المستفادين في المثال المتقدّم ، من غير فرق في ذلك بين استفادة الوجوب من مادّة الوجوب ـ كما في المثال المتقدّم ـ أو من الهيئة ، حيث إنّ ذلك يرجع في الحقيقة إلى إطلاق المادّة ، والمفروض أنّ الطبيعة المطلقة إذا وقعت في سياق النفي يستفاد منها العموم ؛ ولذلك تراهم يقولون بالتعارض فيما إذا دلّ الدليل على وجوب إكرام زيد في المثال المذكور على تقدير عدم الشرط تخييرا. ولا فرق فيما ذكرنا بين أقسام الوجوب المستفاد من الهيئة من الإطلاق والتعيين والنفسيّة وغيرها ، فإنّ الظاهر من المفهوم نفي جميع الأقسام وإن كان المنطوق خاصّا بواحد منها.
هذا كلّه فيما إذا كان المأخوذ في المنطوق مطلقا. وأمّا إن كان عامّا استغراقيّا ، كقولك : « إن جاءك زيد فأكرم العلماء » فهل يستفاد من المفهوم عدم وجوب الإكرام بالنسبة إلى كلّ فرد فرد من العلماء على تقدير عدم الشرط ، أو يستفاد عدم وجوب إكرام الجميع؟ فعلى الأوّل لو دلّ دليل على وجوب إكرام زيد العالم يعارضه المفهوم ، بخلافه على الثاني.
اختلفوا في ذلك ، فيظهر من جماعة ـ منهم الشيخ وصاحب المعالم والمحقّق القمّي رحمهمالله ـ الأوّل ، وحكي [ عن ] بعضهم الثاني (١). ولعلّ وجه الاختلاف في ذلك هو : أنّ العموم الملحوظ في المنطوق هل هو يعتبر آلة لملاحظة حال الأفراد على وجه الشمول والاستغراق فلا يتوجّه النفي إليه في المفهوم فيكون الاختلاف بين المنطوق والمفهوم في الكيف فقط دون الكمّ ، أو يعتبر على وجه الموضوعيّة فيتوجّه إليه النفي فالاختلاف بينهما ثابت كمّا وكيفا على قياس النقيض المأخوذ عند أهل الميزان؟
__________________
(١) راجع ضوابط الاصول : ١١٢.