بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الحاضرة فلما رأوها « قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا » فلما دنت الريح أظلتهم استبقوا (١) الناس والمواشي فيها فألقت البادية على أهل الحاضرة فقصفتهم (٢) فهلكوا جميعا (٣).

٤٧ ـ وعن قبيصة بن ذؤيب قال : ما يخرج من الريح شيء إلا عليها خزان يعلمون قدرها وعددها ووزنها وكيلها حتى كانت الريح التي أرسلت إلى عاد فاندفق منها شيء لا يعلمون قدره ولا وزنه ولا كيله غضبا لله ولذلك سميت عاتية والماء كذلك حتى (٤) كان أمر نوح عليه‌السلام ولذلك سمي طاغية (٥).

٤٨ ـ وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الرياح ثمان أربع منها عذاب وأربع منها رحمة فالعذاب منها العاصف والصرصر والعقيم والقاصف والرحمة منها الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات فيرسل الله المرسلات فتثير السحاب ثم يرسل المبشرات فتلقح السحاب ثم يرسل الذاريات فتحمل السحاب فتدر كما تدر اللقحة ثم تمطر وهن اللواقح ثم يرسل الناشرات فتنشر ما أراد (٦).

٤٩ ـ وعن خالد بن عرعرة قال : قام رجل إلى علي فقال ما العاصفات عصفا قال الرياح (٧).

بيان في القاموس الحزيق الريح الباردة الشديدة الهبابة كالحزوق واللينة السهلة ضد والراجعة المستمرة السير أو الطويلة الهبوب واللقحة بالفتح والكسر الناقة الحلوب

ذنابة

ذكر الفلاسفة في سبب حدوث الرياح على أصولهم أن البخار إذا ثقل بواسطة

__________________

(١) في المصدر : استبق.

(٢) في المصدر : تقصفهم.

(٣) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٥٩.

(٤) في المصدر : حين كان.

(٥) المصدر : ج ٦ ، ص ٢٥٩.

(٦ _ ٧) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٣٠٣.

٢١

البرودة المكتسبة من الطبقة الزمهريرية واندفع إلى أسفل فصار لتسخنه بالحركة الموجبة لتلطيفه هواء متحركا وهو الريح وقد يكون الاندفاع يعرض بسبب تراكم السحب الموجبة لحركة ما يليها من الهواء لامتناع الخلأ فيصير السحاب من جانب إلى جهة أخرى وقد يكون لانبساط الهواء بالتخلخل في جهة واندفاعه من جهة أخرى وقد يكون بسبب برد الدخان المتصاعد بعد وصوله إلى الطبقة الزمهريرية ونزوله.

قالوا ومن الرياح ما يكون سموما محرقا لاحتراقه في نفسه بالأشعة السماوية أو لحدوثه من بقية مادة الشهب أو لمروره بالأرض الحارة جدا لأجل غلبة نارية عليها وقد يقع تقاوم في ما بين ريحين متقابلتين قويتين تلتقيان فتستديران أو في ما بين رياح مختلفة الجهة حادثة فتدافع تلك الرياح الأجزاء الأرضية المشتملة عليها فتضغط تلك الأجزاء بينها مرتفعة كأنها تلتوي على نفسها فيحصل الدوران المسمى بالزوبعة والإعصار وربما اشتملت الزوابع العظام على قطعة من السحاب بل على بخار مرتفع (١) فترى نارا تدور ومهاب الرياح اثنا عشر وهي حدود الأفق الحاصلة من تقاطعه مع كل من دائرة نصف النهار والموازيتين لها المماستين للدائمة الظهور والخفاء ودائرة المشرق والمغرب الاعتداليين والموازيتين لها المساويتين (٢) برأس السرطان والجدي ولكل ريح منها اسم والمشهورات عند العرب أربعة ريح الشمال وريح الجنوب وريح الصبا وهي الشرقية ريح الدبور وهي الغربية والبواقي تسمى نكباء

__________________

(١) مشتعل ( خ ).

(٢) في المخطوطة : المارتين.

٢٢

٣٠

(باب)

(الماء وأنواعه والبحار وغرائبها وما ينعقد فيها وعلة المد)

(والجزر والممدوح من الأنهار والمذموم منها)

الآيات :

إبراهيم « وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ » (١)

النحل « وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً » (٢)

الفرقان « وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً » (٣)

النمل « وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً » (٤)

فاطر « وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » (٥)

حمعسق « وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ

__________________

(١) إبراهيم : ٣٢.

(٢) النحل : ١٤ ـ ١٥.

(٣) الفرقان : ٥٣.

(٤) النمل : ٦١.

(٥) فاطر : ١٢.

٢٣

وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ » (١)

الجاثية « اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » (٢)

الطور « وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ » (٣)

الرحمن « مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ » (٤)

الملك « قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ » (٥)

المرسلات « وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً » (٦)

تفسير « وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ » إنما نسب إليه سبحانه مع أنه من أعمال العباد لأنه لو لا أنه تعالى خلق الأشجار الصلبة التي منها يمكن تركيب السفن ولو لا خلقة الحديد وسائر الآلات ولو لا تعريفه العباد كيف يتخذونها ولو لا أنه تعالى خلق الماء على صفة السلاسة التي باعتبارها يصح جري السفينة فيه ولو لا خلقه تعالى الرياح وخلق الحركات القوية فيها ولو لا أنه وسع الأنهار وجعل لها من العمق ما يجوز جري السفن فيها لما وقع الانتفاع بالسفن فصار لأجل أنه تعالى هو الخالق لهذه الأحوال وهو المدبر لهذه الأمور والمسخر لها حسنت إضافته إليه وقيل لما كان يجري على وجه الماء كما يشتهيه الملاح صار كأنه حيوان مسخر له « بِأَمْرِهِ » أي بقدرته وإرادته.

