بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وروى السكوني (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا صلى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرحل ، فان لم يجد فحجرا فان لم يجد فسهما ، فان لم يجد فيخط في الارض بين يديه.

وعن أبي عبدالله عليه‌السلام برواية غياث (٢) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وضع قلنسوة وصلى إليها.

وعن محمد بن إسماعيل (٣) عن الرضا عليه‌السلام يكون بين يديه كومة من تراب أو يخط بين يديه بخط.

وروى العامة الخط عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنكره بعض العامة (٤) ثم هو عرضا ، وبعض العامة طولا أو مدورا أو كالهلال ، وقال ره إذا نصب بين يديه عنزة أو عودا لم يستحب الانحراف عنه يمينا ولا يسارا ، قاله في التذكرة ، وقال ابن الجنيد يجعله على جانبه الايمن ولا يتوسطها ، فيجعلها مقصده تمثيلا بالكعبة ، وبعض العامة لتكن على الايمن أو على الايسر.

أقول : ظاهر الاخبار المحاذات ، وما ذكره ابن الجنيد لا وجه له ظاهرا.

ثم قال قدس سره : يستحب الدنو من السترة لما روي (٥) عن النبي صلى الله عليه وآله إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته ، وقدره ابن الجنيد بمربض الشاة لما صح من خبر سهل الساعدي قال : كان بين مصلى النبي صلى الله عليه وآله

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٤٤.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٢٨.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٢٤٤.

(٤) رواه أبوداود وابن ماجة عن أبى هريرة على ما في المشكاة ص ٧٤ ، قيل : قال به الشافعى في القديم ، ونفاه في الجديد لا ضطراب الحديث وضعفه ، وقال ابن الهمام : وأما الخط فقد اختلفوا فيه حسب اختلافهم في الوضع اذا لم يكن معه ما يغرزه أو يضعه ، فالمانع يقول : لا يحصل به المقصود ، اذ لا يظهر من بعيد ، والمجيز يقول : ورد الاثربه.

(٥) رواه أبوداود عن سهل بن أبى حثمة على ما في المشكاة ص ٧٤.

٣٠١

وبين الجدار ممر الشاة ، وبعض العامة بثلاث أذرع ، ويجوز الاستتار بالحيوان لما مر (١) ويجزي إلقاء العصا عرضا إذا لم يمكن نصبها ، لانه أولى من الخط.

أقول : ذكر بعض الاصحاب حد الدنو من مربض عنز إلى مربط فرس ، لما رواه الصدوق في الصحيح عن عبدالله بن سنان (٢) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أقل ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز ، وأكثر ما يكون مربط فرس ، وقال قدس سره سترة الامام سترة لمن خلفه ، وقال : يستحب دفع المار بين يديه ، لقوله عليه‌السلام لا يقطع الصلاة شئ فادرؤا ما استطعتم ثم ذكر الاخبار المتقدمة.

ثم قال : يكره المرور بين يدي المصلي سواء كان له سترة أم لا ، ولو احتاج المصلي في الدفع إلى القتال لم يجز ، ورواية أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي  صلى‌الله‌عليه‌وآله ( فان أبى فليقاتله ، فانما هو شيطان ) للتغليظ ، أيضا أو يحمل على دفاع مغلظ لا يؤدي إلى جرح ولا ضرر ، وهل كراهة المرور وجواز الدفع مختص بمن استتر أو مطلقا نظر ، ولو كان في الصف الاول فرجة جاز التخطي بين الصف الثاني لتقصير هم لا همالها ، ولولم يجد المار سبيلا سوى ذلك لم يدفع ، وغلا بعض العامة في ذلك وجوز الدفع مطلقا. ولا يجب نصب السترة إجماعا وليست شرطا في صحة الصلاة أيضا بالاجماع ، وإنما هي من كمال الصلاة انتهى ملخص كلامه زاد الله في إكرامه.

٨ ـ العلل والخصال : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمد بن عيسى اليقطيني عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن ، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، عن آبائه قال : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : لا يصلي أحدكم وبين يديه سيف ، فان القبلة أمن (٣).

____________________

(١) ولما روى عن ابن عمر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعرض راحلته فيصلى اليها ، متفق عليه.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٢٥٣

(٣) علل الشرائع ج ٢ ص ٤٢ ، الخصال ج ٢ ص ١٥٨ واللفظ له.

٣٠٢

بيان : ( فان القبلة أمن ) أي ذوأمن لا ينبغي أن يكون فيه ما يوجب الخوف أو ما يوجب تذكر القتال وشغل القلب به ، أو أن الله تعالى يحفظ المصلي فلا يحتاج إلى السيف ، ثم اعلم أن المشهور بين الاصحاب أنه يكره الصلاة إلى سيف مشهور أو غيره من السلاح.

وقال أبوالصلاح : لا يحل للمصلي الوقوف في معاطن الابل ، ومرابط الخيل والبغال والحمير والبقر ، ومرابض الغنم ، وبيوت النار ، والمزابل ومذابح الانعام والحمامات ، وعلى البسط المصورة ، وفي البيت المصور ، ولنا في فسادها في هذه المحال نظر ، ثم قال : لا يجوز التوجه إلى النار والسلاح المشهور والنجاسة الظاهرة والمصحف المنشور ، والقبور ، ولنا في فساد الصلاة مع التوجه إلى شئ من ذلك نظر ويكره التوجه إلى الطريق والحديد والسلاح المتواري والمرءة النائمة بين يديه أشد كراهية انتهى والاشهر أظهر.

