الشىء لا يغيب ألبتة عن ذاته ، بل ربما قيل إنه قد يغيب عن أفعال تختص بذاته ، وتتم بذاته وحدها ، وإنما يتوسع فيقال هذا ، لأن هذه الأفعال لا تكون موجودة له ، بل لا تكون موجودة أصلا. وأما ذاته فكيف تكون غير موجودة لنفسها وبالحقيقة ، فإن أفعاله لا يجوز أن يقال فيها إنه يغيب عنها لأن الغائب هو موجود فى نفسه غير موجود للشىء ، وهذه الأفعال ليست موجودة أصلا إلا وقت ما يوجدها فلا يكون غائبا عنها ، وأما ذات الشىء فلا يغيب الشىء عنه ولا يرجع إليه.
وأما أصحاب التذكر فقد نقض احتجاجهم فى الصناعة الآلية (١).
وأما حجة هؤلاء الذين يجزّئون النفس فقد أخذ فيها مقدمات باطلة ، من ذلك قولهم : إنه توجد النفس النباتية مفارقة للحساسة ، فيجب أن يكون فى الإنسان شىء آخر غيره. فإن هذه المقدمة سوفسطائية.
وذلك لأن المفارقة تتوهم على وجوه ، والتى يحتاج إليها هاهنا وجهان :
أحدهما أنه قد تتوهم لها مفارقة ، كما لللّون عن البياض وللحيوان عن الإنسان إذ توجد هذه الطبيعة فى غير البياض وتلك فى غير الإنسان بأن يقارن كل (٢) فصلا آخر.
وقد تتوهم مفارقة ، كما للحلاوة المقارنة للبياض فى جسم. فإنها قد توجد مفارقة له ، فتكون الحلاوة والبياض قوتين مختلفتين لا يجمعهما
__________________
(١) قوله قدسسره : « فى الصناعة الآلية » يعنى بها المنطق. وفى بعض النسخ حرفّت الآلية بالآلهية. قال ـ قدسسره ـ فى الفصل العاشر من رابعة برهان الشفاء وهو آخر كتاب البرهان : « وإن كنا نعلم ثم نسينا ، متى كنا نعلم وفى اىّ وقت نسينا وليس يجوز أن نعلمها ونحن أطفال وننساها بعد الاستكمال ثم نتذكرها بعد مدّة اخرى عند الاستكمال ... » فراجع.
(٢) أى كل من اللون والحيوان.