__________________

(١) الشورى : ٣٢ ـ ٣٥.

(٢) الجاثية : ١٢.

(٣) الطور : ٦.

(٤) الرحمن : ١٩ ـ ٢٤.

(٥) الملك : ٣٠.

(٦) المرسلات : ٢٧.

٢٤

« سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ » لما كان ماء البحر قلما ينتفع به في الزراعات لا جرم ذكر تعالى إنعامه على الخلق بتفجير الأنهار والعيون حتى ينبعث الماء منها إلى مواضع الزروع والنبات وأيضا ماء البحر لا يصلح للشرب والصالح لهذا مياه الأنهار.

« وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ » أي جعلها بحيث يتمكنون من الانتفاع به بالركوب والاصطياد والغوص « لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا » هو السمك ووصفه بالطراوة لأنه أرطب اللحوم فيسرع إليه الفساد فيسارع إلى أكله ولإظهار قدرته في خلقه عذبا طريا في ماء زعاق « حِلْيَةً تَلْبَسُونَها » كاللؤلؤ والمرجان « وَتَرَى الْفُلْكَ » أي السفن « مَواخِرَ فِيهِ » أي جواري فيه يشقه بخرومها من المخر وهو شق الماء وقيل صوت جري الفلك « وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ » أي من سعة رزقه بركوبها للتجارة « وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » أي تعرفون نعم الله فتقومون بحقها.

« وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ » قال البيضاوي خلاهما متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان من مرج دابته إذا خلاها « هذا عَذْبٌ فُراتٌ » قامع للعطش من فرط عذوبته « وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ » بليغ الملاحة (١) « وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً » حاجزا من قدرته « وَحِجْراً مَحْجُوراً » وتنافرا بليغا كأن كلا منهما يقول للآخر ما يقوله المتعوذ عليه وقيل حدا محدودا وذلك كدجلة يدخل البحر فيشقه فيجري في خلاله فراسخ لا يتغير طعمهما (٢) وقيل المراد بالبحر العذب النهر العظيم مثل النيل وبالبحر الملح البحر الكبير وبالبرزخ ما يحول بينهما من الأرض فتكون القدرة في الفصل واختلاف الصفة مع أن مقتضى طبيعة أجزاء كل عنصر أن تضامت وتلاصقت وتشابهت في الكيفية (٣) انتهى ويقال إن نهر آمل تدخل بحر الخزر ويبقى على عذوبته ولا يختلط بالمالح ويأخذون منه الماء العذب في وسط البحر فيمكن على تقدير صحته أن يكون داخلا تحت الآية أيضا.

__________________

(١) في المصدر : الملوحة.

(٢) طعمها ( خ ).

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ١٦٧.

٢٥

« وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ » ضرب مثل للمؤمن والكافر والفرات الذي يكسر العطش والسائغ الذي يسهل انحداره والأجاج الذي يحرق بملوحته « وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ » استطراد في صفة البحرين وما فيهما أو تمام التمثيل والمعنى كما أنهما وإن اشتركا في بعض الفوائد لا يتساويان من حيث إنهما لا يتساويان في ما هو المقصود بالذات من الماء فإنه خالط أحدهما ما أفسده وغيره عن كمال فطرته لا يساوي المؤمن والكافر وإن اتفق اشتراكهما في بعض الصفات كالشجاعة والسخاوة لاختلافهما في ما هو الخاصية العظمى وبقاء أحدهما على الفطرة الأصلية دون الآخر أو تفضيل للأجاج على الكافر بما يشارك العذب من المنافع والمراد بالحلية اللآلي واليواقيت.

« مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ » قرأ نافع وأبو عمرو الجواري بياء في الوصل والوقف والباقون بحذفها على التخفيف « كَالْأَعْلامِ » أي كالجبال فهذه السفن العظيمة التي تكون كأنها الجبال تجري على وجه الماء عند هبوب الرياح على أسرع الوجوه وعند سكونها تقف ففيه دلالة على وجود الصانع المسبب لتلك الأسباب وقدرته الكاملة وحكمته التامة لأنه تعالى خص كل جانب من جوانب الأرض بنوع من الأمتعة وإذا نقل متاع هذا الجانب إلى ذلك الجانب في السفن وبالعكس حصلت المنافع العظيمة في التجارة « فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ » أي فيبقين ثوابت « عَلى ظَهْرِهِ » أي ظهر البحر « لِكُلِّ صَبَّارٍ » أي لكل من وكل همته وحبس نفسه على النظر في آيات الله والتفكر في آلائه أو لكل مؤمن كامل فإنه روي أن الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر. « أَوْ يُوبِقْهُنَ » أي يهلكهن بإرسال الريح العاصفة المغرفة والمراد إهلاك أهلها لقوله « بِما كَسَبُوا » وأصله أو يرسلها فيوبقهن لأنه قسيم « يُسْكِنِ الرِّيحَ » فاقتصر فيه على المقصود كما في قوله « وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ » إذ المعنى أو يرسلها عاصفة فيوبق ناسا بذنوبهم وينجي ناسا على العفو منهم وقرئ يعفوا على الاستئناف. « وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا » عطف على علة مقدرة مثل لينتقم منهم ويعلم أو على الجزاء ونصب نصب الواقع جوابا للأشياء الستة لأنه أيضا غير واجب وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على الاستئناف وقرئ بالجزم عطفا على « يَعْفُ » فيكون

٢٦

المعنى أو يجمع بين إهلاك وإنجاء قوم وتحذير آخرين « ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ » من محيد من العذاب.

« اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ » بأن جعله أملس السطح يطفو عليه ما يتخلخل كالأخشاب ولا يمنع الغوص فيه « لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ » أي بتسخيره وأنتم راكبوها « وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ » بالتجارة والغوص والصيد وغيرها « وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » هذه النعم.

« وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ » أي المملو وهو المحيط أو الموقد من قوله « وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ » كما روي أن الله تعالى يجعل يوم القيامة البحار نارا يسجر بها جهنم. أو المختلط من السجير وهو الخليط وقيل هو بحر معروف في السماء يسمى بحر الحيوان.

« مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ » أي أرسلهما والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب « يَلْتَقِيانِ » أي يتجاوران وتتماس سطوحهما أو بحري فارس والروم يلتقيان في المحيط لأنهما خليجان يتشعبان منه « بَيْنَهُما بَرْزَخٌ » أي حاجز من قدرة الله تعالى أو من الأرض « لا يَبْغِيانِ » أي لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية أو لا يتجاوزان حديهما أو بإغراق ما بينهما وقال الطبرسي ره قيل المراد بالبحرين بحر السماء وبحر الأرض فإن في السماء بحرا يمسكه الله بقدرته ينزل منه المطر فيلتقيان في كل سنة وبينهما حاجز يمنع بحر السماء من النزول وبحر الأرض من الصعود عن ابن عباس وغيره وقيل إنهما بحر فارس وبحر الروم فإن آخر طرف هذا يتصل بآخر طرف ذلك والبرزخ بينهما الجزائر وقيل « مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ » خلط طرفيهما عند التقائهما من غير أن يختلط جملتهما « لا يَبْغِيانِ » أي لا يطلبان أن يختلطا (١).

« يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ » أي كبار الدر وصغاره وقيل المرجان الخرر

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٠١.

٢٧

الأحمر وإن صح أن الدر يخرج من المالح (١) فعلى الأول إنما قال منهما لأنه يخرج من مجتمع المالح (٢) والعذب أو لأنهما لما اجتمعا صارا كالشيء الواحد وكان المخرج من أحدهما كالمخرج منها ذكره البيضاوي (٣) وقال الرازي اللؤلؤ لا يخرج إلا من المالح فكيف قال منهما نقول الجواب عنه من وجوه (٤) الأول ظاهر كلام الله أولى بالاعتبار من كلام بعض الناس الذي لا يوثق بقوله ومن علم أن اللؤلؤ لا يخرج من الماء العذب غاية علمكم (٥) أن الغواصين ما أخرجوه إلا من المالح ولكن لم قلتم (٦) إن الصدف لا يخرج اللؤلؤ بأمر الله من الماء العذب إلى الماء المالح وكيف يمكن الجزم به والأمور الأرضية الظاهرة خفيت عن التجار الذين قطعوا المفاوز وداروا البلاد فكيف لا يخفى عليهم ما في قعور البحور الثاني أن نقول إن صح قولهم إنه لا يخرج إلا من الماء المالح فنقول فيه وجوه أحدها أن الصدف لا يتولد فيه اللؤلؤ إلا من ماء المطر وهو بحر السماء ثانيها أنه يتولد في ملتقاهما ثم يدخل الصدف في البحر المالح عند انعقاد الدر فيه لحال الملوحة كالمتوخمة التي تشتهي في أوائل الحمل فتثقل هناك فلا يمكنه الدخول في العذب (٧) ثم ذكر بعض الوجوه المتقدمة.

وقال الطبرسي ره قيل يخرج منهما أي من ماء السماء وماء البحر فإن القطر إذا جاء من السماء تفتحت الأصداف فكان من ذلك القطر اللؤلؤ عن ابن عباس ولذلك حمل البحرين على بحر السماء وبحر الأرض وقيل إن العذب والملح يلتقيان فيكون العذب كاللقاح للملح ولا يخرج اللؤلؤ إلا من الموضع الذي يلتقي

__________________

(١ و ٢) في أنوار التنزيل : الملح.

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٤٨٥.

(٤) في المصدر : من وجهين.

(٥) في المصدر : وهب ان ...

(٦) عبارة المصدر هكذا « لكن لا يلزم من هذا أن لا يوجد في الغير. سلمنا لم قلتم ان الصدف يخرج بامر الله من الماء العذب الى الماء المالح » وكأن فيه تصحيفا.

(٧) مفاتيح الغيب : ج ٢٩ ، ص ١٠١.

٢٨

فيه العذب والملح وذلك معروف عند الملاحين (١) انتهى.

أقول « وَلَهُ الْجَوارِ » أي السفن جمع جارية « الْمُنْشَآتُ » أي المرفوعات الشرع أو المصنوعات وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الشين أي الرافعات الشرع أو اللاتي ينشئن الأمواج أو السير « كَالْأَعْلامِ » جمع علم وهو الجبل الطويل « فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ » من خلق مواد السفن والإرشاد إلى أخذها وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر بأسباب لا يقدر على خلقها وجمعها غيره تعالى.

« إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً » أي غائرا في الأرض بحيث لا تناله الدلاء مصدر وصف به « بِماءٍ مَعِينٍ » أي جار أو ظاهر سهل المأخذ « وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً » بخلق الأنهار والمنافع فيها.

١ ـ العلل : والعيون ، عن محمد بن عمرو بن علي البصري عن محمد بن عبد الله بن أحمد الواعظ عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن أبي الحسن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام ليهم‌السلام قال : سأل رجل من أهل الشام أمير المؤمنين عليه‌السلام عن المد والجزر ما هما فقال ملك (٢) موكل بالبحار يقال له رومان فإذا وضع قدميه في البحر فاض وإذا أخرجهما غاض (٣).