وقال ابن الجنيد : إن التماثيل والنيران مشعلة في قناديل أوسرج أو شمع أو جمر معلقة أو غير معلقة سنة للمجوس وأهل الكتاب ، قال : ويكره أن يكون في القبلة مصحف منشور ، وإن لم يقرأ فيه ، أو سيف مسلول ، أو مرآت ترى المصلى نفسه أو ما وراءه انتهى.

اقول : لم أر المرآة في رواية ، وحمله على الصورة قياس ، وربما يبنى ذلك على الخلاف في الانطباع وخروج الشعاع ، فعلى الاول داخل في الصورة وعلى الثاني رأي نفسه ، والظاهر أن الاحكام الشرعية لاتبتني على تلك الدقائق الحكمية ، بل على الدلالات العرفية واللغوية ، ولا يطلق في العرف واللغة عليها المثال والصورة ، وإن كان الاولى والاحوط الترك.

٩ ـ دعائم الاسلام : عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : الصلاة إلى غير سترة من الجفاء ومن صلى في فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرحل (١).

وعن علي عليه‌السلام أنه كان يكره الصلاة إلى البعير ، ويقول : ما من بعير إلا

____________________

(١) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٥٠.

٣٠٣

وعلى ذروته شيطان (١).

وعن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه كره أن يصلي الرجل ورجل بين يديه قائم و لا يصلي الرجل وبحذائه امرءة ، إلا أن يتقدمها بصدره (٢).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال إذا قام أحدكم في الصلاة إلى سترة فليدن منها فان الشيطان يمر بينه وبينه وبينها ، وحد في ذلك كمربض الثور (٣).

وعن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه كره التصاوير في القبلة (٤).

وعن علي عليه‌السلام أنه سئل عن المرور بين يدي المصلي فقال : لا يقطع الصلاة شئ ، ولا تدع من يمر بين يديك وإن قاتلته (٥).

وقال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الصلاة فمر بين يديه كلب ثم مر حمار ، ثم مرت امرءة وهو يصلي ، فلما انصرف قال : رأيت الذي رأيتم ، وليس يقطع صلاة المؤمن شئ ، ولكن ادرؤا ما استطعتم (٦).

____________________

(١ ـ ٤) دعائم السلام ج ١ ص ١٥٠.

(٥ ـ ٦) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٩١.

٣٠٤

٥

* ( باب ) *

* ( المواضع التى نهى عن الصلاة فيها ) *

١ ـ المحاسن : عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عمن رواه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : عشرة مواضع لا يصلى فيها : الطين ، والماء ، والحمام ، القبور ، ومسان الطريق ، وقرى النمل ، ومعاطن الابل ، ومجرى الماء ، والسبخة ، والثلج (١).

ومنه : عن أبيه ، عن عبدالله بن الفضل النوفلي ، عن أبيه ، عن مشيخته ، عنه عليه‌السلام مثله (٢).

الخصال : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن عبدالله ابن الفضل مثله إلا أنه أسقط لفظ القبور وزاد في آخره ، ووادي ضجنان.

ثم قال رضوان الله عنه : هذه المواضع لا يصلي فيها الانسان في حال الاختيار فاذا حصل في الماء والطين واضطر إلى الصلاة فيه ، فانه يصلى إيماء ، ويكون ركوعه أخفض من سجوده ، وأما الطريق فانه لا بأس بأن يصلى على الظواهر التي بين الجواد ، فأما على الجواد فلا يصلى ، وأما الحمام فانه لا يصلى فيه على كل حال فأما مسلخ الحمام فلا بأس بالصلاة فيه لانه ليس بحمام ، وأما قرى النمل فلا يصلى فيها لانه لا يتمكن من الصلاة لكثرة ما يدب عليه من النمل ، فيؤذيه فيشغله عن الصلاة.

وأما معاطن الابل فلا يصلى فيها إلا إذا خاف على متاعه الضيعة فلا بأس حينئذ بالصلاة فيها ، وأما مرابض الغنم فلا بأس بالصلاة فيها ، وأما مجرى الماء فلا يصلى فيه على كل حال ، لانه لا يؤمن أن يجرى الماء إليه وهو في صلاته ، وأما السبخة فانه لا يصلي فيها نبي ولا وصي نبي ، وأما غيرهما فانه

____________________

(١) المحاسن ص ١٣.

(٢) المحاسن ص ٣٦٦.

٣٠٥

متى دق مكان سجوده حتى تتمكن الجبهة فيه مستوية في سجوده فلا بأس ، وأما الثلج فمتى اضطر الانسان إلى الصلاة عليه فانه يدق موضع جبهته حتى يستوي عليه في سجوده ، وأما وادي ضجنان وجميع الاودية فلا تجوز الصلاة فيها لانها مأوى الحيات والشياطين (١).

بيان : اشتمل الخبر مع قوته لتكرره في الاصول ، ورواية الكليني والشيخ وغيرهما له (٢) على أحكام.

الاول : المنع عن الصلاة في الطين والماء ، والظاهر أنه على التحريم إن منعا شيئا من واجبات الصلاة ، كالسجود والاستقا ، وإلا كره ، لما رواه الشيخ في الموثق عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن حد الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ قال : إذا غرق الجبهة ولم تثبت على الارض (٣).

