وكيف ما كان ، فلو خالف فقرأ السور الطوال في تلك الحال ، فان كان متعمداً في ذلك فالمتسالم عليه بين الأصحاب هو بطلان الصلاة ، وليس وجهه هو حرمة قراءة هذه السورة ، والحرام لا يمكن التقرب به.
إذ فيه أوّلاً : أنّ هذه الحرمة ليست ذاتية بل عرضية كما عرفت ، فهي بنفسها صالحة للتقرب بها.
وثانياً : سلّمنا أنّها ذاتية إلاّ أنّك عرفت قريباً أنّ المبطل إنّما هو خصوص كلام الآدمي ، وأمّا غيره فلا دليل على بطلان الصلاة به ، وإن كان قرآناً محرّماً فمجرد كون قراءة هذه السورة محرّمة لا يقتضي البطلان ، ولذا لو قرأها لا بعنوان الجزئية بل بعنوان مطلق القرآن ثم عدل عنها إلى سورة قصيرة ولم يقع شيء من الصلاة خارج الوقت ، صحت صلاته بلا إشكال.
وثالثاً : سلّمنا أنّ مطلق الكلام المحرّم مبطل لا خصوص كلام الآدمي ، إلاّ أنّ غايته بطلان خصوص هذا الجزء لا أصل الصلاة ، فلو عدل عنها إلى سورة أُخرى قصيرة إن كان الوقت واسعاً ، أو ترك السورة رأساً من جهة أنّ ضيق الوقت من مسوّغات تركها صحت صلاته ، إذ ليس هناك ما يوجب البطلان كما لا يخفى.
كما وليس الوجه هو لزوم ترك الجزء لو اقتصر على تلك السورة المفروض عدم جزئيتها لحرمتها ، وتحقق القرآن المحرّم لو قرأ سورة أُخرى قصيرة.
إذ فيه أوّلاً : منع حرمة القرآن ، بل غايته الكراهة كما سيجيء إن شاء الله تعالى في محله (١).
وثانياً : أنّه على فرض الحرمة فهي مختصة بما يصلح أن يكون فرداً ومصداقاً للمأمور به ، دون مثل المقام الذي لا تصلح إحدى السورتين أن تكون فرداً
__________________
(١) في ص ٣٣٤.