٢ ـ العلل ، عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن خلف بن حماد عن أبي الحسن العبدي عن سليمان بن مهران عن عباية بن ربعي عن ابن عباس أنه سئل عن المد والجزر فقال إن الله عز وجل وكل ملكا بقاموس البحر فإذا وضح [ وضع ] رجليه (٤) فيه فاض وإذا أخرجهما (٥) غاض (٦).

__________________

(١) في المصدر « الغواصين » مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٠١.

(٢) في العيون : ملك من ملائكة الله عز وجل.

(٣) العلل : ج ٢ ، ص ٢٤٠ والعيون : ج ١ ، ص ٢٤٢.

(٤) في المصدر : رجله.

(٥) في المصدر : اخرجها.

(٦) العلل : ج ٢ ، ص ٢٤٠.

٢٩

بيان : قال الجزري قاموس البحر وسطه ومعظمه ومنه حديث ابن عباس وسئل عن المد والجزر وذكر الخبر. ثم قال أي زاد ونقص وهو فاعول من القمس انتهى وأقول اختلف الحكماء في سبب المد والجزر على أقوال شتى وليس شيء منها مما يسمن أو يغني من جوع أو يروي من عطش وما ذكر في الخبر أظهرها وأصحها عقلا أيضا وقد سمعت من بعض الثقات أنه قال إني رأيت شيئا عظيما يمتد من الجو إلى البحر فيمتد ماؤه ثم إذا ذهب ذلك شرع في الجزر (١) وأما ما ذكره الحكماء في ذلك ففي رسائل إخوان الصفا أما علة هيجان البحار وارتفاع مياهها ومدودها على سواحلها وشدة تلاطم أمواجها وهبوب الرياح في وقت هيجانها إلى الجهات في أوقات مختلفة من الشتاء والصيف والربيع والخريف وأوائل الشهور وأواخرها وساعات الليل والنهار فهي من أجل أن مياهها إذا حميت من قرارها وسكنت ولطفت وتخلخلت وطلبت مكانا أوسع مما كان فيه فتدافعت بعض أجزائها بعضا إلى الجهات الخمس فوقا وشرقا وغربا وجنوبا وشمالا للاتساع فيكون في الوقت الواحد على سواحلها أمواج مختلفة في جهات مختلفة وأما علة هيجانها في وقت دون وقت فهو بحسب تشكل الفلك والكواكب ومطارح شعاعاتها على سطوح تلك البحار في الآفاق والأوتاد الأربعة واتصالات القمر بها عند حلوله في منازله الثمانية والعشرين كما هو المذكور في كتب أحكام النجوم وأما علة مدود بعض البحار في وقت طلوعات القمر ومغيبه دون غيرها من البحار فهو من أجل أن تلك البحار

__________________

(١) لو كان ما ادعى رؤيته مما يرى بالحس لرآه كل من يسكن السواحل ولتواتر نقله فافهم ، ويمكن أنه كان قد رأى شيئا من الابخرة المتصاعدة من بعيد مقارنا للمد فتوهم انه هو الذي يوجب المد والأسباب المادية لحصول الجزر والمد وسائر ما يحدث في الأرض والبحار والجو صارت اليوم ببركة العلوم التجربية من الواضحات بل تكاد تكون بديهية ولا ينافى ذلك ما ذكر في الروايات من استنادها إلى إرادة الله تعالى أو أفعال الملائكة ، فانها علل طولية تنتهى بالأخرة إلى من إليه المنتهى ، ولا يخفى ان كثيرا من الروايات الواردة في امثال هذه المعاني لم تسلم عن الدس والوضع مضافا الى المناقشة في شمول ادلة حجية الخبر الواحد لغير ما يتضمن بيان الاحكام الفرعية.

٣٠

في قرارها صخور صلبة وأحجار صلدة فإذا أشرق القمر على سطح ذلك البحر وصلت مطارح شعاعاته إلى تلك الصخور والأحجار التي في قرارها ثم انعكست من هناك راجعة فسخنت تلك المياه وحمت ولطفت وطلبت مكانا أوسع وارتفع إلى فوق ودفع بعضها بعضا إلى فوق وتموجت إلى سواحلها وفاضت على سطوحها ورجعت مياه تلك الأنهار التي كانت تنصب إليها إلى خلف راجعة فلا يزال ذلك دأبها ما دام القمر مرتفعا إلى وتد سمائه فإذا انتهى إلى هناك وأخذ ينحط سكن عند ذلك غليان تلك المياه وبردت وانضمت تلك الأجزاء وغلظت فرجعت إلى قرارها وجرت الأنهار على عادتها فلا يزال ذلك دأبها إلى أن يبلغ القمر إلى الأفق الغربي من تلك البحار ثم يبتدئ المد على عادته وهو في الأفق الشرقي فلا يزال ذلك دأبه حتى يبلغ القمر إلى وتد الأرض فينتهي المد من الرأس ثم إذا زال القمر من وتد الأرض أخذ المد راجعا إلى أن يبلغ القمر إلى أفقه الشرقي من الرأس فإن قيل لم لا يكون المد والجزر عند طلوعات الشمس وإشرافاتها على سطح هذه البحار فقد بينا علل ذلك في رسالة العلل والمعلولات انتهى.

