بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٦
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

إنما يبلوكم الله به ).

وروي أن رجلا قرأ على أميرالمؤمنين عليه‌السلام ( ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) (١) قال : ويحك أي شئ يعصرون يعصرون الخمر؟ فقال الرجل : يا أميرالمؤمنين فكيف؟ فقال : إنما أنزل الله عزوجل ( ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) أي فيه يمطرون وهو قوله : ( وأنزلنا فيه من المعصرات ماء ثجاجا ) (٢).

وقرء رجل على أبي عبدالله عليه‌السلام ( فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ) (٣) فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : الجن كانوا يعلمون أنهم لا يعلمون الغيب ، فقال الرجل : فكيف هي؟ فقال : إنما أنزل الله ( فلما خر تبينت الانس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ).

ومنه في سورة هود ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ) (٤) قال أبوعبدالله عليه‌السلام : لا والله ما هكذا أنزلها إنما هو ( فمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه إماما ورحمة ومن قبله كتاب موسى ).

ومثله في آل عمران ( ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فانهم ظالمون ) (٥) فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : إنما أنزل الله ( ليس لك من الامر شئ أن يتوب عليهم أو تعذبهم فانهم ظالمون ).

وقوله : ( وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) (٦) وهو ( أئمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ).

وقوله في سورة عم يتسائلون : ( ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا ) إنما هو

____________________

(١) يوسف : ٤٩.

(٢) النبأ : ١٤.

(٣) سبأ : ١٤.

(٤) هود : ١٧.

(٥) آل عمران : ١٢٨.

(٦) البقرة : ١٤٣.

٦١

ياليتني كنت ترابيا ) أي علويا ، وذلك أن رسول الله كنى أميرالمؤمنين صلوات الله عليهما بأبي تراب.

ومثله في إذا الشمس كورت قوله : ( وإذا المودة سئلت بأي ذنب قتلت ) ومثله ( الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) (١) قال أبوعبدالله عليه‌السلام : لقد سألوا الله عظيما أن يجعلهم أئمة للمتقين إنما أنزل الله عزوجل ( الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إماما ).

ومثله في سورة النساء قوله : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ثم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) (٢) قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من عنى بقوله : ( جاؤك )؟ فقال الرجل : لا ندري ، قال : إنما عنى تباك وتعالى في قوله : ( جاؤك يا علي فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ) الاية.

وقوله : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) (٣) وذلك أنه لما أن كان في حجة الوداع دخل أربعة نفر في الكعبة فتحالفوا فيما بينهم وكتبوا كتابا لئن أمات الله محمدا لا يردوا هذا الامر في بني هاشم ، فأطلع الله رسوله على ذلك فأنزل عليه ( أم أبرموا أمرا فانا مبرمون * أم يحسبون الاية ) (٤).

وقرأ رجل على أبي عبدالله عليه‌السلام سورة الحمد على ما في المصحف فرد عليه وقال اقرأ : ( صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين ).

وقرأ آخر ( ليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبر جات بزينة ) (٥).

فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : ( ليس عليهن جناح أن يضعن من ثيابهن غير متبرجات بزينة ).

____________________

(١) الفرقان : ٧٤.

(٢) النساء : ٦٤.

(٣) النساء : ٦٥.

(٤) الزخرف : ٧٩.

(٥) النور : ٦٠.

٦٢

وكان يقرأ ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين في صلاة المغرب ) (١) وكان يقرء ( فان تنازعتم من شئ فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى اولي الامر منكم ) (٢) وقرء هذه الاية في دعاء إبراهيم ( رب اغفرلي ولولدي ) (٣) يعني إسماعيل وإسحاق ، وكان يقرء ( وكان أبواه مؤمنين وطبع كافرا ) (٤) وكان يقرء ( إن الساعة آتية أكاد اخفيها من نفسي ) (٥) وقرء ( وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ) (٦) يعني الائمة عليهم‌السلام وقرأ ( الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فانهما قد قضيا الشهوة ).

وقرأ ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امهاتهم وهو أب لهم ) (٧) وقرأ ( وجائت سكرة الحق بالموت ) (٨) وقرأ ( وتجعلون شكركم أنكم تكذبون ) (٩) وقرأ ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انصرفوا إليها وتركوك قائما قل ما عندالله خير من اللهو ومن التجارة للذين اتقوا والله خير الرازقين ) (١٠) وقرأ ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله ) (١١) وقرأ ( فستبصرون ويبصرون ، بأيكم الفتون ) (١٢) وقرأ ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة لهم ليعموا فيها ) (١٣).

وقرأ ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم ضعفاء ) (١٤) قال أبوعبدالله عليه‌السلام : ما كانوا أذلة ورسول الله صلوات الله عليه وآله فيهم ، وقرأ ( وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا ) (١٥) وقرأ ( أفلم يتبين الذين آمنوا أن لويشاء الله

____________________

(١) البقرة : ٢٣٨. (٢) النساء : ٥٩.

(٣) ابراهيم : ٤١. (٤) الكهف : ٨٠.

(٥) طه : ١٥. (٦) الانبياء : ٢٥.