الثانى : المنع عن الصلاة في الحمام ، والمشهور الكراهة ، وقدمر قول أبي الصلاح أنه منع من الصلاة في الحمام وتردد في الفساد ، والاظهر الكراهة للروايات الدالة على الجواز ، وإن حملها الصدوق والشيخ على المسلخ وظاهر الشيخ نفي ثبوت الكراهة في المسلخ كما صرح به الشهيدان ، والصدوق في العلل (٤) وإن كان في دليله نظر ، واحتمل في التذكرة ثبوت الكراهة فيه أيضا وأما سطح الحمام فلاتكره الصلاة فيه قطعا ، ويحتمل أن يكون النهي عن الصلاة في الحمام محمولا على ما إذا كان نجسا لانهم كانوا يصلون في فرشه ، وقلما تخلو عن النجاسة ، لما رواه الصدوق (٥) في الصحيح عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام أنه سأله

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٥٢ ٥٣.

(٢) تراه في الكافى ج ٣ ص ٣٩٠ ، فقيه من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ١٥٦ ، التهذيب ج ١ ص ١٩٨.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٢٢٤.

(٤) بل ذكره في الخصال على مامر.

(٥) الفقيه ج ١ ص ١٥٦.

٣٠٦

عن الصلاة في بيت الحمام فقال : إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس ، وروى الشيخ (١) مثله في الموثق عن أبي عبدالله عليه‌السلام.

الثالث : المنع عن الصلاة في القبور وقال في المنتهى : يكره الصلاة في المقابر ، ذهب إليه علماؤنا ، قال : ونقل الشيخ عن بعض علمائنا القول بالبطلان وقال : تكره الصلاة إلى القبور وأن يتخذ القبر مسجدا يسجد عليه ، وقال ابن بابويه : لا يجوز فيهما ، وهو قول بعض الجمهور ، ثم قال : لوكان بينه وبين القبر حائل أو بعد عشرة أذرع لم تكن بالصلاة إليه بأس ، وقدمر أن أبا الصلاح حرمها وتردد في البطلان ، وقال المفيد : لا تجوز الصلاة إلى شئ من القبور حتى تكون بينه وبينه حائل أو قدر لبنة أو عنزة منصوبة ، أو ثوب موضوع.

وعلى القول بالكراهة أو الحرمة الحكم برفعهما بالحوائل التي ذكرها مشكل ، ولم نر مستنده ، فأما عشرة أذرع فرواه الشيخ في الموثق (٢) عن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يصلي بين القبور؟ قال : لا يجوز ذلك إلا أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه ، وعشرة أذرع من خلفه ، وعشرة أذرع عن يمينه ، وعشرة أذرع عن يساره ، ثم يصلي إن شاء.

واستندوا في التحريم إلى هذه الرواية ، وهي عندنا ليست في درجة من القوة وقد عارضها روايات صحيحة مثل ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (٣) قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام عن الصلاة بين القبور هل يصلح؟ قال : لا بأس وفي الصحيح (٤) عن علي بن جعفر ، عن أخيه مثله ، فغاية ما يمكن إثباته مع تلك المعارضات القوية الكراهة ، بل يمكن المناقشة فيها أيضا ، نعم الاحوط عدم التوجه إلى قبر غير الائمة عليهم‌السلام لحسنة زرارة الاتية وأما قبور الائمة عليهم‌السلام

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٤٣.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٠٠.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٢٤٣.

(٤) الفقيه ج ١ ص ١٥٨.

٣٠٧

فسيأتي القول فيها ، وألحق جماعة من الاصحاب بالقبور القبر والقبرين ومستنده غير واضح.

الرابع : المنع من الصلاة في الطرق ، وقال في المغرب : سنن الطريق معظمه ووسطه ، وفي القاموس سن الطريقة سارفيها كاستسنها وسنن الطريق مثلثة وبضمتين [ نهجه ] وجهته. والمسان من الابل الكبار انتهى ولعل المراد هنا الطرق المسلوكة أو العظيمة ، والمشهور كراهة الصلاة في الطريق المسلوكة وقال في المنتهى : إنه مذهب علمائنا أجمع ، وظاهر الصدوق والمفيد الحرمة ، والكراهة أظهر ، والترك أحوط ، ولا فرق بين أن تكون الطريق مشغولة بالمارة وقت الصلاة أولا للعموم ، نعم لو تعطلت المارة اتجه التحريم واحتمل الفساد.

ومنهم من خص الكراهة بجواد الطرق وهي العظمى منها ، والاجود التعميم لموثقة ابن الجهم عن الرضا عليه‌السلام (١) قال : كل طريق يوطأ فلا تصل عليه ، وفي رواية اخرى عنه (٢) : كل طريق يوطأ ويتطرق ، وكانت فيه جادة أولم تكن ، فلا ينبغي الصلاة فيه.

الخامس : المنع من الصلاة في قرى النمل ، والمشهور الكراهة لهذا الخبر ولما سيأتي ، ولعدم انفكاك المصلي من أذاها ، وقتل بعضها.

السادس : المنع من الصلاة في معاطن الابل ، قال الجوهري : العطن والمعطن واحد الاعطان والمعاطن وهي مبارك الابل عند الماء لتشرب عللا بعد نهل فاذا استوفت ردت إلى المراعي والاظماء ، قال ابن السكيت : وكذلك تقول هذا عطن الغنم ومعطنها لمرابضها حول الماء ، وقال : العلل الشرب الثاني ، والنهل الشرب الاول ، وقال الفيروزآبادي : العطن محركة وطن الابل ومنزلها حول الحوض ، وقريب منه كلام ابن الاثير وغيره ، وقال في مصباح اللغة : العطن للابل المناخ والمبرك ، ولا يكون إلا حول الماء ، والجمع أعطان ، نحوسبب وأسباب والمعطن وزان مجلس مثله ، وعطن الغنم ومعطنها ، أيضا مربضها حول الماء ، قاله ابن السكيت وابن قتيبة.