وقال المسعودي في مروج الذهب المد هو مضي الماء بسجيته وسنن جريه والجزر هو رجوع الماء على ضد سنن مضيه وانعكاس ما يمضي عليه في نهجه وهما يكونان في البحر الحبشي (١) الذي هو الصيني والهندي وبحر البصرة وفارس وذلك أن البحار على ثلاثة أصناف منها ما يأتي فيه الجزر والمد ويظهر ظهورا بينا ومنها ما لا يتبين فيه الجزر والمد ويكون خفيا مستترا ومنها ما لا يجزر ولا يمد وقد تنازع الناس في علتهما فمنهم من ذهب إلى أن علة ذلك القمر لأنه مجانس للماء وهو يسخنه فيبسط وشبهوا ذلك بالنار إذا سخنت ما في القدر وأغلته وإن الماء يكون فيها على قدر النصف أو الثلثين فإذا غلى الماء انبسط في القدر وارتفع وتدافع حتى يفور فتتضاعف كميته في الحس لأن من شرط الحرارة أن تبسط الأجسام ومن شرط

__________________

(١) في المصدر : وانكشاف ما مضى عليه في هيجه وذلك كبحر الحبش ...

٣١

البرودة أن تضغطها (١) وذلك أن قعور البحار تحمى فتتولد في أرضها (٢) عذوبة وتستحيل وتحمى كما يعرض ذلك في البلاليع والآبار فإذا حمى ذلك الماء انبسط وإذا انبسط زاد وإذا زاد دفع (٣) كل جزء منه صاحبه فطفر عن سطحه (٤) وبان عن قعره واحتاج إلى أكثر من وهدته وإن القمر إذا امتلأ أحمى الجو حميا شديدا فظهر زيادة الماء فسمي ذلك المد الشهري وقالت طائفة أخرى لو كان الجزر والمد بمنزلة النار إذا أسخنت الماء الذي في القدر وبسطته فيطلب أوسع منه فيفيض حتى إذا خلا قعره من الماء طلب الماء بعد خروجه منه عمق الأرض بطبعه فيرجع اضطرارا بمنزلة رجوع ما يغلي من الماء في المرجل والقمقم إذا فاض لكان بالشمس أشد سخونة ولو كانت الشمس علة مده لكان بدؤه مع بدء طلوع الشمس والجزر عند غيبوبتها وزعم هؤلاء أن علة المد والجزر الأبخرة التي تتولد في بطن الأرض فإنها لا تزال تتولد وتكثف وتكثر فتدفع حينئذ ماء هذا البحر لكثافتها فلا تزال على ذلك حتى تنقص موادها من أسفل فإذا انقطعت موادها من أسفل تراجع الماء حينئذ إلى قعور البحر وكان الجزر من أجل ذلك والمد ليلا ونهارا وشتاء وصيفا وفي غيبوبة القمر وطلوعه وفي غيبوبة الشمس وطلوعها قالوا وهذا يدرك بحس البصر (٥) لأنه ليس يستكمل الجزر آخره حتى يبدو أول المد ولا يفنى (٦) آخر المد حتى يبدو أول الجزر لأنه لا يفتر تولد تلك البخارات حتى إذا خرجت تولد مكانها غيرها وذلك أن البحر إذا غارت مياهه ورجعت إلى قعره تولدت تلك الأبخرة لمكان ما يتصل منها من الأرض بمائه فكلما عاد تولدت وكلما فاض تنفست (٧)

__________________

(١) في المصدر تضمها.

(٢) الأرض ( خ ).

(٣) في المصدر : وإذا زاد ارتفع فدفع.

(٤) في المصدر : فطفا على سطحه.

(٥) في المصدر : بالحس.

(٦) في المصدر : لا ينقضى.

(٧) تنقصت ( خ ).

٣٢

وذهب آخرون من أهل الديانات أن كل ما لا يعلم له في الطبيعة مجرى ولا يوجد له فيها قياس فله فعل إلهي يدل على توحيد الله عز وجل وحكمته وليس للمد والجزر علة في الطبيعة البتة ولا قياس وقال آخرون ما هيجان ماء البحر إلا كهيجان بعض الطبائع فإنك ترى صاحب الصفراء وصاحب الدم وغيرهما تهتاج طبيعته وتسكن ولذلك مواد تمدها حالا بعد حال فإذا قويت هاجت ثم تسكن قليلا قليلا حتى تعود وذهب طائفة إلى إبطال سائر ما وصفنا من القول وزعموا أن الهواء المطل على البحر يستحيل دائما فإذا استحال عظم ماء البحر وفار (١) عند ذلك فإذا فار فاض وإذا فاض فهو المد فعند ذلك يستحيل ماؤه ويتفشى واستحال هواء فعاد (٢) إلى ما كان عليه وهو الجزر وهو دائم لا يفتر متصل مترادف متعاقب لأن الماء يستحيل هواء والهواء يستحيل ماء وقد يجوز أن يكون ذلك عند امتلاء القمر أكثر لأن القمر إذا امتلأ استحال ماء أكثر مما كان يستحيل قبل ذلك وإنما القمر علة لكثرة المد لا للمد نفسه لأنه قد يكون والقمر في محاقه والمد والجزر في بحر فارس يكون على مطالع الفجر في أغلب الأوقات وقد ذهب أكثر من أرباب السفن ممن يقطع هذا البحر ويختلف إلى جزائره أن المد والجزر لا يكون في معظم هذا البحر إلا مرتين في السنة مرة يمد في شهور الصيف شرقا بالشمال ستة أشهر فإذا كان ذلك طما الماء في مشارق البحر والصين وما والى ذلك الصقع ومرة يمد في شهور الشتاء غربا بالجنوب ستة أشهر وإذا كان ذلك طما الماء في مغارب البحر والجزر بالصين وقد يتحرك البحر بتحريك الرياح فإن الشمس إذا كانت في الجهة الشمالية تحرك الهواء إلى الجهة الجنوبية فلذلك تكون البحار في جهة الجنوب في الصيف لهبوب الشمال طامية عالية وتقل المياه في جهة (٣) البحور الشمالية وكذلك إذا كانت الشمس في الجنوب وسار (٤) الهواء من الجنوب إلى جهة الشمال فسأل (٥) معه ماء البحر من الجهة الجنوبية إلى الجهة الشمالية

__________________

(١) في المصدر : وفاض عند ذلك ، وإذا فاض البحر فهو المد.

