بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

علي النيسابوري ، عن إبراهيم بن محمد ، عن أبي نصر طريف الخادم أنه رآه (١).

٥٠ ـ مهج : كنت أنا بسر من رأى فسمعت سحرا دعاء القائم عليه‌السلام فحفظت منه من الدعاء لمن ذكره الاحياء والاموات : وأبقهم أو قال : وأحيحهم في عزنا وملكنا أو سلطاننا ودولتنا وكان ذلك في ليلة الاربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة.

٥١ ـ كشف : وأنا أذكر من ذلك قصتين قرب عهدهما من زماني وحدثني بهما جماعة ممن ثقات إخواني. كان في البلاد الحلية شخص يقال له : إسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل مات في زماني وما رأيته ، حكى لي ولده شمس الدين قال : حكى لي والدي أنه خرج فيه وهو شاب على فخذه الايسر توثة (٢) مقدار قبضة الانسان وكانت في كل ربيع تتشقق ويخرج منها دم وقيح ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله وكان مقيما بهرقل فحضر إلى الحلة يوما ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاؤوس رحمه‌الله وشكا إليه ما يجده ، وقال : اريد أن اداويها فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع ، فقالوا : هذه التوثة فوق العرق الاكحل ، وعلاجها خطر ومتى قطعت خيف أن ينقع العرق فيموت.

فقال له السعيد رضي الدين قدس الله روحه : أنا متوجه إلى بغداد وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء ، فأصحبني فأصعد معه وأحضر الاطباء فقالوا كما قال اولئك فضاق صدره ، فقال له السعيد : إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب ، وعليك الاجتهاد في الاحتراس ، ولا تغرر بنفسك ، فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله.

فقال له والدي : إذا كان الامر هكذا وقد حصلت في بغداد فأتوجه إلى

____________________

(١) راجع ارشاد المفيد ص ٣٢٩ ـ ٣٣٠ والكافى ج ١ ص ٣٣١ ـ ٣٣٢.

(٢) « التوثة » وهكذا « التوتة » لحمة متدلية كالتوت أعنى الفرصاد قد تكون حمراء وقد تصير سوداء واغلب ما تخرج في الخد والوجنة ، صعب العلاج حتى الان ، ويظهرمن الجوهرى أن الصحيح « التوتة » لا التوثة.

٦١

زيارة المشهد الشريف بسر من رأى على مشرفه السلام ثم أنحدر إلى أهلي فحسن له ذلك ، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجه.

قال : فلما دخلت المشهد وزرت الائمة عليهم‌السلام نزلت السرداب واستغثت بالله تعالى وبالامام عليه‌السلام وقطعت بعض الليل في السرداب وبقيت في المشهد إلى الخميس ثم مضيت إلى دجلة ، واغتسلت ولبست ثوبا نظيفا وملات إبريقا كان معي وصعدت اريد المشهد فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم ، فحسبتهم منهم ، فالتقينا فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط وكل واحد منهم متقلد بسيف وشيخا منقبا بيده رمح والآخر متقلد بسيف وعليه فرجية ملونة فوق السيف ، وهو متحنك بعذبته.

فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ، ووضع كعب رمحه في الارض ووقف الشابان عن يسار الطريق وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ثم سلموا عليه فرد عليهم‌السلام ، فقال له صاحب الفرجية : أنت غدا تروح إلى أهلك؟ فقال له : نعم فقال له : تقدم حتى أبصر ما يوجعك؟ قال : فكرهت ملامستهم وقلت : أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول.

ثم إني مع ذلك تقدمت إليه فلزمني بيدي ومدني إليه وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني ثم استوى في سرج فرسه كما كان ، فقال لي الشيخ : أفلحت يا أسماعيل! فتعجبت من معرفته باسمي فقلت : أفلحنا وأفلحتم إنشاء الله.

قال : فقال : هذا هو الامام قال : فتقدمت إليه فاحتضنته وقبلت فخذه ثم إنه ساق وأنا أمشي معه محتضنه فقال : ارجع فقلت : لا افارقك أبدا فقال : المصلحة رجوعك فأعدت عليه مثل القول الاول فقال الشيخ : يا إسماعيل ما تستحيي؟ يقول لك الامام مرتين : ارجع وتخالفه فجهني بهذا القول فوقفت فتقدم خطوات والتفت إلي وقال : إذا وصلت ببغداد فلا بد أن يطلبك أبوجعفر يعني الخليفة المستنصر فاذا



٦٢

حضرت عنده وأعطاك شيئا فلا تأخذه وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى علي بن عوض فانني اوصيه يعطيك الذي تريد.

ثم سار وأصحابه معه فلم أزل قائما أبصرهم حتى بعدوا وحصل عندي أسف لمفارقته ، فقعدت إلى الارض ساعة ثم مشيت إلى المشهد فاجتمع القوام حولي وقالوا نرى وجهك متغيرا أوجعك شئ؟ قلت : لا ، قالوا : خاصمك أحد؟ قلت : لا ليس عندي مماتقولون خبر ، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟ فقالوا : هم من الشرفاء أرباب الغنم ، فقلت : بل هو الامام عليه‌السلام فقالوا : الامام هو الشيخ أو صاحب الفرجية؟ فقلت هو صاحب الفرجية ، فقالوا : أريته المرض الذي فيك ، فقلت هو قبضه بيده ، وأوجعني.

ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثرا فتداخلني الشك من الدهش فأخرجت رجلي الاخرى فلم أر شيئا فانطبق الناس علي ومزقوا قميصي فأدخلني القوام خزانة ومنعوا الناس عني ، وكان ناظر بين النهرين بالمشهد فسمع الضجة وسأل عن الخبر فعرفوه فجاء إلى الخزانة وسألني عن اسمي وسألني : منذكم خرجت من بغداد؟ فعرفته أني خرجت في أول الاسبوع فمشى عني وبت في المشهد وصليت الصبح وخرجت وخرج الناس معي إلى أن بعدت عن المشهد ورجعوا عني.

