بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٥ ـ قرب الاسناد : قال : سألته عن المرءة الحرة هل يصلح لها أن تصلي في درع ومقنعة؟ قال لايصلح لها إلا في ملحفة ، إلا أن لا تجدبدا (١) قال : وسألته عن الامة هل يصلح لها أن تصلي في قميص واحد؟ قال : لابأس (٢).

٦ ـ العلل : عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن حماد اللحام ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن الخادم تقنع رأسها في الصلاة؟ قال : اضربوها حتى تعرف الحرة عن المملوكة (٣).

٧ ـ ومنه : عن أبيه ، عن علي بن سليمان ، عن محمد بن الحسين ، عن أحمد ابن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان ، عن حماد اللحام قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن المملوكة تقنع رأسها إذا صلت؟ قال : لا قد كان أبي إذا رأى الخادم تصلي وهى مقنعة ضربها لتعرف الحرة عن المملوكة (٤).

المحاسن : عن أبيه ، عن يونس ، عن حماد مثله (٥).

الذكرى : من كتاب البزنطي باسناده إلى حماد اللحام مثله ، وفيه تصلي بمقنعة (٦).

٨ ـ ومنه : نقلا من كتاب علي بن إسماعيل الميثمي عن أبي خالد القماط قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الامة أتقنع رأسها؟ فقال : إن شاءت فعلت ، و إن شاءت لم تفعل ، سمعت أبي يقول : كن يضربن فيقال لهن : لا تشبهن بالحرائر (٧).

بيان : قال في الذكرى : هل يستحب للامة القناع؟ أثبته في المعتبر و نقله عن عطا وعن عمر أنه نهى عن ذلك ، وروي ضرب أمة لال أنس رآها بمقنعة

____________________

(١ و ٢) قرب الاسناد ص ١٠١ ط حجر ، ص ١٣٣ ط نجف.

(٣ و ٤) علل الشرايع ج ٢ ص ٣٤.

(٥) المحاسن ص ٣١٨.

(٦ ـ ٧) الذكرى : ١٤٠.

١٨١

قال : لنا أنه أنسب بالخفر والحياء ، وهما مرادان من الامة كالحرة وفعل عمر جاز أن يكون رأيا ثم ذكر الروايتين ومال إلى عدم الاستحباب.

أقول : ظاهر هذه الاخبار عدم استحباب الستر لهن ، بل كراهته بل التحريم أيضا للامر بالضرب ، وهو الظاهر من الصدوق ـ ره ـ في العلل حيث قال : ( باب العلة التي من أجلها لا يجوز للامة أن تقنع رأسها في الصلاة ) ثم ذكر الاخبار المتقدمة ، لكن لما كانت روايات اللحام مجهولة لجهالته ، وخبر القماط وإن كان حسنا كالصحيح ، لكن قوله عليه‌السلام : ( كن يضربن ) يحتمل أن يكون إشارة إلى مارواه العامة عن عمر ، ويكون ذكره للتقية بقرينة الرواية عن أبيه عليه‌السلام فلاتثبت الحرمة.

وأما الكراهة فلما لم يكن لها معارض ، فلايبعد القول بها ، أما استحباب الستر ، فيبعد القول به مع ورود تلك الاخبار ، وعدم المعارض الصريح ، وتجب على الامة ستر ماعدا الرأس مما يجب ستره على الحرة ، ونقل العلامة الاجماع عليه ، والظاهر تبعية العنق للرأس ، إذ هو الظاهر من تجويز ترك التقنع لانه يعسر ستره بدون الرأس

٩ ـ العلل : عن محمد بن موسى بن المتوكل ، عن علي بن الحسين السعد ـ أبادي ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن محمد ابن مسلم قال : سمعت أباجعفر عليه‌السلام يقول : ليس على الامة قناع في الصلاة ، ولاعلى لمدبر قناع في الصلاة ولاعلى المكاتبة إذا اشترط عليها قناع في الصلاة ، وهي مملوكة حتى تؤدي جميع مكاتبتها ، ويجري عليها ما يجري على المملوكة في الحدود كلها (١) بيان : ظاهر الخبر أن من انعتق بعضها كالحرة كما ذكرة الاصحاب ، والمكاتبة المطلقة إذا لم تؤد شيئا في حكم الامة كما يظهر من سياق الخبر.

١٠ ـ العلل : عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبدالرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام

____________________

(١) علل الشرايع ج ٢ ص ٣٥.

١٨٢

عن الجارية التي لم تدرك ، متى ينبغي لها أن تغطي رأسها ممن ليس بينه وبينها محرم؟ ومتى يجب عليها أن تقنع رأسها للصلاة؟ قال : لاتغطي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة (١).

بيان : المراد بحرمة الصلاة عليها حيضها ، وهو كناية عن بلوغها ، فيدل على عدم لزوم القناع للصبية كمامر.

١١ ـ معانى الاخبار : عن محمد بن موسى بن المتوكل ، عن محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثمانية لاتقبل لهم صلاة : العبد الابق حتى يرجع إلى مولاه ، والناشز عن زوجها وهو عليها ساخط ومانع الزكاة ، وتارك الوضوء ، والجارية المدركة تصلي بغير خمار ، وإمام قوم يصلي بهم وهم له كارهون ، والزبين.

قالوا : يا رسول الله وما الزبين؟ قال : الرجل يدافع الغائط والبول.

والسكران ، فهؤلاء ثمانية لاتقبل لهم صلاة (٢).

المحاسن : عن بعض أصحابه عنه عليه‌السلام مثله (٣).