(٧) الاحزاب : ٦.

(٨) ق : ١٩.

(٩) الواقعة : ٨٢.

(١٠ ـ ١١) الجمعة : ١١ و ٩.

(١٢) القلم : ٥.

(١٣) أسرى : ٦٠.

(١٤) آل عمران : ١٢٣.

(١٥) الكهف : ٧٩.

٦٣

لهدى الناس جميعا ) (١).

وقرأ ( هذه جهنم التي كنتم بها تكذبان * اصلياها فلا تموتان فيها ولا تحييان ) (٢).

وقرأ : ( فان الله بيتم من القواعد ) (٣) قال أبوعبدالله عليه‌السلام : بيت مكرهم هكذا نزلت وقرأ : ( يحكم به ذو عدل سنكم ) (٤) يعني الامام وقرأ : ( وما نقموا منهم إلا أن آمنوا بالله ) (٥) وقرأ ( ويسئلونك الانفال ) (٦).

ورووا عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : نزل جبرئيل عليه‌السلام بهذه الاية هكذا ( وقال الظالمون آل محمد حقهم إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ) (٧) وقرأ أبوجعفر عليه‌السلام ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك في علي أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ) (٨) وقرأ أبوجعفر عليه‌السلام هذه الاية وقال : هكذا نزل به جبرئيل عليه‌السلام على محمد صلوات الله عليه وآله ( إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا * إلا طريق جهنم خالدين فيها وكان ذلك على الله يسيرا ) (٩).

وقال أبوجعفر عليه‌السلام : نزل جبرئيل بهذه الاية هكذا ( وقال الظالمون آل محمد حقهم غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ) (١٠) وقال أبوجعفر عليه‌السلام : نزل جبرئيل بهذا الاية هكذا ( فان للظالمين آل محمد حقهم عذابا دون ذلك ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) (١١) يعني عذابا في الرجعة. وقال أبوجعفر عليه‌السلام : نزل جبرئيل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ( فأبى أكثر

____________________

(١) الرعد : ٣١. (٢) الرحمن : ٤٣.

(٣) النحل : ٢٦ ، فأتى الله بينا نهم من القواعد.

(٤) الاعراف : ٨٧. (٥) البروج : ٨.

(٦) الانفال : ١.

(٧) الفرقان : ٨.

(٨) النساء : ١٦٦.

(٩) النساء : ١٦٨ ١٦٩.

(١٠) البقرة : ٥٩.

(١١) الطور : ٤٧.

٦٤

الناس بولاية على إلا كفورا ) (١)

وقرأ رجل على أبي جعفر عليه‌السلام ( كل نفس ذائقة الموت ) (٢) فقال : أبوجعفر عليه‌السلام ( ومنشورة ) هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد صلوات الله عليهما إنه ليس من أحد من هذه الامة إلا سينشر فأما المؤمنون فينشرون إلى قرة أعينهم وأما الفجار فيحشرون إلى خزي الله وأليم عذابه ، وقال : نزلت هذه الاية هكذا ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين آل محمد حقهم ) (٣) وقال : ونزل جبرئيل بهذه الاية هكذا ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين آل محمد حقهم نارا أحاط بهم سرادقها ) (٤).

وروي عن أبي الحسن الاول عليه‌السلام أنه قرأ ( أفلا يتدبرون القرآن فيقضوا ما عليهم من الحق أم على قلوب أقفالها ) (٥) وسمعته يقرء ( وإن تظاهرا عليه فان الله هو موليه وجبريل وصالح المؤمنين عليا ) (٦) وقرأ أبوجعفر وأبوعبدالله عليهما‌السلام ( فما استمتعم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن اجورهن ) (٧) وقرأ ( إن تتوبا إلى الله فقد زاغت قلوبكما ) (٨) وقرء أبوعبدالله عليه‌السلام ( إني أرى سبع بقرات سمان وسبع سنابل خضر واخر يا بسات ) (٩) وقرأ : ( يأكان ما قربتم لهن ) (١٠).

وقرأ : ( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ) (١١) وقرأ في سورة مريم ( إني نذرت للرحمن

____________________

(١) أسرى : ٨٩.

(٢) آل عمران : ١٨٥ ، الانبياء : ٣٥ ، العنكبوت : ٥٧.

(٣) أسرى : ٨٢.

(٤) الكهف : ٢٩.

(٥) القتال : ٢٤.

(٦) التحريم : ٤.

(٧) النساء : ٢٤.

(٨) التحريم. ٤.

(٩ ـ ١٠) يوسف : ٤٣ و ٤٨.

(١١) الانعام : ١٥٨.

٦٥

صمتا ) (١) وقرأ رجل على أميرالمؤمنين صلوات الله عليه ( فانهم لا يكذبونك ) (٢) فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : لى والله لقد كذروه أشد التكذيب ، ولكن نزلت بالتخفيف يكذبونك ( ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) أي لا يأتون بحق يبطلون به حقك.