____________________

(١ و ٢) التهذيب ج ١ ص ١٩٨ ، ط حجر ج ٢ ص ٢٢٠ و ٢٢١ ط نجف.

٣٠٨

وقال ابن فارس : قال بعض أهل اللغة : لا يكون أعطان الابل إلا حول الماء ، فأما مباركها في البرية أو عند الحي فهي المأوى ، وقال الازهري : أيضا عطن الابل موضعها الذي تتنحى إليه أي تشرب الشربة الثانية ، وهو العلل ، ولا تعطن الابل على الماء إلا في حمارة القيظ ، فاذا برد الزمان فلا عطن للابل ، والمراد بالمعاطن في كلام الفقهاء المبارك انتهى.

وظاهر الفقهاء أن الكراهة تشتمل كل موضع يكون فيه الابل ، والاولى ترك الصلاة في الموضع الذي تأوي إليه الابل ، وإن لم تكن فيه وقت الصلاة كما يومي إليه بعض الاخبار ، وصرح به العلامة في المنتهى معللا بأنها بانتقالها عنها لا تخرج عن اسم المعطن إذاكانت تأوي إليه.

ثم إن الذي ورد في أخبارنا إنما هو بلفظ العطن ، وقد عرفت مدلوله لغة ، وأكثر أصحابنا حكموا بالتعميم كالمحقق والعلامة ، وقال ابن إدريس في السرائر بعد تفسير المعطن بما نقلناه : هذا حقيقة المعطن عند أهل اللغة إلا أن أهل الشرع لم يخصص ذلك بمبرك دون مبرك انتهى.

واستندوا في التعميم بما رواه الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا أدركتم الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلوا فيها فانها سكينة وبركة ، وإن أدركتم الصلاة وأنتم في أعطان الابل فاخرجوا منها فانها جن من جن خلقت ألاترى أنها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها.

وعن جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنصلى في مرابض الغنم؟ قال : نعم ، قال : أنصلي في مبارك الابل؟ قال : لا.

وعن البراء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تصلوا في مبارك الابل فانها من الشياطين.

ولا يخفى أن بعض تلك الروايات على تقدير صحتها تؤمى إلى كراهة الصلاة في كل موضع حضر فيه إبل ، مع أنهم ذكروا في السترة أنها تتحقق بالبعير ، ورووا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى إلى بعير ، ورووا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كان يعرض راحلته ويصلي إليها

٣٠٩

قال : قلت : فاذا ذهبت الركاب؟ قال : كان يعرض الرحل ويصلي إلى آخرته وقال العلامة في المنتهى : لا بأس أن يستر ببعير أو حيوان ، ثم ذكر الروايتين الاخيرتين.

وقال ره في المعاطن بعد الروايات الاولة : والفقهاء جعلوه أعم من ذلك وهي مبارك الابل مطلقا التي تأوي إليها ، ويدل عليه ما فهم من التعليل بكونها من الشياطين ، ثم قال : والمواضع التي تبيت فيها الابل في سيرها أو تناخ فيها لعلفها أووردها الوجه أنها لا بأس بالصلاة فيها ، لانها لا تسمى معاطن ، ولو صلى في هذه المواضع لم يكن به بأس ، وليس مكروها خلافا لبعض الجمهور انتهى.

وقد عرفت أنه لو صح التعليل لدل على كراهة مطلق المواضع التي تحضر الابل فيها ، وإلا فينبغي أن يقتصر على مدلول المعاطن لغة ، مع أن الروايات عامية لا عبرة بمدلولاتها.

ثم إن المشهور بين الاصحاب الكراهة ، وقدمر عن أبي الصلاح القول بالتحريم ، والتردد في بطلان الصلاة ، وظاهر المفيد في المقنعة أيضا التحريم ، وهو أحوط ، وإن كانت الكراهة أقوى في الجملة.

السابع : المنع من الصلاة في مجرى الماء ، وهو المكان المعد لجريانه فيه ، وإن لم يكن فيه ماء ، والمشهور فيه الكراهة لهذا الخبر ، وقيل يكره الصلاة في بطون الاودية التي يخاف فيها هجوم السيل ، وظاهر الصدوق ره فيمامر التحريم ، وإن لم ينسب إليه ، وقال في المنتهى : تكره الصلاة في مجرى الماء ذهب إليه علماؤنا.

ثم قال ره : تكره الصلاة في السفينة لانه يكون قد صلى في مجرى الماء ، وكذا لو صلى على ساباط تحته نهر يجري ، أو ساقية ، وهل يشترط في الكراهة جريان الماء؟ عندي فيه توقف أقربه عدم الاشتراط ، ولا فرق بين الماء الطاهر والنجس في ذلك ، وهل تكره الصلاة على الماء الواقف؟ فيه تردد أقربه الكراهية انتهى ، وقال في النهاية : فان أمن السيل احتمل بقاء الكراهة اتباعا

٣١٠

لظاهر النهي ، وعدمها لزوال موجبها.

وأقول : ظاهر الاخبار كراهة الصلاة في المكان الذي يتوقع فيه جريان الماء ، وفي المكان الذي يجرى فيه الماء بالفعل ، على تفصيل قد تقدم ، وقد سبق القول في الصلاة في السفينة ، وأما اساباط فالظاهر عدم الكراهة والله أعلم.

