعيد ، فميراثه لمن ضمن جريرته وحدثه ، فإذا مات بطل هذا الولاء ، ورجع الى ما كان ، ولا ينتقل منه الى ورثته ، كانتقال ولاء المعتق (٢).

وذهب شيخنا المفيد في مقنعته (٣) ، إلى انهما سواء في جميع الاحكام ، وما اخترناه رأي شيخنا أبي جعفر في إيجازه (٤) ، وهو الأظهر ، لأن انتقال الضمان بعد الموت والإرث يحتاجان الى دليل شرعي ، لأن هذا حكم التزمه ضامن الجريرة على نفسه ، ولا دليل على التزام ورثته له بعد موته ، فليلحظ ذلك.

فإذا تعاقدا بينهما ولاء تضمن الجريرة ، فليس لأحدهما فسخ ذلك العقد ، سواء عقل عنه بعد العقد ، أو لم يعقل ، وبعض المخالفين لنا قال له الفسخ ما لم يعقل عنه ، واختاره شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافة (٥).

ومذهبنا الأوّل ، لأنه الذي يقتضيه أصولنا ، ولقوله تعالى « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » (٦) ، وهذا عقد يجب الوفاء به.

[ ولاء الإمامة ]

وامّا ولاء الإمامة ، فهو كل من لا وارث له قريب ولا بعيد ، ولا مولى عتاقة

__________________

(١) ج. ل. الوارث.

(٢) ج. ل. ولاء العتق.

(٣) المقنعة أبواب فرائض المواريث ص ٦٩٤.

(٤) الإيجاز فصل في ذكر الولاء ص ٢٧٨ من كتاب الرسائل العشر.

(٥) الخلاف ، كتاب العتق ، مسألة ٩.

(٦) سورة المائدة ، الآية ١.

٢٦٥

ولا مولى تضمن جريرة ، فإن ولاءه للإمام وميراثه له ، لأنه الذي يضمن جريرته وحدثه من ماله وخاصّة ، دون مال بيت المسلمين ، فإذا مات الامام انتقل الى الامام الذي يقوم بأمر الأمة مقامه ، دون ورثته الذين يرثون تركته ، ومن يتقرب اليه.

قد قلنا انه إذا مات العبد المعتق وليس له مولى ، فميراثه لمن يتقرب الى مولاه من جهة أبيه ، دون أمه ، الأقرب أولى من الأبعد على تدريج ميراث المال ، وبينا خلاف أصحابنا في ذلك ، وما ذهبنا اليه هو اختيار شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه فإنه قال مسألة : إذا مات العبد المعتق وليس له مولى ، فميراثه لمن يتقرب الى مولاه من جهة أبيه دون أمه ، الأقرب أولى من الا بعد على تدريج ميراث المال ، ثم قال دليلنا إجماع الفرقة وأيضا قوله عليه‌السلام الولاء لحمة ـ بضم اللام ـ كلحمة النسب (١) ، هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله (٢) وهو الصحيح.

وسهم الزوج والزوجة ثابت مع جميع من ذكرناه على ما مضى بيانه وتحريره.

فصل

قد بينا فيما مضى ان الكافر لا يرث المسلم ، فامّا المسلم فإنه يرث الكافر عندنا ، وان بعد نسبه ، ويحجب من قرب عن الميراث بلا خلاف بيننا ، وقد دللنا على ذلك بظواهر آيات الميراث ، لأنه إنما يخرج من ظاهرها ما أخرجه دليل قاطع ، وأيضا فالإسلام يزيده قوة وعلوّا ، لقوله عليه‌السلام الإسلام يعلو ولا يعلى عليه (٣). وبهذا يحتج على المخالف ، وبقوله عليه‌السلام الإسلام يزيد ولا ينقص (٤).

فاما ما رووه من قوله عليه‌السلام لا توارث بين أهل ملتين (٥) ، ومن قول بعض الصحابة في ذلك ، فأكثره مضعف مقدوح في رواته (٦) ، ثم هو مخالف لظاهر

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٤٢ ، من كتاب العتق ، ح ٢ ـ ٦.

(٢) الخلاف ، كتاب الفرائض ، مسألة ١٤١.

(٣) و (٤) الوسائل ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، ح ١١ ـ ٩.

(٥) الوسائل الباب ١ من أبواب موانع الإرث ح ١٤ ـ ١٥ ـ ١٧ ، وفي المصدر ، لا يتوارث أهل ملّتين.

(٦) ج. ل. روايته.

٢٦٦

القرآن ، ومعارض لما قدمناه ، ولو سلم من ذلك كله ، لكان من اخبار الآحاد التي لا يجوز العمل بها في الشرعيات عندنا ، لأنها لا تثمر علما ولا توجب عملا.

على انا نقول بموجب قوله عليه‌السلام ـ لا توارث بين أهل ملتين ـ لو سلمناه تسليم جدل ، لان التوارث تفاعل وذلك لا يكون الّا بان يرث كل واحد منهما الآخر ، ونحن لا نقول بان الكافر يرث المسلم ، فلا توارث بينهما ، والحال هذه وقول بعض المخالفين ـ ان التوارث انما هو للنّصرة والموالاة ، ولذلك يرث الذكور من العصبة دون الإناث ، ولا يرث القاتل ولا العبد لنفي النّصرة ـ ، ممّا لا يعول عليه ، لانه غير مسلّم ان التوارث لما ذكروه ، وقد ورث النساء والأطفال مع فقد ذلك فيهم ، ثم ان النّصرة مبذولة من المسلم للكافر في الحق والواجب ، كما أنها مبذولة للمسلم بهذا الشّرط.