وصلى أبوعبدالله عليه‌السلام بقوم من أصحابه فقرأ ( قتل أصحاب الخدود ) (٣) وقال : ما الا خدود؟ وقرأ رجل عليه ( وصلح منضود ) وقرأ ( والعصر إن إلانسان لفي خسر وإنه فيه إلى آخر الدهر ) وقرأ ( إذا جاء فتح الله والنصر ) وقرأ ( ألم يأتك كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) وقرأ ( إني جعلت كيدهم في تضليل ) وسأل رجل أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : ( والفجر ) فقال : ليس فيها واو وإنما هو الفجر.

وقرأ رجل على أبي عبدالله عليه‌السلام ( جاهد الكفار والمنافقين ) (٥) فقال : هل رأيتم وسمعتم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قاتل منافقا؟ إنما كان يتألفهم ، وإنما قال الله جل وعز : ( جاهد الكفار بالمنافقين ).

وروي عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنه قال لرجل : كيف تقرأ ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار ) (٦) قال : فقال : هكذا نقرأها قال : ليس هكذا قال الله ، إنما قال : ( لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والانصار ) (٧).

باب تأليف القرآن وأنه على غير ما أنزل الله عزوجل فمن الدلالة عليه في باب الناسخ والمنسوخ منه الاية في عدة النساء في المتوفى عنها زوجها ، وقد ذكرنا ذلك في باب الناسخ والمنسوخ ، واحتجنا إلى

____________________

(١) مريم : ٢٦.

(٢) الانعام : ٣٣.

(٣) البروج : ٤.

(٤) الواقعة : ٢٩.

(٥) براءة : ٧٣.

(٦) براءة : ١١٧.

(٧) قد كان في هذه القطعة من رسالة الاشعرى تصحيفات واغلاط صححناها بالمقابلة والعرض على سائر المصادر كتفسير القمى تفسير فرات وتفسير العياشى ونسخة الكافى وغير ذلك.

٦٦

إعادة ذكره في هذا الباب ليستدل على أن التأليف على خلاف ما أنزل الله جل وعز ، لان العدة في الجاهلية كانت سنة فأنزل الله في ذلك قرآنا في العلة التي ذكرناها في باب الناسخ والمنسوخ وأقرهم عليهاثم نسخ بعد ذلك فأنزل آية أربعة أشهر وعشرا والايتان جميعا في سورة البقرة في التأليف الذي في أيدي الناس فيما يقرؤنه أولا الناسخة وهي الاية التي ذكرها الله قوله : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) ثم بعد هذا بنحو من عشر آيات تجئ الاية المنسوخة قوله : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج ) (١) فعلمنا أن هذا التأليف على خلاف ما أنزل الله عزوجل وإنما كان يجب أن يكون المتقدم في القراءة أولا الاية المنسوخة التي ذكر فيها أن العدة متاعا إلى الحول غير إخراج ، ثم يقرأ بعد هذه الاية الناسخة التي ذكر فيها أنه قد جعل العدة أربعة أشهر وعشرا فقدموا في التأليف الناسخ على المنسوخ.

ومثله في سورة الممتحنة في الاية التي أنزلها الله في غزوة الحديبية وكان بين فتح مكة والحديبية ثلاث سنين ، وذلك أن الحديبية كانت في سنة ست من الهجرة ، وفتح مكة في سنة ثمان من الهجرة ، فالذي نزل في سنة ست قد جعل في آخر السورة والتي نزلت في سنة ثماني في أول السورة ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما كان في غزوة الحديبية شرط لقريش في الصلح الذي وقع بينه وبينهم أن يرد إليهم كل من جاء من الرجال على أن يكون الاسلام ظاهرا بمكة لا يؤذى أحد من المسلمين ، ولم يقع في النساء شرط وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على هذا يرد إليهم كل من جاء من الرجال إلى أن جاءه رجل يكنى أبا بصير.

فبعثت قريش رجلين إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكتبوا إليه يسألونه بأرحامهم أن يرد إليهم أبا بصير ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ارجع إلى القوم فقال : يا رسول الله تردني إلى المشركين يعينوني ويعذبوني وقد آمنت بالله وصدقت برسول الله؟

____________________

(١) النساء : ٢٣٤ و ٢٤٠.

٦٧

فقال : يا أبا بصير ، إنا قد شرطنا لهم شرطا ونحن وافون لهم بشرطهم ، والله سيجعل لك مخرجا ، فدفعه إلى الرجلين.

فخرج معهما فلما بلغوا ذا الحليفة أخرج أبا بصير جرابا كان معه فيه كسر وتمرات ، فقال لهما : ادنوا فأصيبا من هذا الطعام فامتنعا ، فقال : أما لو دعوتماني إلى طعامكما لاجبتكما ، فدنيا فأكلا ومع أحدهما سيف قد علقه في الجدار ، فقال له أبوبصير : أصارم سيفك هذا؟ قال : نعم ، قال : ناولنيه فدع إليه قائمة السيف فسله فعلاه به فقتله وفر الاخر ورجع إلى المدينة فدخل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد إن صاحبكم قتل صاحبي وماكدت أن أفلت منه إلا بشغله بسلبه.