توضيح : قدمر في كتاب الطهارة (٤) بعض الكلام في هذا الخبر ، والفرق بين القبول والاجزاء ، وأنه ليس في غير تارك الوضوء وتاركة الخمار والسكران بمعني الاجزاء على المشهور ، وربما يحمل في الابق والناشز والمانع أيضا على الاجزاء ، بحمله على ما إذا صلوا في سعة الوقت ، بناء على أن الامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده ، والنهي في العبادة يوجب الفساد ، وهو في محل المنع.

قال الشهيد روح الله روحه في الذكرى عند عد المبطلات : ومنها ماخرجه

____________________

(١) علل الشرايع ج ٢ ص ٢٥٢.

(٢) معانى الاخبار : ٤٠٤ ورواه في الخصال ج ٢ ص ٣٨.

(٣) المحاسن ص ١٢.

(٤) راجع ج ٨٠ ص ٢٣٢.

١٨٣

بعض متأخري الاصحاب من تحريم الصلاة مع سعة الوقت ، لمن تعلق به حق آدمي مضيق مناف لها ، ولا نص فيه إلا ما سيجئ إنشاء الله من عدم قبول الصلاة ممن لا يخرج الزكاة وليس بقاطع في البطلان ، وأما احتجاجهم بأن الامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده ، وأن حق الادمي مضيق ، فيقدم على حق الله تعالى ، وأن النهي في العبادة يفسدها ففيه كلام حققناه في الاصول.

١٢ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في سراويل واحد ، وهو يصيب ثوبا؟ قال : لايصلح (١)

وسألته عن الرجل يقوم في الصلاة فيطرح على ظهره ثوبا يقع طرفه خلفه وأمامه الارض ، ولا يضمه عليه أيجزيه ذلك؟ قال : نعم (٢).

١٣ ـ الخصال : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمد بن عيسى ، عن القاسم ابن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : عليكم بالصفيق من الثياب ، فان من رق ثوبه رق دينه (٣).

وقال عليه‌السلام : لا يقومن أحدكم بين يدي الرب جل جلاله وعليه ثوب يشف (٤).

وقال عليه‌السلام : لا يصلي الرجل في قميص متوشحا به ، فانه من أفعال قوم لوط (٥).

وقال عليه‌السلام : تجزي الصلاة للرجل في ثوب واحد يعقد طرفيه على عنقه وفي القميص الضيق يزره عليه (٦).

____________________

(١ ـ ٢) قرب الاسناد ص ٨٩ ط حجر ، ص ١١٦ ط نجف.

(٣ ـ ٤) الخصال ج ٢ ص ١٦٢.

(٥) الخصال ج ٢ ص ١٦٤.

(٦) الخصال ج ٢ ص ١٦٢.

١٨٤

بيان : قال الشهيد قدس الله روحه في الذكرى : تكره الصلاة في الرقيق الذي لايحكي ، تباعدا من حكاية الحجم ، وتحصيلا لكما الستر ، نعم لو كان تحته ثوب آخر لم تكره ، إذا كان الاسفل ساترا للعورة ، أما الثوب الواحد الصفيق فظاهر الاصحاب عدم الكراهية للرجال ، لما رواه محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه رآه يصلي في إزار واحد قد عقده على عنقه ، وروي أيضا (٢) عن أبي عبدالله عليه‌السلام في الرجل يصلي في ثوب واحد قال : إذا كان صفيقا فلا بأس وقال الشيخ في المبسوط : تجوز إذا كان صفيقا وتكره إذا كان رقيقا ، وفي الخلاف تجوز في قميص وإن لم يزر ولايشد وسطه ، سواء كان واسع الجيب أو ضيقه ، و روى زياد بن (٣) سوقه عن أبي جعفر عليه‌السلام : لا بأس أن يصلي في الثوب الواحد و أزراره محلولة إن دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حنيف ، ولا يعارضه رواية غياث بن إبراهيم (٤) عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : لايصلي الرجل محلول الازرار إذا لم يكن عليه إزار للحمل على الكراهية.

أقول : يمكن حمله على ما إذا انكشفت العورة في بعض الاحوال.

ثم قال قدس سره : وقال بعض العامة الفضل في ثوبين لما روي عن النبي  صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان لاحدكم ثوبان فليصل فيهما ولابأس به ، والاخبار الاولة لاتنافيه لدلالتها على الجواز ، ويؤيده عموم قوله تعالى : ) خذوا زينتكم عند كل مسجد ) (٥) ودلالة الاخبار أن الله أحق أن يتزين له ، وأورد هذا في التذكرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأفتى به ، فيكون مع القميص إزار أو سراويل ، مع

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١٩٧.

(٢) الكافى ج ٣ ص ٣٩٣.

(٣) الكافى ج ٣ ص ٣٩٥.

(٤) التهذيب ج ١ ص ٢٣٨.

(٥) الاعراف : ٣١.

١٨٥

الاتفاق على أن الامام يكره له ترك الرداء ، وقد رواه سليمان بن خالد (١) عن أبي عبدالله عليه‌السلام لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها ، والظاهر أن القائل بثوب واحد من الاصحاب إنما يريد به الجواز المطلق ، ويريد به أيضا على البدن ، وإلا فالعمامة مستحبة مطلقا وكذا السراويل وقد روي تعدد الصلاة الواحدة بالتعمم والتسرول.