وإذا خلف المسلم ولدا كافرا ، ولم يخلف غيره من ولد ، ولا والد ، ولا ذي رحم ، ولا زوج ، ولا زوجة ، ولا قريب ، ولا بعيد من المسلمين ، كان ميراثه للإمام عليه‌السلام وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته (١) ، كان ميراثه لبيت المال ، وأطلق ذلك ومقصوده لبيت مال الامام ، دون بيت مال المسلمين.

فان خلف مع الولد الكافر ولدا أخر مسلما ، كان المال له ، ذكرا كان أو أنثى ، دون الكافر ، وكذلك إذا كان بدل الولد المسلم أحد ذوي أرحامه ، قريبا كان أو بعيدا ، كان المال للمسلم كائنا ما كان على ما قدمناه ، وسقط الولد الكافر ، ولا يستحق منه شيئا على حال.

فان خلف من الورّاث المسلمين أكثر من واحد ممن يتقدّر (٢) القسمة بينهم ، وولدا كافرا ، كان المال للوراث المسلمين ، دون الولد الكافر أو الأقرب الكافر.

فإن أسلم الولد الكافر أو الأقرب الكافر قبل قسمة الميراث بين الوراث المسلمين ، كان له نصيبه ، وان أسلم بعد قسمة المال ، لم يكن له شي‌ء على حال ، فهذا معنى قوله عليه‌السلام من أسلم على ميراث قبل قسمته فله حقه (٣).

__________________

(١) النهاية ، كتاب الميراث باب توارث أهل الملتين.

(٢) ج. لا يتقدر.

(٣) الوسائل ، الباب ٣ من أبواب موانع الإرث ، ج ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥ الّا انّ في المصدر هكذا فله ميراثه ـ فهو له.

٢٦٧

وكذلك من أعتق على ميراث ، الحكم في ذلك سواء ، لا يختلف.

فان خلف وارثا مسلما وأخر كافرا ، كان للمسلم المال دون الكافر ، فإن أسلم الكافر لم يكن له من المال شي‌ء ، لأن المسلم قد استحق الميراث عند موت الميّت ، وانما يتصور القسمة إذا كانت التركة بين نفسين فصاعدا ، فإذا أسلم قبل القسمة قاسمهم على ما بيناه ، وذلك لا يتأتى في الواحد على حال.

وقال شيخنا أبو جعفر ، في نهايته ، وإذا خلفت المرأة زوجها وكان مسلما ، وولدا ، أو والدا ، أو ذوي أرحام كفارا ، كان الميراث للزوج كله ، وسقط هؤلاء كلهم ، فإن أسلموا ، رد عليهم ما يفضل من سهم الزوجية (١) و (٢).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله وهذا غير مستقيم على الأصل الذي أصله وقرره في صدر الباب ، اعني باب توارث أهل ملتين ، وإجماعنا أيضا مستقر عليه ، وهو انه إذا كان الوارث المسلم واحدا استحق بنفس الموت الميراث ، ولا يردّ على من أسلم بعد الموت من الميراث شي‌ء على حال ، لان هاهنا لا تتقدر القسمة ، والزوج عندنا في هذه الحال وارث جميع المال ، النصف بالتسمية ، والنصف الآخر رد عليه بإجماع أصحابنا على ما قدمناه ، بل كان هذا يستقيم لشيخنا أبي جعفر لو كان المخلف زوجة ، لان هاهنا تتقدر القسمة بينها وبين الامام عليه‌السلام لأنها غير وارثة بنفس الموت جميع المال ، بل (٣) لها الربع فحسب ، والباقي لإمام المسلمين.

فإن أسلم الوارث الكافر قبل قسمة المال بينها وبين الإمام ، أخذ ما كان يأخذه الامام ، وان أسلم بعد القسمة ، فلا شي‌ء له بحال ، فليلحظ ذلك ، فإنه واضح جلي.

وروي انه إذا خلف الكافر أولادا صغارا ، واخوة وأخوات من قبل الأب ، واخوة وأخوات من قبل الام مسلمين ، كان للاخوة والأخوات من قبل الام الثلث ، وللاخوة والأخوات من قبل الأب الثلثان ، وينفق الاخوة (٤) من قبل الام

__________________

(١) ج. ل. الزوج.

(٢) النهاية ، كتاب الميراث باب توارث أهل الملتين.

(٣) ج. بل كان لها.

(٤) ل. الاخوة والأخوات.

٢٦٨

على الأولاد بحساب حقهم ثلث النفقة ، وينفق الاخوة والأخوات من الأب بحساب حقهم ثلثي النفقة ، فإذا بلغ الأولاد ، وأسلموا ، سلّم الاخوة إليهم ما بقي من الميراث ، وان اختاروا الكفر ، تصرّفوا في باقي التركة ، ولم يعطوا الأولاد منها شيئا. وان كان أحد أبوي الأولاد الصغار مسلما ، وخلف اخوة وأخوات من قبل أب أو من قبل أم ، كان الميراث للأولاد الصّغار ، فإذا بلغوا أجبروا على الإسلام ، وقهروا عليهم ، فإن أبوا كانوا بحكم المرتدين الأصليين ، وجرى عليهم ما يجرى عليهم سواء ، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته (١).