ووصلت إلى أوانى (١) فبت بها وبكرت منها اريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون كل من ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان؟ فسألوني عن اسمي ومن أين جئت فعرفتهم فاجتمعوا علي ومزقوا ثيابي ولم يبق لي في روحي حكم.

وكان ناظر بين النهرين كتب إلى بغداد وعرفهم الحال ثم حملوني إلى بغداد ، وازدحم الناس علي وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام ، وكان الوزير القمي قد طلب السعيد رضي الدين وتقدم أن يعرفه صحة هذا الخبر.

____________________

(١) أوانى كسكارى بلدة ببغداد.

٦٣

قال : فخرج رضي الدين ومعه جماعة فوافينا باب النوبي فرد أصحابه الناس عني فلما رآني قال : أعنك يقولون؟ قلت : نعم ، فنزل عن دابته وكشف فخذي فلم ير شيئا فغشي عليه ساعة وأخذ بيدي وأدخلني على الوزير ، وهو يبكي ويقول يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي.

فسألني الوزير عن القصة فحكيت له فأحضر الاطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها ، فقالوا ما دواؤها إلا القطع بالحديد ومتى قطعها مات ، فقال لهم الوزير : فبتقدير أن يقطع ولا يموت في كم تبرأ؟ فقالوا : في شهرين ويبقى في مكانها حفيرة بيضاء لاينبت فيها شعر فسألهم الوزير متى رأيتموه قالوا : منذ عشرة أيام فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الالم وهي مثل اختها ليس فيها أثر أصلا.

فصاح أحد الحكماء : هذا عمل المسيح فقال الوزير : حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها.

ثم إنه احضر عند الخليفة المستنصر فسأله عن القصة فعرفه بها كماجرى فتقدم له بألف دينار فلما حضرت قال : خذ هذه فأنفقها فقال : ما أجسر آخذ منه حبة واحدة ، فقال الخليفة : ممن تخاف؟ فقال : من الذي فعل معي هذا؟ قال : لا تأخذ من أبي جعفر شيئا فبكى الخليفة ، وتكدر وخرج من عنده ولم يأخذ شيئا.

قال علي بن عيسى عفى الله عنه : كنت في بعض الايام أحكي هذه القصة لجماعة عندي وكان هذا شمس الدين محمد ولده عندي وأنا لا أعرفه فلما انقضت الحكاية قال : أنا ولده لصلبه فعجبت من هذا الاتفاق وقلت له : هل رأيت فخذه وهي مريضة؟ فقال : لا لاني أصبو عن ذلك ولكني رأيتها بعد ما صلحت ولا أثر فيها وقد نبت في موضعها شعر.

وسألت السيد صفي الدين محمد بن محمد بن بشير العلوي الموسوي ، ونجم الدين حيدر بن الايسر رحمهما الله تعالى وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي الهيئات منهم وكانا صديقين لي وعزيزين عندي فأخبراني بصحة القصة وأنهما رأياها في حال



٦٤

مرضها وحال صحتها. وحكى لي ولده هذا أنه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه عليه‌السلام حتى أنه جاء إلى بغداد وأقام بها في فصل الشتاء وكان كل أيام يزور سامرا ويعود إلي بغداد فزارها في تلك السنة أربعين مرة طمعا أن يعود له الوقت الذي مضى ، أو يقضى له الحظ بما قضى ، ومن الذي أعطاه دهره الرضا ، أو ساعده بمطالبه صرف القضا ، فمات رحمه‌الله بحسرته وانتقل إلى الآخرة بغصته والله يتولاه وإيانا برحمته بمنه وكرامته.

وحكى لي السيد باقي بن عطوة الحسني أن أباه عطوة كان آدر (١) وكان زيدي المذهب وكان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب الامامية ويقول : لا اصدقكم ولا أقول بمذهبكم ، حتى يجئ صاحبكم ، يعني المهدي عليه‌السلام فيبرؤني من هذا المرض ، وتكرر هذا القول منه.

فبينا نحن مجتمعون عند وقت العشاء الآخرة إذا أبونا يصيح ويستغيث بنا فأتيناه سراعا فقال : الحقوا صاحبكم فالساعة خرج من عندي فخرجنا فلم نرأحدا فعدنا إليه وسألناه فقال : إنه دخل إلي شخص وقال : يا عطوة فقلت : من أنت؟ فقال : أنا صاحب بنيك قد جئت لا برئك مما بك ثم مد يده فعصر قروتي ومشى ومددت يدي فلم أرلها أثرا.

قال لي ولده : وبقي مثل الغزال ليس به قلبة ، واشتهرت هذه القصة وسألت عنها غير ابنه فأخبر عنها فأقر بها.

والاخبار عنه عليه‌السلام في هذا الباب كثيرة وأنه رآه جماعة قد انقطعوا في طريق الحجاز وغيرها ، فخلصهم وأوصلهم إلى حيث أرادوا ، ولولا التطويل لذكرت منها جملة ، ولكن هذا القدر الذي قرب عهده من زماني كاف.

بيان : « التوثة » لم أرها في اللغة ويحتمل أن يكون اللوثة بمعنى الجرح

____________________

(١) آدر كآزر : من به الادرة وهو انفتاق الصفاق بحيث يقع القصب في الصفن ويكون الخصية منتفخا بذلك.