أما المرءة فلابد من ثوبين درع وخمار إلا أن يكون الثوب يشمل الرأس والجسد ، وعليه حمل الشيخ رواية عبدالله بن بكير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في جواز صلاة المسلمة بغير قناع (٢) ويستحب ثلاث للمرأة لرواية جميل بن دراج (٣) عن أبي عبدالله عليه‌السلام درع وخمار وملحفة ، ورواية ابن أبي يعفور (٤) عنه عليه‌السلام إزار و درع وخمار قال : فان لم تجد فثوبين تأتزر بأحدهما وتقنع بالاخر ، قلت : فان كان درعا وملحفة وليس عليها مقنعة؟ قال : لابأس إذا تقنعت بالملحفة انتهى.

فظهر أن قوله عليه‌السلام في خبر علي بن جعفر ( لا يصلح ) اريد به الكراهة كما هو الظاهر ، والامر بالصفيق أعم من الوجوب والاستحباب ، وجملة القول فيه أن المعتبر في الساتر كونه صفيقا ساترا للون البشرة ، وهل يعتبر كونه ساترا للحجم؟ قال الفاضلان : لا ، ولعله أظهر ، وقيل : يعتبر لمرفوعة أحمد بن حماد (٥) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لاتصل فيما شف أوصف يعني الثوب الصقيل كذا فيما وجدناه من نسخ التهذيب وذكر الشهيد (٦) ـ ره ـ أنه وجده كذلك بخط الشيخ أبي جعفر ـ ره ـ وأن المعروف ( ووصف ) بواوين ، قال : ومعنى شف : لاحت منه البشرة ، ووصف : حكى الحجم ، وقريب منه مرفوعة محمد بن يحيى (٧) لكنهما ضعيفتا

____________________

(١) الكافى ج ٣ ص ٣٩٤.

(٢ ـ ٣) التهذيب ج ١ ص ١٩٨.

(٤) الكافى ج ٣ ص ٣٩٥.

(٥) التهذيب ج ١ ص ١٩٦.

(٦) ذكره في الذكرى ص ١٤٦.

(٧) الكافى ج ٣ ص ٤٠٢ ، التهذيب ج ١ ص ١١٢.

١٨٦

السند ، غير واضحتي الدلالة على التحريم ، فيبقى الاصل والعمومات سالمة عن المعارض.

وإذا كان الستر بالطين فقد صرح الشهيد باعتبار اللون والحجم معا ، فان تعذر فاللون خاصة ، قال : وفي الايماء نظر ، وتبعه الشهيد الثاني ـ ره ـ ، وقول الصادق عليه‌السلام النورة سترة يدل على خلافه ، والاحوط عدم الاكتفاء بستر اللون فقط ، مطلقا.

ثم إن بعض المحققين قالوا : الستر يراعى من الجوانب الاربع ، ومن فوق ولايراعى من تحت ، فلو كان على طرف سطح ترى عورته من تحته أمكن الاكتفاء بذلك ، لان الستر إنما يلزم من الجوانب التي جرت العادة بالنظر إليها ، وعدمه لان الستر من تحت إنما لايراعى إذا كان على وجه الارض انتهى.

وأما التوشح فالظاهر أنه محمول على ما إذا انكشفت العورة معه ، فيكون حراما أو بعض ما يستحب ستره فيكون مكروها ، والظاهر من الاخبار عدم كراهة الصلاة في الثوب الواحد الستير الذي يشمل المنكبين وأكثر البدن ، وكراهتها في الرقيق غير الحاكي للون العورة ، وفي الثوب الواحد الذي لايستر أعلى البدن كالازار ، والسراويل فقط ، وأما حمل الجواز في كلام القائلين بالجواز في الثوب الواحد على الجواز المطلق كما فعله الشهيد ـ ره ـ فلا يخلو من بعد.

وأما العمامة والسراويل ، فاستحبابهما لا يدل على كراهة تركهما ، إذ ليس ترك كل مستحب مكروها.

١٤ ـ اعلام الدين للديلمي : قال : أمير المؤمنين عليه‌السلام : صلاة ركعتين بفص عقيق تعدل ألف ركعة بغيره.

وقال عليه‌السلام : مارفعت إلى الله كف أحب إليه من كف فيها عقيق.

بيان : يدل على استحباب لبس خاتم العقيق في الصلاة ، وروى الخبر الاول في عدة الداعي عن الصادق عليه‌السلام.

١٥ ـ العلل : عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبدالله بن ميمون

١٨٧

عن الصادق ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : إن كل شئ عليك تصلي فيه يسبح معك (١).

بيان : يدل على استحباب كثرة الملابس في الصلاة حتى الخواتيم.

١٦ ـ العيون : عن محمد بن الحسين بن يوسف البغدادي ، عن علي بن محمد بن عنبسة ، عن الحسين بن محمد العلوي ، عن الرضا ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي يده خاتم فصه جزع يماني ، فصلى بنافيه فلما قضى صلاته دفعه إلي وقال : يا علي تختم به في يمينك وصل فيه ، أما علمت أن الصلاة في الجزع سبعون صلاة ، وأنه يسبح ويستغفر ، وأجره لصاحبه (٢) ١٧ ـ دعائم الاسلام : عن علي عليه‌السلام أنه قال : في المرءة تصلي في الدرع و الخمار إذا كانا كثيفين ، وإن كان معهما إزار أو ملحفة فهو أفضل ، ولا تجزي الحرة أن تصلي بغير خمار أو قناع (٣).

وروينا عن رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : لا يقبل الله صلاة جارية قد حاضت حتى تختمر : فهذا في الحره فأما المملوكة فليس عليها أن تختمر (٤).

وروينا عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه سئل هل على الامة أن تقنع رأسها إذا صلت؟ قال : لا ، كان أبي عليه‌السلام إذا رأى أمة تصلي وعليها مقنعة ضربها ، ليعلم الحرة من الامة (٥).