والذي يقتضيه أصل مذهبنا ان في المسألة الاولى ، يكون الميراث بين الاخوة من الأب والاخوة من الام ، للذين من قبل الأب الثلثان ، وللذين من قبل الام الثلث ، يتصرفون فيه تصرف المالكين في أملاكهم ، لأنه لا وارث مسلم لهذا الميّت الكافر ، سواهم ، لأنهم استحقوا الميراث ، دون من عداهم من سائر الناس ، لانه لا وارث له مسلم سواهم ، ولو لم يكن كذلك ، ما جاز لهم قسمة الميراث بينهم ثلثين وثلثا ، ولا سوغ لهم الشارع ذلك.

فعلى هذا التحرير والتقرير ، إذا بلغ الأولاد واختاروا الإسلام ، لا يجب على الاخوة ردّ شي‌ء من الميراث إليهم بحال ، ولا يجب لهم النفقة أيضا قبل البلوغ ، ولا يلزم الاخوة ذلك بحال على الأصل الذي أصلناه وقررناه ، لأن الأولاد حكمهم حكم آبائهم فيما يجري عليهم من الاحكام الشرعيات ، لأنهم لا يدفنون في مقابر المسلمين لو ماتوا قبل البلوغ ، ولا إذا قتلهم قاتل من المسلمين يقاد بهم ، ولا ديتهم ديات المسلمين ، بل حكمهم في جميع ذلك احكام الكفار.

كما ان في المسألة الثانية لا يرثه الإخوة المذكورة بل ورثه أولاده الأطفال دون إخوته ، لأنهم بحكم أبيهم المسلم ، فلأجل ذلك إذا بلغوا ولم يختاروا الإسلام ، كان حكمهم حكم المرتدين عن فطرة الإسلام ، والأولاد في المسألة الاولى لا يقهرون على الإسلام ، ولا إذا اختاروا الكفر كان حكمهم حكم المرتدّين عن فطرة الإسلام ،

__________________

(١) النهاية ، كتاب الميراث باب توارث أهل الملتين.

٢٦٩

ولا حكم المرتدّ الذي كان كافرا ثم أسلم ، لأنهم بحكم الكفار الأصليين ، فليلحظ ذلك ، فان فيه لبسا على من لم ينعم النظر ، وانما الرواية من اخبار الآحاد أوردها شيخنا في نهايته إيرادا ، كما أورد أمثالها مما لا يعمل به.

والمسلم إذا كان له أولاد ذميون ، وقرابة كفار ، ومولى نعمة مسلم ، أو مولى تضمن جريرة ، أو مولى امامة ، فان ميراثه للمولى المسلم ، دون أولاده وقراباته الكفار.

والمسلمون يرث بعضهم بعضا وان اختلفوا في الآراء والمذاهب ، والاعتقادات والديانات ، والمقالات ، لأن الذي به يثبت الموارثة ، إظهار الشهادتين ، والإقرار بأركان الشريعة ، من الصّلاة والزكاة ، والصوم ، والحج ، دون فعل الإيمان الذي يستحق به الثواب ، وبتركه العقاب.

وقد يوجد في بعض نسخ المقنعة في باب أهل الملل المختلفة ، والاعتقادات المتباينة ويرث المؤمنون أهل البدع ، من المعتزلة والمرجئة والحشوية ولا ترث هذه الفرق أحدا من أهل الايمان ، كما يرث المسلمون الكفّار ، ولا يرث الكفار أهل الإسلام (١).

والأوّل هو المذهب المحصل ، والقول المعول عليه ، والمرجوع اليه.

والكفار على اختلافهم يتوارث بعضهم من بعض ، لان الكفر كالملة الواحدة ، لقول أبي عبد الله عليه‌السلام لا يتوارث أهل ملتين ، نحن نرثهم ولا يرثونا (٢) ، فجعل من خالف الإسلام ملة واحدة.

والمسلم الذي يولد (٣) على فطرة الإسلام ، ثم ارتدّ ، فقد بانت منه امرأته ، ووجب عليها عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وقسم ميراثه بين ورثته ، وتستحق الزوجة سهمها معهم ، لانه بحكم الميت ، فكأنه قد مات ، وهي زوجته ، ما فارقها الّا بالموت ، فكأنه قد مات عن زوجة ، ولا يستتاب ، بل يقتل على كل حال ، فان القتل

__________________

(١) المقنعة ، باب مواريث أهل الملل المختلفة ص ٧٠١.

(٢) الوسائل : الباب ١ ، من أبواب موانع الإرث ، ح ٦.

(٣) ج. ل. ولد.

٢٧٠

قد تحتم عليه ، فان لحق بدار الحرب ، ثم مات وله أولاد كفار وليس له وارث مسلم ، كان ميراثه لإمام المسلمين.