فوافى أبوبصير ومعه راحلته وسلاحه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا بصير اخرج من المدينة فان قريشا تنسب ذلك إلي فخرج إلى الساحل وجمع جمعا من الاعراب ، فكان يقطع على عير قريش ويقتل من قدر عليه ، حتى اجتمع إليه سبعون رجلا ، وكتبت قريش إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسألوه أن يأذن لابي بصير وأصحابه في دخول المدينة ، وقد أحلوه من ذلك ، فوافاه الكتاب وأبوبصير قد مرض وهو في آخر رمق ، فمات وقبره هناك ودخل أصحابه المدينة.

وكانت هذه سبيل من جاءه ، وكانت امرأة يقال لها : كلثم بنت عقبة بمكة وهي بنت عقبة بن أبي معيط مؤمنة تكتم إيمانها ، وكان أخواها كافرين أهلها يعذبونها ويأمرونها بالرجوع عن الاسلام ، فهربت إلى المدينة ، وحملها رجل من خزاعة حتى وافى بها إلى المدينة ، فدخلت على ام سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا ام سلمة إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد شرط لقريش أن يرد إليهم الرجال ولم يشرط لهم في النساء شيئا ، والنساء إلى ضعف ، وإن ردني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم فتنوني وعذبوني وأخاف على نفسي فاسألي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يرد ني إليهم.

فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ام سلمة وهي عندها فأخبرته ام سلمة خبرها فقالت : يا رسول الله هذه كلثم بنت عقبة ، وقد فرت بدينها ، فلم يجبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشئ ، ونزل عليه الوحي : ( يا أيها الذين آمنوا إذا جائم

٦٨

المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ) (١) إلى قوله عزوجل : ( واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) فحكم الله في هذا أن النساء لا يرددن إلى الكفار ، وإذا امتحنوا بمحنة الاسلام أن تحلف المرأة ( بالله الذي لا إله إلا هو ، ما حملها على اللحاق بالمسلمين بغضا لزوجها الكافر أو حبا لاحد من المسلمين ، وإنما حملها على ذلك الاسلام ) فاذا حلفت وعرف ذلك منها ، لم ترد إلى الكفار ، ولم تحل للكافر وليس للمؤمن أن يتزوجها ولا تحل له ، حتى يرد على زوجها الكافر صداقها فاذا رد عليه صداقها حلت له وحل له منا كحتها.

وهو قوله عزوجل : ( وآتوهم ما أنفقوا ) يعني آتوا الكفار ما أنفقوا عليهن.

ثم قال : ( ولا جناح عليهم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن اجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) ثم قال : ( واسئلوا ما أنفقتم على نسائكم ) الذي يلحقن بالكفار ( ذلكم حكم الله يحكم بينكم ) ثم قال : ( وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار ) فاطلبوا من الكفار ما أنفقتم عليهن فان امتنع به عليكم ( فعاقبتم ) أي أصبتم غنيمة فليؤخذ من أول الغنيمة قبل القسمة ما يرد على المؤمن الذي ذهبت امرأته إلى الكفار ، فرضي بذلك المؤمنون ورضي به الكافرون.

فهذه هي القصة في هذه السورة ، فنزلت هذه الاية في هذا المعنى في سنة ست من الجهرة ، وأما في أول السورة فهي قصة حاطب بن أبي بلتعة أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصير إلى مكة ، فقال : اللهم أخف العيون والاخبار على قريش ، حتى نبغتها في دارها ، وكان عيال حاطب بمكة فبلغ قريشا ذلك فخافوا خوفا شديدا فقالوا لعيال حاطب اكتبوا إلى حاطب ليعلمنا خبر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فان أرادنا لنحذره ، فكتب حاطب إليهم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يريدكم ، ودفع الكتاب إلى امرأة فوضعته في قرونها.

فنزل الوحي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأعلمه الله ذلك ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أميرالمؤمنين والزبير بن العوام ، فلحقاها بعسفان ففتشاها فلم يجدا معها شيئا

____________________

(١) راجع سورة الممتحنة : ١٠ ـ ١٣.

٦٩

فقال الزبير : ما نجد معها شيئا فقال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه : والله ما كذبني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا كذب جبرئيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لتظهرن الكتاب فرده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول الله لحاطب : ما هذا؟ فقال : يا رسول الله ، والله ما غيرت ولا بدلت ، ولانا فقت ، ولكن عيالي كتبوا إلى فأحببت أن اداري قريشا ليحسنوا معاش عيالي ويرفقوا بهم.

وحاطب رجل من لخم وهو حليف لاسد بن عبدالعزى ، فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله اؤمرني بضرب عنقه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اسكت فأنزل الله عزوجل ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) إلى قوله : ( والله بما تعملون بصير ) (١) ثم أطلق لهم فقال : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ) إلى قوله : ( ومن يتولهم فاولئك هم الظالمون ) (٢) فإلى هذا المكان من هذه السورة نزل في سنة ثماني من الهجرة ، حيث فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة ، والذي ذكرنا في قصة المرأة المهاجرة نزل في سنة ست من الهجرة ، فهذا دليل على أن التأليف ليس على ما أنزل الله.