٦٥

والاسترخاء ، وعذبة كل شي بالتحريك : طرفه ، ويقال جهه أي رده قبيحا ، قوله لاني أصبو عن ذلك أي كان يمنعني شرة الصبا عن التوجه إلى ذلك أو كنت طفلا لا أعقل ذلك ، قال الجوهري : صبا يصبو صبوة أي مال إلى الجهل والفتوة وقال : « القروة » أن يعظم جلد البيضتين لريح فيه أو ماء أو لنزول الامعاء ، وقال « قولهم ما به قلبة » أي ليست به علة.

أقول : روى المفيد والشهيد ومؤلف المزار الكبير رحمهم‌الله في مزاراتهم بأسانيدهم عن علي بن محمد بن عبدالرحمن التستري قال : مررت ببني رؤاس فقال لي بعض إخواني : لو ملت بنا إلى مسجد صعصعة فصلينا فيه فإن هذا رجب ويستحب فيه زيارة هذه المواضع المشرفة التي وطئها الموالي بأقدامهم وصلوا فيها ، ومسجد صعصعة منها.

قال : فملت معه إلى المسجد وإذا ناقة معقلة مرحلة قد انيخت بباب المسجد فدخلنا وإذا برجل عليه ثياب الحجاز وعمة كعمتهم قاعد يدعو بهذا الدعاء فحفظته أنا وصاحبي ثم سجد طويلا وقام فركب الراحلة وذهب ، فقال لي صاحبي تراه الخضر فما بالنا لانكلمه كأنما أمسك على ألسنتنا فخرجنا فلقينا ابن أبي رواد الرواسي فقال : من أين أقبلتما؟ قلنا : من مسجد صعصعة وأخبرناه بالخبر ، فقال : هذا الراكب يأتي مسجد صعصعة في اليومين والثلاثة لا يتكلم قلنا : من هو؟ قال : فمن تريانه أنتما؟ قلنا : نظنه الخضر عليه‌السلام فقال : فأنا والله لا أراه إلا من الخضر محتاج إلى رؤيته ، فنصرفا راشدين! فقال لي صاحبي : هو والله صاحب الزمان.

٥٢ ـ كا : علي بن محمد ، عن أبي محمد الوجنائي أنه أخبره عمن رآه عليه‌السلام خرج من الدار قبل الحادث بعشرة أيام وهو يقول : اللهم إنك تعلم أنها أحب البقاع (١) لولا الطرد أو كلام نحو هذا.

بيان : لعل المراد بالحادث وفاة أبي محمد عليه‌السلام والضمير في « أنها » راجع إلى سامراء.

____________________

(١) في المصدر ج ١ ص ٣٣١ « من احب البقاع ».

٦٦

٥٣ ـ ك : حدثنا أبوالاديان (١) قال : كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام وأحمل كتبه إلى الامصار فدخلت إليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه ، فكتب معي كتبا وقال : تمضي بها إلى المدائن فانك ستغيب خمسة عشر يوما فتدخل إلى سرمن رأى يوم الخامس عشر ، وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل.

قال أبوالاديان : فقلت : يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال : من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي فقلت : زدني فقال : من يصلي علي فهو القائم بعدي فقلت : زدني فقال : من أخبربما في الهميان فهو القائم بعدي ، ثم منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان ، وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي عليه‌السلام فإذا أنا بالواعية في داره وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار ، والشيعة حوله يعزونه ، ويهنؤنه ، فقلت في نفسي : إن يكن هذا الامام ، فقد حالت (٢) الامامة لاني كنت أعرفه بشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور.

فتقدمت فعزيت وهنيت فلم يسألني عن شئ ، ثم خرج عقيد فقال : يا سيدي قد كفن أخوك فقم للصلاة عليه ، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بمسلة.

فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفنا فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة ، بشعره قطط ، بأسنانه تفليج ، فجبذ رداء جعفر بن علي وقال : تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي ، فتأخر جعفر وقد اربد وجهه فتقدم الصبي فصلى

____________________

(١) سند الحديث هكذا : ووجدت مثبتا في بعض الكتب المصنفة في التواريخ ، ولم أسمعه ... قال أبوالحسن بن على بن محمد بن خشاب قال : حدثنا أبوالاديان ، راجع كمال الدين ج ٢ ص ١٤٩ و ١٥٠.

(٢) في المصدر : بطلت.

٦٧

عليه ، ودفن إلى جانب قبر أبيه عليهما‌السلام.

ثم قال : يا بصري هات جوابات الكتب التي معك ، فدفعتها إليه وقلت في نفسي : هذه اثنتان بقي الهميان ثم خرجت إلى جعفربن علي وهو يزفر ، فقال له : حاجز الوشاء : يا سيدي من الصبي؟ ـ ليقيم عليه الحجة ـ فقال : والله رأيته قط ولا عرفته.

فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي صلوات الله عليه فعرفوا موته فقالوا : فمن [ نعزي ]؟ فأشارالناس إلى جعفربن علي فسلموا عليه وعزوه وهنؤه وقالوا : معنا كتب ومال فتقول ممن الكتب وكم المال؟ فقام ، ينفض أثوابه ، ويقول : يريدون منا أن نعلم الغيب قال : فخرج الخادم فقال : معكم كتب فلان وفلان ، وهميان فيه ألف دينار عشرة دنانير منها مطلسة (١) فدفعوا الكتب والمال وقالوا : الذي وجه بك لاجل ذلك هو الامام.

فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك فوجه المعتمد خدمه فقبضوا على صقيل الجارية وطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حملا بها لتغطي على حال الصبي فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي وبغتهم موت عبيدالله بن يحيى بن خاقان فجأة وخروج صاحب الزنج بالبصرة ، فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم والحمد لله رب العالمين لا شريك له.

بيان : « الجوسق » القصر « وجبذ » أي جذب وفي النهاية اربد وجهه أي تغير إلى الغبرة وقيل « الربدة » لون بين السواد والغبرة.