ومن كان كافرا ، فأسلم ثم ارتد ، عرض عليه الإسلام ، فإن رجع اليه ، والّا ضربت عنقه ، وتعتد امرأته منه عدة المطلقة ، دون عدة المتوفّى عنها زوجها ، لأنّها بانت منه قبل موته ، وتلك ما بانت منه الّا بعد موته الذي هو ارتداده الذي هو بمنزلة موته ، فان قتل أو مات وزوجته في العدة ، ورثته مع ورّاثه المسلمين ، قد حكم (١) عليها استيناف عدّة المتوفّى عنها زوجها ، مذ يوم (٢) مات لانه لو تاب ورجع الى الإسلام قبل خروجها من عدّتها ، كان أملك بها بالعقد الأول ، فإن ماتت في العدة ، لم يرثها وهو على حال الكفر ، لأنا قد بينا ان الكافر لا يرث المسلم ، والمسلم يرث الكافر ، ولا يجب عليها على جميع الأحوال إلّا عدة المطلقة ، دون المتوفّى عنها زوجها ، ما عدا الموضع الذي ذكرناه واستثنيناه من وجوب استيناف عدة الوفاة ، لأنه لو تاب وهي في العدة ، كان أملك بها ، وانما يجب على من مات زوجها وهي في عدة يكون بها أملك ، ان يستأنف عدة المتوفّى عنها زوجها ، لقوله تعالى « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً » (٣) وهذا قد وذر زوجة ، لان المعتدة عدة رجعية عندنا بغير خلاف بيننا زوجة.

وهذا المرتد الذي ارتد لا عن فطرة الإسلام ، لا يقسم ماله بين ورثته ، الى ان يموت أو يقتل ، ولو لحق بدار الحرب ، بل يوقف وهو على ملكه ، ما زال عنه بارتداده.

وقال شيخنا في نهايته ، ومن كان كافرا فأسلم ثم ارتد ، عرض عليه‌السلام ، فان رجع اليه ، والّا ضربت عنقه ، فان لحق بدار الحرب ، ولم يقدر عليه ، اعتدت منه امرأته عدة المطلقة ، ثمّ يقسّم ميراثه بين أهله ، فإن رجع الى الإسلام قبل انقضاء عدتها ، كان أملك بها ، وان رجع بعد انقضاء عدتها ، لم يكن له عليها سبيل ، فان مات على كفره وله أولاد كفّار ، أو لم يخلّف وارثا مسلما ، كان ميراثه لبيت المال ، هذا

__________________

(١) ج. ل. ووجب عليها.

(٢) ج. ل. منذ.

(٣) سورة البقرة ، الآية ٢٣٤.

٢٧١

أخر كلامه رحمه‌الله (١).

الّا انه رجع عنه في مسائل خلافه (٢) ، ومبسوطة (٣) ، وذهب الى ما اخترناه ، لأن قسمة أموال بني آدم وانتقالها منهم حكم شرعي ، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، وانما الشافعي في أحد قوليه يقول المرتد الذي يستتاب يزول ملكه عن ماله ، وينتقل ماله الى ورثته ، وهو حي ، ومذهبنا بخلاف ذلك ، بل ماله باق على ملكه ما دام حيا ، وبالموت أو القتل ينتقل عنه الى ورثته المسلمين ، فليلحظ ذلك.

وقوله رحمه‌الله كان ميراثه لبيت المال ، فمراده بيت مال الامام ، دون بيت مال المسلمين ، فليلحظ ذلك في جميع ما يقوله في باب المواريث.

وقد قدمنا انه إذا أسلم الكافر ، أو عتق المملوك على ميراث بعد قسمته ، لم يرث شيئا.

ومتى لم يكن للميت الّا وارث مملوك ، ابتيع من التركة ، وعتق ، وورث الباقي ويجبر المالك على بيعه بالقيمة العدل ، هذا إذا كانت التركة تبلغ قيمته ، أو زائدا عليها ، فاما إذا نقصت عن ذلك ، فلا يجب شراؤه ، ولا يجبر المولى على بيعه ، وتكون التركة لإمام المسلمين بغير خلاف.

وروي انه إذا كانت التركة أقل من ثمن المملوك ، استسعي في الباقي (٤) ، ذهب اليه بعض أصحابنا.

والأول الأظهر ، وعليه العمل والفتاوى.

فان كان الوارث اثنين ، أو جماعة ، ونقصت التركة عن شرائهما ، أو شراء جميعهم ، ووفت بثمن واحد منهم ، فلا يشترى من وفت بثمنه ، بغير خلاف.

وذهب أكثر أصحابنا إلى انه لا يشترى إلّا ولد الصلب ، والوالد والوالدة فحسب ، دون من عداهم من سائر الورّاث من ذوي الأنساب والأسباب.

وهو الذي يقوى في نفسي ، واعمل عليه ، وافتى به ، وهو اختيار شيخنا

__________________

(١) النهاية كتاب الميراث باب توارث أهل الملتين آخر الباب.

(٢) الخلاف كتاب المرتد مسألة ٧.

(٣) المبسوط ج ٧ كتاب المرتد ص ٢٨٣.

(٤) أورده الشيخ قدس‌سره في النهاية باب الحرّ المسلم يموت ، وقال لست اعرف بذلك أثرا.

٢٧٢

المفيد (١) ، والسيّد المرتضى (٢) ، والأول اختيار شيخنا أبي جعفر الطوسي (٣).

والذي يدل على صحة ما اخترناه ، انه لا خلاف بيننا في ان الرق يحجب الورّاث عن الإرث ، مثل الكفر والقتل عمدا على جهة الظلم ، وبإجماعنا اشتري الثلاثة المذكورون ، وليس معنا إجماع منعقد ممن عداهم ، فبقينا فيمن عداهم على الأصل.