وروينا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كره للمرءة أن تصلي بلاحلي.

وقال لاتصلي المرءة إلا وعليها من الحلي أدناه خرص فما فوقه ولا تصلي إلا وهي مختضبة فإن لم تكن مختضبة فلتمس مواضع الحناء بخلوق (٦).

وقد روينا عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مرنساءك لا يصلين معطلات ، فان لم يجدن فليعقدن في أعناقهن ولو السير ، ومرهن فليغيرن أكفهن

____________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ٢٥.

(٢) عيون الاخبار ج ٢ ص ١٣٢.

(٣ ـ ٥) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٧.

(٦) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٧.

١٨٨

بالحناء ولايدعنها لكيلا يتشبهن بالرجال (١).

توضيح : قال في النهاية : الخرص بالضم والكسر الحلقة الصغيرة من الحلي وهو من حلي الاذن.

٢

* ( باب ) *

* ( الرداء وسدله ، والتوشح فوق القميص ، واشتمال ) *

* ( الصماء ، وادخال اليدين تحت الثوب ) *

١ ـ قرب الاسناد : عن السندي بن محمد ، عن أبي البختري ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام قال : السيف بمنزلة الرداء تصلي فيه ما لم تر فيه دما ، والقوس بمنزلة الرداء (٢).

بيان : يظهر من بعض الاصحاب استحباب الرداء للمصلين مطلقا (٣) كالشهيدين ـ ره ـ

____________________

(١) دعائم الاسلام ج ١ ص ١٧٨.

(٢) قرب الاسناد ص ٦٢.

(٣) قد عرفت أن الرداء كانت شملة تلف على الظهر والمنكبين ويقال له بالفارسية : بالابوش. أى ما يسترأعلى البدن ، ومن كان يعوزه ثوب يلبسه رداء يكتفى بالازار ، وهو شملة يؤتزربها على السرة متدليا يستر أسافل البدن من السرة إلى الركبة ، وقد دل قوله تعالى ( أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم وريشا ) وهكذا قوله تعالى : ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) على أن الازار والرداء سنة مندوبة بحكم الايتين ، فمن قدر على الشملتين فليأتزر باحداهما ويرتدى بالاخرى لانه هو السنة ، ومن لم يقدر فلابد من شملة واحدة يأتزر به لكن لايليق به أن يؤم غيره ، خصوصا اذا كان المأمومون مرتدين ، ومن قدر على شملة واسعة ويسمى ريطة فليتوشح به ويصلى فيه.

وأما اليوم فقد خرج المسلمون عن هذا الزى فخرجوا بذلك عن مورد الاية و موضع السنة : فليلبس كل أحد ماشاء فانه مباح ، لاندب فيه ولاكراهة ولاحرمة ، الا أنه لابدو أن يستر أعلاه وأسفله بحكم الاية.

١٨٩

ومن بعضهم كراهة الامامة بغير رداء كأكثر الاصحاب ، والذي يظهر لنا من الاخبار أن الرداء إنما يستحب للامام وغيره ، إذا كان في ثوب واحد لايستر منكبيه أولا يكون صفيقا وإن ستر منكبيه ، لكنه في الامام آكد ، وإذا لم يجد ثوبا يرتدي به مع كونه في إزار و؟ اويل فقط ، يجوز أن يكتفي بالتكة والسيف والقوس ونحوها.

ويمكن القول باستحباب الرداء مع الاثواب المتعددة أيضا (١) لكن الذي ودر التأكيد الشديد فيه يكون مختصا به ذكرنا ، وأما ما هو الشايع من جعل منديل أو خيط على الرقبة في حال الاختيار مع لبس الاثواب المتعددة ، ففيه شائبة بدعة.

ويحتمل أن يكون العباء وشبهه أيضا قائما مقام الرداء بل الرداء شامل له قال الفاضلان : الرداء هو ثوب يجعل على المنكبين وفي القاموس إنه ملحفة ، و قال الشهيد الثاني رفع الله درجته : اعلم أنه ليس في الاخبار وأكثر عبارات الاصحاب بيان كيفية لبس الرداء ، بل هي مشتركة في أنه يوضع على المنكبين ، وفي التذكرة هو الثوب الذي يوضع على المنكبين ، ومثله في النهاية ، فيصدق أصل السنة بوضعه كيف اتفق ، لكن لما روي كراهة سدله (٢) وهو أن لايرفع أحد طرفيه على المنكب فانه فعل اليهود ، وروى علي بن جعفر (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل هل يصلح له أن يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال : لايصلح جمعهما على اليسار ولكن اجمعهما على يمينك أودعهما ، تعين أن الكيفية الخالية عن الكراهة هي وضعه على المنكبين ، ثم يرد ما على الايسر على الايمن ، وبهذه الهيئة فسره

____________________

(١) الرداء موضعه الظهر والمنكبان من أعالى البدن اذا كان عاريا أو مستورا بالشعار من الثياب كالدرع ، وأما اذا كان أعالى البدن مستورا بالدثار وثوب الصون ، فلا معنى للارتداء ، أبدا.

(٢) الفقيه ج ١ ص ١٦٨.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٢٤٢.

١٩٠

بعض الاصحاب.

لكن لو فعله على غير هذه الهيئة خصوصا مانص على كراهيته ، هل يثاب عليه؟ لايبعد ذلك لصدق مسمى الرداء ، وهو في نفسه عبادة لايخرجها كراهتها عن أصل الرجحان ، ويؤيده إطلاق بعض الاخبار وكونها أصح من الاخبار المقيدة.