(٢) في المصدر : يتنفس فيستحيل هواء فيعود ...

(٣) في المصدر : البحار.

(٤ و ٥) في المصدر : سال.

٣٣

قلت المياه في الجهة الجنوبية وتنقل (١) ماء البحر في هذين الميلين أعني في جهة (٢) الشمال والجنوب يسمى جزرا ومدا (٣) وذلك أن مد الجنوب جزر الشمال ومد الشمال جزر الجنوب فإن وافق القمر بعض الكواكب السيارة في أحد الميلين تزايد الفعلان وقوي الحر واشتد لذلك (٤) انقلاب ماء البحر إلى الجهة المخالفة للجهة التي فيها الشمس وهذا رأي الكندي وأحمد بن الخصيب السرخسي في ما حكي عنهما (٥) أن البحر يتحرك بتحرك الرياح (٦) انتهى.

وجملة القول فيه أن نهر البصرة والأنهار المقاربة له يمد في كل يوم وليلة مرتين ويدور ذلك في اليوم والليلة ولا يخص وقتا كطلوع الشمس وغروبها وارتفاعها وانخفاضها ويسمى ذلك بالمد اليومي ويكون المد عند زيادة نور القمر أشد ويسمى ذلك بالمد الشهري وهذا المد يمكن استناده إلى القمر لكونه تابعا له في الغالب بمعنى أنه يحصل في أيام زيادة نور القمر لكن الظاهر أنه لو كانت العلة زيادة نوره لكان هذا المد مقارنا لها أو بعدها بزمان يتم فيه فعل القمر وتأثيره في البحر والظاهر أنه ليس تابعا له بهذا المعنى وعلى تقدير صحة استناده إليه فلا ريب في بطلان ما جعله القائل الأول مناطا له من سخونة البحر بنور القمر لأنه مجانس للماء وكذا سخونة الجو به بل ربما يدعى أن نور القمر يبرد الجو والأجسام كما هو المجرب نعم ربما يجوز العقل تأثير القمر في المد لنوع من المناسبة والارتباط بين نوره وبين الماء وإن لم نعلمها بخصوصها لكن يقدح فيه ما ذكرناه من عدم انضباط المقارنة (٧) والتأخر على الوجه المذكور وأما المد اليومي فبطلان استناده إلى القمر واضح واستناده

__________________

(١) في المصدر : ينتقل.

(٢) في المصدر : جهتى.

(٣) في المصدر : ومدا شتويا.

(٤) في المصدر : واشتد لذلك سيلان الهواء فاشتد لذلك انقلاب ...

(٥) في المصدر : فى ما حكاه عنه.

(٦) مروج الذهب : ج ١ ، ص ٦٨ ـ ٧٠.

(٧) أو ( خ ).

٣٤

إلى الكواكب على انفرادها أو بمشاركة القمر بعيد غاية البعد وكون الكواكب عللا له من حيث الحرارة ظاهر الفساد وما ذكره الطائفة الثانية من أنه للأبخرة الحادثة في باطن الأرض فيرد عليه أن الأبخرة الكثيرة الكثيفة التي تفور البحر مع عظمته لخروجها لو اجتمعت واحتبست في باطن الأرض ثم خرجت دفعة كما هو الظاهر من كلامه لزم انشقاق الأرض منها انشقاقا فاحشا ثم التئامها في كل يوم وليلة لعله مما لا يرتاب أحد في أنه خلاف الواقع ولا يظهر للعقل سبب لالتئام الأرض بعد الانشقاق وكون كل التئام مستندا إلى انشقاق حادث في موضع آخر من الأرض قريب من موضع الأول في غاية البعد ولو خرجت تدريجا لاستلزمت غليانا وفورانا في البحر دائما لا هذا النوع من الحركة والامتلاء وهو واضح وما ذكره الطائفة الثالثة من أنه كهيجان الطبائع فيرد عليه أنه لو كان المراد أنه والطبائع تهيج بلا سبب فباطل ولو قيل بأن ذلك مقتضى الطبيعة فذلك مما لم يقل به أحد ولو أريد أنه بسبب ولو لم يكن معلوما لنا فذلك مما لا ثمرة له إذ الكلام في خصوص السبب وما ذكره الطائفة الرابعة من أنه للانقلاب فلا يظهر له وجه ولا ينطبق على تلك الخصوصيات فالأوجه أن يقال إنها بقدرة الله وتدبيره وحكمته إما بتوسط الملك إن صح الخبر أو بما رأى المصلحة فيه من العلل والأسباب فإنه تعالى المسبب لها والمقدر لأوقاتها ولم نكلف بالخوض في عللها وإن أمكنت مدخلية بعض تلك الوجوه التي تقدم ذكرها والعالم بها هو المدبر لها ويكفينا ما ظهر لنا من منافعها وفوائدها.

١ ـ الخصال ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن هلال (١) عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن آبائه (٢) قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعة أنهار من الجنة الفرات والنيل وسيحان وجيحان فالفرات الماء في الدنيا والآخرة

__________________

(١) أحمد بن هلال أبو جعفر العبرتائى ضعيف جدا ، قال الشيخ في التهذيب : ان أحمد بن هلال مشهور باللعنة والغلو وروى الكشي عن ابى الحسن العسكري عليه‌السلام رواية تشتمل على لعنه والتبرى منه كقوله عليه‌السلام « ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال لا رحمه‌الله ومن لا يبرأ منه ».

