وأمّا حجيّة أقوال العلماء للعوام فليست لأجل إفادتها الظنّ في نظر القاصرين ، بل لأجل غلبة مصادفتها للواقع نوعا ، فلا وجه لاعتبار نظرهم في طلب المرجّحات.
والحاصل : أنّ الشارع لمّا وجد العوام قاصري النظر في الامور العلميّة جعل لهم أقوال العلماء طريقا تعبّديا باعتبار ما فيها من غلبة المطابقة للواقع وأمرهم بالرجوع إليهم من غير النظر والفحص عن شيء ، فكأنّه صار نظرهم عنده ساقطا عن الاعتبار في جميع المقامات.
والثاني : أنّ ظنون المقلّد التي تحصل له من غير الطريق الشرعي المعيّن له ممّا لا يكاد ينضبط بضابط ، فربما يحصل له الظنّ من قول عاميّ آخر ، أو من الرمل والجفر والنجوم ونحوها ، وربّما يترجّح في نظره المفضول بملاحظة حسبه ونسبه واشتهاره بين العوام ، فإما نجوّز له الاعتماد على كلّ ظنّ خارج عن الطريق المخصوص في مقام الترجيح ، أو نمنع عن الاعتماد عليها مطلقا ؛ لأنّ المناط منقّح ، والفارق مفقود ولا سبيل إلى الأوّل لأدائه [ إلى ](١) مفاسد عظيمة في هذا الدين ، وإلى الهرج والمرج كما لا يخفى على المنصف فتعيّن الثاني.
والحاصل : أنّ تأكّد الظن الموجود في طرف الأعلم لا يعارضه شيء من الظنون الداخليّة ؛ لأنّ الكلام إنّما هو بعد فرض تساوي الفاضل والمفضول في جميع الجهات غير الفضل ، فيجب اتباعه بحكم العقل القاطع بوجوب العمل بأقوى الأمارتين.
__________________
(١) الزيادة اقتضاها السياق.