الثامن : المنع من الصلاة في السبخة بفتح الباء ، وإذا كانت نعتا للارض كقولك الارض السبخة فبكسر الباء ذكره الخليل في كتاب العين ، والذي يظه من الاخبار أن المنع لعدم استقرار الجبهة وعدم استواء الارض فلودق وسوي لم يكن به بأس كما ذكره الصدوق ره وظاهر الصدوق في العلل (١) التحريم حيث قال ( باب العلة التي من أجلها لا تجوز الصلاة في السبخة ) وظاهره في الخصال (٢) تخصيص التحريم بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والامام ، وظاهر الاكثر الكراهة مطلقا ، والاظهر أنه إن لم تستقر الجبهة أصلا أو كان الارتفاع والانخفاض أزيد من المعفو فتحرم الصلاة اختيارا ، وإلا فتكره ، ومع الدق والاستواء تزول الكراهة أو تخف و الاول أظهر ، لما رواه الشيخ (٣) في الموثق عن سماعة قال : سألته عن الصلاة في السباخ فقال : لا بأس ، وحملها الشيخ على موضع تقع فيه الجبهة مستوية.

التاسع : المنع من الصلاة على الثلج ، والظاهر أنه أيضا مثل السبخة ، و مع عدم الاستقرار أصلا يحرم ، ومعه في الجملة يكره ، ومع الدق والاستواء التام تزول الكراهة أو تخف ، والثاني أظهر لما سيأتي.

العاشر : المنع من الصلاة في وادي ضجنان وقال المنتهى : تكره الصلاة في ثلاثة مواطن بطريق مكة : البيداء ، وذات الصلاصل ، وضجنان وقال : البيداء في اللغة المفازة ، وليس ذلك على عمومه ههنا ، بل المراد موضع معين ، وقد ورد أنها أرض خسف روي أن جيش السفياني يأتي إليها قاصدا مدينة الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيخسف

____________________

(١) علل الشرايع ج ٢ ص ١٦.

(٢) قدمر كلامه ص ٣٠٥ س ٢١.

(٣) التهذيب ج ١ ص ١٩٨ ، الاستبصار ج ١ ص ١٩٩.

٣١١

الله تعالى بتلك الارض ، وبينها وبين ميقات أهل المدينة الذي هو ذو الحليفة ميل واحد ، وضجنان جبل بمكة ذكره صاحب الصحاح ، والصلاصل جمع صلصال وهي الارض التي لها صوت ودوى انتهى.

وقيل : إنه الطين الحر المخلوط بالرمل ، فصار يتصلصل إذا جف أي صوت وبه فسره الشهيد ره ، ونقله الجوهري عن أبي عبيدة ، ونحو منه كلام الفيروزآبادي ، ويوهم عبارات بعض الاصحاب أن كل أرض كانت كذلك كرهت الصلاة فيها ، وهو خطأ ، لانه قد ظهر من الاخبار وكلام قدماء الاصحاب أنها أسماء مواضع مخصوصة بين الحرمين.

وورد في بعض الاخبار النهي عن الصلاة في ذات الجيش ويظهر من بعضها أنها البيداء كما اختاره الاصحاب ، وعللوا التسمية بخسف جيش السفياني فيها ، ومن بعضها أنها مبدء البيداء للجائي من مكة ، ومن بعضها المغايرة ، فيحتمل التكرار على التأكيد ، أو الحمل على أنها متصلة بالبيداء فحكم بالاتحاد مجازا.

٢ ـ المحاسن : عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن عمار الساباطي قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : لا تصل في وادي الشقرة ، فان فيه منازل الجن (١).

بيان : قال الجوهري : الشقر بكسر القاف شقائق النعمان ، الواحدة شقرة وقال ابن إدريس : تكره الصلاة في وادي الشقرة بفتح الشين وكسر القاف ، وهي واحد الشقر موضع بعينه مخصوص ، سواء كان فيه شقائق النعمان أو لم يكن ، وليس كل واد يكون فيه شقائق النعمان تكره فيه الصلاة بل بالموضع المخصوص فحسب ، وهو بطريق مكة لان أصحابنا قالوا : تكره الصلاة في طريق مكة بأربعة مواضع من جملتها وادي الشقرة ، والذي ينبه على ما اخترناه ما ذكره ابن الكلبي في كتاب الاوائل وأسماء المدن قال : زرود والشقرة ابنتا يثربن قابية بن مهلهل بن وام بن عقيل بن عوض بن ارم بن سام بن نوح ، هذا آخر كلام ابن الكلبي النسابة فقد جعل زرود والشقرة موضعين سميا باسم امرأتين ، وهو أبصر بهذا الشأن انتهى.

____________________

(١) المحاسن ص ٣٦٦.

٣١٢

وقال في المنتهى : الشقرة بفتح الشين وكسر القاف واحدة الشقرة ، وهو شقائق النعمان ، وكل موضع فيه ذلك تكره الصلاة فيه ، وقيل : وادي الشقرة موضع مخصوص بطريق مكة ذكره ابن إدريس والاقرب الاول ، لما فيه من اشتغال القلب بالنظر إليه ، وقيل : هذه مواضع خسف فتكره الصلاة فيها لذلك انتهى.

والاظهر ما اختاره ابن إدريس ، والتعليل الوارد في الخبر مخالف لما ذكره إلا بتكلف تام.

٣ ـ مجالس الصدوق : بالاسناد المتقدم في كتاب المناهي أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن تجصص المقابر ويصلى فيها (١) ، ونهى أن يصلي الرجل في المقابر والطرق والارحية والاودية ومرابط الابل وعلى ظهر الكعبة (٢).

بيان : كراهة الصلاة في الارحية لم يذكرها الاكثر ، وإن دل عليها هذا الخبر ، والمرابط أعم من المعاطن مطلقا أو من وجه.