ومثله في سورة النساء في قوله عزوجل : ( وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) (٣) وليس هذه من الكلام الذي قبله في شئ ، وإنما كانت العرب إذا ربت يتيمة يمتنعون من أن يتزوجوا بها ، فيحرمونها على أنفسهم ، لتربيتهم لها فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن ذلك بعد الهجرة فأنزل الله عليه في هذه السورة ( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان ) (٤) ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) فهذه الاية

____________________

(١) الاية الاولى من سورة الممتحنة.

(٢) الممتحنة : ٨ و ٩.

(٣) النساء : ٣.

(٤) النساء : ١٢٧ وما بعدها الاية : ٣.

٧٠

هي مع تلك التي في أول السورة ، فغلطوا في التأليف فأخروها ، وجعلوها في غير موضعها.

ومثله في سورة العنكبوت في قوله عزوجل : ( وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عندالله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ) (١) فأما التأليف الذي في المصحف بعد هذا ( وإن يكذبوك فقد كذب امم من قبلهم وما على الرسول إلا البلاغ المبين * أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير * قل سيروا في الارض فانظر وا كيف بدء الخلق ثم الله ينشئ النشأة الاخرة إن الله على كل شئ قدير * يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون * وما أنتم بمعجزين في الارض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ) إلى قوله جل وعز : ( اولئك لهم عذاب أليم * فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجيه الله من النار إن في ذلك لايات لقوم يؤمنون ).

فهذه الاية مع قصة إبراهيم صلى الله عليه متصلة بها فقد اخرت ، وهذا دليل على أن التأليف على غيرما أنزل الله عزوجل في كل وقت للامور التي كانت تحدث ، فينزل الله فيها القرآن وقد قدموا وأخروا لقلة معرفتهم بالتأليف وقلة علمهم بالتنزيل على ما أنزله الله ، وإنما ألفوه بآرائهم ، وربما كتبوا الحرف والاية في غير موضعها الذي يجب ، قلة معرفة به ، ولو أخذوه من معدنه الذي انزل فيه ، ومن أهله الذي نزل عليهم ، لما اختلف التأليف ، ولوقف الناس على عامة ما احتاجوا إليه من الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والخاص والعام.

ومثله في سورة النساء في قصة أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم احد حيث أمرهم الله عزوجل بعد ما أصابهم من الهزيمة والقتل والجراح أن يطلبوا قريشا ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون

____________________

(١) العنكبوت : ١٦ و ١٧.

٧١

من الله ما لا يرجون ) (١) فلما أمرهم الله بطلب قريش قالوا : كيف نطلب ونحن بهذه الحال من الجراحة والالم الشديد ، فأنزل الله هذه الاية ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون ) وفي سورة آل عمران تمام هذه الاية عند قوله : ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ) (٢) الاية إلى آخرها والايتان متصلتان في معنى واحد ، ونزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متصلة بعضها ببعض ، فقد كتب نصفها في سورة النساء ، ونصفها في سورة آل عمران.

وقد حكى جماعة من العلماء عن الائمة عليهم‌السلام أنهم قالوا : إن أقواما ضربوا القرآن بعضه ببعض ، واحتجوا بالناسخ وهم يرونه محكما ، واحتجوا بالخاص وهم يرونه عاما ، واحتجوا بأول الاية وتركوا السبب ، ولم ينظروا إلى ما يفتحه الكلام ، وما يختمه ، وما مصدره ومورده ، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل ، وسأصف من علم القرآن أشياء ليعلم أن من لم يعلمها لم يكن بالقرآن عالما ، من لم يعلم الناسخ والمنسوخ والمبهم والخاص والعام ، والمكى والمدنى والمحكم والمتشابه وأسباب التنزيل والمبهم من القرآن وألفاظه المؤتلفة في المعاني ، وما فيه من علم القدر ، والتقديم منه والتأخير ، والعمق والجواب والسبب والقطع والوصل ، والاتفاق ، والمستثنى منه ، والمجاز ، والصفة ، في قبل وما بعد ، والمفصل الذي هلك فيه الملحدون ، والوصل من الالفاظ والمحمول منه على ما قبله وما بعده ، والتوكيد منه ، وقد فسرنا في كتابنا هذا بعض ذلك ، وإن لم نأت على آخره.

ومن الدليل أيضا في باب تأليف القرآن أنه على خلاف ما أنزله الله تبارك وتعالى في سورة الاحزاب في قوله : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) (٣) إلى قوله : ( وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ) وهذه الاية

____________________

(١) النساء : ١٠٤.

(٢) آل عمران : ١٤٠.

(٣) الاحزاب : ٤٥.

٧٢

نزلت بمكة ، وقبل هذه الاية ما نزل بالمدينة وهو قوله عزوجل في سورة الاحزاب : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ) (١) إلى قوله : ( ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما * من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) (٢).

وفي هذه الاية وهذه القصة وقعت المحنة على المؤمنين والمنافقين ، فأما المؤمنون فما مدحهم الله به من قوله عزوجل : ما زادهم ما كانوا فيه من الشدة إلا إيمانا وتسليما من المؤمنين ، وأما المنافقون فما قص الله من خبرهم وحكى عن بعضهم قوله تبارك وتعالى : ( قد يعلم الله المعوقين منكم ) إلى قوله : ( وكان ذلك على الله يسيرا ) (٣).