٥٤ ـ أقول : وروي في بعض تأليفات أصحابنا عن الحسين بن حمدان ، عن أبي محمد عيسى بن مهدي الجوهري قال : خرجت في سنة ثمان وستين ومائتين إلى الحج وكان قصدي المدينة حيث صح عندنا أن صاحب الزمان قد ظهر فاعتللت وقد خرجنا من فيد (٢) فتعلقت نفسي بشهوة السمك والتمر ، فلما وردت المدينة ولقيت بها

____________________

(١) اى ممحوة نقشها.

(٢) فيد : قلعة قرب مكة.

٦٨

إخواننا ، بشروني بظهوره عليه‌السلام بصابر.

فصرت إلى صابر فلما أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافا فدخلت القصر فوقفت أرقب الامر إلى أن صليت العشائين وأنا أدعو وأتضرع وأسأل فاذا أنا ببدر الخادم يصيح بي : يا عيسى بن مهدي الجوهري ادخل ، فكبرت وهللت وأكثرت من حمدالله عزوجل والثناء عليه.

فلما صرت في صحن القصر رأيت مائدة منصوبة فمر بي الخادم إليها فأجلسني عليها ، وقال لي : مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علتك وأنت خارج من فيد فقلت : حسبي بهذا برهانا فكيف آكل ولم أر سيدي ومولاي؟ فصاح : يا عيسى كل من طعامك فانك تراني.

فجلست على المائدة فنظرت فاذا عليها سمك حار يفور وتمر إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا ، وبجانب التمر لبن فقلت في نفسي : عليل وسمك وتمر ولبن فصاح بي : يا عيسى أتشك في أمرنا؟ أفأنت أعلم بما ينفعك ويضرك؟ فبكيت واستغفرت الله تعالى وأكلت من الجميع ، وكلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه فوجدته أطيب ماذقته في الدنيا فأكلت منه كثيرا حتى استحييت فصاح بي : لا تستحي يا عيسى فانه من طعام الجنة لم تصنعه يد مخلوق : فأكلت فرأيت نفسي لا ينتهي عنه من أكله.

فقلت : يا مولاي حسبي فصاح : أقبل إلي فقلت في نفسي : آتي مولاي ولم اغسل يدي ، فصاح بي : يا عيسى وهل لما أكلت غمر؟ فشممت يدي وإذا هي أعطر من المسك والكافور ، فدنوت منه عليه‌السلام فبدا لي نور غشي بصري ، ورهبت حتى ظننت أن عقلي قداختلط ، فقال لي : يا عيسى ما كان لك أن تراني لولا المكذبون القائلون بأين هو؟ ومتى كان؟ وأين ولد؟ ومن رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأي شئ نبأكم؟ وأي معجز أتاكم؟ أما والله لقد دفعوا أميرالمؤمنين مع مارووه وقدموا عليه ، وكادوه وقتلوه ، وكذلك آبائي عليهم‌السلام ولم يصدقوهم ونسبوهم إلى السحر وخدمة الجن إلى ماتبين.

٦٩

يا عيسى فخبر أولياءنا ما رأيت ، وإياك أن تخبر عدونا فتسلبه ، فقلت : يا مولاي ادع لي بالثبات فقال : لو لم يثبتك الله ما رأيتني ، وامض بنجحك راشدا فخرجت أكثر حمدالله وشكرا.

٥٥ ـ أقول : روى السيد علي بن عبدالحميد في كتاب السلطان المفرج عن أهل الايمان عند ذكر من رأى القائم عليه‌السلام قال : فمن ذلك ما اشتهرو ذاع ، وملا البقاع ، وشهد بالعيان أبناء الزمان ، وهو قصة أبوراجح الحمامي بالحلة وقد حكى ذلك جماعة من الاعيان الاماثل وأهل الصدق الافاضل.

منهم الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون سلمه الله تعالى قال : كان الحاكم بالحلة شخصا يدعى مرجان الصغير ، فرفع إليه أن أبا راجح هذا يسب الصحابة ، فأحضره وأمر بضربه فضرب ضربا شديدا مهلكا على جميع بدنه ، حتى أنه ضرب على وجهه فسقطت ثناياه واخرج لسانه فجعل فيه مسلة من الحديد (١) ، وخرق أنفه ، ووضع فيه شركة من الشعر وشد فيها حبلا وسلمه إلى جماعة من أصحابه وأمرهم أن يدوروابه أزقة الحلة ، والضرب يأخذ من جميع جوانبه ، حتى سقط إلى الارض وعاين الهلاك.

فاخبر الحاكم بذلك ، فأمر بقتله ، فقال الحاضرون : إنه شيخ كبير ، وقد حصل له ما يكفيه ، وهو ميت لما به فاتركه وهو يموت حتف أنفه ، ولا تتقلد بدمه وبالغوا في ذلك حتى أمر بتخليته وقد انتفخ وجهه ولسانه ، فنقله أهله في الموت ولم يشك أحد أنه يموت من ليلته.

فلما كان من الغد غدا عليه الناس فاذا هو قائم يصلي على أتم حالة ، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت ، واندملت جراحاته ، ولم يبق لها أثر والشجة قد زالت من وجهه.

فعجب الناس من حاله وساءلوه عن أمره فقال : إني لما عاينت الموت ، ولم

____________________

(١) المسلة : الابرة العظيمة التى تخاط بها العدول ونحوها يقال لها بالفارسية « جوالدوز »

٧٠

يبق لي لسان أسأل الله تعالى به فكنت أسأله بقلبي واستغثت إلى سيدي ومولاي صاحب الزمان عليه‌السلام فلما جن علي الليل فاذا بالدار قدامتلات نورا وإذا بمولاي صاحب الزمان ، قد أمر يده الشريفة على وجهي وقال لي : اخرج وكد على عيالك ، فقد عافاك الله تعالى ، فأصبحت كما ترون.