وشيخنا أبو جعفر في نهايته (٤) يوجب شراء الزوج والزوجة ، الّا انه رجع عن ذلك في استبصاره (٥) ، وذهب الى انه لا يشترى واحد منهما ، ولا يورث ، بل يكون التركة لإمام المسلمين.

واما ما عدا الولد للصلب والوالدين من سائر القرابات ، فلم يرد بذلك الآخر واحد مرسل ، وراويه عبد الله بن بكير ، وهو فطحي المذهب ، وقد قلنا ما عندنا في ذلك فلا وجه لإعادته.

وأم الولد إذا مات سيدها وولدها حيّ ، ولم يكن عليه دين ، جعلت في نصيب ولدها ، وعتقت عليه ، فان لم يخلّف غيرها عتق منها نصيب الولد ، واستسعيت في الباقي لغيره من الورثة ، فإن كان ثمنها دينا على سيّدها ، بيعت في الدين إذا لم يخلف ما يحيط بثمن رقبتها.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته في باب أمهات الأولاد ، وإذا مات مولاها وولدها حيّ ، جعلت في نصيب ولدها ، وقد انعتقت ، فان لم يخلف غيرها ، كان نصيب ولدها منها حرا ، واستسعيت في الباقي لمن عدا ولدها من الورثة ، فان لم يخلف غيرها وكان ثمنها دينا على مولاها ، قوّمت على ولدها ، ويترك الى ان يبلغ ،

__________________

(١) في المقنعة ، باب الحرّ إذا مات وترك وارثا مملوكا ٦٩٥.

(٢) في الانتصار ، والعبارة هكذا ـ من مات وخلف مالا وأبا مملوكا وامّا مملوكة ، فان الواجب ان يشتري من تركته ويعتق.

(٣) في النهاية ، باب الحرّ المسلم يموت.

(٤) النهاية كتاب الميراث باب الحر المسلم يموت.

(٥) الاستبصار ، الباب ١٠٣ من كتاب الفرائض.

٢٧٣

فإذا بلغ اجبر على ثمنها ، فان مات قبل البلوغ ، بيعت في ثمنها ، وقضي به الدين (١).

الّا انه رجع عن هذا أيضا في نهايته ، في باب السراري وملك الايمان ، في كتاب النكاح ، فإنه قال في أخر الباب ، وإذا كان للرجل جارية رزق منها ولدا لم يجز له بيعها ما دام الولد باقيا ، فان مات الولد جاز له بيعها ، ويجوز بيعها مع وجود الولد في ثمن رقبتها إذا لم يكن مع الرجل غيرها ، فان مات الرجل ولم يخلف غيرها ، بيعت وقضى بثمنها دينه ، وان كان له مال غيرها ، جعلت من نصيب ولدها ، وتنعتق ، هذا أخر كلام شيخنا (٢).

ولا يرث القاتل عمدا مقتوله على وجه الظلم ، على ما بيناه (٣) بلا خلاف ، ويرثه إذا كان قتله خطأ ما عدا الدية المستحقة عليه ، أو على عاقلته ، بدليل الإجماع من الطائفة على ذلك ، وظاهر آيات المواريث ، وقاتل العمد إنما أخرجناه من الظاهر بدليل قاطع ، وليس ذلك في قاتل الخطأ.

وقول المخالف لو كان قاتل الخطأ وارثا لما وجب تسليم الدية عليه.

ليس بشي‌ء ، لأنه لا تنافي بين وجوب تسليم الدية ، وبين الميراث ممّا عداها.

ولا يرث من الدية أحد من كلالة الأم ، ولا من يتقرب بها ، ويرثها من عداهم من ذوي الأنساب والأسباب.

ولا يستحق أحد من الزوجين القود على حال ، فإن رضي الورثة المناسبون بأخذ الدية ، وبذلها القاتل ، كان لهما نصيبهما فيها.

وميراث ولد الملاعنة لأمّه ولمن يتقرب بها ، ويرثها هو ومن يتقرب بها ، ولا يرثه أبوه ولا من يتقرب به على حال ، ولا يرثه الولد الّا ان يقرّ به بعد اللّعان ، فيرثه الولد دون أقاربه ، لأن إقراره في حق نفسه فحسب ، هذا على قول بعض أصحابنا ، وهو الذي أورده شيخنا في نهايته (٤).

__________________

(١) النهاية كتاب العتق باب أمهات الأولاد.

(٢) النهاية ، كتاب النكاح ، باب السراري والايمان.

(٣) في ص ٢٧٣.

(٤) النهاية ، كتاب الميراث ، باب ميراث الملاعنة.

٢٧٤

وقال اخرون منهم ولا يرث ولد الملاعنة ملاعن امّه المصر على نفيه ، ولا من يتعلق بنسبه ، ولا يرثونه ، ومن يتعلق بنسبه ، ويرثه بعد الاعتراف به والرجوع عن نفيه ، ومن يتعلق بنسبه ، ولا يرثه الأب ولا من يتعلق بنسبه.

وهذا هو الأقوى عندي ، لأنه إذا أقرّ به ، حكم عليه بأنه ابنه ، الّا ما أخرجه الدليل ، ولأن الإقرار بمنزلة البيّنة ، بل أقوى.

