كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

وعلى هذا إذا أراد امرأة أو غلاما على فجور فدفعاه عن أنفسهما ، فقتلاه ، كان دمه هدرا.

ومن اطلع على قوم في دارهم ، أو دخل عليهم من غير إذنهم ، فزجروه ، فلم ينزجر ، فرموه بعد الزجر ، فادى الرمي الى قتله ، أو فقأوا (١) عينه ، لم يكن عليهم شي‌ء.

ومن قتله القصاص ، أو الحد ، فلا قود له ، ولا دية ، سواء كان الحد من حدود الآدميين ، أو من حقوق الله تعالى ، وحدوده ، لان الضارب للحد محسن بفعله ، وقد قال تعالى « ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ » (٢).

والى هذا يذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته (٣).

وذهب في استبصاره إلى انه ان كان الحد ، من حدود الله فلا دية له من بيت المال ، وإذا مات في شي‌ء من حدود الآدميين كانت ديته على بيت المال ، بعد ان أورد خبرين على الحلبي ، والأخر عن زيد الشحام ، بأنّ من قتله الحد ، فلا دية له ، ثم أورد خبرا ، عن الحسن بن صالح الزيدي ، فخص به الخبرين (٤).

ولا خلاف بين المتكلمين في أصول الفقه ، ان اخبار الآحاد لا يخص بها العموم المعلوم ، وان كانت رواتها عدولا ، فكيف وراويه من رجال الزيديّة ، ثم انه مخالف للقرآن والإجماع.

ثم انه قال في خطبة استبصاره ، انه يقضى بالكثرة ، على القلة ، والمسانيد ، على المراسيل ، وبالرواة العدول ، على غير العدول ، فقد اخرم هذه القاعدة ، في هذا المكان ، في مواضع كثيرة من كتابه الذي فنّن (٥) قاعدته.

ومن أخطأ عليه الحاكم بشي‌ء ، من الأشياء ، أو بزيادة ضرب على الحد ، أو غير ذلك ، فقتله ، أو جرحه ، فقد روى أصحابنا ، انه يكون على بيت مال

__________________

(١) ج. ففى‌ء.

(٢) سورة التوبة ، الآية ٩١.

(٣) النهاية ، كتاب الدّيات ، باب من لا يعرف قاتله ومن لا دية له.

(٤) الاستبصار ، ج ٤ ، الباب ١٦٤ من كتاب الدّيات ، ص ٢٧٨.

(٥) ل. قنّن.

٣٦١

المسلمين (١).

ومن حذّر فرمى فقتل ، فلا قصاص عليه ، ولا دية ، لما روى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال قد أعذر من حذّر (٢).

ومن اعتدى على غيره فاعتدى عليه فقتل ، لم يكن له قود ، ولا دية.

وقد روى في شواذ الأخبار أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته (٣) عن عبد الله بن طلحة ، عن أبي عبد الله ( عليه‌السلام ) قال سألته عن رجل سارق دخل على امرأة ليسرق متاعها فلما جمع الثياب تابعته نفسه ، فكابرها فواقعها ، فتحرك ابنها فقام اليه ، فقتله بفأس كان معه فلما فرغ ، حمل الثياب وذهب ليخرج ، فحملت عليه بالفأس فقتلته ، فجاء اهله يطالبون بدمه من الغد ، فقال أبو عبد الله ( عليه‌السلام ) اقض على هذا كما وصفت لك ، فقال يضمن مواليه الّذين طلبوا بدمه ، دم الغلام ، ويضمن السّارق ، فيما ترك أربعة ألف (٤) درهم ، لمكابرتها على نفسها ، وفرجها (٥) انه زان وهو في ماله غرامة وليس عليها في قتلها إياه شي‌ء ، لأنه سارق (٦).

قال محمّد بن إدريس هذه الرواية مخالفة للأدلّة وأصول المذهب ، لأنا قد بيّنا ان قتل العمد ، لا تضمنه العاقلة ، والسارق المذكور قتل الابن عمدا فكيف يضمن مواليه دية الابن ، فاما قتلها له ، فلا قود عليها ، ولا دية في ذلك ، كما قال لانه قد استحق القتل من وجهين ، لمكان غصبه فرجها ، لان من غصب امرأة فرجها ، وجب عليه القتل ، والوجه الثاني لمكان قتله ولدها ، فإنها (٧) يجب لها القود عليه ، وامّا إلزامه في ماله أربعة ألف (٨) درهم. فلا دليل على ذلك.

والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، انه يجب عليه مهر مثلها يستوفى من تركته ، ان كان

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٧ ، من أبواب دعوى القتل وما يثبت به.

(٢) الوسائل ، الباب ٢٦ ، من أبواب القصاص في النفس.

(٣) النهاية ، كتاب الديات ، باب من لا يعرف قاتله ومن لا دية له.

(٤) ج. آلاف.

(٥) ج. وانه.

(٦) الوسائل ، الباب ٢٣ ، من أبواب قصاص النفس ، ح ٢.

(٧) ل. فإنه.

(٨) ج. آلاف.

٣٦٢

قد خلف تركة ، لا يجب أكثر من ذلك لانه لا دليل على أكثر من مهر المثل ، لأنه دية الفرج المغصوب ، وهو العقر ـ بضم العين غير المعجمة وتسكين القاف ـ وهو دية الفرج المغصوب ، عند أهل اللّغة والفقهاء.

وروى أيضا انه قال قلت رجل تزوج امرأة ، فلما كان ليلة البناء ، عمدت المرأة الى رجل صديق لها ، فأدخلته الحجلة ، ـ والحجلة بالتحريك واحدة حجال العروس وهو بيت يزيّن بالثياب والأسرّة والنمارق ، والستور ، هكذا ذكره الجوهري في كتاب الصّحاح (١) ، فلا يظن ظان أن الحجلة السرير ويعضد قول الجوهري الحديث المروي المشهور وهو أعروهن يلزمن الحجال (٢) ، ولا خلاف ان المراد بذلك البيوت ، دون الأسرّة ـ فلما دخل الرجل يباضع اهله ، ثار الصديق ، واقتتلا في البيت ، فقتل الزوج الصّديق ، فقامت المرأة فضربت الزوج ضربة فقتلته ، بالصّديق ، قال تضمن المرأة ، دية الصديق ، وتقتل بالزّوج (٣) ، قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله اما قتلها بالزوج فصحيح ، واما إلزامها دية الصديق في مالها فلا دليل عليه ، من كتاب ، ولا سنة مقطوع بها ، ولا إجماع ، بل لا دية له ، ودمه هدر ، لان قتله مستحق ، لانه متعد بخصومة صاحب المنزل في منزله ، وعلى امرأته ، وانما هذه روايات واخبار آحاد توجد في المصنفات ، لا دليل على صحتها فلا يحلّ ولا يجوز الفتيا بها ، لأنها لا تعضدها الأدلة ، بل الأدلة بالضد منها.