وحكى الشيخ شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال : واقسم بالله تعالى إن هذا أبوراجح كان ضعيفا جدا ، ضعيف التركيب ، أصفر اللون ، شين الوجه مقرض اللحية ، وكنت دائما أدخل الحمام الذي هو فيه وكنت دائما أراه على هذه الحالة وهذا الشكل فلما أصبحت كنت ممن دخل عليه ، فرأيته وقد اشتدت قوته وانتصبت قامته ، وطالت لحيته ، واحمر وجهه ، وعاد كأنه ابن عشرين سنة ولم يزل على ذلك حتى أدركته الوفاة.

ولما شاع هذا الخبر وذاع طلبه الحاكم وأحضره عنده وقد كان رآه بالامس على تلك الحالة وهو الآن على ضدها كما وصفناه ، ولم ير بجراحاته أثرا وثناياه قد عادت فداخل الحاكم في ذلك رعب عظيم ، وكان يجلس في مقام الامام عليه‌السلام في الحلة ، ويعطي ظهره القبلة الشريفة ، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها ، وعاد يتلطف بأهل الحلة ، ويتجاوز عن مسيئهم ، ويحسن إلى محسنهم ، ولم ينففه ذلك بل لم يلبث في ذلك إلا قليلا حتى مات.

ومن ذلك ما حدثني الشيخ المحترم العامل الفاضل شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال : كان من أصحاب السلاطين المعمر بن شمس يسمى مذور ، يضمن القرية المعروفة ببرس ، ووقف العلويين ، وكان له نائب يقال له : ابن الخطيب و غلام يتولى نفقاته يدعى عثمان ، وكان ابن الخطيب من أهل الصلاح والايمان بالضد من عثمان وكانا دائما يتجادلان.

فاتفق أنهما حضرا في مقام إبراهيم الخليل عليه‌السلام بمحضر جماعة من الرعية والعوام فقال ابن الخطيب لعثمان : يا عثمان الآن اتضح الحق واستبان أنا أكتب على يدي من أتولاه ، وهم علي والحسن والحسين ، واكتب أنت من تتولاه أبوبكر



٧١

وعمر وعثمان ، ثم تشد يدي ويدك ، فأيهما احترقت يده بالنار كان على الباطل ، و من سلمت يده كان على الحق.

فنكل عثمان ، وأبى أن يفعل ، فأخذ الحاضرون من الرعية والعوام بالعياط عليه.

هذا وكانت ام عثمان مشرفة عليهم تسمع كلامهم فلما رأت ذلك لعنت الحضور الذين كانوا يعيطون على ولدها عثمان وشتمتهم وتهددت وبالغت في ذلك فعميت في الحال فلما أحست بذلك نادت إلى رفائقها فصعدن إليها فاذا هي صحيحة العينين ، لكن لا ترى شيئا ، فقادوها وأنزلوها ، ومضوا بها إلى الحلة وشاع خبرها بين أصحابها وقرائبها وترائبها فأحضروا لها الاطباء من بغداد والحلة ، فلم يقدروا لها على شئ.

فقال لها نسوة مؤمنات كن أخدانها ، إن الذي أعماك هو القائم عليه‌السلام فان تشيعتي وتوليتي وتبرأتي (١) ضمنا لك العافية على الله تعالى ، وبدون هذا لايمكنك الخلاص ، فأذعنت لذلك ورضيت به ، فلما كانت ليلة الجمعة حملنا حتى أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان عليه‌السلام وبتن بأجمعهن في باب القبة.

فلما كان ربع الليل فاذا هي قد خرجت عليهن وقد ذهب العمي عنها ، وهي تقعدهن واحدة بعد واحدة وتصف ثيابهن وحليهن ، فسررن بذلك ، وحمدن الله تعالى على حسن العافية ، وقلن لها : كيف كان ذلك؟.

فقالت : لما جعلتنني في القبة وخرجتن عني أحسست بيد قد وضعت على يدى وقائل يقول : اخرجي قد عافاك الله تعالى فانكشف العمى عني ورأيت القبة قد امتلات نورا ورأيت الرجل فقلت له : من أنت يا سيدي؟ فقال : محمد بن الحسن ثم غاب عني فقمن وخرجن إلى بيوتهن وتشيع ولدها عثمان وحسن اعتقاده و اعتقاد امه المذكورة واشتهرت القصة بين اولئك الاقوام ومن سمع هذا الكلام و

____________________

(١) باشباع الكسرة حتى يتولد الياء وهى لغة عامية ، والاصل : « وان تشيعت و توليت وتبرأت ».

٧٢

اعتقد وجود الامام عليه‌السلام وكان ذلك في سنة أبع وأربعين وسبعمائة.

ومن ذلك بتاريخ صفر لسنة سبعمائة وتسع وخمسين حكى لي المولى الاجل الامجد ، العالم الفاضل ، القدوة الكامل ، المحقق المدقق ، مجمع الفضائل ، و مرجع الافاضل ، افتخار العلماء في العالمين ، كمال الملة والدين ، عبدالرحمان ابن العماني ، وكتب بخطه الكريم ، عندي ما صورته :

قال العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى عبدالرحمن بن إبراهيم القبائقي : إني كنت أسمع في الحلة السيفية حماها الله تعالى أن المولى الكبير المعظم جمال الدين ابن الشيخ الاجل الاوحد الفقيه القارئ نجم الدين جعفر بن الزهدري كان به فالج ، فعالجته جدته لابيه بعد موت أبيه بكل علاج للفالج ، فلم يبرأ.

فأشار عليها بعض الاطباء ببغداد فأحضرتهم فعالجوه زمانا طويلا فلم يبرأ وقيل لها : ألا تبيتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان عليه‌السلام لعل الله تعالى يعافيه ويبرئه.