وقد أجمعوا أن أول سورة نزلت من القرآن ( اقرء باسم ربك ) وليس تقرء في ما ألفوا من المصحف إلا قريبا من آخر [ ه وأن من أواخر ما نزلت ] من القرآن سورة البقرة وقد كتبوها في أول المصحف.

وروى بعض العلماء أنه لما طفر عمرو بن عبدود الخندق ، قال رجل من المنافقين من قريش لبعض إخوانه : إن قريشا لا يريدون إلا محمدا فهلموا نأخذه.

فندفعه في أيديهم ، ونسلم نحن بأنفسنا ، فأخبر جبرئيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتبسم وأنزل الله عليه هذه الايات ( قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لا خوانهم هلم إلينا ) الاية.

٤٦ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن محمد بن القاسم بن زكريا ، عن عباد بن يعقوب ، عن مطر بن أرقم ، عن الحسن بن عمرو الفقيمي ، عن صفوان بن قبيصة عن الحارث بن سويد ، عن عبدالله بن مسعود قال : قرأت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سبعين سورة من القرآن أخذتها من فيه ، وزيد ذو ذؤابتين يلعب مع الغلمان ، وقرأت

____________________

(١) الاحزاب : ٩.

(٢) الاحزاب : ٢٢ و ٢٣.

(٣) الاحزاب : ١٨.

٧٣

سائر أو قال : بقية القرآن على خير هذه الامة وأقضاهم بعد نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب صلوات الله عليه (١).

أقول : سئل الشيخ المفيد رحمه الله في المسائل السروية : ما قوله أدام الله تعالى حراسته في القرآن؟ أهو ما بين الدفتين الذي في أيدي الناس أم هل ضاع مما أنزل الله تعالى على نبيه منه شئ أم لا؟ وهل هو ما جمعه أميرالمؤمنين عليه‌السلام أم ما جمعه عثمان على ما يذكره المخالفون ).

الجواب : إن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى وتنزيله وليس فيه شئ من كلام البشر ، وهو جمهور المنزل ، والباقي مما أنزله الله تعالى قرآنا ، عند المستحفظ للشريعة ، المستودع للاحكام ، لم يضع منه شئ وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الان لم يجعله في جملة ما جمع لاسباب دعته إلى ذلك ، منها قصورة عن معرفة بعضه ، ومنه ما شك فيه ، ومنه ما عمد بنفسه ومنه ما تعمد إخراجه منه.

وقد جمع أميرالمؤمنين عليه‌السلام القرآن المنزل من أوله إلى آخره ، وألفه بحسب ما وجب من تأليفه ، فقدم المكى على المدني ، والمنسوخ على الناسخ ووضع كل شئ منه في حقه ، فلذلك قال جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : أما والله لوقرئ القرآن كما انزل لالفيتمونا فيه مسمين كما سمي من كان قبلنا ، وقال عليه‌السلام : نزل القرآن أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدونا ، وربع قصص وأمثال ، وربع قضايا وأحكام ، ولنا أهل البيت فضائل القرآن.

فصل : غير أن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم‌السلام أنهم أمروا بقراءة ما بين الدفتين وأن لا نتعداه بلازيادة فيه ولا نقصان منه ، حتى يقوم القائم عليه‌السلام فيقرئ الناس القرآن على ما أنزله الله تعالى وجمعه أميرالمؤمنين عليه‌السلام وإنما نهونا عليهم‌السلام عن قراءة ما وردت به الاخبار من أحرف يزيد على الثابت في المصحف ، لانها لم يأت على التواتر وإنما جاء بالاحاد ، وقد يغلط الواحد فيما ينقله ، ولانه

____________________

(١) أمالى الطوسى ج ٢ ص ٢١٩.

٧٤

متى قرأ الانسان بما يخالف ما بين الدفتين غرر بنفسه مع أهل الخلاف ، وأغرى به الجبارين ، وعرض نفسه الهلاك ، فمنعونا عليهم‌السلام من قراءة القرآن بخلاف ما يثبت بين الدفتين لما ذكرناه.

فصل : فان قال قائل : كيف تصح القول بأن الذي بين الدفتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة ولا نقصان ، وأنتم تروون عن الائمة عليهم‌السلام أنهم قرؤا ( كنتم خير أئمة اخرجت للناس ) ( وكذلك جعلناكم أئمة وسطا ) وقرؤا ( يسئلونك الانفال ) وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس.

