وحينئذ فلو تعاقب الأسباب فالأثر مستند إلى الأوّل ويلغو الباقي ؛ لعدم قابليّة المحلّ بعد الاتّصاف بالمثل. ولو تواردت دفعة واحدة فالأثر مستند إلى الماهيّة الموجودة ولا اختصاص للوجودات ، فلا يلزم محذور ، لعدم تعدّدها.
وبما ذكرنا يظهر فساد ما قيل (١) : من أنّها معرّفات ؛ أمّا أوّلا : فلما ستعرف أنّه خلاف الواقع ، وأما ثانيا : فلأنّ الأسباب الواقعيّة ربما يكون كذلك.
الثالث : حكي عن فخر المحقّقين أنّه جعل مبنى المسألة على أنّ الأسباب الشرعيّة هل هي معرّفات وكواشف أو مؤثّرات؟ وعلى الأوّل فالأصل التداخل ، بخلافه على الثاني (٢).
ولعلّه تبعه في ذلك بعض المحقّقين في كتابه الموسوم بـ « العوائد » ، حيث إنّه بعد ما قسّم الأسباب قسمين وجعل الأسباب الشرعيّة من المعرّفات وصرّح بامتناع اجتماع الأسباب الواقعيّة ، قال : إنّه لا يراد من الأسباب في قولهم : « الأصل عدم التداخل » هذا القسم يعني الأسباب الواقعيّة ، لأنّ الأصل إنّما يستعمل في مكان جاز التخلّف عنه بدليل ، بل يصرّحون بأنّ الأصل عدم التداخل إلاّ فيما ثبت التداخل. وكذا لا كلام في جواز التداخل فيما كان من الثاني ، إذ المعرّف علّة للوجود الذهني ، ومعلوليّة موجود واحد ذهني لعلل متعدّدة جائزة ، ولذا يستدلّ على مطلوب واحد بأدلّة كثيرة ، ويصحّ أن يستند وجود ذلك الموجود الذهني إلى كلّ منهما ؛ ولذا لا يرتفع ذلك الموجود الذهني بظهور بطلان واحد من الأدلّة (٣).
__________________
(١) قاله العلاّمة في المنتهى ١ : ١٠٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٩٩ وغيرهما.
(٢) لم نعثر عليه بعينه ، ولعلّه يدلّ عليه ما في الإيضاح ١ : ٤٨.
(٣) عوائد الأيّام : ٢٩٤.