ومن قتل غيره في الحرم ، أو أحد أشهر الحرم ، وهي رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، وأخذت منه الدّية ، صلحا على ما قدمناه ، كان عليه دية وثلث ، من أي أجناس الديات كانت ، لانتهاكه حرمة الحرم ، وأشهر الحرم ، فان طلب منه القود ، قتل بالمقتول.

فان كان انما قتل في غير الحرم ، ثم التجأ إلى الحرم ، ضيّق عليه في المطعم والمشرب ، بان لا يبايع ، ولا يخالط ، الى ان يخرج ، فيقام عليه الحد.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، وكذلك الحكم في مشاهد الأئمة

__________________

(١) الصحاح : ج ٤ ص ١٦٦٧.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) الوسائل ، الباب ٢٣ ، من أبواب قصاص النفس ، ح ٣.

٣٦٣

( عليهم‌السلام ) (١).

يريد بعطفه على الحرم في حكم واحد ، لا في جميع أحكام الحرم ، من انه إذا جنى في غير حرم الإمام الذي هو المشهد ، ثم التجأ إلى المشهد ، ضيّق عليه في المطعم والمشرب ، بان لا يبايع ، ليخرج فيقام عليه الحد ، الّا (٢) انه إذا قتل فيه وأخذت منه الدّية وجبت عليه الدية وثلث لانه لا دليل على ذلك من كتاب أو سنة أو إجماع.

باب ضمان النفوس وغيرها

روى أصحابنا ان من دعا غيره ليلا فأخرجه من منزله ، فهو له ضامن الى ان يرده إلى منزله ، أو يرجع هو بنفسه إليه ، فان لم يرجع الى المنزل ، أو لا يعرف له خبر ، كان ضامنا لديته ، فان وجد قتيلا كان على الذي أخرجه القود ، بعد القسامة من أوليائه على ما مضى شرحه ، أو يقيم البيّنة ، أنّه برئ من قتله ، فان لم يقم بيّنة ، وادعى ان غيره قتله ، ولم يقم بذلك بيّنة بقتل غيره له على ما ادعاه ، كان عليه الدّية ، دون القود على الأظهر في (٣) ، الأقوال ، والرّوايات.

وقد روى ان عليه القود (٤).

والأوّل هو الصّحيح ، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته (٥).

ومتى أخرجه من البيت ثم وجد ميتا فادّعى انه مات حتف انفه ، روى ان عليه الدّية ، أو البيّنة ، على ما ادعاه (٦).

والذي يقتضيه الأدلة انه إذا كان غير متهم عليه ، ولا يعلم بينهما الّا خير وصلح

__________________

(١) النهاية ، كتاب الدّيات باب من لا يعرف قاتله ومن لا دية له.

(٢) ج. لانّه. ل ، لا انّه.

(٣) ج. ل. من الأقوال.

(٤) الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب قصاص النفس ، ح ١.

(٥) النهاية ، كتاب الدّيات باب ضمان النفوس.

(٦) أوردها الشيخ قدس‌سره في النهاية كتاب الدّيات باب ضمان النفوس وفي الجواهر ج ٤٣ ، ص ٨٢ ، عن ابن إدريس ان به رواية.

٣٦٤

فلا دية عليه بحال فاما إذا كان يعلم بينهما مخاصمة ، وعداوة ، فلأوليائه القسامة ، بما يدعونه من أنواع القتل ، فان ادّعوا قتله ، عمدا كان لهم القود ، وان ادعوا انه خطأ كان لهم الدّية ، لأن إخراجه والعداوة التي بينهما تقوم مقام اللوث ، مقدم ذكره ، فليلحظ ذلك.

وإذ استأجر إنسان ظئرا فأعطاها ولده ، فغابت بالولد سنين ، ثم جاءت بالولد ، فزعمت أمه انها لا تعرفه ، وزعم أهلها انهم لا يعرفونه ، فليس لهم ذلك ، وليقبلوه ، فإنّما الظئر مأمونة ، اللهم ، الّا ان يحقّقوا العلم بذلك ، بالأدلة القاطعة للأعذار ، وانه ليس بولد لهم ، فلا يلزمهم حينئذ الإقرار به ، وكان على الظئر الدية ، أو إحضار الولد بعينه ، از من يشتبه الأمر فيه ، ولا يقبل قولهم بمجرده دون البيّنة على الظئر ، لأنها مأمونة ، ومدعى عليها ، وغارمة ، والقول ، قول الأمين ، والمدعى عليه بلا خلاف.

وإذا استأجرت الظئر ، ظئرا أخرى ، من غير اذن صاحب الولد ، فغابت به ، ولا يعرف له خبر ، كانت عليها الدية ، لأنها فرطت بتسليمه الى غيرها ، من غير اذن وليّه.

وقد روى انه متى تقلّبت (١) الظئر ، على الصبيّ في منامها ، فقتلته ، فان كانت انما فعلت ذلك للفقر والحاجة ، كانت الدية على عاقلتها ، وان كانت انّما طلبت المظاءرة ، للفخر والعز كان عليها الدّية في ما لها خاصة (٢).

وروى ان من نام ، فانقلب على غيره فقتله ، كان ذلك ، شبيه العمد ، يلزمه الدية ، في ماله خاصة ، وليس عليه قود (٣).

والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، ان الدّية في جميع هذا على العاقلة ، لان النائم غير عامد في فعله ، ولا عامد في قصده ، وهذا حد قتل الخطأ المحض ، ولا خلاف ان دية قتل الخطأ المحض على العاقلة ، وانما هذه اخبار آحاد ، لا يرجع بها عن الأدلة.

والذي ينبغي تحصيله في هذا ، ان الدية على النائم نفسه ، لأن أصحابنا

__________________

(١) ج. ل. انقلبت.

(٢) الوسائل ، الباب ٢٩ ، من أبواب موجبات الضمان ، ح ١.

(٣) أوردها الشيخ قدس‌سره في النهاية ، كتاب الديات ، باب ضمان النفوس.

٣٦٥

جميعهم ، يوردون ذلك في باب ضمان النفوس ، وذلك لا تحمله العاقلة بلا خلاف.