وما ذكره حسن إلا أن في معنى السدل اختلافا سيأتي تفصيله.

وأما الاخبار الشاهدة لما ذكرنا فمنها مارواه الكليني والشيخ في الصحيح (١) عن سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء فقال : لاينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها فانها إنما تدل على كراهة الامامة بدون الرداء إذا كان في القميص وحده ، لامطلقا و يدل على التخصيص بغير الصفيق قول أبي جعفر عليه‌السلام (٢) لما أم أصحابه في قميص بغير رداء : إن قميصي كثيف فهو يجزي أن لايكون على إزار ولارداء.

وأما استحبابه مطلقا لمن لم يستر أعالي بدنه ، ولو بشئ يسير مع الضروره فلما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : أدنى مايجزيك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف.

والشيخ في الصحيح (٤) عن ابن سنان قال : سئل أبوعبدالله عليه‌السلام عن رجل ليس معه إلا سراويل ، قال : يحل التكة منه فيطرحها على عاتقه ، ويصلي ، قال : وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصلي قائما.

وفي الصحيح (٥) عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام أنه قال : إذا لبس

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٩٤ ، التهذيب ج ١ ص ٢١٤.

(٢) الكافى ج ٣ ص ٢١٦.

(٣) الفقيه ج ١ ص ١٦٦.

(٤) التهذيب ج ١ ص ٢٤٠.

(٥) التهذيب ج ١ ص ١٩٧ ذيل حديث.

١٩١

السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا (١).

وعن جميل قال : سأل مرازم أبا عبدالله عليه‌السلام وأنا معه حاضر ، عن الرجل الحاضر يصلي في إزار مؤتزرا به ، قال : يجعل على رقبته منديلا أو عمامة يرتدي بها.

فاذا تأملت في تلك الروايات اتضح لك ما ذكرنا غاية الوضوح وسيأتي مايزيد إيضاحه.

٢ ـ كتاب المسائل : باسناده عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل هل يصلح أن يصلي في قميص واحد أو قباء وحده؟ قال : ليطرح على ظهره شيئا (٢).

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يؤم في سراويل ورداء؟ قال : لا بأس به (٣).

وسألته عن المرءة هل يصلح لها أن تصلي في ملحفة ومقنعة ولها درع؟ قال : لايصلح لها إلا أن تلبس درعها (٤).

وسألته عن المرءة هل يصلح لها أن تصلي في إزار وملحفة ومقنعة ولها درع؟ قال : إذا وجدت فلا يصلح لها الصلاة إلا وعليها درع (٥).

وسألته عن المرءة هل يصلح لها أن تصلي في إزار وملحفة تقنع بها ولها درع؟ قال : لايصلح لها أن تصلي حتى تلبس درعها (٦).

وسألته عن السراويل هل يجزي مكان الازار قال : نعم (٧).

وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في إزار وقلنسوة وهو يجد رداء؟ قال : لا يصلح (٨).

____________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٤٠.

(٢) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٥٥.

(٣ ـ ٦) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٥٣.

(٧ ـ ٨) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٥٤.

١٩٢

وسألته عليه‌السلام عن الرجل هل يصلح أن يؤم في سراويل وقلنسوة؟ قال : لايصلح (١).

وسألته عن المحرم هل يصلح له أن يعقد إزاره على عنقه في صلاته؟ قال لايصلح أن يعقد ، ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده (٢).

وسألته عن الرجل هل يصلح أن يؤم في ممطر وحده أو جبة وحدها؟ قال : إذا كان تحتها قميص فلابأس (٣).

وسألته عن الرجل يؤم في قباء وقميص؟ قال : إذا كان ثوبين فلابأس (٤).

بيان : يظهر من تلك الاجوبة أنه يستحب للرجل أن يكون أعالي بدنه مستورة ، وأن يكون للمصلي رجلا كان أو امرأة ثوبان أحدهما فوق الاخر ، سواء كان رداء أوقباء أوعباء أوغيرها كمامر.

٣ ـ المكارم : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ركعتان بعمامة أفضل من أربع بغير عمامة (٥).

بيان : الظاهر أن هذه الرواية عامية وبها استند الشهيد وغيره ممن ذكر استحبابها في الصلاة ، ولم أر في أخبارنا مايدل على ذلك ، نعم ورد استحباب العمامة مطلقا في أخبار كثيرة وحال الصلاة من جملة تلك الاحوال ، وكذا ورد استحباب كثرة الثياب في الصلاة وهي منها ، وهي من الزينة فتدخل تحت الاية ، ولعل هذه الرواية مع تأيدها بما ذكرنا تكفي في إثبات الحكم الاستحبابي ، ويمكن أن يقال تركه أنسب بالتواضع والتذلل ، ولذا ورد في بعض المقامات الامر به ، و لعل الاحوط عدم قصد استحبابها في خصوص الصلاة ، بل يلبسها بقصد أنها حال من الاحوال.

ثم إن الاصحاب ذكروا كراهة العمامة بغير حنك ، وأسنده في المعتبر

____________________

(١ ـ ٢) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٥٤.

(٣ ـ ٤) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج ١٠ ص ٢٥٦.

(٥) مكارم الاخلاق ص ١٣٧.

