بيان ذلك : أنّ الواجب هو تحصيل العلم بالامتثال بالنسبة إلى الأمر المعلوم بالإجمال المردّد بين الامور المتعدّدة ، والمقدّمة هي الصلاة بجهة خاصّة ثمّ بجهة اخرى ؛ وهما وإن كانا متعدّدين بحسب المفهوم ، إلاّ أنّ مجرّد التعدّد المفهومي الراجع إلى تعدّد الاعتبار لا يجدي بعد الاتّحاد في الحقيقة والذات ، فإنّ إيقاع الصلاة في الجهات هو عين تحصيل العلم في الخارج ؛ إذ المريد لتحصيل العلم بفراغ ذمّته ليس له بدّ من ذلك ، فإنّه عين مطلوبه.
لا يقال : إنّ الواجب هو العلم ومغايرته لهذه المقدّمات ضروريّة ، فكيف يتأتّى القول باتّحاد المقدّمة وذيها في الوجود.
لأنّا نقول : إنّ من المعلوم في محلّه أنّ من شرائط التكليف كون المكلّف به فعلا اختياريّا ، ولا يعقل أن يكون نفس العلم من الامور التي يتعلّق بها التكليف ، فالمكلّف به هو تحصيل العلم ، ولا مصداق لذلك المفهوم إلاّ إيقاع الصلاة بالجهات الأربع الذي هو ذات المقدّمة. نعم ، الحركات الخاصّة التي يعبّر عنها تارة بالصلاة واخرى بتحصيل العلم ملحوظة عند العقل بلحاظين ، يترتّب أحدهما في الملاحظة على الآخر ، فيمكن أن يقال : إنّ الداعي لإيجاد هذه الحركة الخاصّة ليس هو العنوان الملحوظ أوّلا ـ على تقدير عدم القول بوجوب المقدّمة ـ بل الداعي لذلك الفعل هو العنوان الملحوظ ثانيا والمنتزع أخيرا ؛ بخلاف ما إذا قيل بوجوب المقدّمة ، فإنّ الداعي له ذلك العنوان. وهذا وإن كان النزاع فيه أمرا معقولا ، إلاّ أنّه بعيد من أنظار العلماء ـ كما قد عرفت نظيره في حديث خروج المقدّمات الداخليّة عن حريم الخلاف ـ فلا ينبغي أن يكون هذه الامور محلاّ للخلاف.
وممّا ذكرنا يظهر فساد ما قد تجشّمه بعض الأعاظم (١) : من منع وجوب
__________________
(١) وهو المحقّق القمّي في القوانين ١ : ١٠٨.