ومن قتل غيره متعمدا ، فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقيدوه بصاحبهم ، فخلصه إنسان قهرا ، كان عليه رده ، فان لم يرده كانت عليه الدية.

وروى انه إذا أعنف الرجل بامرأته ، أو المرأة بزوجها ، فقتل أحدهما ، فإن كانا متهمين ، ألزما الدّية ، وان كانا مأمونين ، لم يكن عليهما شي‌ء (١).

والاولى وجوب الدية على المعنف منهما كيف ما دارت القضيّة ، الّا ان الحكم إذا كانا متهّمين ، فقد حصل لولي المقتول تهمة ، وهو اللوث ، فله ان يقسم ، ويستحق القود ، ان ادعى ان القتل عمد ، فاما إذا كانا مأمونين فالمستحقّ الدّية على المعنف فحسب ، ولا يستحق الولي القود هاهنا بحال. فهذا تحرير الفتيا في ذلك.

ومن طفر من علو فوق غيره قاصدا ، فقتله ، فهو قاتل عمد (٢) ، وان كان لغرض غير ذلك ، فوقع عليه من غير قصد إليه ، فالدية على عاقلته ، وان كان يدفع غيره ، فالدية على الدافع ، وان كان بهبوب الرياح ، فالدية من بيت مال المسلمين.

ولا تعقل العاقلة صلحا ، ولا إقرارا ، ولا تعقل البهائم ، ولا ما وقع عن تعدّ كحدث (٣) الطريق ، والدابة ، وكل مضمون من الأموال ، وبالجملة لا تعقل العاقلة الأسباب ، كمن حفر بئرا أو وضع حجرا ، أو نصب سكينا ، أو أضرم نارا ، وما أشبه ذلك.

فعلى التحرير (٤) ، يتنوع القتل ستة أنواع.

عمد يوجب القود.

ـ وخطأ محض.

ـ وخطأ شبيه العمد ـ وهما جميعا يوجبان الدية دون القود.

ومضمون بالتعدي ـ وهو ما عدا الأنواع الثلاثة المعلوم إضافتها ـ ، وديته لازمة

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٣١ ، من أبواب موجبات الضمان ، ح ٤ ، وفي الرواية ، فإن اتّهما ألزما اليمين بالله انهما لم يردا القتل.

(٢) ج. ل. قاتل عمدا.

(٣) ج. لحدث.

(٤) ج. ل. هذا التحرير.

٣٦٦

للمتعدى في ماله.

وقتل لا يعرف فاعله ، ويصح اضافة هذا القتل الى محل وجوده ، كالقرية والمحلّة وشبههما.

وقتل لا يعرف فاعله ، ولا يصح إضافته كقتل الزحام ونظائره ، فديته على بيت مال المسلمين.

ومن غشيته دابّة وخاف ان تطأه فزجرها عن نفسه ، فجنت على الراكب ، أو على غيره ، لم يكن عليه شي‌ء ، لأنه بفعله محسن ، لانه دفع الضرر عن نفسه ، وقد قال تعالى « ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ » (١).

ومن ركب دابة فساقها ، فوطأت إنسانا أو كسرت شيئا ، كان ما تصيبه بيديها ورأسها ضامنا له ، دون ما تصيبه برجليها.

فان ضربها فرمحت ، فأصابت إنسانا أو شيئا ، كان عليه ضمان ما اصابته بيديها ، ورجليها معا.

وكذلك إذا وقف عليها ، كان عليه ضمان ما تصيبه بيديها ورجليها.

فان كان يسوقها سوقا غير معتاد ، فوطأت شيئا بيديها أو رجليها أو فمها ، كان ضامنا له.

وان كان يقودها فوطأت شيئا بيديها ، كان ضامنا له ، وكذلك يضمن ما تصيبه بفمها ، وليس عليه ضمان ما تصيبه برجلها (٢) الّا ان يضربها ، فان ضربها فرمحت برجلها فأصابت شيئا ، كان ضامنا له.

ومن آجر دابته إنسانا ، فركبها وساقها وكان صاحبها معها يراعيها ، فوطأت شيئا بإحدى الأربع ، كان ضمان ما تطؤه على صاحب الدابّة ، دون الراكب ، فان لم يكن صاحبها معها ، وكان الراكب هو الذي يراعيها ، كان على راكبها ضمان ما تصيبه ، دون صاحبها بيديها ، ورأسها ، دون ما تصيبه برجليها ، إذا كان سوقه لها بمجرى العادة ، فإن كان خارجا عن المعتاد ، ضمن جميع ما تصيبه بإحدى الأربع ،

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٩١.

(٢) ج. ل. برجليها.

٣٦٧

والرأس أيضا.

فإن رمت الدابة بالراكب ، لم يكن على الذي آجرها شي‌ء سواء كان معها أو لم يكن ، الّا ان يكون نفر بها ، فان نفر بها ، كان ضامنا لما يكون منها ، من جناية.

وحكم الدابة في جميع ما قلناه ، حكم سائر ما يركب من البغال ، والحمير ، والجمال ، على حد واحد ، لا يختلف الحكم فيه.

ومن حمل على رأسه متاعا ، بأجرة فكسّره ، وأصاب إنسانا به ، كان عليه ضمانه اجمع ، اللهم الا ان يكون إنسان أخر دفعه ، فيكون حينئذ ضمان ذلك عليه.

ومن قتل مجنونا عمدا فان كان اراده فدفعه عن نفسه ، فادّى ذلك الى قتله ، لم يكن عليه شي‌ء ، لأنه محسن بفعله على ما قلناه فيما مضى ، وحررناه ، وكان دمه هدرا ، فان لم يكن المجنون اراده ، فقتله عمدا كان عليه ديته ، ولم يكن عليه قود ، لانه لا يقاد الكامل بالناقص ، وان كان قتله له خطأ كانت الدية على عاقلته.

وإذا قتل المجنون غيره ، كان عمده وخطأه واحدا ، تجب فيه الدية على عاقلته ، فان لم يكن له عاقلة ، كانت عاقلته الامام عليه‌السلام دون بيت المال ، لان ميراثه له ، اللهم الّا ان يكون المجنون ، قتل من اراده ، فيكون حينئذ دم المقتول هدرا.

ومن قتل غيره وهو صحيح العقل ، ثم اختلط وصار مجنونا قتل بمن قتله ، ولا تكون فيه الدية.

وقد روى ان من قتل غيره ، وهو أعمى ، فإن عمدة وخطأه سواء ، وان فيه الدية على عاقلته (١).

