ثمّ إنّ الظاهر اختصاص كلماتهم فيما نحن بصدده بما إذا كان العموم من وجه بين نفس الفعل المأمور به والفعل المنهيّ عنه ، كما في قولك : « صلّ » و « لا تغصب » حيث إنّ النسبة المأخوذة فيهما غير مستندة إلى أمر خارج عن الطبيعتين. بخلاف ما إذا كان العموم بينهما باعتبار متعلّقهما كما في قولك : « أكرم عالما » و « لا تكرم فاسقا » فإنّ الإكرام باعتبار الإضافة والتعلّق بالعالم والفاسق قد اختلفت ماهيّته على وجه العموم والخصوص من وجه ، كما هو ظاهر. ولعلّ الوجه في ذلك ـ على ما سيأتي ـ هو اختلاف متفاهم المثالين عند العرف.
وبما ذكرنا يمكن دفع ما ربما يورد على القوم : من التناقض بين الخلاف في المقام وبين إطباقهم في مباحث الترجيح على التوقّف والرجوع إلى الاصول في تعارض العامّين من وجه أو التخيير أو غير ذلك من غير احتمال الجمع ، إلاّ أنّ المجوّز بعد مطالب بالفرق بين المقامين. كما أنّه مطالب بذلك فيما إذا لم تكن مندوحة وبين غيره ، وقد عرفت (١) أنّ بعضهم قد طرّد الكلام فيه أيضا.
الثاني
في بيان الأقوال في هذه المسألة
فنقول : إنّهم اختلفوا فيها على قولين :
فذهب أكثر أصحابنا (٢) وجمهور المعتزلة (٣) وبعض الأشاعرة
__________________
(١) انظر الصفحة ٦٠٠.
(٢) منهم العلاّمة في نهاية الوصول : ١١٦ ، والفاضل التوني في الوافية : ٩١ ـ ٩٢ ، وصاحب الفصول في الفصول : ١٢٥.
(٣) انظر المعتمد ١ : ١٨١ ، والإحكام للآمدي ١ : ١٥٨.