ففعلت وبيتته تحتها وإن صاحب الزمان عليه‌السلام أقامه وأزال عنه الفالج.

ثم بعد ذلك حصل بيني وبينه صحبة حتى كنا لم نكد نفترق ، وكان له دار المعشرة ، يجتمع فيها وجوه أهل الحلة وشبابهم وأولاد الاماثل منهم ، فاستحكيته عن هذه الحكاية ، فقال لي : إني كنت مفلوجا وعجز الاطباء عني وحكى لي ما كنت أسمعه مستفاضا في الحلة من قضيته وأن الحجة صاحب الزمان عليه‌السلام قال لي وقد أباتتني جدتي تحت القبة : قم! فقلت : ياسيدي لا أقدر على القيام منذ سنتي فقال : قم باذن الله تعالى وأعانني على القيام ، فقمت وزال عني الفالج وانطبق علي الناس حتى كادوا يقتلونني وأخذوا ما كان علي من الثياب تقطيعا وتنتيفا يتبركون فيها وكساني الناس من ثيابهم ، ورحت إلى البيت ، وليس بي أثر الفالج ، وبعثت إلى الناس ثيابهم ، وكنت أسمعه يحكى ذلك للناس ولمن يستحكيه مرارا حتى مات رحمه‌الله.

ومن ذلك ما أخبرني من أثق به وهو خبر مشهور عند أكثر أهل المشهد



٧٣

الشريف الغروي سلم الله تعالى على مشرفه ، ماصورته : أن الدار الذي هي الآن سنة سبعمائة وتسع وثمانين أنا ساكنها كانت لرجل من أهل الخير والصلاح يدعى حسين المدلل ، وبه يعرف ساباط المدلل ملاصقة جدران الحضرة الشريفة ، وهو مشهور بالمشهد الشريف الغروي عليه‌السلام ، وكان الرجل له عيال وأطفال.

فأصابه فالج فمكث مدة لايقدر على القيام وأنما يرفعه عياله عند حاجته و ضروراته ، ومكث على ذلك مدة مديدة ، فدخل على عياله وأهله بذلك شدة شديدة واحتاجوا إلى الناس واشتد عليهم الناس.

فلما كان سنة عشرين وسبع مائة هجرية في ليلة من لياليها بعد ربع الليل أنبه عياله فانتبهوا في الدار فإذا الدار والسطح قد امتلا نورا يأخذ بالابصار فقالوا : ما الخبر؟ فقال : إن الامام عليه‌السلام جائني وقال لي قم يا حسين فقلت : يا سيدي أتراني أقدر على القيام فأخذ بيدي وأقامني فذهب ما بي وها أنا صحيح على أتم ما ينبغي وقال لي : هذا الساباط دربي إلى زيارة جدي عليه‌السلام فأغلقه في كل ليلة فقلت : سمعا وطاعة لله ولك يا مولاي.

فقام الرجل وخرج إلى الحضرة الشريفة الغروية وزار الامام عليه‌السلام وحمد الله تعالى على ما حصل له من الانعام وصار هذا الساباط المذكور إلى الآن ينذرله عند الضرورات فلا يكاد يخيب ناذره من المراد ببركات الامام القائم عليه‌السلام.

ومن ذلك ما حدثني الشيخ الصالح الخير العالم الفاضل شمس الدين محمد بن قارون المذكور سابقا أن رجلا يقال له : النجم ويلقب الاسود في القرية المعروفة بدقوسا على الفرات العظمى وكان من أهل الخير والصلاح وكان له زوجة تدعى بفاطمة خيرة صالحة ولها ولدان ابن يدعى عليا وابنة تدعى زينب فأصاب الرجل وزوجته العمى وبقيا على حالة ضعيفة وكان ذلك في سنة اثنى عشر وسبعمائة وبقيا على ذلك مدة مديدة.

فلما كان في بعض الليل أحسست المرأة بيد تمر على وجهها وقائل يقول :



٧٤

قد أذهب الله عنك العمى فقومي إلى زوجك أبي علي فلا تقصرين في خدمته ففتحت عينيها فاذا الدار قد امتلات نورا وعلمت أنه القائم عليه‌السلام.

ومن ذلك ما نقله عن بعض أصحابنا الصالحين من خطه المبارك ما صورته : عن محيي الدين الاربلي أنه حضر عند أبيه ومعه رجل فنعس فوقعت عمامته عن رأسه فبدت في رأسه ضربة هائلة فسأله عنها فقال له : هي من صفين ، فقيل له : وكيف ذلك ووقعة صفين قديمة ، فقال : كنت مسافرا إلى مصر فصاحبني إنسان من غزة (١) فلما كنا في بعض الطريق تذاكرنا وقعة صفين. ـ

فقال لي الرجل : لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من علي وأصحابه ، فقلت : لو كنت في أيام صفين لرويت سيفي من معاوية وأصحابه وها أنا وأنت من أصحاب علي عليه‌السلام ومعاوية لعنه الله فاعتركنا عركة عظيمة ، واضطربنا فما أحسست بنفسي إلا مرميا لمابي.

فبينما أنا [ كذلك ] وإذا بانسان يوقظني بطرف رمحه ، ففتحت عيني فنزل إلي ومسح الضربة فتلاءمت فقال : البث هنا ثم غاب قليلا وعادو معه رأس مخاصمي مقطوعا والدواب معه ، فقال لي : هذا رأس عدوك ، وأنت نصرتنا فنصرناك ، و لينصرن الله من نصره ، فقلت : من أنت؟ فقال : فلان بن فلان يعني صاحب الامر عليه‌السلام ثم قال لي : وإذا سئلت عن هذه الضربة ، فقل ضربتها في صفين.