والذي يقتضيه أصول المذهب ان عمد الأعمى عمد ، يجب فيه عليه القود ، لقوله تعالى « النَّفْسَ بِالنَّفْسِ » (٢) وقوله تعالى « وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ » (٣) فإذا لم يقتل الأعمى بمن قتله عمدا ، خرجت فائدة الآية ، فلا يرجع عن الأدلة القاهرة برواية شاذة وخبر واحد ، لا يوجب علما ولا عملا.

__________________

(١) أوردها الشيخ قدس‌سره في النهاية ، كتاب الديات ، باب ضمان النفوس.

(٢) سورة المائدة ، الآية ٤٥.

(٣) سورة البقرة ، الآية ١٧٩.

٣٦٨

ومن قتل صبيّا متعمدا والصبي غير بالغ ، قتل به ، ووجب عليه القود ، على الأظهر من أقوال أصحابنا ولقوله تعالى « النَّفْسَ بِالنَّفْسِ » وليس هذا كمن قتل مجنونا عمدا ، لأن الإجماع منعقد ، على انه لا قود على قاتل المجنون ، وليس معنا إجماع منعقد ، على انه ليس على قاتل الصبيّ غير البالغ قود ، وأيضا القياس عندنا باطل.

فان قتله خطأ كانت الدية على عاقلته.

وإذا قتل الصبي رجلا متعمدا كان عمده وخطأه واحدا سواء كان له دون عشر سنين ، أو أكثر من عشر سنين على الصحيح من الأقوال ، وما يقتضيه الأدلة القاهرة ، فإنه يجب فيه الدية على عاقلته.

وقال شيخنا في نهايته ، الى ان يبلغ عشر سنين ، أو خمسة أشبار ، فإذا بلغ ذلك ، اقتص منه ، وأقيمت عليه الحدود التامة (١).

وهذا القول غير مستقيم ولا واضح ، لانه مخالف للأدلّة العقلية ، والسمعية ، ولا يلتفت الى رواية شاذة ، وخبر واحد ، لا يوجب علما ولا عملا ، وان كان شيخنا أورد الرّواية في نهايته ، فإنه أوردها إيرادا لا اعتقادا ، كما أورد نظائرها مما لا يعمل عليه ، ولا يفتي به ولا يعرج عليه.

ورجع أيضا عن ذلك ، في مسائل خلافه ومبسوطة (٢) على ما قدمناه فيما مضى وحكيناه (٣) فإنه قال ، في الجزء الثالث من مسائل خلافه : مسألة روى أصحابنا إن عمد الصبي والمجنون ، وخطأهما سواء.

فعلى هذا يسقط القود عنهما ، والدية على العاقلة مخففة.

ثم استدل ، فقال ، دليلنا إجماع الفرقة ، واخبارهم ولأن الأصل براءة الذمة ، وما ذكرناه مجمع على وجوبه ، وروى عن النبيّ ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) انه قال رفع القلم عن ثلاث أحدهم عن الصبيّ حتى يبلغ ، هذا أخر استدلاله رحمه‌الله وأخر مسألته (٤).

__________________

(١) النهاية ، كتاب الديات ، باب ضمان النفوس.

(٢) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الجراح ، ص ١٥.

(٣) ص ٣٢٥.

(٤) الخلاف كتاب الجنايات ، مسألة ٣٩.

٣٦٩

ومن وطأ امرأته قبل ان تبلغ تسع سنين ، فأفضاها ـ والإفضاء هو ان يصير مدخل الذكر ومخرج البول واحدا يخرق ما بينهما من الحاجز فيرفعه ، فيفضي ما بينهما ـ كان عليه ديتها ، والزم النفقة عليها ، الى ان تموت أو يموت هو ، لأنها لا تصلح للرجال ، على ما وردت به الاخبار (١) ، وتواترت (٢) عن الأئمة الأطهار ، ويجب عليه أيضا مهرها ، لانه لا يدخل في ديتها ، وكل واحد منها ، لا يدخل في الأخر ، لأنه لا دليل عليه.

ومن أحدث في طريق المسلمين ، حدثا ليس له ، أو في ملك لغيره بغير اذنه ، من حفر بئر ، أو بناء حائط ، أو نصب خشبة أو كنيف ، وما أشبه ذلك ، مما ليس له احداثه ، ولا فعله ، فوقع فيه شي‌ء ، أو زلق به أو اصابه منه شي‌ء ، من هلاك ، أو تلف أو كسر شي‌ء ، من الأعضاء أو تلفها ، أو كسر شي‌ء من الأمتعة ، كان ضامنا لما يصيبه في ماله ، دون عاقلته ، على ما قدمناه ، قليلا كان أو كثيرا.

فإن أحدث في الطريق ماله احداثه ، وفعله ، ونصبه ، مثل الميازيب ، والرّواشن ، الغير (٣) المضرّة بالمارة ، لم يكن عليه شي‌ء ، لأنه محسن بفعله واحداثه ، غير مسي‌ء ، وقد قال تعالى « ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ » فمن أوجب عليه شيئا خالف الآية ، وأوجب عليه ما لم يوجبه الله عليه ، وأيضا الأصل براءة الذمّة ، فمن شغلها بشي‌ء ، يحتاج الى دليل.

وشيخنا أبو جعفر في نهايته (٤) ، ضمّن صاحب الميزاب.

ولا دليل على ذلك ، من كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع.

وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان قال في مقنعته ، ومن أحدث في طريق المسلمين شيئا ، لحق أحدا منهم به ضرر ، كان ضامنا لجناية ذلك عليه ، فان أحدث فيه ما أباحه الله تعالى إيّاه ، وجعله وغيره من النّاس فيه

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٤٤ ، من أبواب موجبات الضمان ، والباب ٤٥ من أبواب المقدمات وآداب النكاح ، ح ٥ ـ ٦ ـ ٧ ـ ٨ ـ ٩.

(٢) ج. به الآثار.

(٣) ج. ل. غير المضرة.

(٤) النهاية ، كتاب الديات ، باب ضمان النفوس.

٣٧٠

سواء ، فلا ضمان عليه ، لانه لم يتعد واجبا بذلك ، هذا آخر كلامه (١) بعينه.

ولا خلاف بين المسلمين في إباحة نصب الميازيب وجعلها ، لم ينكر أحد منهم ذلك بحال.

ومن أحرق دار قوم ، فهلك فيها أنفس ، وأموال ، كان عليه القود ، لمن قتل ، وغرم ما أهلكه بالإحراق من الأموال ، هذا إذا تعمد قتل الأنفس.