الّا أن لقائل أن يقول : قد حكم الشارع في هذا الموضع انه ليس بولد له. كما لو أقرّ اللقيط بأنه عبد ، لا يقبل إقراره بالعبوديّة ، لأن الشارع حكم بأنه حر ، فلا يقبل إقراره بالرّق.

والذي اعتمده في هذه الفتوى ، ان الولد يرثه بعد إقراره به ، دون غيره من قراباته ، فإنه لا يرثهم ولا يرثونه لإجماع أصحابنا على ذلك ، ومن شذ منهم لا يلتفت الى خلافه ، لانه معروف النسب والاسم ، وهو أبو الصلاح صاحب كتاب الكافي الحلبي.

والوالد لا يرث الولد على حال بدليل إجماعنا على ذلك ، وأيضا فالاحتياط فيما ذكرناه ، لأن الإقرار بالولد بعد نفيه قد يكون للطمع في ميراثه ، فإذا لم يورّث ، كان ذلك صارفا له عن الإقرار به لهذا الغرض ، واقتضى ان لا يكون بعد الجحود إلّا لتحري الصّدق فقط.

فان مات ولد الملاعنة ، وخلف أخا من أبيه الذي نفاه ، ومن امه ، وخلف أختا من امه ، كان الميراث بين الأخ والأخت نصفين ، لأنّهما من كلالة الأم ، يتساوى الذكر والأنثى في الميراث ، لان نسب الأخ إليه من أبيه غير معتدّ به ، لانه بعد نفيه ما صار أباه ، فكأنّه خلف أخا وأختا لأم ، فليلحظ ذلك.

وذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في استبصاره ، الى انّ ولد الملاعنة ان اعترف به أبوه بعد الملاعنة ، فإنه يرث أباه ، ولا يرثه أبوه ، ويرث أخواله وترثه أخواله ، إذا كانت امه ميتة ، فاما إذا لم يعترف به أبوه بعد اللعان ، فإنه لا يرث أباه ، وترثه أمه ، فإذا ماتت ، ترثه أخواله ، وهو لا يرث أخواله (١).

__________________

(١) الاستبصار ، الباب ١٠٤ من كتاب الفرائض.

٢٧٥

هذا بخلاف مذهبه في نهايته (١) ، فان فيها أطلق القول.

والصحيح انه يرث أخواله ، وترثه أخواله ، سواء اعترف به أبوه بعد اللعان. أو لم يعترف ، لان نسبه من الام بسبب (٢) شرعي بغير خلاف.

وأورد في استبصاره حديثين قال فيهما ابن الملاعنة ترثه امه الثلث ، والباقي لإمام المسلمين ، لان جنايته على الامام ، فتأوّلهما ، وقال الوجه في هاتين الروايتين ان نقول : انما يكون لها الثلث من المال إذا لم يكن لها عصبة يعقلون عنه (٣).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله وهذا تأويل يرغب الإنسان عنه ، ويربأ بنفسه منه ، لانه مصير الى مذهب المخالفين ، وعدول عن آية ذوي الأرحام ، وأصول المذهب ، ورجوع الى القول بالعصبة ، ثم هدم ونقض لإجماعنا ، وهو ان قرابات الام وكلالتها لا يعقلون ولا يرثون من الدية شيئا بغير خلاف بيننا ، فليلحظ ذلك ويتأمل.

وولد الزنا لا يرث من خلق من نطفته ، ولا من ولدته ، لأنهما غير أبويه شرعا ، ولا من يتقرب بهما اليه ، ولا يرثونه على حال ، لانه ليس بولد لهما شرعا على ما قدمناه ، لان الولد للفراش على ما جاء عنه (٤) عليه‌السلام والفراش المذكور في الخبر عبارة عن العقد ، وإمكان الوطي عندنا وعند الشافعي.

ومن أصحابنا من قال حكمه حكم ولد الملاعنة سواء ، وهو مذهب من خالفنا من الفقهاء.

والأوّل هو المذهب الذي يقتضيه أصولنا.

ويعزل من التركة مقدار نصيب الحمل ، والاستظهار يقتضي عزل نصيب ذكرين ، فان ولد ميتا فلا شي‌ء له ، وان ولد حيا ، ورث ويعلم حياته بالاستهلال ، وهو رفع الصوت أو الحركة الكثيرة التي لا تكون الا من حي ، فربما كان أخرس ، وقد ذكرنا احكام الشهادة بالاستهلال وكيفيتها في كتاب الشهادات (٥) ، فلا وجه لا عادته.

__________________

(١) النهاية ، كتاب الميراث باب ميراث ولد الملاعنة.

(٢) ج. ل. نسب.

(٣) الاستبصار ، الباب ١٠٥ من كتاب الفرائض ، ج ٩ ـ ١٠.

(٤) الوسائل : الباب ٥٦ ، ح ١ ، والباب ٥٨ ، ح ٥ ـ ٤ ـ ٣ ـ ٢ والباب ٧٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء والباب ٨ من أبواب ميراث الملاعنة ، ح ١ ـ ٤.

(٥) في الجزء الثاني ، ص ١٣٨.