قيل له : قد مضى الجواب عن هذا ، وهو أن الاخبار التي جائت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحتها ، فلذلك وقفنا فيها ، ولم نعدل عما في المصحف الظاهر على ما امرنا به حسب ما بيناه ، مع أنه لا ينكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلتين أحدهما ما تضمنه المصحف والثاني ما جاء به الخبر كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتى ، فمن ذلك قوله تعالى : ( وما هو على الغيب بظنين ) (١) يريد بمتهم ، وبالقراءة الاخرى ( وما هو على الغيب بضنين ) يريد به ببخيل ومثل قوله : ( جنات عدن تجري من تحتها الانهار ) على قراءة ، وعلى قراءة اخرى ( تجري تحتها الانهار ) ونحو قوله تعالى : ( إن هذان لساحران ) (٢) وفي قراءة اخرى ( إن هذين لساحران ) وما أشبه ذلك مما يكثر تعداده ، ويطول الجواب باثباته ، وفيما ذكرناه كفاية إنشاء الله تعالى.

أقول : روى البخاري والترمذي في صحيحيهما وذكره في جامع الاصول في حرف التاء في باب ترتيب القرآن وتأليفه وجمعه ، عن زيد بن ثابت قال : أرسل إلى أبوبكر بعد مقتل أهل اليمامة فاذا عمر جالس عنده ، فقال أبوبكر : إن عمر جاءني فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن ، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في كل المواطن ، فيذهب من القرآن كثير وإني أرى أن

____________________

(١) التكوير : ٢٤.

(٢) طه : ٦٣.

٧٥

تذهب بجمع القرآن ، قال : قلت لعمر : وكيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال عمر : هو والله خير ، فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر ، ورأيت في ذلك الذي رأي عمر ، قال زيد : فقال لي أبوبكر : إنك رجل شاب عاقل ، لانتهمك ، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتتبع القرآن فأجمعة ، قال زيد : فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ، ما كان أثقل على مما أمرني به من جمع القرآن.

قال : قلت : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله؟ فقال أبوبكر : هو والله خير ، قال : فلم يزل أبوبكر يراجعني وفي رواية اخرى فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر قال : فتتبعت القرآن : أجمعه من الرقاع والعسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة أو أبي خزيمة الانصاري لم أجدها مع أحد غيره ( لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ) خاتمة براءة. قال : فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ، ثم حفصة بنت عمر ، قال بعض الرواة : فيه اللخاف يعني الخزف ، قال في جامع الاصول : أخرجه البخاري والترمذي. وقدروى هذه الرواية في الاستيعاب عن ابن شهاب ، عن عبيد بن السباق ، عن زيد بن ثابت ، وروى البخاري والترمذي وصاحب جامع الاصول في الموضع المذكور عن الزهري عن أنس بن مالك أن حديفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم في القرآن فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الامة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ، ننسخها في المصاحف ، ثم نردها إليك فأرسلت بها إليه فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن ابن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فانما نزل

٧٦

بلسانهم ، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ، رد عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل افق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سوى ذلك من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.

قال ابن شهاب : وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت يقول : فقدت آية من سورة الاحزاب حين نسخت الصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرء بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الانصاري ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) فألحقناها في سورتها من المصحف ، قال : وفي رواية أبي اليمان خزيمة ابن ثابت الذي جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شهادته شهادة رجلين قال : وزاد في رواية اخرى قال ابن شهاب : اختلفوا يومئذ في التابوت ، فقال زيد : التابوة وقال ابن الزبير وسعيد بن العاص : التابوت فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال : اكتبوه التابوت فانه بلسان قريش.

قال في جامع الاصول : أخرجه البخاري والترمذي وزاد الترمذي قال الزهري : فأخبرني عبيدالله بن عبدالله أن عبدالله بن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف ، وقال : يا معشر المسلمين اعزل عن نسخ المصاحف ويتولاها رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر ، يريد زيد بن ثابت ، ولذلك قال عبدالله ابن مسعود : يا أهل العراق! اكتمو المصاحف التي عندكم ، وغلوها ، فان الله تعالى يقول : ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ) فالقوا الله بالمصاحف.

قال الترمذي : فبلغني أنه كره ذلك من مقالة ابن مسعود رجال من أفاضل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وروى البخاري ومسلم بن حجاج والترمذي في صحاحهم وذكره في جامع الاصول عن أنس قال : جمع القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعة كلهم من الانصار : ابي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وأبوزيد ، وزيد يعني ابن ثابت قلت لانس : من أبو زيد؟ قال : أحد عمومتي ، وروى البخاري برواية اخرى عن أنس قال : مات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبوالدرداء ، ومعاذبن جبل وزيد بن ثابت وأبوزيد ، وروى البخاري عن ابن عباس قال : جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قلت له : وما المحكم [ قال : المفصل. ].

٧٧

٨

* ( باب ) *

* ( ( أن للقرآن ظهرا وبطنا ، وأن علم كل شئ في القرآن ) ) *

* ( ( وأن علم ذلك كله عند الائمة عليهم‌السلام ، ولا يعلمه ) ) *

* ( ( غيرهم الا بتعليمهم ) ) *

أقول : قد مضى كثير من تلك الاخبار في أبواب كتاب الامامة. ونوردهنا مختصرا من بعضها وقد مضى مفصل ذلك في باب احتجاج أميرالمؤمنين صلوات الله عليه على الزنديق المدعي للتناقض في اقرآن (١) وكذا في الاخبار التي ذكرت بأسانيد في باب ( سلوني قبل أن تفقدوني ) (٢) فانه قد قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام.