فاما إذا لم يتعمد قتل الأنفس ، لكن تعمّد إحراق الأموال والدار فحسب ، فإنه يجب عليه ضمان الأموال ، فامّا الأنفس فدياتها على عاقلته ، لانه غير عامد الى القتل ، لا بالفعل ، ولا بالقصد ، فهو خطأ محض ، لانه غير عامد في فعله الى القتل ، ولا عامد في قصده الى تناول النفس المقتولة وتلفها.

وذكر شيخنا في نهايته ، ان عليه ضمان ما أتلف من الأنفس ، وبعد ذلك عليه القتل (٢).

وهذا غير واضح ، لأنه ان كان قتل العمد ، فليس عليه الّا القود ، فحسب ، وان كان قتل شبيه العمد ، أو الخطأ المحض ، فلا يجب عليه القود بحال ، فليلحظ ذلك ، فان لم يتعمد الإحراق ، لكنه أضرم نارا لحاجته فتعدّت النار ، باتصال مال غيره من الأحطاب إلى إحراق الدّار ، ومن فيها ، كانت دية الأنفس على العاقلة ، وغرم ما هلك بالنار ، من الأموال عليه ، في ماله ، ولا يجب عليه القود ، لان هذا غير قاصد الى القتل ، بل هذا خطأ محض ، لانه غير عامد في فعله بالجناية على الأنفس ، وغير عامد في قصده بإتلاف الأنفس ، وتناولها ، فليلحظ ذلك ، فانّ ما عداه اخبار آحاد ، أوردوها ووضعوها في كتبهم إيرادا ، لا اعتقادا للعمل بها.

فان كان اضرامه النّار ، في مكان له التصرف فيه بحق ملك أو إجارة على وجه لا يتعدى ، بان لا يتصل بالأملاك ولا بأحطاب الغير ، وكان ذلك على وجه معتاد ، فحملتها الريح إلى ملك قوم ، فاصابتهم معرّتها فلا ضمان عليه.

والبعير إذا اغتلم ، وجب على صاحبه حفظه وحبسه ، وان لم يفعل ذلك ، أو فرط

__________________

(١) المقنعة ، باب ضمان النفوس ص ٧٤٩.

(٢) النهاية ، كتاب الديات ، باب ضمان النفوس.

٣٧١

فيه ، فتعدى ضرره الى أحد ، ضمن صاحبه جنايته ، فان لم يعلم بهيجانه ، أو لم يفرط في حفاظه ، وأفلت بعد الحفاظ له ، فلا ضمان على صاحبه.

قال شيخنا في نهايته ، فان كان الذي جنى عليه البعير بعد هيجانه وعلم صاحبه به ، وتفريطه في حفظه ، ضرب البعير فقتله ، أو جرحه ، كان عليه بمقدار ما جنى عليه ، مما ينقص من ثمنه ، يطرح من دية ما كان جنى عليه البعير (١).

قال محمّد بن إدريس هذا غير واضح ، والذي يقتضيه أصل مذهبنا ، انه لا ضمان عليه ، بضرب البعير ، لانه بفعله محسن ، وقال الله تعالى « ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ».

ومن هجمت دابته ، على دابة غيره ، في مأمنها فقتلتها ، أو جرحتها ، كان صاحبها ضامنا لذلك ، هذا مع تفريطه ، في حفاظها ، وعلمه باغتلامها.

فان دخلت عليها الدّابة إلى مأمنها ، فاصابتها بسوء لم يضمن صاحبها ذلك.

ومن أصاب خنزير ذمّي فقتله ، كان عليه قيمته ، عند مستحلّه (٢) فان جرحه ، كان عليه قيمة ما نقص من ثمنه عند اهله.

ومن اركب مملوكا له غير بالغ دابة ، فجنت الدابة جناية ، كان ضمانها على مولاه ، لانه فرّط بركوبه له الدابة ، هذا إذا كان المملوك غير بالغ ، فاما إذا كان بالغا عاقلا فان كانت الجناية على بنى آدم ، فيؤخذ المملوك ، إذا كانت دية الجناية بقدر قيمته ، أو يفديه السيّد على ما شرحناه ، في قتل العبيد للأحرار ، وجناياتهم عليهم.

وان كانت الجناية على الأموال ، فلا يباع العبد في قيمة ذلك ، ولا يستسعى ، ولا يلزم مولاه ذلك ، لانه لا دليل عليه ، وحمله على الجناية على بنى آدم ، قياس ، فليلحظ ذلك.

ومن دخل دار قوم بغير إذنهم ، فعقره كلبهم ، لم يكن عليهم ضمانه ، فان كان دخلها بإذنهم ، كان عليهم ضمانه.

__________________

(١) النهاية : كتاب الديات ، باب ضمان النفوس.

(٢) ج. ل. مستحلّيه.

٣٧٢

وإذا أفلتت دابة فرمحت إنسانا فقتلته ، أو كسرت شيئا من أعضائه ، أو شيئا من الأموال ، لم يكن على صاحبها ضمان ذلك.

ومن وطئ امرأة في دبرها ، فالجّ (١) عليها قاهرا لها فماتت من ذلك ، كان عليه ديتها وكذلك إذا أعنف بها من الضم ، والعناق ، على وجه غير معتاد ، يجب عليه ديتها ، إذا ماتت من ذلك.

وكذلك الحكم فيها إذا أعنفت به.

ومن تطبب ، أو تبيطر فليأخذ البراءة من ولي من يطببه ، أو صاحب الدابة ، والّا فهو ضامن إذا هلك بفعله شي‌ء من ذلك.

هذا إذا كان الذي جنى عليه الطبيب غير بالغ ، أو مجنونا ، فاما إذا كان عاقلا مكلفا ، فأمر الطبيب بفعل شي‌ء ، ففعله على ما امره به ، فلا يضمن الطبيب ، سواء أخذ البراءة من الولي ، أو لم يأخذ ، والدليل على ما قلناه ، ان الأصل براءة الذمة ، والولي لا يكون الا لغير المكلف.

فاما إذا جنى على شي‌ء لم يؤمر بقطعه ، ولا بفعله ، فهو ضامن ، سواء أخذ البراءة من الولي ، أو لم يأخذها.

وإذا ركب اثنان دابة ، فجنت جناية على ما ذكرناه ، كان أرشها عليهما بالسوية.

وروى ان أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) ضمّن ختانا قطع حشفة غلام (٢).