٢٧٦

وان ولد مولود ليس له فرج أصلا ، لا فرج الرجال ولا فرج النساء ، فهذا هو المشكل امره ، استخرج بالقرعة بغير خلاف بين أصحابنا في ذلك ، ولقولهم عليهم‌السلام كل أمر مشكل فيه القرعة (١) فما خرجت القرعة ورث عليه ، فيكتب على سهم عبد الله ، وعلى سهم آخر امة الله ، ويجعلان في سهام مبهمة ، ويخلط ويدعو المقرع ، فيقول : اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، بيّن لنا أمر هذا الشخص ، ليحكم فيه بحكمك ، ثم يؤخذ سهم سهم ، فان خرج عليه عبد الله ، حكم له بحكم الذكور وورث ميراثهم ، وان خرج امة الله ، حكم له بحكم الإناث وورّث ميراثهن.

وإذا خلف الميت شخصا له رأسان على بدن واحد ، أو بدنان ورأسان على حقو واحد ، ترك حتى ينام ، ثم ينبّه أحدهما فإن انتبه والآخر نائم ، فهما اثنان ، وان انتبها جميعا ، فهما واحد.

فاما ميراث الخنثى ، وهو الذي له فرج الرجال وفرج النساء معا ، فله أحوال عند أصحابنا ، فأوّل أحواله اعتبار المبال ، فان خرج من فرج الرجال ، ورث ميراثهم (٢) ، وحكم عليه بأنه رجل ، وان خرج البول من فرج النساء ، ورّث ميراثهن ، ويحكم عليه بحكمهن ، فإن بال منهما جميعا ، فالاعتبار بالسابق منهما ، فيورّث عليه ، فإن لم يسبق أحدهما الأخر ، فالاعتبار بالفرج الذي ينقطع البول منه أخيرا فيورّث عليه ويحكم به له ، فان جاء سواء في دفعة واحدة ، وانقطعا سواء في وقت واحد ، فهاهنا وفي هذه الحال يتصور مسألة الخلاف بين أصحابنا فحينئذ فحيّز النزاع (٣).

واما في الأحوال الأول (٤) فلا خلاف بينهم فيها اجمع ، بل الخلاف فيما صورناه ،

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب كيفية الحكم ، الحديث ١١ ، وفيه : « كلّ مجهول ففيه القرعة ». ولعل ما في المتن قاعدة مستنبطة من كلامهم عليهم‌السلام ، كما في الباب ١١ من المستدرك عن دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهم‌السلام « أنّهم أوجبوا الحكم بالقرعة في ما أشكل ».

(٢) ج. ميراث الرجال.

(٣) ج. ل. فحينئذ يظهر محل النزاع.

(٤) ج. ل. الأولة.

٢٧٧

فذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في نهايته (١) ، وإيجازه (٢) ، ومبسوطة (٣) ، إلى انه يورث نصف ميراث الرجال ونصف ميراث النساء ، فيجعله تارة ذكرا وتارة أنثى ، ويعطيه ويورثه نصف سهم الذكر ونصف سهم الأنثى ، قال الذاهب الى هذا القول ، الذي يعول عليه في ميراث الخنثى ، وكيفية قسمته ، ويجعل أصلا فيه ، ان يفرض الخنثى بنتا ونصف بنت مع الباقين من الورثة ، قال وقيل فيه وجه آخر ، وهو أن يقسم الفريضة دفعتين ، بفرض الخنثى في أحدهما ذكرا ، وفي الأخرى أنثى ، فما يصيبه في الدفعتين ، اعطي نصفه من الفريضة.

مثال ذلك : إذا خلف ابنا بيقين ، وخلف خنثى ، فينبغي ان يطلب ما لا يمكن قسمته مع فرض الذكر ومع فرض الأنثى من غير كسر ، وأقل ما يمكن فيه في هذه المسألة ستة ، فإن فرضت الخنثى ذكرا ، كان المال بينهما نصفين ، لكل واحد ثلاثة ، فإن فرضته بنتا كان لها سهمان من ستة فإذا أضفت السهمين إلى الثلاثة ، صارت خمسة ، فتعطى الخنثى نصفها ، وهو سهمان ونصف من ستة وثلاثة ، ونصف للابن المتيقن ، فإذا أردت ان لا ينكسر ، فاجعلها من اثني عشر ، فتعطي الابن سبعة ، والخنثى خمسة.

فان فرضت بنتا بيقين وخنثى ، خرجت الفريضة أيضا من اثني عشر ، فان كان ذكرا كان له ثمانية ، وللبنت أربعة ، وان كانت بنتا ، كان لها ستة ، لأن المال بينهما نصفان بالفرض والرد عندنا ، فنضيف الستة إلى الثمانية ، يصير أربعة عشر ، فتعطى الخنثى نصفها سبعة ، وللبنت المتيقنة خمسة.

فان كان ابن وبنت وخنثى ، فأقل ما يخرج منه سهامهم عشرون ، فان فرضته ذكرا كان له ثمانية ، وان فرضته أنثى ، كان له خمسة ، يصير ثلاثة عشر نعطيه نصفه ستّة ونصفا من عشرين ، فإن أردته بلا كسر ، جعلته من أربعين ، فتعطى الخنثى ثلاثة عشر ، وتبقى سبعة وعشرون ، للابن ثمانية عشر ، وللبنت تسعة ، ثم على هذا

__________________

(١) النهاية : باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم في وقت واحد.

(٢) الإيجاز : فصل في ذكر ميراث الخنثى ص ٢٧٥ من الرسائل العشر.