(٢) في الخصال : عن علي عليه‌السلام.

٣٥

والنيل العسل وسيحان الخمر وجيحان اللبن (١).

بيان الفرات أفضل الأنهار بحسب الأخبار وقد أوردتها في كتاب المزار والنيل بمصر معروف وسيحان وجيحان قال في النهاية هما نهران بالعواصم عند المصيصة والطرسوس وفي القاموس سيحان نهر بالشام وآخر بالبصرة وسيحون نهر بما وراء النهر ونهر بالهند وقال جيحون نهر خوارزم وجيحان نهر بالشام والروم معرب جهان انتهى وذكر المولى عبد العلي البرجندي في بعض رسائله أن نهر الفرات يخرج من جبال أرزن الروم (٢) ثم يسيل نحو المشرق إلى ملطية ثم إلى سميساط حتى ينتهي إلى الكوفة ثم تمر حتى ينصب في البطائح وقال النيل أفضل الأنهار لبعد منبعه ومروره على الأحجار والحصيات وليس فيه وحل ولا يخضر الحجر فيه كغيره ويمر من الجنوب إلى الشمال وهو سريع الجري وزيادته في أيام نقص سائر المياه ومنبعه مواضع غير معمورة في جنوب خط الإستواء ولذا لم يعلم منبعه على التحقيق ونقل عن بعض حكماء اليونان أن ماءه يجتمع من عشرة أنهار بين كل نهرين منها اثنان وعشرون فرسخا فتنصب تلك الأنهار في بحيرة ثم منها يخرج نهر مصر متوجها إلى الشمال حتى ينتهي إلى مصر فإذا جازها وبلغ شنطوف انقسم قسمين ينصبان في البحر وقال سيحان منبعه من موضع طوله ثمان وخمسون درجة وعرضه أربع وأربعون درجة ويمر في بلاد الروم من الشمال إلى الجنوب إلى بلاد أرمن ثم إلى قرب مصيصة ثم يجتمع مع جيحان وينصبان في بحر الروم فيما بين أياس وطرسوس ونهر جيحان منبعه من موضع طوله ثمان وخمسون درجة وعرضه ست وأربعون درجة وهو قريب من نهر الفرات في العظمة ويمر من الشمال إلى الجنوب بين جبال في حدود الروم إلى أن يمر إلى شمال مصيصة وينصب في البحر انتهى.

ثم اعلم أن هذه الرواية مروية في طرق المخالفين أيضا إلا أنه ليس فيها

__________________

(١) الخصال : ١١٧.

(٢) أرزن روم ( خ ).

٣٦

فالفرات إلى آخر الخبر واختلفوا في تأويله قال الطيبي في شرح المشكاة في شرح هذا الخبر سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون وهما نهران عظيمان جدا وخص الأربعة لعذوبة مائها وكثرة منافعها كأنها من أنهار الجنة أو يراد أنها أربعة أنهار هي أصول أنهار الجنة سماها بأسامي الأنهار العظام من أعذب أنهار الدنيا وأفيدها على التشبيه فإن ما في الدنيا من المنافع فنموذات لما في الآخرة وكذا مضارها وقال القاضي معنى كونها من أنهار الجنة أن الإيمان يعم بلادها وأن شاربيها صائرة إليها والأصح أنه على ظاهرها وأن لها مادة من الجنة وفي معالم التنزيل أنزلها الله تعالى من الجنة واستودعها الجبال لقوله تعالى « فَأَسْكَنَّاهُ » أقول المشبه في الوجه الأول أنهار الدنيا ووجه الشبه العذوبة والهضم والبركة وفي الثاني أنهار الجنة ووجهه الشهرة والفائدة والعذوبة وفي الثالث وجهه المجاورة والانتفاع انتهى.

وأقول ظاهر الخبر مع التتمة التي في الخصال اشتراك الاسم وإنما سميت بأسماء أنهار الجنة لفضلها وبركتها وكثرة الانتفاع بها ويحتمل أن يكون المعنى أن أصل هذه الأنهار ومادتها من الجنة فلما صارت في الدنيا انقلبت ماء ولا ينافي ذلك معلومية منابعها إذ يمكن أن يكون أول حدوثها بسبب ماء الجنة أو يصب فيها بحيث لا نعلم أو يكون المراد بالجنة جنة الدنيا كما مر في كتاب المعاد وتجري من تحت الأرض إلى تلك المنابع ثم يظهر منها ويؤيد تلك الوجوه في الجملة ما رواه الكليني بسند كالموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يدفق في الفرات في كل يوم دفقات من الجنة (١). وبسند آخر رفعه إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : نهركم هذا يعني ماء الفرات يصب فيه ميزابان من ميازيب الجنة (٢). وعن علي بن الحسين صلوات الله عليهما قال : إن ملكا يهبط من السماء في كل ليلة معه ثلاثة مثاقيل مسك (٣) من مسك الجنة فيطرحها في الفرات وما من نهر في شرق الأرض ولا غربها أعظم بركة

__________________

(١ و ٢) الكافي : ٦ ، ص ٣٨٨.

(٣) في المصدر : مسكا.