يريد بذلك انه فرط بان قطع غير ما أريد منه ، لأن الحشفة هاهنا ، ما فوق الختان ، وليست القلفة التي يجب قطعها فلأجل هذا ضمنه وسواء أخذ البراءة من وليّه ، أو لم يأخذ ، والرواية هذه صحيحة ، لا خلاف فيها.

باب الاشتراك في الجنايات

روى الأصبغ بن نباتة ، قال قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في جارية ، ركبت

__________________

(١) ج. ل. فألحّ.

(٢) الوسائل ، الباب ٢٤ ، من أبواب موجبات الضمان ، ح ٢.

٣٧٣

جارية ، فنخستها جارية أخرى ، فقمصت المركوبة يقال ـ قمص الفرس وغيره يقمص ويقمص قمصا وقماصا ، وهو ان يرفع يديه ويطرحهما معا ويعجن برجله (١) يقال هذه دابة ، فيها قماص بكسر القاف ولا تقل قماص بضم القاف ـ فصرعت الراكبة فماتت ، قضى ان ديتها نصفان ، بين الناخسة والمنخوسة (٢).

هذا اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته (٣).

وقال شيخنا المفيد في مقنعته ، تستحق ثلثي الدية فحسب من القامصة ثلث ، ومن الناخسة ثلث ، وسقط ثلث ، لركوبها عبثا (٤).

والأوّل أظهر ، في الرّواية وأليق بمذهبنا.

والذي يقتضيه الأدلة إن الدية جميعها على الناخسة ، دون المنخوسة ، لأنها الجانية ، والتي اضطرتها (٥) للمركوبة ، حتى قمصت ، فاما إذا أمكنها ان لا تقمص ، وقمصت ، لا ملجأة فالدية عليها وحدها ، فليلحظ ذلك.

وروى عن أبي جعفر ( عليه‌السلام ) قال قضى أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) ، في أربعة شربوا خمرا فسكروا ، فأخذ بعضهم على بعض السلاح ، واقتتلوا فقتل اثنان ، وجرح اثنان ، فأمر بالمجروحين فضرب كل واحد منهما ، ثمانين جلدة ، وقضى بدية المقتولين ، على المجروحين ، وأمران تقاس جراحة المجروحين فترفع من الدية ، وان مات أحد من المجروحين ، فليس على أحد من أولياء المقتولين شي‌ء (٦).

والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، ان القاتلين ، يقتلان بالمقتولين ، فان اصطلح الجميع على أخذ الدية ، أخذت كملا من غير نقصان ، لأن في إبطال القود إبطال القرآن ، واما نقصان الدية ، فذلك على مذهب من تخير بين القصاص ، وأخذ الدية ،

__________________

(١) ج. ل. رجليه.

(٢) الوسائل ، الباب ٧ من أبواب موجبات الضمان ، ح ١.

(٣) النهاية ، كتاب الديات ، باب ضمان النفوس وغيرها.

(٤) المقنعة ، باب الاشتراك في الجنايات ص ٧٥٠.

(٥) ج. ل. اضطرت المركوبة.

(٦) الوسائل ، الباب ١ من أبواب موجبات الضمان ، ح ١.

٣٧٤

وذلك مخالف لمذهب أهل البيت ( عليهم‌السلام ) ، لأنّ عندهم ، ليس يستحق غير القصاص فحسب.

وروى ان ستة غلمان ، كانوا في الفرات ، فغرق واحد منهم ، فشهد ثلاثة منهم ، على اثنين ، انهما غرقاه ، وشهد اثنان على الثلاثة ، أنهم غرقوه ، فقضى بالدية ثلاثة أخماس ، على الاثنين ، وخمسان على الثلاثة (١).

قال محمّد بن إدريس ان كان الغلمان غير بالغين ، وهذا هو الظاهر فشهادة الصبيان لا تقبل عندنا ، إلّا في الجراح ، والشجاج ، فحسب ، دون ما عداه ، وفيما تقبل فيه ، ان يكونوا قد بلغوا عشر سنين ، وجميع هذه الروايات ، اخبار آحاد ، فان عضدها كتاب ، أو سنة ، أو إجماع ، عمل بها ، والّا حكم بما يقتضيه أصول مذهبنا.

وروى عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في أربعة نفر اطلعوا في زبية الأسد ، فخرّ أحدهم فاستمسك بالثاني واستمسك الثاني بالثالث ، واستمسك الثالث بالرابع فقضى بالأول فريسة الأسد وغرم اهله ثلث الدية لأهل الثاني ، وغرّم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدّية ، وغرم الثالث لأهل الرّابع الدية كاملة ، لأنه قتل ، وما قتل ، وجذب وما جذب (٢).

وعلى من تجب؟ قال قوم ، على الثالث وحده ، لانه هو الذي باشر جذبه ، وقال آخرون على الثالث ، والثاني ، والأوّل ، لأنهم كلهم جذبوه ، فعلى كل واحد منهم ثلث الدية ، وعلى هذا ابدا ، وان كثروا ، وهذا الذي يطابق ما رواه أصحابنا.

وقد روى المخالف عن سمّاك بن حرب عن حنبش الصنعاني ، انّ قوما من اليمن ، حفروا ، زبية الأسد ، واجتمع الناس على رأسها ، فهوى فيها واحد ، فجذب ثانيا فجذب الثاني ثالثا ، ثم جذب الثالث رابعا ، فقتلهم الأسد ، فرفع ذلك الى علي ( عليه‌السلام ) فقال للأول ، ربع الدية ، لأنه هلك فوقه ثلاثة ، والثاني (٣) ثلثا الدية ،

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢ من أبواب موجبات الضمان ، ح ١.

(٢) الوسائل ، الباب ٤ من أبواب موجبات الضمان ، ح ٢ ، والرواية تنتهي إلى كاملة وما بعدها ليس مذكورا في المصدر.

(٣) ج. وللثاني.

٣٧٥

لأنه هلك فوقه اثنان ، والثالث (١) نصف الدية لأنه هلك فوقه واحد والرابع (٢) كمال الدية فبلغ ذلك رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فقال ، هو كما قال على ( عليه‌السلام ) (٣).

قالوا : « وهذا حديث ضعيف ». والفقه ما بيّناه في الأربعة ، وروايتنا خاصّة ، مطابقة لما بيّناه أوّلا بعينه وفقهها على ما قلناه.

