ونحوهما يغاير موضوع الضرر ، وإلاّ فموضوع الضرر لا يقضي بتقييد الإطلاقات في صورة الشكّ كما يقضي به عند العلم أو الظنّ.
فالفاضل لو سلّم انحصار المقيّد في الضرر ، كما هو كذلك ـ على ما بيّنّاه في محلّه مستقصى من أنّ الخوف طريق إلى الضرر ـ لا يقول بوجوب دفع الضرر المشكوك ، ولا يحكم بتقييد ما دلّ على وجوب الصوم ـ مثلا ـ عند الشكّ في الضرر ، والعقل لصرافته يحكم بالوجوب ، فلا بدّ من توجيه وتوفيق.
والذي يظهر لي في الجواب ـ على ما أفاده الأستاذ ـ أن يقال : إنّ الضرر المنفيّ في الشريعة المقيّد لموضوعات أحكام الشرع عبادة ومعاملة هو الضرر الدنيوي ، كما يظهر من ملاحظة حكمهم بسقوط الصوم والوضوء في موضوع الضرر وعدم لزوم العقد الضرريّ مثلا. ولا يصحّ أن يكون الضرر الأخرويّ مقيّدا لإطلاق ما دلّ على ثبوت الحكم الشرعي ؛ لأنّ المراد بالضرر الأخرويّ ـ على ما يستفاد من كلمات المتكلّمين وجملة من الأخبار ـ ليس إلاّ العقاب ، وهو من توابع الحكم الشرعي ، فلو فرض تقييد موضوعه بهذا الضرر لزم الدور.
والعقل وإن كان مستقلاّ في لزوم دفع الضرر ولو كان دنيويّا إلاّ أنّه بعد ملاحظة انضمامه بحيثيّة تجريديّة لا مطلقا ، ففيما لو عارضه ما هو أقوى منه لا قبح في عدم الاجتناب. والموارد التي لا يجب الاجتناب فيها بأجمعها إنّما هو بواسطة تعارض الضرر بما هو أقوى منه (١) ولو كان الكاشف عن التعارض وجود ما يعارضه حكم الشرع ، كيف! والشارع يحكم بوجوب شيء ولو كان مشتملا على ضرر قطعيّ كما صرّح به جماعة منهم الشهيد في القواعد (٢) في مقام نفي التقيّة
__________________
(١) لم ترد عبارة « لا قبح ـ إلى ـ أقوى منه » في ( ش ).
(٢) انظر القواعد والفوائد ٢ : ٥٨ ، القاعدة (٢٠٨).