٤ ـ العلل : عن محمد بن موسى بن المتوكل ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : الصلاة بين القبور ، قال : صل بين خلالها ولا تتخذ شيئا منها قبلة ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن ذلك ، وقال : لاتتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا ، فان الله عزوجل لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (٣).

ايضاح : ظاهره عدم جواز الصلاة إلى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والسجود عليه ، و روى في المنتهى من طرق العامة عن ابن عباس وعائشة قالا : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله الوفاة كشف وجهه وقال : لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، وعنه صلى الله عليه وآله أنه قال : أما إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنها كم عن ذلك.

____________________

(١) أمالى الصدوق ص ٢٥٣.

(٢) المصدر ص ٢٥٤.

(٣) علل الشرائع ج ٢ ص ٤٧.

٣١٣

ثم قال ره : وذلك محمول على الكراهة ، إذ القصد بذلك النهي عن التشبه بمن تقدمنا في تعظيم القبور بحيث تتخذ مساجد ، ومن صلى لا لذلك لم يكن قد فعل محرما ، إذ لا يلزم من المساواة التحريم كالسجود لله تعالى المساوي للسجود للصنم في الصورة ثم قال : قال الشيخ : قد رويت رواية بجواز النوافل إلى قبور الائمة عليهم‌السلام والاصل الكراهية انتهى.

أقول : الجواز وعدم الكراهة في قبور الائمة عليهم‌السلام لا يخلو من قوة ، لا سيما مشهد الحسين عليه‌السلام لما سيأتي من الاخبار ، ولا يبعد القول بذلك في قبر الرسول  صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا بحمل أخبار المنع على التقية ، لشهرة تلك الروايات عند المخالفين ، وقول بعضهم بالحرمة ، ويمكن القول بالنسخ فيها أيضا ، أو الحمل على أن يجعل قبلة كالكعبة ، بأن يتوجه إليه من كل جانب ، لكن هذا الحمل بعيد في بعضها ، أو الحمل على ما إذا كان المقصود سجدة القبر أو صاحبه.

ويمكن القول بالفرق بين قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبور الائمة عليهم‌السلام بالقول بالكراهة في الاول دون الثاني ، لان احتمال توهم المعبودية والمسجودية أو مشابهة من مضى من الامم فيه أكثر ، أو لدفن الملعونين عنده صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٥ ـ العيون : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن ابن علي بن فضال قال : رأيت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام وهو يريد أن يودع للخروج إلى العمرة ، فأتى القبر من موضع رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد المغرب ، فسلم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولزق بالقبر ثم انصرف حتى أتى القبر فقام إلى جانبه يصلي ، فألزق منكبه الايسر بالقبر قريبا من الاسطوانة المخلقة التي عند رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى ست ركعات أو ثمان ركعات (١).

٦ ـ مشكوة الانوار : عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن رجلا أتى أبا جعفر عليه‌السلام فقال له : أصلحك الله إني أتجر إلى هذه الجبال ، فنأتي أمكنة لا نستطيع أن نصلي إلا على الثلج ، قال : ألا تكون مثل فلان ، يعني رجلا عنده يرضى بالدون

____________________

(١) عيون الاخبار ج ٢ ص ١٧ في حديث.

٣١٤

ولا يطلب التجارة إلى أرض لا يستطيع أن يصلي إلا على الثلج (١).

٧ ـ الاحتجاج : قال : كتب الحميري إلى القائم عليه‌السلام يسأله عن الرجل يزور قبور الائمة عليهم‌السلام هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم عليهم‌السلام أن يقوم وراء القبر ، ويجعل القبر قبلة أو يقوم عند رأسه أو رجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلى ويجعل القبر خلفه أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ، ولا فريضة ، ولا زيارة ، والذي عليه العمل أن يضع خده الايمن على القبر وأما الصلاة فانها خلفه ، ويجعل القبر أمامه ، ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره ، لان الامام عليه‌السلام لا يتقدم ولا يساوى (٢).

بيان : روى الشيخ في التهذيب (٣) هذه الرواية عن محمد بن أحمد بن داود ، عن أبيه ، عن محمد بن عبدالله الحميري ، وقال شيخنا البهائي قدس الله روحه : الواسطة بين الشيخ وبين محمد ، الشيخ المفيد طاب ثراه ، فالحديث صحيح لان الثلاثة ثقات من وجوه أصحابنا ، وقال المحقق في المعتبر : إنه ضعيف ، ولعل السبب في ذلك كونه مكاتبة انتهى.

وما ذكره قريب ، لان محمد بن أحمد ، وإن لم ينص على توثيقة لكن مدحه النجاشي مدحا يربي على التوثيق ، حيث قال فيه (٤) شيخ هذه الطائفة وعالمها ، و شيخ القميين في وقته ، وفقيههم ، حكى أبوعبدالله الحسين بن عبيدالله أنه لم ير أحدا أحفظ منه ولا أفقه ولا أعرف بالحديث ، وصنف كتبا انتهى لكن في التهذيب هكذا ( وأما الصلاة فانها خلفه يجعله الامام ، ولا يجوز أن يصلي بين يديه ، لان الامام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله ) وظاهره تجويز المساواة إلا أن يقال : بعطف يصلي على يصلي ، أو على يتقدم ، ولا يخفى بعدهما ، وإن أمكن ارتكابه جمعا

____________________

(١) مشكاة الانوار ص ١٣١.

(٢) الاحتجاج ص ٤٧٤.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٢٠٠.

(٤) رجال النجاشى ص ٢٩٨.