فاما إذا حصل رجل في بئر ، مثل ان وقع فيها أو نزل لحاجة فوقع فوقه أخر ، نظرت فان مات الأوّل ، فالثاني ، قاتل كما لو رماه بحجر فقتله ، إذ لا فرق بين ان يرميه بحجر فيقتله ، وبين ان يرمي نفسه عليه فيقتله ، فإذا ثبت ان الثاني قاتل ، نظرت في القتل ، فان كان عمدا محضا ، مثل ان وقع عمدا فقتله ، وكان مما يقتل غالبا لثقل الثاني ، وعمق البئر ، فعلى الثاني القود ، وان كان لا يقتل غالبا فالقتل عمد الخطأ ، فالدية عليه في ماله خاصّة ، عندنا ، ولا يجب عليه القود ، وان كان وقع الثاني خطأ فالقتل خطأ محض تجب الدية مخفّفة ، على العاقلة ، فان مات الثاني دون الأوّل ، كان دمه هدرا ، لانه رجل وقع في بئر ، فمات فيها ، والأول لا صنع له ، في وقوعه وغير مفرط في حقه فان ماتا معا فعلى الثاني الضمان ، على ما قلناه ، إذا مات الأول وحده ، ودم الثاني هدر ، كما لو مات الثاني وحده.

فان كانت بحالها ، وكانوا ثلاثة ، فحصل الأول في البئر ، ثم وقع الثاني ، ثم وقع الثالث ، بعضهم على بعض ، فان مات الأول فقد قتله الثاني والثالث معا لانه مات بقتلهما ، فالضمان عليهما نصفان ، فان مات الثاني وحده ، فلا شي‌ء على الأول ، والثالث هو الذي قتل الثاني ، فالضمان عليه وحده ، على ما مضى ، وان مات الثالث كان دمه هدرا لانه لا صنع لغيره في قتله ، فان ماتوا جميعا ، ففي الأول كمال الدية ، على الثاني ، والثالث ، وفي الثاني كمال الدية ، على الثالث وحده ، ودم الثالث هدرا فليلحظ ذلك.

__________________

(١) و (٢) ج. وللثالث وللرّابع.

(٣) راجع المسند لأحمد ج ١ ص ٧٧ و ١٢٨ و ١٥٢.

٣٧٦

وروي في حائط اشترك في هدمه ثلاثة نفر ، فوقع على واحد منهم ، فمات ، فان الباقيين يضمنان كمال ديته ، لان كل واحد منهم ، ضامن صاحبه (١).

والذي يقتضيه الأدلة ، ويحكم بصحته أصول المذهب انه مات بفعله وفعل الآخرين ، فيسقط ثلث الدية الذي ، قابل فعله ، ويستحق على الاثنين ، ثلثا الدية ، فحسب ، وهذه الرواية من اخبار الآحاد ، أوردها شيخنا في نهايته (٢) ، على ما وجدها إيرادا.

وقد أورد شيخنا في مبسوطة ما يقتضي رجوعه عن هذه الرواية ، من قوله ، في رجال عشرة رموا بحجر المنجنيق فعاد الحجر على أحدهم فقتله ، فقال تضمن التّسعة ديته ، الّا قدر جنايته على نفسه (٣).

باب ديات الأعضاء والجوارح والقصاص فيها

في ذهاب شعر الرأس الدية كاملة ، إذا لم ينبت ، فان نبت ورجع الى ما كان عليه ، كان عليه أرشه ، وهو ان يقوّم لو كان عبدا كم كانت قيمته ، قبل ان يذهب شعره ، وكم تكون قيمته بعد ذهاب شعره ، ويؤخذ ذلك بحساب دية الحرّ ، لان العبد أصل للحر ، فيما لا مقدّر فيه ، والحر أصل للعبد ، فيما فيه مقدّر منصوص عليه موظف فليلحظ ذلك ، ويعتمد عليه ، في كل جناية على الحر ، لا مقدّر فيها ، ولا دية موظفة منصوص عليها.

وان كانت امرأة ، كان عليه ديتها إذا لم ينبت شعرها ، فان نبت ، كان عليه مهر نسائها.

وذهب شيخنا المفيد في مقنعته الى انّ في شعر الرأس ، إذا أصيب فلم ينبت ، مائة دينار ، وكذلك في شعر اللحية إذا لم ينبت (٤).

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الضمان ، ح ١.

(٢) النهاية ، كتاب الديات باب ضمان النفوس.

(٣) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الديات ، ص ١٦٦.

(٤) المقنعة ، باب دية الأعضاء والجوارح والقصاص ص ٧٥٦.

٣٧٧

وما اخترناه هو الأظهر الذي يقتضيه أصل مذهبنا ، لأنه شي‌ء واحد في الإنسان ، وقد أجمعنا على ان كل ما يكون في بدن الإنسان منه واحد ، ففيه الدية كاملة.

وهو مذهب شيخنا أبي جعفر وخيرته في نهايته (١).

وفي الحاجبين إذا ذهب شعرهما خمسمائة دينار ، وفي كل واحد منهما ، مأتان وخمسون دينارا ، وهذا إجماع من أصحابنا ، وفي شفر العين الأعلى ، ثلثا دية العين ، وفي شفر العين الأسفل ، ثلث دية العين.

وقال شيخنا في نهايته ، وفي شفر العين الأعلى ثلث دية العين مائة وستة وستون دينارا وثلثا دينار ، وفي شفر العين الأسفل نصف دية العين مأتان وخمسون دينارا (٢).

وهو اختيار شيخنا المفيد في مقنعته (٣).

الا ان شيخنا أبا جعفر رجع في مبسوطة الى ما اخترناه ، فقال في الأربعة أجفان (٤) ، الدية كاملة ، وفي كل واحد منهما ، مائتان وخمسون دينارا ، وروى أصحابنا ان في السفلى ، ثلث ديتها ، وفي العليا ثلثيها (٥) ، ومتى قلعت الأجفان والعينان معا ففي الكل ديتان ، فان جني على اهدابهما فاعدم إنباتها (٦) ففيهما الدية ، وهو الذي يقتضيه (٧) مذهبنا ، فان أعدم وأتلف الشعر والأجفان ، فيقتضي مذهبنا إن فيهما ديتين ، هذا أخر كلامه في مبسوطة (٨) وخيرته في مسائل خلافه (٩).

وهو الأظهر الأصح ، لأنه يقتضيه الأدلة ، ويحكم بصحته أصول المذهب إلّا في قوله اهداب العينين في ذلك الدية كاملة.

والذي يقتضيه الأدلة والإجماع ، ان الأهداب وهو الشعر النّابت على الأجفان ، لا دية فيه مقدّرة ، لأن أصحابنا جميعهم لم يذكروا في الشعور ، مقدّرا سوى شعر

__________________

(١) و (٢) النهاية ، كتاب الديات ، باب ديات الأعضاء والجوارح.