ومن ذلك ما صحت لي روايته عن السيد الزاهد الفاضل رضي الملة والحق والدين علي بن محمد بن جعفر بن طاؤوس الحسني في كتابه المسمى بربيع الالباب قال : روى لنا حسن بن محمد بن القاسم ، قال كنت أنا وشخص من ناحية الكوفة يقال له : عمار ، مرة على الطريق الحمالية من سواد الكوفة فتذاكرنا أمر القائم من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي : يا حسن احدثك بحديث عجيب؟ فقلت له : هات ما عندك.

قال جاءت قافلة من طيئ يكتالون من عندنا من الكوفة وكان فيهم رجل وسيم ، وهو زعيم القافلة ، فقلت لمن حضر : هات الميزان من دار العلوي فقال

____________________

(١) بلد بفلسطين بها مات هاشم بن عبد مناف ، ورملة ببلاد بنى سعد.

٧٥

البدوي ، وعندكم هنا علوي؟ فقلت : يا سبحان الله معظم الكوفة علويون ، فقال البدوي : العلوي والله تركته ورائي في البرية في بعض البلدان فقلت : فكيف خبره؟ قال : فررنا في نحو ثلاث مائة فارس أودونها. فبقينا ثلاثة أيام بلا زاد واشتد بنا الجوع.

فقال بعضنا لبعض : دعونا نرمي السهم على بعض الخيل بأكلها فاجتمع رأينا على ذلك ، ورمينا فوقع على فرسي فغلطتهم ، وقلت : ما أقنع فعدنا بسهم آخر فوقع عليها أيضا فلم أقبل وقلت : نرمي بثالث فرمينا فوقع عليها أيضا وكانت عندي تساوي ألف دينار وهي أحب إلي من ولدي.

فقلت : دعوني أتزود من فرسي بمشوار فالى اليوم ما أجدلها غاية فركضتها إلى رابية بعيدة منا قدر فرسخ فمررت بجارية تحطب تحت الرابية ، فقلت : يا جارية من أنت ومن أهلك؟ قالت : أنا لرجل علوي في هذا الوادي ومضت من عندي فرفعت مئزري على رمحي وأقبلت إلى أصحابي فقلت لهم : أبشروا بالخير! الناس منكم قريب في هذا الوادي.

فمضينا فإذا بخيمة في وسط الوادي فطلع إلينا منها رجل صبيح الوجه أحسن من يكون من الرجال ، ذوابته إلى سرته ، وهو يضحك ويجيئنا بالتحية فقلت له : يا وجه العرب العطش ، فنادى يا جارية هاتي من عندك الماء فجاءت الجارية ومعها قدحان فيهما ماء فتناول منهما قدحا ووضع يده فيه وناولنا إياه وكذلك فعل بالآخر فشربنا عن أقصانا من القدحين ورجعتا علينا وما نقصت القدحان.

فلما روينا قلنا له : الجوع يا وجه العرب فرجع بنفسه ودخل الخيمة وأخرج بيده منسفة (١) فيها زاد ، ووضعه وقد وضع يده فيه وقال : يجئ منكم عشرة عشرة فأكلنا جميعا من تلك المنسفة ، والله يا فلان ما تغيرت ولا نقصت ، فقلنا : نريد الطريق الفلاني فقال : هاذاك دربكم وأومأ لنا إلى معلم ومضينا.

فلما بعدنا عنه قال بعضنا لبعض : أنتم خرجتم عن أهلكم لكسب والمكسب قد

____________________

(١) المنسفة كمكنسة : الغربال

٧٦

حصل لكم فنهى بعضنا بعضا وأمر بعضنا به ثم اجتمع رأينا على أخذهم ، فرجعنا فلما رآنا راجعين شد وسطه بمنطقة وأخذ سيفا فتقلد به وأخذ رمحه وركب فرسا أشهب ، والتقانا وقال : لا تكون أنفسكم القبيحة دبرت لكم القبيح؟! فقلنا : هو كما ظننت ، ورددنا عليه ردا قبيحا ، فزعق بزعقات (١) فما رأينا إلا من دخل قلبه الرعب وولينا من بين يديه منهزمين ، فخط خطة بيننا وبينه وقال : وحق جدي رسول الله لا يعبرنها أحد منكم إلا ضربت عنقه فرجعنا والله عنه بالرغم منا ، هاذاك العلوي هو حقا هو والله لا ما هو مثل هؤلاء.

هذا آخر ما أخرجناه من كتاب السلطان المفرج عن أهل الايمان.

بيان : « الشركة » حبالة الصيد والمراد بها هنا الحبل « والتعيط » الجلبة والصياح « والمشوار » المخبر والمنظر ، وما أبقت الدابة من علفها والمكان تعرض فيه الدواب.

[ كتاب الفهرست للشيخ منتجب الدين : قال : الثائر بالله المهدي ابن الثائر بالله الحسيني الجيلي كان زيديا وادعى إمامة الزيدية وخرج بجيلان ثم استبصر وصار إماميا وله رواية الاحاديث ، وادعى أنه شاهد صاحب الامر وكان يروي عنه أشياء.

وقال : أبوالحسن علي بن محمد بن علي ابن أبي القاسم العلوي الشعراني عالم صالح شاهد الامام صاحب الامر ، ويروي عنه أحاديث ، عليه وعلى آبائه السلام.

وقال : أبوالفرج المظفر بن علي بن الحسين الحمداني ثقة عين وهو من سفراء الامام صاحب الزمان عليه‌السلام أدرك الشيخ المفيد وجلس مجلس درس السيد المرتضى والشيخ أبي جعفر الطوسي قدس الله أرواحهم ].

____________________

(١) زعق مثل صعق أى صاح صيحة شديدة.