٣١٥

بين الروايتين.

ثم قال الشيخ البهائي قدس سره : هذا الخبر يدل على عدم جواز وضع الجبهة على قبر الامام عليه‌السلام ، لا في الصلاة ولا في الزيارة ، بل يضع خده الايمن عليه ، وعلى عدم جواز التقدم على الضريح المقدس حال الصلاة لان قوله عليه‌السلام ( يجعله الامام ) صريح في جعل القبر بمنزلة الامام في الصلاة ، فكما أنه لا يجوز للمأموم أن يتقدم على الامام بأن يكون موقفه أقرب إلى القبلة من موقف الامام بل يجب أن يتأخر عنه أو يساويه في الموقف يمينا أو شمالا ، فكذا هنا ، وهذا هو المراد بقوله عليه‌السلام ( ولا يجوز أن يصلي بين يديه ) إلى آخره.

والحاصل أن المستفاد من هذا الحديث أن كل ما ثبت للمأموم من وجوب التأخر عن الامام ، أو المساواة له ، وتحريم التقدم عليه ثابت للمصلي بالنسبة إلى الضريح المقدس ، من غير فرق ، فينبغي لمن يصلي عند رأس الامام عليه‌السلام أو عند رجليه أن يلاحظ ذلك وقد نبهت على هذا جماعة من إخواني المؤمنين في المشهد المقدس الرضوي على مشرفه السلام فانهم كانوا يصلون في الصفة التي عند رأسه عليه‌السلام صفين ، فبينت لهم أن الصف الاول أقرب إلى القبلة من الضريح المقدس على صاحبه السلام ، وهذا مما ينبغي ملاحظته لمن يصلي في مسجد النبي  صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذا في سائر المشاهد المقدسة ، على ساكنيها أفضل التسليمات.

وربما يستفاد من هذا الحديث المنع من استد بار ضرائحهم صلوات الله عليهم في غير الصلاة أيضا نظرا إلى أن قوله عليه‌السلام ( لان الامام لا يتقدم ) عام في الصلاة وغيرها ، وهذا هو الذي فهمه العلامة في المنتهى ، وحمل المنع منه على الكراهة وقد دل أيضا على جواز الصلاة إلى قبر الامام عليه‌السلام إذا كان في القبلة وبهذا تتخصص أخبار المنع ، وظاهر المفيد ره بقاؤها على عمومها ، فانه قال في المقنعة : لا تجوز الصلاة إلى شئ من القبور ، حتى يكون بينه وبينه حائل إلى آخر مامر ثم قال : وقد روي أنه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام عليه‌السلام والاصل ما قدمناه

٣١٦

انتهى ، وقد تقدم الكلام فيه.

٨ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الصلاة في بيت الحمام من غير ضرورة ، قال : لا بأس إذا كان المكان الذي صلى فيه نظيفا.

وسألته عن الصلاة بين القبور قال : لا بأس (١).

٩ ـ الخصال : عن أبيه ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد الاشعري عن محمد بن الحسين باسناده رفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ثلاثة لا يتقبل الله عزوجل لهم بالحفظ : رجل نزل في بيت خرب ، ورجل صلى على قارعة الطريق ، ورجل أرسل راحلته ولم يستوثق منها (٢).

١٠ ـ العلل : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن عبدالله القزويني ، عن الحسين بن المختار القلانسي عن أبي بصير ، عن عبدالواحد بن المختار الانصاري ، عن ام المقدام الثقفية قالت : قال لي جويرية بن مسهر : قطعنا مع أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام جسر الصراة في وقت العصر ، فقال : إن هذه أرض معذبة ، لا ينبغي لنبي ولا وصي نبي أن يصلي فيها ، فمن أراد منكم أن يصلي فليصل.

فتفرق الناس يمنة ويسرة يصلون ، فقلت : أنا والله لا قلدن هذا الرجل صلاتي اليوم ، ولا اصلي حتى يصلي ، فسرنا ، وجعلت الشمس تسفل ، وجعل يدخلني من ذلك أمر عظيم حتى وجبت الشمس ، وقطعنا الارض ، فقال : يا جويرية أذن فقلت : يقول : أذن وقد غابت الشمس ، فقال : أذن فأذنت ثم قال لي : أقم فأقمت فلما قلت : قد قامت الصلاة ، رأيت شفتيه تتحركان ، وسمعت كلاما كأنه كلام العبرانية ، فارتفعت الشمس حتى صارت في مثل وقتها في العصر فصلى ، فلما انصرفنا ، هوت إلى مكانها ، واشتبكت النجوم ، فقلت أنا : أشهد أنك وصي رسول الله

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٩١ ط حجر ص ١١٩ ط نجف.

(٢) الخصال ج ١ ص ٦٩.

٣١٧

 صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا جويرته أما سمعت الله عزوجل يقول : ( فسبح باسم ربك العظيم ) (١) فقلت : بلى ، قال : فاني سألت الله باسمه العظيم فرد ها علي (٢).

بصائر الدرجات : عن أحمد بن محمد مثله (٣).

