وخامسها : ما أشار إليه في المعالم بقوله : وقد شاع التخصيص حتى قيل : « ما من عامّ إلاّ وقد خصّ » فصار احتمال ثبوته مساويا لاحتمال عدمه وتوقّف ترجيح أحد الأمرين على الفحص والتفتيش (١). ولعلّه يشير إلى ما صرّح به في الزبدة : من توقّف إعمال الأصل على الظنّ الشخصي (٢) ، ولا يقول بكونه من المجاز المشهور حتّى يقال بأنّ الفحص لا يوجب الإجمال حينئذ ؛ مضافا إلى عدم نهوضه في العامّ المعلوم تخصيصه ، إذ لا غلبة.
وكيف كان ، فلا وجه له مع انتفاء العلم الإجمالي ، إذ لو قلنا بحجّيّة الأصل ولو مع عدم الظنّ فالأمر ظاهر. وأمّا لو قلنا بدورانها مدار الظنّ فلا مانع من حصوله بعد عدم العلم الإجمالي ، فدعوى الحصول في مثله دونه مكابرة.
الرابع من الأدلّة : دعوى الإجماع على الفحص والالتزام به. ويكشف عن تحقّقه أمران : أحدهما ما عرفت من نقله في لسان جماعة منهم العلاّمة (٣).
وثانيهما ملاحظة حال الفقهاء خلفا عن سلف ، فإنّه قد استقرّ رأي أرباب الفتوى والاجتهاد على البحث والتفتيش في طلب الأدلّة عموما وخصوصا ، ومعارضاتها موافقا ومخالفا ، مجتهدا وأخباريّا ، والمنكر إنّما يناقض عمله قوله ، ولا يجوز عنده البدار بالفتوى بمجرّد عموم رواية أو آية دلّ على مطلوب ، كيف! ولو لم يكن كذلك لكان الواجب عليه الاقتصار في كلّ باب على عموم وارد فيه ، فيأخذ بإطلاق قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً )(٤)
__________________
(١) المعالم : ١١٩.
(٢) الزبدة : ٩٧.
(٣) تقدّم عنهم في الصفحة : ١٥٧.
(٤) الفرقان : ٤٨.