٧٧

١٩

* ( باب ) *

* ( خبر سعد بن عبدالله ورؤيته للقائم * ومسائله عنه عليه‌السلام ) *

١ ـ ك : محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي ، عن أحمد بن عيسى الوشاء عن أحمد بن طاهر القمي ، عن محمد بن بحر بن سهل الشيباني ، عن أحمد بن مسرور ، عن سعد بن عبدالله القمي (١) قال : كنت امرءا لهجا بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها ، كلفا باستظهار ما يصح من حقائقها ، مغرما بحفظ مشتبهها ومستغلقها ، شحيحا على ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها ، متعصبا لمذهب الامامية ، راغبا عن الامن والسلامة ، في انتظار التنازع والتخاصم والتعدي إلى التباغض والتشاتم ، معيبا للفرق ذوي الخلاف ، كاشفا عن مثالب أئمتهم هتاكا لحجب قادتهم ، إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة ، وأطولهم مخاصمة وأكثرهم جدلا ، وأشنعهم سؤالا ، وأثبتهم على الباطل قدما.

فقال ذات يوم وأنا اناظره : تبا لك ولاصحابك ياسعد إنكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والانصار بالطعن عليهما وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته أما علمتم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلا علما منه بأن الخلافة له من بعده وأنه

____________________

(*) والعجب أن محمد بن أبى عبدالله عد فيما مضى في حديث كمال الدين تحت الرقم ٢٦ ص ٣٠ عدد من انتهى اليه أنهم رآه عليه‌السلام ولم يذكر فيهم سعد بن عبدالله.

(١) سند الحديث منكر ، حيث ان الصدوق يروى عن سعد بن عبدالله بواسطة واحدة هو أبوه أو ابن الوليد أوهما معا ، والوسائط بينه وبين سعد في هذا الحديث خمس : أربع منهم الاحمدون الثلاثة ورابعهم محمد بن على النوفلى المعروف بالكرمانى ، لم يذكروا في الرجال ، وأما محمد بن بحر الشيبانى قد ذكر بالغلو والارتفاع. راجع قاموس الرجال ج ٤ ص ٣٣٩.

٧٨

هو المقلد لامر التأويل ، والملقى إليه أزمة الامة ، وعليه المعول في شعب الصدع ولم الشعث ، وسد الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك.

فكما أشفق على نبوته ، أشفق على خلافته ، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشئ (١) مساعدة إلى مكان يستخفي فيه ولما رأينا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله متوجها إلى الانجحار ، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأبي بكر إلى الغار للعلة التي شرحناها وإنما أبات عليا عليه‌السلام على فراشه لما لم يكن ليكترث له ولم يحفل به ، ولاستثقاله له ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.

قال سعد : فأوردت عليه أجوبة شتى فما زال يقصد كل واحد منها بالنقض والرد علي ثم قال : يا سعد دونكها اخرى بمثلها تخطف (٢) آناف الروافض ألستم تزعمون أن الصديق المبرى من دنس الشكوك ، والفاروق المحامي عن بيضة الاسلام كانا يسران النفاق ، واستدللتم بليلة العقبة ، أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أوكرها؟.

قال سعد : فاحتلت لدفع هذه المسألة عني خوفا من الالزام ، وحذرا من أني إن أقررت لهما بطواعيتهما للاسلام ، احتج بأن بدء النفاق ونشوه في القلب لايكون إلا عند هبوب روائح القهر والغلبة ، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد له قلبه ، ونحو قول الله عزوجل « فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا » (٣)

____________________

(١) البشر ـ خ ل ، وفى المصدر ج ٢ ص ١٢٩ : « الشر ».

(٢) خطف يخطف خطفا ، استلبه بسرعة ، يقال : هذا سيف يخطف الرأس اى يقتطعه بسرعة ، وفى المصدر ج ٢ ص ١٣٠ تخطم ( وقد طبع تحظم غلطا ) وهو الاظهر ، يقال : خطمه : ضرب أنفه. ـ وخطمه بالخطام : جعله على انفه : وخطم أنفه : ألزق به عارا ظاهرا. ويحتمل أن يقرء « يحطم » يقال : حطمه : كسره وقيل خاص باليابس.

(٣) المؤمن : ٨٤.

٧٩

وإن قلت : أسلما كرها ، كان يقصدني بالطعن إذ لم يكن ثم سيوف منتضاة كانت تريهم البأس.

قال سعد : فصدرت عنه مزورا قد انتفخت أحشائي من الغضب ، وتقطع كبدي من الكرب ، وكنت قد اتخذت طومارا وأثبت فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا ، على أن أسأل فيها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد عليه‌السلام.

فارتحلت خلفه ، وقد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسر من رأى فلحقته في بعض المناهل ، فلما تصافحنا قال : لخير لحاقك بي ، قلت : الشوق ثم العادة في الاسؤلة قال : قد تكافأنا على هذه الخطة الواحدة فقد برح بي القرم (١) إلى لقاء مولانا أبي محمد عليه‌السلام واريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ، ومشاكل في التنزيل.

فدونكها الصحبة المباركة ، فانها تقف بك على ضفة بحر (٢) لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه وهو إمامنا.

فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيدنا عليه‌السلام فاستأذنا فخرج [ إلينا ] الاذن بالدخول عليه ، وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري فيه ستون ومائة صرة من الدنانير والدراهم على كل صرة منها ختم صاحبها.

قال سعد : فما شبهت مولانا أبا محمد عليه‌السلام حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر ، وعلى فخذه الايمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، وعلى رأسه فرق بين وفرتين كأنه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية ، تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها ، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض قبض

____________________

(١) هذا هو الصحيح كما يجئ من المصنف رحمه‌الله في البيان وهكذا في المصدر ٢ ص ١٣١ وفى النسخة المطبوعة « القوم » وهو تصحيف.

(٢) ضفة البحر : ساحله ، وفي الاصل المطبوع وهكذا المصدر « صفة بحر » وهو تصحيف.

٨٠