(٣) المبسوط : ج ٤ ، كتاب الفرائض والمواريث ، ميراث الخنثى ، ص ١١٤.

٢٧٨

المنهاج بالغا ما بلغوا.

وان كان معهم زوج أو زوجة ، أخرجت سهمه ، والباقي قسمته على ما قلناه.

وذهب جماهير أصحابنا والأكثرون منهم والمحصلون ، إلى انه في هذه الحال المتنازع فيها ، يعتبر ويورث بعدد الأضلاع ، فإن نقص عدد أحد الجانبين عن الأخر ، ورث ميراث الرجال وحكم عليه بحكمهم ، وان تساوى الجانبان في عدد الأضلاع ، ورث ميراث النساء وحكم له بحكمهن ، وهو مذهب شيخنا المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي رحمه‌الله فإنه قال في كتابه كتاب الاعلام ، ـ وشرحه على جميع متفقهة العامة فيه ، ومستدلا عليهم ـ ، قال : واتفقت الإماميّة في توريث الخنثى على اعتباره بالمبال ، فان خرج البول (١) مما يكون للرجال خاصّة ، ورث ميراث الرّجال ، وان كان خروجه مما يكون للنساء حسب ، ورث ميراث النساء ، وان بال منهما جميعا نظر الى الأغلب منهما بالكثرة ، فورث عليه ، وان تساوى ما يخرج من الموضعين ، اعتبر باتفاق الأضلاع واختلافها ، فان اتفقت ورث ميراث الإناث ، وان اختلفت ورث ميراث الرجال ، قال رحمه‌الله ولم أجد من العامة أحدا يعتبر في الخنثى ما ذكرناه على الترتيب الذي وصفناه ، قال ولنا بعد الحجة بإجماع الفرقة المحقة على ما ذكرناه في هذه المسألة ، ورود الخبر بذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام بعزوه إلى السنّة الثابتة عنده ، عن نبي الهدى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبطلان مقال من خالفه فيه ، وقطع على فساده من العامة ، إذ لم يعتمد في ذلك على حجة في فساده ، وقد ثبت ان الحق لا يخرج عن امة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو كانت الإمامية مبطلة فيما اعتقدته منه ، وكان من خالفها أيضا مبطلا في إنكاره لما ذكرناه لخرج الحق عن امّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك باطل لما بيّناه ، وهذا آخر كلامه رحمه‌الله (٢).

فقد رجع كما ترى عما ذكره وأورده في مقنعته (٣) بغير شك ولا ارتياب.

__________________

(١) ج. ل. فان كان خروج البول.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) المقنعة ، أبواب فرائض المواريث ، باب ميراث الخنثى ص ٦٩٨.

٢٧٩

وهذا أيضا مذهب السيّد المرتضى رضى الله عنه على ما حكاه عنه ، ذكره في انتصاره مثل ما ذكره شيخه المفيد ، وشرحه كشرحه ، وفضل أحواله كتفصيله ، وصوّره كتصويره ، حرفا فحرفا ، ثم قال في استدلاله على صحة المسألة. والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردّد ، وأيضا فإن باقي الفقهاء عوّلوا عند اشكال الأمر وتقابل الأمارات على رأي وظن وحسبان ، وعوّلت الإماميّة فيما يحكم به في الخنثى على نصوص وشرع محدود ، فقولها على كل حال اولى. هذا آخر كلام السيّد المرتضى (١) الا ترى أرشدك الله الى الخيرات استدلال هذين العالمين القدوتين بإجماع الإمامية على صحة القول في هذه المسألة ، وفساد قول من خالفهما فيه. والى ما ذهبا إليه أذهب ، وعليه اعمل ، وبه افتي ، إذ الدليل يعضده ، والحجّة تسنده ، وهو الإجماع المشار اليه ، والخبر المتفق عليه ، وقد كان في بعض أصحابنا الماضين رحمهم‌الله يتعاطى معرفة مسائل الخناثى ، والضرب لها واستخراج سهامهم بغير انكسار ، وكنا نجيل في ذلك سهامنا مع سهامهم متبعين كلامهم قبل اعمال نظرنا في المسألة ، إذ الإذن البكر تقبل ما يرد عليها بلا روية ولا نظر ، وهذا غير محمود عقلا وشرعا ، فحيث تأملنا المسألة وأعطينا النظر حقه وسبرنا أقاويل أصحابنا وكتبهم ، وجدناها بخلاف ما كنا عليه ، فكشفنا قناع صحتها ، وأوضحنا غياهيب ظلمتها.

وأيضا فالدليل على أصل المسألة قول الله سبحانه ممتنا به على خلقه وعباده « يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً » (٢) وقال تعالى « يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ » (٣) وقال تعالى « أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ » (٤) وقال « وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى » (٥) وما قال في امتنانه ـ والخنثى ـ وقال « أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ » (٦) وقال تعالى « أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى » (٧) فلو كان بعد الأنثى منزلة

__________________

(١) الانتصار ، في الميراث.

(٢) سورة النساء ، الآية ١.

(٣) سورة الشورى ، الآية ٤٩.

(٤) سورة الطور ، الآية ٣٩.

(٥) سورة الليل ، الآية ٣.

(٦) سورة الصافات ، الآية ١٥٣.

(٧) سورة النجم ، الآية ٢١.

٢٨٠