بيان : قوله ( جسر الصراة ) قال في القاموس : الصراة نهر بالعراق انتهى ، و في بعض النسخ بالفرات ، في الفقيه (٤) والبصائر نهر سورى ، وفي القاموس سورى كطوبى موضع بالعراق ، من بلد السريانيين ، وموضع من أعمال بغداد ، وقديمد ، والظاهر أنه كان مكان جسر الحلة ومسجد الشمس هناك مشهور ، ويدل على كراهة الصلاة في كل أرض عذب أهلها ، وقال ابن إدريس ره في السرائر : تكره الصلاة في كل أرض خسف ، ولهذا كره أميرالمؤمنين عليه‌السلام الصلاة في أرض بابل ، فلما عبر الفرات إلى الجانب الغربي وفاته لاجل ذلك أول الوقت ردت له الشمس إلى موضعها في أول الوقت ، وصلى بأصحابه صلاة العصر ، ولا يحل أن يعتقد أن الشمس غابت ودخل الليل ، وخرج وقت العصر بالكلية ، وما صلى الفريضة عليه‌السلام لان هذا من معتقده جهل بعصمته عليه‌السلام لانه يكون مخلا بالواجب المضيق عليه وهذا لا يقوله من عرف إمامته ، واعتقد عصمته انتهى.

أقول : قدمر الكلام فيه في كتاب فضائله عليه‌السلام ، وأنه لا استبعاد في أن يكون من خصائصهم عليهم‌السلام عدم جواز الصلاة في تلك الاراضي مطلقا ، وجواز تأخيرهم الصلاة عن الوقت لذلك مطلقا أو إذا علموا أنهم يدعون ويرجع لهم الشمس ، والحاصل أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره بأمره تعالى بأنه يرد عليه المش ، وأمره بتأخير الصلاة لتظهر منه تلك المعجزة ، لكن سيأتي ما يؤيد تأويله ره.

١١ ـ العلل : عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن

____________________

(١) الواقعة : ٧٤ و ٩٦.

(٢) علل الشرائع ج ٢ ص ٤١.

(٣) بصائر الدرجات ص ٢١٧.

(٤) الفقيه ج ١ ص ١٣٠ و ١٣١.

٣١٨

يزيد ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن الصلاة في السبخة فكرهه لان الجبهة لا تقع مستوية عليها ، فقلنا إن كانت أرضا مستوية؟ قال : لا بأس (١).

المعتبر : نقلا من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبدالكريم ، عن الحلبي مثله (٢).

١٢ ـ العلل : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن داود بن الحصين بن السرى قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : لم حرم الله الصلاة في السبخة؟ قال : لان الجبهة لا تتمكن عليها (٣).

١٣ ـ كامل الزيارة : عن محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن علي ابن محمد بن سالم ، عن محمد بن خالد ، عن عبدالله بن حماد ، عن عبدالله بن الاصم ، عن محمد البصري ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعت أبي يقول لرجل من مواليه وسأله عن الزيارة فقال : من صلى خلفه صلاة واحدة يريد بها الله ، لقي الله يوم يلقاه و عليه من النور ما يغشى له كل شئ يراه ، الخبر (٤).

ومنه : بهذا الاسناد عن الاصم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أتاه رجل ففال له : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هل يزار والدك؟ قال : فقال : نعم ، ويصلى خلفه ولا يتقدم عليه (٥).

أقول : تمام الخبرين في أبواب المزار.

ومنه : عن أبيه وعلي بن الحسين وجماعة ، عن سعد ، عن موسى بن عمر

____________________

(١) علل الشرايع ج ٢ ص ١٧.

(٢) المعتبر : ١٥٧.

(٣) علل الشرائع ج ٢ ص ١٦.

(٤) كامل الزيارات ص ١٢٢.

(٥) كامل الزيارات ص ١٢٣.

٣١٩

وأيوب بن نوح ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن أبي اليسع قال : سأل رجل أبا عبدالله عليه‌السلام وأنا أسمع قال : إذا أتيت قبر الحسين عليه‌السلام قبلة إذا صليت؟ قال : تنح هكذا ناحية (١).

ومنه عن علي بن الحسين ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران عن يزيد بن إسحاق ، عن الحسين بن عطية ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا فرغت من التسليم على الشهداء أتيت قبر أبي عبدالله عليه‌السلام ثم تجعله بين يديك ثم صل ما بدالك (٢).

ومنه عن علي بن الحسين ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال عن علي بن عقبة ، عن عبيدالله الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت إنا نزور قبر الحسين عليه‌السلام كيف نصلي عليه؟ قال : تقوم خلفه عند كتفيه ، ثم تصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتصلي على الحسين (٣).

ومنه عن محمد بن جعفر ، عن محمد بن الحسين ، عن أيوب بن نوح وغيره ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن أبي اليسع قال : سأل رجل أبا عبدالله عليه‌السلام وأنا أسمع عن الغسل إذا آتي قبر الحسين عليه‌السلام قال : قال : اجعله قبلة إذا صليت ، قال : تنح هكذا ناحية ، قال : آخذ من طين قبره؟ ويكون عندي أطلب بركته؟ قال : نعم ، أو قال : لا بأس بذلك (٤).

بيان : الخبر الاول يدل على استحباب مطلق الصلاة خلف قبر الحسين عليه‌السلام فريضة كانت أم نافلة ، وكذا الرابع لكنه يحتمل التخصيص بصلاة الزيارة ، والثاني يدل على استحبابها مطلقا خلف القبر وعدم خصوصية الامام عليه‌السلام هنا ظاهر ، وأما الثالث والسادس فلعلهما محمولان على الاتقاء ، لئلا تتضرر الشيعة بذلك من المخالفين المانعين مطلقا وفي الخامس النسخ مختلفة ففي بعضها كيف تصلي عليه؟ وفي بعضها كيف نصلي عنده؟ فعلى الاول لا يناسب الباب إذ الظاهر الصلاة والدعاء

____________________

(١ و ٣) كامل الزيارات ص ٢٤٥.

(٤) كامل الزيارات ص ٢٤٦.

٣٢٠