(٣) المقنعة ، باب دية الأعضاء والجوارح والقصاص. ص ٧٥٥.

(٤) ج. الأجفان.

(٥) لم نتحققه وفي الجواهر ، ج ٤٣ ، كتاب الديات ، ص ١٨٢ ، لم نقف له على دليل.

(٦) ج. انباتهما.

(٧) ج. أصول مذهبنا.

(٨) المبسوط ، ج ٧ ، كتاب الديات ، دية الأجفان ، ص ١٣٠.

(٩) الخلاف ، كتاب الديات ، مسألة ٢٤.

٣٧٨

الرأس واللحية ، وشعر الحاجبين ، فإلحاق غير ذلك به قياس ، ولم ترد بذلك أخبار جملة ولم يذكره أحد ، من أصحابنا في مصنف له ، بل قالوا في الأجفان ، الدية على تفصيلهم ، ولم يذكروا الشعر الذي عليها ، والأصل براءة الذّمّة فإذا أعدم ذلك جان مفردا عن الأجفان ، كان فيه حكومة ، فإذا اعدمه مع الأجفان ، كان في الجميع ، دية الأجفان فحسب ، لان الأهداب ، تتبع الأجفان ، كما لو قطع اليد ، وعليها شعر ، فليلحظ ذلك.

وشيخنا لم يذكر ذلك إلا في فروع المخالفين ، المبسوط ومسائل الخلاف ، وباقي كتبه وتصنيفاته الاخبارية المسندة ، والمصنفة لم يتعرض بذلك ، لانه لم يرد شي‌ء من الاخبار به ، ولا ذكر ظريف بن ناصح ، في كتابه كتاب الديات ، فإنه عندي ، ولا غيره من المشيخة المتقدمة ، ولا أورد شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في كتاب تهذيب الاحكام ، وكتاب الاستبصار ، فيما اختلف من الاخبار شيئا ، من ذلك جملة.

فقوله رحمه‌الله في مبسوطة ـ والذي يقتضيه مذهبنا ، ان في أهداب العينين الدية كاملة ـ أيّ أصل لنا يقتضي ذلك ، لا إجماع ولا اخبار ، بل الذي يقتضيه مذهبنا ، انه لا مقدّر في ذلك ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، والتقدير يحتاج الى دليل.

وفي العينين الدية كاملة ، وفي كل واحد منهما نصف دية النفس ، وفي نقصان ضوئها بحساب ذلك.

فان ادّعى النقصان ، في إحدى العينين ، اعتبر ، مدى ما يبصر بها ، من اربع جوانب ، بعد أن تشد الأخرى ، فإن تساوى ، صدق ، وان اختلف ، كذّب ثم يقاس ذلك ، الى العين الصحيحة ، فما كان بينهما ، من النقصان اعطى بحساب ذلك ، بعد ان يستظهر عليه بالأيمان حسب ما قدمناه في باب القسامة.

وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة وروى في أخبارنا ، ان عينيه ، ـ تقاسان الى عين من هو في سنه ، ويستظهر عليه بالأيمان ، فاما إذا نقص ضوء إحديهما ، أمكن اعتباره ، بالمسافة ، وهو ان تعصّب العليلة وتطلق الصحيحة وينصب له شخص على نشز أو تل أو ربوة في مستوى من الأرض ، فكلّما ذكر أنه يبصره ، فلا يزال يباعد عليه

٣٧٩

حتى ينتهي إلى مدى بصره ، فإذا قال ، قد انتهى غيّر ما عليه لون الشخص ، حتى يعلم صدقه ، من كذبه ، لان قصده ان يبعد المدى فإنه كلما بعد ، وقصر مدى بصر العليلة ، كان أكثر لحقه ، فلهذا غيّرنا الشخص فإذا عرفنا قدر المسافة ذرعا عصبنا الصحيحة ، وأطلقنا العليلة ونصبنا له شخصا ولا يزال يباعد عليه ، حتى يقول لا أبصره بعد هذا ، وقصده هاهنا تقليل المسافة ، لتكثير حقّه ، فإذا فعل هذا ادرنا الشخص من ناحية ، وكلفناه ان ينظر إليه ، فإن اتفقت المسافتان ، علم صدقه ، وان اختلفا ، علم كذبه فلا يزال معه حتى تسكن النفس إلى صدقة ، فتمسح المسافة هاهنا ، وينظر ما بين المسافتين فيؤخذ بالحصة من الدية مثل السمع سواء هذا أخر كلامه في مبسوطة (١).

وعندي ان هذا يمكن الاعتماد عليه ، والاعتبار به ، فإنه قوى.

فان ادعى النقصان في العينين جميعا ، قيس عيناه إلى عيني من هو من أبناء سنه ، والزم ضاربه ما بينهما ، من التفاوت ، ويستظهر عليه بالأيمان ، ولا يقاس عين في يوم غيم ، ولا في أرض مختلفة الجهات في الضوء والظلمة بل يقاس في أرض مستقيمة.

ومن ادعى ذهاب بصره وعيناه مفتوحتان ، صحيحتان ، ولم يعلم صدق قوله ، استظهر عليه بالأيمان.

وروى انه يستقبل بعينيه عين الشّمس ، فان كان كما قال ، بقيتا مفتوحتين في عين الشمس ، فان لم يكن كما قال ، غمضهما (٢).

وفي العين العوراء ، الدية كاملة ، إذا كانت خلقة ، أو قد ذهبت بآفة من جهة الله تعالى فان كانت قد ذهبت وأخذ ديتها ، أو استحق الدية ، وان لم يأخذها ، كان فيها ثلث (٣) الدية ، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في مبسوطة (٤) ومسائل خلافه (٥).

__________________

(١) المبسوط ، كتاب الديات ، ج ٧ ، ص ١٢٨ ـ ١٢٩.

(٢) الوسائل ، الباب ٤ من أبواب ديات المنافع ، ح ١.

(٣) وفي المصدر ، نصف الدية.

(٤) المبسوط ، كتاب الديات ، ج ٧ ، ص ١٤٦ ، ولا يخفى ان ما في المصدر خلاف ما نقله عنه ، فراجع.

(٥) الخلاف كتاب الديات مسألة ٢٢ ، والعبارة هكذا ، في العين العوراء إذا كانت خلقة أو ذهبت بآفة من جهة الله ، الدية كاملة.

٣٨٠