١٩٣

إلى علمائنا ، وقال : في المنتهى : ذهب إليه علماؤنا أجمع وهذا أيضا مثل أصل العمامة إذ الاخبار الواردة بذلك لا اختصاص له بحال الصلاة ، قال في المنتهى : المستفاد من الاخبار كراهة ترك الحنك في حال الصلاة وغيرها ، بعد أن أورد الروايات في ذلك ، وهي مارواه الكليني والشيخ (١) بطرق كثيرة عن الصادق عليه‌السلام قال : من تعمم ولم يتحنك فأصابه داء لادواء له فلا يلومن إلا نفسه وفي الفقيه (٢). عنه عليه‌السلام إني لاعجب ممن يأخذ في حاجته وهو معتم تحت حنكه ، كيف لا تقضى حاجته؟ وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الفرق بين المسلمين والمشركين التلحى بالعمائم ، وذلك في أول الاسلام وابتداؤه ثم قال : وقد نقل عنه عليه‌السلام أهل الخلاف أيضا أنه أمر بالتلحى ونهى عن الاقتعاط (٣) انتهى كلام الفقيه.

ونقل العلامة ـ ره ـ في المختلف ومن تأخر عنه عن الصدوق القول بالتحريم وكلامه في الفقيه هكذا : وسمعت مشايخنا ـ رضي الله عنهم ـ يقولون لاتجوز الصلاة في الطابقية (٤) ولايجوز للمعتم أن يصلي إلا وهو متحنك (٥).

وقال الشيخ البهائي قدس سره : لم نظفر في شئ من الاحاديث بما يدل على استحبابها لاجل الصلاة ، ومن ثم قال في الذكرى : استحباب التحنك عام ولعل حكمهم في كتب الفروع بذلك مأخوذ من كلام علي بن بابويه ، فان الاصحاب كانوا يتمسكون بما يجدونه في كلامه عند إعواز النصوص ، فالاولى المواظبة على التحنك في جميع الاوقات ، ومن لم يكن متحنكا وأراد أن يصلي به ، فالاولى أن يقصد أنه مستحب في نفسه ، لا أنه مستحب لاجل الصلاة انتهى.

____________________

(١) الكافى ج ٦ ص ٤٦٠ ، التهذيب ج ١ ص ١٩٧.

(٢) الفقيه ج ١ ص ١٧٣.

(٣) اقتعط الرجل : تعمم ولم يدر تحت الحنك وعبارة الاساس : اقتعط العمامة : اذا لم يجعلها تحت حنكه ، وقد نهى عن الاقتعاط وأمر بالتلحى.

(٤) الطابقية : هى العمة التى لاحنك لها.

(٥) الفقيه ج ١ ص ١٧٢.

١٩٤

أقول : يمكن أن يستدل لذلك بما رواه الكليني رفعه (١) إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : طلبة العلم ثلاثة وساق الحديث إلى أن قال : وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر ، قد تحنك في برنسه ، وقال الليل في حندسه إلى آخر الخبر ، وفيه أيضا ماترى.

ولنرجع إلى معنى التحنك فالظاهر من كلام بعض المتأخرين هو أن يدير جزء من العمامة تحت حنكه ويغرزه في الطرف الاخر كما يفعله أهل البحرين في زماننا ، ويوهمه كلام بعض اللغويين أيضا ، والذي نفهمه من الاخبار هو إرسال طرف العمامة من تحت الحنك وإسداله كمامر في تحنيك الميت ، وكما هو المضبوط عن سادات بني الحسين عليه‌السلام أخذوه عن أجدادهم خلفا عن سلف ، ولم يذكر في تعمم الرسول والائمة عليهم‌السلام إلا هذا.

ولنذكر بعض عبارات اللغويين وبعض الاخبار ليتضح لك الامر في ذلك قال الجواهري : التحنك التلحي وهو أن تدير العمامة من تحت الحنك ، وقال : الاقتعاط شد العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك ، وفي الحديث إنه نهى عن الاقتعاط وأمر بالتلحي ، وقال : التلحى تطويق العمامة تحت الحنك ، ثم ذكر الخبر ، وقال الفيروز آبادي : اقتعط تعمم ولم يدر تحت الحنك ، وقال : العمة الطابقية هي الافتعاط ، وقال تحنك أدار العمامة تحت حنكه ، وقال الجزرى : فيه إنه نهى عن الاقتعاط ، هو أن يعتم بالعمامة ولايجعل منها شيئا تحت ذقنه ، و قال : فيه إنه نهى عن الاقتعاط وأمر بالتلحى ، هو جعل بعض العمامة تحت الحنك والاقتعاط أن لايجعل تحت حنكه منها شيئا وقال الزمخشري في الاساس : اقتعط العمامة إذا لم يجعلها تحت حنكه ثم ذكر الحديث ، وقال الخليل في العين يقال : اقتعط بالعمامة إذا اعتم بها ولم يدرها تحت الحنك.

وأما الاخبار فقد روى الكليني في الصحيح عن الرضا عليه‌السلام في قول الله عزوجل ( مسومين ) (٢) قال : العمائم اعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسد لها من بين يديه

____________________

(١) الكافى ج ١ ص ٤٩.

(٢) آل عمران : ١٢٥ ، ولفظ الاية : ( ولقد نصر كم الله ببدر وأنتم أذلة ـ إلى

١٩٥

____________________

قوله تعالى ـ الن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين * وما جعله الله الله الا بشرى لكم ) الخ.

والذى عندى أن العمامة كان يلبسها الناس تارة عند أسفارهم حفظا من الغبار والصعيد المرتفع من الجادة ألا يغبر رؤسهم وأشعارهم ويتلثمون بها دفعا للغبار والتراب أن يدخل فمهم وخياشيمهم ، وربما فعلوا ذلك لئلا يعرفهم الاعداء ، وهذا ظاهر من شيمتهم. وقد يكونون يتعصبون بعصابة كالعمة لاجل الوجع وغير ذلك كما فعلوا ذلك بعد خروجهم من الحمام.