٣٧

منه (١). وأما التأويل بكون أهلها وشاربيها صائرين إلى الجنة فهو في خصوص الفرات ظاهر إذ أكثر القرى والبلاد الواقعة عليه وبقربه من الإمامية والمحبين لأهل البيت عليهم‌السلام كما تشهد به التجربة وقد روى الكليني بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما إخال أحدا يحنك بماء الفرات إلا أحبنا أهل البيت. وقال عليه‌السلام ما سقي أهل الكوفة ماء الفرات إلا لأمر ما وقال يصب فيه ميزابان من الجنة (٢). أقول قوله عليه‌السلام لأمر ما أي لرسوخ ولاية أهل البيت عليه‌السلام في قلوب أهلها وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : أما إن أهل الكوفة لو حنكوا أولادهم بماء الفرات لكانوا لنا شيعة (٣). وأما الأنهار الثلاثة الأخرى فلم أر لها في غير هذا الخبر فضلا بل روى الكليني عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : ماء نيل مصر يميت القلب (٤)

٢ ـ الدر المنثور ، عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أنزل الله من الجنة إلى الأرض خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما نهرا العراق والنيل وهو نهر مصر أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبرائيل فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعلها منافع للناس في أصناف معايشهم فذلك قوله « وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ » (٥) فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جبرئيل فرفع من الأرض القرآن والعلم كله والحجر من ركن البيت ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه الأنهار الخمسة فيرفع كل ذلك إلى السماء فذلك قوله تعالى « وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ » فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خير الدنيا والآخرة (٦).

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٨٩.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٨٨.

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٨٩.

(٤) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٩١.

(٥) المؤمنون : ١٩.

(٦) الدر المنثور : ج ٥ ، ص ٨.

٣٨

٣ ـ شرح النهج ، نهج البلاغة لابن ميثم قال لما فرغ أمير المؤمنين عليه‌السلام من حرب الجمل خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ثم قال يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثا وعلى الله تمام الرابعة وساق الخطبة كما مر في كتاب الفتن وسيأتي إلى قوله عليه السلام سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلاحا لمعاشكم والبحر سببا لكثرة أموالكم.

بيان قوله عليه‌السلام الماء يغدو عليكم ويروح إشارة إلى المد والجزر وقوله صلاحا لمعاشكم إلى فائدتهما إذ لو كان الماء دائما على حد النقصان ولم يصل إلى حد المد لما سقي زروعهم ونخيلهم ولو كان دائما على حد الزيادة لغرقت أراضيهم بأنهارهم وفي نقص الأنهار بعد زيادتها فائدة أخرى هي غسل الأقذار وإزالة الخبائث عن شطوطها وربما كان فيهما فوائد أخرى كتأثيرهما في حركة السفن ونحو ذلك.

٤ ـ إعلام الورى ، بإسناده عن الكليني عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن القاسم عن حيان السراج عن داود بن سليمان الكسائي (١) عن أبي الطفيل قال : سأل في أول خلافة عمر يهودي من أولاد هارون أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أول قطرة قطرت على وجه الأرض (٢) وأول عين فاضت على وجه الأرض (٣) وأول شجر اهتز على وجه الأرض (٤) فقال عليه‌السلام يا هاروني أما أنتم فتقولون أول قطرة قطرت على وجه الأرض حيث قتل أحد ابني آدم صاحبه وليس كذلك ولكنه حيث طمثت حواء وذلك قبل أن تلد ابنيها وأما أنتم فتقولون أول عين فاضت على وجه الأرض العين التي ببيت المقدس وليس هو كذلك ولكنها

__________________

(١) في المصدر : الكناني.

(٢) في المصدر : أى قطرة هى؟.

(٣) في المصدر : أى عين هى؟.

(٤) في المصدر : اي شجرة هى؟.

٣٩

عين الحياة التي وقف عليها موسى وفتاه ومعهما النون المالح فسقط فيها فحيي وهذا الماء لا يصيب ميتا إلا حيي وأما أنتم فتقولون أول شجر اهتز على وجه الأرض الشجرة التي كانت منها سفينة نوح وليس كذلك ولكنها النخلة التي هبطت (١) من الجنة وهي العجوة ومنها تفرع كل ما ترى من أنواع النخل فقال صدقت والله الذي لا إله إلا هو إني لأجد هذا في كتب أبي هارون عليه‌السلام كتابة (٢) يده وإملاء عمي موسى عليه‌السلام (٣).

٥ ـ إكمال الدين ، عن أبيه ومحمد بن الحسن عن سعد بن عبد الله ومحمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ويعقوب بن يزيد وإبراهيم بن هاشم جميعا عن الحسن بن علي بن فضال عن أيمن بن محرز عن محمد بن سماعة عن إبراهيم بن أبي يحيى المدني عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله إلا أنه قال قال اليهودي أخبرني عن أول شجرة نبتت على وجه الأرض وعن أول عين نبعت على وجه الأرض وعن أول حجر وضع على وجه الأرض فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام أما أول شجرة نبتت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنها الزيتونة وكذبوا وإنما هي النخلة من العجوة هبط بها آدم عليه‌السلام معه من الجنة فغرسها وأصل النخلة كله منها وأما أول عين نبعت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنها العين التي ببيت المقدس وتحت الحجر وكذبوا هي عين الحياة التي ما انتهى إليها أحد إلا حيي وكان الخضر على مقدمة ذي القرنين فطلب عين الحياة فوجدها الخضر عليه‌السلام وشرب منها ولم يجدها ذو القرنين وأما أول حجر وضع على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنه الجحر الذي ببيت المقدس وكذبوا إنما هو الحجر الأسود هبط به آدم عليه‌السلام معه من الجنة فوضعه في الركن والناس يستلمونه وكان أشد بياضا من الثلج فاسود من خطايا بني آدم.

__________________

(١) في المصدر : اهبطت.

(٢) كتابته بيده ( خ ).

(٣) إعلام الورى : ٣٦٨.

٤٠