أما والله لو ثنيت لي الوسادة ، فجلست عليها ، لافتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول : صدق علي ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل الله في ، و أفتيت أهل الانجيل بانجيلهم حتى نيطق الانجيل فيقول : صدق علي ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله في ، وأفتين أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول صدق علي ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله في ، وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه ، ولولا آية في كتاب الله عزوجل لاخبرتكم بما كان ، وبما هو كاين إلى يوم القيامة ، وهي هذه الاية ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ) (٣).

١ ـ ج : عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي صلوات الله عليهم قال : سلوني عن كتاب الله ، فوالله ما نزلت آية من كتاب الله في ليل ولا نهار ، ولا

____________________

(١) راجع احتجاج الطبرسى ص ١٢٥.

(٢) راجع ج ١٠ ص ١١٧ ١٢٨ من هذه الطبعة ، وتراه في الاحتجاج : ١٣٧ أمالى الصدوق ص ٢٠٥ ٢٠٨.

(٣) الرعد : ٣٩.

٧٨

مسير ولا مقام ، إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلمني تأويلها ، فقام ابن الكوا فقال : يا أميرالمؤمنين فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه؟ قال : كان [ يحفظ علي ] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب حتى أقدم عليه فيقرئنيه ويقول : يا علي أنزل الله بعدك كذا وكذا ، وتأويله كذا وكذا فعلمني تأويله وتنزيله (١).

ما : باسناد المجاشعي ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام مثله (٢).

٢ ـ لى : الطالقاني ، عن الجلودي ، عن المغيرة بن محمد ، عن إبراهيم بن محمد بن عبدالرحمن ، عن قيس بن الربيع ومنصور بن أبي الاسود ، عن الاعمش عن المنهال بن عمرو ، عن عباد بن عبدالله قال : قال علي عليه‌السلام : ما نزلت في القرآن آية إلا وقد علمت أين نزلت ، وفيمن نزلت ، وفي أي شئ نزلت ، وفي سهل نزلت أم في جبل نزلت ، قيل : فما نزل فيك؟ فقال : لو لا أنكم سئلتموني ما أخبرتكم نزلت في الاية ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنذر ، وأنا الهادي إلى ما جاء به (٣).

٣ ـ ن : باسناد التميمي ، عن الرضا ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال الحسين عليه‌السلام : خطبنا أميرالمؤمنين صلوات الله عليه فقال : سلوني عن القرآن اخبركم عن آياته فيمن نزلت ، وأين نزلت (٤).

٤ ـ ما : المفيد ، عن الجعاني ، عن ابن عقدة ، عن محمد بن الحسن ، عن علي بن إبراهيم بن يعلى ، عن علي بن سيف بن عميرة ، عن أبيه ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : ما نزلت آية إلا وأنا عالم متى

____________________

(١) الاحتجاج : ١٣٩.

(٢) أمالى الطوسى ج ٢ ص ١٣٦.

(٣) أمالى الصدوق ص ١٦٦.

(٤) عيون الاخبار ج ٢ ص ٦٧.

٧٩

نزلت ، وفيمن نزلت ، ولو سئلتموني عما بين اللوحين لحدثتكم (١).

٥ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن محمد بن جعفر الرزاز ، عن محمد بن عيسى القيسي ، عن إسحاق بن يزيد الطائي ، عن هاشم بن البريد ، عن أبي سعيد التيمي ، عن أبي ثابت مولى أبي ذر ، عن ام سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه الذي قبض فيه يقول وقد امتلات الحجرة من أصحابه : أيها الناس يوشك أن اقبض قبضا سريعا ، فينطلق بي وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ، ألا إني مخلف فيكم كتاب ربي عزوجل ، وعترتي أهل بيتي ثم أخذ بيد علي عليه‌السلام فرفعها فقلا : هذا علي مع القرآن مع علي خليفتان بصيران ، لا يفترقان حتى يردا على الحوض فأسألهما ما ذا خلفت فيهما (٢).

٦ ـ ما : جماعة ، عن أبي المفضل ، عن محمد بن جرير الطبري ، عن محمد بن عمارة الاسدي ، عن عمرو بن حماد بن طلحة ، عن علي بن هاشم بن البريد ، عن أبيه ، عن أبي سعيد التيمي ، عن أبي ثابت مولى أبي ذر ، عن ام سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : إن عليا مع القرآن ، والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا على الحوض (٣).

أقول : تمامه في أبواب غزوة الجمل.

٧ ـ فس : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : ألا إن العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى الارض وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين عندي ، وعند عترة خاتم النبيين فأين يتاه بكم بل أين تذهبون (٤).

٨ ـ فس : أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن بريد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن رسول الله أفضل الراسخين في العلم ، فقد علم جميع ما أنزل

____________________

(١) أمالى الطوسى ج ١ ص ١٧٢.

(٢) أمالى الطوسى ج ٢ ص ٩٢.

(٣) أمالى الطوسى ج ٢ ص ١٢٠.

(٤) تفسير القمي ص ٥.

٨٠