وأما عند الحرب ، فقد كان علامة يعلم بها الشجعان والابطال كما قال الشاعر :

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفونى

وربما يعلمون بريش النعام كما هو سيرة أبطال الاعاجم في الحرب وقد فعل ذلك حمزة سيد الشهداء في حرب أحد وأما الزبير وكان من الابطال تعمم بعمامة بيضاء ، و أبودجانة الانصارى تعمم بعصابة حمراء ، لم يعلم غيرهم الا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عممه الاصحاب حين خروجه من المدينة إلى أحد على ما صرح به الواقدى.

وأشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى على عليه‌السلام أن يتعمم بعمامة الابطال ، فتعذر باعوازه ، فأمر أن يعلم رأسه بصوف ، ففتل عليه‌السلام صوفا وعصب به رأسه كالعمامة امتثالا لامره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والظاهر أنها كانت كالعمة الطابقية.

وعندى أنه ـ نفسى لروحه الفداء ـ كان يتهضم أن يعد نفسه في الابطال خصوصا مع صفر سنه ، ما قرب العشرين من عمره وعدم خوضه غمرات الحروب بعد ، حتى أنه صلوات الله الرحمان عليه لم يعلم رأسه بالعمامة ولاغيرها في غزوة الخندق ، مع أنه قد شوهد منه يوم بدر مالم يشاهد من سائر الابطال ، وتثبته وربط جأشه في حرب أحد ومواساته للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قيل لاسيف الا ذوالفقار ولافتى الا على.

لكنه لما ـ قام صلى الله عليه ـ إلى مبارزة عمرو بن عبدود ، أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عمامته السحاب من رأسه الشريف ـ وكان معلما به فعمم به عليا عليه‌السلام وأرسل طرفا

١٩٦

____________________

منها إلى صدره وطرفا منها إلى خلفه وقال : هكذا تيجان الملائكة ، يريد بذلك ما يجعل على الرأس علامة يعرف بها لا اكليل الملك ، ولذلك قيل : العمائم تيجان العرب ، والا فالعرب متى كانوا ملوكا حتى يكون تيجانهم العمائم ، مع أنهم كانوا يلبسونها في الاسفار والغزوات والغارات والحمامات.

وأما في بدر ، فلم يكن معشر المسلمين متخذين أهبة القتال ، بل كانوا خارجين طلبا للعير يودون أن غير ذات الشوكة تكون لهم ، فلم يتعلم بالعمامة يومئذ الا زبير بن العوام ، ولما نزلت الملائكة نصرة لهم في زى الابطال مع العمائم البيض ، كان يفتخر بذلك.

وانما نزلت الملائكة كذلك ترعيبا لقريش ، كما نزلت يوم حنين مع العمائم الحمر : لما صف المسلمون مع قلة عددهم واعواز الاسلحة والفرس بينهم ، توهمت قريش أن يكون للمسلمين كمين فبعثوا عمير بن وهب الجمحى فاستجال بفرسه حول العسكر ثم صوب الوادى وصعد الاتلال ورجع اليهم فقال : هم ثلاث مائة يزيدون قليلا أو ينقصون ، ليس يرى لهم كمين ومدد ، فتعجبت قريش من جسارة المسلمين مع هذه العدة والعدة كيف صفوا في مقابلهم وهم زهاء عشرة آلاف وأكثرهم الابطال ، ولما اطمأنوا أن لامدد للمسلمين تجرأ أبوجهل فقال : احملوا عليهم ، ماهم الا أكلة رأس ، ولو بعثنا اليهم عبيدنا لاخذوهم أخذا باليد.

فلما التقى الجمعان ، وحمى الوطيس ، نزلت خمسة آلاف من الملائكة مسومين ، فتراءت في أعين المشركين أن جما غفيرا من الابطال معلمين بعلامة الشجعان انحدرت من أعلى الوادى كالسيل ، يهجمون عليهم فلم قريش الا وأن هذا الجم الغفير من الشجعان كان كمينا للمسلمين ومددا لهم على قريش فصفروا استهم وانتفخ سحرهم وانهزموا مدبرين لايلوون على شئ وهكذا تنزلت الملائكة يوم حنين معلمين بالعمائم الحمر وأرعبوا المشركين.

هذا شأن نزول الملائكة مسومين بتيجان العمائم علامة الابطال ، الا أن الملائكة كانوا قد أرسلوا طرف العمامة ارسالا ، وشأن العرب ومنهم قريش أنهم كانوا يعلمون بالعمائم يغتبطون اغتباطا ، فنهى رسول الله عن كل عمة ـ اذا كانت العمة للغزو ـ الا بزى

١٩٧

ومن خلفه واعتم جبرئيل عليه‌السلام فسدلها من بين يديه ومن خلفه (١).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر (٢).

وعن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : عمم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام بيده فسدلها من بين يديه وقصرها من خلفه ، قدر أربع أصابع ، ثم قال : أدبر فأدبر ، ثم قال : أقبل فأقبل ، ثم قال : هكذا تيجان الملائكة (٣).

وعن ياسر الخادم قال : لما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا عليه‌السلام يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلي ويخطب ، فبعث إليه الرضا عليه‌السلام يستعفيه فألح عليه ، فقال : إن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأميرالمؤمنين عليه‌السلام فقال له المأمون : اخرج كيف شئت ، فساق الحديث إلى أن قال : فلما طلعت الشمس قام عليه‌السلام فاغتسل فتعمم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه وتشمر ، إلى آخر الخبر اختصرنا الحديث (٤).

ورواه المفيد في الارشاد بسند صحيح (٥).

وروى الطبرسي ـ ره ـ في المكارم عن عبدالله بن سليمان ، عن أبيه أن علي

____________________

الملائكة : ونهى عن العمة الطابقية لذلك ، وأما اذا لم يكن العمة للحرب ، بل كان في السفر للحفظ عن الغبار والتراب الصاعد ، فالسيرة المعروفة عندهم التلحى بالعمائم تحت الحنك وفوق اللحى شبه اللثام حائدا عن الغبار ومضاره ، ولم يرد من نزول الملائكة ولاغيره ما ينافى هذاه السيرة ، الا ما أيدته الاخبار الكثيرة بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بالتلحى وادارة العمامة تحت الحنك. فاذا تحرر محل النزاع ومحط الاحاديث وموارد الاخبار فعليك بمراجعة أخبار الباب.

(١) الكافى ج ٦ ص ٤٦٠.

(٢ ـ ٣) الكافى ج ٦ ص ٤٦١.

(٤) الكافى ج ٢ ص ٤٨٩ في حديث طويل.

(٥) الارشاد ص ٢٩٣.

١٩٨

ابن الحسين عليهما‌السلام دخل المسجد وعليه عمامة سوداء قد أرسل طرفيها بين كتفيه (١).

وقال السيد بن طاوس قدس سره : روينا عن أبي العباس أحمد بن عقدة في كتابه الذي سماه كتاب الولاية باسناده إلى عبدالله بن بشر صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم إلى علي عليه‌السلام فعممه وأسدل العمامة بين كتفيه ، وقال : هكذا أيدني ربي يوم حنين بالملائكة معممين قد أسدلوا العمائم ، وذلك حجز بين المسلمين والمشركين إلى آخر الخبر (٢).

وقال في الحديث الاخر عمم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا يوم غدير خم عمامة سدلها بين كتفيه ، وقال : هكذا أيدني ربي بالملائكة ثم أخذ بيده فقال : أيها الناس من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، والى الله من والاه ، وعادى الله من عاداه.

ثم قال السيد أقول : هذا لفظ مارويناه أردنا أن نذكره لتعلم وصف العمامة في السفر الذي تخشاه انتهى كلامه ـ ره ـ (٣).

وأقول : لم يتعرض في شئ من تلك الروايات لادارة العمامة تحت الحنك على الوجه الذي فهمه أهل عصرنا ، مع التعرض لتفصيل أحوال العمائم وكيفيتها وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وذلك حجز بين المسلمين والمشركين ) مشيرا إلى السدل في هذا الخبر وقع مكان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( الفرق بين المسلمين والمشركين التلحى بالعمائم ) وأكثر كلمات اللغويين أيضا لا تأبى عما ذكرنا ، إذ إدارة رأس العمامة من خلف إلى الصدر إدارة أيضا بل كلام الجزري والزمخشري حيث قالا : ( أن لا يجعل شيئا منها تحت حنكه ) فيما ذكرنا أظهر ، والظاهر من كلام السيد أيضا أن فهمه موافق لفهمنا لانه قال : أولا ( الفصل الثاني فيما نذكره من التحنك للعمامة عند تحقق عزمك على السفر لتسلم من الخطر ) ثم قال بعد إيراد الروايتين ما قدمنا ذكره ، فظهر أنه فسر التحنك بماورد شرحه في الروايتين من إسدال العمامة.

____________________

(١) مكارم الاخلاق ص ١٣٨.

(٢ ـ ٣) أما الاخطار ص ٩١.

١٩٩

وروى الكليني والشيخ (١) عن عثمان النوا قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : إني أغسل الموتى ، قال : أو تحسن؟ قلت : إني أغسل ، فقال : إذا غسلت فارفق به ، ولا تغمزه ولا تمس مسامعه بكافور ، وإذا عممته فلا تعممه عمة الاعرابي قلت : كيف أصنع؟ قال : خذالعمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها إلى خلفه ، واطرح طرفيها على صدره ، وكذا سائر أخبار تعميم الميت ليس في شئ منها غير إسدال طرفي العمامة على صدره كما عرفت في باب التكفين ، فلو فعل ذلك في جميع الاوقات أو عند الصلوات لا بقصد الخصوص كان أولى ، ولو جمع بينهما كان أحوط.

٤ ـ المناقب لابن شهر آشوب : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن علة ما يصلى فيه من الثياب ، فقال : إن الانسان إذا كان في الصلاة فان جسده وثيابه وكل شئ حوله يسبح (٢).

٥ ـ معانى الاخبار : محمد بن هارون الزنجاني عن علي بن عبدالعزيز ، عن القاسم بن سلام بأسانيد متصلة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه نهى عن لبستين اشتمال الصماء وأن يلتحف (٣) الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين السماء شئ.

قال الاصمعي : اشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوبه فيجلل به جسده كله ولايرفع منه جانبا فيخرج منه يده ، وأما الفقهاء فانهم يقولون هو أن يشتمل الرجل بثوب واحد ليس عليه غيره ، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه يبدو منه فرجه ، وقال الصادق عليه‌السلام (٤) التحاف الصماء هو أن يدخل الرجل رداءه تحت إبطه ثم يجعل طرفيه على منكب واحد ، وهذا هو التأويل الصحيح

____________________

(١) الكافى ج ٣ ص ١٤٤ ، التهذيب ج ١ ص ٨٨.

(٢) مناقب آل أبى طالب ج ٢ ص ٣٧٧.

(٣) في المصدر : أن يحتبى.

(٤) كانه ـ رحمه الله ـ ناظر إلى الحديث الاتى.

٢٠٠